بيت شعر بليغ نظمه الإمام الشافعي، وفيه من المضامين أقواها فيما يتعلق بحياة الفرد وعلاقاته.
قد تكون-كشخص-مبهوراً في يوم من الأيام بالكم الكبير من الناس حولك، بمن يتبسم في وجهك، ومن يهب لك، ومن يحاول التقرب منك. لكن الإبهار الأكبر يكون حينما تكون واقعاً في مصاب جلل، هنا قد تكتشف حقيقة الناس وأصل معادنهم.
أصحاب المراكز والسلطة والقرار والنفوذ والجاه والغنى، يتحلق حولهم الكثير من الناس، وترى مجالسهم مكتظة عامرة، تضم أشكالاً وألواناً مختلفة من الناس، لكن بمجرد انحسار العامل الذي يجعل هذا الشخص مميزاً، ترى الجموع تنفك وتبتعد عنه، ولا يتبقى حوله سوى أشخاص معدودين.
تذكرون طبعاً المثل الشهير «الصديق وقت الضيق»؟!
في زمننا هذا الصديق المخلص بات من الأساطير التي يندر وجودها، لدينا اليوم أصدقاء المصلحة، وأصدقاء المنصب، والذين سرعان ما يختفون من حياتنا إن انتهت الحاجة لنا.
اليوم لا تجد الصديق عند الضيق، بل تنصدم بحقيقة أشخاص كنت تكن لهم الاحترام والتقدير، ولربما سعيت لهم أكثر مما سعيت لأهلك وأقربائك وحتى إخوانك، تنصدم بتحول الشخص إلى إنسان لا يعرف، وكأنه لم يصادفك يوماً، ولم يطلب منك مساعدة أو خدمة ما.
لا تستغرب أخي القارئ، فهذا حال الدنيا، ولم ينظم الإمام الشافعي بيت الشعر عبثاً، فالشدائد والمصائب هي من تفرز لنا الأصدقاء والأعداء، هي التي تفرز لنا المخلص في علاقته وقربه، والمنافق المتملق في صداقته.
في زمننا الغريب هذا باتت معرفة «العدو» أسهل من الصديق، فالأول يناصبك العداء ويصرح به ولا يخفيه، فتعرف أنه عدوك الذي لا يجمعك معه شيء على الإطلاق، وأنكما ستظلان واقفين على ضفتين متقابلتين لا يمكن لهما في يوم التلاحم.
لكن المشكلة في الصديق الذي في داخله ليس صديق، بل مدعي صداقة، أو «ممثل» لهذا الدور، هو الذي لن تراه أمامك أو بقربك عند الشدائد. هو الذي ستتغير معاملته، بعد أن كان يعاملك باحترام شديد يتحول لمحارب لك، ساع في أذيتك.
لذلك على الإنسان ألا ينسى دروس الحياة، عليه في كل موقف يمكن أن يصنفه على أنه شدة أو مصيبة أو كارثة، يمكن في كل موقف أن يعرف الناس أكثر، أن يكشف سرائرهم بصورة أكبر.
هناك أمثلة حياتية عديدة، وعلى أصعدة مختلفة، وأبسطها يمكن أن يسردها المسؤولون، بالأخص السابقين منهم، إذ كيف حالهم اليوم بالمقارنة بالأمس؟! كيف وضعية الحاشية والمقربين والأصدقاء، هل هم بنفس العدد، وبنفس حميمية العلاقة؟! هل العلاقة أصلاً مستمرة دون انتظار لوجود أي منفعة أو استفادة؟!
حتى غير المسؤولين ممن يقدمون خدمات عامة للمجتمع، يمكن أن ترى أفراداً يتقربون منهم، أو أناساً تسعى للاستفادة من خبراتهم وخدماتهم، لكن هذه العلاقات أبداً لا تدوم، لأنها غير صادقة، ولا تتجرد من ارتباطها بالمنصب أو القدرات أو الخدمات.
لذلك الأصدقاء الحقيقيون هم الذين لا تقلبهم المواقف، هم الذين تجدهم دوماً معك، في السراء والضراء، تراهم حولك إن كنت مسؤولاً رفيعاً صاحب نفوذ وقرار، أو عدت شخصاً عادياً.
حتى على مستوى الدولة، الأزمات تكشف لك الوجوه الحقيقية وتكشف لك معادن الرجال، ولربما نحزن أحياناً على المصيبة، لكن فوائدها موجودة في المقابل، خاصة حينما تفتح عيناك أكثر، وتعرف من كان يجاملك وينافقك ويحاول الاستفادة منك، وحينما حانت الفرصة تخلى عنك وكأنه لا يعرفك، بل سل خنجره وطعنك في ظهرك.
لذلك حينما نعاتب الدولة في بعض الأمور، فإننا نتطرق لهذه النقطة بالذات، ونقول بأن تذكروا الأزمات والشدائد، تذكروا من غير جلده وأسقط القناع عن وجهه، تذكروا من سل الخنجر وحاول طعن الوطن في ظهره، وتذكروا من ثبتوا في أماكنهم ولم يتغيروا حسب الظروف، بل كانوا الصديق الصدوق الذي لا يتغير، كانوا كالذهب أصلي معدنه لا يمكن تبديله.
الخلاصة بألا تلعنوا الشدائد، ولا تتضايقوا بالمحن، رب العباد يفرجها أياً كانت، لكنها في المقابل تخدمكم بأن تكشف لكم حقيقة البشر، والأهم تكشف لكم العدو المتخفي في رداء الصديق.