البوابة القضائية العلمية

البوابة القضائية العلمية

مقدمة وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء

رئيس هيئة الإشراف العدلي لمجموعة الأحكام القضائية

الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، أمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ شَرَّفَ اللهُ تعالى المملكةَ العَرَبيَّةَ السّعُوديَّةَ بأنْ هَدَاهَا لتَحكيم شَرْعِهِ وإمْضَاءِ حُكْمِهِ، عَزْمَةً مِنْ عَزَائِمِ رَبِّنا، وغُرَّةً في جَبين بلادِنا، فكَانَ قَضَاؤنا الشَّرْعِيُّ المُبَارَكُ يَتَفَيَّأُ ظِلالَ عَدْلِهِ كلُّ محكوم بهديه من مُواطن أو مقيم ، فأخْرَجَ لَنَا عَبْرَ تاريخه الميمون ثروةً قَضَائِيّةً أَسْفَرَتْ عن رُسوخ حَمَلَتِهِ في عُلُوم الشَّريعة، وفهم مَقَاصِدِها، مَعَ مَلَكَةٍ وأمانةٍ قَضائية تسيرُ عَلى هُدَىً مِنَ اللهِ وبَصِيْرةٍ، لا تزدوجُ مَعَاييرُها، لا باخْتِلافِ دِيْنٍٍ، أو مَذْهَبٍ، ولا حُبٍّ، أو بُغْضٍ، ولا قربٍ، أو بُعْدٍ، فالجميعُ أمَامَ عَدْل الشَّريْعَةِ عَلَى حَدٍّ سَواءٍ، سبيلُهُ قولُ الحَقّ سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، وقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الَّلَه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الَّلِه وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالَّلِه وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).
فقضاؤنا الشَّرعيُّ علامةٌ فارقةٌ، وصفحةٌ مُضيئةٌ في سِجِلِّ هَذه البِلادِ المُبَارَكةِ، تَسيرُ على خطوهِ السَّديدِ، ثابتاً من ثَوَابتها، في جَذْر قُلُوب وُلاة أمرها، لا تجربةً من تجاربها على نَحْو مَا قد يَهِمُ الوَاصِفُ والرَّاصدُ، والحمدُ لله الذي وفَّقَ وسَدَّدَ وَهَدَى وأَرْشَدَ. ولأنْ حَفلتْ صُروحُ العَدَالة بأَحْكَام الشَّريعة الغَرَّاء، فإنَّ تََمامَ الأمرِ هُو نشرُها لتَعْمِيْمِ النَّفْعِ بها، والإفَادةِ مِنْ خَيْرها وَبَركتِهَا عَلى هَذا النَّحْو الذي تَراه، بَعْدَ أَنْ ظَلَّتْ تُرَاوحُ سِجِلاّتها سِنينَ عَدَدَاً، في تَسويغٍ لَهُ حَظٌ مِنَ النَّظر في حِيْنِهِ؛ فَهي تَعْكِسُ بتأويلِهِ أَحْكَامَ الشَّريْعَةِ، وَهِيَ مَبْسُوْطَةٌ مَعْلُوْمَةٌ، ولأنْ اعتزتْ بَعضُ الدَّسَاتيرِ بِعَدَمِ تَدْوينِها بَحُجّة أنَّها فَوق التَّدوين وأَسْمَى، بل تُغْرَسُ في وِجْدَانها الوطنيّ؛ فإن قَضَاءَنا يَستمدُّ حكمَهُ من دستورنا، وهُو في هذا بالمحَلِّ الأَجَلِّ والأسمى.
ونحنُ أمامَ نصٍّ نظاميٍّ حَسَمَ مادةَ الجدلِ في هذا، مؤكداً على سَلَفِهِ) في نظام القضاء السابق(، مُراعياً جانبَ التحولِ العصريِ، وإِنْ ساغَ التأويلُ السابقُ في زمنٍ مَضَى فإِنَّ الحالَ تختلفُ؛ لتعدُّدِ الوقائعِ وتزايدِ تداخلاتها، مع اطّراد ضَعْفِ آلةِ الرجوعِ للنصوصِ واستخلاصِ أَحكامِها لدى كثيرٍ مِنْ طُلاب نَشْرِها، يُضاف لذلك حجة الثاني بوجود وقائع ترجع في أحكامها إلى فهم مَقَاصِدِ النُّصُوص، وما تحفِلُ به من تَعَدُّدِ الاجتهاد، ولاسيما في تحقيق مناطها؛ ما يدعو بإلحاحٍ إلى ضَرُورةِ جَمْع الأَحْكَامِ ونَشْرِها، وأنه لا يكفي ألبتةَ الإحالةُ على مُجرَّد كون نصوص الشرع معلومةً، وهو الأحظُّ في الاعتبار. وعليه فقد شَرَعْنا - بعون الله تعالى - في بداية نَشْر سلسلة: "مَجْمُوْعَةِ الأحكامِ القضائيَّةِ " بِجَمْعِهَا، وتصنيفها، وتبويبها الفريد، مرتبةً على السنين القضائية، على أنه لا يَفوت أن عموم هذه السنين تتقارب أو تتماثل في واقعاتها، فيكونُ تقاربُ الأَحْكَام أو تماثلها، ومنه يأتي التواردُ ومن ثَمَّ تكرارُ الوَقَائع وأحكامها في النشر، لكنَّها لا تخلو من فَرَائدِ التَّّسبيب ونفائسه، فضلاً عن مبدأ تطبيق النظام وتَْحقِيق الشَّفَافِيَّة، وهو معنىً مُهِمّ، ولو تكررت الواقعات وأحكامها بالمئين.
والسَّعْدُ يكمُنُ في أنَّ نَشْرَ مَجمُوعةِ سنةٍ قضائيةٍ، ربما احتوى مُجْمَلَ سوابقِ القضاءِ في مُختلفِ موادِّهِ، ومحتوياتُ هذه المجموعةِ وما يتبعُها -بإذن الله - يجري توصيفها بحسب الاصطلاح الحقوقي السائدِ على أنها سوابقُ قضائية مُلزِمة، وفرقٌ بينها وبين السوابقِ غيرِ المُلزمةِ التي تنتهي بعدمِ استئنافِ الحُكْمِ الابتدائي، أو عَدَمِ الاعتراضِ بالنقضِ على الحكمِ المستأنفِ؛ لتأتي في سياق الاستئناسِ بها، فحُكمُها خَرَجَ مخرج القناعة، لا الإِلزام، إذِ النظامُ لم يترك ثغرةً تستحق الإيرادَ عليها إلا أتاحها للمعترض أمام النقض، وما سواها مَحَلُّ قناعةٍ "حقيقةً " أو "حُكْماً "، وهذه ضمنَ مَجْمُوْعَةٍ كُنَّا قَدْ عَقَدْنَا العَزْمَ على إخراجها، وبيّنا في حَدِيْثٍ مَضَى أنها ربما أُخْرجت؛ للاستئناس المُنَوَّهِ عَنْهُ.
وجملةُ ما بين أيدينا في هذه المَجْمُوْعَةِ أَحْكَامٌ اكتسبت القَطْعِيَّةَ النهائيَّة باسْتِيْفَاءِ ضَمَانَاتِ التَّقاضي )المتاحة لها( كافّةً، أخذاً في الاعتبار المَرْحَلَةَ الانتقاليَّة الحالية لاختصاص قَضَاء الاستئناف، وما يتبعُ ذَلك مِنْ تَوصِيْفِ حُجّيته، وهُو في هَذه المَرْحَلَةِ على تواصل بَيْنِيٍّ مستمر، وذلك بالقَدْر اللازم لتوحيد قَضَائِهِ بسَوَابقَ مُنْسَجمةٍ ومُتَجَانسةٍ، ولا أسعدَ من مَحْكَمَةِ الاستئناف التالية في نَسْخها السابقةَ بمُستجدِّةٍ، إلا المحكَمةُ أختُها ذاتُ السَّابقةِ الأولى.
ومرحلةُ الانتقالِ ضَرْورة لا سبيل للتَّّحول نحوَ التحديث والتطوير في إجراءات التقاضي إلا بها "في كثير من الأحيان "، وعليها العملُ - عند الاقتضاء - في مَشْرُوعاتِ النُّظُم كَافَّة. هذا وتفترقُ السوابق عَن المبادئ القضائيَّة المنوطةِ بالمحكمة العُليا في أنّ السابقةَ الملزمة، لا تمثلُ قَاعدةً عامَّةً مطردة تشمل عدةَ وقائعَ مَرَدُّها تِلكُمُ القَاعدة، بل تتناول واقعةً خاصةً يتعينُ أن تكون جادةُ القَضَاءِ عَلَيها في واقعتها نفسِها، ما لم يكن ثمة تسبيبٌ مخالفٌ لها، يجري اعتمادُهُ لينسخ سابقة تلك الواقعة، على حين يتطلبُ نَسخ القَاعِدة العَامَّة )المبدأ القضائي( عن طريق أدوات العُدُولِ عَنْهُ بحسب النظام، نظراً لكون المبدأ جزءاً من النظام، شاملاً بقَاعِدَتِهِ العَامَّةِ عِدَّةَ صورٍ وواقعاتٍ، ومنطوقهُ مخاطبٌ به العموم، بخلاف السَّابقة، ولذلك تَتَدَنَّى مَسَاحَةُ السُّلْطَةِ التَّقْدِيْرِيَّة للقَاضِي في المَبْدَأ، وثمَّة من يشملُ المبدأَ القضائيَّ بمصطلح السابقةِ الملزمةِ؛ بجامع سُلوك الجادة الواحدة في كلٍّ، ويستدعي في هذا منهجَ دولِ ما يُسَمَّى بالمدرسة: "الأنجلوسكسونية "، ولا مشاحةَ في مثل هذا الاصطلاح، وهي في تركيب آخر: "المستقر عليه " أو "استقرار القضاء "، وإلى مِثلهِ عَبَّرَت المَالِكِيّة (فقهاً) بـ :"الماجَرَيَات " وهو عندَهُم: العُرْفُ والعَمَلُ، وبعضٌ آخر اشترط لوصفِ السابقةِ التكرار، ولا يصح من وجهة نظرنا للاعتبار المبينَّ هُنا.
كما نجدُ مسالكَ توصيف الواقعة)تكييفها تصويرها( أقربَ لمفهوم المبادئ منه للسوابق؛ لارتباطه جملةً بقاعدةٍ عامَّةٍ تُنَزَّل عليها الوَقَائِعُ، وهُو كثيرُ الدَّوران في تَوْصِيفِ العُقُوْدِ، ومما يكثر دورانُهُ في الاصطلاح القولُ بـ: " استقرار الفقه والقضاء " ، ولأَنْ صحَّ في الأول، فلا وَجْهَ للثاني إلا عَلَى أَسَاسِ الإِجْمَاعِ والاتّفَاقِ، وإلا فَلا قَائِلَ بحمل الفقه (في منطقة اجتهاده المسموح بها) على جَادَّةٍ واحدةٍ، ولا يَفُوت أن الفقه في غير لغة الشريعة يَنْحَصِرُ في فقه القانون الوضعي .
وتشملُ هذه المجموعةُ جُمْلَةً من الأحْكَامِ بِسَوَابِقِهَا المُلْزمة، ولا يفوتُ أَنَّ الناظِرَ فيها قد يتداخلُ عليه تقابلُ بَعْضِهَا، ولو أنعم النظرَ لوجد اختلافاً في الوقائع، عَلَى أنَّ من بين سلاسلِ هذه المَجْمُوْعَةِ مَا يتعينُ نَشْرُهُ؛ التزاماً بمبدأ النَّشْر، وتَدْويناً لتاريخ قضائيٍّ، هُو من حقِّ الجَميع علينا، لكنه منسوخٌ بلاحقةٍ على ما ذكرنا ومَن أبصَرَ عَلِم.
والجميعُ يكتسبُ وصفَ السابقةِ ولو تَجوُّزاً، فالأُولى سابقةٌ في أصلِها، أما الواقعةُ الموافقةُ لها في الحُكْمِ (كما ترى في هذه المجموعة) فسابقةٌ بالتَّبع (والتابعُ لهُ حُكْمُ المَتْبُوع(، والنَّاسخةُ سابقةٌ بمُسْتَجِدِّها، ومنسوختُها سابقةٌ بوَصْفِها الأَوَّل، فيبقى نعتُها في تاريخ قَضَائيٍّ حَكَمَ بها يَوماً، كالمبادئِ القضائيَّة، يجري نشرُ جميعِها حتى يشملَ المبادئَ المعدولَ عنها، وتوصف في حالها الأخيرة بـ: "المبادئ السابقة "؛ حفظاً لذاكرة القضاء، مع نفع الباحثين والدَّارسين، ودرءِ أيِّ لبسٍ مُحْتَمَلٍ. وكلٌّ من المبادئ والسوابق يتعينَّ لزوم جادتِها، ولا يَسُوْغُ الحَيْدُ عَنها بحال، ولا محل للإيراد هنا بقاعدة: "الاجتهاد لا يُنقَض بمثله "، ليُرَتَّبَ عليها أن للقاضي الحكمَ بخلافها، وأنهُ لا يدينُ إلا بما انتهى إليه، ويجابُ عليه بأنَّ تلكم القاعدة رد على المُورِد؛ فاجتهاده اللاحق لاجتهاد من سَبَقَه فيما سنّته المبادئ والسوابق قد نَقَضَ اجتهاداً مثله، على أنّ القاعدةَ المذكورة تردُ في الإقليم، عليه قاضٍ واحدٌ، يقضي فيه زمناً، فيَخلُفُهُ آخر، فليس للخَلَفِ نقضُ اجتهادِ سَلَفِهِ، باستدعائه ما حَكَمَ فيه، ومن ثم نَكْثُهُ.
وقد صحَّ عن عَبْدِاللهِ بنِ مَسعُود رضي الله عنه قولُهُ:"مَنْ عُرِضَ لَهُ مِنكُم قَضَاءٌ بعد اليوم، فليقضِ بما في كِتَابِ الله، فإن جاءَ أمرٌ ليس في كتاب الله، فليقضِ بما قَضَى به نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن جاء أمرٌ ليس في كِتَابِ الله، ولا قَضَى به نبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلم، فليقضِ بما قَضَى به الصَّالِحون، فإن جاءَ أمرٌ ليس في كتاب الله، ولا قَضَى به نبيُّه صلى الله عليه وسلم، ولا قَضَى به الصَّالحون، فليجتهد رأيَهُ "، فأمره بلُزُوم قَضَاءِ مَن سَبَقَهُ من الصَّالحين في مبادئهم وسوابقهم ، وسوَّغ له في منطقة الفراغ، الاجتهادَ، ليُنْشئَ به مبادئَ وسَوابقَ مستجدّةً. وجميعُ ما سبق يختلف عما يُسَمَّى بـ: " تقنين الأحكام القضائية أو تدوينها "؛ فهذا يَختارُ نُصُوصاً وفْقَ أَحْكَامِ الدُّستور وقَواعِدِهِ، ويُلزمُ بها القضاءَ عن طريق السُلْطة التنظيمية، وعليه ما يُسَمَّى بالمَدْرَسَة: "اللاتينيّة " ، عَلَى أنها ليست على الإطلاق ذاتُ تَقْنينٍ، فَلَهَا أعرافٌ قضائية هي في حقيقة أمرها مبادئ وسوابق، ولمقابلتها: "الأنجلوسكسونية " تقانين، لكنّ العِبرة في وَصْفِ المدرسة بغالبها الأعمِّ. وعامَّةُ ما مَضَى لا يَقْتصرُ عَلَى المادَّةِ الموضُوعيّة المُنْصَبَّةِ في نهاية مَطَافِهَا عَلَى مَنْطُوقِ الحُكْم القَضَائيّ، بل يشملُ كذلك المادةَ الإجرائيَّةَ عِند وُجُودِ الفَراغِ الإجْرَائيّ، فيكونُ للقَضَاءِ مَبدأٌ أو سَابِقَةٌ فِيهِ . هذا، وقد أجاز قرارُ مجلس هَيئةِ كِبار العُلَماءِ بالمملكة العربيَّة السُّعوديَّة ذو الرقم 236 بتاريخ 19/2/1431هـ ، فِكْرَةَ:"المُدَوَّنَة القَضَائِيَّةِ "، المُسَمَّاة في الاصطلاح السَّائد بـ : "تقنين القضاء "، وعَلَى ضَوئه أَصدَرَ خَادِمُ الحَرَمين الشَّريفين الملكُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزيز أَمْرَهُ الكَريْم بتَكْوِينِ لَجْنَةٍ عِلْمِيّةٍ لإعدادِ مشروع: "مُدَوَّنةِ الأَحْكَامِ القَضَائِيَّةِ " ، وتَشَرَّفَ "كاتب هذه الأسطر" بعُضْوِيّتِها، وَسَتأْخذُ في اعتبارها ما يناسبُهُ التدوينُ، وتدعُ ما سواهُ فيما يناسبهُ الإحالةُ على المَبَادئِ والسَّوابق، فالأَولى بالأخير صدورُهُ عن مَخَاضٍ قضائيّ؛ ليكونَ أدقَّ من جهةٍ، وأكثرَ مُرونةً في التعديل، وأدْعى للتَّلقي القَضَائيّ في أُخرى، وقد بيَّنا فيما مضى ألاّ تعارضَ بن التَّدوين وبَين السَّوابق والمَبَادِئ، ومعرفةُ ما يُناسبُ وما لا يُناسبُ هُنا داخلٌ في نِطَاقِ السُّلطة التقديريّة لـ : "أعضاء لجنة التدوين " مع استرعاءِ نَظَر القَارِئ الكَرِيْم إلى أنَّ مِنْ بَين أَعْضَائِهَا قَامَاتِ القَضَاءِ ومَرَاجِعَهُ.
وحيثُ وُجد النصُّ التشريعيُّ لزم القضاء منطُوقه، وعند خُلُوِّهِ يجتهدُ القضاءُ، فَتَتَكَوّنُ على إثره السَّوَابقُ والمبادئُ، فلكلٍّ منهما مَسِيْرٌ، وجميعُ ما ذُكِرَ داخلٌ في مُعتركِ مُصطلحاتٍ ومفاهيمَ، كلٌّ يدلي فيها بدلوه فقهاً وقضاءً ، ولاسيما الفقه القانوني؛ فله سبحاتُ فِكْرٍ، يَصْعُبُ جَمْعُ لَفِيْفِهَا، وَلمّ شَتَاتِهَا، ومجموعُ تلكِ المُصْطَلَحاتِ، سَوَاءٌ كانتْ سوابقَ أو مَبَادِئَ أَو تَدْويناً، (كذا محور فلكها من درجات التقاضي(، هي من مُسْتَجدّات نُظُمِ الدَّوْلَةِ الحَدِيثةِ، والحَالُ على ما بيَّنا فيها من أنَّهُ لا مُشَاحَّةَ عَلَى مِثْلِها، بلْ نَجِدُ ما يُسَمَّى اليَومَ بـ: "الدَّوْلةَ الفِيدراليَّةَ " في قَضَائِهَا الَمحَلّي ، تختلفُ بين أقاليمها في شَأنِهَا، ولولا هذا الجدلُ العلمي، والاختلاف التطبيقي لما كان هذا التنوعُ النافعُ بتعدد خياراته؛ ليأخذَ المستطلع منها ما يُناسِبُهُ، ثُم لا يُصادرَ في ثاني حَالِهِ من قِبَلِ مُنغلق على رأيه، أو مدرسته، أو مصطلحه، على أنَّ منها ما لا يَسعُ فيه إلا مَسلكٌ واحدٌ، وليس للمخالف الخروجُ عن السائد المتفق عليه تحت أي ذريعة، وبابُ الاجتهادِ يوصَدُ عن الغَريْب والمُسْتَنْكَر، وفرقٌ بين: "الإبداع " و "الابتداع "، ولن نُطيلَ على القَارئِ في شَرْح خُطّةِ العَمَلِ ومَفَاتِيْحِ المُدَوَّنَةِ؛ فَهِيَ بَن يَديْهِ واضِحَةً جَلِيّةً، وقد بَذَلْنَا الجُهدَ في حُسْنِ تَرتِيْبِها وإخراجِها، والكَمَالُ للهِ وَحْدَهُ. وفي الختام : أسألُ اللهَ تعالى أن يَنْفَعَ بهذهِ المَجْمُوعةِ، ويُجْزِلَ مثوبةَ من كَانَ سَبَبَاً في الإِفَادَةِ مِنْهَا، وباللهِ التَّوفِيقُ وصلَّى اللهُ على نَبيِّنا مُحَمّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

وزير العدل
رئيس المجلس الأعلى للقضاء
رئيس هيئة الإشراف العدلي لمجموعة الأحكام القضائية
الدكتور محمد بن عبدالكريم بن عبدالعزيز العيسى

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله تتنزل الخيرات والبركات، وبتوفيقه تُحقّق المقاصد والغايات، والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين؛ وبعد: فقد امتن الله سبحانه وتعالى على وزارة العدل بأن أُنيط بها مهام خدمة القضاء الشرعي، وتوفير الإمكانات المادية والبشرية وتأهيلها، وتقريب هذه الإمكانات لقضاة المملكة، ليَسهُل عليهم ما أنيط بهم من أعمال. ومن هذه المهام ما نُصّ عليه في المادة الحادية والسبعين من نظام القضاء بأن تنشر وزارة العدل مجموعة من الأحكام بعد أخذ الموافقة عليها من المجلس الأعلى للقضاء. وقد يسّر الله بفضله ثم باهتمام معالي الوزير –حفظه الله- وتوجيهاته باكورة هذا العمل الموسوم بـ (مجموعة الأحكام القضائية)، ليكون إعلاماً للموثقين ومنهاً للباحثين، لما يحويه هذا الإنتاج من غزارةٍ في المحتوى بُنيت بمنهجية رغِب فيها مركز البحوث أن تكون أنموذجاً مميزاً أُخِذ من مشكاة الشريعة ،التي أفادت منها كل المدارس القضائية في العالم. مع أن هذا الإنتاج القضائي رُوعيَ في تقديمه أن يكون منهلاً لكل المهتمين بالشأن الحقوقي، فأبرزت (فهرست الموضوعات) كي تلبي حوائج القضاة والمحامي أو محامي متدربن والباحثين وغيرهم ،كما أكدت العديد من الأحكام بما يقاربها كقضايا المخدرات وغيرها ليستفاد منها في الشأن القضائي والبحثي في مراكز الأبحاث والجامعات لتقرير الدراسات العلمية ودعمها بالوقائع القضائية، وإيجاد مادة علمية تطبيقية للنظريات العلمية كالعرف القضائي ونحوه. والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجه الكريم. والله الموفق،،

مدير عام مركز البحوث
تركي بن محمد البسام

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فإن هذه المجموعة من الأحكام القضائية الصادرة في عام 1435هـ تمثل مجموعة جديدة منتقاة من الأحكام المتنوعة في الجانب الحقوقي، وجانب الأحوال الشخصية، والجانب الجنائي، وجانب شروط الدعوى والاختصاص، وكانت منهجية العمل فيها وفق ما يلي:
1) كانت منهجية نشر الأحكام في المجموعة السابقة لعام 1434هـ هي نشر الأحكام القضائية كما هي دون تعديل أو تغيير وهو أحد مناهج نشر الأحكام القضائية المتبع في بعض الدول، إلا أننا اتخذنا منهجاً مغايراً في هذه المجموعة؛ إذ قمنا بتصحيح الأخطاء في الآيات والأحاديث والنقول والأخطاء اللغوية والنحوية والمادية، كما عملنا على حذف العبارات غير المناسبة التي قد ترد من بعض أطراف الخصومة أثناء نظر الدعوى مما لا يكون له تأثير في الحكم القضائي
2) تم دمج القضايا الإنهائية بما يناسبها من تصنيفات؛ فالقضايا الإنهائية المتعلقة بالعقارات ضُمّت إلى العقارات، والقضايا الإنهائية المتعلقة بالولاية نقلت إلى الولاية، وهكذا.
3) تمت مراعاة ترتيب القضايا بشكل منطقي حسب ورودها الفقهي، كما اجتهدنا في وضع القضية تحت التصنيف الأكثر علاقة بها؛ إذ إن بعض القضايا يمكن الاستشهاد بها في أكثر من موضوع فكان دورنا اختيار التصنيف الأكثر علاقة
4) أضفنا فهرساً جديداً لهذه المجموعة، وهو فهرس الكلمات المفتاحية؛ الذي يتيح للباحث والقارئ الوصول للمعلومة بشكل أسرع وبدقة أعلى.
وفي الختام، لا يفوتني أن أشكر فضيلة الشيخ تركي بن محمد البسام – مدير مركز البحوث السابق – الذي بذل جهوداً كبيرة مع فريق العمل، وفضيلة د. بشار بن عمر المفدى مساعد مدير مركز البحوث والأستاذ المساعد بالمعهد العالي للقضاء، ولا أنسى كذلك فريق مراجعة الأحكام القضائية، وفريق الفهرسة، وكامل منسوبي مركز البحوث وإدارة نشر وتدوين الأحكام.
ولا يستغني المركز عن أي ملاحظات أو مقترحات بخصوص هذا الإصدار أو غيره من الإصدارات، ويمكن التواصل على بريد المركز [email protected] وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مدير عام مركز البحوث
د. منصور بن عبدالرحمن الحيدري

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن القضاء الشرعي في هذه البلاد المباركة بالغ الأثر سابغ الأجر، وما ذاك إلا لأنه يأرز لأصلين عظيمين مَن تمسَّك بهما لن يضلّ بعدَهما: «كتاب الله، وسنة النبي ﷺ»(1)، وما فتئت هذه البلاد المباركة - على تتابع حكامها - على رعاية القضاء وإعطائه الأولوية والرقي به.
وتقرير المبادئ القضائية لم يكن وليد لحظة عابرة أو نازلة مستجدة، بل عند إنعام النظر وإمعانه في تاريخ المبادئ نجد لذلك لبنات في القرون المفضلة مع اتساع القضاء فيها، ومن أمثلة ذلك ما جاء في «أخبار القضاة» لوكيع: قال: (كتب عمرُ بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة: أما بعد: فإن رأس القضاء اتباع ما في كتاب الله، ثم القضاء بسنة رسول الله، ثم حكم الأئمة الهداة، ثم استشارة ذوي الرأي والعلم، وألا تؤثر أحدًا على أحد، وأن تحكم بين الناس وأنت تعلم ما تحكم به، ولا تقس؛ فإن القائس في الحكم بغير العلم كالأعمى الذي يعشو في الطريق ولا يبصر؛ فإنْ أصاب الطريق أصاب بغير علم، وإن أخطأه فقد نزل بمنزلة ذاك حين أتى بما لا علم له فهلك وأهلك مَن معه، فما أتاك من أمر تحكم فيه بين الناس لا علم لك به فسل عنه مَن تعلم؛ فإن السائل عما لا يعلم مَن يعلم أحد العالمين) (2). ووجه هذا المثال: أن هذه المكاتبة من التابعي الجليل لعامله هي مبدأ قضائي يبين الأسس والأصول التي يُصدَر عنها في القضاء. وتتابع ذلك على مدى تاريخنا الإسلامي، والذي - لا شك - اتسعت فيه الوقائع وانتشرت فيه الأحداث، وظهرت أمور لم تكن تظهر فيما سبق، والأحداث تتجدد بتجدد الليالي والأيام، وقد قيل: (الأحداث لا تتناهى- والنصوص تتناهى)(3) . وجدّت عند الناس أقضية لم تكن عند مَن سلف. لذا فإن الشرع وضع قواعد وضوابط ومقاصد تضبط بها الشريعة، فأضحت صالحة لكل زمان ومكان، ونظير ذلك المبادئ القضائية فإن أهميتها تبرز في كونها تمثل الاجتهاد القضائي المستقرّ في التعامل مع حالات غياب النص التنظيمي أو غموضه - في شِقَّيه الموضوعي والإجرائي - مستندة في ذلك إلى أحكام الشريعة وأدلتها التفصيلية. وتزيد هذه الأهمية في ظل عدم اكتمال البنية التنظيمية والذي أدى إلى اتساع دائرة الاجتهاد القضائي من خلال المبادئ التي يقررها للفصل في منازعة معروضة عليه، وقد جاءت النظم معززةً لاستقرار هذه المبادئ وذلك بتشديد إجراءات العدول عنها، مما يعطي دلالة ضمنية على جواز الاحتجاج بها في حال انطباق الواقعة المعروضة على
القضاء مع القاعدة التي قررها المبدأ القضائي المستقر. ويضاف لما سبق ما تتميز به المبادئ القضائية بقابليتها للتطوير والتغيير المستمر والسلس بحسب مستجدات الواقع، وذلك راجع لطبيعتها الواقعية في كون تقريرها يستهدف الفصل في خصومات معروضة أمام القضاء. وهذه المكانة للمبادئ القضائية تستدعي العمل على استخلاصها، ونشرها للكافة؛ تحقيقًا للشفافية، وإبرازًا لجهود القامات الشرعية والقضائية في المملكة في عدة عقود ماضية، وما تحمله من ثراء فقهي تمثل في تقريرها لهذه المبادئ المؤسَّسة على الأدلة الشرعية، ولتكون ميدانًا خصبًا للدارسين والمتخصصين والمراكز البحثية في إثراء الساحة العلمية القضائية بما يعود عليها بالنفع. ووزارة العدل وهي تضطلع بدورها في نشر هذه المبادئ، لتؤكد سعيها الحثيث على تحقيق كل ما من شأنه رفع المستوى اللائق بمرفق العدالة بدعم وتوجيهات القيادة المباركة.
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وزير العدل
د. وليد بن محمد بن صالح الصمعاني

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عِوَجًا، والصلاة والسلام على مَنْ بعَثه الله رحمة للعالمين، ورسولًا إلى الناس أجمعين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه؛ وبعد: فإنَّ مِن رحمة الله وفضله، أنْ مَنَّ على هذه الأمة بإنزال كتابه الكريم، وإرسال رسوله العظيم؛ ليُخرجَ الناسَ من الظلمات إلى النور، وليبيِّنَ لهم أحكام دينهم:

(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) [إبراهيم: 1]

(لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران/ 164].

وقد أوجب سبحانه على جميع الناس العملَ بما جاء في كتابه، وبما بيَّنه وشَرَعَه رسولُه محمد ﷺ في جميع أمورهم عامة، والعملَ والرِّضا بأحكامه وقضائه في منازعاتهم وخصوماتهم بصفة خاصة:

(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب: 36].

كما أَلزم وأوجب الحُكْمَ بالقسطِ والعدل بين الناس، دون تفريق بين قريب وبعيد، وشريف ووضيع، ومسلم وغير مسلم:

(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)[ النساء: 58].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8].

ومِن فضل الله وتوفيقه، أنْ شرَّفَ المملكة العربية السعودية منذ نشأتها بالتمسُّك بهذا الدين الإلهي الحنيف، فجعَلَت الكتابَ والسُّنة دستورَها وشرعها في قضائها وسائر أمورها الدينية، كما اهتمتْ بمرفق العدل والقضاء، وجعلته ركنًا أساسًا من أركان مقوِّمات الدولة، وأَوْلَته العنايةَ اللائقة به.
وقد كان من صميم هذا الاهتمام والرعاية، الاهتمامُ بمراجعة الأحكام الشرعية من قِبَل درجات عُليا، شَكَّلَتْ أحكامُها وقراراتُها المبادئ والسوابق القضائية.
فقد كان لرئاسة القضاة التي ترأَّسها سماحة شيخنا الشيخ/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ –رحمه الله تعالى–
حسب نظام القضاء الصادر في ذلك العام، والذي بيَّن اختصاصَ كلٍّ منهما. ثم شهد القضاء في المملكة نَقلةً نوعيةً بصدور الأنظمة العَدْلية، بما فيها نظام القضاء وآلية عمله التنفيذية بالمرسوم الملكي رقم (م/78) وتاريخ 19/9/1428هـ، الذي تضمَّن إنشاء المحكمة العُليا كأعلى سلطة قضائية في الدولة، وقد بَيَّنَتْ هذه الأنظمةُ اختصاصاتِها وصلاحِيَّتَها، بما في ذلك الهيئة العامة لها، التي جُعِل من مهامِّها تقريرُ مبادئَ عامةٍ في المسائل المتعلِّقة بالقضاء. وفي شأن التدوين للمبادئ والأحكام ونشرها: فقد نصَّ نظام القضاء في مادته (71/3) أن من اختصاصات وزارة العدل نشرَ الأحكام القضائية المختارة، كما صدر الأمر السامي الكريم رقم (33965) في 16/7/1436هـ، الموجَّهُ أصلُهُ لمعالي وزير العدل بأن تقوم المحكمة العليا بحصر المبادئ القضائية التي أقرَّتها، والمقرَّةِ سابقًا قِبَلَها، وتصنيفِها، ومن ثَمَّ إحالتها إلى وزارة العدل؛ لتتولى نشرها من خلال (مركز البحوث) لديها. وكان من ثمرات هذا الاهتمام، ومن نتائج تلك الرعاية –بعد توفيق الله– صدورُ هذه المجموعة من المبادئ والفوائد والسوابق القضائية، التي حوت خلاصة تلك المسيرة القضائية؛ من قرارات الهيئة القضائية العليا، ومجلس القضاء الأعلى بهيئتَيْه العامة والدائمة، والمحكمة العليا؛ من هيئتها العامة ودوائرها المتخصصة في كافَّة اختصاصات القضاء العام: الحقوقية، والجزائية، والأحوال الشخصية؛ لتكون -بإذن الله تعالى- مرجعًا مفيدًا للقاضي في قضائه، وللباحث في تأصيله، ولكلِّّ من يريد الاطلاع والاستفادة. وفي سبيل إعداد هذه المجموعة، تـمَّ تشكيل عدد من اللِّجان بالتنسيق ما بين وزارة العدل والمحكمة العليا، ضمَّت عددًا من القُضاة والباحثين والمساعدين، تحت إشراف رئيس المحكمة العليا ومتابعة أمينها العام، وقامت بالآتي:
1- حصر ما لدى المحكمة العليا من مبادئ أو قرارات؛ صادرة منها، أو من الهيئة القضائية العليا، أو من مجلس القضاء الأعلى.
2- ترتيب هذه القرارات وأرشفتها.
3- تصنيف هذه القرارات، وفَرْز ما تم اختيارُه منها، وتبويبها.
4- مراجعتها بعد ذلك وتدقيقها، وإخراجها.
5- توثيق القرارات ببيان أرقامها، وتاريخ صدورها، وبيان الجهة الصادرة عنها.
هذا، وأسأل الله تعالى أن يَـمُنَّ على هذه المملكة بدوام الأمن والإيمان، والازدهار والرخاء، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود –حفظه الله– الذي يُولِي مِرْفَقَ العدل والقضاء كلَّ اهتمامٍ وحرصٍ على رِفعة شأنه وسموِّ مقامه، ونزاهته واستقلاله، واستنادِ أحكامه إلى الكتاب والسُّنة، كما أسأله -عز وجلَّ- أن يبارك في عمره وعمله، وأن يمدَّه بالعَون والصحة والعافية، وأن ينفع بهذه المجموعة، وأن يبارك فيها، وأن يجزيَ من قام بها أو شارك في إعدادها وإخراجها خيرَ الجزاء، والحمد لله تعالى أولًا وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا.
والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رئيس المحكمة العليا
غيهب بن محمد الغيهب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:

فإن شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع وأصلحها لكل زمان ومكان، وقد تضمنت في شمول ريادتها تقرير ما يُصلِح الأفراد في كل شؤونهم، وتضمنت أسمى المبادئ وأعدل النظم في كل مناحي الحياة وشؤونها؛ من سياسة واقتصاد وتشريع وغير ذلك، مما يكفل حفظ الضرورات، وحماية الحقوق لكل من يستظل بهذه الشريعة العظيمة .

(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50]

ولما كانت الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في هذه البلاد المباركة، وعليها قامت وفق ما نص عليه النظام الأساسي للحكم، فقد سار قضاؤنا الشرعي في هذه البلاد المباركة تحت ظلال هذه الشريعة استمدادًا، ونظرًا، واعتمادًا، منذ تأسيس الدولة مما يقارب مائة عام، وقد استقر العرف القضائي خلالها على مبادئ كلية، وجزئية موضوعية، وإجرائية، جاءت على مراحل متتابعة، شكَّلت فيما بعد أنظمة إجرائية مكتوبة، مثلت بمجموعها ما جرى عليه العمل في المحاكم مما هو مستقًى من الشريعة الإسلامية في أصولها وفروعها، وقد بقيت هذه القواعد راسخة في قلب ولُب كل قاضٍ يأخذها اللاحق عن السابق، وقد حوت هذه المبادئ المستقرة على نصوص الشريعة بين جنباتها مادة فقهية غنية بالأحكام والقواعد، متميزة بمرونتها في التطبيق والنقل إليها بالطرق الأصولية المعتمدة، كما أن من خصائصها سهولة مراجعة كثير من أحكامها القضائية، وتغييرها حسب الزمان والمكان والأحوال والعادات، وفق ضوابط معينة، تضبط مسارها في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية وكلياتها. ومما تجدر الإشارة إليه أن المبادئ القضائية المستقرة، أو ما اصطلح على تسميته بما جرى عليه العمل تمثل الوجه المضيء للعدالة في المملكة العربية السعودية بكل معانيها الأخلاقية والإنسانية، وتكفل حماية الحقوق والحريات المشروعة، وتتوافق مع صحيح النظريات وقواعد العدالة المجتمعية والدولية مما لا يخالف شريعتنا ويؤكد تميز قضائنا وسَبْقَه إلى مثل هذه القيم. وسعيًا من الدولة في ترسيخ المفهوم الحديث للدولة من الجانب القضائي بما تقتضيه العدالة، ويحفظ الحقوق ويصونها، أنشأت المحكمة العليا التي تعنى بمراقبة سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها، بما يضمن استقرار الأحكام والمبادئ القضائية، والاختصاص الولائي، وعدم ازدواجية الأحكام في الواقعة الواحدة، وسلامة تكييفها، ووصفها وصفًا سليمًا، والتصدي لما يخلُّ بالنظام العام، وما قد يقع من أخطاء في الأحكام. ولإعطاء مزيد من الضمانات في القضايا الإتلافية المبينة في النظام، فقد جعل النظام تدقيق هذه القضايا لدى المحكمة العليا واجبًا. فهي بهذا تعمل كمحكمة تعقيب، وتضطلع بمسؤولية سن المبادئ القضائية مع إضافات أخرى شملها نظام القضاء الصادر بالأمر الملكي ذي الرقم (م/78) وتاريخ 19/9/1428هـ والذي يمثل نقلة تاريخية في القضاء السعودي. ومن هذا المنطلق، ورغبة في إظهار هذا التراث الغني، الحافل بالدرر والجواهر النفيسة، التي خَلَّفَها لنا علماؤنا وقضاتنا الأجلاء من خلال قراءتهم المقاصدية لنصوص الشريعة، ومعرفتهم الدقيقة بفروعها، وإدراكهم لواقع عصرهم وتحدياته، وخصوصيات الأقضية المعروضة عليهم، فإن مركز البحوث بوزارة العدل يقدم هذا العمل المعدَّ من قِبَل المحكمة العليا للمبادئ المستقاة في جملتها من قرارات وأحكام لقضايا دُققت من أعلى الجهات القضائية العليا في المملكة في تاريخها الحديث، وهي :
• الهيئة القضائية العليا.
• الهيئة العامة لمجلس القضاء الأعلى.
• الهيئة الدائمة لمجلس القضاء الأعلى.
• المحكمة العليا بهيئتها العامة ودوائرها القضائية.
كما تم ترتيب الأبواب على الموضوعات الفقهية وفق ترتيب كتاب «المقنع»، مع إضافات أخرى اقتضاها الحال. وقد اشتمل هذا الإصدار على مبادئ مستمدة من أحكام وقرارات صدرت على مدى سبعة وأربعين عامًا ابتداءً من عام 1391هـ وحتى نهاية عام 1437هـ، متميزًا بالشمول، ودقة الترتيب، والسهولة، والعزو والتوثيق. وبين يدي هذا العمل نقدم معالم كاشفة في قسمين؛ فيتناول القسم الأول المقصود بالمبادئ القضائية وسندها، والجهات المصدرة لها، والتسلسل التاريخي لها. بينما يتناول القسم الثاني خطة العمل في هذا المشروع ومنهجه مع تنبيهات مهمة، متجنبين الاسترسال قدر الإمكان

أولًا: تعريف المبادئ القضائية:
خلصت المحكمة العليا بهيئتها العامة في قرارها رقم (2/أ) وتاريخ 29/8/1434هـ، بعد دراسة الموضوع، والاطلاع على عدد من البحوث والدراسات إلى وضع تعريف المبدأ القضائي بأنه: (القاعدة القضائية العامة الموضوعية والإجرائية التي تقررها المحكمة العليا، وتُراعى عند النظر في القضايا، وإصدار الأحكام والقرارات). وهذا التعريف يمكن أن يقال: إنه تعريف المبادئ القضائية بمفهومها الخاص، وأما تعريف المبادئ القضائية بمفهومها العام فإنه يشمل ما يمكن أن يستقى من الأحكام والقرارات من قواعد كلية يمكن تعميمها على وقائع أخرى، دون أن تكون هذه القواعد صادرةً من الجهة المخول إليها إصدار المبادئ نظامًا. ومن ثمّ فإن ما ورد في هذا الإصدار من مبادئ يشمل كلا الأمرين؛ إذ يشمل ما صدر من المحكمة العليا من مبادئ بوصفها صاحبة الصلاحية المخولة إليها إصدار المبادئ بموجب النظام، كما يشمل القواعد الكلية المستقاة من أحكام وقرارات الهيئة القضائية العليا، والهيئة العامة لمجلس القضاء الأعلى، والهيئة الدائمة لمجلس القضاء الأعلى، والمحكمة العليا بهيئتها العامة ودوائرها القضائية.
ثانيًا: سند المبادئ القضائية:
يستند إصدار المبادئ القضائية إلى الفقرة (أ) من البند (ثانيًا) من المادة الثالثة عشرة من نظام القضاء، والمتضمنة أن المحكمة تتولى في مشمول عملها: (تقرير مبادئ عامة في المسائل المتعلقة بالقضاء)، والمادة الرابعة عشرة من نظام القضاء التي نصت على أنه: (إذا رأت إحدى دوائر المحكمة العليا - في شأن قضية تنظرها - العدول عن مبدأ سبق أن أخذت به أو أخذت به دائرة أخرى في المحكمة نفسها في قضايا سابقة، أو رأت إحدى دوائر محكمة الاستئناف العدول عن مبدأ سبق أن أخذت به إحدى دوائر المحكمة العليا في قضايا سابقة، فيرفع الأمر إلى رئيس المحكمة العليا لإحالته إلى الهيئة العامة للمحكمة العليا للفصل فيه). وقد باشرت المحكمة العليا بهيئتها العامة اختصاصاتها في تقرير المبادئ القضائية العامة، بعد موافقة المقام الكريم بالبرقية ذات الرقم (51370) وتاريخ 29/11/1433هـ.
ثالثًا: الجهات المصدرة للمبادئ والقرارات:
1- الهيئة القضائية العليا:
نظرًا لظروف التطور الطبيعي للحياة وتعقيداتها، وكثرة القضايا المعروضة على المحاكم وتنوعها، فقد رأى ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية -حفظها الله- مسيس الحاجة إلى وجود هيئة قضائية عليا؛ لذا صدر أمر الملك فيصل بن عبد العزيز –رحمه الله– رقم 21224 وتاريخ 18/11/1390هـ بتشكيل ما يسمى بـ «الهيئة القضائية العليا» لتحل في مهمتها محل «رئاسة القضاة» بعد وفاة رئيس القضاة علامة الديار ومفتيها سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف – رحمه الله – عام 1389هـ، وهي تتكون من رئيس وأربعة أعضاء متفرغين للعمل بالهيئة، يعهد إليها بالنظر والفصل في القضايا التي كانت قيد الهيئة العلمية ولم يفصل فيها، والقضايا التي ترى ضرورة نظرها من قبلها. وتصدر قراراتها حيال تلك القضايا بما يترجح لديها من التصديق على الأحكام أو إبداء الملاحظات عليها أو نقضها إذا رأت أنها غير متماشية مع الأصول والقواعد الشرعية، وقد استمر العمل بهذه الهيئة مدة خمس سنوات، إلى أن تم تشكيل «مجلس القضاء الأعلى» ليحل محل هذه الهيئة
2- مجلس القضاء الأعلى:
في سعي الدولة لتحديث منظومتها القضائية صدر المرسوم الملكي رقم (م/64) وتاريخ 14 رجب 1395 هـ بتشكيل «مجلس القضاء الأعلى» ليحلَّ محل «الهيئة القضائية العليا» ليتولى الإشراف على المحاكم وفق الحدود المبينة في نظام القضاء، ويتكون المجلس من أحد عشر عضوًا يُكوِّنون هيئتي المجلس وهما على النحو التالي:
أ- الهيئة الدائمة: تتألف من خمسة أعضاء متفرغين بدرجة رئيس محكمة تمييز يعينون بأمر ملكي، ويرأس هذه الهيئة أقدم أعضائها في السلك القضائي.
ب- الهيئة العامة: تتألف من أعضاء الهيئة الدائمة للمجلس يضاف إليهم خمسة أعضاء غير متفرغين وهم رئيس محكمة التمييز ووكيل وزارة العدل وثلاثة من أقدم رؤساء المحاكم العامة في المدن الآتية (مكة المكرمة، المدينة المنورة، الرياض، جدة، الدمام، جازان). ويضاف إليهم رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي يتولى رئاسة هذه الهيئة وهو بمرتبة وزير. واستمر العمل بهذا النظام إلى أن صدر نظام القضاء المعمول به حاليًّا في المملكة العربية السعودية بالمرسوم الملكي رقم (م/78) وتاريخ 19/9/1428هـ، ومن أهم ملامح هذا النظام تحقيق استقلالية القضاء والقضاة من خلال إشراف المجلس الأعلى للقضاء على المحاكم وعلى شؤون القضاة، وإنشاء «المحكمة العليا» لتتولى الاختصاص القضائي لـ «مجلس القضاء الأعلى» سابقًا، وتعديل مسمى «مجلس القضاء الأعلى» ليصبح «المجلس الأعلى للقضاء»، وتوسيع الاختصاص الإداري لـ «مجلس القضاء الأعلى»، وإسناد الاختصاص القضائي لـ «المحكمة العليا».
3- المحكمة العليا بدوائرها وهيئتها العامة:
تعدُّ المحكمة العليا أعلى سلطة قضائية بولاية القضاء العام في المملكة العربية السعودية، ومهامّها الرئيسة هي التصديق على الأحكام وتقرير المبادئ القضائية أو تعديلها ونقض الأحكام القضائية، وتباشر اختصاصاتها عبر دوائر قضائية. وتتألف المحكمة العليا من: رئيس بمرتبة وزير، وعدد كاف من القضاة، وأمين للمحكمة. وقد استحدث النظام القضائي الحالي هيئة عامة في المحكمة العليا تنعقد برئاسة رئيس المحكمة وعضوية جميع قضاتها؛ أسند إليها تقرير مبادئ عامة في المسائل المتعلقة بالقضاء، والنظر في المسائل التي تنص الأنظمة على نظرها من الهيئة العامة؛ وذلك وفقًا لما جاء في المادة الثالثة عشرة من نظام القضاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم 78/م وتاريخ 19/ 9/ 1428 هـ، ومما جاء في نصه: «تتولى الهيئة العامة للمحكمة العليا ما يلي: أ – تقرير مبادئ عامة في المسائل المتعلقة بالقضاء..».
رابعًا: التسلسل التاريخي لتقرير المبادئ القضائية في المملكة العربية السعودية:
لا بد من الإشارة إلى التسلسل التاريخي الذي مرت به المبادئ القضائية في المملكة العربية السعودية، حتى لا يظن أن المبادئ القضائية إنما نشأت مع نظام القضاء الحالي المشار إليه آنفًا، مما يؤكد ما قلناه سابقًا عن عمق التجربة القضائية في هذه البلاد، ويؤكد ريادتها، وتماشيها مع أنظمة العدالة، وبيان ذلك أن يقال بأن هذه الصلاحية المسندة إلى المحكمة العليا كانت تمارس قبل ذلك بصور شتى، منها:
1- الأجوبة، والتقارير التي كان يجيب عنها، ويقررها سماحة مفتي عام المملكة آنذاك الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله.
2- الهيئة القضائية العليا التي أمر بتشكيلها الملك فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله - عام 1390هـ والتي عهد إليها النظر والفصل في القضايا التي كانت قيد النظر لدى الهيئة العلمية ولم يفصل فيها، والقضايا التي يرى ضرورة نظرها من قبلها. وتصدر قراراتها حيال تلك القضايا بما يترجح لديها من التصديق على الأحكام أو إبداء الملاحظات عليها أو نقضها إذا رأت أنها غير متماشية مع الأصول والقواعد الشرعية. وقد شارك في عضويتها كبار علمائنا وفقهائنا وقضاتنا رحمهم الله، وأسهمت في سد فراغ كبير تركه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - وقد استمر عملها خمس سنوات.
3- الهيئة العامة لمجلس القضاء الأعلى، وفق تنظيمه السابق الصادر بالأمر الملكي ذي الرقم م/64 والتاريخ 14/7/1395هـ، والذي كان يتصدى لكثير من المسائل والوقائع التي تتطلب تقرير مبدأ عام سواء أكان إجرائيًّا، أم موضوعيًّا، ويتولى مراجعة ما يحال إليه من ولي الأمر في مسائل معينة رأى ولي الأمر أهمية مراجعتها لمقتضى معين، وقد شارك في هذه الهيئة قامات كبار من كبار علمائنا وفقهائنا وقضاتنا.
4- الهيئة الدائمة لمجلس القضاء الأعلى وفق تنظيمه السابق الصادر بالأمر المشار إليه، والتي كان يعرض عليها القضايا التي لها تعلق بالإتلاف، وقضايا أخرى يرى ولي الأمر مراجعتها، وقد تعاقب على هذه الهيئة وشارك فيها كبار المشايخ والقضاة في تاريخ قضائنا السعودي.
5- المحكمة العليا، وفق تنظيم القضاء الحالي الصادر بالمرسوم الملكي رقم 78/م وتاريخ 19/ 9/ 1428 هـ، حيث أسند النظام في مادته الثالثة عشرة للمحكمة العليا تقرير مبادئ عامة في المسائل المتعلقة بالقضاء.

أولًا: خطة العمل في هذا المشروع:
قام معالي رئيس المحكمة العليا بتكليف فضيلة الشيخ د. خالد بن عبد الله اللحيدان أمين الهيئة العامة في المحكمة المكلف رئيسًا لهذا المشروع وتم تفريغ لجنة تحضيرية، ودعمها بالإمكانات اللازمة التي تُسيِّر عملها في هذا المشروع. كما أُنشئ بجانبها برنامج إلكتروني خاص لأغراض هذا المشروع يتولى حفظ هذا العمل، وترتيبه، وتنسيقه بأفضل ما يمكن أن يخرج به المشروع من جمال وإخراج، وبما يعين الباحثين فيما بعد للوصول إلى ما يريدون بأسهل طريق. ونظرًا لأهمية هذا المشروع، لكونه يتضمن الاطلاع على أكثر من عشرين ألفًا من القرارات والأحكام الصادرة عن الآتي:
1- الهيئة القضائية العليا.
2- مجلس القضاء الأعلى بهيئته العامة.
3- مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة.
4- المحكمة العليا بهيئتها العامة.
5- دوائر المحكمة العليا. فقد تطلب العمل إيجاد خطة محكمة، وجهدًا مضاعفًا، وإعدادًا مركَّزًا لإخراج هذا التراث الغني، ليستفيد منه القضاة والمهتمون بالجانب العدلي. فكان أن رُسمت في الهيئة العامة خطوات العمل التحضيرية، ثم خطة التصنيف، وتنظيم المعلومات، فكان هذا العمل في عدة مراحل وفق ما يلي:
1- مرحلة الجمع: وفي هذه المرحلة جُمعت جميع القرارات الصادرة من الجهات القضائية المذكورة مهما كان موضوعه.
2- مرحلة الترتيب: وفي هذه المرحلة أعطي كل قرار رقمًا تسلسليًّا بعد وضعها في ملفات خاصة.
3- مرحلة الاستخلاص: وفي هذه المرحلة تقرأ القرارات بشكل دقيق، ويستخلص منها ما يصلح أن يكون مبدأً مع ذكر رقمه وجهة صدوره، وتسجيلها في أوراق خاصة، ثم عرضها على رئيس اللجنة لإقراره، أو تعديل صياغته.
4- مرحلة الإدخال الآلي: وفي هذه المرحلة يُدخل المبدأ المقرّ في البرنامج الحاسوبي الخاص بهذه المبادئ.
5- مرحلة المراجعة الأولية: وفي هذه المرحلة روجعت هذه المبادئ من خلال مطابقة نصها لما ورد في القرار، كما روجعت لغويًّا.
6- مرحلة المراجعة النهائية: وفي هذه المرحلة شكلت لجنة لمراجعة المبادئ المستخلصة من القرارات، والتأكد من دقة الاستخلاص والصياغة.
7- مرحلة التدقيق: وفي هذه المرحلة دققت المبادئ بعناية فائقة، موضوعًا وصياغة ولغة، بعد انتهاء الصف والإخراج الفني لها. ثانيًا: منهج التصنيف والتوثيق:
1- اختير ترتيب أبواب كتاب «المقنع» كتصنيف موضوعي لأبواب هذا الإصدار، مع إضافات يسيرة اقتضتها الحاجة مما اشتملت عليه الأنظمة، لتكون وحدة موضوعية يمكن الرجوع إليها عند الحاجة للبحث.
2- جرى وضع رقم القرار حرصًا على توثيق القرار بنسبته إلى مصدره، والجهة التي أصدرته وتاريخ صدوره بجانب كل مبدأ قضائي، مع إضافة تصنيفٍ له، تمهيدًا لوضعه تحت كل باب من أبواب «المقنع»، وقد رمز إلى الجهات القضائية كالتالي: أ- الهيئة القضائية العليا، وقد رمز لها بالرمز (هـ ق ع).
ب- مجلس القضاء الأعلى بهيئته العامة، وقد رمز له بالرمز (م ق ع).
ج- مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة، وقد رمز له بالرمز (م ق د).
د- المحكمة العليا، وقد رمز لها بالرمز (ك ع).
هـ- المحكمة العليا بهيئتها العامة، وقد رمز لها بالرمز (ك ع ع).
3- رتبت المبادئ في الباب الواحد ترتيبًا زمنيًّا من الأقدم إلى الأحدث.
4- إذا كان هناك أكثر من مبدأين متشابهين، فيتم دمجهما في مبدأ واحد مع الإشارة إلى رقم القرارين، وتاريخهما، ومصدرهما.
5- قد يكون ثمة مبدأ مستخرج من مجموع قرارين قضائيين أو ثلاثة صادرة في قضية واحدة، أو قد يستخرج أكثر من مبدأ من قرار واحد.
6- راعت اللجنة عدم تكرار المبدأ نفسه في أكثر من باب إلا إذا كان المبدأ يشمل أكثر من موضوع، فقد يكرر ويوضع في كل موضوع بنصه وفق الترتيب المذكور أعلاه، حرصًا على جمع المبادئ التي تخص كل باب في موضع واحد.
7- بذلت اللجنة جهدها في أن تنسب مرجع كل مبدأ إلى رقم القرار الأساس الصادر بشأنه، إلا إذا تعذر، فتكتفي اللجنة بأن يُسند المبدأ إلى رقم قرار آخر للجهة القضائية نفسها نقلت فيه نص المبدأ.
8- رأت اللجنة عدم نشر ما عارض ما استقرَّ عليه العمل حاليًّا في الأنظمة التي صدرت حديثًا، كنظام القضاء، ونظام المرافعات الشرعية، ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام المحاماة، وما استجد من تعاميم، إلا ما كان في بقائه فائدة أكبر لجهات التدقيق مستقبلًا.
9- أبقت اللجنة بعض المبادئ المنسوخة؛ لكونها تحكي تاريخًا يفهم من خلاله التسلسل الزمني لبعض القرارات والمبادئ بما يحفظ الاجتهاد الأول، ويُظهر مدلولات ما استقر عليه العمل أخيرًا ويُجلِّيها.
10- رأت اللجنة استبعاد كل ما ليس له علاقة بالمبادئ القضائية كقرار يتضمن شأنًا وظيفيًّا لقاضٍ، أو قرارٍ لا يمكن أن يؤخذ منه مبدأ؛ نظرًا لخصوصيته بالواقعة المنظورة، بحيث لا يمكن نقله لغيرها، وهو ما يسمى بقضايا الأعيان. وقد بذلت اللجنة في ذلك جهدًا مشكورًا بما نرجو أن يكون قد حقق الغرض، ومع ذلك فإنه غني عن القول: إن هذه المبادئ لا يمكن تطبيقها على قضايا مماثلة دون النظر إلى سياق القضايا التي استقيت منها تلك المبادئ وظروفها وأحوالها. ثالثًا: قواعد صياغية:
1- الأصل أن يساق ما ورد في القرار بنصه، ما أمكن ذلك، حذرًا من غوائل الاختصار، وخشية من أن ينسب لتلك الجهات ما لم تقله.
2- استثناء من الأصل، يصاغ المبدأ بمعناه إذا اقتضى السياق ذلك؛ بحيث لا يستقيم المعنى لو نقل بنصه.
3- يصدّر المبدأ بعبارة «المصادقة على حكم تضمن..» إذا صادقت الهيئة القضائية العليا أو مجلس القضاء الأعلى أو المحكمة العليا على حكم تضمن ما يمكن اعتباره مبدأ قضائيًّا.
4- إذا نقلت الهيئة القضائية العليا أو مجلس القضاء الأعلى أو المحكمة العليا نصًّا من كتاب فقهي أو تعميم أو نحو ذلك، وأيّدته فإنه يعدّ رأيًا لها يستند إليه في استخلاص المبادئ.
رابعًا: المشاركون في العمل:
اللجنة الأساسية:
فضيلة القاضي/ د. خالد بن عبد الله اللحيدان أمين الهيئة العامة بالمحكمة العليا المكلف - رئيسًا
فضيلة القاضي/ د. مشعل بن سعد آل عسكر المندوب بالمحكمة العليا
فضيلة القاضي/ د. خالد بن مطلق آل مطلق المندوب بالمحكمة العليا
فضيلة القاضي/ د. عبد الله بن عبد العزيز الحسيني المندوب بالمحكمة العليا
فضيلة القاضي/ د. أحمد بن عبد العزيز العميرة المندوب بالمحكمة العليا
فضيلة القاضي/ محمد بن سليمان الفعيم المندوب بالمحكمة العليا
لجنة المراجعة:
فضيلة القاضي / د. نايف بن علي الحمد محكمة الاستئناف بمنطقة الرياض
فضيلة القاضي/ د. عبد العزيز بن عبد الرحمن الكلية رئيس محكمة الأحوال الشخصية بمكة المكرمة
فضيلة القاضي/ محمد بن سليمان السعيد المفتش القضائي بالمجلس الأعلى للقضاء
لجنة التدقيق: فضيلة القاضي/ د. خالد بن عبد الله اللحيدان أمين الهيئة العامة بالمحكمة العليا المكلف - رئيسًا.
فضيلة القاضي/ د. نايف بن علي الحمد محكمة الاستئناف بمنطقة الرياض
فضيلة القاضي/ عبد العزيز بن محمد العمر رئيس الإدارة الفنية للشؤون القضائية بالمحكمة العليا المكلف
فضيلة القاضي/ أحمد بن محمد الدعيلج رئيس إدارة الدراسات والبحوث بالمحكمة العليا المكلف
فضيلة القاضي/ إبراهيم بن فراج الفراج نائب رئيس الإدارة الفنية للشؤون القضائية بالمحكمة العليا المكلف
فضيلة الشيخ/ د. بشار بن عمر المفدى المستشار في مكتب معالي وكيل الوزارة - أمينًا
كما شارك العديد من المستشارين والباحثين القضائيين، والإداريين، من المحكمة العليا، ومكتب معالي الوكيل ومركز البحوث بوزارة العدل. وفي الوقت الذي يَرَى فيه كل مصلح أن النهوض بهذا العمل أمر ضروري، فإن هذا العمل يمثل فرحة كبرى لرجال القضاء، والإثبات، ولجميع المهتمين بالمجال العدلي بتحقيق أملهم، وتطلعهم المستمر لإخراج هذا المشروع المهم والحيوي. واليوم ولله الحمد والمنة أصبح هذا الأمر حقيقة ملموسة أمامهم، يجمع متفرق القرارات الصادرة من تلك القلاع القضائية العظيمة بما تمثله من توازن في النظرة، وحرص على العدالة منقطع النظير، ومشاركة من كبار العلماء والقضاة في تلك القرارات. وفي هذا المشروع سبر لما استقر عليه العمل، وضمانة لضبط مجريات العمل في المسار الموضوعي للأحكام، والتقائها على نسق واحد. وفي هذا المشروع توثيق لمسار الاجتهاد الفقهي القضائي في هذه البلاد المباركة، وما مرَّ به من مراحل، من خلال إيراد جملة من الاجتهادات القضائية المعمول بها سابقًا، والتي نسخت بغيرها وفق اجتهاد فقهي اقتضته طبيعة تغير الأحوال. وفي هذا المشروع تدريب غير مباشر على كثير مما يحتاجه الفقيه والقاضي، سيَّما في التأصيل الفقهي والقضائي، مما يضبط مساره عند تقرير أحكامه، من خلال قواعد عامة إجرائية، وأخرى موضوعية، تتعلق بترتيب الذهن، وآليات إصدار الأحكام، ابتداءً من رفع الدعوى إلى حين إصدار الحكم القضائي فيها، مع تقدير للخلاف الفقهي، وعناية بالغة بتحقيق المناط للقضايا، واهتمام كبير بأمر الخصومات، لا سيما ما كان منها يتعلق بأمر الدماء. وهذا المجلد الذي يحوي (2323 مبدأ) سوف نتبعه بإذن الله بمشروع آخر نثبت به القرارات التي استخلصت منها هذه المبادئ، بحيث تكون مجموعة معًا، بعد مراجعتها وإضافة بعض الخدمات العلمية والإخراجية؛ من تخريج الأحاديث والآيات، والفهارس التفصيلية والكشافات الموضوعية، وعزو الأقوال إلى مصادرها، والكلمات الدلالية للمبادئ، وغير ذلك، بالإضافة إلى موقع إلكتروني متقدم وتطبيقات للهواتف الذكية تتيح البحث عن المعلومة بيسر وسهولة. وأخيرًا: نرجو أن يملأ هذا المشروع بإذن الله - تعالى – فراغًا علميًّا قضائيًّا يرقى بالقضاء في المملكة العربية السعودية إلى مراحل عليا تليق بمكانة القضاء الشرعي.

مدير عام مركز البحوث
د. منصور بن عبدالرحمن الحيدري