تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى هذا ندرك خطأ كثير من حملات الحج والعمرة وكذا خطأ كثير من الدعاة والخطباء في الحثِّ على العمرة في شهر رمضان، في قولهم الجازم ودعاياتهم الظاهرة: (هل تريد أجر حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم؟)،: (فهنيئاً لك حجة مع نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم)، وهذا الأمر لا نجده في كلام العلماء السابقين، بل لو فتشت كتب أئمة الحديث فإنك لا تجد -فيما اطلعت عليه- أحداً يبوب على هذا الحديث - سواء منهم من روى الزيادة أو لم يروها -: (عمرة في رمضان تعدل حجة معي أو حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم)، وإنما يترجمون على لفظين، الأول: (العمرة في رمضان، أو: فضل العمرة في رمضان)، الثاني: (عمرة في رمضان حجة، أو: تعدل حجة)، فالذي ينبغي أن يتحرَّز الإنسان من هذا اللفظ طالما أنه لم تثبت هذه اللفظة بأسانيد صحيحة على وجه الجزم عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وسواء صحت هذه اللفظة أو لم تصح فقد اختلف العلماء اختلافاً ظاهراً في فقه هذا الحديث.

أقوال العلماء في هذه المسألة:

أجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى أن المراد بهذا الفضل هو الثواب والأجر وليس الإجزاء، فالمعتمر في رمضان له أجر حجة ولكن عمرته في رمضان غير مجزئة عن حجته، قال إسحاق بن راهويه -كما نقله الترمذي في سننه-: "معنى هذا الحديث؛ مثل ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن" ا. هـ، ونبَّه على هذا أيضاً ابنُ خزيمة في صحيحه وأبوالوليد الباجي في المنتقى شرح الموطأ، وابن بطال في شرحه على البخاري، وابن العربي -كما في فتح ابن حجر-، وقال ابن حجر في الفتح: "فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض، للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض"ا. ه، ثم اختلف أهل العلم في هذا الحديث، هل هو على عمومه أم هو من العام الذي يراد به الخصوص، ولهم في هذا ثلاثة أقوال:

1. قول من قال: (إن هذا من خصائص هذه المرأة الأنصارية أو الأسدية)، وهذا القول أشارت إليه أم معقل رضي الله عنها فكانت تقول: "الحج حجة والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدري ألي خاصة؟ " كما في رواية يوسف بن عبدالله بن سلام رضي الله عنه -وتقدم تخريجها-، وقال به بعض أهل العلم المتقدمين كما هو ثابتٌ عن سعيد بن جبير رحمه الله بسند صحيح عند أبي داوود الطيالسي وابن منيع في مسنديهما، أنه خاص بتلك المرأة التي وقعت معها القصة.

2. قول من قال -على ظاهر الحديث-: (إن العمرة في رمضان تعدل حجة، أو العمرة في رمضان هي الحج الأصغر)، قد ثبت بإسناد صحيح عند ابن أبي شيبة وابن جرير في تفسيره عن الشعبي في أن الحج الأصغر هو العمرة، وقال الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه كما نقله الترمذي في سننه -وهو في مسائل الكوسج-: "قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن عمرةً في رمضان تعدل حجة، وقال الإمام أحمد رحمه الله -كما في طبقات الحنابلة/ ترجمة محمد بن أحمد بن واصل أبي العباس المصري-: "عمرة في شهر رمضان تعدل حجة، فإن أدرك يوماً من رمضان فقد أدرك عمرة في رمضان" ا. ه، وقال ابن خزيمة في صحيحه: "باب فضل العمرة في رمضان، والدليل على أنها تعدل بحجة" ا. ه، وقال ابن حبان في صحيحه: "ذكر البيان بأن العمرة في رمضان تقوم مقام حجة لمعتمرها"ا. ه، وقال ابن عبد البر في التمهيد: "وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (عمرة في رمضان تعدل حجة) من وجوهٍ كثيرة" ا. ه، ثم ذكر أن أحسَنها إسناداً حديثُ ابن عباس رضي الله عنه،وهذا القول أظهر من القول الأول وهو قول أكثر العلماء، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكنهم كما تقدم لا يقيدون هذا الفضل -وهو كحجة- بكونه مع النبي صلى الله عليه وسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير