لا تتردد قوات الاحتلال الإسرائيلي في التعبير عن عدم قدرتها في مواجهة تعدد التهديدات الأمنية، خاصة على صعيد الجبهة الداخلية الفلسطينية، مع تزايد الاعتداءات الفلسطينية، واستمرار الاحتجاجات على المسجد الأقصى، الأمر الذي دفع الإسرائيليين الأوساط الأمنية تطالب بالقضاء على المقاومة من الناحية العسكرية والعملياتية، لكنها تتجاهل المشاكل الجوهر الحقيقي للأمن القومي الإسرائيلي، والاستعداد للمواجهة القادمة الحتمية.

وفي الوقت نفسه، فإن الدعوات الإسرائيلية للتعامل مع المقاومة الفلسطينية بمنطق القبضة الحديدية لا تستجيب إلا لحالة الصراخ التي يصدرها الإسرائيليون من جميع الجهات، والتي عبر عنها الخطاب الساخن والهستيري في قنواتهم التلفزيونية، دون التركيز على جذور المقاومة، واستيعاب الدروس المستفادة من المواجهات الممتدة مع الفلسطينيين طوال قرن.

صرح الجنرال يوسي بلوم هاليفي، المؤرخ العسكري وكاتب العمود في صحيفة، في مقال ترجمه موقع “عربي 21” أن “الاستراتيجية التي شاركت فيها الحكومتان اليمينية واليسارية منذ اتفاقيات أوسلو ساهمت في الواقع الأمني ​​الإسرائيلي. الوصول إلى حالة التدهور هذه، والنتيجة أن شمال الضفة الغربية وتحديداً عاصمتها جنين أصبح مركزاً تنسيقياً للعمليات المسلحة، وبالتالي أصبحت المستوطنات المجاورة لجنين هدفاً مفضلاً للتنظيمات الفلسطينية المسلحة.

وأضاف: “إن الجيش الإسرائيلي بدوره تخلى عن حماية المستوطنين في مختلف مناطق الضفة الغربية، الأمر الذي حول حياتهم إلى جحيم لا يطاق، وتعيش إسرائيل الآن في ظل تهديدات مستمرة في حرب متعددة المجالات، و لم يعد بإمكانها توقع ما يمكن أن يحدث غدا، ودون سابق إنذار، على سبيل المثال، أن إيران قد تشن هجوما مباغتا على إسرائيل، أو أن مسلحين قد يهاجمون المستوطنين ويهاجمونهم بشكل مخيف.

اقرأ أيضا:

وتأتي مناسبة هذا الخطاب بعد المشاهد “المخزية” التي ظهرت فيها نخبة من القوات الخاصة الإسرائيلية أثناء مطاردة منفذي عملية شارع ديزنغوف وسط تل أبيب، وخاصة سرية هيئة الأركان العامة، جهاز الأمن العام (الشاباك)، اليمام وحرس الحدود لعدم وجود توجيه للتنسيق بينهم. وزراء الحرب، بيني غانتس، والأمن الداخلي، وعومر بارليف، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، والمفوض العام للشرطة يعقوب شبتاي، ظهروا جميعًا في حالة من الفشل المخزي.

وتتحدث دوائر عسكرية وأمنية إسرائيلية عن أن الفشل الأخير في مواجهة هجمات المقاومة الفلسطينية قد يشجع قوى أخرى مثل الصواريخ الإيرانية، أو محاولة حزب الله مهاجمة المستوطنات الشمالية، الأمر الذي يشكل خرقا للحدود الإسرائيلية، تم الكشف عنها من قبل العديد من جنرالات الجيش خلال عدد من المقابلات والحوارات التي أجروها في الآونة الأخيرة، وأهمها يتسحاق بريك وجرشون هكوهين، اللذين يحذران باستمرار من فرضية حرب متعددة الجبهات قد يواجهها الجيش الإسرائيلي، ومنها اخلاء الخطوط الحدودية وتركها للعدو.

في الوقت نفسه، تتجه الأنظار الإسرائيلية نحو الجبهة الشمالية، حيث يستعد حزب الله لاحتلال المستوطنات الحدودية، مما يجعل بناء الجدار الأمني ​​الشمالي إهدارًا غير ضروري للموارد المالية، يمكن توجيهه لتعزيز عناصر الجيش. القوة، من حيث دمج القوة الدفاعية مع نظيرتها الهجومية، خشية تكرار الفشل ما حدث في حرب أكتوبر 1973، والتي تخللتها خسائر فادحة من الجانب الإسرائيلي، يدفع وزير الدفاع غانتس للتساؤل حول جدوى ميزانية بقيمة 360 مليون شيكل لإصلاح الثغرات في الضفة الغربية وصولاً إلى الحدود الشمالية.

على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، يعبر الاحتلال عن مخاوفه من تفاقم التهديد الأمني ​​من فلسطينيي القرن الثامن والأربعين، لا سيما المدن المختلطة والتجمعات البدوية في النقب، تحسباً لانتفاضة عربية وإسلامية، بالإضافة إلى الاستثمار في الأسوار الحديدية والقوى البشرية من مقاتلي الذراع البرية، وطرد عشرات الآلاف منهم. في ظل خدمة الاحتياط، وربما تظهر مشاهد الحرب الأوكرانية الخوف الإسرائيلي من المواجهة المقبلة، وسط عدم الاستعداد المناسب لها.