Al Jazirah NewsPaper Thursday  27/12/2007 G Issue 12873
الرأي
الخميس 18 ذو الحجة 1428   العدد  12873
قانون التركيز
عبدالسلام بن محمد الحمدان

أخي عبدالله كان عمره ثمانية عشر عاماً وأصغره بثماني سنوات، قلت له ذات مرة وأنا ابن العاشرة: لو كنت مكانك لأصبحت إماماً، وتدور الأيام بعد عقد من الزمن لأكون إماماً أصلي بالناس، وقد قيل عن الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس إمام الحرم أن أمه كانت تكرر على سمعه: متى تكبر يا ولدي وتصبح إماماً للحرم!!

ومثل ثالث يذكر عن أبي مسلم الخراساني يوم أن كان صغيراً كان يفزع من نومه ويصيح.. فقالت له أمه مالك، فقال: يا أمي همة تنطح الجبال!

هذا قانون يا أعزاء هو أحد قوانين العقل الباطن ويسمى قانون (التركيز) بمعنى أن أي شيء يركز عليه الإنسان ويلتزم بتخيله باستمرار فإنه - بإذن الله - يحصل عليه مهما كان، فشرط التحقق أن يكون واضحاً في الذهن متخيلاً وكأنه حقيقة باستمرار!! بل بالغ بعضهم ووضع قاعدة عجيبة: ما جاز تخيله فإنه يتحقق.

فتش أخي القارئ عن آمال وطموحات كنت تفكر فيها فما هو إلا وقت قصير ويصبح الحلم حقيقة، ولو تعمقت في التفكير لوجدت أن ذلك الشيء الذي تحقق كان يأكل ويشرب معك.. وتنام وتصحو وهو في خيالك.

موظف - على قد حاله- يعشق السيارات ذات الدفع الرباعي، كان يحلم أن يقتني إحداها، لكن الحلم بعيد حيث لا يملك منه إلا قرابة 10% منه وسعره قريب المئتي ألف، يقول: وما هي إلا أسابيع وأنا أمتطي تلك السيارة التي راودتني ليلاً ونهاراً.

ويذكر عن (وولت دزني) مبتكر مدينة دزني لاند للألعاب، أن جاء يوماً لزوجته ومعه (صورة رسمها للفأر ميكي ماوس) وقال لها: الفأر هذا حلمي وسأجني من ورائه الملايين، فالتفتت إليه وهمست: أنت مجنون؟!! أرجو أن أحداً لم يسمع هذا الكلام غيري؟؟ فلم يستجب لتثبيطها وواصل خياله، وتعرض لنكسات وإفلاسات حتى وصل إلى إمبراطورية الألعاب.

قانون التركيز هو أحد قوانين العقل الباطن الذي يعرفه علماء النفس بأنه الجزء من العقل الذي يستحوذ على 90% من العمليات الحيوية في جسم الإنسان: ضربات القلب، عمل الرئة، القلب، الذاكرة البعيدة المشاعر، الأحاسيس، المعلومات المخزنة منذ أن عقل الإنسان وعرف هذه الحياة، وله تسميات أخرى كالعقل غير الواعي.

وقانون التركيز ببساطة: هو أن قوى الإنسان تتحفز وتنشط عندما يقوم الشخص بالتركيز على فكرة معينة ويعطيها من وقته وجهده، تفكيراً وعملا، وعندما تتحفز هذه القوى يقوم العقل الباطن بالاتجاه بقوة نحو الهدف حتى يتحقق - بإذن الله- والعمل الدؤوب المستمر يضمن تحقيق المراد، فقد قال الأولون: من داوم على شيء عرف به ومن عرف بشيء أوتي سره.

أعرف حارس مدرسة للبنات لديه في المدرسة قرابة الألف من الطالبات، يميز كل طالبة من شكلها الخارجي ويعرف كل طالبة وولي أمرها، فإذا أقبل ولي الأمر نادى الحارس باسم ذلك الرجل، فإذا أخطأت فتاة وخرجت ولم يأت ولي أمرها بعد قال لها: انتظري فوالدك لم يأت بعد!!

بينما أخلط أنا بين ابنتي إذا رأيتهما تمشيان في الشارع فأنادي الواحدة باسم أختها!! لنا جار قديم متخصص في ميكانيكا السيارات.. ويعرف عطل السيارة من صوت المحرك، فقط يطلب من صاحب السيارة أن يشغل السيارة ويستمع إلى طريقة عملها ويكتشف ما بها من خلل!!

هكذا فإن الأهداف التي يسعى الإنسان لتحقيقها إذا كان قانون التركيز فيها قويا فإنها غالباً ما يكتب لها النجاح، يساعد في ذلك عوامل أخرى من التخطيط والتنظيم والإصرار.

فالطالب إذا أراد أن يحصد العلامات العالية في نهاية العام الدراسي ما عليه إلا أن يركز في دراسته ويجتهد.. ويتخيل نفسه قد حصل على الدرجات النهائية، يفعل ذلك باستمرار.. وسيتحقق له ما أراد ورجل الأعمال الذي يبدأ حياته التجارية بشكل متواضع وحتى تزيد أرباحه ويشتهر منتجه لابد من التركيز على تخيل النتائج والأرباح بطموح كأنه يراها.

الأب الذي يحرص على تنشئة أولاده على أن يكونوا علماء مبدعين.. أو قادة أو فلاسفة فإنه يزرع فيهم منذ الصغر ويربيهم على الجد والمثابرة.. ويبني هذه التربية على الخيال الجذاب مع الخطوات العملية الأولى، ثم يدعمهم بعد ذلك بالرأي والتجربة وتحدي الصعاب.

حتى العبادة لابد فيها من تخصص حتى تكون للشخص مثل أعضائه ويعرف بها - عند الله- وتصل لمرحلة من التجلي والانغماس فيها فتفوق لذتها لذة المتع الأخرى المحسوسة، حتى تدخله من أبواب الجنة التي أعدت له.. فإن كان يعشق الصيام دعي من باب الصيام وإن كان مجاهداً دعي من باب الجهاد.. وإن كان متصدقاً دعي من باب الصلاة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد