بعد خمسين عاماً من البحث، والنتيجة لا شيء..الحياة على كواكب أخرى |
|
كتب قارئ لمجلَّة علمية تعليقاً على موضوع احتمال وجود كائنات ذكية في الفضاء الخارجي، أنَّ وجودها مؤكد بدليل أنَّ أياً منها لم يتصل بنا! منذ ثلاثة قرون توقع العلاَّمة سير كريستوفر رين بأنه سيأتي على الإنسان زمن يرسل فيه بصره ليرى كواكب شبيهة بكوكب الأرض. وحسب توقعات الفلكيين، فإن ذلك الوقت قريب جداً. فقد تم للتو اكتشاف ما يقارب 450 كوكباً يتم رصد العديد منها أسبوعياً، وهي تدور حول نجوم أخرى كشمسنا، بل تأكد العلم من وجود ما يقارب العشرة آلاف مليون مليون مليون نجم منها ما هو بحجم الشمس ومنها ما هو أكبر أو أصغر، وهذا ما جعل الباحثين يرجحون أن تكون الكواكب والأنظمة الشمسية الشبيهة لنظامنا موجودة بوفرة في كل مكان من الكون. فكانت الخطوة التالية هي البحث عن كواكب شبيهة بكوكب الأرض تدعم شروط الحياة عليها، بحيث أن تكون موجودة في المنطقة التي يسميها الفلكيون منطقة «الخصلة الذهبية» أي أنها ليست بعيدة جداً عن نجمها الأم لدرجة تصبح معها كتلاً متجمدة من الجليد والصخر كالكوكب القزم بلوتو، ولا أن تكون قريبة جداً منه فتكون درجة الحرارة عليه غير مناسبة لنشوء الحياة مثل كوكب عطارد. ولكن المشكلة تكمن في رصد مثل هذه الكواكب الصغيرة والتي تصدر طيفاً أقل بكثير من طيف النجم الأم. ولهذا تصعب رؤيتها مباشرة. إذ يبدو البحث عنها وكأنك تبحث عن رأس إبرة أحمر بجانب ضوء شديد مسلط حوله. لهذا، يتم رصدها بطريقة غير مباشرة من خلال رصد حركة النجم، حيث يؤدي الجذب التثاقلي للكوكب إلى جعل النجم يترنح إلى الأمام والخلف، وتؤدي هذه الحركة إلى انزياح دوري يسمى «انزياح دوبلر» في طيف هذا النجم المشاهد من الأرض، فيتم بذلك حساب كتلة هذه الكواكب وحرارتها وبعدها عن نجمها. صيادو الكواكب لدى التأكد من وجود كثير من الكواكب الشبيهة للأرض في المجموعات الشمسية الأخرى، بدأ البحث عن توافر شروط الحياة عليها. ففي السبعينيات من القرن العشرين، أشار العالم البريطاني جيمس لفلوك إلى أن مجرد التنفس على الأرض يؤثر في تركيبة الغلاف الجوي وأن البحث عن توزع الغاز في الأغلفة الجوية للكواكب الأخرى يمكنه أن يكون طريقة مفيدة للبحث عن حياة خارج نظامنا الشمسي. لهذا يعمل العالم مالكولم فريدلوند من وكالة الفضاء الأوروبية في هولندا، على مشروع يهدف إلى البحث عن حياة خارجية من خلال فحص أية إشارات كيميائية يمكن أن ترسلها تلك الحياة كالأكسجين والميتان وأبخرة الماء. وهو يعتقد أنه بحال كانت الكواكب الأخرى تتبع نظام نشوء مشابه لذلك الموجود على الأرض فمن المحتمل أن تلك الكواكب ربما كانت مأهولة بشكل من أشكال الحياة. أما في مختبر ناسا في كاليفورنيا فهناك جهود مماثلة، إذ تستمر دراسة 50 إلى 150 كوكباً شبيهاً بالأرض بحثاً عن إشارات للحياة في غلافها الجوي. حيث يعتقد العلماء أنه من دون وجود حياة سيختفي كل الأكسجين الحر في الغلاف الجوي خلال مليوني سنة لأنه يتفاعل بسهولة مع العناصر الكيميائية الأخرى. لهذا فإن وجود كوكب يحتوي على الكثير من الأكسجين يعني أن هناك حياة عليه. ومن الدلائل الأخرى التي يأمل العلماء بالبحث عنها هناك بخار الماء وثاني أكسيد الكربون. وفيما بعد، قد يبحثون عن الكلوروفيل المسؤول عن عملية التركيب الضوئي في النباتات والذي سيكون دليلاً قوياً لوجود حياة ما خارج الأرض. دلائل الحياة الخارجية موجودة على الأرض لهذا يتوجه بعض الباحثين إلى الأماكن الملوثة كبحيرة مونو في كاليفورنيا بحثاً عن الزرنيخ الذي يمكن أن يدعم أشكال الحياة بنفس الطريقة التي تعتمد فيها بعض أشكال الحياة على مادة الفوسفور. أما عالمة الأحياء ليزا برات فهي تعمل على البحث عن كائنات حية وميكروبات غريبة في أماكن قصية من الأرض، حيث قامت مع زملائها بفحص مناجم الذهب في جنوب إفريقيا فوجدوا بكتيريا تعيش فقط على النشاط الإشعاعي لتفسخ الصخور المجاورة. وقد عبرت عن دهشتها بهذا الاكتشاف قائلة: «حتى عدة سنوات مضت لم يكن هناك من يعتقد بوجود هذا النوع من الحياة، لم يحدث ذلك حتى في قصص الخيال العلمي. بينما الآن، يمكن تخيل بكتيريا مشابهة تعيش تحت سطح المريخ مثلاً». إن التطور العلمي الذي حدث في مجال علم الأحياء الفلكي قدَّم مبررات أكبر لاستمرار البحث عن أشكال للحياة في كواكب النظام الشمسي والمجرات البعيدة. ولهذا تم التركيز على المريخ، حيث يقوم روبوت ناسا «فونيكس» الذي حط هناك بحفر التربة والجليد وأخذ عينات منها لفحصها على الأرض، وقد وُجِد أنها تحتوي على الكثير من المواد العضوية التي تحتاجها الحياة. ومع ذلك لم يجد العلماء دليلاً كافياً لحياة موجودة أو كانت موجودة سابقاً، رغم أن الصور والوثائق المأخوذة للمريخ تؤكد أنه كان موطناً لبحيرات شاسعة وأنهار وعدة بيئات مائية ربما كانت بيئة مناسبة للحياة. يقول جون روميل مدير قسم علم الأحياء في ناسا: «إن شروط الحياة أوسع بكثير مما نراه على الأرض، المواد العضوية التي تسقط من السماء طيلة الوقت تدلنا على أهمية ما يحدث هناك». فبعدما توصل العلماء إلى الكثير من أشكال الحياة الموجودة في أماكن قصية على الأرض لا تدعمها طاقة الشمس، كالبكتيريا الموجودة في مناجم جنوب إفريقيا، والكائنات الحية التي تعيش قرب فجوات بخارية كبريتية حارة في قاع المحيط والبحيرات الحمضية، وعلى عمق ميلين تحت طبقة الجليد في جرينلاند، أصبح احتمال وجود حياة مشابهة على الكواكب الأخرى كالمريخ أو القمر أوروبا وارداً، نظرياً على الأقل. ولهذا خصص حوالي 40 مليون دولار لدعم الأبحاث في مجال علم الأحياء الفلكي وتطوير التقنيات التي تساعد على البحث عن حياة في بيئات مشابهة لتلك الموجودة على الأرض. وقد قامت عدة معاهد بالفعل بتطوير برامج للبحث في مجال علم الأحياء الفلكي تحت إشراف ما يقارب ألفي عالم. بعضهم يعمل على إنشاء كواكب افتراضية تشبه الكواكب البعيدة التي يحتمل وجود الحياة عليها وتحمل نفس شروطها المناخية. البحث عن حضارات متطورة؟ إذاً لم يعد الفلكيون يكتفون بالبحث عن أشكال الحياة البدائية لأي كائنات حية يمكن أن تعيش على الكواكب الأخرى، بل أصبحوا يتطلعون إلى البحث عن حياة ذكية ومتطورة في الكواكب الأخرى وهي فكرة بدأت منذ خمسين عاماً عندما قام فرانك درايك رئيس برنامج «البحث عن مخلوقات ذكية خارج كوكب الأرض» في معهد كاليفورنيا، في 8 أبريل من عام 1960م، بتوجيه هوائي جهاز الاستقبال اللاسلكي نحو نجمين قريبين وبدأ يترقب سماع أية إشارة يمكن أن تحقق التواصل بين كوكب الأرض وأي حضارة أخرى موجودة خارج مجموعتنا الشمسية.. وقد ناقش المقال الصادر في صحيفة الغارديان في 8 يناير 2010م المعادلة المعروفة بـ «معادلة درايك»، التي قدَّمها عالم الفلك الأمريكي فرانك دريك، والتي تتضمَّن فكرة إمكانية إنشاء اتصال مع سكان الكواكب الأخرى وشكل الحياة المتطورة التي يحتمل وجودها هناك وعدد النجوم المتشكلة في المجرة خلال سنة، ونسبة النجوم التي يدور حولها كواكب وتشكل نظاماً شمسياً، وعدد الكواكب في كل نظام شمسي والتي تملك إمكانية دعم الحياة عليها، وطبيعة المحيط الحيوي المتشكِّل وقدرته على دعم أجناس ذكية، ونسبة الحياة المتطورة ومدى قدرتها على نقل إشارات عبر الفضاء. ورغم أن معظم هذه الأسئلة لم يتم التوصل إلى إجابة مؤكدة لها حتى الآن، إلا أن هناك إجماعاً على أن عشرة نجوم تتشكَّل سنوياً في المجرة، مما يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الكواكب خارج نظامنا الشمسي غير نادرة على الإطلاق. اعتماداً على هذه المعادلة، يفترض البعض أن تكون هناك حضارة متطورة نشأت في واحد على الأقل من أصل عشرة ملايين نجم وقد تصبح المعادلة أدق في السنوات المقبلة، إذا تمكن المسبار «كيبلر» الذي أطلقته «ناسا» في 2007م من إنجاز مهمته في تتبع الكواكب التي يحتمل وجود الحياة عليها بالتعاون مع نظام تلسكوب «ألين» الذي يتألف من 42 تلسكوباً بعرض ستة أمتار، ويتم العمل على أن تصبح 350 تلسكوباً، تنتشر على امتداد جبال كاليفورنيا وتقوم باستحضار نداءات من أعماق الفضاء. حيث يتوقع العلماء أن يتمكنوا من تتبع 100,000 نجم بحلول عام 1015م كما يأمل فرانك درايك قائلاً: «لقد تتبعنا منذ عام 1960م أقل بكثير من عشر آلاف نجم، فنظراً لإمكاناتنا الحالية لا يمكننا التيقن بأي شيء ذي قيمة حتى الآن، ولكن ربما يكون لدينا شيء مفيد لنقوله خلال 25 سنة قادمة». الصمت المخيف ومع هذا مازال البحث مستمراً، حيث يتم تخصيص فترة محددة من كل عام للاستماع لرسائل قد يكون سكان الكواكب الأخرى أرسلوها عمداً. وتُعد الجهود المبذولة حتى الآن كمن يبحث عن سمكة في المحيط بملء كوب واحد من الماء، فعدد الأنظمة الشمسية التي تم رصدها حتى الآن صغير جداً بالمقارنة مع عدد المجموعات الشمسية في الكون. إضافة إلى التساؤل حول كون استخدام إشارات اللاسلكي هو الأسلوب المناسب لمحاولة التواصل مع تلك الحضارات، فالجهاز اللاسلكي يُعد الآن شكلاً بدائياً من التكنولوجيا، فحتى على الأرض بدأ استخدام الإنترنت يزداد للتواصل بين الناس بحيث بات يهدِّد بالقضاء نهائياً على الأجهزة اللاسلكية. تقنيات تسمح بالتواصل عام 2025م وقد تم التوصل إلى إنتاج شعاع ليزر أقوى من الشمس وأسرع بعشرة آلاف مرة من ضوئها، بالرغم من أنه يستمر فقط لبليون جزء من الثانية. وبدأ الفلكيون باستخدام تلسكوبات بصرية للبحث عن واحد من بليون من صور الليزر والنداءات التي يمكن أن ترسل في الفضاء. ففي حال توصل سكان الحضارات الأخرى للتطور التقني نفسه وقاموا بتوجيه الليزر نحو النظام الشمسي للأرض فإن هكذا ومضات قصيرة ستكون ممكنة الاكتشاف على بعد عدة سنوات ضوئية. يعتقد فرانك درايك أن التقنية المستخدمة الآن في البحوث هي 100 تريليون مرة أقوى من تلك التي بدأنا بها، وما زالت الجهود تستأنف في كل أنحاء العالم. فقد قام الدكتور هورويتز بإنشاء متعقب لا يتطلب تضخيماً كبيراً وهو قادر على تغطية رقعة عريضة من الفضاء، لإرسال رسائل إلى الفضاء. كما يتم العمل في جامعة هارفارد على إنتاج أعقد الأبحاث البصرية. وفي شهر نوفمبر من العام الماضي، خصصت مجموعة مكونة من 30 مرصداً وجهازاً لاسلكياً بصرياً ليلتين لرصد نظام شمسي محدد بحثاً عن إشارات لا سلكية أو نبضات ليزر، ويتم استخدام أقوى الحواسيب لقراءة المعلومات الواردة. كما يقوم الصينيون ببناء تلسكوب بعرض 500 متر، وهناك تعاون دولي باسم نظام الكيلومتر المربع، يسعى لبناء شبكة من التلسكوبات اللاسلكية على كيلومتر مربع إما في جنوب إفريقيا أو أستراليا. كما يتم بناء تلسكوب جديد في كاليفورنيا الشمالية بدعم من أحد مؤسسي شركة ميكروسوفت، باول آلين، علَّ في ذلك ما يكسر صمت الكون كما يرى البعض. أما اليوم، فالصمت لا يزال سائداً، وقد يستمر طويلاً، إذ لا دليل علمي واحد حتى الآن، يشير إلى أنه سينقطع. أهم عشرة أحداث في تاريخ البحث عن حياة خارجية |
أضف تعليق |