الأحد 02 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

الإعجاز العلمي في القرآن "18".. حقيقة وجود الفراسة ولغة العيون في كتاب الله..غانم: ذكر بعض إشارات العين للدلالة على خبايا النفوس.. أول كتاب للغة الجسد صدر في ستينيات القرن العشرين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لغة الجسد تلك الحركات التي يقوم بها بعض الأفراد، مستخدمين أياديهم أو تعبيرات الوجه أو أقدامهم، أو نبرات صوتهم أو هز الكتف أو الرأس، ليفهم المخاطَب بشكل أفضل المعلومة، التي يريد أن تصل إليه وهناك بعض الأشخاص الحذرين والأكثر حرصًا وأولئك الذين يستطيعون تثبيت ملامح الوجه، وأولئك الذين لا يريدون الإفصاح عما بداخلهم فهم المتحفظون ولكن يمكن أيضًا معرفة انطباعاتهم من خلال وسائل أخرى.

لغة الجسد مهارة اجتماعية مهمة جدا، فهي تسهم في قراءة أفكار المتحدثين، وبيان بعض جوانب شخصياتهم، بعضنا يتمكن من قراءتها بشكل طبيعي، وبعضنا يصعب عليه هذا

الاهتمام بفن لغة الجسد:

ولقد ظهر الاهتمام بهذا الفن من فنون العلم، بداية من الدراسات التي قام بها بعض علماء النفس، ووسائل الاتصال، ورغم قدم المعرفة التطبيقية للغة الجسد، غير أنه لم تدرس عمليًا إلا منذ الستينيات من القرن الماضي، خصوصًا عندما كر بعض إشارات العين للدلالة على خبايا النفوس ثم تابعه البعض في مؤلفات متنوعة غير أن الجاحظ يعد من أوائل من كتبوا في هذا الفن لكن ليس في مؤلف مستقل وإنما في بعض صفحات من كتابه "البيان والتبيين"، ولذلك يربط الجاحظ بين لغة الجسد، ذاكرا مثال الإشارة، وبين الكلمة فيقول: والإشارة واللفظ شريكان، ونعم العون هي له، ونعم الترجمان هي عنه.

والقرآن الكريم تحدث عن هذا الجانب من خلال حديثه عن الإشارة والوجه واليد والعين وغير ذلك من أعضاء الجسد لكن نظرا لغزارة الموضوع حسبنا في هذه السطور التركيز بشيء من الإبانة عن لغة العيون.

وعلم الفراسة من العلوم التي اشتهر بها العرب قديما، وهبة من الله تعالى للإنسان ونور يستضيء به المرء لمعرفة أمور خافية عن الآخرين، وذلك من خلال تعبيرات الوجه التي تعرفنا ببعض مكنونات الصدور وما يخفيه المر من أمور تتعلق بالحب والكره والمكر والخداع والكذب حتى لكأنه يقال: إن لغة العيون تفضح أسرار وخبايا الآخرين، كالمرآة الصافية التي تعكس المشاعر وتبوح بالأسرار.

يقول الشاعر:

والعين تنطق والأفواه صامتة.. حتى ترى من ضمير القلب تبيانا.

كما أكد الدكتور خالد غانم أن القرآن الكريم ذكر بعض إشارات العين للدلالة على خبايا النفوس وذلك من خلال تسجيله لما يمكن أن نسميه بـ ( تبادل النظرات) في قوله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) سورة التوبة 127، حيث يصور السياق الدلالي للآية موقف المنافقين من نزول القرآن الكريم، ويكشف تبادل النظرات بينهم، كاشفا عن مجمومة من المشاعر التي تمور في أعماقهم وتتجلى في نظراتهم، وعن تفكير يدور في أذهانهم ويرتسم في نظراتهم، فالنظرة المتبادلة حين سماع الحديث يمكن أن نكتشف منها ما يدور بالنفس من سخط وغضب، وتفاعل داخلى، وتعاون على الرفض وعدم الانصياع.

ثم يأتي تصوير لنظرة ثانية يمكن أن تسمى بـ (الخوف والجبن)، حيث يصور الخطاب القرآني التعبير البصري للمنافقين الذين يسمعون الآيات التي تحث على الجهاد المشروع والدفاع عن الإسلام في قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ) محمد 20، وهي نظرات تحمل في هيئتها ومعانيها قدرا كبيرا من الخوف والجبن ؛ لأن القتال قد يفضي إلى موتهم.

مضيفا أن التشبيه البليغ تأكيد على علاقة المشابهة بين نظرات المنافقين ونظرات المغشي عليه، فقد استطاع المنافقون الصمت لكن تعبيرات عيونهم أظهرت ما تضمره النفوس؛ لأن الإنسان يستطيع أن يصمت عن الكلام ليخفي ما في نفسه، ولكنه يعجز عن إخفاء نظراته التي تجسد ما يدور في ذهنه ووجدانه، ولهذا يلجأ البعض إلى إبعاد وجوههم وتغطية عيونهم بأيديهم في مواقف معينة ؛ لئلا يرى الآخرون ما تعبر عنه عيونهم كما أن نظرة الخوف عبر عنها القرآن بـ (دوران العين) تارة فقال: (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) سورة الأحزاب 19 ويعبر عن نظرة الخوف أيضا بـ (اختلاس النظر) تارة أخرى فقال تعالى: (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) سورة الشورى 45

مضيفا أما النظرة التالية فيمكن أن نعبر عنها بـ (نظرات الترقب ) فالخطاب القرآني عَبّر عن نظرة الترقب والانتظار في تغيير الحال بتقلب الوجه كما في قوله تعالى: ((قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا )) البقرة 144.  

ويؤكد غانم أن تلك الآيات دعوة لأولى الألباب في النظر والترقب في أحوال المخاطبين ونظراتهم؛ لأننا نسترشد بها على خبايا النفوس وإذا ما تأملنا خبايا علم لغة الجسد نكتشف الكثير حيث يقول المشتغلون بلغة الجسد: إذا اتسع بؤبؤ العين وبدا للعيان فإن ذلك دليل على أنه سمع منك توًا شيئا أسعده، أما إذا ضاق بؤبؤ العين فالعكس هو ما حدث، وإذا ضاقت عيناه أكثر أو فركهما ربما يدل على أنك حدثته عن شيء لا يصدقه، كذلك إذا حاول المرء أن يتجنب النظر في عيون الناس ومن حوله فهذا يدل على أنه فاقد الثقة بنفسه ليس دائما فأحيانا تجنب النظر في أعين الناس يدل على الخجل أو أنه يحاول الانسحاب في الحوار الجاري، أما الحواجب: إذا رفع المرء حاجبًا واحدًا فإن ذلك يدل على أنك قلت له شيئا إما أنه لا يصدقه أو يراه مستحيلًا، أما رفع كلا الحاجبين فإن ذلك يدل على المفاجأة، كما يقول المتخصصون: الذي يشعر بالخجل ينظر إلى الأسفل، والذي ينظر إلى نقطة محددة يمتاز بقوة تفكير وتركيز عصبي كنظرة الترقب في السياق القرآن، أما الذي ينظر في الجانبين فهو المتشتت كما عبرت عنه الآيات بدوران العين.

لافتا إلى أن معرفة مكنونات الصدور من خلال العيون على قدر الصعوبة، لأن الموضوع يتعلق بصفاء نفسي وعقلي من جهة قاريء العيون ومترجم رموزها، ويرتبط أيضا بقدرة الطرف المقروء على إخفاء أو إظهار مكنونات نفسه التي من خلالها نعرف الشخص الصادق من الكاذب، والذي يتودد لنا ويحب من المبغض الكاره، والواثق في نفسه من الخائف.

مضيفا إنه لا ينبغي أن نسرف في استلهام معرفة الشخصيات والمواقف من خلال ألواع العيون وألوانها؛ لأن ذلك من المستبعد، كما لا يستدعي الأمر أن نحكم على الأشخاص بلغة أجسامهم أو عيونهم فحسب، بل يجب أن نأخذ ثقافة الشخص ومعتقداته بعين الاعتبار، وحالته العلمية ومزاجه النفسي، مع التأكيد على عدم المبالغة في هذا الإطار، وأخيرا يبقى أن نقرر أن القرآن كون الله المسطور ـ كما قال العلماء ـ يستدعي انتباهنا أن نتدبره ونعرف ما فيه من إعجاز ونسترشد من خلاله ارتباط العلوم المتنوعة به وهدايته لها.