ثورة السيارات اليابانية بدأت مـن السماء

حققت صناعة السيارات اليابانية في زمن قياسي معجزة اقتصادية غبر مسبوقة بعد الحرب العالمة الثانية، حولت تلك الدولة التي وقّع إمبراطورها على ورقة بيضاء أمام الجنرال الأميركي دوجلاس ماك أرثر كوثيقة لإنهاء الحرب، إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم خلال عقود.

ولعبت صناعة السيارات العامل الأكبر في التقدم الاقتصادي الياباني خلال النصف الثاني من القرن الماضي، خصوصاً بعد أن تمكنت الشركات اليابانية لصناعة السيارات عبر كل من «تويوتا»، و«هوندا»، و«نيسان» في زمنٍ قياسي من الدخول بقوة ضمن قائمة أفضل 10 شركات مصنعة للسيارات حول العالم ويعود الفضل في ذلك إلى بنود الاتفاقية التي وقعها إمبراطور اليابان التي فرضت حظراً على صناعة الطيران، ما دفع بمهندسي الطيران للتوجه إلى مصانع السيارات لنقل خبراتهم في صناعة محركات الطائرات إلى محركات السيارات، ما أسهم في النهضة الاقتصادية التي شهدها قطاع صناعة السيارات الياباني.

وساعد المئات من هؤلاء المهندسين في الطفرة الكبيرة التي شهدتها صناعة السيارات اليابانية عبر استخدام مهاراتهم في صناعة محركات الطائرات التي يجب أن تعمل بالكفاءة والجودة ذاتها في أعتى الظروف المناخية وتقل تلك الخبرات إلى صناعة محركات السيارات، ما أسهم في تحسين عاملي الجودة وخفض النفقات بصورة سمحت بطرح السيارات اليابانية بأسعار تنافسية أسهمت في زيادة أعدادها، إذ بلغ عدد السيارات في الشوارع اليابانية عام (1956) 1.78 مليون سيارة، ليتضاعف هذا الرقم خلال النصف الثاني من القرن الماضي ليصل إلى أكثر من 30 ضعفاً، ما أتاح الفرصة لمهندسي صناعة السيارات الجدد لاختبار حدود خبراتهم وقدراتهم الهندسية في مجالات التصميم والتصنيع والتطوير.

 

---

تاتسو هاسيجاوا و«تويوتا موتورز»

عمل هاسيجاوا كبيرا لمهندسي تصميم الجيل الأول لـ«تويوتا موتورز» المهندس الطيار تاتسو هاسيجاوا

تخرج المهندس الطيار تاتسو هاسيجاوا في كلية الهندسة بالجامعة الإمبراطورية في طوكيو عام ،1939 وأصبح هاسيجاوا كبيراً لمصممي الطائرة المقاتلة اليابنية كي 94 التي صممت بهدف التصدي خلال فترات الحرب العالمية الثانية للقاذفة الأميركية «بي 29»، وباعتباره خبيراً في تصميم الأجنحة تعلم كيفية التعامل مع مقاومة الهواء والتحكم في درجات خفض معدلات المقاومة إلى الحدود الدنيا، وبعد الحرب العالمية الثانية انضم تاتسو هاسيجاوا إلى مصانع «تويوتا» وأصبح كبير المديرين في «تويوتا موتورز»، إضافة إلى كونه كبير المهندسين الذين صمموا الجيل الأول لأسطورة تويوتا السيارة العائلية الصغيرة كورولا عام ،1966 لتستمر هذه الأسطورة في حصد النجاحات حتى وصلت إلى السيارة الأكثر مبيعاً في تاريخ صناعة السيارات عام 2007 بتخطيها حاجز الـ30 مليون سيارة.

وشرعت تويوتا عقب الحرب العالمية الثانية من خلال إدراك مؤسس «تويوتا موتورز» الياباني كيشيرو تويودا أهمية استخدام خبرات مهندسي الطيران اليابانيين في صناعة السيارات، في تعيين أكثر من 200 مهندس طيار ضمن معامل «تويوتا».

 

 

 

---

 

ابتكر شينشيرو ساكوراي الأسطورة «نيسان سكاي لاين» المهندس الطيار شينشيرو ساكوراي

شينشيرو ساكوراي و«نيسان موتورز»

حرصت الإمبراطورية اليابانية على إقامة صناعة طيران متطورة في اليابان وقادرة على منافسة الطائرات الغربية المتقدمة، حتى إنها وضعت ضمن أولياتها قبيل الحرب العالمية الثانية أمام الطلبة المهندسين الطيارين في الجامعة الإمبراطورية كل السبل في استيراد النظريات العلمية من شتى أرجاء العالم، لتحقيق صناعة طيران متقدمة، ما أتاح الفرصة أمام المهندس الطيار الخبير شينشيرو ساكوراي للاستفادة من العلوم والثقافات المختلفة في تعلم تقنيات صناعة الطيران، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية وبلوغ شينشيرو ساكوراي الـ76 من عمره، قام مع مجموعة من مهندسي الطيران بتأسيس شركة «برنس جيدوشا» لصناعة السيارات عام ،1952 التي اندمجت عام 1966 مع شركة «نيسان موتورز»، ما أتاح الفرصة للمهندس شينشيرو ساكوراي لابتكار «نيسان سكاي لاين» التي اعتبرت لاحقاً أسطورة «نيسان» في سباقات السرعة، خصوصاً سباقات الدراغ ريس وســـباقات «الدريفيتينغ».

 

 

---

 

يوشيو ناكامورا و«هوندا موتورز»

لم تختلف شركة هوندا عن شقيقاتها كبرى الشركات اليابانية، فقام مؤسس الشركة العملاقة لصناعة السيارات موشيرو هوندا بالتعاقد مع العديد من مهندسي الطيران ومن ضمنهم يوشيو ناكامورا الذي نقل خبرته من عالم الطيران إلى عالم سباقات السرعة، فأسهم ناكامورا في الفترة من 1964 حتى عام 1968 في انتاج سيارات «هوندا» التي دخلت منافساً قوياً ضمن سلسلة سباقات «الفورمولا 1» التي تعتبر من سلسلة السباقات الأغلى والأعرق في تاريخ رياضة السيارات.

الطرز الرياضية الأولى لـ «هوندا» حملت لمسات يوشيو ناكامورا يوشيو ناكامورا برفقة سائق «الفورمولا 1» روني بوكانوم.

وعلى الرغم من أن مؤسس «هوندا» كان يتمتع بسلطات مطلقة على جميع أرجاء شركته، إلا أن إبداع مهندس الطيران ناكامورا في تصميم سيارات رياضية جعل منه حالة خاصة في معامل «هوندا» فتحت المجال أمامه لمساحة من الحرية أسهمت في إبداع الطرز الرياضية الأولى لـ«هوندا» في عالم سباقات «الفورمولا 1»، التي أسست لتاريخ طويل من الإنجازات لقسمها الرياضي خلال مسيرته في بطولة العالم لسباقات «الفورمولا 1» التي انطلقت عام ،1950 تمكنت خلاله «هوندا» من تحقيق العديد من الانتصارات والبطولات، كان آخرها فوز البريطاني جينسون بوتون بسباق جائزة المجر لسباقات «الفورمولا 1» عام ،2006 إلا أن شهر العسل بين ناكامورا وهوندا لم يدم أكثر من ثلاث سنوات حتى دبت الخلافات الحادة بين الرجلين، والتي أدت إلى رحيل ناكامورا عن «هوندا».