ما يحرم من الذبيحة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما هي الأجزاء المحرَّم أكلُها من الذبيحة؟

الجواب:

المتفق عليه مما يحرم من الذبيحة خمسة أشياء:

الأول: هو الدم سواءً المسفوح منه أو المتخلِّف في الذبيحة إلا انْ يكون مستهلكاً، والثاني: هو الفرث وهو الروث سواءً الخارج منه أو المتخلِّف في الأمعاء والمعدة والثالث: هو الطحال، والرابع: هو القضيب، والخامس: هو الأنثيان، وهما البيضتان للذكر.

فهذه الخمسة من الذبيحة وقع الاتفاق على حرمتها، وأفاد صاحب الجواهر أنَّ حكاية الإجماع بقسميه على حرمتها مستفيض، وكذلك أفاد النراقي فى المستند أنَّ نفي الخلاف ودعوى الإجماع مستفيضة.

حكم الدم المتخلف في الذبيحة:

ويدل على حرمة الدم الأعم من المسفوح والمتخلِّف قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾(1) ولا يُنافيه ما ورد في قوله تعالى: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾(2) حيث قيَّد فيه الدم المحرَّم بالمسفوح، فتكون الآية بمقتضى مفهوم الوصف ظاهرةٌ في عدم حرمة الدم المتخلِّف في الذبيحة.

فإنَّ توصيف الدم المحرَّم بالمسفوح في الآية المباركة لا يقتضي أكثر من الظهور في انتفاء الحكم بالحرمة عن طبيعي الدم بمعنى أنَّ الدم بما هو ليس محرماً على إطلاقه، ولذلك لو قيل إنَّ الدم بما هو محرم لكان ذلك مقتضياً للغوية التقييد في الآية بالمسفوح، وأما أنَّ التقييد بالمسفوح يقتضي عدم حرمة حصةٍ اخرى من الدم بوصفٍ آخر فذلك غير ظاهرٍ من الآية. فالتقييد بالمسفوح انَّما هو إحترازٌ عن طبيعي الدم وليس إحترازًا عن كلِّ حصةٍ اخرى من الدم قد تثبت لها الحرمة لسببٍ ما.

وبتعبير آخر: إنَّ منشأ البناء على ظهور الوصف في المفهوم هو أنَّه لولم يكن له مفهوم للزم لغويَّة الوصف، وهذه اللغوية تنتفي لو كان لذكر الوصف دلالةٌ على إنتفاء الحكم عن طبيعي الموضوع، ولا يتعيَّن من ذكر الوصف الدلالة على إنتفاء طبيعي الحكم "الحرمة" عن الفاقد للوصف وإنْ كان واجداً لوصفٍ آخر كان سبباً في جعل الحرمة للموضوع، ولهذا لانجد تنافياً بين الخطاب بحرمة الدم المسفوح والخطاب بحرمة الدم المصاحب للمشيمة مثلاً، نعم هناك تنافٍ بين الخطاب بحرمة الدم المسفوح والخطاب بحرمة مطلق الدم كيفما إتفق، اذ لا معنى لتقييد المحرَّم بالدم المسفوح والحال انَّ مطلق الدم محرَّم.

ولمزيدٍ من التوضيح نذكر هذا المثال وهو انَّه لوجاء خطابٌ من المولى بأنْ لا تُكرم الرجل الفاسق، فإنَّ الظاهر من هذا الخطاب انَّ الحرمة ليست ثابتة لمطلق الرجل وإلا للزم لغويَّة التقييد بالفاسق، ولهذا لو جاء خطابٌ آخر مفاده حرمة إكرام مطلق الرجل لكان ذلك منافياً للخطاب الأول ومستلزماً للغويَّته، وأما لو جاء خطابٌ آخر مفاده حرمة إكرام الرجل الأحمق مثلاً فإنَّه لا نجد تنافياً بينه وبين الخطاب الأول، لأنَّ جعل الحرمة على إكرام الرجل بوصف كونه فاسقاً لا ينافي جعل الحرمة على إكرام الرجل بوصف كونه أحمقاً، ومنشأ ذلك انّ التقييد الأول كان إحترازاً عن طبيعي الرجل بما هو وكيفما اتفق، ولم يكن إحترازاً عن الرجل حتى وإنْ كان متَّصفاً بوصفٍ خاص ويكون منشأ النهي عن إكرامه هو هذا الوصف.

وهكذا هو الحال بالنسبة لتقييد الدم في الآية بالمسفوح فإنَّه ظاهرٌ في الإحتراز عن طبيعي الدم، فمفاد الآية انَّه ليس كلُّ دمٍ فهو محرم، فالآية فيها إثبات ونفي، أما الإثبات فمستفاد من منطوقها وهو حرمة الدم المتَّصف بالمسفوح، وأما ماتنفيه الآية فهو الحرمة عن طبيعي الدم، فهذا هو مقدار ماتنفيه الآية بمقتضى المفهوم، فهي لا تنفي إمكانية انْ تثبت الحرمة للدم بوصفٍ آخر غير المسفوح، ولهذا لو قام دليل على حرمة الدم بوصف كونه من الدم المُراق مثلا فإنَّ الآية لا تكون منافية لهذا الدليل.

وحيث قامت الأدلة على حرمة الدم المتخلِّف في الذبيحة فالمتعيَّن هو إعتماد حرمته لعدم إقتضاء تقييد الدم بالمسفوح في الآية لنفيه او إثباته.

قد يقال إنَّ الدم إما أن يكون مسفوحاً او متخلِّفاً في الذبيحة، فإذا ثبتت الحرمة للمتخلِّف مضافاً للمسفوح فإنَّ مقتضى ذلك هو ثبوت الحرمة لمطلق الدم وهو ما يُنافي تقييد الدم في الآية بالمسفوح.

وجواب ذلك أنَّ دم الحيوانات غير ذات النفس السائلة كدم الأسماك ليس من الدمين على انَّ المراد من الدم المتخلِّف هو الدم الكثير المتخلِّف في أحشاء الذبيحة أو الذي يسيل من عروقها عند رفعها مثلاً وأما الذي يبقى في العروق أو المختلط باللحم فهو من غير المتخلِّف.

ثم إنَّ هنا اشكالاً آخر حاصله: إنَّ ظاهر قوله تعالى: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ هو حصر المحرمات فيما هو مذكور في الآية، وذلك لدلالة النفي والإستثناء المقتضي كما هو ثابتٌ في محلِّه للحصر، فيكون المحرم من الدم بناءً على ذلك هو خصوص الدم المسفوح دون غيره.

والجواب أنَّ الحصر الحقيقي غير مرادٍ جزماً من الآية المباركة، وذلك للقطع بحرمة امورٍ كثيرة في الشريعة غير المذكورة في الآية نصَّت على حرمتها آياتٌ اخرى وكذلك السنة الشريفة كلحوم السباع والخمر وغيرها، وبه يتعيَّن بمقتضى هذه القرينة القطعية انَّ الحصر في الآية ليس حصراً حقيقاً وانَّما هو حصرٌ إضافي كأن يكون الحصر بالاضافة إلى ما يتوهم عرب الجاهلية حرمته، فهم كانوا يُحرِّمون على أنفسهم مثلا البحيرة والوصيلة كما نصَّ على ذلك القران الكريم، فمفاد الآية انَّه ليس فيما حرَّمه الله فيما ترون حرمته غير هذه المذكورات في الآية. واستيفاء البحث في ذلك له محلٌّ آخر.

ثم إنَّه من غير المستبعَد بل هو المستَظهَر عرفاً أنَّ الدم المسفوح لا يختص بالدم الخارج من الأوداج حين الذبح بل هو شامل لمطلق الدم المصبوب كما أفاد ذلك اللغوِّيون والمفسِّرون، فيكون الدم المسفوح في مقابل الدم المختلط باللحم أو المتبقِّي في العروق والأوردة الدقيقة ولا يسيل برفع الذبيحة، وعليه يكون الدم الكثير المتخلِّف في أحشاء الذبيحة أو الذي يسيل من العروق بتحريك الذبيحة أو رفعها يكون من الدم المسفوح، فلا إشكال في البين أساساً.

حكم الفرث:

وأما حرمة الفرث فلكونه من الخبائث، وقد نصَّت على حرمته مرسلة ابن أبي عمير الآتية والمعتبرة، وتؤيد ذلك مرسلة الصدوق قال: قال الصادق (ع): في الشاة عشره أشياء لا تُؤكل: الفرث والدم والنخاع والطحال والغدد والقضيب والأُنثيان والرحم والحياء والأوداج"(3).

وكذلك مرسلة محمد بن جمهور عمَّن ذكره عن أبي عبد الله (ع) قال: حُرِّم من الذبيحة عشرة أشياء وأُحلَّ من الميتة (عشرة أشياء) فأما الذي يحرم من الذبيحة: فالدم والفرث والغدد والطحال والقضيب والانثيان والرحم والظلف والقرن والشعر"(4).

حكم الطحال:

وأما الطحال فالرويات في تحريمه مستفيضة:

منها: معتبرة الحلبي قال: قال أبو عبد الله (ع): "لا تأكل الجري، ولا الطحال"(5).

ومنها: معتبرة محمد بن مسلم، قال: أقرأني أبو جعفر (ع) شيئاً من كتاب علي (ع)، فاذا فيه: أنهاكم عن الجري، والزمير والمارماهي، والطافي، والطحال، الحديث(6).

ومنها: معتبرة سماعة، عن أبي عبد الله (ع)، قال: لا تأكل الجريث، ولا المارماهي، ولا طافيًا، ولا طحالاً، لانَّه بيت الدم، ومضغة الشيطان"(7).

ومنها: ما ورد في سياق تعداد ما يحرم من الذبيحة مما سيأتي بعضه.

وأما القضيب والأنثيان:

فيدلُّ على تحريمهما مثل معتبرة إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (ع) قال: "حُرِّم من الشاة سبعة أشياء: الدم، والخصيتان، والقضيب، والمثانة، والغدد، والطحال، والمرارة"(8)، وكذلك فإنَّ تمام الروايات التي تصدَّت لتعداد ما يحرم من الذبيحة عدَّت منها القضيب، والأنثيين، وكذلك عدَّت منها الطحال.

المثانة والمشيمة والمرارة:

وثمة أجزاء من الذبيحة لم يقع الإتفاق على حرمتها وإنْ وُصف الحكم بحرمتها بالمشهور وهي المثانة (مجمع البول)، والمشيمة (موضع الجنين)، والمرارة، وهي الكيس المعلَّق مع الكبد المشتمل على ما يُعبَّر عنه بالمرَّة الصفراء.

واستدلَّ بعضُهم على حرمة الثلاثة بأنَّها تُعدُّ من الخبائث إلا انَّ ذلك ليس محرَزاً في مثل المثانة، وكذلك المرارة، فإنَّها غير مستقذَرة وإنْ كانت مستبشعة وغير مستساغة الطعم لمرارتها، فالأولى هو الإستدلال على حرمة المثانة والمرارة بالروايات مثل معتبرة إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة حيث اشتملت على المثانة والمرارة.

وأمَّا المشيمة فاستُدلَّ على حرمتها بما رواه الصدوق بسندٍ معتبر عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا، عن ابي عبد الله (ع) قال: "لا يُؤكل من الشاة عشرة أشياء: الفرث والدم والطحال والنخاع والغدد والقضيب والانثيين والرحم والحياء والاوداج او قال: العروق"(9).

فالرواية وإنْ كانت مرسلة الا انَّ ذلك لا يضرُّ بحجيتها بعد ان كان مُرسِلُها ابن أبي عمير الذي بنى المشهور على حجيَّة مراسيله، ومورد الإستدلال بالرواية على حرمة المشيمة هو عدُّ الرحم من محرَّمات الذبيحة في الرواية، والمراد من الرحم الوارد في المرسلة هو المشيمة كما قيل الا انَّ الأمر ليس كذلك، فالمشيمة ليست هى الرحم، فالرحم هو الموضع الذي يتكوَّن فيه الجنين، وهو من الأجزاء الثابتة في الأنثى قبل الحمل والولادة وحينهما وبعدهما، وأما المشيمة فهي تتكون مع كلِّ حمل وتسقط عند كل ولادة، وهي كيس رقيق يكون فيه الجنين، وعليه فمرسلة ابن ابي عمير لا تصلح لإثبات حرمة المشيمة.

نعم نصَّت على حرمة المشيمة رواية إسماعيل بن مرار عنهم (ع) قال: "لا يُؤكل مما يكون في الابل والبقر والغنم وغير ذلك ممَّا لحمه حلال: الفرج بما فيه ظاهره وباطنه والقضيب والبيضتان والمشيمة وهي موضع الولد والطحال لانَّه دم والغدد مع العروق والمخ الذي يكون في الصلب والمرارة والحدق والخرزه التي تكون في الدماغ والدم"(10).

والرواية معتبرة وليس فيها إشكال إلا من جهة إسماعيل بن مرار، فهو لم يرد فيه توثيق صريح إلا انَّه يكفي للحكم بوثاقته وقوعه في أسناد تفسير علي بن ابراهيم القمي، ويؤيد ذلك وصف محمد بن الحسن بن الوليد -كما أفاد الشيخ الطوسي- كتب يونس بن عبد الرحمن كلها بالصحيحة والمعتمدة الا ما ينفرد به محمد بن عيسى بن عبيد(11)، وروايات إسماعيل بن مرار عن يونس تفوق المائتن، فالطرق إلى كتب يونس المشتملة على إسماعيل داخلة في عقد المستثنى منه الموصوفة من قِبَل ابن الوليد بالصحيحة والمعتمدة فيكون ذلك توثيقاً ضمنياً من ابن الوليد لإسماعيل بن مرار.

فالرواية معتبرة فتكون صالحة لإثبات حرمة المشيمة، وكذلك فإنَّ مقتضاها هو البناء على حرمة الفرج ظاهره وباطنه، والغدد، والمخ الذي يكون في الصلب وهو المُعبَّر عنه بالنخاع الشوكي الذي يكون في وسط فقرات الظهر، وهو مثل خيطٍ أبيض ممتدٍ من الرقبة إلى أصل الذنب، ويحرم أيضا بمقتضى معتبرة إسماعيل حدقة العين، وهي الحبَّة الصلبة الناظرة دون شحمة العين، وتحرم كذلك الخرزة التي تكون في الدماغ.

وتدلُّ على حرمة الفرج -مضافاً إلى معتبرة اسماعيل بن مرار- مرسلة ابن أبي عمير حيث عدَّت من محرمات الذبيحة الحياء، ومعنى الحياء هو الفرج، وعدَّت الرحم من محرمات الذبيحة، والظاهر هو المقصود من باطن الفرج في معتبرة إسماعيل، ونصَّت على حرمة الحياء والرحم مرسلةُ الصدوق، وعلى حرمة الرحم مرسلة محمد بن جمهور.

وتدلُّ على حرمة الغدد -والتي هي منتشرة في الجسم وتكون مدورة على هيئة البندقة- مضافاً إلى معتبرة إسماعيل تدلُّ عليه معتبرة إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة، ومرسلة ابن ابي عمير، وتؤيده مرفوعة الواسطي عن أمير المؤمنين (ع) حيث عدَّت الغدد ضمن ما نُهي عنه من أجزاء الذبيحة وكذلك غيرها من الروايات.

النخاع والحدقة والخرزة:

وأما المخُّ الذي يكون في الصلب المُعبَّر عنه بالنخاع الشوكي فنصَّت على حرمته مضافاً إلى معتبرة إسماعيل معتبرةُ أبان بن عثمان قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع) كيف صار الطحال حراماً وهو من الذبيحة؟ .. إلى انْ قال: فقلتُ فكيف حرم النخاع؟ قال: "لأنه موضع الماء الدافق من كلِّ ذكر وانثي، وهو المخ الطويل الذي يكون في فقار الظهر"، قال أبان: ثم قال أبو عبد الله (ع): "يكره من الذبيحة عشرة أشياء منها: الطحال والانثيان والنخاع والدم والجلد والعظم والقرن والظلف والغدد والمذاكير"(12).

ونصَّت على حرمة النخاع أيضاً مرسلة ابن أبي عمير ومرفوعة الواسطي ورواية أنس بن محمد وغيرها.

وأما حدقة العين والخرزة التي تكون في الدماغ فالروايات التي وقفنا عليها خالية من عدها في محرمات الذبيحة إلا معتبرة إسماعيل بن مرار، وهي كافية لإثبات الحرمة كما اتَّضح مما تقدم، وقد أفتى بحرمتهما العديد من الفقهاء مثل الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف وفي كتاب النهاية ومثل القاضي ابن البراج في المهذب وابن حمزة في الوسيلة وابن ادريس الحلِّي في السرائر وغيرهم.

حكم العلباء:

بقي البحث عما يُعبَّر عنه بالعلباء، وكذلك ذات الأشاجع، والأوداج والجلد، والعظم.

أما العلباء وهما عصبان غليظان يضربان إلى الصفرة ممتدَّان على الظهر من الرقبة إلى الذنب ويُعبَّر عنهما بالعلباوين، فالتي نصَّت على حرمته من الروايات هي مرسلة ابن أبي عمير التى رواها الكليني بسنده عنه عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: "لا يُؤكل من الشاة عشرة أشياء: الفرث والدم والطحال والنخاع والعلباء والغدد والقضيب والأنثيان والحياء والمرارة"(13).

وفي طريق الكليني إلى ابن ابي عمير سهل بن زياد، فتكون المرسلة بسببه غير معتبرة، وعليه فلم تثبت حرمة العلباء، نعم بناءً على دخول العلباء تحت عنوان الأوداج -كمااحتمله البعض- تثبت حرمة العلباء نظرًا لعدِّ مرسلة ابن ابي عمير من طريق الصدوق الأوداج في محرمات الذبيحة، فإنْ ثبت ذلك والا فلا دليل على حرمة العلباء إلا أنْ يُقال بحجيَّة مرسلة ابن ابي عمير من طريق الكليني باعتبار عمل المشهور بمفادها، فيكون ذلك جابراً لضعف سندها، والأمارة على عملهم بالمرسلة هو أنَّ عدَّ العلباء من محرَّمات الذبيحة لم يرد في غير مرسلة ابن أبي عمير من طريق الكليني، إلا انَّ ثبوت عمل مشهور القدماء بالمرسلة غير مُحرَز، فالسيد المرتضى والمفيد وسلار وأبو الصلاح الحلبي وابن زهرة لم يذكروا انَّ العلباء من محرَّمات الذبيحة رغم تصديهم لعدِّ مايحرم من الذبيحة، نعم عدَّه من محرمات الذبيحة الشيخ الطوسي وابن البراج وابن حمزة وابن ادريس، وذلك لا يكفي لإحراز شهرة العمل من قبل المشهور بل انَّ من غير المُحرَز ثبوت الشهرة بين المتأخربن.

ثم إنَّه لا يتعيَّن من إفتاء جماعة من الفقهاء بحرمة العلباء انَّ مستندهم هو مرسلة ابن ابي عمير، فلعل مستَند فتواهم بالحرمة هو ما يترتَّب -بحسب اعتقادهم- على تناول العلباء من ضرر، ويؤيِّد ذلك أنَّ العلباء لم يكن مما يؤكل من الذبيحة عند العرب كما يظهر من أدبياتهم، وكانت العرب تشدُّ به الرماح اذا تصدَّعت وتتخذ منه مقابض للسيوف والسكاكين، وتشدُّ به على أجفان السيوف ومنه الحديث: لقد فتح الفتوح قومٌ، ما كانت حليةُ سيوفهم الذهب والفضة، إنَّما كانت حليتها العلابي والآنك، فالعلباء لقساوته لا يُؤكل، فهو لا يُمضغ ولا يهُضم، فلعلَّه نشأ عن ذلك الاعتقاد بكونه مضراً، فكان ذلك هو مستند الحرمة عندهم او عند بعضهم فينتفي إحراز الاستناد إلى المرسلة.

حكم ذات الأشاجع:

وأما ذات الأشاجع وهي اصول الأصابع التي تتصل بعصبِ ظاهرِ الكف، والمقصود منها في الحيوان ما جاوز الظلف من الأعصاب كما أفاد الشهيد الثاني في المسالك، فقد أفتى الكثير من الفقهاء بحرمتها رغم انَّ النصوص خالية من ذكرها الا أنْ يكون المراد من الأوداج الواردة في مرسلة ابن أبي عمير هي نفسها ذات الأشاجع كما احتمله البعض، وحينئذ تثبت له الحرمة، ولعلَّ منشأ تحريم ذات الأشاجع هو دخولها تحت عنوان الأعصاب والتي قيل إنَّها من الأوداج ومجمع العروق، وحينئذ تكون محرمة لحرمة الأوداج بمقتضى مرسلة ابن ابي عمير وإلا فلا دليل عل حرمة ذات الأشاجع.

حكم الأوداج:

وأما الأوداج فلم نجد من الفقهاء من نصَّ على حرمتها غير الصدوق في المقنع رغم عدِّها من محرمات الذبيحة في مرسلة ابن أبي عمير التى رواها الصدوق بطريقٍ معتبر، وكذلك وردت الأوداج في معتبرة إسماعيل بعنوان العروق حيث انَّ المراد منهما واحدٌ ظاهراً، وكذلك نصَّت على حرمة الأوداج مرسلة الصدوق في الفقيه.

والمراد من الأوداج ظاهراً هي العروق الغليظة، ويُعبَّر عنها بالجداول التي يجري فيها الدم، وهي مكتنفة لتمام الجسم، ومنها الودجان اللذان يُقطعان حين الذبح.

حكم العظم والجلد:

وأما العظم والجلد فورد ذكرهما في عداد ما يحرم من الذبيحة في معتبرة أبان بن عثمان قال: ثم قال أبو عبد الله (ع): "يُكره من الذبيحة عشرة أشياء منها: الطحال والأُنثيان والنخاع والدم والجلد والعظم والقرن والظلف والغدد والمذاكير"(14).

والتعبير بالكراهة لا يضرُّ بالظهور في الحرمة في المقام بعد قيام القرينة على إرادتها حيث انَّ صدر الرواية كان بصدد بيان الحكمة من تحريم الطحال والحكمة من تحريم الخصيتين وتحريم النخاع، وقد ورد التعبير عن حكم الثلاثة في الرواية بالتحريم ثم عدَّ الثلاثة ضمن العشرة التي أفاد أنَّه يُكره من الذبيحة، ومقتضى ذلك أنَّ مراده من الكراهة هو التحريم كما هو ظاهر، خصوصاً وانَّ استعمال الكراهة في التحريم يقع كثيراً في الروايات.

لكنَّه رغم ظهور الرواية في حرمة الجلد والعظم وصحة سندها الا انَّه لم أجد من قدماء الفقهاء بل ولا متأخريهم مَن عدَّ العظم والجلد من محرَّمات الذبيحة، فيظهر أنَّ ثمة إعراض عن الرواية، وهو ما يوجب وهنها المقتضي لعدم الإفتاء بما تفرَّدت به.

والمتحصَّل مما ذكرناه ان ما ثبتت له الحرمة من الذبيحة هي الدم، والفرث، والطحال، والقضيب والانثيان، والمثانة، والمشيمة، والمرارة، والفرج ظاهره وباطنه، والغدد، والنخاع، وحدقة العين، وخرزة الدماغ، والأوداج، وأما العلباء، وذات الأشاجع، والعظم، والجلد فلم تثبت حرمتها.

تنبيه:

ثم إنَّ هنا أمراً يجدر التنبيه عليه لدفع وهمٍ مقدَّر، وهو انَّ الروايات المتصدية لبيان محرمات الذبيحة مختلفة من حيث العدد، فمعتبرة إبراهيم بن عبد الحميد أفادت انَّه: "حُرِّم من الشاة سبعة أشياء" وأما مثل مرسلة ابن ابي عمير فأفادت انَّه: "لا يُؤكل من الشاة عشرة أشياء" وهذا مفضٍ للتعارض بين مفاد ومؤدى الروايتين، وذلك لأنَّ التي اشتملت على تحديد العدد بالسبعة يكون ظاهرها عدم حرمة سوى السبعة من أجزاء الذبيحة، لأنَّ الرواية في مقام بيان تحديد عدد ما يحرم من الذبيحة، فتكون ظاهرة في المفهوم وانَّ ما سوى السبعة ليس محرماً، وعليه تكون مثل هذه الرواية معارضة للروايات التي حدَّدت عدد المحرمات بعشرة، لأنَّها تكون مثبِتة لحرمة مادلَّت رواية السبعة على حليته ونفي حرمته.

والجواب أنَّ رواية السبعة وإنْ كانت ظاهرة في عدم حرمة ما عدا السبعة، لأنَّها كانت في مقام تحديد ما يحرم فتكون بذلك ظاهرة في عدم حرمة غير السبعة إلا انَّ ذلك لا يعدو مستوى الظهور الذي يكون ساقطاً عن الحجيَّة إذا قامت القرينة على عدم إرادته الجديَّة، وحيث انَّ روايات العشرة صريحة في حرمة غير السبعة أيضاً لذلك تكون مثل هذه الروايات قرينة على عدم إرادة الحصر المستَظهَر بدواً من رواية السبعة.

وبتعبير آخر: إنَّ دلالة عدم حرمة الثلاثة استُفيدت بواسطة الإطلاق المقامي، فلأنَّ المتكلم كان في مقام تحديد عدد ما يحرم من الذبيحة فهذا يقتضي انَّ الذي لم يذكره يكون غير محرم، وهذا الإطلاق ليس آبياً عن التقييد، لذلك لو ورد ما يقتضي حرمة جزءٍ ثامنٍ مثلاً فإنَّه يكون مقيِّداً للإطلاق، وعليه يكون مؤدَّى الجمع العرفي بين رواية السبعة وروايات العشرة هو انَّ غير السبعة من أجزاء الذبيحة مباحٌ إلا الثلاثة المذكورة في روايات العشرة.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- سورة المائدة / 3.

2- سورة الأنعام / 145.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص174.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص177.

5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص132.

6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص130.

7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص130.

8- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 24 / ص171.

9- الخصال -الشيخ الصدوق- ص433.

10- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص172.

11- الفهرست -الشيخ الطوسي- ص266.

12- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص175.

13- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص172.

14- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص175.