مناعة القطيع.. هل تهزم أوميكرون؟

ما مناعة القطيع؟ وهل يمكن أن تهزم سلالة أوميكرون من كورونا؟ وهل مناعة القطيع وسيلة لمكافحة كوفيد-19؟ وما آخر المعطيات حول فعالية اللقاحات ضد أوميكرون؟

ما مناعة القطيع؟

تعبّر "مناعة القطيع" -التي تُعرف أيضا باسم "مناعة السكان"- عن الحماية غير المباشرة من مرض معدٍ، وتتحقق عندما تكتسب مجموعة سكانية ما المناعة من ذلك المرض إما عن طريق اللقاح أو الإصابة السابقة بالعدوى، وذلك وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

 ما موقف منظمة الصحة العالمية من "مناعة القطيع" كوسيلة لمكافحة كوفيد-19؟

تقول منظمة الصحة إن محاولات التوصل إلى "مناعة القطيع" من خلال تعريض الأشخاص لفيروس ما "تعدُّ إشكالية علمية وأمرا غير أخلاقي. فالسماح لكوفيد-19 بالانتشار بين السكان من جميع الأعمار والأوضاع الصحية سيؤدي إلى تفشي حالات العدوى والمعاناة والوفيات التي لا داعي لها".

وتدعم منظمة الصحة العالمية تحقيق "مناعة القطيع" عن طريق التطعيم، لا بالسماح للمرض بالانتشار في أوساط أي شريحة سكانية، لما قد ينتج عن ذلك من إصابات ووفيات لا داعي لها.

وينبغي تحقيق مناعة القطيع ضد كوفيد-19 عن طريق حماية الناس بالتطعيم، وليس بتعريضهم للعامل المسبب للمرض.

ونقول المنظمة إنه لتحقيق مناعة القطيع ضد كوفيد-19 بصورة مأمونة، ينبغي تطعيم نسبة كبيرة من السكان للحدّ من العدد الإجمالي للفيروسات القادرة على الانتشار في أوساط السكان. ويتمثل أحد أهداف السعي لتحقيق مناعة القطيع في الحفاظ على سلامة الفئات الضعيفة التي لا يمكن تطعيمها (بسبب حالات مرضية معينة، كالتفاعلات التحسسية إزاء اللقاح) وحمايتها من المرض.

وتتفاوت نسبة الذين يتعين تحصينهم لتحقيق مناعة القطيع بين مرض وآخر. فعلى سبيل المثال، تقتضي مناعة القطيع ضد الحصبة تطعيم 95% من السكان، وتتمتع نسبة 5% المتبقية بالحماية لانقطاع تفشي الحصبة بين الذين تم تطعيمهم. أما بالنسبة لشلل الأطفال، فتكفي التغطية بنسبة 80%.

ولا تزال نسبة السكان الذين يجب تطعيمهم ضد كوفيد-19 للوصول إلى مناعة القطيع غير معروفة، وهو مجال مهم من مجالات البحث، ويُرجح أن تتفاوت النسبة بحسب المجتمع واللقاح والمجموعات السكانية التي لها أولوية التطعيم، وغير ذلك من العوامل.

لماذا يبدو الآن أن مناعة القطيع بسبب فيروس كورونا المستجد لا يمكن تحقيقها؟

تحت هذا العنوان، كتب البروفيسور شيلدون إتش جاكوبسون أستاذ علوم الحاسوب بجامعة إلينوي في أوربانا شامبين بالولايات المتحدة، في موقع كليفلاند دوت كوم (cleveland.com)، قائلا إنه مع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 خلال خريف 2020، كانت المناقشات حول مناعة القطيع منتشرة في كل مكان.

ولكن بالرغم مع توفر اللقاحات الفعالة، والإبلاغ عن ما يقرب من 50 مليون حالة مؤكدة في الولايات المتحدة، لم تعد مناعة القطيع قابلة للتطبيق لكوفيد-19، فما الذي حدث؟

وشرح البروفيسور أن مناعة القطيع هي دالة على عدوى الفيروس. إذا لم يكن الفيروس معديا بشكل خاص، فإن النسبة المئوية للسكان المحميين التي تؤدي إلى مناعة القطيع تكون أقل مما لو كان الفيروس شديد العدوى. إذ يتم تسجيل مستوى العدوى في رقم التكاثر الأساسي، أو "R0"، وينطق "آر نات" أو "آر زيرو"، والذي يشير إلى متوسط ​​عدد الذين ينقل المصاب المرض إليهم.

فإذا كان رقم التكاثر الأساسي أقل من واحد، فسيختفي الفيروس بشكل طبيعي، لأن عددا أقل من الأشخاص عرضة للإصابة. وإذا كان أكبر من واحد، فإن نمو الإصابات الجديدة سيرتفع بشكل كبير.

مناعة القطيع ظاهرة محلية، وهذا يعني أن المجتمع قد تكون له قيمة "آر زيرو" أقل من واحد. ومع ذلك، إذا دخل المصابون والمعرضون للإصابة إلى المجتمع، فستزداد قيمة "آر زيرو"، مما يؤدي بشكل فعال إلى زيادة مخاطر المجتمع وفقدان مناعة القطيع.

وقد أدت عدة عوامل إلى إعاقة مناعة القطيع خلال العام الماضي، ومن المرجح أن تمنع حدوثها في أي وقت قريب، وهي:

أولا. لا توفر العدوى السابقة مناعة دائمة ضد كورونا. إذ تشير الدراسات إلى أن الذين أصيبوا بالفعل قد يتمتعون بمناعة طبيعية لعدة أشهر، لكن هذه الحماية تتضاءل في النهاية، مما يعيدهم إلى مجموعة المعرضين للعدوى، وبالتالي فإن فكرة أن الذي أصيب بالعدوى وتعافى لم يعد معرضا لكورونا، هي فكرة في غير محلها.

ثانيا. يعد متغيّر دلتا أكثر عدوى من المتغيرات السابقة، وهذا قد رفع مستوى الذين يتمتعون بالحصانة لتحقيق مناعة القطيع. فالتقديرات المبكرة جعلت نسبة الذين يتمتعون بالحصانة لتحقيق مناعة القطيع عند 70%، لكن دلتا غيرت هذا التقدير، مما دفع الرقم إلى أعلى بكثير وبعيدا عن متناول معظم المناطق.

ثالثا. توفر اللقاحات المتاحة حماية، ولكنها تتضاءل ​​بمرور الوقت، ولهذا السبب فإن الجرعات المعززة مطلوبة الآن للحفاظ على المناعة. علاوة على ذلك، فإن اللقاحات أكثر فاعلية في الحد من النتائج الشديدة للمرض، أي دخول المستشفى والموت، بينما تستمر العدوى الخارقة -أي عدوى شخص تلقى اللقاح- في الحدوث.

يمكن للذين يعانون من مثل هذه العدوى الخارقة أن ينقلوا الفيروس، مما يبقي مخاطر الانتشار عالية، ويمنع قيمة "آر زيرو" من البقاء أقل من واحد.

رابعا. تخلق السلالات لجديدة شكوكا جديدة يمكن أن تغير حساب المخاطر للأفراد والمجتمعات. السلالة الجديدة "أوميكرون" (Omicron) لا يزال هناك الكثير مما يتعين تقييمه حول مدى قدرتها على الانتشار (contagiousness) والفوعة (virulence) -أي درجة قدرتها على التسبب بالمرض والأذى- بالإضافة إلى مدى حماية اللقاحات الموجودة منها.

خامسا. لا تزال النسبة المئوية للمعرّضين لخطر الإصابة بالعدوى مرتفعة بشدة، حيث لا يزال أكثر من 20% من المؤهلين للتطعيم غير محصنين. وسواء كان هؤلاء لا يتمتعون بحماية مناعة طبيعية، أو يختارون البقاء غير محصنين، فإنهم يساهمون في النسبة المئوية للسكان المعرضين للخطر والمعرضين للإصابة، مما يحافظ بشكل فعال على قيمة "آر زيرو" عالية .

وبالنظر إلى الوضع الحالي، من المحتمل ألا تحدث مناعة القطيع، حيث يتجه الفيروس لأن يصبح مرضا متوطنا (endemic)، وهذا يعني أن العلاجات الفعالة أمر بالغ الأهمية، بحيث عندما يصاب الأشخاص بالعدوى، فإن هذه المنتجات ستعمل على إبقائهم خارج المستشفيات، وحمايتهم من المعاناة من أكثر الآثار الضارة للفيروس، وبالنسبة للبعض: تبقيهم على قيد الحياة.

أوميكرون يتجنب إلى حد كبير المناعة من العدوى السابقة أو جرعتين من اللقاح

كشف تقرير جديد من إمبيريال كوليج لندن (Imperial college London) أن سلالة أوميكرون تتجنب إلى حد كبير المناعة المتكونة من العدوى السابقة، أو جرعتين من اللقاح.

ووجد التقرير أن خطر الإصابة مرة أخرى بأوميكرون هو 5.4 مرات أكبر من سلالة دلتا، وهذا يعني أن الحماية من الإصابة مرة أخرى من أوميكرون التي توفرها العدوى السابقة قد تصل إلى 19%. وقدر الباحثون أن رقم التكاثر الأساسي لأوميكرون كان أعلى من 3 خلال الفترة المدروسة.

ولم تجد الدراسة أي دليل على أن أوميكرون أقل خطورة من دلتا. ويتم الحكم على ذلك إما من خلال نسبة الذين ثبتت إصابتهم بالأعراض، أو من خلال نسبة الحالات التي تسعى للحصول على رعاية المستشفى بعد الإصابة. ومع ذلك، لا تزال بيانات الاستشفاء محدودة للغاية في هذا الوقت.

ووجد الباحثون زيادة ملحوظة في خطر الإصابة بأعراض أوميكرون (symptomatic Omicron) مقارنة بدلتا للذين تجاوزوا جرعة اللقاح الثانية بأسبوعين أو أكثر، أو الجرعة المعززة (لقاحات أسترازينيكا وفايزر) بأسبوعين أو أكثر.

واعتمادا على التقديرات المستخدمة لفعالية اللقاح ضد العدوى العرضية من متغير دلتا، فإن هذا يترجم إلى تقديرات فعالية اللقاح ضد عدوى أوميكرون العرضية بين 0% و20% بعد جرعتين، وبين 55% و80% بعد جرعة معززة.

وقال البروفيسور نيل فيرغسون من إمبريال كوليج لندن: "تقدم هذه الدراسة دليلا آخر على المدى الكبير للغاية الذي يمكن أن يتفادى فيه أوميكرون المناعة السابقة الناتجة عن العدوى أو التطعيم. هذا المستوى من التهرب المناعي يعني أن أوميكرون يشكل تهديدا رئيسيا وشيكا على الصحة العامة".

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية