مَا هو العِلَاجُ النَفْسيِّ؟ الجِزءُ الثاني

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

هَلْ مَازِلْتُم تَذكُرونَ عَليّ؟ لَقدْ بَدأَ العَلاجَ وذَلِكَ لِتَعلمِ كَيفيَّةِ التَعامُلِ بِشكلٍ أَفضَلٍ مَعَ تَقلُبَاتِ مَزاجهِ واِضطِرَابَاتِ النَومِ والحُزنِ. في هذهِ الأَثناء، ذَهبَ إِلى العِلَاجِ عِدةَ مَراتٍ وَلاحَظَ في حَياتِهِ اليَوميِّةَ بِأَنَهُ يَمرُ أَحياناً بِلَحَظاتٍ جَيدةٍ، حَتى وإِن كَانَ لا يَزالُ حَزِيناً لِلغايةِ

بِسبَبِ أَسئلَةِ المُعالِجة المُحددةِ، تَمَ تَشخِيِّصُ عَليِّ بِأَنَهُ مُصابٌ بِالاِكتِئَابِ. فِي الخُطوةِ التَاليِّةَ، شَرحَت المُعالِجة الكَثيِّرَ عَن مَرضِ الروحِ هَذا وأَيِّضاً كَيفيةُ عَمَلِ الروحِ والعقل والجَسدِ فِي الوَاقع. تَعلمَ عَليّ العَديِّدَ مِنَ الأَشياءِ الجَديِّدةِ فِي هَذهِ العَمليةِ. عَلى سَبيلِ المِثالِ، مَا مَدى أَهميِّةُ العَواطِفِ والأَفكارِ وَمَدى تَأثِيرهَا عَلى صَحتِك. أَطلَعتهُ المُعالِجة عَلى تَمارينٍ بَسيِّطَةٍ، كَيفَ يُمكِنُه أَنْ يَهدأَ فِي المَواقِفِ الصَعبَةِ. وَجدواً أَيضاً أَنشِطَةً بَسيِّطَةً مَعاً، مِثلُ الذَهابِ فِي نُزهَةِ عَلى الأَقدَامِ أَو مُقابَلةِ الأَصدِقَاءِ، والَتي يُمكنُ أَنْ يَقومُ بِها عَليّ بِمُفرَدهِ لِتَحسيِّنِ مَزاجِهِ. لَقدْ أَدركَ أَكثرَ فَأكثرْ أَنَ العِلَاجَ النَفْسِّي لَيِّسَ مُجرَدُ خِداعٍ، ولَكنَهُ فُرصةٍ لِتَعلُمِ شيء عَن نَفسِكَ وَروحِكَ وَصِحتِكَ. أَصبحَ عَليّ وَمُعَالَجتِه النَفْسيِّةَ فَريِّقاً جَيِّداً

بَعدَ التَعرفِ عَلى بَعضِنَا البَعض وتَشخيصْ الحالة المَرَضية، تَستَمِرُ المُنَاقَشاتُ المُتَبادَلُةُ فِي العِلاجِ النَفْسِّي. هُناكَ أَيضاً تَمارِينٌ يَتَعلمُها المَريِّضُ مَع مُعالجٍ أَو بِدونِهِ مِنْ أَجلِ فِعلِ شَيء جَيدٍ لِروحِهِ

بعدَ ذلكْ يُناقِشُ كِلَاهُمَا مَعاً مَا كَانَ جَيِّداً أو أَقل جودةَ فِي التَماريِنِ المَنزِليِّةَ وأَينَ يَنبَغِي أَنْ تَذهَبَ هَذهِ الرِحلةُ. يَجبُ عَلى المَريِّضِـ/ـةِ أَنْ يُلاحِظَ بِأَنَ هو/هي يُمكِنُ القِيِّامُ بِشيء بِنَفْسهِـ/ـا وذَلِك لِكي يَكونَ أَو تَكونَ بِحالٍ أَفضَلٍ. يُمكِنُ له/ لها أَن يحررَ أو تُحرر نَفسهُـ/ـا تَدريجياً مِنَ الماضي ويُطورَ أو تُطور أَفكاراً وأَهدَافاً جَديدةً لِحَاضِرهِـ/ـا ومُستَقبَلِهِـ/ـا

قَد تَتَساءَلون: مَا هِي أَهدافُ المَريِّضِ وَرَغَباتِهِ؟ فِي بَعضِ الأَحيَّانِ يَكونُ أَمراً عَمليِّاً جداً. „أُرِيدُ أَنْ أَجِدَ وَظيفةً أَو أَنْ يَكونَ لَديَّ المَزيدُ مِن وَقتِ الفَراغِ.“ وفِي بَعضِ الأَحيَّانِ يَكونُ الأَمرُ أَكثرَ خُصوصِيَّةً. „أُريدُ أَنْ أَشعرَ بِالأَمانِ مَرَّةً أُخرَى أَو أَنْ أَتَعامَل مَع عَائلَتي.“ غَالِباً مَا يَتَعلَقُ الأَمرُ بِالخَسائرِ أَيِّضاً. قد توفيَ شخصٌ قريب، فَقدَ المريضُ وظيفته أو حتى وَطنه بأكمله. ثُمَ يَتَعلَقُ الأَمرُ بِالنَظَرِ فِي كَيفيِّةَ تَعلُمِ المَريِّضِ التَعامُلِ مَع هَذِهِ الخَسارةِ والمُشارَكَةِ فِي الحَيَّاةِ مَرةً أُخرَى

مِن نَاحيةٍ أُخرى، هُنَاكَ الكَثيِّرُ مِنَ التَبادُلِ فِي العِلَاجِ النَفْسِّي حَولَ مَا يُحرك المَريضُـ/ـة، ولَكن قَبل كل شيء فإنَ فَهمَ وتَعلُمَ الكَثيرَ عَنِ الذَاتِ، لَيِّسَ بِالأَمرِ السهلِ دائماً. يَواجه المريضـ/ـة رَغباتهِ وأَحلامهِ الخَاصةَ، ولَكنْ أَيِّضاً يواجِهُ خَسائرَهُ وإِخفَاقَاتُه، وَأفَكارَهُ ومَشاعِرَهُ وسُّلوكَهُ الخَاص. لِهذَا السَبَبْ مِنَ المُهمِ أَنْ يَكونَ مَعكَ خُبَراءٌ تَثِقُ بِهمْ لا يَحكُمونَ عَليّكْ

أَخيِّراً، يُساعِدُ المُعَالِجُ المَريِّضَ مِنْ خِلالِ التَماريِّنِ والمُنَاقَشاتِ والتِقَنِيَاتِ الخَاصَّةِ لِلحُصولِ عَلى وِجهَاتِ نَظرٍ جَديِّدَةٍ حَولَ الوَضعِ الحَاليّ. بِالإِضَافَةِ إِلى ذَلِكَ، فَهُمْ يَعمَلونَ معاً لِإيجَادِ طُرُقٍ لِتَنفِيِّذِ أَهدافِ المَريِّضِ وَرَغَباتِهِ. يَقومُ المُعالِجُ بِدَعمِ المَريِّضِ إِذَا كَانَ لَا يَزالُ يَتَعيَّنُ عَليِّهِ تَعلمِ شَيء مَا. المُعالجُ لَا يَحُلَ مَشاكلَ المَريِّضِ، بَلْ يُسَاعِدُهُ عَلى تَعلمِ سُلوكيَّاتٍ جَديِّدَةٍ لِلتَغلُبِ عَلى المَشاكِلِ بِنَفْسِّهِ أَو بِمُسَاعَدَةِ الأَصدِقاءِ والعَائلَةِ

أَجرى عَليّ الآن ١٦سَاعةِ مِنَ العِلَاجِ النَفْسيِّ. لَقدْ تَخيِّلَ أَنْ الأَمرَ مُختَلِف تَماماً عَمْا كَانَ عَليِّهِ مِنْ قَبلْ. تَطرحُ المُعالجة أَحيِّاناً أَسئلةً مُثيرةً لِلاهتِمامِ، وأَحياناً تُشجعُ عَليّ عَلى القيامِ بتمرينٍ ما. يَبكي عَلي بَينَ الحينِ والآخر أَثناءَ القِيَامِ بِهَذهِ التَمارين، ولَكنَ هَذا على ما يرام. لَديِّهِ شُعورٌ بِأَنَهُ يَستَطيِّعُ القِيَامَ بِذَلِكَ فِي العِلَاجِ. يَتَعرفُ بِشَكلٍ أَساسي عَلى نَفْسِهِ بِشَكلٍ أَفضلَ وَقَد قَامَ بِالفعلِ بِالتَدريِّبِ على أَساليِّبٍ ِللتَعامُلِ مَع حُزنِهِ. إِنَهُ الآنَ يُخبِرُ أَصدِقَاءهُ فِي كَثيِّرٍ مِنَ الأَحيانِ بِمَا يَشعُرهُ حَقاً، ومُعظَمُهم يَقومون بالإخبارِ عَنما يُثيِّرُ قَلَقُهم. إِنَهُ يَشعرُ أَنَ صَداقاتُهُ أَصبَحَتْ أَقربْ. بِالإضَافَةِ إِلى ذَلِكَ، يَكتُبُ فِي كِتابٍ صَغيِّرٍ فِي المَساءِ الأَشياءَ الجَيِّدَةً الَتي مَرَ بِهَا فِي ذَلِكَ اليَّومْ، لِذَلِكَ يَشعُرُ أَحيَّاناً بِالِامتِنَانِ وَبِحافزٍ أَكبرْ فِي صَباحِ اليَّومِ التَالي

فِي المَرَّةِ القَادِمَةِ سَيُّخبِرُكُم عَليّ بِنَفْسِّهِ عَنْ تَجرُبَتِهِ مَعَ العِلَاجِ النَفْسيِّ

 نَحْنُ نَتَطَّلعُ لرؤيتكمْ جميعاً

مَا هو العِلَاجُ النَفْسيِّ؟ الجِزءُ الأول

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

عَليّ ليِّسَ مُتَأكِداً. لَمْ يَشعرَ بِأَنَهُ عَلى مَا يُرام مُنْذُ بِضعَةِ أَسابيعٍ حَتى الآنْ، فَهوَ مُتعَبٌ وغَيِّرُ مُتَحمسٌ ومعَ هَذا بِالكادِ يَستَطيعُ أَنْ يَنامَ ليِّلاً. قَد قامَ بزيَارةِ طَبِيبِتهِ العَامة الَذي نَصَحَتهُ بِمُرَاجَعةِ مُعالجةٍ نَفْسِّية. قَالتْ: „اِمرأةَ وَدودةَ لِلغايِّةِ“. لَكنَ عَلي لَا يَعرفُ حَقاً مَا هو العِلاجُ النَفْسي. لَديهِ أَفكارٌ فِي رَأسهِ. إنه يخشى أن يُجبر على الإفصاحِ عن أسرارِ نَفسيته بِشكلٍ كامل. إِنَهُ يَخشى أَنْ يَكونَ شَخصاً مُختَلِفاً بَعدَ ذَلكَ أَو أَنَهُ سَيتعاطى الكَثيرَ مِنَ الأَدويِّةَ. عَلاوةَ عَلى ذَلِك، لَا يَكادُ يَتخيلُ أَنَ هَذهِ المرأةُ يُمكنُهَا فَهمهُ. فَهي لَمْ تَختَبِرَ مَا اختَبرَهُ بِنَفْسِّهِ

كَثيرٌ مِنَ النْاسِ مِثلُ عَلِّي. لَيِّسَ فَقط الأَشخاص مِنْ ذَويِّ أُصولٍ عَرَبيَّة، وَلَكِنْ الأَلمان أَيِّضاً يُمكِنْهُم فِي كَثيرٍ مِنَ الأَحيانِ تَخيُلَ القَليِلِ مِن العِلاجِ النَفْسيِّ

لِهَذا السَّبَبْ نُريدُ أَنْ نُحاولَ هُنَا وَصفَ مَا يَفعَلُهُ المُعَالِجونَ النَفْسِّيون. العِلاجُ النَفْسيِّ يَّعنِي „عِلاجُ الروحِ“ ولِذَلِكَ فَهوَ وَسيلةُ شِفاءٍ لِلروحِ المُصابَةِ. تَماماً كَمَا تُعالَجُ سَاقاً مُصابَةً عِنْدَ الطَبيبِ أَو سنِاً مَريضةً عِندَ طَبيبِ الأَسنَانِ، كَذلِكَ يَتمُ عِلاجُ الجُروحِ فِي الروحِ أَو النَفسْ فِي العِلاَجِ النَفْسيِّ. بِالنِسبَةِ لِمُعظَمِ النَاسِ، تَظهَرُ الجُروحُ فِي النَفسِ كَأَعراضٍ. وتَشمَلُ هَذهِ، عَلى سَبيِّلِ المِثَالِ، المَزاجُ المُكتَئبُ المُستمرُ، والتَوتُرُ، والقَليِلُ مِنَ الشعورِ بالفَرحِ، والخَوفُ الشَّديِّدُ أَو الغَضب، والكَوابيِّسُ أَو قلةُ النَومِ أَو حتى كَثرَّةُ النَومِ. ومَع ذَلِك، يُمكنُ أَنْ تَحدُثَ أيِّضاً أَعراضٌ جَسَديِّةٌ مِثلُ فُقدَانِ الشهيةِ وآلاَمٌ فِي المَعِدَةِ أَو الصُدَاع. تَظهَرُ الأَعراضُ أيِّضاً فِي النِزاعاتِ المُستَمرةِ مَع الأشخاصِ أَو الاِنْسِحَابِ مِنَ العائلَةِ والأَصدقَاءِ. يُمكنُ أَنْ تُشيرَ هَذهِ الأَعراضُ إِلى أَنَ الروحَ بِحاجَةٍ إِلى العِلاجِ

لَكنْ كَيِّفَ يُعالج المَرءُ الروحَ؟ مَاذا يَحدُثُ إذاً في العِلَاجِ النَفْسي؟ 

هُناكَ طُرقٌ مُختلفةٌ لِلعلاجِ، تَماماً كَمَا تُوجدُ عِلاجَاتٌ مُختَلِفَةٌ لِلأَمراضِ الجَسديِّةَ. ومَع ذَلك، تَهدفُ جَميعُ الأَساليبُ إِلى تَحديدِ سَبَبِ الأَعراضِ وإِيجَادِ طُرقٍ لِلتَعامُلِ مَعهَا. فَي أَفضَلِ الأَحوالِ، تَتمُ مُعالجةُ هَذهِ الأعراض أَو الشكاوى بِطرِّيقَةٍ تُخفف من الضَائقة الناجمةُ عن هذهِ الأعراض

يَستطيعُ المَرء أن يَتَخيِّلَ العَلاجَ النَفسِّي عَلى أَنهُ رِحلةٌ جَماعيةٌ. المَريضُـ/ـة يَكون المُسافِر والمُعالجُـ/ـة يَكون المُرافِق. تُحاوِلاَنِ مَعاً مَعرِفَةَ ووصفِ حَالةَ المَريض الآن، أَيّ الظُروفُ المُهمةُ فِي حَياةِ المَريِّضِـ/ـة حَالياً. ثُم تُحاوِلا كِلاكُما مَعاً اِكتِشَافِ سَبَبِ كَوّن السَفر شَاقاً جِداً أَو صَعباً (أَي المَشاكلُ والاضطراباتُ النفسية التي تنشأ) وأخيراً تَبحثانِ معاً عن طرق جديدة للمكان الذي يجب أن تذهب إليه الرحلة وكيفية الوصول إلى هناك

فِي بِدايِّةِ كُلِ عِلاج، سَتَتَعَرَفانِ أَولاً عَلى بَعضِكُمَا البَعضْ. لِأَنَ لِكُلِ مَريِّضٍـ/ـةٍ الحَقُ فِي اِختِيَارِ المُعالجِـ/ـةِ بِحريةٍ تامَّة. لِمِثلِ هَذهِ الرِّحلَة تَحتَاجُ إِلى عَلاقةٍ جَديِّرةٍ بِالثِّقةِ بَينَ الجَانِبَينِ. حَيث يَكمُنُ فِي هَذا أَهميِّةٌ كبيرةٌ. وَرُبَما تَعرفُ بأَنَ: الطَبيبُ التقليدي يَأُخذُ وَقتاً قَصيراً جِداً مِنْ أَجلِكَ، وَلا يَسألُ حَقاً عَمَّا تُريدُهُ وعندما تَخرجُ منَ العيادةِ تَشعرُ وكَأنَكَ لا تُرى بِشكلٍ صَحيحٍ. ولَكنَ هُنَاكَ مُتَسعٌ كَبيرٌ لَكَ فِي العِلَاجِ النَفْسِّي. وهَذا مُهمٌ جِداً. يُحدَدُ المَريِضُ مَا يَقولهُ، عِندما يُسردُ عما يشغَلهُ، وإِلى أَيِّنَ يَجبُ أَنْ تَذهبَ الرِّحلَة وبَأيِّ سُرعَةٍ سَتَمْضِي. لِأَنَ شِفَاءَ الرَوحِ يَستَغرِقُ وَقتاً!

بِمناسبةِ الحديثِ عن السردِ والوقت. يَتمُ التحدث كَثيراً فِي مُعظمِ أَشكَالِ العِلَاجِ. خَاصةً فِي البِدَايةِ، يُريدُ المُعالجُـ/ـةُ التَعرُّفَ عَلى المَريضِ وأَنْ يَسألَ المَريض عَن كُلِ شَيء: العَملْ والأصدقاءْ والأُسرَّة والهِوايَّاتْ وما المهم بِالنِسبَةِ لَكَ وَما الَذي تَجدهُ صَعباً وكَيِّفَ نَشأَتْ. يُخبرُ المَريضُ إذاً مِنْ حَياتِهِ. يَنطبَقُ عَلى مَا يَلي: يَجبُ أَلا يُخبرَ المُعالجَ أَحداً بِمَا قَالهُ المَريِّضُ. لِذَا يُمكِنُكَ التَحدُثَ بِحُريِّةٍ أَكثرَ عَنِ المَوضوعَاتِ غَيرِ السَّارَّةِ. فِي السَاعاتِ الأولى، إِذَا جَازَ التَعبير، يَتمُ النَظرُ إِلى الخَريِّطةِ معاً

بِالإِضافَةِ إِلى أَنَ المَرءَ يَلتَقي بِالمُعالجِ بِانتِظَامٍ، عَادةً مَرةً وَاحِدَةً فِي الأُسبوعِ. فِي ألَمانيا، يُسمحُ فَقط بِعلاجِ المَرضى الَذيِّنَ يُعانونَ مِن مَرضٍ نفسي مِثلُ الاِكتِئابِ أَو اِضطِرَابِ القَلقِ أَو اِضطِرَابِ الحزنِ المُستمر. وهَذا يَعني أَنَهُ بَعدَ ثَلاثِ أَو أَربَع اِجتِمَاعَاتٍ يَتمُ فِيِّهَا مُنَاقَشةُ الظُروفِ المَعيِّشيةِ والأَعراضِ، يَتمُ إِجرَاءُ مَا يُسَّمْى بِالتَشخيصِ. هَذا يُشبِهُ عِندما يُشخصُ الطَبيبُ العام الأِنفلونزا أَو التواَءِ الكَاحِل. هَذا يَّعنِي أَيضاً أَنْ إِصاباتِ الروحِ تُعتَبرُ مَرضاً طَبيعياً تَماماً

يَقومُ المُعالجُـ/ـة بَعدَ ذَلِكَ بِتَقديِّمِ طَلبٍ (أَي، ليسَ عليكَ القيامُ بذلكَ بنفسك). يُقررُ هو/ هي عَددَ سَاعَاتِ العَلاجِ المَنطِقيَةِ. هُناكَ عِلاجَاتٌ قَصيِّرةٌ تَتَراوَحُ مِنْ ١٢ إلى ٢٤ سَاعةِ وَعِلاجَاتٌ طَويِّلَةٌ لِمُدَةِ ٦٠ سَاعةِ أو أكثر. عَادَةً مَا تَدفَعُ شَرِكَةُ التَأميِّنِ الصِحِّي هَذِهِ التَكاليِّف، ولِهَذا السَبَبْ لا يَجبُ دَفعُ تَكاليِّفِ العِلاجِ إلا مِنْ قِبَلِ مُعالِجيِّن مِنَ القِطَاعِ الخَاص.

بَالفعلِ لَقدْ تَحدثَ عَلي كَثيِّراً فِي السَاعَاتِ القَليِّلةِ الأولى وسَألتهُ المُعالجُة كَثيراً. كَانَ ذَلِكَ غَريباً بَعضَ الشَّيءِ فِي البِدايةِ، لَكنْهُ شَعرَ بِتَحسُنٍ عَنْدَمَا بَدأَ بِإِخبَارِ المَزيدِ والمَزيدِ عَن تَجارُبِهِ الصَعبةِ مُنذُ وصولِهِ إِلى أَلمانيا. شَعرَ بِأنَهُ يُفهَم. لَكنْ عِنْدَمَا سَأَلَتهُ المُعالجة عنْ الأَحداثِ فِي وَطنْهِ، شَعرَ بِالحُزنِ وَلَمْ يَستَطِعْ التَحَدُثَ عن ذلك. أَخبر مُعالجتهُ التي كانت متفهمة للغاية وقالت بِأَنَهُ يَجبُ عَليه فَقط أَن يَقولَ مَا يُريد أَو ما يَستطيعُ أَنْ يَقول. كَانَ ذَلِكَ مَصدرَ اِرتِيَاحٍ كَبيرٍ لِعَليِّ. أَدرَكَ مَدى حُزنِهِ لِفُقدَانِ وَطَنِهِ. قَالت مُعالِجَتُهُ أَنَهُ يُعانِي مِن الاِكتِئَابِ، مُثلُ حَوالي ١٠٪ مِنْ جَميعِ النَاسِ فِي أَلمانيا. إِنَهُ مُتَحَمِسٌ لِرؤيَةِ كَيفَ سَتَسِيِّرُ الأُمورُ وسَيخبرنا بِالمَزيِّدِ فِي الأَسَابِيِّعِ القَلِيلَةِ القَادِمةِ….

إِلى اللِّقاءِ القَادِمِ، أَعِزَائي

تَجرُبَتِي مَع العِلاجِ النَفْسِّي

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

جِئتُ إِلى أَلمانيا فِي عَامِ ٢٠١٥. رُبَما اِلتَقَيِّنا عَلى طَريقِ اللُّجوءِ، لَقدْ كَانَ طَريقاً طَويّلاً، ومَع ذَلكْ فَإنَ الأَملَ فِي المُستَقبَلِ الجَديدِ قَد رَافَقَنا وشَجَعنا على الاِستمرارِ فِي المُضيِّ قُدُماً وعَدمِ الاستسلامِ. حَيثُ ان أَحلامُنَا تَنتَظِرُنا، وصولُنَا هُناكَ يَعني نِهايةُ المُعَانَاةِ

أَشعرُ وكَأنَني كُنتُ مُخطِئاً، لا تَزالُ المُعاناةُ مَوجودة. ظَنَنتُ أَنْهُ بِمُجَرَدِ وصولِي إِلى هُنَا، سَأجِدُ سَلامي. لَم يَعُد عَليَّ المَشيَ لِأَيامٍ مُتَتالِيةَّ أَو قَضاءُ اللَّيلَ خَارِجاً فِي العَراءِ، نَعَمْ وَجدْتُ سَلامي عَلى المُستَوى الجَسَديّ. وهَذا أَمرٌ جَيدٌ جِداً، ولَكنَ التَفكِيرَ المُبَالَغ بِهِ، ومَخاوفِي وقَلَقِي، وَمَا إِلى ذَلِكْ، الَتي يَبدو أَنْها لَا تُرِيدُ الاِنْفِصَالَ عَنْيِّ، لَا تَزالُ تُرافِقُني هُنَا أَيِّضاً. أَظلُ أَتَساءلُ مَا الَذي يَحدُثُ مَعيِّ، أَنا بِأَمانٍ هُنَا! 

أَوَّدُ أَنْ أَعتَرِفَ لَكُم بِشيء، فِي سُوريا كُنْتُ أَشعرُ بِالخَوفِ دَائِماً عِنْدَمَا كَانَتْ تَأتي طَائِرةٌ مُقَاتِلَةٌ لِزِيَارَتَنا. وأَعتَقِدُ بِأنَهُ خَوفٌ مُبَررٌ. أَما أَنْ أَشعرَ بِالخَوفِ هُنَا حَيثُ لَا وجوّدَ لِلحَربِ، عِنْدَمَا أَرى طَائرةً حَربيةً أَو أَسمعَ الاَلعَابَ النَاريَّة عَلى سَبيلِ المِثالِ باِحتِفَالاَتِ رَأسِ السَّنَة فَهذا خَوفٌ غَيرُ مبررٍ بِكُلِ تَأكِيدْ

يَجبُ أَنْ أَفعلَ شَيئاً، لَطالَما فَكرتُ بِذَلِك. لَم أَسمحَ بِحُدوثِ أَيِّ شَيءٍ لِيِّ أَو لِجَسَديِّ، ولِهَذا السَبَبْ بِالتَحديدِ غَادَرتُ بَلَدي، ولَكنْ لِمَاذَا لَا أَفعَلُ أَيَّ شَيءٍ مِن أَجلِ روحِّي وسَّلَامِيَّ النَفْسِّي؟

قَررَتُ طَلبَ المُسَاعَدة. أُرِيدُ الذَهابَ إلى مُعالجٍ أَو مُعَالِجَةٍ نَفْسيِّةَ. فِي المُحاوَلَةِ الأولى لِلحُصولِ عَلى مَوعدٍ، شَعرتُ بِالإحباطْ. لِأَنْهُ كَانَ عَليَّ الاِنْتِظَارُ لِمُدةٍ طَويِّلَةٍ

لَا أَستَطِيعُ تَغييرَ شَيءٍ، دَعونَا فَقَطْ نَتَخَطى وَقتَ الاِنْتِظَارِ أَو رُبَما أَيِّضاً الجَلسةَ الأولى مَع المُعَالجِ النَفْسِّي، لِأَنهُ لَيِسَ لَديِّ شَيءٌ جَديدٌ لِأُخبِرُكُم بِهِ عَنْ هَذَا اللِقَاء، لَقدْ أَخْبَرتُهُ بِنَفسِ الشِّيِء الَذي أَخبَرتُكُم بِهِ، اِجَابتُهُ كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ حُبوبٌ لِلنَوم ومَوعِدٌ ثَاني

أَعتَقدُ بِأَنْكُم قَد تُرَاهِنونَ عَلى عَدمِ ذَهابِي لِلمَوعِدِ الثَاني، أَوَّدُ أَنْ أُهَنِئكُم عَلى هَذا، تَوَّقُعٌ صَحيِحْ! ومَع ذَلِكْ وَاصَلْتُ البَحثْ. يَا لِلأسفْ، لَمْ أَنْجَح فِي المُحَاوَلَةِ الثَانِيَّة أَيِّضَاً. شَعَرتُ أَنَ المُعَالِجةَ النَفْسيِّةَ لَا تَستَطِيعُ فَهمي. أَو عَلى الأَقل كَانَ هَذا اِنْطِبَاعيِّ الخَاص. هَاتَانِ المُحَاوَلَتَانِ جَعلَتَاني أَشعرُ بِالإحبَاطِ واليِّأس وأَكدَّتَا اَحْكَاميِّ المُسّبَقَة حَوّلَ المُعَالَجَةٍ النَفْسيِّةَ. وَهَذا يَعني العَوّدةَ إِلى نُقطَةِ البِدايَّة دُونَ نَتَائِج

هَذا مَا اِعتَقَدْتُهُ. لَكنْ يَبدو أَنَ التَفكيرَ الزَائِد لَهُ أَيِّضَاً فَوائِدَهُ الإيِّجَابِيِّة. كُنْتُ أَتَساءلُ مَا هو سَبَبُ فَشلِ مُحَاولاتي

أَلا يُمكِنُ أَن يَكونَ ذَلِك بِسَبَبِ وُجودِ مَشاكلٍ لُغَويةٍ؟ أَعنِّي، الأَلمَانيِّةَ لَيّسَت لُغَتي الأُم. رُبَما لَم اتَمَكنَ مِن شَرحِ مُشكِلَتي بِشَكلٍ جَيّدٍ بِسَبَبِ اللُّغةَ أَو أَنَهُم لَمْ يَّفهَمونَي لِأَسبَابٍ ثَقَافِيةٍ

هَلْ يُمكِنُ أَنْ يَكونَ السببُ أَيضاً عَدم الصَبر؟ لَا يَنْبَغِي لِلمَرء أَنْ يَتَوقعْ بِأَنْ يَّكونَ قَادِرَاً عَلى الشُعورِ بِالتَحسُن أَو التَغَييُرات بَعدَ المَوعِدِ الأَول. حَالَتِي، علَى سَبِيلِ المِثَالِ، تَطوَرَت أَو تَدَهوَرَت عَلى مَرِ السِنِين، لِذَلِك لَا يُمكنُ، بِطَبِيعَة الحَالِ، أَنْ أَشعرَ بِالتَحسنِ فِي جَلسَةٍ وَاحِدَةٍ.

أَو رُبَما بِبسَاطَةِ، هَؤلَاءُ المُعَالِجون لَيَّسوا جَيِّديِن بِمَا فيهِ الكِفَاية؟ 

لِذَا قَررَتُ أَنْ أَستَمرَ بِالبَحثْ، وَقدْ كَان ذَلكَ قَراراً جَيداً. أَنا الآن اتَلَقى العِلاج مِن مُعالجٍ نَفْسِّي، أَذهبُ إِلَى العِلاجِ بِانتِظَام مُنذُ فَترةٍ مِنَ الزَمن وأَنا أُلاحِظُ بِبُطٍء أَن حَالَتِي تَتَحَسن، حَتى لَو كَانَ هَذا التَحسُن بِطيءٍ فِي البِداية، فَإِنَها خُطوةٌ فِي الاِتجاهِ الصَحيح.

هَلْ كَانَ ذَلِك مُجردُ حَظْ؟ لا أَعتَقِدُ ذَلِكْ، وَلَكنْ أَوَّدُ أَنْ أَقولَ أَنْ هَذا الأمر هو عِبارَة عَنْ كَسبِ تَجاربٍ حَيَّاتِيَّة. وهَذا يَشملُ التَجارُبَ السيئةَ والجَيَّدةَ عَلى حَدٍ سَّواء. التَناقُضُ فِي حَدِ ذَاتِهِ لَيِّسَ سَيئاً عَلى الإطِلاق، لِأَنْهُ يُعطِيِّنَا الفُرصَة أَولاً لِتَجرُبَةِ أَشياءٍ مُختَلِفَةٍ ومِنْ ثُمَ مُقَارَنَتِهَا مَعْ بَعضِهَا البَعضْ

عَلى سَبِيلِ المِثَالِ النَكَهاتِ المُختَلِفَةِ، عَنْ طَريِّقِ تَجرُبَتِنَا لِلطَعمِ المُرْ يُمكِنُنَا تَمْييزُ الطَعْمِ الحِلّو والعَكسْ صَحيح.

لذلك، أَوَّدُ أَنْ أُشَجِعَكُم عَلى عَدمِ الاِستِسلامِ عِنْدَ التَجرُبَةِ المَريِّرَةِ، بَلْ الاِستمرار والِاستِمتَاعِ بِالتَجرُبَةِ الجَميِلةَ 

مُمَزَقٌ بَيِّنَ أَشباحِ المَاضِي وأَحلَامِ المُستَقبلِ

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

قِصَّتي مُشَابِهةٌ لِقِصَصِ الكَثِيرِ مِنْكُم. وَمَع ذَلِكْ فَهي فَريِّدةٌ مِنْ نَوعِهَا

حَتى سِنْ الثالِثةَ عَشر، كَانَتْ حَيَّاتِي طَبِيعِيَةً جداً. كَان شَاغلي الأكبر، مُثلُ العَديِّدِ مِنَ الأَطفالِ الآخريِّن فِي مِثلِ سِنِّي، هو مَا كُنْتُ سَأكلُهُ عَلى العَشاءِ، ومَا سَأرتَديِّهِ فيِ اليَّومِ التَالي، ومَا إذَّا كانَ المُعلمُ سَيُّعطِيِّنَا وَاجِباتٌ مَنْزِلِيِّةٌ صَعبة

في عَامِ ٢٠١١ اِنْدَلَعتْ الحَربُ في بَلديِّ الأُم – سوريَّا – وَهَكَذاْ غَيَّرتْ الطَلقةَ الأَولى مَع القُنبُلَةِ الأولى كُلَ مَا كانَ مَعروفاً ومَألوفاً بِالنْسبَةِ ليّ. مُنْذُ ذَلِكْ الحيِّن، والنْاسُ يأمَلونَ وَيُصلَونَ كلَ يَّومٍ أَنْ يَّنْتَهي هَذا الكابوسُ قَريِّباً، وَمَعْ ذَلِكْ فَهو يُرَافِقُنا حَتى يَّومِنَا هَذا

يُعتَبرُ التَعذيِّبُ والجَوعُ والخَوفُ والحَزنُ والغَضبُ والهُروبُ والمَوتُ بِالنِسبَةِ لِلكَثيريِّن عَبارةٌ عن سِلسِلَةً مِنَ الكَلِمَاتِ السَّلبيةِ. لَكنْ بِالنِسبَةِ لِلكَثيريِّن الآخَريِّن هُم الوَاقِع. إذَّا سَّألتُموني مَا الَذِي يوحِدُنَا بِشَكلٍ أَساسيِّ كلاجِئيِّن ومَا الَذِي يُمَيِّزُنَا عَنْ غَيِّر اللَاجِئيِّن، فَإِنَ جَوابي هو: الحَظُ السَّيئ!

حَظٌ سيئ لِأنَنا ولِدنا فِي مَكانٍ آخرْ. حَسناً، لَمْ يُحالِفُنَا الحَظْ واضّطُرِرنَا إِلى الفَرارِ. بِغَضِ النَظرِ عَنِ المَكانِ الَذِي وَصَلنَا إِليِّهِ في العَالمِ، حَاولنا وما زِلنْا نُحاوِلُ جَميِّعاً بِطُرُقٍ مُختَلِفَةٍ بدءِ حَياةٍ جَدِيدَةٍ. يوجدُ شَيءٌ وَاحد مؤكداً بِالنِسبَةِ لِي. بِغَضِ النَظرِ عَنْ مَدى نَجاحِنَا أَو عَدَمِ نَجاحِنَا فِي البِدايَّةِ الجَديِّدَةِ، لَدينا جَميِّعاً قَاسِمان مُشتَركان: ألا وَهُما زِيارَةُ أَشباحِ المَاضِي وَزِيارَةُ أَحلامِ المُستَقبَل

بِالنِسبَةِ لِلضَيِّفِ الأَول (أَشباح الماضي)، أَطلُبُ مِنْكَم أَلا تَفهَمَونّي بِشَكلٍ خَاطِئ. الأَشباحُ لَيِّسَتْ دَائِماً شِريِّرةَ. البَعضُ دَافئٌ ومُحبٌ ويَضعُ اِبتِسَامَةً صَادِقَةً عَلى وجوهِنَا. هَذهِ الأَشباحُ هِي الذِكرَيَّاتُ العَزيِّزةَ. الأَرواحُ الأخُرى شِريرة وتُسبب حُزناً يسحقُ قلوبنا بِشكلً مُوجع. هَذا الألم لا يُمكن لأي لوحةِ مفاتيحً في العالم أن تَوصِفهُ بشكلٍ مناسبً ولا حتى جزءً منه. الأَمرُ نَفسهُ يَنطَبقُ عَلى الضيِّفِ الثَاني (أَحلامُ المُستَقبَل). يُمكنُ أَنْ يَكونَ الحُلمُ مُرضيِّاً ويَمنَحُنَا الأَمَلَ والقوةَ. لَكِنَ الحُلمَ يُمكنُ أَنْ يَكونَ مُزعِجاً ومُقلِقاً أيِّضاً. يُمكِنُ أَنْ يُفسد علينا اللِّيلة ويَجعَلُنَا مُتعَبيِّنَ فِي اليَومِ التَالِي. وهَكذَّا نَتَأرجَحُ بَيِّنَ الذِكرَيِاتِ والأَحلامِ. يُحاوِلُ البَعضُ عَدمَ السَماحِ لِلضَيِّفِ الأَولِ بِالدُخولِ والتَركيِّزِ عَلى المُستَقبَلِ. قَدْ يَخافُ الآخَرونَ مِنَ المُستَقبَلِ ولِذَلِكْ يُفَضِلونَ التَسَّامُحَ مَع (ورُبَما الاِستِمتاع) بزيِّارَةِ الضَيِّفِ الأَول

حَسنْاً، هَذهِ المُدونةَ موجَهةٌ لِلعربِ. والعَربُ مَشهورونَ جِداً بِكرَمِ ضِيَّافَتِهم. يَنبغي عَليِّنَا، بقَدَرُ الإِمْكَانِ، أَنْ نُرَحِبَ تَرحِيباً حَاراً بِجَميعِ الضُيّوفِ، سوآءاً أَكانْوا جَيِّديِنَ أَم سَيئيِّن، وأَنْ نَقبَلَهُم كَجِزءٍ مِنَّا. بِفَضلِ هَؤلاءِ الضُيوفِ، نَحْنُ الأَشخاصُ الَذِينَ مَا نَحْنُ عَليِّهِم اليَّوم. مِنَ المؤَكدِ أَنَ تَقَبلِ كِلا الضَيِّفيِّنِ لَيِسَ بِالأمرِ السَهلِ. إِنَهُ يُكلِفُنَا الكَثيِّرَ مِنَ الشَجاعَةِ والقوةِ وكَثِيراً مَا يُكلِفُنَا ذلك الكثيرَ مِنَ الدُموعِ. لَكنَنِّي أَقولُ دَائِماً: العَيِّنُ الَتي لَا تَبْكِي لَا تَسّتَطِيعُ الرؤيَّةَ بِوضوحٍ

أَثنَاءَ القِراءةِ، رُبَما لَاحَظْتَم أَنَنِّي غَالِباً مَا أَقوم بِالتَبديِّلِ بَيِّنَ الضَميرين „أَنا ونَحْنُ“ في المُخاطَبةِ. هَذا عَن قَصدْ! لأَنَهُ إِذَّا نَظَرْتَم إلى الجُملَةِ الأولى فِي هَذا المَقال، فَقدْ تُصبِحوا أَكثرَ وَعيِّاً بِمَدَى تَشابُهِ قِصَصِنَا وَلكن أيَضاً بِمَدى تَميزها جَميعاً

أَراكُمْ فِي المَرةِ القَادِمَةِ أيُّهَا الأَعِزَاء

الحُزنْ ـ الجُزءُ الثَالِثْ

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

خِلالَ الأُسابيعِ المَاضيّة قد كَتَبنا لَكُم عَنْ مَوضوعِ „الحُزن“. وشَرَحنَا مَا هو الحُزنُ. ثُم ذَكَرنَا بِأَنَ هُنَاكَ اختِلافَاتٌ ثَقافِيةٌ فِي عَمليةِ الحُزنِ. وفِي نِهايةِ المقالِ، عَالجنا الحَاْلةَ التي قَد يُصبِحُ فيها الحُزنُ مُشكلةً. فِي هَذا المَقَالِ سَنُعَالِجُ الحُزنَ وفُقدَانُ الوَطَنِ

فِي مَجرى حَياتِنَا، نَحنُ لا نَبني عَلاقاتٍ مَع أَشخاصٍ آخَريِنَ فَحَسبْ، بَل نَرتَبِطُ أَيضاً مَع الوَطن وكُلُ مَا يَخصهُ. إِذَا اِضطُرِرنَا إِلى مُغادَرَةِ وَطَنِنَا بِسَبَبِ اللُّجوءِ والحَربِ، فَإنَ ذَلِكَ يُؤثر عَلينا بالطَبع. نَفقِدُ جِزءاً أساسياً مِن أَنْفُسِنَا. هَذهِ الخَسارةُ مؤلمةٌ جِداً ونَحزَنُ عَليِها. الحُزنُ الذي نَشعرُ بِهِ في هَذا السياقِ هو رَدُ فِعلٍ طَبيعي لِمُعَالَجَةِ الخَسارة ويُمكِنُ أَنْ يَكونَ لَهُ آثَارٌ عَلى صِحَتِنَا النَفْسِّيةَ

حِكايةُ وَفاء وأَفكَارُهَا تَدُلُنَا عَلى مَعنَى خَسارةِ الوَطنْ

السَّيدةَ وَفاء مِن سوريا. كانَت في سوريا اِمرأَة نَاجِحةَ لِلغايةِ. بِالإِضَافَةِ إِلى وَظِيفَتِهَا كَمُعَلِمةٍ لِلمَرحَلَةِ الاِبتدائيةِ في المَدرسِةً، كَانت أيضاً تَاجرةُ عَقارَاتً مُهِمَةٍ تَحظَى بِالكَثيرِ مِن الاِحتِرَامِ فِي (مِهنَةٍ يُهَيمِنُ عَليِهَا الذُكور). عَمِلَتْ بِجدٍ لِمُدَةِ أَربَعِينَ عَاماً، وحَارَبتْ جَميِعَ أَنواعِ الصورِ النَمَطيَّةَ، وصَنَعتْ اِسماً لِنَفْسِهَا وكَانَتْ نَموذَجاً يُحتَذى بِهِ لِلعَدِيدِ مِنَ النِسَّاءِ. في وقتٍ ما اِندِلعت الحَربِ فِي سوريا. لِحُسنِ الحَظ، لَم تَفقُد أَيّاً مِن أَفرادِ أُسرَتِها أَو أَصدِقَائِها المُقَرَبين. ولكن بِسبَبِ تِلكَ الحَرب، اِختَفى تَدرِيجِياً كُلُ شَيء قَد أَنْجَزَتْهُ بِالكَدِ والتَعَبِ وسَهرِ اللَّيَالي. فِي وَقتٍ مَا حَيثُ أَصبَحَ الوَضعُ خَطيرٌ لِلغايةِ اِضطُرَتْ لِلهَرَبِ إِلى أَلمانيا مَع أولادِها مِنذُ سِتِ سَنَوات. ومُنذُ ذَلِكَ الحين، تَشعرُ وَفاء بِالحُزنِ المُستَمرِ. وتَفتَقِدُ وتَشتَاقُ لِكُلِ شَيء فِي سوريا، تَكونُ مُنشَغِلَةً بتِلكَ المَشاعِرِ بِاستمرَارٍ وتَتَمَنى طَوالَ الوَقت لَمُ شَملِها بِوَطَنِها وأَنْ تَستَعِيدَ كُلَ مَا كَانت تَملكُه مِن قَبل فِي سوريا

حِرمانُ أَحداً مَا مِن الوَطن، الأمَان، الطَعام، الرَوائِح، والشُعور بَأنَهُ جِزءُ مِن مَجموعةٍ    

المَشي فِي شَوارِعِ المَدِينةَ دونَ أَن يَشعرَ المَرء تَماماً كَأنَهُ غَريب، وعِنْدَما يُحَاوِلُ الاِعتقاد بِأَنْهُ لَم يَعُد غَريباً بَعدَ الأنْ، تَعودُ نَظرات أَو تَعليقاتٌ الآخرين لتُذَكِيرهُ بِذَلكَ

أَنْ تَكونَ حَبِيِّسَ ذِكرياتٍ مِنَ المَاضي

أَنْ يَتم تَصغيرُها مِن اِمرأَةِ نَاجِحةٍ لِلغَايَّة ومُستَقِلَة إِلى لَاجِئةً تَرتَدِي الحِجابَ

السَبَبُ فِي حُزنِ السَّيدةِ وَفاء يَعودُ إِلى فُقدَانِهَا لِوَطَنِها. لَقَدْ فَقَدَتْ وَفاء وَطنَها وكُلُ شَيء فِيهِ ومَعهُ أيضَاً مَا يُقدرُ بأَربعينَ عَاماً مِنَ العَملِ والشُّعورِ بَأنَ لَها هَدَفاً فِي هَذهِ الحَياةِ. مَع هَذهِ الخَسارَةِ، فَقدَتْ الشُّعورَ بالاِستِقرَارِ والعَودَةِ إِلى الحَياةِ الطَبيعِيَةِ. فَهِيَ تَشّعُرُ بِأَلمٍ شَدِيدٍ وبِالحُزنِ. الآثَارُ النَفْسِّيةُ تَظهَرُ في الحُزنِ المُستَمرِ والرَّغبةِ الشَديِدةِ والاِنشغالِ بِمَا فَقدَتْهُ. إنَ هَذهِ الأَعراضَ مُستَمرِةٌ مِنْذُ مُدَةٍ طَويلَةٍ ووَفاء تُعَانِي مِنْهَا كَثِيراً    

يُظهِرُ هَذا تَشَّابُهاً قَويّاً مَع تَشخِيصِ „اِضطِرَابُ الحُزنُ المُستَمر“. حَيثُ إَنَ السيِّدةَ وَفاء تُعاني مِنْ إِجهادِ الِانْفِصَالِ. وهَذا يَعني بِأَنَ لَدَيِهَا رَغبةٌ قَويَّةٌ فِي اِستعادةِ مَا فَقَدَتهُ وهي مُنْشَغِلَةٌ بِاستِمرَارٍ بِذَلك. بالإضافةِ إلىَ ذَلك لَديها أعراضً معرفية سلوكية وعاطفية

تَتَجلَّى هَذِهِ الأعراضُ بِشكلٍ خَاصٍ فِي حُزنِهِا. يَكمُنُ الاِختِلَافُ فِي اِضطِرَابِ الحُزنِ المُستَمرِ فِي أَنَ المُسَبب لَيِس مَوتُ أَو اِختِفَاءُ أَحَدِ الأَحبَاءِ، بَلْ فُقدَانُ الوَطنِ/المَنْزلِ المَوصوف. يُمكِنُ أَنْ يَتَسَبَبَ فِقدَانُ الوَطنِ/المَنزلِ أَيضاً فِي رَدِ فِعلِ حُزنٍ قَويِّ ومُستَمر

لا يُمكنُ أَنْ يَكونَ الحُزنُ نَاتِجاً فَقط عَن وفَاةِ أَحدِ الأَحباءِ المُقَرَبينَ، بَلْ يُمكِنُ أَنْ يَكونَ فُقدَانُ الوَطنِ/المَنزلِ أَيّضاً سَبَباً رَئيسياً لِلحُزنِ. رَدُ الفِعلِ هَذا طَبيعِيٌّ ومُبَررٌ. لِأَنَ جِزءاً أَساسِّياً مِنْ أَنْفُسِنَا قَد مَاتْ بِفُقدَانِ مَنْزِلِنَا ونَفسِيُتنَا تُحَاوِلُ مُعَالَجةُ هَذا الفُقدَان. إِحدَى النَتائجِ المُحتَملةِ هِي الأَعرَاضُ المَوصوفَةُ التَي ذُكِرت. يُمكِنُ أَنْ تَحدُثَ بِشَّكلٍ فَرديِّ فِي شِدةٍ مُختَلِفَةٍ وقَدْ تَستَمرُ لِفَتَراتٍ زَمَنِيةٍ مُختَلِفَةٍ أيِّضاً

مِنَ المُهمِ التَأكيدِ عَلى أَنَ خُروجَكَ مِن وَطنِكَ بِسبَبِ الحَربِ واللُّجوءِ، وبالتالي رُبما فُقدانُهُ إِلى الأَبد، هو سَبَبٌ مَشروعٌ لِلشعورِ بِالحُزنِ. الحُزنُ هو خُطوةُ مُعَالَجَةٍ مُهمةٍ فِي التَعامُلِ مَع هَذهِ الخَسارَةِ الفَادِحَةِ. ومَع ذَلِكَ، إِذَا اِستَمرَ حُزنُنَا بِشَّكلٍ مُكثَفٍ ولِفَترَةٍ طَويلَةٍ جِداً ومَنَعْنَا مِنَ التَعامُلِ مَعَ حَياتِنَا اليَوميِّة، فِمَنَ المُهمِ أَنْ نَسْعَى لِلحُصولِ عَلى الدَعمِ

اِعتَنوا بِأَنْفُسِكُم يا أعزاءي نَلتَقي الأُسبوعَ القَادِم

الحُزنْ ـ الجُزءُ الثَاني

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

فِي الأُسبوعِ المَاضي كَتبنا لَكُم عَن „الحُزنْ“ وكَتبنا عَن أَحدِ النَماذجِ النَفسِّيةِ الَتي تَتَعَامَلُ مَعَ الحُزن، كُلُ النَمَاذِجِ

والنَظرياتِ لَهَا „هَدفٌ نِهائي“. هَذاْ يَكمُنُ في قُبولِ الخَسارةِ المُسَبِبَةِ لِلحُزنِ في مَرحلةٍ مَا والمُضِّي قُدُمَاً مَعَها

اليَومُ سَوفَ نُعالجُ الأسئِلةَ التَالية: هَل يَحزنُ النَاسُ عَلى نَفسِ الشَكلِ فِي كُلِ مَكانٍ فِي العَالم؟ هَل تَستَمرُ عَمَليةُ الحِدَادِ/الحُزنِ فِي كُلِ مَكان بِنَفسِ المُدةِ؟ مَاذا يُمكنُ أَن يَحدُثَ إِذَا كَانت عَمليةُ الحُزنِ أكثَرَ شِدَةً وتَستَغرِقُ وقتَاً أَطولَ بِكَثيرٍ؟

:أَخبَرَنِي صَديقٌ مُقَرَبٌ مؤَخَراً

„الحُزنُ هوَ ظَاهرةٌ عَالمَيةٌ من دونِ نَظريةٌ عَالمَيةَ“

يُوضحُ هَذا الاِقتِبَاس بِأَنَهُ يُمكِنُ بِبساطةٍ الإجَابَةُ على السؤالين الأولين بِالنَفيّ! في عَمليةِ الحزن، حَيثُ تَبدو شِّدَةَ وطَولِ تَجربةِ الحُزن مُختَلِفَةً تَماماً مِن شَخصٍ لِآخَرٍ ومِنْ ثَقَافَةٍ إلى أُخرى. عَلى سَبيلِ المِثَالِ، يَحزنُ سُكانُ نَفَاجْو الأصليّون فِي وِلايَة أُريزونا لِمُدَةِ أَربعةِ أَيامٍ فَقط، بَينَمَا فِي الثَقافَاتِ الغَربيةَ يَبلُغُ مُتَوسِطُ الحِداد حَوالي عَام على سَبيلِ المِثَالِ عِندَ فُقدانُ الزَوج. حتى الطَريقةُ التي يَظهرُ فِيهِا الحُزنُ تَكونُ مُختَلِفةٌ أَيضاً. فِي المُجتَمَعاتِ الغَربيِّة، مِن المُرجَح أَنْ يَتمُ إظهارُ الحُزن في الأُسرة أو بَين الأصدِقاء. وَبِعكسِ ذلك، هُناكَ إِعرابٌ عَلَنيٌ لِلحِدادِ فِي العَديدِ مِنْ دولِ جَنوبِ أوروبَا وشَمالِ إِفريقيا. في بَعضِ الثَقافاتِ يُعتَبَرُ الحِدادُ العَلَنِّي غَير صِحيّ أَو حَتى مَمنوع، وعِندَ البَعضِ الآخرِ لا يَبكونَ فِي وَجهِ الخَسارة، بَل يَبتَسِمون

لِذا فَإنَ المُحَصِلَة النِهائِيةَ هي: الحُزنَ عَملِيةٌ فَرديةٌ بَحتِيه، تَتأثَرُ بِشدةٍ بِالثَقافَةِ

نَأتي الآن إلى آخرِ الأَسئلَةِ المَذكورةِ أَعلاه. مَاذا يُمكنُ أَن يَحدُث إذا بَدأت عَملِيةُ الحُزنِ بأخذِ أشكالٍ مُستَمرةً وَشَديدة؟

يُعتَقَدُ فِي عِلمِ النَفْسِ „الغَربيّ“ أَنه إذا استَمرَ الحُزن بِشَكلٍ حَادٍ على مَدى فَترةٍ طَويلةٍ جداً مِنَ الوقت وكان يُحققُ مَعايير أُخرى فَيُمكِنُ أَن يَحدثَ مَا يُسَمى بِاضطِرَابِ الحُزنِ المُستَمر ـ غَيرُ الاكتئاب

يُعرَّف اِضطِرابُ الحُزنِ المُستَمر بِأَنَهُ مَرضٌ يُؤدي إلى رَدَ فِعلِ حُزنٍ مُستمرٍ ومُتَغلغِلٍ بَعدَ وَفاةِ شَخصٍ قَريبٍ جِداً.

:وَيتَمَيزُ بِمَا يلي

١. إِجهادُ الاِنْفِصَالِ: الذي يصف لَهْفَةً قَويةً أو اِستمرارُ الانشغال (أي التَفكيرُ الدائمْ) بالشخصِ المتوفى

٢. الأَعراضُ المَعرِفيةَ – السِّلوكيَّة – العَاطِفيَّة المَصّحوبةِ بألمٍ عَاطِفي شَديد

عَلى سَبيلِ المِثال الحُزنُ والشُعورُ بِالذَنبِ والغَضبِ والإنكارِ والتَوبيخِ والتَنميلِ العاطفِي

صُعوبةُ تَقبلِ المَوت

الشعورُ بِفُقدَانِ جِزءٍ مِنَ الذَات

عَدمُ القُدرةِ عَلى اِختبارُ المَشاعر الإيَجابيةِ

٣. يَستَمرُ رَدُ فِعلِ الحُزنِ لِفَترَةٍ طَويلَةِ بِشكلٍ غَيرِ مُعتَادٍ بَعدَ الخَسارَةِ (عَلى الأَقل ٦ أَشهرٍ) ويَجبُ أَن يَتجاوزَ بِوضوحٍ المَعايِّيرَ الاجتماعيةِ، الثَقافيةِ أو الدينِيةِ المُتَوقعة لِثَقافَة المَرءِ وسِيَاقِ حَياتِهِ

٤. إعَاقَاتٌ كَبيرةٌ فِي مَجالاتٍ مُهِمَةٍ مِنَ الحَياةِ

إذاً مَاذا الآنْ؟ هَلْ نَحنُ „مُضطرِبين“ فَقطْ لِأَنَنَا نَحزَنْ؟

بِالطَبعِ لا! كَما قُلتُ سَابِقاً، الحُزنُ هو ردةُ فِعلٍ طَبيعيةٍ وآليةِ مُعالجة. يُمْكِنُنا ومِنَ المَسموحِ لَنَا أن نَحزنْ. يُمكِنُنا التَحدثُ مَع أَنْفُسِنَا عَنْ خسارَتِنَا. يُمكِنُنا القِيامُ بِطُقوسٍ وشَعَائرٍ. لَيسَ هُنَاك الصَحيح أو الخَاطئ. يُمكِنُ اِستخدامُ أَيَّ شَيء ليُساعِدُ المَرءُ فِي الحِفَاظِ عَلى الذِكرياتِ الجَميلةِ، وتَقبلِ مَشاعرِ الحُزن، وعِنْدَمَا يَحينُ الوَقت لذَلِكَ، لِلعَودةِ إلى الحَياةِ 

لَكنْ دَعونا نَقول: فِي الوَقتِ الذي يَستَمرُ فيهِ حُزنُنَا بِشدةٍ ولِفَترةٍ طَويلةٍ جِداً ويَمنَعُنَا مِن الاِستمتَاعِ بِالحَياةِ والشُعورِ بِالرَاحَةِ كَمَا كُنا نَشعُرُ قَبلَ الخَسارة، يَنبَغي عَليّنَا التَفكيرَ فِي الحُصولِ عَلى (المَزيدِ من) الدَعم

نَلتَقي الأُسبوعَ القَادِم!

نَتطلع لِذَلِكَ بِشدةَ!

الحُزنْ – الجِزءُ الأَول

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

إذا أَخبركَ أَحَدُهم أَنَ الروحَ تَفنى مَع الجَسد وإِنَ مَن مَاتَ لَن يَعودَ أَبداً، فَقُل لَهُ: الزَهرةُ تَهلَك، ولَكنَ البِذرَة تَبقى وتَكمنُ أَمامَنا، في ظُروفٍ غَامضةٍ مِثلَ خُلودِ الحياة

 جبران خليل جبران

فُقدَانُ شِيء مِثلَ المَنزلِ أَو تَركُ شَيء مِثلَ العَائلةِ والأَصدقاءِ أَو الاِنفِصالُ عَن أَحدِ أَفرادِ الأُسرةِ بِسَبَبِ المَوت يؤَدي إلى شُعورٍ الجَمِيعُ يَعرِفهُ: الحُزن. إِنَهُ ذَلكَ الشُعورِ العَالمَي لِدَرجةِ أَن الجَميعَ يَختَبِرونُه تَقريباً بَعد الفُقدانِ أَو المَوتِ أو المَرضِ. الحُزن هو رَدةُ فِعلٍ بَشريةٍ طَبيعيةٍ ويَأخُذ أَشكالاً مُختَلفةً. بَعضُ النَاسِ يَبكونَ كَثيراً، والبَعضُ الآخرُ يَكونُ غَاضِباً، وآخَرونَ يَعزِلونَ أَنفُسِهم

هُنَاكَ العَديدُ مِنَ النَظرياتِ النَفسِّيةِ حَولَ الحُزن. حَتى الآن، لا يَوجدُ سِوى تَخمِيناتٌ تَقريبِيةٌ لِكَيفِيةِ مَسارِ عَمَليِةِ الحُزن. نَموذجٌ مَتعارفٌ عَليهِ هو نَموذجُ وَالدن، الذي يَفتَرضُ بأَنَهُ يَجبُ التَعامُلُ مَع أَربعِ مَهامٍ في الحزنِ

تَقبلُ الخَسارةِ عَلى أَنَها حَقيقة

لا نُريدُ الاِعتِرافَ بِالخَسارةِ فِي البدايةِ. وحَتى بَعدَ أَسابيعٍ، نَأمُلُ بِأَن يَكونَ الأَمرُ مُختَلِفاً، أَو أَنَنا كُنَا فقط نَحلم أَو أَنَ الشَخصَ العَزيزَ عَلى قُلوبِنا قَد يَعود. ومَع ذَلكَ، خُطوةٍ بِخُطوةَ، يُمكنُنا مُحاولةُ رؤيةُ الخَسارةِ عَلى أَنَها حَقيقةٌ واقعةٌ. يُمكنُ تَحقيقُ ذَلكَ مِن خِلالِ طُقوسِ الحِدادِ مِثلَ زِيارةِ المُتَوفَى أَو تَدويِنِ الأَفكارِ والمَشَاعِرِ حَولَ الخَسَّارَةِ

مُعَالَجةُ الأَلمِ 

يُمكنُ أَن يَكونَ لِأَلَمِ عَملِيةِ الحُزن جَوانباً عَديدة وأَن تَكونَ مَصحوبَةً بِمشاعرٍ مُختَلِفَةٍ. يُمكنُ أَن يَحدثَ الغَضب واليَأس والحُزن والشُعورِ بِالذنبِ والعَارِ والوِحدَةِ والاِمتِنَانِ أَو الحُبِ، ولَكن يُمكنُ أَن يَحدثَ أَيضاً الفَراغُ والعَجزُ. كُلُ هَذهِ المَشاعرِ طَبيعية. غَالباً مَا تَكونُ هُناكَ أَيضاً أَعراضٌ جَسديةٌ مِثلَ فُقدَانِ الشَهية أَو أَلمٍ في الصدر أَو الحَوض أو اِضطِرَابَاتٍ في النومِ. تَخَتلِفُ شِدةُ الأَلمِ بِشكلٍ كَبيرٍ مِن شَخصٍ لِآخَرٍ

التَكيُّفُ مَع عَالمٍ خالٍ مِنَ المَفقودِ

بِسببِ شخص متوفٍ، أو بلد مهجور، أو الصِحةٍ، تُصبِحُ بَعضَ الأَشيَّاءِ غَير مُمكِنَةً مُؤَقتاً أَو على الِإطلاقِ. قَد تَحتَاجُ إلى تَعلُمِ مَهاراتٍ جَدِيدَةٍ (مُثلُ اللُّغةَ) أَو أَخذِ دَورٍ جَديدٍ في الحياة (عَلى سَبيلِ المِثَالِ أَنْ تُصبِحَ أَرمَل/أَرمَلةَ). قَد يَكونُ ذَلِكَ مُرِهقاً، ولَكِنْهُ قَد يوفرُ أَيضاً فُرَصاً جَديدةً لِلحياةِ. رُبَمْا يَجرءُ المَرءُ فَجأةً عَلى اِكتِسَابِ مَهارَاتٍ جَدِيدَةٍ تَماماً؟

المُحَافَظةُ الدَائمةُ على المَفقودِ أَثناءَ الاِنطِلاقِ إلى حَياةٍ جَديدةٍ

إنَها مُهمةٌ مُزدَوَجةٌ. كَيفَ يُمكِنُنَا المحافظة على مَا فَقدنَاهُ وفي نَفسِ الوقتِ الاِنطِلاقِ إلى ضِفَفٍ جَدِيدَةٍ في الحَياةِ؟

إِذا اِضطُرِرنَا إلى مُغَادَرةِ بَلدٍ مَا أَو تَوفي شَخصٌ عَزيزٌ عَلينا، فَقدَ يَعِيشُ كِلاهُما فِي ذَاكِرَتِنَا. يُمكنُ أَن تَكونَ أَفكاركَ وخُبراتِك المُشتركة كَما في شِعرِ جُبران „بُذوراً“ نَأخُذُهَا مَعنا فِي حَياتِنَا الجَديدة وبالتالي نُعطي الخَسارةَ مَكانَاً في هذا أيضاً. لا توجَدُ قَاعِدةٌ عَامةَ: يَشعرُ البَعض بِالاقِترابِ مِنَ المُتَوفى فِي المَقبرةِ، والبَعضُ الآخر يَطبخُ طعاماً يُذَكِرهُم بِالمَنزِلِ أَو الوالدين، والبَعضُ الآخرُ يَنظرُ إلى الصور أو يُفكر فَقط في شَوارِعِ الطُفولَةِ

القُبول

في مَرحلةٍ مَا مِن عَمليةِ الحُزن نَأمَلُ أَن نَتَقبَل بأَنَنا فَقدنا شَيئاً أو شخصاً مُهمِاً. هذا لا يَعني أَنَنا لَم نَعُد حَزينين لِلغايةِ. تَبقى بَعضُ الخَسائرَ مَعَنا مَدى الحياة. لا بَأس بِذلكَ أَيضاً! القبولُ يَعني فَقط أَنَنا نُحاوِلُ العودةَ إلى الحَياةِ حَتى مَع الخَسارةِ. نَضعُ خُطَطاً جَديدةَ ونَهتمُ بِمُستَقبلِنَا مَرةَ أُخرى. يُمكنُ أَن تَزورنا مَراحِلُ الغَضبِ أَو اليَأسِ أَو التَفاوضِ مِرَاراً وتِكراراً، ولَكن بِمرورِ الوَقت تُؤثر عَلينا بِشكلٍ أَقل

هُنَاكَ العَديدُ مِن نَظَرياتِ الحُزنِ الأُخرى بِتَوَجُهاتٍ مُختَلِفةٍ وَلا يُمكن لأيًّ مِنها تَغطيةُ جَميعَ جَوانِبِ الحُزن

مَا تَشتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَظَرِياتِ والنَماذِجِ حَولَ مَوضوعِ الحُزن هو الرِسَّالَةُ المؤلِمَةُ التَاليةَ: في مَرحَلةٍ مَا يَجبُ عَليِنا أَن نَترك، وأَن نَتَقَبَلَ هَذهِ الخَسارةَ، وأَن نَحتفَظَ بِالشَخصِ أَو مَا هو مُهمٌ بِالنِسبَةِ لَنْا في قُلوبِنَا لِكي نَستَمرَ في الحياة. وبِقَدرِ مَا قد يَبدو ذَلكَ مُزعِج، بِقدِرِ مَا نُحَاوِلُ تَجنُبَهُ، فَإِنَنا نَعلَمُ بِشكلٍ حَدسِّي وعَميقٍ في قُلوبِنا بِأَنَهُ يَنبَغي عَليِنا القِيامُ بِذَلِك

اِعتَنوا بِأنَفسِكَم ونَلتَقي الأُسبوعَ القَادِم

مَا عَلاقَةُ النِظَام ِالصِحِّي الأَلمَانِي بِالشَّرقِ؟

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

رُبَمَا أَنت متَفَاجِئٌ قَلِيلاً مِنْ هَذا العُنوان. مَا عَلاقَةُ النِظَامِ الصِحِّي الأَلمَانِي بِالتَارِيخِ الشَّرقِي؟ قَد تَعتَقدُ أَنَهُ لا يُوجدُ عَلَاقَةً بَينَهُما عِندَما تَكونُ عِندَ الطَبِيبِ أَو عِندَما تقرأ هُنا مَقالاتً حَولَ الصِحَةِ النَفسِّيةِ

اِسمحْ لِي أَن أخُذَكَ فِي رِحلَةٍٍ صَغِيرَةٍ عَبرَ الزَمنِ نَعودُ مِن خِلالِها إِلى العُصورِ الوسِطَى. أوروبا تَعِيشُ عَصراً مُظلِماً، قد تَم نِسيانُ المَعرفةِ الطِبيةِ القَديِمةِ بِالطبِ. في هَذا الوَقت سَادتْ أَفكارٌ خُرافِيةَ ولَيَست مُفيدةَ بِشكلٍ خَاص حَولَ جِسمِ الإنسانِ والأمراض. الظروف الصحية سيئة للغاية ويوجد الكثيرُ مِنَ المُعَانَاةِ

فِي الشَرقِ يَبدِو الأَمرُ مُختَلِفاً تَمَاماً. هُنَاكَ مُستَشفَيَاتٌ فِي بَغدادِ لَدَيِها مُكيفات تَبريد بِفَضلِ أَنظمةِ الآبارِ البَارِدةِ المُتَطَوِرةَ. كَمَا تُوجدُ عِيَادَاتٌ ثَابِتةٌ ومُتَنَقِلةَ

فِي قُرطُبةَ، اسبَانِيا اليَّوم، تَتِمُ مُعَامَلةُ النِسَاءِ والرِجَالِ بِمُسَاوَاةٍ تَامةٍ، وكَذَلِكَ الأَغنِيَاءُ والفُقَرَاءُ. لِكُلِ فَردٍ الحَقُ في العِلاجِ الدَقيق. هُناكَ أَطباءٌ وصَيَّادِلةَ وطَاقمُ مُستَشَفى. كَيفَ يُمكِنُ لِذَلِكِ أَن يَحدُثَ؟

تَمَ ضَمانُ هَذهِ المُطالَبةِ مِن خِلالِ تَدريبٍ مُرخصٍ. سُمِحَ لِلأَطِبَاءِ الشَبابِ بِمُرَافَقَةِ الزُمَلاءِ الأَكبرَ سِنَّاً في العِيَادَةِ ومُنَاقَشةِ حَالاتِ المَرضَى. ثُمَ تَمَ اِختِبارهم حَولَ هَذا المَوضوع. فِي النِهايَةِ حَصَلِوا عَلى شَهادةٍ رَسمِيةٍ تَسمحُ لَهمُ بِمُمَارَسَةِ فَنِ العِلاجِ (الطِبْ). إن صح القول لا يَزالُ مَا يُسَمى بِالمُحتَسِب (الحِسبَة) مَوجوداً إلى يَومِنَا هَذا. إِنَهُ تَرخيصٌ لِمُمَارَسَةِ الطِبِ الذي لا يزالُ يمكّن للأطباءِ والمُعَالِجيِن النَفْسيِّين والصَيادِلةِ مِن مُمَارَسَتِه وبِالتَالي حِمَايَةُ هَذهِ المِهنِ مِنَ الدَجَاليِّن

العُلَمَاءُ المُهِمونَ فِي هَذا المَجالِ هُم الرَازيّ (٨٥٤-٩٢٥ م) واِبن سينا (٩٨٠-١٠٣٧ م) بِالإِضَافةِ إلى التَخَصُصَاتِ الطِبِيَةِ الكلاسيكيةِ مِثلَ طِبُ العُيون أَو عِلمُ الأَدويةِ، تَنَاوَلَ العَالِمَانُ أَيضاً عِلمُ النَفْس والعِلاجُ النَفْسِّي. قَبلَ سَنواتٍ عَدِيدَةٍ مِن ظُهورِ التَحلِيلِ النَفْسِّي الأوروبي، تَم اِستِكشَافُ الرَوابِطَ بَينَ العَقلِ والجَسَّدِ بِشَكلٍ مَنهجِي وامكَانِياتُ الشَفاء

وبِهذهِ الطَريقةِ، أَنشَأوا رَوَابِطاً بَين المَشاعرِ وَوظَائِفِ القَلب، وتَمَكَنوا مِن تَحدِيدِ الصورِ السَّريِريةَ المُختَلِفة (على غِرَارِ الاِكتِئَابِ واِضْطِرَابِ القَلق) واِستِخدَامِ طُرقِ الشِفاءِ الَتي لا تَزالُ مُستَخدمةً حَتى اليَّوم. بِمَا فِي ذَلِكَ المُواجَهةُ المُباشَرة مَع المَواقِفِ المُسَبِبةِ لِلخَوفِ، والتَنشيطُ السُّلوكِي، وكَذَلِكَ العَلاجُ بِالموسِيقَى والأَنشِطة المُشتَركة لِتَحسِين الحَالةِ المَزاجِيةِ

العِلَاجُ النَفْسِّي لَيسَ مِن اِخَتراعِ الغَربِ. بِالتَأكيدِ كَانَت هُناكَ مَعَالِمٌ أُخرى في المَنطقَةِ الشَّرقِيةِ قَبلَ الثَورةِ العِلمية (في فكرِ وتَعَالِيمِ الهِنْدوسِية أو البوذِيةَ قَبل ٢٠٠٠ سَنةَ)، لَكِنَ النَهجَ العِلمي المَنهَجي والرِعَايةَ الطِبيَّة الشَامِلةَ هي إِرثٌ رَائعٌ

إذا كنتم تَتَساءَلون أحياناً عَن سَبَبِ كَونِ الرِعَايةِ الطِبيةِ في أوروبا عَلى مَا هي عَليه، فَسَتَجِدون الجَوابَ عَن ذَلكَ فِي تَاريخِ الحَضَارةِ الشَرقِيةِ واِنْتِشَارِهُا إلى إسبانيا، حَيثُ بَدأ تَبادُلُ المَعرِفَةِ مَع مَناطِقٍ أُخرَى مِن أوروبا

وَرُبَمَا يقَلِلُ هَذا أيضاً خَوفَ التَعامُلِ مَع الصِّحَةِ العَقلِيةِ والجَسَّديِةَ لِلفَردِ، بِمَا أَنَ المَرء لَديهِ سِلسِةٌ مِنَ الأَسَلافِ الَذِينَ مَهَدوا الطَرِيقَ لهُ لِدرَاسةِ الصِحةِ العَقلِيةِ ومُعَالَجَتِها بِشَكلٍ مَنْهَجِي

:المَصَادِرُ

H.N. Wasty, „Muslim Contribution to Medicine“, M. Sirajuddin and Sons, Publishers, Lahore, 1962, pp. 5-16.

https://de.wikipedia.org/wiki/Medizin_in_der_mittelalterlichen_islamischen_Welt

http://bufib.de/islamische-medizin-1000-jahre-ihrer-zeit-voraus/

اضطرابُ مَا بَعدَ الصَدمَةِ

يمكنكم سماع النص المكتوب إذا كنتم لا ترغبون في القراءة

تَحَدَثنا الأُسبوعَ المَاضِي عَن مَاهيّةِ الصَدمةِ النَفْسِّيةَ وذَكَرنَا أنَ: الصدمةَ النَفْسِّيةَ هِي جُرح/إصابة لِلنفسيةِ نَاتجةً عَن العُنفِ الخَارجِي. في كثيرٍ مِنَ الحَالاتِ، تَلتَئمُ الجَروحُ النَفسِّيةُ بِمرورِ الوَقتِ وفي حَالاتٍ أُخرَى لا تَلتَئم. إذا لَم تَتمكن الإصابات من الاِلتِئامِ فَيُمكِنُ حُدوثَ مَا يُسَمى بالاضْطِرَابِ التابع للصَدمَةِ. في مقالِ المُدونةِ هَذا سَوفَ نَكتُبُ عَن اِضطِرَابٍ محددٍ تابع لِلصَدمةِ، أَلا وهو اضطرابُ مَا بَعدَ الصَدمة (أو اِضطِرابُ الكَربِ التَالِي لِلصدمةِ

غَالِباً مَا يُعَانِي الأَشخاصُ المُتَضَرِرونَ مِنَ الحَربِ والفَرارِ مِن أَحدَاثٍ صَادِمَةٍ مُتَكَرِرةَ. نتيجةً لِهَذِهِ التَجارُبِ الشَدِيدةِ وَطَويِلةِ الأَمدِ مِن العُنفِ، هُنَاكَ اِحتمال مُتزايد لِلإصابةِ بِاضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمةِ. مِنَ المُهمِ قَولَ أَنَ اِضطِرَابَ مَا بَعدَ الصَدمةِ هو رَدُ فِعلٍ طَبيعي على الظُروفِ القُصوى. السَبَبُ لا يَرجِعُ إلى خَصَائِصِ الشَخصِ المَعنِّي، وَلَكِن فِي المَقامِ الأولِ إلى الظُروفِ المَعِيشِّيةِ اللاإنْسَّانِيةِ والعَنِيفَةِ لِهَذا الشخصِ

مَا هيَّ أَعرَاضُ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمَةِ؟

يَتَمَيِزُ اِضطِرَابُ مَا بَعدَ الصَدمَةِ بِأَعرَاضٍ مُعَينةَ. إِذَّا اِستَمَرَتِ الأَعراضُ لِأَكثَرَ مِن شَهرٍ، فيَتِمُ التَشخيصُ بِأَنهُ اضطرابِ مَا بَعدَ الصَدمةِ.

:مَجموعَاتُ الأَعراضِ الرَئيسِّيةِ الأَربعةِ هيّ

١. إعَادَةُ إِحياءِ الحَدثِ (استعادة أحداث الصدمة): يُعانِي المُصَابونَ غالباً مِن اِنطباعات حية عَنِ الأَحداثِ الصَادمةِ. هَذهِ الاِنطِبَاعَاتُ الحية „تَختَرِقُ“ بشكل غير مرغوب به حَالةَ اليَقظةِ في الوَعِي أَو فِي النومِ

٢. سُلوكُ التَجَنُب (تجنب كل ما يذكر بالصدمة): يُحَاولُ المُصَابونَ بِجهدٍ كَبيرٍ عَدمَ التَفكيرِ في الأَحدَاثِ الصَادِمَةِ أو تَجنُبِ الأَشخَاصِ والأَمَاكِنِ والمَواقِفِ المُتَعلِقَةِ بِهَذِهِ الأَحداثِ

٣. الأَعراضُ المُستَمِرةِ متزايدة الاِستِثَارةِ: تَظهرُ رُدودَ اَفعالٍ جسديةٍ على الصدمةِ. تَتَجَلى هِذهِ الرُدودُ مِن بَينِ أُمورٍ اُخرّى، في حَالةِ تَأَهُبٍ شَدِيدةٍ وَرُدودَ الفِعلِ المُفَاجِئةَ المُفرِطةَ وصُعوبَةَ التَركيزِ ومَشاكلٍ فِي النَومِ

٤. التَغيراتُ الفِكريةُ والمزاجيةُ: يُمكنُ أَن تُغيرَ الصَدمةَ بشكلٍ سَّلبِي تَفكيرَ ومزاجَ المُتَضَرِريِن

كَيفَ يُمكِنُ أَن تَظهرَ أعراضُ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمَةِ؟

بَعدَ فَرارِ عَبدُالله مِن سُورِّيا كَانَ عَليِهِ أَن يَمُرَ بِأَشياءٍ مُرَوعِةٍ بِسَبَبِ الحَربِ ورِحلَةِ اللُّجوءِ إِلى أوروبا. لَقد وَصل أَخيِراً إِلى أَلمانيا، وَلِكنَهُ الآن بِصحةٍ نَفْسِّيةٍ سَيِئةٍ ​​لِلغايةِ

:يَقولُ عَبدُالله

 لا أَعرفُ مَا يَحدُثُ لِيَّ الآن. أَنَامُ ​​بِشكلٍ سَّيٍء لِلغَايةِ، وعِندَمَا أَنامُ، أُصَابُ بِكَوابِيسٍ مُرَوِعَةٍ. يَجِبُ عَلِيَّ أَنْ أَستمرَ فِي التَفكيِرِ فِي الأَشيَاءِ الَتي حَدثَت لِي. حَتى أَنَ ذِكرَيَاتِي تَبدو حَقِيقِيةً فِي بعضِ الأَحيَانِ، كَمَا لَو كُنتُ أعيشُ المَوقِفَ مَرةً أُخرَى. أُريِدُ فِعلاً أَن أَترُكَ كُلُ ذَلِكَ وَرَائِي، لَكِنَ الذِكرَيِاتَ تُلاحَقُني وتَعودُ دَائِماً. مُنذُ أَن كُنُت فِي ألمانيا، كنت اُعَاني طَوالَ الوَقتِ مِنَ الخَوفِ. عِندَما أَسمعُ أَصواتاً مُعينةً، أَشعرُ بِالخوفِ عَلى الفَورِ وأُفَضِلُ أَن أَهرُبَ. أَنا أَعلمُ حقاً بِأَنَهُ لا يُمكنُ أَن يَحدُثَ لِي شَيءٌ هٌنَا، لَكِنَ الخَوفَ عِندي لا يَزول. أَشعرُ بِاليأَسِ والوِحدَةِ. مَا خَطبِي؟ هَل سَأُجَنْ؟

مِنَ المُهِمِ أَن نوضِحَ أَنَ عَبدُالله لَيِسَ بِمَجنونَاً. لَقد عَانى مِن أَشياءٍ صَادِمَةٍ. تَتَفَاعَلُ نَفْسِّيَتُه مَع الصَدمَةِ التَي عَانى مِنْهَا وتُظهِرُ أَعراضَ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمَةِ المَوصوفَةِ أَعلاه. تُؤَدِي الأَعراضُ إلى مُستَواً عالٍ جداً مِنَ المُعَانَاةِ. يُعاني عَبدُ الله مِن ذِكرَياتٍ حَيةٍ عَن مَاضيهِ. تَكونُ فِي بَعضِ الأَحيانِ شديدةً كَمَا لَو أَنَهُ كَان في هذا الموقفِ مَرةً أُخرى في الوقت نفسِه (إِعادةُ إِحياءِ الحَدَثِ). يُحَاوِلُ بِجُهدٍ كَبيرٍ عَدمَ التَفكِيرِ في التَجَارُبِ الصَادِمَةِ فِي المَاضِي (سُلوكُ التَجَنُبِ). بِالإِضَافَةِ إِلى ذَلك، يَتَفَاعَلُ جَسَدَهُ أيّضاً مَع الصدمةِ. يُظهِرُ عَبدُ الله تَوتُراً مُتَزَايِداً ويُعَانِي مِن مَشَاكِلٍ فِي النَومِ (الأَعراضُ المُستَمِرةِ متزايدة الاِستِثَارةِ). بِالإضِافَةِ إِلى ذَلك، فَإِنَ مَزاجَ عَبدُ الله آخذَ فِي التَغيّرِ. يَشعُرُ بِاليأَسِ وبالوحدة (التَغيُراتُ الفِكرِيةُ والمَزاجِيةُ

:إِلَيِكُم مَقطع فيديو قَصير باللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ عَن اللُجوءِ والصَدمةِ

مَاذا أَفعلُ إن كَانت لَدي أَعراضِ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمةِ؟

إِذا كَانت لَديكَ أَعراضُ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمةِ، فِمِنَ المُهم جِداً طَلبُ الدَعمِ النَفْسِّي المُتَخَصِصِ. أَظهَرتِ الدِراساتُ أَنَ العِلاجَ النَفْسِّي الذي يُرَكِزُ عَلى الصَدَمَاتِ فَعَالٌ لِلغايةِ في سِياقِ اضطراب مَا بَعدَ الصَدمَةِ. في كثيرٍ مِنَ الحَالاتِ، من المُمكنِ مُلاحظةُ تَحسنٍ بَعدَ بِضعِ جَلَسَاتٍ فَقط. فِيّمَا يَلي بَعض المَراكزِ في بَرلين ومُحيطُها المُتَخَصِصَةَ في العلاجِ النَفسِّي للاضِطِرَاباتِ التَابِعَةِ لِلصَدمَةِ في سِياقِ اللُجوءِ والحربِ

جَمعيةُ اكسنيون

مَركزُ أوبر ليبن

المَركزُ الصِحِّي لِلاجِئيِن

بالإضَافَةِ إلى المُسَاعَدِةِ المهنيةِ، مِنَ المُهم جداً أَن تَعتني بِنَفسِك. هُنَا يُمكِنُكَ العُثورَ على فِيديو آخر باللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةَ حَولَ الرِعَايةِ الذَاتِيةِ في سياقِ أَعراضِ اِضطِرَابِ مَا بَعدَ الصَدمَةِ

اِعتَنوا بِأَنْفُسِكُم! حَتى الاُسبوعِ القَادمِ

مُقابَلةٌ مَع فَرِيقِ البَحثَ العِلمي المَسؤولِ عنْ اِختِبارِ بَرنامج خُطوةَ خُطوةَ

تَعَرفوا على تَطبِيقِ خُطوةَ خُطوةَ وإمكانياتهُ في تَخفيفِ الضَغطِ النَفسي

مَا هِي اِحْتِيَاجَاتُنَا الْأَسَاسِيَّة؟

بشكلٍ عامٍ، الاحْتِيَاجَاتُ هيَ رَغَبَاتُ/أُمْنِيَاتُ الشَخص الذي يُريِدُ بِهَا تَعوِيضَ نَقصاً مَوجودٍ لَدَيهِ. هُنَاكَ العديدُ مِنَ الاحْتِيَاجَاتِ المُختَلِفةِ والتي لها أَهمْيَّة مُختَلِفةَ عند الناسِ. يُعتَقَدُ أَنَ الاِحْتِيَاجَاتَ „الأَسَاسِيَّة“ هي عَالَميَّة. بِمَعنْى آخر تَنطَبِقُ على جَمِيعِ الأَشخَاصِ، بِغَضِ النَّظَرِ عَن المُتَغَيّرَاتِ أَو الخَصَائِصِ لِكُلِ فَردٍ مِثلُ الثَقَافَةِ والجِنْس وَمَا إلى ذَلك

كُلُ شَخصٍ لَدَيهِ اِحْتِيَاجَاتٌ أَسَاسِيّةٌ لَكِنْ بِدَرَجَاتٍ مُتَفَاوِتَةَ. نَحنُ لَدِيّنْا اِحْتِيَاجَاتٌ جَسَدِيةٌ أَسَاسِية مِثلُ الطَعامِ (فَهُنَا النَقصُ المَقصودُ هوَ الجوع) والشَرابِ (النَقصُ المَقصودُ هو العَطَش) وكَذَلِكَ اِحْتِيَاجَاتٌ نَفْسّيِةٌ أَساسية. في المَقَالِ الخَاصِ بِالعَوَاطِفِ، أَوضَحنا بالفِعلِ العَلاقةِ بَيِنَ المَشاعرِ والاِحتِيَاجَاتِ. المَشاعرُ مُثلُ الخَوفِ أَو الفَرَحِ هي أَدلةٌ دَاخليةٌ لاِحتِياجاتُنا

الحَاجَةُ الأَسَاسِيّةُ لِلشُعورِ بالأمَانِ مُهِمةٌ لِلغايةِ، وخَاصةً للأشخَاصِ الَذينَ يُعَانونَ مِنْ القَلق أَو الَذيِنَ يَجِدونَ أنْفُسَهم في خَطرٍ كَبيرٍ. الشُعورِ بالأمَانِ يَعنِي عَدمَ التَعَرُضِ لِأَخطَارٍ جَسَدِيّةَ أَو نَفْسّيِةَ. قَدْ نَشعُرُ رُبَما بِالأَمَانِ في شَقَتِنْا الخَاصّةَ أَو بالأَمانِ خِلالِ السَّيِرِ في الشَّوَارِعِ. ولَكِنَهُ يَعني أَيضاً الأَمنُ المَالي أو وجودَ مَنظورٍ مِهَني أَو شَخْصِي

الحَاجةَ الأَسَاسِيّةَ الثَانِيةَ هي الاِنْتِمَاء. حتى لو كانت الثقافة الألمانية أكثر فردية من الثقافة العربية، فإن الجميعَ هُنَا أَيضاً يُرِيدُ أَنْ يَشُعرَ بشعورِ الاِنْتِمَاءِ. سواءً كان لِلعَائلةِ أَو لِلشَرِيكِ أو لِلأَصدِقَاءِ أو لِلعَمَلِ أَو لِمُجتَمَعٍ دِيّنِي أَو بِبَسَاطة في وَقتِ الفَراغِ لِلنَادِي أَو مَع الآخَرِين أَثنَاء مُمَارَسَةِ هِوَايِةَ ما. يَشعُرُ البَعضُ أَنَهُم يَنْتَمونَ إلى بَافَارِيا ومِيونِيخ وآخَريِنَ إلى الكَرنَفالِ. لِذا فَالأمرُ يَتَعَلَقُ دَائِماً بِأَنْ نَكونَ جِزءاً مِن شَيء مَا أَو مُجتمعٍ أَو مَجموعةٍ. نُريدُ أَنْ يَتِمَ فَهمُنَا وتَقدِيرُنَا مِن قِبَلِ الآخَريِن في مُجتَمَعِنَا، حَتى نَشُعر وكَأنَنَا في بَيتِنَا هُنَاك

في الوقتِ نَفسِه، نَحتَاجُ جَمِيعاً في بَعضِ الأَوقاتِ، إلى العَكس: إلى أَنْ نَكونَ وَحدَنَا مَع أَنْفُسِنَا، مِنْ أَجلِ قَرَارَاتِنَا وآرَائِنَا. يُمكِنُ لِلمرءِ أَنْ يَتَخَيّلَ جَيداً أَنَ هَاتينِ الحَاجَتِين للاِنتماءِ والاِستِقلال يَتَعَارَضَانِ أَحيَّاناً مَع بَعضِهِمَا البَعض

يَفتَرّضُ عِلمُ النَفْسِ الغَرّبِي أَيضاً أَنَنا كَبَشرٍ نُرِيدُ أَنْ نَرَى مَعناً في أَفعَالِنَا وحَياتِنَا

إِنَ المَعنَى يَختَلفُ كَما يَختَلِفُ الأَشخَاصُ أَنفُسهُم، يَجِدُ البَعضُ المَعنَى فِي مُساعِدة ِالآخَريِن. البَعضُ الآخرُ يُريِدونَ حِمَايَة البِيئةَ أَو رِعَايةِ أُسَرِهم أَو تَجميلِ العَالمِ بالفَنِ أَو التَطور شَخصياً

إنَ جَميعَ الاِحتِيَاجَاتِ تَتأثَرُ بِشدةٍ بِالثَقَافةِ كَما وتَتَغَيرُ أَيضاً في مَسارِ حَيَاتِنَا. خَاصةً أَثنَاءَ وبَعدَ الهِجرةَ مِن ثَقافَةٍ إلى ثَقافَةٍ أُخرَى، فَعَلى المَرءُ أولاً إعَادةِ تَوجيهِ نَفسهِ

مَا هيَّ القِيَّمُ المُهِمةُ هُنَا وأَيٌّ مِنْها أَرغَبُ في تَبَنِيها؟ ما هي القِيمُ المُهمةُ بالنِسبَةِ لي ومَا هيَّ القيَّم التي أَرغَبُ في تَكييفها لكي تتناسب مع القِيَّمِ الموجودةِ هنا؟

الاِحتِيَاجَاتُ الأَسَاسيّةُ هي دَائِماً مَكانٌ جَيدٌ لِلبدءِ. هي تَسمَحُ لِلمرءِ أَن يَسألَ نَفسَهُ عَن الاِحتِيَاجَاتِ التي تَمت تَلبِيتُها جيداً بالنِسبَةِ له وأُيها لَم يَتمُ تَلبِيَتُها

وإذا تَعَذَرَ تَلبيةُ بَعض الاِحتِيَاجَات بشكل جيد في الأوقاتِ الصَعبَةِ، فَهل لا يَزالُ بِإمكَاني فَعلُ شَيءٍ حِيَالَ ذَلك؟ إذا شَعرَتُ بِالوحدةِ، هَل يُمكِنُنِي الاِتصالُ بِصديقٍ/ةٍ أَو إرسَالُ رِسَالةٍ نَصيّةٍ إليهِ/إليها؟ إذا كُنتُ أَتوقُ لِهَدفٍ وَمَعنى أكثر، فَهل يُمكِنُني مُسَاعَدةُ شَخص مَا أَو تَعلمِ شَيء جَديد؟

العِلاجُ النَفسي للاجِئين عَبرَ الإنتَرنِت.. هَل يُخَففُ الألم المَسكوتْ عَنهُ؟

الحربُ، رِحلةُ اللُجوءِ والحَياةُ في مُجتَمَعَاتٍ مُختَلِفةَ، تَجاربٌ عَايَّشَها اللَّاجِئونَ السّوريِين وأَثرَت بشدةِ على نَفسِيةِ العَدِيدِ مِنهُم. غَيرَ أَنَ ثَقَافةِ العَيبْ قَد تُثنِيهِمْ عَن اللُجوء لِلعِلاجِ النَفْسِّي، فَهَلْ يُقدمُ العُلاجُ عَبرَ الإنتَرنِت الحل؟

بالتعاونِ مَع جَريِدةِ مُهاجِر نيوز، أَجرَى فَريقُ البَحثِ العِلميّ المَسؤولُ عَن المُدَونَةِ مُقابلةً تُعالجُ مَوضوعَ العِلاجَ النَفْسّي عَبرَ الإنتَرنِت وإمكَانِياتِهِ في تَحسِينِ الوضعِ النَفْسِّي للَّاجِئينَ والمُهَاجِرينَ المُقيمِينَ في أَلمانيا. لِرؤيَةِ المَقالِ الذي يُلخصُ المُقابلةِ، الرَجاءُ الضَغطَ هُنا

اِعتَنوا بأَنْفُسِكُمْ

مَاذا نَفعلُ عِنْدَمَا يَشعُرُ شَخصٌ مُهمٌ في حَيّاتِنْا بِضيقٍ نَفْسّي

:مُؤَخَّراً، أَخبَرَتني صَدِيّقَتي رَهَف التَالي

أَعتقدُ أَنَ أَخي مُكتَئبٌ وَهوَ في حالةٍ سَيئةٍ للغايةِ. إنْهُ يَشعرُ بالِاكتئابِ الشَّديِدِ كُلَ يَومٍ ولَم تَعُدْ الأَشياء الجَميِلةَ قَادرةً على ِاسعَادهِ. هَذا يَجعَلُني حَزينةٌ جِداً ايضاً. حَاولتُ مُسَّاعَدتُه ولَكنْ دونَ جَدوى. أُفَكرُ كُلَ يومٍ كَيفَ يُمكِنُني دَعمُهُ بِأَفضلِ شَكلٍ. لَكِنَنَي بِالفِعلِ اَشُعرُ بأَنَني قَد استَنفَذتُ قِوايّ. بالإضافةِ إلى ذَلكَ لَديَّ الكَثيرُ مِنَ الأُمورِ التَي تَشغَلُنِي ويَتَوَجَبُ عليَّ التَفكِيرُ بِها! لا اَستطيعُ المُتَابَعة على هذا النَحو

نَحنُ البَشرُ كَائناتٌ اجتِمَاعِيةَ: على مَدارِ حَيَاتِنا، تَتَعَمَقُ عَلاقَاتَنا مَع أَفرادِ الأُسرَّةِ، نَقَعُ في الحُبِ ونَجَدُ شَريكُ حَيَاتَنا، ونُكَوّنُ صَداقاتٍ مَدى الحَياة. هُنَاكَ أَشخَاصٌ مُهِمونَ بِشكلٍ خَاصٍ بالنسبةِ لَنْا ونَحنُ قَريبونَ مِنْهُم جِداً. في العَالمِ العَرَبيّ بالأَخص يَملِكونَ العَائِلةُ والأَصدِقاءُ مَكانَةً مُهِمةَ للغايةِ

عِنْدَما يَشعُرُ شَخصٌ قَريبٌ جِداً مِنْا بِتَعَبٍ نَفْسّي، فَإنَ هَذا يؤَثْر عَلَينا بِشَكلٍ كَبير. نَكونُ مُرهَقين ومَعنِيينَ بِالأمرِ. يُعَبرُ هذا التَأثير السَلبي عَن نَفسهِ بوضوحٍ عَلى المُستَوى العَاطِفي خُصوصاً. فَقَد نَختَبرُ أَحد المَشاعرَ التَاليةَ

١. الحُزن، ولِأنْهُ يؤِلِمُنا أَنْ نَرى شَخصاً مُهِماً جِداً بالنْسبَةِ لَنْا، في حَالةٍ سَيئةٍ

٢. اليأَس وذَلكَ لِأَنَنَا لا نَعرفُ كَيفَ يُمكِنُنَا أَنْ نُسَاعِد

٣. الخَوف لِأَنَنَا لا نَعرفُ مَا الَذي سَيَجري ومَاذا سنَفعَلُ بَعدَ ذَلك

٤. الإحبَاطُ والغَضب لأنَ حَياتَنا الخَاصةَ اَصبَحتْ خَارج السَيّطَرةَ وتَعُمُها الفَوضَى

 ٥. الشُعورُ بالذَنبِ والخَجلِ للاِعتِقَادِ بِأَنَنا أَنانيون عِندما نُفَكرُ في حَياتَنا بَينَما الشَخص القَريب مِنْا في حالةٍ سيئةٍ وليَسَ بِخير

بالإضافةِ إلى ذَلكَ، غَالباً مَا يُؤَدي القَلقُ والعِنَايةُ اليَوميَّةَ لِلفردِ المَعني إلى وَضعِ قُيودٍ على حَياتِنا الاجتِمَاعِيةَ وعلى اَوقاتِ الفَرَاغِ الخَاصةِ بِنا. إنَهُ أَمرٌ مَفهومٌ وطبيعي لِلغاية بأَنَنا نُريدُ المُسَاعَدةَ. قَد نَنجحُ بِعمل ذَلك أيضاً بشكلٍ جَيدٍ لبَعضِ الوَقت. ومَع ذَلك، في مَرحلةٍ ما، قَد نَختَبرُ شُعوراً مُمَاثِلاً لِشُعورِ رَهف في المِثالِ أَعلاه

هُنا يَبرزُ السّؤَالُ: مَاذا يُمكِنُنَا أَن نَفعلَ لِأَنفُسِنَا في هَذهِ الحَالة؟

بِسَببِ الضَغطِ الَذي نَمرُ بهِ، مِنَ المُهمِ أَن نَنظُر إلى أَنفُسِنَا وأَن نَطلُبَ الدَعم والمُسَاعَدةَ مِنَ الآخَرين مِن أَجلِ التَعامُلِ مَع هَذا المَوقِفِ الصَعب. وبِهذهِ الطَرِيقةَ، يُمكنُ ضَمانُ دَعمٍ أَفضل لِلأشخاصِ المُقَرَبينَ مِنْا، لِأَنَهُ إذَا سَاءت حَالتُنا، لَن نَتَمَكنُ عِنْدَها مِن تَقديمِ المُسَّاعَدة َبِشكلٍ جَيدٍ. اِليِّكُم بَعضُ النَصائحِ المُتَعَلِقةِ بِذَلك

الِانتِباهُ للاحتِياجَاتِ الذَاتيةِ

١. يَجبُ أنْ نَسّألَ اَنْفُسَنَا عَمّا نَحتَاجُهُ ومَا هو جَيدٌ لَنْا

٢. مُراعاةُ قُدُرَاتِنَا وحُدُدِنا، ومُشَاركةُ المَسؤولِيةَ مَع أَفرادِ الأُسرةِ أَو الأَصدِقاءِ الآخَريِن

٣. التَخطيط لِوقتِ الفَراغِ

تَجَنُبُ العُزلةِ

١. المُحَافَظَةُ عَلى الصَدَاقَاتِ وتَنمِيَةِ الهِوايَاتِ

٢. الاِبتعادُ عَن العزلةِ

٣. التَحَدُثَ مع الآخريِن حَولَ هَذا المَوضوع

الحُصولُ عَلى الدَعمِ

١. الحُصولُ على المَعلوماتِ عَن طريقِ الأشخَاصِ الأَخصَائِيينَ ضِمنَ دَائرةِ مَجموعات الأقارب، مُسّتَشاري مَجموعات الأقارب وفي الإنترنت

٢. البَحثُ عَن الدعمِ النَفْسّي إذا لَم تَنفعُ الخُطواتِ السَّابِقةَ

القارئات والقُرّاءُ الأَعزاء

نَحنُ نَعلمُ مَدى سُهولةِ قَولِ هَذهِ النَصائح مُقارَنةً بِمَدى القوةِ والشَجَاعَةِ المَطلوبَتَين لإتّباعِ أَحد النَصائح. مِنَ المُهمِ أَنْ تَعرِّفوا: أنْتُم لَستُم وَحدَكُم! دَعّوا الآخَرين يُسَاعِدونَكُم

يُمكِنُكُمُ الحُصولُ عَلى اِستشارةٍ خَاصةٍ بِأَقاربِ اللّاجِئينَ المُصابِينَ بأمراضٍ نَفْسّيةٍ عَلى العُنوَانِ التَالي

https://www.caritas-berlin.de/beratungundhilfe/berlin/flucht-und-migration/beratung/fuer-gefluechtete-mit-psychischen-erkrankungen/restart-empower/fuer-gefluechtete-mit-psychischen-erkrankungen

اِعّتَنْوا بِأَنْفُسِكُم! حَتى الاُسبوعِ القَادمِ

لِماذا يَصعُبُ الحَدِيثُ عَنِ الصِحْةِ النَفسّيةَ أحياناً؟

:لِنَتَخَيّلَ مَعاً السّيِنَاريو التَالي

تَعَرَضَ خَالِدٌ لِحادث حيثُ كُسِرَت سَاقَهُ فيه. الطبيب المُعالج يَأخذُ العَظمَ المَكسور على محملِ الجِدْ ويُعَالِجُ الكَسِر. والِدَةُ خَالِد تَعتَني بِه. خالد يُخبِرُ اَصدِقاءَهُ عَن الحَادث ويُظهِرون تَعَاطُفَهم بِشَكلٍ كَبير

لَكنْ عِندما يُخْبرُ خَالدٌ اصّدِقاءَهُ بأنه يُعاني مِنَ الكَثير مَنْ التَوَتر وبِأَنَهُ يَشّعرُ بالحزنِ والخُمولِ مُنذُ اَسَابيع، فَإنَ ردَةَ الفِعلِ مَن حَولهِ غَالِباً ما تَكونُ مُختَلِفةً

اضحك من جديد!، كلُ شخصٍ يَمرُ في يوم سيئ!، يَنبَغي عَليكَ الخُروجَ واستنشاقَ الهواءَ النَقي، كُلُ هَذه عِبارة َعَن أجوبة نَموذَجية على إدلاء (أو أحياناً تَلميح): انا لا اَشعرُ على ما يُرام نَفْسّياً

لِماذا يكون رد فعلنا مُختَلِفٍ تَمَاماً على الصِحة البَدَنِية والعَقلِية؟

  يُمكِنُ لِلشَخصِ العُثورِ على هَذِهِ الظَاهِرةَ في كُلِ مِن العَائِلات العَرَبيّة والأُوروبيّة، حتى ولو على سَبيلِ المِثال، هُنَاكَ بِالفِعل الكَثير مِن المُحَاولات في ألمانيا للتَحَدثِ بِشَكلٍ أَكثَر اِنّفِتَاحاً عَن الصِحةِ النَفْسّية والاضطِرابَات وجَعلَها أَكثرَ قُبولاً في المُجتَمَع. لأنه صدقاً كُلُ شخصٍ لديهِ نَفسّية وكُلُ شخصٍ لديه جَسّد. كِلاهما مُمكن أن يكونا سَليمين أو عليلين

الاختِلافُ الأَول هوَ أَنَ الصِحةَ النَفْسيّةَ لَطَالَما كانت مِنَ „المُحَرَمات“. وهَذا يَعنْي بِأَنَ الشَّخْص يُفَضْلُ عَدَمَ الحَديثِ عَنها في الأُسرة  وبَينَ الاَصدِقاء وَفي المُجتَمَع. بالإضافة إلى ذَلكَ، هُناك ما يُسَمْى بِوَصمَةِ عَارٍ عَلى الأَمْراضِ النَفْسيّة. هَذا يَعني بِأَنَ الشَخّصَ يَربطُ الأَفكارَ السَّلبِية بِها. وَصّمَةَ العَارِ هيَّ أَنَ الأَشّخاصَ المُصَابونَ بِمَرَضٍ نَفْسي ضُعَفَاء أو أَنَّهُم لا يَبْذِلون جُهداً كَافِياً. في مُعظَمِ الأَحيّان يَكونُ العَكس هو الصَحيح، حَيثُ يَتَطَلَبُ الأَمَرَ الكَثِير مِنَ القوةِ والمُثَابَرةِ لِشِفَاءِ النَفْس. بالإِضافةِ إلى ذَلك، مِنَ المُفتَرضِ أَنَ الأَشخاصَ المُصابين بِأَمْرَاضٍ نَفْسيّة „مَجَانْين“ أَو لَدَيهم ضُعفٌ في الشَخصِيةِ. لَكِننا نَعلمُ مِنَ البَحثِ العلمي أَنَ سَببَ الاضطِرَابَاتِ النَفَسّية هو عَادَّةً مَا يَكونُ مُتَعَدد العَوَامْل (مِثلُ الجِينَاتِ وتَجَاربِ الطُفولةَ المُبَكِّرَة والبِيئةَ). كَمّا تَرَوا، غَالِباً مَا يَكونُ هُنَاكَ نَقصٌ في المَعّرِفةَ حَولَ العَمَلِياتِ النَفْسّيِة بِحَيثُ يَتِمُ اِعتِبَارُ أَنْصَافَ الحَقَائقِ صَحِيحَةً

وِفْقَاً لِلدِراسَات فَإنَ حَوالي ٣٠-٤٠ يُصَابونَ خِلالَ حَيَاتِهم بِاضطِراباتٍ نَفْسّيَة مِثل الاكتِئاب، واضطِراب الخَوف أَو الإدْمان. عِندَ بَعضِ السُّكانِ مِثلَ المُهاجِرين، يَكونُ الخَطرُ أكبر. لِذا فَقدْ حَانَ الوَقت لِجَلبِ المَزيدَ مِنَ المَعرِفَةِ حَولَ الصِّحَةِ النَفْسّيِة إلى المُجتَمَعِ والأُسَّر (سَّواء الأَلمَانِيَة أَو العَرَّبِيَة) وبَالتَالي جعل هذا المَوضوع طبيعي. إنَ أَكبرَ مُعَاناةٍ للمُصَابينَ بِمَرضٍ نَفْسّي هي أنَه يَحِبُ عَلَيِهم الحِفاظُ عَلَيه سِرّاً. نَتِيجَةً لِذَلكَ، يُعَاني المَرءُ في صَمتٍ ويُمكنُ للمَرضِ أَن يَتَغذى ويَزْدَاد مِنْ خِلالِ الشُّعورِ بِالوِحدَة وسُّوءِ الفَهمِ. إذاً ما هو المُهم؟

إذا كُنْتَ تَعرِفُ شَخصاً حزيناً، فَاَسأَلهُ عَمّا إذا كانَ يُريِدُ التَحَدُث. سَوفَ تُذهَل بما تقدم له من معروف. إذا كانَ لا يُريدُ التَحَدُثَ عَن ذَلك، فَأنْتَ عَلى الأقل قَد سَأَلت

اطَلَبِ المُساعَدةَ. يُمْكِنُ للأَطباءِ والمُعالِجين ذَّوي الخِبرةَ أَنْ يوَفروا لَكَ مَساحَةً للتحدثِ بصراحةٍ وصِدْق حَولَ ما يَجْرّي. هُناكَ أَيضاً مَجموعاتُ دَعمٍ في كُل مَدينةَ رَئيسيةَ. هذا الأَمر في البداية يَتَطَلبُ القَليلَ مِن الشجاعةِ، ولكن كَونك بين الأشخاص ذَوي التَفكيرِ المُماثلِ غالباً ما يُشعرِكَ بِأنْكَ مَفهومٌ

يُمكِنُكَ أَيضاً تَعَلمُ الكَثيرَ مِنَ الاستراتيجياتِ مِن الأشخاصِ المُتَضَررين الآخَرين. لست مضطراً للتحدثِ مع عائلتِكَ على الفَور إذا كُنْتَ تَخشى أَلا يَتمَ أخذُكَ عَلى مَحمل ِالجِدْ، ولَكنْ قَد يَكونُ هُنَاكَ أَشخاصٌ مِنْ حَولك تَرغبُ في التَحَدثِ مَعَهم

مِنَ المُهم أَنْ تَعرف: أنْتَ لَسّتَ وَحدَكَ ولَيّسَ عَليكَ أَنْ تَمُرَ بِكُلِ هَذا بِمُفرَدكْ

ما الذي يُساعدُ في أوقاتِ جَائحةِ كورونا؟

رُبَما لا يُوَجَدُ مَوضوع يشَغَل العالم في الأشهرِ الأخيرة أكثرَ من جَائحةِ كورونا والجوانب المُرتَبِطة بها. أصبح فايروس كورونا يُشكل للكَثير منَ الناس عِبْئاً حَقيقياً. عَدم اليَقين بِما يَخص المُستقبل، والخَوف مِن فُقدان الوظيفة، والتوفيق بين رعاية الأطفال والعَمل أو التَدريب العَمَلي، بالإضافة إلى الانفصال والتباعد عن العائلة والأصدقاء، كُلها عوامل تُؤثر على أرواحنا „نفسيتنا”. فوق كل ذلك يأتي للتَوْ هذا الطقس البارد الذي يَضعُفُ فيه المَزاج أيضاً

:من الأسئلة المُهمة التي تشغل الكَثيرون

كَيف يُمكِنني القيامُ بشيء ما من أجل صِحَتي النَفسية والجَسَدية على الرغم من قيودِ جائحةِ كورونا (مثل الإغلاق الجزئي) وما الذي رُبَما ينبغي عليَّ الأفضل تَجَنُبهُ؟

بَادئُ ذي البدء، من المُهم أن نَتقبَلَ بأن هذا الوقت هو وقت صعب، خاصةً إذا كان الشخص في الواقع كان يَرغبُ في الحصولِ على مَوطئِ قدمٍ في بلدٍ جديدة لِبِضعِ سَنَوات والآن مع جائحة كورونا، فإنها تَجعلُ مجدداً بَعضَ الأمور أكثَر صُعوبةً

إن الاعتراف لأنفسنا بأننا غالباً ما نَكون حَزينين أو سَريعي الغَضَب والنظر إلى هذا على أنه „أمر لا بأس فيه“ يُخفف من بَعض الضَغط علينا

يَنبغي أن تُساعِدَكَ الأسئلة التالية على التَفكير في الاستراتيجيات المُفيدة لك. لا تَتَرَدد في كِتَابَة بِضعةَ أسطرٍ عن ذَلك. إنَ الكِتَابة تُسَاعد ايضاً في تَصورِ أَفكَارَك

١. ماهي المَواقف الصَعبة في الحياة التي تَغلَبت عليها من قبل؟ ما الذي سَاعَدَك في ذَلك؟ فَمن خِلالِ تَذَكُرِنا، كَيّفيةِ تَغلُبِنا على المَواقف الصَعبة، نَستَطيع أن نَربِطَ بين أنفسنا وبين نقاطِ قُوتنا وقُدراتنا، التي يُمكِن أن نَكونَ قَد نَسيناها والتي مازِلنا قادِرينَ على استخدامها  

٢. إن التواصل الاجتماعي النَفسي حالياً مُقيدٌ وبشدة. فَعلى الرُغمِ من ذَلك، ما هي الاحتمالات المَوجودة للتَواصل مع العَائلة والأصدقاء؟ (على سبيل المثال، مكالمة هاتفية، واتس أب، فيس بوك، نزهة قصيرة على الأقدام). يمكن للشخص الذي يُعاني من الوحدة أن يأخذ على عاتقه مثلاً بالتواصلِ مع شَخصٍ واحد يومياً  

 ٣. ما هي الأشياء الصَغِيرة التي يُمكِنُني أن أُهديها إلى نَفسي، والتي قَد تَكون جَيدة بالنسبةِ لي؟ ليسَ مِنَ الضروري أن تَكونَ هذهِ الاشياء كَبيرة، فمن المُمكن أن يَكون كأساً من الشاي أو طعاماً لذيذاً، نُزهة على الأقدام، أَخذُ حَمامٍ ساخن أو مشاهدة مُسَلسل مُمتع. اعتِناؤنا بأنفُسِنا بشكلٍ واعٍ يُشعرنا بأهميتِنا ويُخفف الضَغط النَفسي

٤. ما هي المَشاكل الكبيرة التي يَجبُ أن اتَعَامل معها وما هي المَشَاكل الصَغيرة التي استطيعُ تَجَاهُلَها؟ إن قِوَانا ومَوَارِدَنا حالياً مُقيدة، لذا من المهم تَحديدُ الأولويات. ما الذي يجب مَعالجتهُ بالفعل فيما يَتَعلَق بالعَمل، الصِحة، الأُسرة أو المال وما هي المَشاكل الصَغيرة التي يُمكن أن تُعَالج لاحقاً؟  

٥. طلب المساعدة: إذا لم تَكن على ما يرام في الجائحة لفَترَةٍ طويلة، فلا بَأسَ تماماً. مِنَ المُهم جداً طَلبُ المُسَّاعَدة العديدُ من الأشخاص يَبحَثون حاليًا عن الدَعم من طبيب أو معالج. كَمُساعدة سَريعة، يُمكِنُكَ أيضاً استخدام تَطبيقنا „خُطوة خُطوة“ لفعلِ شيء من أجل صحتك العَقليةَ

الكورونا هي ليَست مُجَرد جائِحة مَرضية وجَسَدية، بل هي أيضاً جائحةٌ نَفْسية. إن الضُغوطات النَفسية كَبِيرة ومن المُهم تطوير الاستراتيجيات وذَلكَ لِلتَعَامُلِ مَعَها بِفَعاليّة

ربما لديك أنتَ أيضاً استراتيجيات فَرِيدة وخَاصة بك. نَحنُ نَوَدُ بِكلِ سرورٍ أن تُخبرنا عَنْها 

اسمح لَنْا أن نَعرف في التَعليِقات

نَحنُ نَتَطَلع إلى زيارَتَكم لنْا الأُسبوع المُقبل

الخَوفْ واِضطراب القَلَقْ 



نَجلس معاً في مجموعةٍ لطيفة وإذ بنا نتطرق إلى موضوع الخوف، والذي هو موضوع انساني إلى حد كبير

:جميعنا نستجمع القليل من الشجاعة ونقول

تَقول نور: أخشى الثَعابين، أُريد فقط الهروب، عندما أراها

يَعترف خالد ويَهُز رأَسه مُنزعجاً قَليلاً: أخشى الخلاف مع رب عملي 

غالباً ما كُنتُ قَلِقَة بِشأن مُستقبلي مُنذ أَن كُنت في ألمانيا، تَقول مُنى

يَهمس أحمد وينظر إلينا جميعاً، ونَحْنُ نُومئ: عِندما اسمع صَوتاً قوياً، أَشعرُ بالخَوفْ وابدأُ بالهرب

هل هذه الأمثلة خَوف أم اضطرابُ قَلقٍ بالفعل؟

بَادئ ذي البدء، دعونا نحدد أولاً ما هو الخوف في الواقع: الخوف هو حَالة مِنَ الإثارة في الجسم تَنجُمُ عن ادراكِ مَوقفاً أو شَيئَاً ما (مثل الثُعبان) يُنظر إليهِ على أنهُ تَهديد

الخوف، في اللاتينية „أنغريه“ (وتُترجم: الاختناق، الشَد على الحلق)، يهيئ الجسم للفرار أو في حالات نادرة لمُحاربة التهديد. إن الشعور النموذجي بالخَوف، بالإضافة إلى تسارعِ ضرباتِ القلبْ والتَوتر والتَعَرق كُلُها تَغَيرات جَسَدية تَجعلُنا نَفر أو نَهرُب بشكلٍ أسرع

لماذا يَحتاجُ الشخصُ إذاً إلى شعورِ الخَوف المُزعج؟

غالباً ما يُنظرُ إلى الخوفْ على أنه شعور غير مريح وهذا شيء طبيعي. يُريد الجسم أن يُعطينا إشارة بأنه يَجب علينا طَلب الحِماية. فمن الأفضلِ أيضاً أن نستمع إلى أجسامنا عندما تُرسِلُ لنا إشاراتٍ غير سارة (مثل الجوع والعطش). نحن نملك آلية الأمان هذه مُنذ تَعرُضنا نحن كبشرٍ للعَديدِ من المخاطرِ من الحيوانات والبشر الآخرين (أي في العصر الحجري). الخَوف من الثَعابين يأتي لِكثيرٍ من النْاس من هذا الوقت، على الرُغم من أنهم يَعيشون في مناطق لا يوجد فيها ثَعَابين خَطِرةَ 

في العَالم الغَرّبي، هناك عَددٌ قَليلٌ جداً مِنَ الأخطارِ الحقيقية لمعظم الناس في الحياة اليومية. معظم الناس يَقلَقون بشأن النِزاعات الشَخْصية أو أعباء العمل. „أنا خَائفٌ من الصراعِ مع رب عملي“ هو مثال نموذجي لهذا الخَوف

بالطبع، تَبدو الأمور مُختلفة تماماً عندما يُغادرُ المرء بلداً كانَ عَليه أن يخشى فيه على صِحتهْ أو حتى على حَياتهْ. هذا الخوف لهُ تَأثيرٌ وقائي، ربما في الشَكلِ الذي قَرر المرء فيه الفَرار بالفعل، على الرغم من أنهُ كانَ عليه تَركُ العَائلة والأصدقاء خَلفه

من نَاحيةٍ، يُمكنُ أن يَكونَ الخَوفُ مُفيداً جداً في المَواقفِ التي تَنطَوي على التهديد، ومِن نَاحيةٍ أخرى، يمكن أن يَجعل الخوف المُشكلات اليَومية تَبدو أكبر مما هي عليه بالفعل 

لكن متى يتحدث المرء عن اضطراب القلق؟

يتحدث المرء عن القلق عندما يُعاني الشخص المَعني من الخَوف. في هذهِ الحَالة، لم يَعد الخَوف يُحَقق غَرَضاً وِقائياً، بل يُبعد الشخص عن حَياتِه اليَوميَة. لذا فإنَ حدثاً معيناً (مثل الضَوضاء العالية) يُثير الخَوف وربما ذكريات المواقف التي كانت تَعني فيها الضوضاء العالية خطراً ما

لقد خَزنت نفسيتنا صوتَ الانفجار أو الدَوي في الذاكرةِ على أنه خطير. يَنطبقُ هذا أيضاً على المَواقفِ التي يَكونُ فيها الانفجار أو الدَوي على سَبيل المِثال قادم من العدم. إنه يُشْبهُ إنذارَ الحَريقْ الذي يبدأ في إصدارِ صَفير ليس فقط عند نشوبِ حريق، ولكن أيضاً عند وجود بخار

يَتجنب المُصابون مِنذُ ذَلكَ الحين هذهِ المَواقف المُسببة للخوف أو المشاعر الغير مريحة، مما يُؤَدي إلى تَفاقم الخوف.يَزداد الخوف بشكل كبير، عند تَجنُبنا للمَواقف المُحفزة لهُ

فَهل كلُ شخص يَخاف الثُعبانْ، يُعَاني من اضطراب القَلق!؟

لا، هذا خَوفٌ يُمكن أن يَكون مُفيداً ومُناسباً. مُعظم النَاس لا يُعانون منهُ في الحياةِ اليَومية (إلا إذا كانوا يَعمَلون في حديقةِ للحَيَوان ويَتَعامَلون مع العديدِ من الثَعابين).يُمكنُ للتجاربِ قبل وأثناءَ رحلة اللجوء، وكذلك تَحديات العيش في بلدٍ جَديدٍ بِقَواعدٍ جديدةَ، واللّغة والتَجارب المُجهدة مع العُنصرية أو البيروقراطية، أن تَخلِق مَخاوف

إذن ما الذي يَنبَغي أن أبحثَ عنهُ إذا شعرت أنا نفسي أو شخص عزيز عليَ بالخوف الشديد؟

:الأعراض المهمة التالية التي تُقَيد الحَياة

ـ الأشخاص المُتَضَررون يراودهم القلق الشديد وغالباً ما يكونوا سجناء هذهِ الأفكار

ـ الناس المُتَضَررون يَخَافونَ منَ الخَوف

ـ مُواجهة صُعوبة في النَوم، وآلام في العضلات، وَخز في الصَدر أو فُقدان الشَهية

ـ يَمنع الخوف الناس من القيام بالمهام اليومية مثل العمل أو الهوايات أو العلاقات الاجتماعية أو الشعور بالسعادة

ـ يَنعزل الأشخاص المُتأَثرون كثيراً ويَتَجنَبون المَواقف المُسببة للخَوف

ـ غالباً ما يعلم الأشخاص المُتأثرون أنَ الخوف هو مبالغ فيه وغير منطقي

ـ يُعَاني المُتأثرون بِشَكل كبير من هذهِ القيود

في بعض أشكال اضطراب القلق، والذي يُسَمى باضطراب الهَلَع، يَبدو أن الخَوف يَظهر من العَدَم ودون سابق إنذار.غالباً ما يَجدُ الأشخاص المُتأثرون رد فعل الخوف السريع غير المُتَوقع هذا مزعجاً للغاية وغالباً ما يكونُ لديهم شعور بأنهُ لم يَعُد بإمكانهم التنفس أو أن لَديهم شَيئاً ما ليس على ما يرام في القلب

كيف تُعالج المخاوف؟

غالباً ما يكون من السهلِ التعاملُ مع المخاوف. نقطة الاتصال الأولى هي طبيبُ الأُسرة أو مَركز الاستشارات النفسيةَ والاجتماعيةَ، الذي كما ذكرنا سابقاً، يستهدف أيضاً الأشخاص اللاجئين تحديداً

غالباً ما يكونُ العلاجُ النفسي ضرورياً لعلاج الخوف. مما يتيحُ للشخص النَظر عن كَثب إلى محفزات الخوف والاستراتيجيات لكيفية تقليل الخوف.أحمد قام بالعلاج….ولا يزالُ يَشعرُ بالخوف إذا سَمعَ صوتَ انفجار ولكنهُ الآن يعرف السبب، ويَتقبل الخوف ويمكنه تهدئة نفسه. ثم يواصل عمله. إن الخوف الآن هو مجرد رفيق صغير له

شكراً لكم

نود إخباركم بأنه تم إغلاق عملية تعيين مشاركين في دراسة خطوة خطوة. في المستقبل القريب، سوف نبدأ بتقييم البيانات الإحصائي. بمجرد الانتهاء، سوف نعلمكن عن نتائج تقييم فعالية برنامج خطوة خطوة تحت خانة مشروع القوى وبرنامج خطوة خطوة في مدونة سلام الروح

شكراً لكم على مشاركتكم معنا
مع كامل الاحترام والتقدير
فريق خطوة خطوة

مَا هُوَ الدَّوْرُ الَّذِي يَلَعِّبُهُ الْبَحْثُ الْعِلْمِيُّ فِي الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ؟

:هذه المرة، لنبدأ بالسيناريو التالي

نور تعاني من مشاكل صحية وتبحث عن مختص لها. الأخصائي يأخذ تاريخ الحالة الطبية ويشخص ما قد تكون المشكلة لدى نور. يقول الأخصائي أنه يمكن علاج الأعراض بسهولة وبشكل مُعتمد باستخدام طريقة العلاج اكس واي (رمز تخيلي). إنها فعالة وتظهر دائماً نتائج جيدة. توافق نور على خطة العلاج وبعد فترة اختفت الأعراض بالفعل بفضل طريقة العلاج هذه!

الآن قد يتساءل المرء كيف يعرف الأخصائي ما إذا كانت طريقة علاج معينة فعالة أم لا. كيف يتم تحديد ما إذا كانت طرق أو مناهج العلاج مفيدة وفعالة أو ربما غير فعالة أو حتى ضارة. الجواب: عن طريق العلم والفحوصات العلمية

عندما يتم تطوير طريقة علاج جديدة – سواء كانت لمشكلة جسدية أو نفسية – يجب اختبار فعالية هذه الطريقة. يتم ذلك عادةً في إطار الدراسات العلمية مع أكبر عدد ممكن من الأشخاص المتأثرين بهذه المشكلة
:إذن يتم تحديد

 ١) هل الطريقة فعالة في حل المشكلة؟

٢) إذا كانت الإجابة بنعم (أو لا)، فلماذا؟

٣) كيف يمكن تحسين الطريقة؟

فقط بعد اجتياز طريقة العلاج الجديدة „لاختبار العلم“ يمكن تقديمها في مجال الرعاية الصحية. للرجوع إلى السؤال الأول في عنوان المقال، يلعب البحث العلمي دوراً مهماً للغاية في الرعاية الصحية!

:لنلقِ نظرة على حالة ملموسة من الحياة العملية

أُثبتت فعالية مناهج العلاج النفسي التقليدية (علاجات وجهاً لوجه) منذ فترة طويلة وذلك عبر جميع الحضارات. نتيجة لتطور التقنيات الحديثة، كانت هناك مجموعة كاملة من عروض العلاج عبر الإنترنت في العالم الغربي على مدى العقود القليلة الماضية. أثبتت العديد من الدراسات العلمية في المجتمعات الغربية فعالية مثل هذه الأساليب العلاجية المستندة إلى الإنترنت. بسبب العديد من العوامل، تم النظر في إمكانية تقديم علاجات عبر الإنترنت في المنطقة الناطقة باللغة العربية. تم دراسة هذا النهج علمياً لسنوات مع العديد من المشاركين الناطقين باللغة العربية، ولكنه لم يتم تأسيسه بعد كما هو الحال في الدول الغربية

نحن في جامعة برلين الحرة ندرس أيضاً النهج الحديث نسبياً في المناطق الناطق باللغة العربية. في إحدى الدراسات، نقوم حالياً باختبار تطبيق المساعدة الذاتية المستند إلى الهاتف الذكي النفسي والذي تم تطويره بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ويسمى „خطوة خطوة“. تمت ترجمة برنامج خطوة خطوة للبلدان الناطقة باللغة العربية وملائمته ثقافياً لتقديم الدعم النفسي في حالة الضغط والتوتر والحزن بسبب الظروف المعيشية الصعبة. يقدم العرض معلومات وتقنيات ومهارات نفسية، يمكن من خلالها إدارة المشاعر والأفكار المسببة للتوتر بشكل أفضل! يمكن حالياً استخدام خطوة خطوة من قبل اللاجئين من سوريا في ألمانيا والسويد ومصر. لن يكون التطبيق متاحاً لجميع المتحدثين باللغة العربية إلا بعد أن تكون الجامعة قادرة على إثبات فعالية خطوة خطوة

في الفقرة الأخيرة نود أن نكتب عن الدور الذي لا غنى عنه للمشاركين :الطوعيين في دراسات البحث العلمي

كل باحث علمي جيد يعلم أنه كلما زاد عدد الأشخاص المشاركين في الدراسة العلمية لنهج علاج معين والمتأثرين بمشكلة صحية، كانت نتائج الدراسة أكثر جدوى وقابلة للتعميم لعامة الناس! بمعنى آخر، يعتمد العلم على أكبر عدد ممكن من المتطوعين للمشاركة في دراساته. بغض النظر عن مدى فعالية طريقة العلاج الفعلية، إذا لم يتم إثبات فعاليتها عند العديد من المشاركين في الدراسة، فيجب عدم تقديمها في مجال الرعاية الصحية. كجزء من دراسة خطوة خطوة، تحتاج جامعة برلين الحرة إلى أكبر عدد ممكن من المتطوعين من سوريا الذين يعيشون في ألمانيا والسويد ومصر. لذلك إذا كنتم من سوريا وتعيشون في هذه البلدان، فإننا ندعوكم بحرارة للمشاركة في دراسة خطوة خطوة. الرجاء استخدام الروابط التالية لتحميل التطبيق ومعرفة المزيد

:صفحة الويب

https://khoutouwat.com/

:أندرويد

https://play.google.com/store/apps/details?id=de.fuberlin.stepbystep

:أيفون

https://apps.apple.com/us/app/%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A9-%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A9/id1487782077?ls=1

الأسبوع القادم سنكتب عن موضوع „اضطرابات القلق والخوف“.

!نحن نتطلع لزيارتكم

اِكْتِئَابٌ

ربما لقد سمعت بكلمة „اكتئاب“ من قبل، لكنك لا تعرف ما هو بالضبط. ربما قد تعرف أيضاً شخصاً كان مصاباً بالاكتئاب من قبل. غالباً ما نقول „أنا حزين“ أو „أنا مُحبط“، لكن هل هذا يعني أننا مكتئبون؟

لا، كل شخص يشعر بالحزن أو بالإحباط في بعض الأحيان، خاصة عندما نواجه تحدياً صعباً أو خسارةً مؤلمة. إنما الاكتئاب هو مرض يصيب العقل والجسد. على غرار كسر في الساق أو إصابة في الذراع

يتم تشخيص الأمراض من خلال الأعراض، أي الشكاوى الفردية، التي تظهر معاً. في حال كسرٍ في الساق، يكون التشخيص سهلاً في الغالب. نقول إن الساق مكسورة عندما يكون هناك كسر جزئي أو كامل في العظام. في حالة الأمراض النفسية الأمر معقد أكثر بعض الشيء. نظراً لأن كل اكتئاب يجلب معه أعراضاً مختلفة قليلاً، فقد تم الاتفاق على أن بعض الأعراض المعينة يجب أن تكون موجودة لكي نستطيع أن نشخص هذا المرض

قبل كل شيء، يجب أن تكون الشكاوى موجودة لمدة أسبوعين على الأقل في كل يوم تقريباً. بالإضافة إلى ذلك، عادةً ما يظهر المصابون واحداً أو :أكثر مما يسمى بالأعراض الرئيسية

١) فقدان الاهتمام بالأشياء والهوايات والعمل والناس. بعبارة أخرى، الأشياء التي كان المصابون يهتمون بها مسبقاً تصبح عادية وغير مُهمة في حالة الاكتئاب

٢) يظهر المصابون بالاكتئاب مزاج حزين، يكونوا محبطون وفي حالة الاكتئاب الشديد لا يمكنهم أن يشعروا بالسرور أو السعادة

٣) يفتقرون إلى الدافع للقيام بالأنشطة اليومية أو للهوايات والعمل. في بعض الأحيان يتعين عليهم بذل جهد كبير للنهوض من السرير واتباع روتين يومي منتظم

هناك أيضاً سلسلة أخرى من الأعراض الجانبية التي يمكن أن تظهر:

٤) قلة النوم أو كثرة النوم

٥) شهية أقل أو أكثر

٦) نظرة سلبية للنفس

٧) اليأس من المستقبل / التشاؤم

٨) مشاعر الذنب تجاه الماضي

٩) ألم في الجسم

١٠) أفكار انتحارية

تختلف الشكاوى الفردية ومداها أيضاً اعتماداً على الخلفية الثقافية للشخص المتضرر. نظراً لأن كل اكتئاب يختلف عن الآخر بما أن الناس فرديون جداً، يمكن لبعض الأشخاص إظهار عوارض خفيفة أو شديدة. بعض الناس يمرون بمرحلة اكتئاب واحدة فقط في الحياة، بينما يمر البعض الآخر بمراحل مراراً وتكراراً، أي عندما يكون الاكتئاب مزمن

لماذا يصاب الناس بالاكتئاب؟

تمت مناقشة هذا السؤال كثيراً. يبدو أنه لا يوجد سبب „واحد“ فقط. يتفاعل الجميع بشكل مختلف مع الأحداث في حياتهم. خاصة فيما يتعلق بتجارب اللاجئين وما يسمى بتجارب ما بعد الهجرة، أي التعامل مع التحديات في بلد جديد، يمكن أن يشعر شخص باليأس والآخر يشعر وكأنه يحصل على فرصة جديدة

كيفية تفاعلنا مع تحديات معينة لها تأثير كبير على نفسيتنا، غالباً ما تلعب العوامل البيولوجية والوراثية، بالإضافة إلى التجارب التي مررنا بها كأطفال دوراً مهم أيضاً. لدينا جميعاً سلوكيات نموذجية تعلمناها في وقت مبكر، والتي إما تساعدنا أو لا تساعدنا في المواقف الصعبة

مجدداً، من المهم أن نقول إن الاكتئاب هو مرض. حتى لو كان الكثير من الناس، في ألمانيا أيضاً، ما زالوا يعتقدون أن „الشخص المكتئب هو مجرد كسول أو لا يبذل جهداً كافياً“، فإن الأمر ليس كذلك

إذاً، ما الذي علينا فعله في حالة الاكتئاب؟

عادة لا يمكن التغلب على الاكتئاب بمفردنا، في كثير من الأوقات يتطلب الأمر علاجاً. يمكنك الحصول على المشورة بشأن هذا الأمر في ألمانيا. إما فيما يسمى بمراكز الإرشاد النفسي الاجتماعي، والمتوفرة أيضاً خصيصاً للمهاجرين، أو عند طبيب الأسرة

إذا ظهر بعد ذلك أنك تعاني من الاكتئاب، فهناك متخصصون لعلاجه. يوجد في ألمانيا معالجين وأطباء نفسيون. يعالج الطبيب النفسي الاكتئاب بالأدوية. ومع ذلك، في معظم الحالات، لا يكفي العلاج الدوائي لوحدة. العلاج النفسي مهم وضروري أيضاً. يتم إجراء المحاولة بطريقة سرية للغاية لمعرفة ما تسبب في الاكتئاب وما هي الاستراتيجيات التي يمكن للشخص المصاب استخدامها لتقليل العبء

إذا شعرت أنك مصاب بالاكتئاب بنفسك، فيرجى مناقشة هذا الأمر مع شخص ما، ويفضل أن يكون طبيباً

مَا هُوَ التَّوَتُّرُ بِالضَّبْطِ؟

يقول لي أحد الأصدقاء: أنا متوتر للغاية

يبدو أن الجميع يمتلكه والجميع يريد التخلص منه. لكن ما هو التوتر عموماً ومتى يمكن أن يصبح خطيراً؟ بادئ ذي بدء، التوتر هو رد فعل الجسم على الخطر، كما هو الحال عند العديد من الحيوانات الحية الأخرى. ربما تكون قد لاحظت بالفعل أنك عندما تكون متوتراً تغضب أو تفضل الهروب أو الاختباء تحت الأغطية. في حال التوتر نميل إلى „القتال“ أو „التجمد“ أو „الفرار“، في اللغة الإنجليزية هؤلاء هم

Fight, Flight, Freeze

من ناحية جسدية، التوتر يعني أن يتم تزويدنا بالطاقة للتعامل مع الخطر. بدايةً، هذا شيء مفيد. على سبيل المثال، إذا رأينا حيواناً ساماً، فيمكننا الهروب أسرع بفضل هذه الطاقة

معظم الضغوط في الحياة اليومية المُسببة للتوتر ليست بسبب الحيوانات السامة، ولكن بسبب المواقف اليومية مثل مقابلة أشخاص جدد أو الضوضاء أو العديد من الالتزامات. الأمر مختلف عندما تأتي إلى بلد آخر. في هذا الحال يمكن أن تسبب الكثير من الأشياء التوتر. عدم اليقين من القدرة على البقاء هنا، اللغة والثقافة الجديدة، البيروقراطية في التعامل مع السلطات، والعنصرية وبالطبع ذكريات الماضي. ينظر الناس إلى أشياء أو أشخاص أو مواقف مختلفة على أنها مُرهقة ومُسببة للتوتر. التوتر هو أمر فردي، حتى لو كانت هناك مواقف معينة تعني خطراً على جميع الناس

يمكن أن يكون لمستوى التوتر المتزايد بشكل دائم تأثير سلبي على صحتنا، حيث يتم توفير الطاقة طوال الوقت. الأمر مشابه لقيادة السيارة بأقصى سرعة طوال الوقت. بعد فترة يمكن أن يشعر المرء بالتعب والإرهاق

إذاً، ينشأ التوتر في المواقف التي تشكل خطراً علينا. غالباً ما تكون أفكارنا وتقييمنا للمواقف مهمين. إذا حكمنا على الموقف على أنه شيء يمكننا التعامل معه بمفردنا أو بمساعدة الآخرين، فسنحاول القيام بذلك على الأغلب. لذلك، نحن ندرك صعوبة الموقف ونقارنها بالمهارات التي لدينا للتعامل معها

من المهم أيضاً كيف نتعامل مع أنفسنا في المواقف الصعبة. هل نحن لطفاء ومتعاطفون مع أنفسنا („أعلم أن هذا موقف صعب، لكنني أحاول أن أكون ودوداً مع نفسي وسوف أنجح في التغلب عليه“) أو صارمين ومتطلبين („يجب أن تشعر بشكل أفضل …“ ) – أي سيناريو يبدو وكأنه أقل توتراً؟

يؤدي التوتر طويل الأمد والشعور بعدم القدرة على فعل أي شيء حياله إلى إجهاد مزمن مع علامات جسدية نموذجية مثل الأرق واضطرابات النوم وقلة الشهية أو تشنج العضلات

فهم التوتر مهم من أجل التعامل بشكل أفضل مع التوتر. سؤال النفس، ما الذي يسبب توتري في الموقف الآن؟ كيف يعبر جسدي عن هذا (تشنج الرقبة أو الأرق) وما هي أفكاري تجاه ذلك؟

قد يكون من المفيد أيضاً أن تخبر شخصاً ما عن توترك؛ الطبيب هو أيضاً عنوان جيد لذلك. إذا كان لديك شعور بأنك تعاني من التوتر بشكل دائم، فيجب أن تحصل على المساعدة (خطوة بخطوة)ستجد مع الوقت في هذه الصفحة أيضاً تمارين بسيطة للقيام بشيء حيال تجربتك مع التوتر