ساحر الكوبرا بالهند.. أين غاب بمزماره؟

أفعى الكوبرا تدخل في صميم عقيدة الهندوس لذلك تصنع لها تماثيل للعبادة والتقديس - غيتي
قرب معبد "غوجي دورا" في العاصمة نيودلهي (رويترز)

سيد فايز الحق-نيودلهي

عرفت الهند بالكثير من الفنون التي ميزت الثقافة الهندية، وكان عرض رقص أفاعي الكوبرا على أنغام الموسيقى واحدة من لوازم المهرجانات الشعبية الهندية، قبل أن تتراجع هذه العروض مؤخرا.

بالشعر الطويل والعمامة البيضاء والأقراط والقلائد من الخرز، كان ساحرو الأفاعي يتجولون في شوارع المدن وأزقة القرى مع ثعابينهم داخل سلال الخيزران التي تتدلى فوق أكتافهم، ويتابعهم الأطفال بفرحة وترقب لمشاهدة العرض المشوق.

وبمجرد أن يجد الساحر موقعا مناسبا، يقوم بوضع الأواني والسلال على الأرض، ويجلس أمام السلة بعد أن يرفع غطاءها، ثم يبدأ العزف الموسيقي من ناي يعرف باسم "كان" أو "بونجي" وفور سماع الأفاعي اللحن تطل برأسها متمايلة مع اللحن.

وللأفاعي علاقة خاصة بثقافة الهندوس لارتباطها بمعتقداتهم الدينية، فقد ورد ذكر ساحر الأفاعي في كتبهم الدينية وملاحمهم التاريخية، وأُنتجت أفلام هندية كثيرة مرتبطة بقصص الأفاعي وعلاقتها بالمجتمع الإنساني حسب معتقدات الهندوس.

عروض ساحر الأفاعي تجد إقبالا لدى الهنود خاصة القرى والمناطق النائية رغم ملاحقة السلطات
عروض ساحر الأفاعي تجد إقبالا لدى الهنود خاصة القرى والمناطق النائية رغم ملاحقة السلطات

وتكرر في كثير من الأفلام الهندية أن يتحول البطل إلى أفعي حسب متطلبات القصة والفيلم، ويكون ساحر الأفاعي من أهم أبطال الفيلم، لكن مع مرور الزمن لم نعد نرى هذا اللون من الأفلام والقصص.

ويكاد مشهد ساحر الأفعى يغيب تماما في مدن الهند الكبيرة، مع بعض الحضور في المناطق النائية والأرياف. ويرجع خبراء اجتماعيون ذلك إلى حملات التوعية بحقوق الحيوانات التي نشطت مؤخرا في عموم الهند، ووجدت مساندة من الأجهزة الأمنية تفعيلا لقانون حماية الحياة البرية.

فضلا عن ذلك، فإن القبائل الهندية التي امتهنت سحر الأفاعي لم تعد تجد هذه المهنة مصدرا لدخل يكفي احتياجاتها التي تزداد مع الوقت، كما أن وسائل الترفيه تغيرت كثيرا لدى الأجيال الجديدة التي باتت تعتمد على التكنولوجيا والهواتف المحمولة.

تقول أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية ميريام روبرتسون إن قبيلة "كالبيليا" من إقليم راجيستان (شمالي الهند) من القبائل التي كانت تمتهن سحر الأفاعي وتسمى "جوغي ناث". وهي قبيلة بدوية كانت تتنقل باستمرار، أما الآن فلديهم بيوت ثابتة وإن كانت متواضعة، وبات معظمهم متعلما ويتقنون مهنا أخرى، وتصنف -اجتماعيا- هذه القبيلة ضمن الطبقة السفلى، حسب النظام الاجتماعي الهندوسي.

مؤسسة آشا لحماية الحيوانات تنشط في جمع أفاعي الكوبرا وغيرها لحمايتها من الصيادين الذين يستخدمونها بعروض الشوارع 
مؤسسة آشا لحماية الحيوانات تنشط في جمع أفاعي الكوبرا وغيرها لحمايتها من الصيادين الذين يستخدمونها بعروض الشوارع 

وتفيد ميريام بأن رجال هذه القبيلة كانوا يصطادون الأفاعي والثعابين من الغابات أو المزارع، ويزيلون أنيابها وسمّها بطريق خاصة لتجنب أي خطر على مشاهدي العرض.

سونو جومار (24 سنة) من قبيلة كالبيليا يسكن مع أسرته في عشوائية بالعاصمة، ويقول "إنه وصل نيودلهي مع والديه وشقيقتيه حين كان عمره تسع سنوات، فقد كان والده يبحث عن مصدر دخل أفضل لأن عمله التقليدي في راجيستان لم يكن يكفي احتياجات الأسرة".

ويضيف في حديثه للجزيرة نت "بعد بضع سنوات من وصولنا نيودلهي توفي والدي، وتحملت مسؤولية رعاية والدتي وشقيقتيْ، وأعمل الآن في ورشة لتصليح السيارات، وعندما يكون لدي وقت فراغ أعمل ساحرا للأفاعي، لكن بعيدا عن أعين أجهزة الأمن والناشطين".

ويمضي في حديثه "لا أجد وقتا كافيا للعمل ساحرا للأفاعي لأني أعمل في ورشة السيارات من الصباح إلى المساء في معظم الأيام، وهذا هو مصدر رزقي الأساسي، فشقيقتاي تدرسان في المدرسة، ويجب تسديد رسوم مدرستهما، ووالدتي تساعدني في رعاية الأفاعي عندما أكون في الورشة رغم أنها مريضة".

أفعى الكوبرا تدخل في صميم عقيدة الهندوس لذلك تصنع لها تماثيل للعبادة والتقديس
أفعى الكوبرا تدخل في صميم عقيدة الهندوس لذلك تصنع لها تماثيل للعبادة والتقديس

ويؤكد جومار أن "سحر الأفاعي مهنتي التقليدية، لكنها لم تعد تكفي لتأمين احتياجاتي، ولم أرغب في أن أترك هذه المهنة لأني كبرت مع الأفاعي منذ صغري ولا أخافها، وأحيانا أفكر في إطلاق الأفاعي في الغابات إلا أنني أتراجع لأني لا أطيق البعد عنها".

في المقابل، يقول وسيم أختر الذي يعمل في مجال حماية الحياة البرية في نيودلهي "الآن لا يوجد ساحرو الأفاعي كما كنا نراهم في الشوارع والإشارات في نيودلهي، وإن كانوا موجودين فهم يتسترون ويخفون هويتهم، وأصبح عملهم محدودا للغاية بسبب ملاحقة القانون لهم، وزيادة وعي الناس حول هذه المهنة".

وباتت مهنة ساحر الأفاعي منحسرة بشكل واضح، ولم يعد لها حضور واضح إلا في المناطق النائية والأرياف التي يغلب عليها الجهل والبعد عن يد القانون مثل راجيستان والأقاليم المجاورة له، وقد يصبح مشهد ساحر الأفاعي من التراث والحكايات الشعبية ليس أكثر.

المصدر : الجزيرة