رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يحب الرجل المرأة القوية لكن لا يتزوجها؟

جريدة الدستور

جدلية تحدث من حولنا تقريبا كل يوم وفي كل مكان في مجتمعاتنا الشرقية، نراها في الأعين، إذ إنه ليس من السهل البوح بها بالنسبة للرجال، فأغلب الرجال ينجذبون جدًا لتلك الفتاة الذكية القوية المنفتحة اللبقة، يحبون أن تكون صديقة، يشعرون معها بالبهجة والألفة، يبذلون الغالي والنفيس من أجل الوصول لها، لكن حينما يتعلق الأمر بالزواج، فإن الحال يتبدل، ويبدأون في البحث عن تلك الفتاة الأخرى العادية، التي يسهل التعامل معها، لأنها كما يعتقدون "عايزة تعيش"، لن يصدر عنها الكثير من المشكلات.

المرأة التي يراها الرجال "سهلة المِراس" ليست سيئة بالطبع، ولا أقل جاذبية، ولكن كل ما في الأمر أن هذا التقسيم يكون دوما في عقول الرجال، فهذه تصلح وتلك لا تصلح، لأنه يريد أن يجنب نفسه المعوقات قدر الإمكان.

تحدثنا مع مجموعة من الشباب والفتيات من فئات عمرية وطبقات اجتماعية مختلفة، لنفهم طبيعة هذا الأمر، أغلب الآراء اتفق على أن الرجل الضعيف هو من يبحث عن امرأة ضعيفة؛ حتى يكون قويًا أمامها، والطب النفسي كان له رأي آخر.

• لماذا يحب القوية ويتزوج الضعيفة؟
بمجرد سؤالها أكدت نور المهدي، 25 سنة، من القاهرة، أن الرجل يحب المرأة القوية؛ لأنه يشعر بأنه أقوى بالقرب منها، فهي أفضلية بالنسبة له على أناس آخرين، وحينما ترتبط به يشعر بقوته وأنه مميز؛ لأن المرأة القوية ليس من السهل أبدا أن يدخل أحدهم دائرتها المقربة "فما بالك بمن تحبه؟!".

وتتابع "المهدي"، أن الرجل يأخد من المرأة القوية المشاعر التي يحتاجها "القوة والتميز والونس"، بالإضافة إلى أن المرأة القوية حينما تحب فإنها تمنح الرجل من نفسها حتى آخر نفس، وتكون عنيفة جدا في حبها، ومساندة جدا وسيكون له كل وقتها، وتكون طفلة معه ويشعر بأنها تغيرت له بشكل خاص، مضيفة أن البعض وليس الكل يخاف أن تنقلب قوتها ضده، وغالبا ما يكون شخص ضعيف، يخشى أن تسيطر هي أو لا يستطيع التحكم فيها، ولكن إذا تفهم أن الحب مشاركة وليس تحكما سيختلف الأمر.

الكاتبة الروائية، صفاء حسين العجماوي، اعتبرت أن الرجل يرى أن المرأة القوية للحب، ولكن الضعيفة أو المتظاهرة بالضعف للزواج، وكان تفسيرها أن الأمر يعود لحب الرجل السيطرة على زوجته، وتجنبا لإرهاق نفسه في محاولات النقاش والإقناع، و"يعيش سي السيد".

وتعتبر "العجماوي"، التي تعيش في مدينة الشيخ زايد، أن الأزمة سببها أساسا في التربية، حيث تعود إلى أن تكون طلباته مجابة وما يأمر به ينفذ، وأخته "جارية ليه"، فقد تربى أن يكون "اتكاليا". وعلى العكس، ترى أنها قد تكون في أحد الأوقات جيشه الوحيد وسنده وفي أي وقت يمكنه الاعتماد عليها.

أما إسراء، 28 سنة، من إحدى محافظات الوجه البحري، ربة منزل، تعتقد أن الراجل "طفل بشنب" وهو من الداخل طفل عنيد أناني، لذلك لا يحب الزواج من امرأة قوية تزعجه.

دينا البرادعي، 24 سنة، من الجيزة، ترى أن الراجل يحب الفتاة القوية؛ لأنها تشبع غريزة المطاردة عنده، لكن يتزوج الضعيفة، لأن نزعة السيطرة تغلب. وأيضًا لأنه لن يشعر بأنها تحتاجه طوال الوقت وأنه محور اهتمامها، كما أنها من الممكن أن تنسحب من العلاقة في أي وقت.

وليد أحمد، ٢٩ سنة، من إمبابة، يعتقد أن الشباب يرون أن البنت المتحررة غير خاضعة للرقابة، وكثيرة المشكلات وتتصرف من تلقاء نفسها، كما أنها مرت بالكثير من التجارب وهو ما يجعلها صعبة المِراس، لذا فهو في الأخير يفضل "الفتاة الخام" على حد وصفه.

ويعتبر "وليد" أن الفتاة المنفتحة ستكون كثيرة الاعتراض وصعبة الإقناع وعنيدة، مشيرًا إلى أن أي فتاة تشعر بالمسئولية أو النفعية مثل الرجل تكون متعبة عمومًا، وفي حال كانت المرأة "قوية" فإنها تفقد الرجل "القوامة". ويرى أن الفتاة الناجحة 'زي الدكر' يشعر بأنها منشغلة دوما ولا تهتم بحياتها ولا أسرتها ولا بيتها. كما أنها كثيرة الاختلاط بالرجال، وهو لا يحب هذا الأمر، معتبرا أن المرأة حينما تتولى منصبا تفقد أنوثتها.

كما يؤمن بأن سر جمال البنت ضعفها ليس بدنيا، ولكن أن يكون الرجل محور حياتها وهو مركز القوة بالنسبة لها، وكل شيء، معربا عن اعتقاده بأن الفتاة تشعر بأنوثتها عندما يكون الشاب أقوى منها، كما يوضح أنه يفضل أن تكون متفرغة للاهتمام بالبيت والأسرة، و"عايزة تعيش"، إذ إن "البنت ربنا خلقها في إطار معين.. ونحن مجتمع عربي ومسلم، ودورها أفضل لو تركز بيتها وأسرتها". ويشير وليد، إلى أن هذا النوع من النساء يمكن أن يتزوج ويعيش، ولكن مع نوع معين "راجل لارج شوية أوبن مايند".

محمود شاهين، كاتب وروائي، يرى أن الرجل يجب أن يشعر بأن زوجته ضعيفة، دائما تحتاج إليه، ولا تستطيع فعل شيء بدونه، مشيرا إلى أن الراجل في كثير من الأحيان حينما يتزوج يبحث عن طرف يشبع فيه رجولته ويعظمها، ويكون بالنسبة له إحساس أنها ضعيفة وفي احتياج له مثل "الإدمان". معقبا: "ليه الخطيب بيحب يتحكم في خطيبته؟ امتي تخرج وامتي ترجع؟ مجرد رغبة ذكورية في أن يحس بأنه الأقوي، alpha male"، ولكن في الأخير يعتقد أن من يفعل ذلك تكون شخصيته ضعيفة ويريد أن يظهر قويا عن طريق إضعاف شخصية الزوجة.

• طبيب نفسي: الزواج تكامل وليس تنافسًا

في البداية أوضح الدكتور محمد عاطف، استشارى الطب النفسي، أنه لا يجوز التعميم، ولكن هو أمر موجود، والسبب فيه يعود إلى أن الأهداف من الزواج تكون مختلفة عن الارتباط، فإذا كان الهدف واحد، فلن يحدث خلاف، ويرى أن الشباب عند الزواج يريد أن يكون "سيد البيت"، وأن يشعر بالدور الذكوري وأن يكون هناك من يستمع لكلامه وينفذه، ولكن مع ذلك لا يرى أنه ضعف في شخصية الرجل، وإنما اختلال في المنظور، فالزواج عملية تكافلية، وهناك مناطق على الرجل أن يكون قوي والعكس صحيح، وهو ما يحفظ للعلاقة استمراريتها، فالتدابير اليومية مسئولية المرأة، والرجل له الاستراتيجية العامة، مشيرا إلى أن كل إنسان عنده طاقة لاتخاذ القرار، ويجب أن تستغل كي لا تتحول لسلوك سلبي، وبالتالي من مصلحة كلاهما أن يكون لكل طرف القدرة على اتخاذ القرار.

ويوضح "عاطف" أن الأزمة لدينا، أن أغلب المتزوجين لا يعرفون لماذا يتزجون، ولذلك لا يستمر الأمر، معتبرا أن الفكرة الأصلية هي أن الزواج تكامل وليس تنافسًا، ولو فكر الأطراف بهذه الطريقة فلن يكون هناك مشكلات. ويعتقد أن الأفضل في الزواج هي المرأة التي تمتاز بالشخصية القوية، أما اختيار الشخصية المنتقصة فهو سيئ للمنزل.


• لماذا تكون أكثر جاذبية؟

إذا كانت المرأة من هذا النوع متعبة للرجل، فقد يكون على حقٍ إن لم يتزوجها، ولكنها في الأخير تعد أكثر جاذبية بالنسبة له من المرأة الضعيفة، وهو أمر غريب، ويحتاج لتفسير.

يرى مصطفى طه، 31 سنة، من حي فيصل بمحافظة الجيزة، أن الرجل تعجبه المرأة القوية، لأنه يرى فيها عقلا يفكر ومنطقا جيدا، ولكنه يتزوج الضعيفة؛ لأن الرجل بطبعه لا يحب أن يفرض أحد كلمة عليه، وفي حال تزوج المرأة القوية، ربما قد لا تنفذ ما يطلبه منها، وهو ما سيؤدي إلى صدام، معقبًا: "الراجل بيمشي بمبدأ المركب اللي له يغرق"، معتبرًا أن الشخصية القوية تصلح فقط كصاحب. ويعقب "طه" ساخرًا: "الست تكون كالملاك قبل الخطوبة وخلالها، وأما بعد ذلك فتتحول إلى ذئب بشري مهما كان نوعها".

سر جاذبيتها بالنسبة لوليد أحمد، أنها أحيانا تكون آراؤها مفيدة وأفضل من الرجال، وطبعا يعجب بمظهرها ولباقتها، معتبرا أن الأمر في النهاية يتعلق بجودة عقليتها.

ويوضح محمود شاهين، أن ذلك النوع من الفتيات المنفتحة، يتحدي ذكاء وهيمنة الراجل، وهو ما يخلق نوعا من الجاذبية تجاهها، إذ إن الأمر يمثل تحديا بالنسبة له لكي يكلمها أو يتعرف عليها ويشعر بأنها معركة فكرية ويجب أن ينتصر فيها.

وترى صفاء حسين العجماوي، أن هذا الأمر محير، ولكنها تعتقد أن الراجل دائما يحب التحدي والغموض، ويهوى المرأة التي تستفز عقله، ويحب المعارك والمناغشات، وهو لا يجد هذا الأمر سوى مع القوية.

دينا البرادعي، تعتقد أن المرأة القوية هي من تشبع غريزة المطاردة عند الرجل مثل الأسود بالضبط، حيث إنه حينما يصطاد يترك الفريسة السهلة ويركض وراء فريسة أخرى صعبة المنال.

سر جاذبية تلك المرأة للرجل بالنسبة لـ"إسراء"، أنها تستنفر قواه، وتجعله يسعى بكل إمكاناته حتى يعجبها، وتعتبر أن المرأة القوية أنواع هناك المستقلة ماديا، وهناك من تستند إلى عائلتها، وهناك من القوية المستغنية عن الرجال، مشيرة إلى أن تلك الأخيرة تكون الأكثر جاذبية.

وترى نور المهدي، أن سر جاذبيتها قوتها، والتي هي أساسها عقلها وليس العضلات ولا الفتونة، عقلها جيد، وبالتالي تستطيع أن تسعده بأشياء ليست متوقعة، وتسانده في وجه العالم، كما أنها غالبا ما تكون "نغشة ودمها خفيف"، وتعرف كيف تتعامل ولبقه ف التعاملات مع الناس، وتجيد الحديث ولكل مقام مقال.

• "عاطف": المرأة القوية تبهر الرجل

يشير الدكتور محمد عاطف، إلى أن النموذج الأنثوي في مجتمعاتنا نموذج ضعيف، فمجتمعنا في موروثه أن المرأة كائن ضعيف، وبالتالي الرجل ينبهر بالأقوى، ولكن في الواقع تريد المرأة القوية رجلا أقوى منها، وعندما تقترب منه ويكون أضعف تبتعد عنه، فالمأة بها جانب خاضع بشكل فطري، ولذلك تحتاج لرجل قوي.


• متى تكون المرأة القوية غير مناسبة للزواج؟

هنا الفتيات تجبن، وتعتقد "البرادعي"، أن هذا يحدث حينما تجعلها قوتها تشعر بأنها لا تحتاج لرجل، ولا يكون بالنسبة لها متحملا للمسئولية، ويكون مجرد وضع اجتماعي جيد لأنه يساهم في الإنفاق، ويساعدها على الإنجاب، معقبة: "بمعنى أصح لما بيكون معندهاش موازنة بين الماديات والمعنويات وكل تفكيرها مادي"، وترى أنها تحتاج لرجل أقوى منها ومسيطر وصاحب شخصية قوية، ويعرف كيف يتعامل مع بنات ويذكرها دوما بأنها بنت، وتحتاج لرجل يعرف ما له وما عليه.

وترى صفاء حسين العجماوي، أن هذا قد يحدث حينما تنسى دورها كزوجة، وتقرر أن تقوم بدور الزوج، بمعنى أن تلغيه وتأخد حقوقه وأولها القوامة، ليكون الرجل مجرد ديكور أو واجهة اجتماعية، وتنسى حقوق وواجبات الزوجين وتقرر أن تكون الحاكم بأمره، وتعتبر أن هذا النوع يحتاج لمن يشعرها بأنها زوجته وحبيبته وأهله، ويكون الأمان والسند، ويراها أجمل امرأة في الدنيا ونصفه الآخر، وجيشه، وخططه المستقبلية هي شريكة فيها، ويحترمها ويقدرها ويحتويها ويتقي ربنا فيها.

فيما تقول نور المهدي، إن هذه الحالة تتحقق حينما تكون قوتها بدون أمانة تحميها، بمعني أن تكون قوية ولكن كاذبة، أو قوية وفي طبعها الخيانة، أو قوية لدرجة ألا يكون عندها ضمير أو عواطفها باردة، معتبرة أن القوة بدون أمانة "من أشر المخلوقات ع الأرض".


• "عاطف": التسلط والرغبة في التحكم بالرجل مكمن الخطورة

يقول استشاري الطب النفسي، إن عدم الكفاءة هو موطن الخطر في العلاقات الزوجية، فالكفاءة عامل مهم، ومواز للعوامل الدينية، ولكن حينما يكون هناك تسلط من المرأة ورغبة في التحكم وإخضاع الرجل لها، وأن يكون التسلط ماديا، يكون أمر سيئ جدا، ويضيف أن المرأة الذكية من الممكن أن تتسلط بذكاء عاطفي، لأنها عاطفيا أذكى من الرجل، لكن حينما تتسلط بشكل مادي يبدأ الخلاف.