شابٌ وسيم في الخامسة والعشرين من العمر، يرتدي بدلة سوداء، وساعةً فخمة انعكس بريقها على أعيننا جميعًا.
لكن ليس هذا ما جعل كل أنظارِنا تحدق فيه؛ بل جذبنا ذاك العطر الذي اخترق العقل قبل الأنف، فأصابه بشيءٍ أشبه بالإدمان!
(سيف باهر)، أحد الموظفين الجدد بالشركة، ومزيجٌ من الكاريزما والثقة والإنجاز والتفوق. لا يفلت أحدنا من (سيف) إلا ويقع أسيرًا تحت سطوة جاذبيته المميزة، وبتنا نعرف أنه إذا حضر الشركة، فكل الحديث يدور حول ومع (سيف)!
ربما أشعر بالاستياء من ذاك الجانب فيه قليلًا أو كثيرًا؛ فإنه يعشق لفت الانتباه أكثر من أي شيءٍ آخر.
تُرى، هل يُعَدُّ لفت الانتباه بهذه الشراهة أمرًا جيدًا؟ أَمْ أنه قد تحول إلى اضطراب؟!
ما هو لفت الانتباه؟
إن لفت الانتباه في علم النفس هو الرغبة في الحصول على تركيز الآخرين في شيءٍ ما، ربما يكون هذا الشيء شخصًا، أو منتجًا، أو موقفًا.
يسعى الأفراد للفت الانتباه للحصول على فائدة ما من وراء الأمر، مثل: الحصول على وظيفة، أو التسويق. ورغم محاولاتٍ جاهدة من الأشخاص لجذب الانتباه، إلا أنه لا ينجح الجميع في جذب الطرف الآخر.
أمثلة على صور لفت الانتباه:
- تحاول فتاةٌ صغيرة لفت انتباه والدها إلى صوتها الجميل في الغناء، فتأتي جواره وتغني بأعلى صوتٍ لديها.
- يسعى أحد الموظفين للفت انتباه مديره إلى اجتهاده، فيحَضِّر عرضًا تقديميًا عن إنجازاته خلال سنةٍ من العمل، ويعرضه عليه.
- تعمل إحدى الشركات على جذب انتباه العملاء، فتصمم إعلانًا تليفزيونيًا عن جودة منتجاتها، يُذاع على إحدى القنوات المشهورة.
إذن، يُعَدُّ لفت الانتباه من أحد الأساليب الضرورية في الحياة، فما هي استراتيجيات جذب الانتباه؟
أساليب جذب الانتباه
توجَد عدة استراتيجيات لجذب انتباه الآخرين، تختلف الأساليب من مجالٍ لآخر، لكن تجتمع في عدة نقاط كالتالي:
ادرس هدفك جيدًا
حتى ينجح جذبك لانتباه الطرف الآخر، يجب أن تدرس كل ما يلفت انتباهه بشكلٍ جيد.
أمثلة:
- تعرف الفتاة الصغيرة أن والدها يحب سماع أناشيدٍ بعينها. وحتى تجعله يتنبه إلى صوتها في الغناء، فهي تغني أحد الأناشيد التي يحب.
- يعلم الموظف أن مديره من النوع الدقيق الباحث عن الإنجازات السريعة، لذلك قد أعدَّ له عرضًا تقديميًا عن إنجازاته.
- تدرك الشركة التي ذكرناها سابقًا أن شريحةً كبيرة من الناس تشاهد هذه القناة المشهورة، لذلك أذاعت إعلانها عليها.
نوِّع أساليب الجذب
إنه من المفيد أن تُنوِِّع من صور جذب الانتباه، حتى لا يملَّ هدفك، أو تفقد بريقك أمامه.
مثال:
يريد شابٌ أن يحصل على وظيفة ما في إحدى الشركات، فيجتهد في عمل الآتي:
- يكتب سيرته الذاتية بمهارة، ويرسلها إلى فريق الموارد البشرية ليحصل على مقابلة شخصية.
- لا يحاول الشاب فقط أن يبهر المحاور بمهاراته في أثناء المقابلة؛ بل يضع خطة خمسية -تُنفَّذ في خمس سنوات- للشركة تضمن لها نجاحًا مميزًا، ويتمكن في أثناء المقابلة من الحصول على رقمه الخاص.
- ثم يحاول بعد المقابلة بعدة أيام أن يتصل هاتفيًا بالمحاور، ليخبره بتقنياتٍ جديدة توصل إليها في تنمية الشركة.
قد استخدم صاحبنا عدة أساليب -السيرة الذاتية، والخطة الخمسية، والاتصال الهاتفي- في جذب انتباه الهدف، والحصول على الوظيفة.
انتبه كي يُنتبَه إليك
عندما تهتم بأمور أحدهم، يجعله هذا ينتبه إلى أمورك أيضًا؛ فمثلًا: اهتمامك بشؤون أختِك الصغيرة سيؤدي إلى انجذابها إليك.
كن مميزًا
قد يحاول بعض الأشخاص لفت الانتباه عن طريق تقليد الآخرين الذين تميزوا وانتبه الناس إليهم، لكن هذه الاستراتيجية ليست ناجحة؛ إن قدرتك على لفت الانتباه تكمن في تميُّزك بطريقتك الخاصة.
مثال:
تحاول شركتان متنافستان أن تلفتا انتباه العملاء إلى منتجاتهما، فتتجهان إلى تقليد بعضهما البعض في الدعايا. يتمكن الجمهور حينها من اكتشاف الأمر، مما يجعله يفقد الثقة في الشركتين.
ويبقى السؤال الأهم: “هل يمكن أن يُصاب المرء بمرض لفت الانتباه؟”.
مرض لفت الانتباه
أجل، يمكن أن يُصاب المرء بمرض لفت الانتباه، أو ما يُدعَى بـ”اضطراب الشخصية الهستيرية – Histrionic Personality Disorder”.
يعاني هؤلاء الأشخاص قلة الثقة في النفس، إلى الحد الذي يجعلهم يقتاتون على مديح واهتمام الآخرين، عن طريق لفت انتباههم بأي شكل ممكن.
وتُعَدُّ النساء أكثر عرضة للإصابة باضطراب الشخصية الهستيرية من الرجال.
أسباب مرض لفت الانتباه
لا يوجَد سبب واضح للإصابة بمرض لفت الانتباه، لكن قد تؤدي عدة عوامل إلى الإصابة به، مثل:
- العوامل الوراثية.
- العوامل البيئية التي تدفع الفرد إلى اكتساب هذا السلوك، مثل: إهمال الوالدين للطفل (مما يجعله يبتكر أي حيلةٍ لجذب انتباههم)، وفقدان النظام، والحرية المطلقة للأبناء.
أعراض مرض لفت الانتباه
يتمتع المصاب باضطراب الشخصية الهستيرية بمهارات اجتماعية ممتازة، تُمَكِّنه من لفت انتباه الآخرين والبقاء تحت الأضواء.
هذا بالإضافة إلى بعض الصفات الأخرى، مثل:
- الاهتمام الشديد بالمظهر الخارجي، وارتداء الملابس الملفتة.
- الشعور بالارتباك والضيق، في حالة بعده عن مركز الاهتمام.
- التقلبات المزاجية السريعة.
- الشعور السريع بالملل، خاصةً مع اتباع أي نظام لفترةٍ طويلة.
- عدم إنهاء المهام التي تتطلب وقتًا كبيرًا.
- صعوبة في إقامة علاقات صادقة وناجحة.
- القدرة على التمثيل، وسرد القصص الممزوجة بالمشاعر الفياضة، للتمكن من التأثير في الآخر.
- الكذب للفت الانتباه.
- الاهتمام بالذات فقط، وعدم الانتباه إلى الآخرين.
- السعي المستمر وراء كلمات المديح.
- الحساسية تجاه النقد.
- التأثر بالآخرين ونظراتهم وآرائهم.
- التسرع في اتخاذ القرارات.
- قد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى التهديد بالانتحار للفت الانتباه.
مضاعفات مرض لفت الانتباه
قد يؤثر تمحور الفرد حول ذاته -والتركيز على الأضواء دون الاهتمام بالآخر- في علاقاته الاجتماعية والمهنية والشخصية. بل قد يصبح الشخص أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
للمزيد: كل ما تريد معرفته عن علاج التوتر والقلق النفسي
علاج مرض لفت الانتباه
تكمن الخطوة الأولى لعلاج وتعديل سلوك لفت الانتباه في اعتراف الفرد بالاضطراب الذي يعانيه، قد يجد صعوبة في البداية كي يستمر مع الطبيب، ويمكن أن يشعر بالملل.
لكن، يمكن أن ينجح الأمر في حالة صبر المريض واجتهاده مع الطبيب.
ينقسم العلاج إلى:
العلاج النفسي
يُعَدُّ العلاج النفسي من أكثر الطُرُق فعالية في تعديل سلوك لفت الانتباه. يبدأ الطبيب في التحدث إلى المريض عن ماهية الأمر وأسبابه، ثم يتفاعل المريض بدوره واصفًا مشاعره ودوافعه لجذب الانتباه.
وبمرور الوقت، يتمكن المريض من إدراك الصواب من الخطأ في هذه القضية، ويتعلم كيفية إقامة علاقات ناجحة مع الآخرين، علاقات ليست قائمة على المديح أو لفت الانتباه.
العلاج بالأدوية
يصف الطبيب مضادات الاكتئاب أو مضادات القلق للمريض في حالة إصابته بالاكتئاب أو القلق.
لفت الانتباه، هذا السلوك الذي يحاول انتهاجه كثيرٌ من الناس، إنه أمرٌ جيد إذا استخدمناه بمعدلٍ ملائم لطبيعة الموقف.
أما إذا تحوَّل إلى سلوك اعتيادي لا يستريح الفرد إلا بفعله، فهنا يكون قد وصل إلى مرحلة الاضطراب.
لذلك، يجب أن نقلل من محاولات جذب الانتباه غير الضرورية، أو نتجه إلى الطبيب النفسي إذا لم نتمكن من السيطرة على هذا السلوك، من أجل أن ننعم بحياةٍ سوية، وعلاقات اجتماعية صحية.