Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

لا تقُلْ: اشتاقتْ لكَ العافيةُ..!!

لا تقُلْ: اشتاقتْ لكَ العافيةُ..!!

السائل (إحسان): السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أسعد الله أوقاتكم بكل خير.

A A

السائل (إحسان): السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أسعد الله أوقاتكم بكل خير.
أرجو من الأفاضل التكرّم بالإجابة عن سؤالي: هل يصح قول «اشتاقت لك العافية» أو : «تشتاق لك العافية» كردٍّ على مَن يقول: «اشتقنا لك»، وجزاكم الله خيرًا.
الفتوى 144: هذه الجملة جملة طلبية، يُراد بها الدعاء، وإن كانت في صورة خبر، وهي أشبه بالدعاء على المخاطب من الدعاء له، وليست من الألفاظ المأثورة، بل من العبارات المشتهرة على ألسنة العوامّ، يريدون بها الخير والدعاء، وقد تخرّج بتكلّف على مخارج حسنة بوجوه من المجاز، ولكن لا حاجة إلى تكلّف التأويل والتخريج لعبارة قد يكون قائلها الذي قالها أول مرّة قالها عن غفلة، والمرء إذا دعا وأخطأ في قصده؛ لغفلته أو ضعف فهمه، أو ضعفه في الإعراب، لا يُؤاخذ بما قال، والعبرة بما قصده ونواه، ويُروى عن الإمام الشافعي: أن امرأة عادته في مرضه (وكان رحمه الله مِمراضًا)، فقالت له: الله يُشفيك، بضم الياء، قال: اللّهم بقلبها لا بلسانها، لأن (يُشفي) مضارع (أشفى)، والهمزة للإزالة، فيئول معناه إلى: أزال الله الشفاء عن جسدك، ولم تقصده المرأة، بل هناك ما هو أكبر من ذلك، وهو ما جاء في خبر ذلك الرّجل الذي ضلّت به راحلته، وعليها زاده ومتاعه، فلما يئس منها أوى إلى ظل شجرة، وقد بلغ من الجهد مبلغًا، فلمّا أفاق قال: اللّهم أنت عبدي وأنا ربك، فلم يُؤاخذه الله بما قال، بل حُسب ذلك له، لأن خطأه كان عن فرح بنعمة الله، عن اغتباط وشكر رفرفا على وجدانه فغاب عنه قيد الفكر.
ولو قالها عامدًا لكان أكفر الكافرين.
ولنعد -الآن- إلى العبارة المسؤول عنها (اشتاقت لك العافية)، ووجه الاعتراض عليها، أن الشوق إنما يكون إلى غائب، فإذا قالها قائل لمن كان معافىً من العلل والبلاء صارت كالدعاء عليه بأن يبعدها الله عنه لتشتاق إليه، ولعل أوّل مَن قالها قالها لمريض، فتنوسي أصل الإطلاق، وتوسع الناس فيها فأطلقوها على السقيم والصحيح، والشوق كما جاء في معاجم اللغة: نِزاع الشيء إلى الشيء وحركة الهوى، ويُقال في اللّغة: اشتاقه، واشتاق إليه، وسئل بعضهم: ما دليل الشوق؟ قال: الطلب.. وأمّا العافية: فهي السّلامة من العلل والبلاء، وفي كتاب الفروق لأبي هلال العسكري: (الفرق بين الصّحة والعافية: أن الصحة أعم من العافية)، وجعل العافية في مقابل المرض، وجعل الصحة في مقابل المرض وغيره، فيقال: قول صحيح، وبدن صحيح. هكذا قال، وما أظنه أصاب الصّواب فيما قال، والأظهر أنّ بين الصّحة والعافية عمومًا وخصوصًا وجهيًّا، فيلتقيان في البدن فيقال: بدن صحيح معافى، ثم ينفرد كل منهما بوجوه، فإن العافية تقابل المرض وغيره، والصحة في البدن وغيره، وكتاب (الفروق) غير محرّر، ولهذا يقع فيه هذا وأمثاله.
والحاصل: أن قولهم: اشتاقت لك العافية، قول يجب اجتنابه، ومن أحسن ما يقوله بعض الناس مكان هذا لمن أخبر عن شوقه: اشتاقت لك الجنة.. جعلنا الله جميعًا من أصحابها.
m– a– [email protected]