الحب: ما الذي يمنعك من مسامحة حبيبك السابق؟

انتشرت مؤخرا الإشارة إلى ممارسات البعض بعد الانفصال مثل "الاختفاء المفاجئ"

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، انتشرت مؤخرا الإشارة إلى ممارسات البعض بعد الانفصال مثل "الاختفاء المفاجئ"

انهالت دموع يانز وهي تخبر جورج بصوت متهدج أن علاقتهما لا يمكن أن تستمر. وسارت يانز، البالغة من العمر 28 عاما ببطء إلى منزلها في هونغ كونغ وتنفست الصعداء، لكن قلبها كان منفطرا.

وبعد أن انهارت علاقتهما مرتين في غضون شهرين، قررت يانز أن تكون هذه المرة هي الأخيرة التي لا رجعة بعدها أبدا.

وتقول يانز عن مشاعرها بعد الانفصال في المرتين السابقتين: "كنت أفتقده كثيرا وكان شريط الذكريات يمر أمام عيني. ولهذا عدت إليه مرتين. لكن طباعنا وتوجهاتنا كانت مختلفة ولم يتغير أي منا. لذا حذفته من كل حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيقنت أن هذه هي المرة الأخيرة التي نكون فيها معا".

لكن اتضح أن الحنين إلى الحبيب السابق بعد الانفصال ظاهرة شائعة قد تتكرر على مدار حياتنا، إذ أشارت دراسة إلى أن ثلث المشاركين فيها من طلاب الجامعات الأمريكية، أقاموا علاقات متذبذبة تتأرجح بين الانفصال والعودة مرات عديدة. في حين ذكر نصفهم أنهم أقاموا علاقات حميمية مع شركاء حياتهم السابقين بعد الانفصال.

وأشارت دراسة نشرت في عام 2013 إلى أن أكثر من ثلث الرفقاء الذين يعيشون معا وخمس المتزوجين مروا بتجربة الانفصال ثم ما لبثت أن عادت المياه إلى مجاريها بعد إنهاء العلاقة.

واستُلهمت من مشاعر لوعة الفراق والحنين أغان وروايات ومسرحيات وبرامج وأفلام لا حصر لها، ولعل التماس الصفح من الحبيب السابق بعد الانفصال هو عادة متأصلة في نفسياتنا.

وتعلل هيلين فيشر، عالمة الأعصاب بمعهد كينسي، ذلك بالقول إن المرء عندما يحدث الانفصال يدخل في طور "احتجاج"، إذ يتملك الطرف المرفوض رغبة جارفة لاستعادة حب الطرف الذي يقرر إنهاء العلاقة.

تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه

شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك

الحلقات

يستحق الانتباه نهاية

وأجرت فيشر ومجموعة من العلماء دراسة أخضعت فيها 15 شخصا تعرضوا للرفض من شركاء حياتهم مؤخرا لأجهزة مسح الدماغ. وعندما شاهد المشاركون صور معشوقيهم الذين رفضوهم، لاحظ العلماء نشاطا في المناطق المرتبطة بالمكاسب والخسارة والاشتياق وتنظيم المشاعر من الدماغ، وكذلك المناطق المرتبطة بالتعلق العاطفي.

وتقول فيشر: "لا ينتهي الحب بعد الرفض، بل إن الطرف المرفوض قد يتيم عشقا بالشخص الذي رفض الارتباط به. وتنشط المنطقة المرتبطة بالإدمان من الدماغ".

لذا يزداد إفراز الدوبامين والناقل العصبي نوريبنفرين المرتبط بالضغط العصبي، وتزداد الرغبة في ملاحقة الشخص الذي رفضنا وجعلنا نشعر بالإحباط. ولهذا تقول فيشر إن البعض قد يذهب إلى أبعد حد لاستعطاف الطرف الذي رفضه حتى يصفح عنه.

ولاحظ الفريق أن منطقة النواة المتكئة المرتبط بالإدمان في الدماغ نشطت لدى المشاركين، رجالا ونساء، وكانوا يفكرون بشكل مبالغ فيه في شركاء حياتهم الذين رفضوهم ويتلهفون للعودة إليهم.

وتشبّه فيشر القلق من الانفصال، بشعور الجرو الذي وضع في غرفة بعيدا عن حضن أمه، فتراه يدور في حلقات وينبح ويئن.

ترتفع نسبة العلاقات العاطفية المتذبذبة التي تتأرجح بين العودة والانفصال بين الشباب الأصغر سنا

صدر الصورة، Javier Hirschfeld/ Getty Images

التعليق على الصورة، ترتفع نسبة العلاقات العاطفية المتذبذبة التي تتأرجح بين العودة والانفصال بين الشباب الأصغر سنا

وتقول فيشر إن الأشخاص الذين انفصلوا عن شركاء حياتهم ثم عادوا إليهم مرات عديدة يدمن كل واحد منهم الآخر، ولن يتمكنوا من الانفصال تماما إلا بعد أن يتخلصوا من (الإدمان)"

وهناك أيضا أسباب سلوكية قد تحمل المرء على إحياء علاقات حُكم عليها بالفشل. فقد تُمحى المشاعر القديمة نحو شريك الحياة بعد الانفصال في حال ارتبط بعلاقة عاطفية مع شخص آخر، وتقل احتمالات العودة معا مرة أخرى. في حين أن البعض لا تموت لديهم هذه المشاعر ويحن كل منهما إلى الآخر بعد الانفصال، ومن ثم تزيد احتمالات الصفح والتغاضي عن الأخطاء.

يقول رين ديلي، الباحث في العلاقات العاطفية بجامعة تكساس، إن شعلة الحب والتعلق بين شريكي الحياة قد لا تنطفئ رغم كثرة الخلافات. وقد يكون سبب الانفصال هو عدم القدرة على حل الخلافات أو التعامل معها. وربما يشعر الطرفان أنهما أصلحا علاقتهما ويحاولان تجديدها.

وقد يلعب الحنين والخوف من الوحدة دورا في حث المرء على الصفح والعودة. وتقول كريستين مارك، الأستاذة المتخصصة في الصحة الجنسية بجامعة كنتاكي: "إن الأشخاص الذين يشعرون بالرغبة في العودة إلى شركاء حياتهم السابقين رغم أنهم كانوا يسيئون معاملتهم، يخشون في الغالب من الوحدة، إذ يفتقدون هذا الجانب الإيجابي من العلاقات، ويشعرون بالفقدان والحزن بسبب الانفصال".

وأشارت دراسة أجريت على مشاركين مروا بتجربة انفصال مؤخرا إلى أنه كلما زاد الشعور بالخوف من العزوبية، زاد الشعور بالحنين إلى شريك الحياة السابق وزادت الرغبة في إعادة المياه إلى مجاريها.

وهذا يفسر رغبة يانز في البحث عن حبيبها القديم بعد أن شعرت بالوحدة أثناء الحجر الصحي ومحاولتها ترميم العلاقة للمرة الثالثة.

ويرى غيل سالتز، أستاذ الطب النفسي بكلية وايل كورنيل للطب في نيويورك، إن "مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" وغيرها تسهل العثور على شريك الحياة أو الحبيب السابق وإحياء العلاقة مجددا. ويقول إن وسائل التواصل الاجتماعي تحول دون طي صفحة الماضي والبدء من جديد، إذ يظل رواد هذه المواقع يراقبون خفية منشورات شركاء حياتهم أو رفقائهم السابقين".

ولهذا ليس من المستغرب أن تكون السلوكيات السلبية أثناء الانفصال أكثر انتشارا بين أبناء جيل الألفية والجيل الذي يليه "الجيل زد". وتقول بيريت بروغارد، الأستاذة بجامعة ميامي والمتخصصة في فلسفة العواطف: "إن السلوكيات السلبية أثناء الانفصال قديمة قِدم العلاقات العاطفية، لكن بعض السلوكيات ازدادت انتشارا بشكل لافت، مثل "الاختفاء"، حين يختفي الشخص الذي كان يواعدك تماما وكأنه شبح، و"التعقب" حين يراقبك الشخص الذي كنت تواعده على مواقع التواصل الاجتماعي ويعيد نشر منشوراتك بينما يتجاهل رسائلك ومكالماتك".

وتفسر بروغارد ذلك بالقول إن أبناء هذين الجيلين الأصغر سنا أكثر عرضة للاكتئاب والقلق ويهتمون بشدة بالقبول الاجتماعي أكثر مما يهتم به أقرانهم الأكبر سنا.

وقد ظهر سوق جديد لتقديم الدعم لمن يعانون من ألم الانفصال. ويساعد مدربو التغلب على آلام الانفصال عملاءهم إما على تجاوز المحنة أو العودة إلى الحبيب السابق. ويقدم البعض نصائح عبر المنتديات ومقاطع فيديو وبرامج تبث عبر الإنترنت، تحقق ملايين المشاهدات.

زوجان يحتضنان بعضهما

صدر الصورة، Getty Images

وينصح الكثيرون بالابتعاد تماما عن شريك الحياة بعد الانفصال لفترة تتراوح ما بين 30 و60 يوما، أو حتى للأبد، على أساس أن هذه الفترة سيستغلها الطرفان لإصلاح أنفسهما. ويقترح الكثيرون إرسال رسائل نصية لرفقائهم أو أزواجهم السابقين لتذكيرهم بالأوقات الممتعة التي أمضياها معا، وإثبات أنهم تغيروا أثناء هذه الفترة.

وعن مزايا الانقطاع عن التواصل بشريك الحياة السابق، تقول فيشر: "إن التعافي من انكسار القلب يشبه علاج الإدمان، إذ يتطلب الأمر الابتعاد عن كل ما يذكرك بشريك الحياة السابق، والتوقف عن متابعة حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي وقطع الاتصال به".

وترجع بروغارد ذلك إلى أن هذه الفترة تساعد على تخفيف حدة المشاعر السلبية، كالغضب وخيبة الأمل وما إلى ذلك.

وتحكي ليليان، شابة عشرينية من هونغ كونغ أنها كانت تبحث عن طرق عبر الإنترنت للتودد إلى رفيقها بعد أيام من الانفصال عنه، وصادفت مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يقدمه مدرب متخصص في المواعدة.

وقدم المدرب نصائح حول كيفية الابتعاد عن شريك الحياة السابق ومحاولة جذب انتباهه مرة أخرى. وتقول ليليان: "اقترح المدرب معادوة الاتصال برفيقي بعد 30 يوما من الانفصال، وأن أرتدي ثيابا أنيقة في أول لقاء، لأثبت أنني غيرت من نفسي".

غير أن بروغارد تحذر من أن نصائح هؤلاء المدربين قد لا تستند إلى أدلة علمية. وتقول إن "معظم مدربي الانفصال لم يحصلوا على التدريب الكافي في المجالات المناسبة، مثل العلوم العصبية أو علم النفس أو العلوم المعرفية أو الفلسفة أو العمل الاجتماعي".

وتنصح بروغارد في المقابل من يعاني من مرارة الانفصال بأن يقرأ عن العلاقات والانفصال من مصادر موثوق بها، بدلا من إنفاق المال على جلسات مدربين الانفصال.

وفي الوقت نفسه تحذر من إضاعة الوقت والمجهود في محاولات التودد إلى شريك الحياة السابق واستعادة حبه.

ويقال إن الطريقة الأسهل للتصالح وتسوية الخلافات، هي التحدث بصراحة عن الأخطاء التي أدت إلى انهيار العلاقة. لكن في حالة إخفاق جميع مساعي الصلح، تنصح فيشر بالنظر إلى الجانب الإيجابي، فبعد مرحلة "الاحتجاج" على الفراق، قد يمر الدماغ بمرحلة يأس، ثم قبول وبعدها لامبالاة ونضج.

وتقول فيشر: "بعد الألم الشديد والمرارة والخوف يأتي التعافي. صحيح أنك لن تنسى الشخص الذي قرر الانفصال عنك، لكنك ستتجاوز المحنة وتحب شخصا آخر".

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future