يدعو الكثير من المسلمين، وربما لا يستجيب الله دعاءهم، إما لدفع شر عنهم قد يأتي من ظنهم الذي يظنونه فيما يدعون به، وإما لإحباط عمل أحبطته المعصية، فحجب عنهم القبول، فما هي محبطات العمل والتي ترفع إجابة الدعاء، وما هي الأشياء التي تأتي بالخير ويستجاب بها الدعاء.


وفي الدعاء أسرار وخفايا ربما تغيب عن كثير من المسلمين؛ ومن ذلك: الافتقار، والاضطرار، والإسرار، وأن تدعو ربك شاكيا إليه، مظهرا حاجتك لله ، مفتقرا إليه، فتأمل في دعاء موسى -عليه السلام- ماذا فيه؟ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [سورة القصص:24].


وصل موسى -عليه السلام- إلى مدين حافيا جائعا، طريدا خائفا، منهكا، متعبا، وبشهامته وحبه للخير، سقى للمرأتين قطيع الغنم كاملاً، وسط أولئك الرجال والرعاة، آوى إِلَى الظِّلِّ، في هذه الحالة من البؤس والافتقار والشدة، وهو يقول: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ محتاج إلى خيرك يا رب سرعان ما جاء الفرج، فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء [سورة القصص:25] وجاء معها المأمن والمأوى والمأكل والعمل والزواج والطمأنينة والبيئة الطيبة، والصهر الصالح.


وفي دعوة أيوب: "رب إني مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [سورة الأنبياء:83] ودعوة يعقوب -عليه السلام- يقول: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ [سورة يوسف:86].

ثلاثة لا يستجيب الله لهم

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يدعون الله، فلا يستجاب لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجلٍ مال فلم يشهد عليه، ورجل أعطى سفيهًا ماله".


وقد قال في تفسيره، العلامة المناوي في فيض القدير: "ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: "رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق" فلم يطلقها، فإذا دعا عليها لا يستجيب له، لأنه المعذب نفسه بمعاشرتها، وهو في سعة من فراقها.


"ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه"، فأنكره، فإذا دعا لا يستجيب له، لأنه المفرط المقصر بعدم امتثال قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) [البقرة:282].


"ورجل أعطى سفيهاً" أي: محجوراً عليه بسفهٍ "ماله" أي شيئاً من ماله، مع علمه بالحجر عليه، فإذا دعا عليه لا يستجاب له، لأنه المضيع لماله فلا عذر له، وقد قال تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) [النساء:5].

اظهار أخبار متعلقة

ثلاثة يستجيب الله دعاءهم

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده".


وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن وساق الحديث وقال فيه: "واتقِ دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب".


ومن هذه الإجابة قصة سعد رضي الله عنه مع أبي سعدة عندما قال لمن سأله عن سعد: "أما إذ نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق يغمزُهُن".

وخاصمت أروى بنت أويس سعيد بن زيد رضي الله عنه عند مروان ابن الحكم وادعت عليه أنه أخذ من أرضها، فقال: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”من أخذ شبراً من الأرض بغير حقه طُوِّقه إلى سبعين أرضين“ ثم قال: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واجعل قبرها في دارها، قال: فرأيتها عمياء تتلمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه“.


ويقول الشاعر:



وهناك ثلاثة أخرون بشر النبي بإجابة دعاءهم في حديث أخر عن أبي هريرة قال فيه: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويَفتَحُ لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين".

 دعوة المضطر:

 قال الله تعالى: {أمَّن يُجيبُ المضطَرَّ إذا دعَاهُ ويكشِفَ السُّوءَ}([15]).



من أقوى أسباب الإجابة الاضطرار حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فانحطت على فم الغار صخرة من الجبل أغلقت الغار عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله تعالى واسألوا الله بها لعله يفرجها عنكم، فدعوا الله تعالى بصالح أعمالهم فارتفعت الصخرة فخرجوا يمشون.

 دعوة من أصيب بمصيبة إذا دعا بالمأثور:

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أْجُرني في مصيبتي وأَخْلِف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها“. قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف لي خيراً منه.

هكذا تكون الاستجابة

أرسل شاب يدعى عمر من السودان بسؤال للداعية الإسلامي الدكتور عمرو خالد، يقول فيه: أدعو الله كثيرا.. ولا تحدث إستجابة.. ما الحل؟، أليس الله تبارك وتعالى وعد أن يستجيب الدعاء فأين هي إجابة الدعاء.

وأجاب خالد، في فيديو بثه عبر قناته على موقع "يوتيوب" قائلا: "في الحقيقة إن الله سبحانه وتعالى وعد بإجابة الدعاء، بل أنه تبارك وتعالى وعد وعود مؤكد على استجابة الدعاء فهو القائل على نفسه سبحانه وتعالى {إن الله لا يخلف الميعاد} وأيضًا {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} وكذلك {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلً} وأيضا {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}.. فوعود ربنا لا يخلفها أبدًا، فجزء كبير من ثقتك في الله ثقتك في وعوده".

وأضاف: "يجب أن تصدق على وعود ربنا سبحانه وتعالى لك.. أما عدم استجابة الدعاء لك فإن المولى عز وجل وعدك بالإجابة ولكن في الوقت الذي يختاره هو وليس في الوقت الذي تختاره أنت، فأنت العبد وهو تبارك وتعالى الإله فإياك أن تتهمه معاذ الله في ملكه فهذا الأمر سوء أدب مع الله.. فهو دون تردد وعد بإجابة الدعاء ولكن التوقيت عنده هو".

وتابع : "توقيت إجابة الدعاء عند الله سبحانه وتعالى لأنه قد يكون الخير أن لا يستجاب لك هذا الدعاء في الوقت الراهن وقد يكون الخير أن تتأخر إجابة الدعاء ولو سنين بعد ذلك ويكون هذا الأمر في مصلحتك أنت"، ضاربا مثلاً بقصة قصة سيدنا موسى عليه السلام وسيدنا الخضر والولدين اليتمين اللذان يملكان كنزًا تحت منزلهما ولا يستطيعوا العيش ولا الطعام فإذا وجدوا هذا الكنز الآن سيستولي عليها أهل القرية ولكن {أَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ}".

وأردف الداعية الإسلامي بالقول "يمكنك الآن استنتاج أن تأخير استجابة الدعاء لمصلتحك أنت لأنك لا تعلم الغيب والمولى عز وجل يعلمه.. فإياك أن تخطئ وإياك وإساءة الأدب مع الله"، مضيفا "ولكن هناك نقطة أخرى فقد يكون دعائك لأمر ما هو شر لك من الأساس فيقول المولى عز وجل في كتابه العزيز {وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا} فالإنسان مستجعل دائما يريد أن يستجب الله دعاء الآن ولكن الخير أن تتأخر".

ولفت خالد إلى أن ما يجب أن نتعلمه من هذا الأمر هو أن الله سبحانه وتعالى يستجيب الدعاء يقينًا {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}، مؤكدًا "كل ما تطلبه حصل .. فآلاف الدعوات في حياتنا حدثت بالفعل ولكن الشيطان ينسينا من أجل أن نظل لا ندرك أن في يدينا سلاح رائع في الحياة اسمه الدعاء.. فادعوا الله كثيرًا وإذا تأخرت الإجابة فهو خيرًا لك وإذا لم تحدث فسيحدث الأفضل منها لك ولكن أن يرد دعاءك من الله فالدعاء لا يمكن أن يرد"

وخلص  بالقول: "أنا شخصيًا لا يمكن أن أنسى عندما بدأت حياتي كداعية بدأت في نادي الصيد في مسجد صغير ملحق بالنادي وبعد ذلك تم إيقاف الدرس في النادي بكيت كثيرًا ودعوت الله حتى أعود إلى مسجد النادي مرة أخرى.. فإذا ظللت في نادي الصيد حتى وقتنا هذا كنت سأظل إنسان محدود وذلك لأنني كنت أنظر إلى الدنيا بمنظور ضيق جدًا .. فأنت لا ترى الخير لك ولكن المولى عز وجل مرتب لي أن أنتشر للعالم كله فكان ترتيبه تبارك وتعالى أنه يجب أن أرحل عن مسجد النادي"، مؤكدا أن الله سبحانه وتعالى يدبر لك الخير ودعاء لن يرد ولو ليس فيه خير لك سيرسل لك الأحسن منه إن شاء الله.. فاستمر في الدعاء وثق في الله وفي وعد الله لك".