أسباب سقوط الدولة الأموية

أسباب سقوط الدولة الأموية
أسباب-سقوط-الدولة-الأموية/

أسباب سقوط الدولة الأموية

تأسّست الدولة الأموية في العام (41هـ - 662م) على يد معاوية بن أبي سفيان بعد انتهاء الخلافة الراشدة[١]، وتعدّ الدولة الأموية أكبر الدول الإسلامية وأكثرها توسّعًا، حيث وصلت دولتهم إلى حدود فرنسا الحالية وسيطروا على كامل الأندلس، وهي واحدة من أهم الدول تاريخيًّا على المستوى السياسيّ والحضاري عالميًّا، كانت دمشق عاصمة الدولة الأموية وبلاد الشام مركزها السياسي والاقتصادي. وقد تميزت هذه الدولة بنظام حكم سياسي يعتمد على التّوريث والعائلة الأموية وعلى الارتكاز على العنصر العربي بشكل كبير، ولذلك تسمى الدولة العربية الإسلامية.[١]


نجح خلفاء بين أمية في السيطرة على مساحات شاسعة من القارات الآسيوية والأفريقية والأوروبية لمدة قرن تقريبًا، وخلال هذه المدة استطاع الكثير من هؤلاء الخلفاء أن يثبتوا حكمهم في مناطق سيطرتهم البعيدة عن مركز الدولة في بلاد الشام عبر بناء المدن الجديدة والاهتمام بالزراعة والصّناعات اليدوية وتوسيع الموانئ البحيرة وتشييدها، كما تميزت الدولة الأموية بإرساء نظام إدارة حديث للدولة الإسلامية عبر إنشاء الدواوين وتطوير البريد، مما أسهم في تطور أمور الدولة على المستوى الاقتصاديّ بشكل كبير.[٢]


كان نظام التوريث في الدولة الأموية -والذي أقره معاوية بن أبي سفيان- أحد أسباب عدم رضا الكثير من العرب، خصوصًا من صحابة رسول الله ورجال القبائل العربية، وصولًا لبني أمية نفسهم، لذلك بقيت النّزاعات داخل الدولة الأموية قائمة وإن كانت تهدأ في بعض الأوقات، وهذا ما أسهم -بشكل أو بآخر- في ضعف الدولة الأموية، ثم كان أحد أسباب سقوطها في عام (132هـ - 750م) على يد العباسيّين.[٣]


تُشير كتب التاريخ إلى أن الظلم السياسي والاجتماعي المتكرّر في فترات مختلفة من حكم خلفاء بني أمية أسهم في صعود النزعات الرافضة لحكمهم، ممّا عزز فرص المنافسيين لهم على الحكم في الصعود، خصوصًا في نهايات حكم خلفاء بني أمية، ولذلك أستطاعت الدعوة العباسيّة كسب الكثير من المؤيّدين لها في مناطق فارس والعراق التي رفضت حكم بني أمية لأسباب دينية وقومية مختلفة، وقد عزّز الصراع الداخلي في البيت الأموي في إضعاف الدولة بشكل أكبر.[٤]


الظلم السياسي

ما هي تجليات هذا الظلم؟

ظهرت سياسة الشدّة في الحكم منذ بداية حكم الدولة الأمويّة مع الخليفة معاوية بن أبي سُفيان، فقد كان شديدًا في تنفيذِ سياسته ورفضه للتنازل عن الحكم لعليّ بين أبي طالب، وقد استمرّت هذه السياسية من بعده في الفترات المختلفة من حكم بني أمية، أهمّ هذه المظاهر كانت قضاء عبد الملك بن مروان على زعماء العرب في الشام ورفضه للمساوَمة معهم على الإبقاء على امتيازاتهم السياسيّة والاقتصاديّة هناك، كما أظهر القضاء على الزبيريّين في الجزيرة العربيّة، ثمّ القضاء على الثورات الداخليّة بالقوّة تأكيدًا على قوّة وشدّة بني أمية.[٥]


هذه القوّة أدّت إلى التشدّد في الحكم في أغلب الأحيان من قبل خلفاء وأمراء بني أمية، ممّا أسهم في تفاقم هذه الشدّة وتحوّلها إلى ظلمٍ في فتراتٍ مختلفة، فقد تَمحْوَرَ أمرُ العرب والمسلمين في يدِ البيت الأمويّ ممّا جعل كلّ من يخالف رأيهم عدوًّا، لهم وإن كان يعمل في مصلحتهم بشكل أو بآخر، احتكار السلطة وتقريب الأقوياء بغض النظر عن رجاحة عقلهم من عدمها أسهم في تعزيز حكم فئة معينة من العرب توالي الأمويين، وترهيب القبائل العربية المخالفة لهم في الرأي أو تلك التي كانت لها عداوة أو خلاف سابق مع بني أمية.[٦]


ظهَرَ الظلم السياسيّ بشكل كبير وتجلّى في مناطق العراق وفارس؛ وذلك بسبب تاريخ هذه المناطق المعادي والمناوئ لبني أمية، وقد انعكس هذا الظلم على مجتمعات المدن هناك من خلال ولاة المدن الأمويين الذين بطشوا في كلّ من يخالفهم الرأي عبر الشدة والقوة والقتل في الكثير من الأحيان، وأشهرهم كان الحجاج بن يوسف الثقفي.[٧] إضافة إلى فساد الكثير من ولاة هذه المدن في الفترة الأخيرة من حكم الأمويين الذين انتشرت فيه مظاهر السيطرة على الأراضي وتحويلها إلى إقطاعيّات زراعية، وفرض الضرائب وسجن المعارِضين أو حتى قتلهم.[٥]


انعكسَ الظلم السياسيّ في الدولة الأموية باتجاهين اثنين اقتصادي واجتماعي، أمّا الظلم السياسيّ بحسب المؤرّخين فقد كان عبر تمييز العرب وتفضيلهم على غيرهم من الشعوب، أمّا على المستوى الاقتصادي فقد كان العرب يحصلون على الامتيازات كافّة، بخلاف ما يسمى الموالي أو من دخل الإسلام في البلاد المفتوحة حديثًا، ممّا زاد من تذمر هذه الفئات من غير العرب وغير المسلمين، وقد كانت ضريبة الخراج أحد أسباب نزوح أهل الريف إلى المدن كما كان الإبقاء على الجزية في كثير من الأحيان على من أسلم سببًا في تفاقم حقد الناس على الحكم الأمويّ.[٦]



رغم محاولات سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز على الإصلاح الاقتصاديّ ووقف نقمة الموالي على حكمهم، وذلك عبر إدخالهم بالجيش وإلغاء أي تمييز ضدهم من الناحية الاقتصادي تحديدًا، فقد كانت الحركة الهاشمية ومن ثمّ العباسية انتشرت بين الكثير من هؤلاء، بحيث أصبحوا قاعدة بشريّة لهم في العراق وإيران تحديدًا، العامل الاقتصادي الذي زاد من فقر الناس في فترات مختلفة أسهم في زيادة العداء للأمويين ومن ثمّ تحول إلى أزمة اقتصادية عصفت بالدولة الأمويّة؛ بسبب قلة الموارد بسبب رفض أو عدم قدرة الناس على دفع الضرائب ونقص في الإنتاج الزراعيّ؛ بسبب الهجرة من الريف إلى المدن.[٦]



أسهمت الدولة الأموية في نشر الثقافة العربيّة الإسلاميّة في جميع الأقطار التي سيطروا عليها، وأسهم النظام السياسي في تحرير أغلب العبيد، وقد أسهم تحرُّرُ العبيد وانتشار الاسلام في صعود طبقة جديدة تطورت خلال الخمسين عام الأولى من عمر الدولة الأمويّة، بحيث أصبحت إسهامًا رئيسًا بالاقتصاد من خلال سيطرتهم على الحِرَف والزّراعة وجزء من التجارة بين الأقطار ممّا حوّلها إلى طبقة وسطى متعلّمة ومثقفة، تحولت فيما بعد إلى طبقة رافضة للظلم السياسي ورافعة للدعوة العباسية في وجه الأمويين، ومن ثمّ تحوّل هذا الخلاف إلى خلاف مذهبي لأسباب سياسية اقتصادية.[٦]


النزاع بين أفراد البيت الأموي

متى بدأ النزاع بين الأمويين؟

تناوَبَ على خلافة الدولة الأموية خلفاء ينتمون للفرع السفياني والفرع المرواني من بني أمية، وقد سيطَرَ الفرع المرواني على الحكم سريعًا بعد وفاة يزيد بن معاوية وبقوا في السلطة إلى نهاية الدولة وسقوطها على يد العباسيين وأنصارهم، وبعد سيطرة آل مروان على الحكم ظهرت الخلافات بين آل مروان وأبناء العاص في العائلة الأمويّة بشكل كبير أدى في النهاية إلى نشوب عدة أحداث قتالية وغيرها في عهد عبد الملك بن مروان، الذي استطاع إنهاءها وتثبيت الحكم لآل مروان.[٨]


كان رَفْضُ عمرو بن يزيد بيعة عبد الملك بن مروان أوّل الخلافات الحقيقية بعد إرساء سلطة الدولة الأموية على جميع الأقطار والمدن الإسلامية، وقد اشتد الخلاف إلى أن قتل عبد الملك بن مروان عمرو بن يزيد، وهذا ما أدى إلى استدامة الصراع والخلاف داخل البيت الأمويّ بشكل كبير ومُؤذٍ للدولة الأمويّة، وبالرغم من سيطرة المروانيين على الحكم بشكل قوي بعد إنهاء هذا الخلاف، إلّا أنه كان سببًا في عدم تسوية الخلافات داخل البيت الأموي.[٦]



بالرغم من محاولات عبد الملك وابنه الوليد، ثم عمر بن عبد العزيز في إنهاء هذا الخلاف بالطرق السلمية، إلّا أن هذا الخلاف استمر بالتنامي خلال أغلب فترات الدولة الأموية، إلى أن توفي الخليفة هشام بن عبد الملك الذي خلفه وليد بن يزيد بن عبد الملك والذي شهد بداية سقوط الدولة الأموية الفعلي، خصوصًا أن الأمويين في هذه الفترة لم يستقروا على رجل منهم ليكون خليفة للعرب والمسلمين، وبالرغم أيضًا من تولي محمد بن مروان الخلافة في النهاية وهو الرجل القوي والحكيم إلا أنه لم يستطع إنقاذ الدولة، مما أدى إلى تفكك الدولة وسقوط المدن في يد العباسيين مدينة تلو الأخرى.[٥]


النزعات الإنفصالية والشعبوية والقبلية

ما هي أشهر النزعات الشعوبية والإنفصالية؟

أُخِذَ على الدولة الأموية بأنها دولة عنصرية أعزّت العرب ومَيّزتهم في مقابل تهميش القوميّات الأخرى؛ وذلك بسبب حصر غالبية موظّفي كبار الدولة وقادة الجيوش بالعنصر العربيّ، كما أنّها الدولة التي أكملت عمليّة تعريب الدولة بعد عمل الخليفة عمر بن الخطاب بتعريب الدّواوين، وذلك من خلال سياسات سكّ العملة العربية وأعمال الترجمة وبناء المدن الجديدة في المغرب العربيّ، ورفد المناطق الجديدة بالعنصر العربي، هذا ما أدّى إلى تحيّز كثير من الشعوب الأخرى كالشعوب الإيرانية والتركية ضدّ الدولة الأمويّة لصالح النزعات الانفصاليّة التي دَعَت إلى الولاء للفُرس أو للدعوة العباسيّة وغيرها من الثورات الأخرى.[٩]


وظّفت الكثير من النّزعات الرافضة لحكم بني أمية المذاهب والخلاف بين معاوية وعلي وقتل يزيد للحسين بن علي لصالحها، بحيث أنّها تمسّكت بمذهب ودعوة معينة لإسقاط حكم الأمويين بحُجج مختلفة منها ما كان شعبويًا ومنها ما كان مذهبيًّا أو طائفيًّا، وقد أسهمت هذه الدعوات خلال النصف الثاني من حكم بني أمية بزعزعة الحكم الأموي في العراق وخراسان وصولًا إلى المغرب العربي. وفي النهاية نجحت الدعوة العباسية التي راهنت على دعم أهل خراسان ومناطق العراق وإيران والكثير من موالي الدولة العربية الإسلامية.[٥]


أشهر النزعات الشعوبية هي التي قادها الشيعة العلوية ذات النزعة الفارسيّة، وأشهر هذه الدّعوات أو الثّورات هي الحركة الزيديّة والحركة الجعفريّة والحركة الإباضيّة. وقد كانت الدعوة العباسية أشهر هذه الدعوات والتي أتت بالإطاحة بالحكم الأمويّ في بلاد الشام إلى الأبد، وجميع هذه الحركات راهنت على كره الأمويين لانحيازهم للعنصر العربيّ من جهة وعلى تعظيم آل البيت في وجه بني أمية.[٥]


لم تكن النزعات الانفصاليّة وحدها من سبب في إضعاف الدولة الأموية، فقد كانت الخلافات والنّزاعات بين القبائل العربية، تحديدًا بين القيسيّة واليمنيّة سببًا في إضعاف الحكم الأمويّ، والسبب الرّئيس في ذهاب الحكم الأموي في الأندلس، ثم إشعال الفوضى في بلاد فارس؛ بسبب الاقتتال بين القبائل العربيّة هناك وقادتها، وقد أسهمت تصرفات الخلفاء الأمويّين في تصعيد هذا الخلاف بالنّظر إلى انتقائية الخلفاء للولاة، فكل خليفة أموي يقرب أو يبعد هذه القبيلة أو تلك بحسب هواه، مما أدى إلى احتدام النواع بين هذه القبائل.[٥]


ظهور الدعوة العباسية

ما هي مراحل الدعوة العباسية؟

بدأت الدعوة العباسية بقيادة محمد بن علي بن عبد الله بن العباس قبل سقوط الدولة الأموية بثلاثين عامًا تقريبًا، وقد كانت في البداية تنتهج السرية التامة، ثمّ بعد وفاة مؤسِّسها واستلام عبد الله بن محمد القيادة، انتقلت إلى المرحلة العلنية في ظلّ ضعف الدولة الأمويّة وتفكّك بيتها الداخليّ، وقد كان المنهج الدينيّ وانتساب أصحاب الدعوة لآل بيت رسول الله هو الأساس الفكريّ والدعويّ لها، ممّا أسهم في نجاحها بشكل كبير، خصوصًا بين غير العرب من سكان الأمصار الإسلاميّة في بلاد فارس.[١٠]


كان حكم بني أمية يتعرض للنّقد دائمًا بسبب نظام الحكم الوراثي وشدة الحكم وعدم إفساح المجال للجميع للعب دور ما في إدارة الدولة، كما كانت دعوة الكثير من غير العرب وبعض قبائل العرب بأحقية آل البيت بالحكم نقطة ضعف الأمويين وعائقًا، أمّا استقرار الدولة، خصوصًا لمن ينتهج المذهب الشيعي العلوي في تلك الفترة، وقد فرضت الدعوة العباسيّة نفسها بقوة في مناطق إيران، واستطاعت استقطاب الكثير من كبار المدن في فارس والعراق في وقت قصير، ممّا أسهم في سرعة سيطرتهم على هذه المدن.[١١]


نجحَت الدعوة العباسية في كتابة نهاية الدولة الأموية وتأسيس بداية الدولة العباسية، وذلك بعد نجاح العباسيين بالانتصار على جيوش الأمويين في العراق والشام، وقد كانت معركة الزّاب في عام (132هـ - 750م) والتي انتصر فيها العباسيّون على الخليفة محمد بن مروان، وبعد هذه المعركة لاحق العباسيّون فلولَ بني أمية في بلاد الشام ومصر والمغرب العربيّ.[١٢]


لقراءة المزيد، انظ هنا: نشأة الدولة العباسية.

المراجع[+]

  1. ^ أ ب محمد طقوش، تاريخ الدولة الأموية، صفحة 183-186. بتصرّف.
  2. علي الصلابي، الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المجلد الأول، صفحة 658-660. بتصرّف.
  3. علي الصلابي، الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المجلد الأول، صفحة 437-439. بتصرّف.
  4. محمد طقوش، تاريخ الدولة الأموية، صفحة 183-185. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح أنيس النصولي، الدولة الأموية في الشام، صفحة 91-93. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ج محمد سهيل القطوش، تاريخ الدولة الأموية، صفحة 191 - 192. بتصرّف.
  7. منصور عبد الحكيم، الحجاج بن يوسف الثقفي طاغية بني أمية، صفحة 50-160. بتصرّف.
  8. فواز الدهاس، مروان بن الحكم موسس الفرع المراوانى فى الدولة الامويه، صفحة 84-86. بتصرّف.
  9. رياض عيسى (1992)، الحزبية السياسية منذ قيام الإسلام حتى سقوط الدولة الأموية (الطبعة 1)، دمشق: دار الفكر ، صفحة 52-54، جزء 1. بتصرّف.
  10. محمود شاكر، الدولة العباسية: الجزء الأول، صفحة 37-38. بتصرّف.
  11. محمد الخضري بك، الدولة العباسية، صفحة 120-122. بتصرّف.
  12. محمد طقوش، تاريخ الدولة العباسية، صفحة 180. بتصرّف.