أسس الحضارة الإسلامية

أسس الحضارة الإسلامية
أسس الحضارة الإسلامية

مفهوم الحضارة

تعرّف الحضارة بأنّها معنًى شامل لجميع أنواع التقدُّم والرقيّ الإنسانيين للمُستقرِّين في مواطن العُمران، وهي تَرجِع إلى ثلاثة أمور، أحدها: ما يتعلق بوسائل العيش وأسباب الرفاهية المُحصِّلة للمُتعة الحسية والنفسية، والثاني: ما يَخدم الجماعةَ في ظل النظام والعدل والتعاون، ويُحقِّق لها الأمن والطمأنينة والرخاء، ويُحسِّن العلاقات والمعاملات فيما بين أفراد المُجتمَع الواحد بتوفير المناخ الأخلاقي والثقافي اللازم من أجل الحَراك نحو مزيدٍ مِن التقدُّم والرقيِّ، والثالث: ما يتعلَّق بالفِكر والتأمل في سر الوجود الإنساني والغاية منه، ومصيره من أجل تحقيق السعادة الأبدية، وإن التقدُّم الحضاري قد تولى الإسلام إقامةَ مَعالمه، وإنارة سبيله، وتبيينَ مقوماته، وحضَّ الناسَ كافة إلى الأخذ بها، وسيتم ذكر أسس الحضارة الإسلامية.[١]

الحضارة الإسلامية

اهتم الدين الإسلامي منذ بدء الدعوة الإسلامية، التي تتمثل بنزول الوحي على المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه-، إلى قيام الخلافة الراشدية، ومن ثم الأموية والعباسية، مع كل الممالك والدول والدويلات التي قامت إبان حكم الخلافات المذكورة، وأخيرًا الخلافة العثمانية، بمظاهر الحضارة والتقدم، فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة والتي كانت عبارة عن مجرد إمبراطوريات ليس لها أساس من علم ودين، وقد ساعد التسامح الديني في الإسلام بخلق شبكة متعددة من الثقافات حيث تم جذب المثقفين المسلمين والنصارى واليهود، مما أتاح وجود أعظم فترة من الإبداع الفلسفي في العصور الوسطى وذلك في الفترة من القرن الثامن وحتى الثالث عشر ميلادي، في العصر الأموي تم العناية بالطبابة والمعالجة في دمشق وإنشاء المستشفيات وتنظيم عمل المعالجين والصيادلة والأدوية وتدريس الطب، ومما يثبت اهتمام المسلمين بمظاهر الحضارة، وجود جامعة القرويين في فاس المغرب التي تعد أقدم جامعة في العالم حيث تم تأسيسها في سنة 859 ميلادي.[٢]

وقد قدمت جامعة الأزهر والتي تم تأسيسها في القاهرة في القرن العاشر شهادات أكاديمية منوعة ومن ضمنها شهادات عليا، وبحلول القرن العاشر كان في قرطبة 700 مسجد و60000 قصر و70 مكتبة، كانت تحوي أكبرها 600000 كتاب، وكان يتم نشر ما مجموعه 60000 دراسة وقصيدة ومؤلفة كل سنة، وقد كان يوجد في مكتبة القاهرة ما يقارب مليوني كتاب! وكما يقال أن مكتبة طرابلس في لبنان تحوي على أكثر من 3 مليون كتاب قبل أن يتم تدميرها من قبل الصليبيين، كما يذكر أن عدد الأعمال العلمية المهمة التي أنجزها العرب المسلمون والتي نجت من التدمير تزيد عن عدد الأعمال العلمية التي نجت والمكتوبة باللغة اللاتينية واليونانية مجتمعين.[٢]

أسس الحضارة الإسلامية

جعل الله ظهور الإسلام نورًا للظلام الذي حل فيه العالم، وقد أعاد صياغة الإنسان في الجزيرة العربية، وأرسى لبنات حضارة جديدة، وقد قامت الحضارة الإسلامية على عدة أسس مهمة، منها:[٣]

  • عقيدة التوحيد: حيث أرسى الإسلام مفهومًا للتوحيد عندما خاطب مُشرِكي مكة ذاكرًا لهم إنه لا يكفي ما هم عليه من توحيد الربوبية، أي: الإقرار بأن الله هو رب كل شيء وخالق كل شيء، بل لا بد أن يقترن هذا الإقرار بالتوجه بالعبادة لله وحده لا شريك له من مخلوقات الله.
  • العدل: وقد ركزت نصوص القرآن والسنة على قضية العدل، فمن الأمثلة القرآنية قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾[٤]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[٥].
  • العلم: حيث جاء الإسلام ليُعيد ترتيب العقل الإنساني، ثم يُطلقه ليعرف ربَّه من خلال آياته في الكون والنفس، فإن أول ما نزل به الوحي على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قول الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾[٦]، وهو يختص بالعلم، ومما يدل على اهتمام الإسلام بالعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل فداء أسرى بدر، تعليم الواحد منهم عشرة من أبناء الأنصار القراءة والكتابة، هذا وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة في الحث على تحصيل العلم النافع، مما كان له أثر فعال في بناء الحضارة الإسلامية.
  • الأخلاق الفاضلة: إذ إن القرآن الكريم دستور شامل لتربية الأفراد والجماعات تربية صحيحة في شتى مجالات الحياة.
  • العمل: وهو الذي يشيِّد صرح الحضارة، والإسلام يدعو للعمل بل هو دين عملي، ونبي الإسلام كان يتعوذ من العجز والكسل.

الإدارة في الحضارة الإسلامية

إن الإدارة ظاهرة ترافق وجود المجتمعات السياسية، فحيث يوجد مجتمع سياسي منظم توجد الإدارة، وقد تجلت معاني الإدارة الإسلامية في الصور الآتية: التعاون في الوصول إلى حكم الشرع، محاولة كشف الأخطاء الملازمة للإدارة، والوصول إلى الحل السليم فيما يجد من لأمور، وللإدارة في الحضارة الإسلامية صور عدة، منها:

  • التخطيط: هو عبارة عن عملية فكرية تعتمد على المنطق والترتيب والتقدير والمرونة وإيجاد البدائل.
  • التنظيم: هو بيان وتحديد الهيكل الذي تنتظم فيه علاقات السلطة والمسؤولية وهو كيان حي متحرك ولابد من إعداده ليتلاءم دائمًا مع المتغيرات الداخلية والخارجية، وهو ما جاء به الإسلام، قال تعالى: {أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات}[٧].
  • التوجيه: هو القدرة على السير الصحيح مع الموظفين، وهدايتهم وتوجيههم مع إيجاد روح الود والحب والرضى والانتماء للعمل، ولقد اعتنى الإسلام بالتوجيه وأولاه رعاية خاصة لشحذ همم العباد، فمن ذلك قوله تعالى: {ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك}[٨]، وهذا توجيه أعلى للقائد والحاكم، وكذلك قوله تعالى: {وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم}[٩].
  • الرقابة: هي عملية ملاحظة نتائج الأعمال التي سبق تخطيطها ومقارنتها مع الأهداف التي كانت محددة واتخاذ الإجراءات التصحيحية لعلاج الانحرافات، وهي غاية الأمر ومنتهاه، فبعد التطبيق الكامل يأتي دور التأكد من أن تنفيذ الأهداف المطلوب تحقيقها في العملية الإدارية تسير سيرًا صحيحًا حسب الخطة والتنظيم والتوجيه، ولعل الإداري المسلم المؤمن هو المدرك حق الإدراك حقيقة الرقابة، والعمل على إنفاذها سواء على نفسه أو على غيره، ومن شواهد الرقابة في القرآن الكريم قوله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}[١٠]

مظاهر الحضارة الإسلامية

اهتمّت الدولة الإسلامية عبر عصورها الرئيسة المتتابعة "صدر الإسلام، الأموية، العباسية، الأندلسية، والعثمانية" بالجانب الحضاري، أما عن التاريخ الأندلسي فقد برع أهل ذاك الزمان، فأنشؤوا المدارس والمكتبات في كل ناحية، وترجموا الكتب المختلفة، ودرسوا العلوم الرياضية والفلكية والطبيعية والكيميائية والطبية بنجاح ولم يكن نشاطهم في الصناعة والتجارة أقل من ذلك، فكانوا يصدرون منتجات المناجم ومعامل الأسلحة، ومصانع النسائج، والجلود والسكر وبرعوا في الزراعة قدر براعتهم في العلوم والصناعات، وأدخلوا إلى حقول الأندلس زراعة قصب السكر والأرز والقطن والموز.[١١]

أما عن العلوم في الدولة الإسلامية، فلم يكن العرب حين دخلوا بلاد الشام يعرفون الطب إلا معلومات بدائية، ولم يكن لديهم من الأدوات والأجهزة الطبية إلا القليل الذي لا يغني، فلما ازدادت الثروة نشأت في الشام وفارس طائفة من الأطباء، واسعة العلم، عظيمة المقدرة، واستقدمت من بلاد اليونان والهند، والمعادلة طبيعية، وهي أنه كلما ازداد الثراء، ازداد معه التفرغ للأشياء الأخرى، وظهر عدد كبير من الأطباء والصيادلة أو الكيميائيين، وأشهرهم: ابن الهيثم، ابن حيان، الفارابي، أبو بكر الرازي، ابن سينا، ابن النفيس، وقطب الدين شيرازي، وهكذا يختم مقال: أسس الحضارة الإسلامية.[١١]

المراجع[+]

  1. "مفهوم الحضارة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-08-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "الحضارة الإسلامية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 02-09-2019. بتصرّف.
  3. "تعريف الحضارة وأُسسها في الإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 02-09-2019. بتصرّف.
  4. سورة التوبة، آية: 90.
  5. سورة المائدة، آية: 8.
  6. سورة العلق، آية: 1.
  7. سورة الزخرف، آية: 23.
  8. سورة آل عمران ، آية: 159.
  9. سورة البقرة، آية: 237.
  10. سورة التوبة، آية: 105.
  11. ^ أ ب "الأدب في العصر العباسي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 31-08-2019. بتصرّف.