أثار اعتقال عشرات النشطاء والحزبيين والنقابيين في الأردن تساؤلات حول دوافعهم وتداعياتهم، في بلد يعاني من استياء شعبي بسبب أزمة اقتصادية خانقة وأفق سياسي مسدود، بحسب مراقبون.

وقال مصدر في الحراك الشعبي لـ “عربي 21″، طالبا عدم نشر اسمه، إن الأجهزة الأمنية أفرجت عن جميع المعتقلين مساء الخميس، بناء على أوامر صادرة عن وزير الداخلية الأردني مازن الفاريا.

“خطف”

ووصف المنسق العام لحركة التغيير الدكتور سفيان التل اعتقاله بأنه “خطف”، قائلا: “فوجئت بعدد من السيارات أمام منزلي صباح الخميس، فركضت زوجتي عليها وهي تحمل دوائي، لكنهم رفضوا أخذها منها “.

وأضاف لـ “عربي 21”: “أخذوني إلى مركز أمني، وأمضيت ست ساعات أسأل عن سبب اعتقالي دون إجابة، حتى قيل لي إنني موقوف لمنعني من المشاركة في حدث لإحياء الذكرى”. اعتصام 24 آذار “الذي نفذته الحركات الشعبية في العاصمة الأردنية عمان عام 2011، إبان ثورات الربيع العربي، وفضته الأجهزة الأمنية بوحشية، بالتعاون مع من عرفوا في وسائل الإعلام. في ذلك الوقت بصفتهم “بلطجية”.

واحتفظ التل بذكر عدد محدد من المعتقلين، مشيرا إلى وجود تباين في الأعداد بين “29 و 45 و 70 و 80”.
وتابع: “بغض النظر عن أعدادهم، المهم أن ما حدث هو فشل ذريع للدولة، والذي كان تتويجا لعملية تزوير تاريخية، شملت ما يسمى بالتعديلات الدستورية التي ركزت كل السلطات في أيدي الملك وما سمي بقانون الانتخاب القادم من السفارة الأمريكية وقانون الأحزاب الذي تم تفصيله لصالح الكتل الحزبية التي شكلها آلاف المخبرين.

واعتبر التل أن “الأردن يسلك أجندة خارجية ينفذها أصحاب القرار، مستبعدة كل شخص له عقل وفكر مستنير، وما حدث اليوم دليل على ذلك”، مؤكدا أن “هذه الأجندة ستوصل البلاد إلى الهاوية اذا لم يتحرك الاصلاحيون واتحد ابناء الوطن للقضاء على كل فاسدين وعملاء “. “على حد تعبيره.

زيف “الإصلاح الرسمي”

من جانبه وقال الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية، سعيد دياب، إن حكومة عون الخصاونة “تعبر من خلال هذه الاعتقالات عن عقلية عرفية سئمت من أي رأي آخر بغض النظر عن طبيعة ومستوى هذا الرأي”.

وأضاف لـ “عربي 21″، أن اعتقال عدد من البرلمانيين ونشطاء الأحزاب السابقين “كشف زيف كل حديث رسمي عن الإصلاح السياسي، واللجان التي تم تشكيلها تحت مسمى تحديث النظام السياسي والحزبي، و ان هذا ليس الا غبار في العيون ومن اجل تسويق صورة غير حقيقية للاردن “. في الخارج”.

واعتبر دياب أن الاعتقالات أكدت أن قانون الدفاع الذي قررت الحكومة تفعيله في 17 مارس 2020، بحجة مواجهة جائحة كورونا، “هدفه الحقيقي استخدام هذا القانون ذريعة لمصادرة الحريات العامة والتحايل. أي توجه إصلاحي في المستقبل “على حد قوله.

وأكد أن الحكومة ارتكبت خطيئة سياسية بهذه الاعتقالات. لأنه عمّق الأزمة العامة التي تعيشها البلاد، وأدى إلى مزيد من التوتر المجتمعي، مضيفًا أن الحكومة متوهم إذا اعتقدت أنها تستطيع ترهيب الشباب والمطالبة بالإصلاح والديمقراطية باعتقال العشرات منهم.

وبخصوص البيان أن حملة الاعتقالات كانت احترازية لمنع إقامة وقفة احتجاجية في ذكرى ما عُرف بـ “اعتصام 24 آذار”. واستنكر ذياب هذا التبرير، مشيرا إلى أن “من يعتقل شعبه على أساس النوايا يحمل عقلية خطرة، وإذا وقع الاعتصام بالفعل فلا شيء فيه يؤثر على الأمن القومي”.

وأشار إلى أن التراكمات الكمية هي التي تحدث التحولات النوعية كما هو معروف في قوانين الجدل، وبالتالي فإن هذا القمع المتراكم سيؤجج القلوب ويقودها إلى حالة من التمرد، وتابع: “لحظة الانفجار. قد يتأخر، لكن قبول الناس لمثل هذا الوضع لا يمكن أن يستمر “.

وأشار دياب إلى أن الأردن سيتحرك ويطالب بالإصلاح بشكل فعال أكثر من أي مرحلة سابقة. لأن المواطنين “يدركون خداع الحكومات المتعاقبة، وازمة الثقة بين الدولة والشعب قد تعمقت”، مشيرًا إلى أنه “لا مكان للدولة ككل إلا الانفتاح على المجتمع وتوفير واقع حقيقي”. الإرادة السياسية للإصلاح ليست وهمية كما نرى “.

الاحتقان البركاني

منعطف _ دور؛ وقال الناشط السياسي والحزبي رامي العياصرة إن الحكومة أرادت من خلال هذه الاعتقالات إرسال رسالة واضحة للحركات والأحزاب. أن العودة إلى الشارع غير ممكنة، حتى لو اقتضى ذلك حملة اعتقالات بهذا الشكل المرفوض شعبياً، وبما يتعارض مع الحق الدستوري في التعبير عن الرأي والتعبير بالوسائل السلمية.

وأضاف لـ “عربي 21” أن “الاعتقالات تبعث برسالة متضاربة مع حديث الملك عن ضرورة تحديث النظام السياسي من أجل تمكين العمل الحزبي وتأمين مشاركة واسعة للشباب”، مبيناً أن “الحملة الأمنية أثرت بشكل معروف على الجميع. شخصيات وطنية وحزبية، وسبقه اعتقال تسعة نشطاء قبل 40 يوما، سياسيون، وما زالوا معتقلين حتى هذه اللحظة “.

واعتبر العياصرة أن “تجرؤ الحكومة على اعتقال خصومها بين حين وآخر لا يشير إلى ضعف الحراك أو قلة التفاعل الشعبي معه، مشيرا إلى أنه“ إذا كانت الحركة ضعيفة أو بلا نفوذ فلماذا كل هذه الاعتقالات؟ ؟

وأعرب عن أمله في أن تتجه الحكومة نحو رفع القبضة الأمنية عن الحياة الحزبية والسياسية، تماشيا مع دعوات التحديث السياسي، واتخاذ خطوات حقيقية تحترم الدستور وتطبق القانون بشكل عادل.

وتابع العياصرة: “بدون ذلك تستمر مسلسل الازدحام الشعبي الذي لا يتوقعه أحد متى قد يؤدي إلى انفجار لا سمح الله”.

حاول عربي 21 الاتصال بالمتحدث باسم الحكومة الأردنية فيصل شبول للتعليق على أسباب الاعتقال، لكنه لم يرد على مكالماتنا. كما حاول عربي 21 الاتصال بالمتحدث باسم مديرية الأمن العام، لكنه لم يرد هو الآخر.

وتجدر الإشارة إلى أن تقرير CIVICUS Monitor، وهو مؤشر بحثي عالمي يصنف ويتتبع الحريات الأساسية في 197 دولة وإقليم، خفض تصنيف الأردن في عام 2021 من “المعرقل” إلى “القمعي”.

أظهر مؤشر في تقريره السنوي لعام 2020، تراجع الأردن في سلم الحريات المدنية والحقوق السياسية بالمرتبة 34 عالمياً، ليصبح دولة “غير حرة” بعد تصنيفها ضمن الدول الحرة جزئياً.

يشار إلى أن الأردن شهد يوم “24 آذار” إبان اندلاع الربيع العربي، احتجاجات واسعة النطاق، وقوبل أول اعتصام مفتوح في العاصمة بقمع شديد.