في أحدث إصداراته "الدين والسياسة..(تأصيل ورد شبهات)" تناول الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي قضية في غاية الأهمية شغلت اهتمام العديد من الباحثين والمفكرين ورجال الدين سواء في العالم الإسلامي أو الغربي، ويسعى فضيلة الدكتور إلى توضيح طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة ويرد بهذا على شبهات العلمانيين ورفضهم الربط بينهما، كما رفض د.يوسف القرضاوي وجهة نظر العلمانية التي ترى أنه يمكن تقسيم الإسلام حسب الجنس أو المكان أو المذهب مشيرا إلى أن الإسلام واحد في أي زمان ومكان.

في الفصل الأول يبحث الدكتور يوسف القرضاوي عن المعنى الحقيقي لكلمتي الدين والسياسة في أصل اللغة حيث توصل إلى أن الدين كلمة لها لغويا ثلاثة استخدامات: الأول يدور على معنى "المُلك والتصرف بما هو من شأن الملوك"، والاستخدام الثاني يعني "قهره على الطاعة فخضع وأطاع"، والثالث هو المذهب والطريقة التي يسير عليها المرء نظريًا أو عمليًا.

ورد على المستشرقين الذين يقولون بأن الدين كلمة معربة مأخوذة عن العبرية أو الفارسية في محاولة لتجريد العرب من فضائلهم وكذلك عرف الدكتور القرضاوي مفهوم الدين اصطلاحا من خلال عرض لمجموعة من المصطلحات عند كثير من العملاء باختلاف مذاهبهم.

أما كلمة الدين في القرآن الكريم فهي أحيانا يراد بها الجزاء وأحيانا الطاعة وأحيانا يراد بها أصول الدين وعقائده. واهتم الدكتور القرضاوي في هذا الفصل بتوضيح أن كلمه الدين في حد ذاتها لا تعني الإسلام وحده ولكن تعني أيضا كل ما يدين به الناس حقا كان أو باطلا.

وعرض الدكتور القرضاوي علاقة الدين بالإسلام مشيرا إلى أن ذكر كلمة دين مجردة من أي إضافة هي لا تعني الإسلام بل إن الإسلام جزء من كلمة الدين والدِّين هو الذي يحدد العلاقة بين الله سبحانه وخَلقه من المكلَّفين.

أما مفهوم كلمة (السياسة) لغويا فهي من ساس الشيء أي روضهُ وكذلك أفعال البشر التي تتَّصل بنشوب الصراع أو حسمه حول الصالح العام. وهناك أيضا مفهوم آخر ويعني أصول أو فن إدارة الشؤون العامة.

وكذلك عرض الكتاب في هذا الفصل لمعنى كلمه السياسة في التراث الإسلامي وكيف أنها لم ترد في القرآن الكريم واستطاع الرد على الذين يقولون بأن الإسلام لا يعترف بالسياسة لأنه لم يذكرها في القرآن الكريم بأنه قد لا يوجد لفظ ما في القرآن الكريم، ولكن معناه ومضمونه مبثوث في القرآن، فالقرآن وإن لم يجئ بلفظ (السياسة) جاء بما يدل عليها، وينبئ عنها، مثل لفظ (المُلك) الذي يعني حكم الناس وأمرهم ونهيهم وقيادتهم في أمورهم. وكذلك اهتم الكاتب بتعريف السياسة عند الفقهاء والحكماء والفلاسفة والأخلاقيين.

أما الباب الثاني من الكتاب فتناول العلاقة بين الدين والسياسة عند الإسلاميين والعلمانيين وكانت فكرة هذا الباب تدور حول الاتفاق على المبدأ هل العلاقة بين الدين والسياسة علاقة تضاد وتصادم أو هي علاقة تواصل.

فعند العلمانيين مثلا وجد الكاتب العلاقة تصادما دائما لأن الدين من الله والسياسة من الإنسان وهم دائما ينكرون فكرة التكامل مع الإسلام، أما مسألة الشمولية فهي فكرة متفق عليها بين علماء الإسلام لأن أغلبهم خاضوا السياسة بمعاركها مثل جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده.

وكذلك تناول فصل الدين عن السياسة مذكرا بالعبارة الشهيرة التي ابتدعها العلمانيون: "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدِّين" وناقشها أيضا. أما قضية الإسلام السياسي فقد فرد لها د.يوسف القرضاوي فصلا كاملا في هذا الباب مشيرا إلى أنها عبارة دخيلة على مجتمعنا الإسلامي مشيرا إلى أن الذين أطلقوها إنما أطلقوها للتنفير من مضمونها، ومن الدعاة الصادقين، الذين يدعون إلى الإسلام الشامل، باعتباره عقيدة وشريعة، وعبادة ومعاملة، ودعوة ودولة.

ورفض د.القرضاوي التقسيمات التي يقسمونها للإسلام سواء بحسب الأجناس أو الأقاليم أو المذاهب لأنه ليس هناك سوى إسلام واحد صحيح لم تشبه شائبة. وقال الكاتب إنه إذا ما تم تجريد الإسلام من السياسة فقد أصبح شيئا آخر غير الإسلام لأن الإسلام يوجِّه الحياة كلها ولأن شخصية المسلم شخصية سياسية أصلا.

وفي فصله الرابع من هذا الباب تحدث عن أن بعض العلمانيين يقولون بأن السياسة إذا ارتبطت بالدِّين، فإن الدِّين يقيدها، ويعوقها عن الانطلاق، وخصوصا إذا فُهم الدِّين على أنه التزام بالنصوص الجزئية والتفصيلية من الكتاب والسنة وكذلك الدين والسياسة وعلاقتهم بالجمود وما أثاروه من الشبهات التي رتَّبوها على صلة الدِّين بالسياسة من أن اللجوء إلى الدِّين في شؤون السياسة والحكم وإدارة الدولة، يصيب الحياة بالجمود، ويجعلها كماء البِرَك، لا تتطور ولا تتحسن ولا تتجدد، لأن طبيعة الدِّين (الثبات) وطبيعة الحياة (التغير). بل نـرى نصوص الدِّيـن تعتبـر كـل تغيير أو إحداث أو تجديد: بدعة في الدِّين، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ولهذا يجب على أهل الدِّين أن يقاوموها، ولا يسكتوا عليها ورد عليهم الشيخ القرضاوي بأن هذا الكلام يشتمل على كثير من الخلط والتلبيس لأن الإسلام يدعو إلى الاجتهاد والتجديد في الدِّين.

أما الباب الثالث الدِّين فهو عن الدولة في الإسلام فقد تناول معارضة العلمانيين لفكرة وجود دولة للمسلمين تتحدث باسمهم وترفع رايتهم باعتبار أن الإسلام مجرد رسالة روحية لا تتجاوز ذلك أما الإسلاميين فيرون أن وجود دولة في الإسلام فريضة لأن الإسلام عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، دين وسياسة، دعوة ودولة.

ويطرح الباب الرابع تساؤلا هاما: العلمانية.. هل هي الحل أو هي المشكلة؟ وأجاب الشيخ بأن العلمانية أصلا فكرة دخيلة على المجتمعات الإسلامية لفصل الدين عن المجتمع والدولة ولذلك فهي فكرة غريبة أو مستحدثة من الأساس وأشار إلى دعاوى الليبراليين التي تقول بأن العلمانية هي الحل أو هي العلاج لمعضلات مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وليس (الإسلام هو الحل) كما تنادي بذلك تيارات ضخمة في أوطاننا، فهذه دعوى متهافتة، ويكفي أنها مرفوضة من أغلبية الأمة، التي ترى فيها عدوانا على شريعتها، ومناقضة لمسلماتها ولأن العلمانية ظهرت أساسا للقضاء على مبدأ سلطان الكنيسة التي لا يعترف بها الإسلام أصلا فإنه لا حاجة للمسلمين بهذه العلمانية وخلص الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي إلى أن العلمانية كانت (حلاًّ) لمشكلة المجتمع الأوروبي، وكانت ضرورة ليصل إلى التحرُّر المنشود ولكنها عندنا ليست ضرورة، بل ضررا، وليست حلا بل مشكلة، واهتم الشيخ القرضاوي أيضا بعرض بعض وجهات النظر المتعلقة بنبذ العلمانية والميل إلى مبدأ العقلانية والديمقراطية لأنهما يتفقان مع مبدأ الإسلام وجوهره.

وفي الباب الخامس والأخير تناول الكاتب الأقليات الإسلامية والسياسية والوجود الإسلامي في الغرب ويرى فضيلة الدكتور القرضاوي أنه من الخير للمسلمين، ومن الخير للغربيين أن يكون هناك وجود إسلامي في الغرب، يتعامل الغربيون معه مباشرة دون وسيط، على خلاف ما يراه بعض المتشددين من المسلمين أنه لا يجوز الإقامة في هذه البلاد، كما لا يجوز الحصول على جنسيتها، التي يعتبرها من كبائر الإثم، ومع الاختلاط بالمجتمع الغربي يقول الكاتب بأنه لا بد أن يكون انخراطا كاملا ولكن دون ذوبان في النسيج الأوروبي بل يجب الحفاظ على الهوية المسلمة مع عدم الانفصال بعيدا عن المجتمع الذي يعيشون به مثل اليهود اللذين طالما استطاعوا الحفاظ على هويتهم داخل المجتمع المصري من خلال حارة اليهود في مصر.

وسيتم بث الكتاب على الموقع خلال شهر رمضان المبارك