كريمة شاهين

 

 

 

 

 

 

قلبى و قلمى


 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

” إن يعلم الله فى قلوبكم خيراً مما أخذ منكم ”

 

صدق الله العظيم


حين تختلج الكلمات حبا!

قلبى وقلمى ..

 

يبدو لاول وهلة ان هناك شيئا ما يباعد بينهما …  ان هناك فارقا ما يفصل بينهما ، لكنهما يعينان بالنسبة لى .. شيئا واحدا .

قلمى .. هو قلبى ، فما ينفعل به قلبى ويحس ويشعر يتدفق به قلمى فياضا على الورق ، عبر دقات ، هى .. حقيقة .. نبض حياة .. وأى حياة !!

لذا .. جاء نتاج قلمى .. رحيق حياتى ، عصارة روحى ، خلاصة فكرى وخفق ذاتى

هذا هو ما اضمه الان فى ( كتاب ) يزخر بدفقات السنين ، يعمر بزخات الحنين ، يفيض بدفقات الشوق ولمحات الانين .. ذاك الذى يربض فى الاعماق ، فيحيلها نارا ولهيبا وسعارا . نارا تتوقد ساعد نعيش عذابا ما ، تتوهج لحظه نحيا معاناة ما.

.. فحين يلتهب الاحساس ، يتفجر الحرف حياة تنتفض الكلمات حبا .. وينبض القلم عبرا .. فينطق اروع العبارات

ومع دقات قلم ، هى بالاحرى نبضات قلب ، ومضات فكر ، مشاعر روح ، اترك نفسى تسكن قلبى ، كتابى (قلبى وقلمى ) ذاك الكتاب الذى يذكرونى دوما كيف كانت مشاعرى ازاء مواقف بعينها ، وكيف انساب فكرى امام احداث بذاتها .

اليكم .. (قطع ) من عمر عمرى اضعها الان بين ايديكم علكم تعايشون عبرها دقات قلمى فكرا ، ونبضات قلبى خفقا .. فريقا بها رفقا .. فهى عصارة السنين ، وعمق العطاء ، وحلاوة الذكرى ، وروعة الليالى ، وبهجة السهر ، واحلام السحر .. وامانى الزمان .

لكم .. ينبض قلبى عبر قلمى حبا . يخفق عبر كتابى شوقا ، أتمناه يصلكم فينقل لكم بعض ما احس .. واشعر

كريمه شاهين

الى البعيد ..أيتها النجوم !

مع مطلع كل عام ..

 

أبقىى اغلط فى كتابة التاريخ مدة طويلة من الوقت .. فاجدنى أخط رقم السنه الماضية بدلا من السنة الحالية .. وكأن أعماقى ما تزال تصر على ابقائى فى ماضى الزمان !

لفت نظرى هذا الاصرار على الخطأ، فأخذت أسائل نفسى عن سر هذه العادة الرتيبه التى تلازمنى كل سنة .. هل هو حب يرتبط بزمن قديم مضى .. أم هو خوف من زمن جديد أت؟!

.. وبدأت استرجع مواقف متكررة تأتى دائما مع مطلع كل عام جديد ، فالفيتنى أتابع بشغف شديد ، وكما هى عادتى دائما ، كتابات تغزو السوف تلك الايام ، كتابات محورها أحوال العاك الجديد ..

برجك بماذا يجبرك هذا العام ؟!

المنجمون يكشفون أسرار العام القادم !

شخصيتك فى العام الجديد !

النجوم وتأثيرها عليك هذه السنه !

إلى أخره الى اخره .!!

أخذت اجمع هذه المطبوعات الفلكيه المثيره للانتباه وجلست أقراأها بوله ونهم فأنا لا استطيع أن أخفى اعجابى الشديد بها .. ولا يمكننى مداراة هيامى بمطالعتها

ربما هى هواية قديمة لصقت بى منذ الصغر ، ربما هى تسليه خفيفة تمتعنى فى أوقات الفراغ .. لست أدرى !

انهمكت فى القراءة .. وهالنى ما قرأت . فانتبهت إلى نفسى فزعة اترقب أحداثا جساما تغزو العالم فى عام 86 .. هلاك . دمار ، خراب !

ما هذا الكلام السخيف وما هذه التنبوؤات المخفيه المرعبة ؟! وما سبب هذا التطير والتشاؤم الفظيع الذى تبثه بعض افلام قاسية فى نفوس الناش الطيبين ؟!

ولم أشأ أن أستطرد فى متابعة قراءات كئيبة تضيق بها نفسى ولا يطيق نذيرها فؤادى .. وأدركت بغته أن هذه كتابات خطتها أقلام واجبه خلت قلوب أصحابها من الايمان ونضبت عقول كتابها من الفكر فى قدرة الله تعالى . خالق الارض والسماء ، فجهلت معنى عظمته فى الاحتفاظ بالغيب له وحدة سبحانه ..

ولذا ذاق وجدانهم عذاب الارق والالم والهلع ، وفرغت قلوبهم من لذه الاحساس بالطمأنينه والامن والسلام .

فحتضنت كتابا عظيما يرتاح له عقلى ، ويسعد به وجدانى وتسكن معه روحى كتاباأحس جواره السكينه والامان ،  كتابا ساميا مقدسا هبطت كلماته طاهرة نقيه من السماء ..

فعشت السعاده مع عميق الفكر . وهدوء النفس وراحة البال . فالعقل والوجدان هما عينان ننظر بهما . عين تقع على القريب ، وعين تقع على القريب ، وعين تمتد إلى البعيد .

ونظرت بهما ، فرأيت أيام الله كلها بركة وصفاء وأمانا .

فى القريب ندعو الله ، وفى البعيد نرجو الله أن يبعد عنا نذير الشؤم والسوء وأن يجعل أيامنا كلها الخير والسعادة والهناء .

حقا .. تفاءلوا بالخير تجدوه .

قال تعالى : (قل ياعبادى الذين اسرافو على أنفسهم لا تقنطوا من رحمه الله )

                                                              صدق الله العظيم

السهر .. فى الفجر !

 

اكتب لكى الان والساعه تقترب من الرابعه صباحا . هذهالساعه أحبها وهذا الوقت أحس فيه خشوعا يحيلنى حبة ماء شفافة غاية فى الصفاء .

دون إرادة ..أجد نفسى أصحو تلقائيا وكأن هناك منبها داخليا يوقظنى كل يوم فى هذا الوقت كى أبدأ لقائى الحالم الهائم مع الورق .. هو فى نظرى أمتع لقاء يشعر به إنسان يهوى الكتابة ، يعشق الحروف ويهيم بالكلمة .. عندما يشعر هذا الانسان أن شيئا ما يتأجج داخله . شيئا يلح عليه ، يبعث فيه قلقا وتوترا غامضا . وكأن هناك سائلا حارقا يغلى داخله يفور فى اعمافه باحثا عن منفذ .. ما ان يجده حتى يندفع ينهدر شلال هذا الشىء خارجا جارفا كل ما حوله ، فتسيل الروح وتنهمر تيارات الارق والتوتر والقلق ..

وما ان يلتحم القلم والورق حتى تلتقى كل قيثارات العالم .. فتعزف ألحانا سماوية قدسية ، وتبعث جوا خياليا نورانيا ،كأجواء السحر فى ممالك الاساطير القديمة ..

ومن فوق عرش إحدى هذه الممالك الاسطورية أجدنى أجلس وقد حملت القلم السحرى وأخذت أخط فوق لوح لازوردى كلمات نبعت فى لحظات تسام وصفاء وابتهال ، لحظات ترتفع فيها النفس وتنطلق مبحرة مقلعة عن ماديات هذه الارض ..

أحبائى ..

لكم أقول .. أعترف

اتى مدينة لكم بما احمل من سعاده تعتمل داخلى ، فحين أكتب لكم .. اشعر أنى لست من مواليد هذه الارض .. ولست من مخلوقات هذا الكون ..

أجدنى أحلق بعين خيالى فى سماوات أسطورية .. أتناثر .. أذوب ..أتلاشى .. بعيدا .. بعيدا .. بعيدا ..

أحسنى أنمحى فى هذه اللحظه الحلم .. لا أشعر إلا الحب .. لكل ذرة من ذرات هذا العالم ..

وأنتم العالم ..

.. ويجىء لقائى معكم يحمل لمحات من روحى ، لمحات تحوى معانى قد أجهل التعبير عنها .. وربما أفشل فى التحدث بها ..

لمحات تهزنى .. تشدنى لاصحو . لاكتب . لابوح ..

الحمد لله الذى جمعنى واياكم .. والحب

رجل .. وامر أة

منذ صغرى ما تمنيت لحظه واحدة ان أكون ولدا وما شعرت لحظه واحدة أنى بنت وحيده بين أربعه أشقاء ، الا عندما أخذ الجميع فى البيت يستعدون بطريقه غريبة لا ستقبال المولود الجديد ..

ساعتها وقفنا نحن الخمسه على باب غرفة أمى ( رحمها الله ) نرفع أيدينا الصغيرة نحو السماء ، وندعو الله جميعا يارب (ولد )

وفجأة .. قفز إلى ذهنى اكتشاف عجيب .. فالتفت متفحصة وقلت لهم صارخة :

– أنتم كلكم صبيان .. وأنا بنت واحدة .. لا .. أنا عاوزة بنت .. يارب بنت يارب بنت ..

وقفنا جميعا ننتظر نتيجة الدعاء ، والشوق يقتلنا ، هم يدعون ( ولد ) وأنا أستجدى البنت .. وكأن الله استجاب دعائى .. وأطلت على الدنيا شقيقتى الحلوة الصغرى ..

وأخيرا وأخيرا .. سمحوا لنا نحن الصغار بالدخول إلى الغرفة لتقبيلها واحدا وراء الاخر ..

وضاقت الدنيا بسعادتى .. وتعجبت كيف لم أطر من الفرحه رغم كونى نحيفة نحيلة كعود الخيزران ” على رأى الاغنية ” وبدأت أحس مشاعر مختلفة .. ليست هى مشاعر الصبيان الاشقياء متسلقى الاشجار ، قافزى الاسوار .. ولم أعد أشغل بالى بسباق الجرى ، أو من يشوط الكرة أبعد من الاخر ، لم أعد أفكر متخابثة كيف نخيف أولاد الجيران مع ظلمة المساء ..

انشغلت كلى بالاخت الحلوة الصغيرة .. كيف ترضع ، كيف تبكى .. متى تكف عن النوم وتصحو ، متى تفتح عينيها ، تى تسمح لى أمى بحملها والسير بها ؟!

… وفى خلال أيام قليلة كف اهتمامى بالضيفة الجديدة ، مللت من مراقبتها وانتظارابتساماتها ، فهى دائما نائمة نائمة ، وتأكدت أن اللعب مع الاشقاء أحسن .. وأن سباق الجرى أكثر إثارة ، وتسلق الشجر أعظم متعة ، وأخافة أولاد الجيران فى المساء تضحكنى من أعماقى ..

وعدت من جديد ..

بنت شقية وسط أربعة أشقاء عفاريت زرق ، وسرعان ما نسيت الفارق الحيوى بينى وبينهم ، عشت كواحد منهم .. ولد لايقل عن أجدعهم شقاوة وجدعنة ..

ومنذ هذه اللحظه وأنا أمقت التمييز بين الولد والبنت .. الرجل والمرأة .. الكل فى نظرى انسان .. انسان يحس ، يشعر ، يعانى ، انسان يعيش عمره بعقله .. بقلبه .. بروحه .. بوجدانه .. بانسانيته ..

وعاشت معى أفكارى .. علمتنى أن الكتابه يجب أن لا تنقسم ، تنفصل ، تتمزق بين الذكورة والانوثة .. بين الرجل والمرأة .. فكلاهما يميزان ، يفكران ، يعقلان.

ويشاء القدر .. وتشاء الظروف أن يأتى يوم أصبح فيه رئيسة قسم شؤون المرأة فى الحبيبة (النهضة ) .. ورغم هذا المنصب ، ورغم هذا اللقب .. إلا أن داخلى ما زال يحوى هذا الكائن الشقى متسلق الاشجار ، قافز الاسوار ذاك الكائن الذى لا يؤمن بتفرقة الفكر الانسانى وتقطيعه بين ذكر وأنثى .. رجل وامرأة !!

رسالة.. من القبر !

 

بعض الناس عندهم حدس واحساس غامض يشبه الحاسة السادسة . احساس يدعو إلى العجب . فهم يكادوا يتنبأوا بما سيحدث لهم أو يصيبهم فى فترات زمنية متقاربة !

أما الفراسه العربية والذكاء الخارق النادر ، فهذا امر مشهور عند العرب .. واليكم ” عينة ” بسيطة تدلل على تلك الوراثة .. وان كانت عينة دموية .. لكن المهم هنا هو كيفية التصرف ازاء موقف صعب ودقيق .. ومخيف !!

ذات يوم خرج رجل غنى فى سفرة تجارية له .. وكان يرافقة عبدان له . فلما كانوا فى منتصف الريق البعيد الخالى من الناس ، هم العبدان بقتله طمعا بما يحمله معه من مال وفير !

وشعر الرجل بالخطر واحس بانه مقتول لا محالة . وتأكد ان منيته قد حانت على يدى عبديه الغادرين . وأنه لا أمل فى النجاة من الهلاك ،فأوصى العبدين ان يعودا الى اهله وينشدا هذا البيت من الشعر :

من مبلغ بنتى ان اباهما

لله دركما ودر ابيكما

وقتل العبدان التاجر الثرى ، واستوليا على ماله ، وقفلا عائدين ، ولم يجدا بأسا من ان يتوجها ال داره ويبلغا ابنته الكبرى بوفاة والدها بسبب التعب والارهاق خلال السفرة الشاقة .

وذكرالعبدان للابنة اخر ما تلفظ به والدها ، فناديت على أختها الصغرى وأخذت تنشد على سمعها قول أبيها .

ولكن ..

ما ان سمعت الابنة الصغرى قول ابيها حتى صاحت وصرخت مولولة باكية حاسرة الرأس تندب اباها المقتول ، وتطلب من عشيرتها الاخذ بتأره من العبدين القاتلين !

دهش السامعون ، وسألوهاعن السبب فى قولها هذا .. وطلبوا منها الدليل على ارتكاب العبدين لجريمة قتل ابيها !!

فقالت وهى تبكى وتنتحب :

الن الصراع الاول يحتاج الى ثان ، والمصراع الثانى يحتاج الى اول ، والمصراعان لا يليق احدهما بالاخر .. انما قصد ابى ان يقول قبل موته :

من خبر بنتى ان اباهما

امسى قتيلا بالفلاة مجندلا

لله    دركما   ودر   ابيكما

لا يبرح العبدان حتى يقتلا

فألقى القوم القبض على العبدين . وتم استجوابهما حتى اعترفا بارتكاب جريمتهما الشنعاء ، وارشدا الى مكان القتيل وقبره !!

وهكذا .. استطاع الرجل بفضل رسالته الغامضه ان يقتص من العبدين .. بعد موته !!

لسنا مغناطيسا .. فارغا !

 

ربما كان أبهج احساس يمر فى ساعة زمن ثقيل ، هو الضحك من القلب .

فأن يبقى الانسان كئيبا صارما لا يفارق العبوس ملامح وجهه ، ولا يغادر الهم جدران نفسه ، ولا تعرف البسمة طريقا الى شفتيه ، لانه قد اصبح انسانا مرموقا مشهورا .. لهو انسان جد تعس !! إنسان يحتاج ويشتاق الى تلك اللحظه الضاحكة بكل حنايا وثنايا قلبه المطحون !

والنجاح ..أى نجاح ، سيكون حتما اجمل واروع لو جاء نجاحا مرحا لم يضح صاحبة صاحبه بابتسامته ، ولم يغدر بضحكته ، من اجل ان يصبح شخصا عظيما ناجحا !

هذا الانسان لو عرف أ أسلوب تفكيره ، وطريقة كلامه لهما عقة وطيدة بتحديد طموحه ، وصنع نجاحه .. ذاك الذى يحفل بالفرح والسعاده .. والحب ، لكان حمد الله كثيرا الذى وهبه هذه النعمة وتلك المقدرة ، على وأد التعاسة .. وخلق السعادة .. وصنع النجاح .

فهذا الاسلوب فى التفكير ، وما يؤدى إليه من طريقة معينة فى الكلام ، تشى بالبهجه ، وتوحى بالتفاؤل .. هذا التفكير ذاته يولد فينا موجات واهتزازات تجذب ألينا كل ما يتفق مع تفكيرنا وكلامنا .. وهكذا .. نبقى دائما خالقى فكر ، وصانعى نجاح .

ونحن إذا دأبنا على ممارسة التفكير المضىء الواعد ،

 وحرصنا على الكلام البهيج السعيد ، سنحصل بديهيا على السلام الداخلى ، بعد أن عرفنا كيف نجعل تفكيرنا يدور حول محور الفرح والسعاده ، سنعيش دائما فى محيط ..  الفرح والسعادة .

فهل نحرص على ان ننقى مشاعرنا الداخليه من تلك الافكار الكئيبه المحزنة التى يغمرنا بها العالم من حولنا ؟! هل نحاول بجدية ان ننجى أنفسنا من الغرق فى تلك الفيضانات الدافقه الهادره ؟!

وهل نحاول حقا خلق الفكره الطامحة الهادفة ، خاصة لو عرفنا (قدرتها ) على الجاذبية ؟! لكن .. هل نعرف جميعنا ما هو قانون الجاذبية ؟!

قانون الجاذبيه كما جاء فى المجلد الثانى من (دائرة المعارف السيكولوجية ) هو :

” قانون الحب ” ليس الا ، وليس لهذا القانون أية علاقة بالرغبة التى تدفع فتى جميلا نحو فتاة جميلة وبالعكس ، ويمكن تعريفه كما يلى :

“إن الاهتزازات الذاتية المتماثلة تتجاذب وتتحد وتقوى بالتبادل “

وكى لانكون مغناطيسا فارغا خاويا فقد قدرته على الجذب والتأثير ، اهدى لكم تلك الفقرة التى وردت فى نفس المصدر السابق ، كى نعلم ما بها ، ونتعلم منها ،أملا فى تحقيق التألف والنجاح والابهار .

(يقول العلم إن كل شىء فى الكون هو (إهتزاز ) . وعليك أن تدرك (كيف ) تجذب كل ما أنت راغب فيه ).

وفكره الامل ، والحب المنعتق من كل أنانية ، والاعجاب ، والسماح ، تخلق فينا اهتزازات سامية ، سريعه تنضم الى الاهتزازات تنخفض وتبطىء ولا يبقى شىء مما هو سعيد ومنسجم فى حقل الجاذبيه عندنا . من هنا نعلم كيف نفقد أعظم الامال .

إننا كالحجر المغناطيسى الذى فارقه المغناطيس ويلزمنا جهد واع لكى نحرك اهتزازاتنا من جديد فى سبيل تحقيق أمالنا ) .

فلو أننا زرعنا داخلنا أفكار السعاده والفرح ، والطموح والنجاح مهما كانت صعوبة الظروف المحيطة المحبطة .. سنفلح حتما فى العيش مع النفس بسلام .. وسنعرف كيف نمضى قدما على درب الزمان ، املين فى النهاية بالالتقاء مع السعاده والفرح .. والنجاح … واى نجاح !

حقا .. ما أندر أن يجد الانسان نفسه وقد تجسدت احلامه وتحققت أماله .. وما زالت روحه شابة وقلبه ضاحكا وفمه مبتسما

هذا الانسان الناجح السعيد هو الذى يعيش جيدا ، ويضحك جيدا ، ويحب أكثر ويكسب احترام الاذكياء وحب الاطفال ، وهو الذى يملا مكانه ، وينجز مهمته ، ويترك العالم أفضل مما وجده !

هل هذا معقول ؟!

 

احب الشتاء .. أحب شمسه الدافئه ولياليه الهادئه .أحب الشعور بالحراره فى الداخل رغم البرودة والامطار فى الخارج .. هذا التناقض الحرارى بيهجنى الى اقصى درجة .. لا أدرى لماذا !

أموت حبا فى الجلوس امام مدفئه طبيعيه تلك التى تتغذى الفحم والخشب ،احسها كائنا حيا يفتح فاه مسعورا ، فيعطى سعيرا حاميا يدفىءء الدانى والقاصى

.. ومع برودة المساء ، ومع دفء ينعش الاوصال ، يحلو لى السمر والسهر فاقبع استمتع بروعة الذكريات داخل علبتى الصغيره استمرى الحوارات داخل محارتى الدافئه الساكنه .ز فكم اكره الخروج فى ليل الشتاء القارس العنيد .

وذات مساء بارد كان يحبو نحو ليل شتاء .. التقينا مع شلة اصدقاء فتحلقنا حول صوت ام كلثوم ، يدفىء بنبراته الدافئه برودة الليل ، ويؤنس وحشة الصقيع .

ودار حوار ..

أشتركنا فيه جميعا ،واخذنا نرتب احلى اغانى ” الست ” الى قلوبنا .. فرشحت انا ” كل ليلة وكل يوم اسهر لبكرة فى انتظارك يا حبيبى “.. وسرعان ما التف حوارنا وتركز حول معانى هذه الاغنية الحانية ..

برق وميض فى مخيلتى كصورة برق خاطف خاطف ، مر سريعا بذاكرتى .. فإخذت اتذكر وانا بين الحقيقه والخيال ، وأتساءل قلقه .. هذا الحوار ليس جديدا لقد دار من قبل هذه المره بالتاكيد .. ومع هذه المجموعه بالذات ؟!

.. ومضى الحديث وكأنه شريط سينمائى يعرض للمرة الثانية او ربما الثالثة امام عينى .. وخفق قلبى .. هل هذا معقول !!

غريبة ؟!

نفس الجلسة ؟! نفس الاشخاص ؟! نفس الحوار ؟! .. هل هذا معقول ؟!

وانتابنى وجوم عجيب ، مزيج من الدهشة والاضطراب .. واحترت ، فهذه الحادثة ليست هى الاولى من نوعها ، فأحيانا تتكرر نفس هذه المواقف وتتشابه بحذافيرها ، فيخيل الى الوهلة الاولى انها جديدة .. لكننى سرعان ما اكتشفت اننى مررت بها من قبل .. موقف قديم يعيد نفسه .. احداث تتجدد !!

وبدأت اسال واستفسر عن ماهيتها ، وهل هى تصيب اناسا اخرين ؟! ام انا فقط؟!

.. وعلمت انها تحدث لكثير من الناس ، فقط يدخل أحدهم مكانا ما فيشعر وكأنه عاش فيه بعض سنوات عمره .. وبعضهم ما ان يرى أمراة ما حتى يشعر بألفة غريبة نحوها ، وكأنه يعرفها كزوجة او كأنسانة منذ سنوات وسنوات !!

بل ان البعض ما ان يتذكر شخصا معينا حتى يراه امامه خلال لحظات ، او يسمع صوته عبر الهاتف فى الحال ..

وظللت اسأل وأسأل واتحرى .. فتأكدت ان هذا الذى يحدث ” شىء ” غير عادى لا اعرفه ، “شىء ” يختلف عن علم ” التليباثى ” – علم الاتصال – شىء يحاول العلم ان يستطلعه بواسطة علماء من نوع معين

وعرفت انهم يحاولون الان فى فى انكلترا عبر دراسات خاصة فى جامعة اكسفورد فقط .. يحاولون بحث هذه الظواهر غير العادية .. فى نفس الوقت يحاولون ايجاد تسمية علمية صحيحة لهذه المواقف ذات الاحاسيس الغامضة المبهمة !!

ولكن .. ما زالت هذه الدراسة مقيدة فى نطاق خاص يحد من انتشارعا فى الوقت الحاضر ، مما يعطيها حجما محددا يتقلص داخل انجلترا وحدها .. لماذا ؟!

لانها ما تزال تحوى الكثير من الغموض .. والشعوذة !!

براعم الحب

 

صرخت : أنتم لا تفهموننى .. الحقيقة ..

قاطعوها : الحقيقة ، هى الامر الواقع .. لا رغبات الخيال .

عادت تقول : حاولوا ان تفهمخونى .. انتظروا .. سأخبركم بما ..

أداروا ظهورهم . انصرفوا . لم ينتصروا سماع ما عندها !

وغرقت الفتاه الحلوة فى طوفان دموع ، وضاعت فى صحارى أسى .

طرد الحبيب من الدار . لم يعد . وسجنت الفتاه الحلوة وراء الابواب وخلف الاسوار !!

أعلنوا خطبتها لابن عمها وحددوا موعدا قريبا للزواج . وعاشت الحلوة تتعذب . ترفض إرادتهم برعب . تقرر الا تنهزم . وتعود بذاكرتها .. يوم كانت طفلة تعشق وجه القمر ، تهيم بالطيور والازهار والاطفال الصغار .

كان كل شىء جميلا  . كانت ضحكاتها تطلق الفرحة من عقالها .

كانت بسماتها تنعكس على روح أمها عندما تمرر يدها الصغيرة فى حنان لتسمح دموعا غزيرة ساخنة عن وجهها ، الذى تضمه فى وله شغف ألى صدرها الصغير ، وتحتضنه بنشوة طفولتها البريئة  ، ثم تعود بها الى غرفتها الدافئه ، خوفا عليها من صقيع الوحدة … وعذاب الشتاء !

كانت أمها دوما حزينة ، غارقة فى طوفان دموع ، ضائعه فى صحارى أسى ، كانت تخفى شعورها بالفرحة ، أى فرحة ، وكأنها تخفى عارا سحيقا . كانت تبتلع كلماتها وتقذف بها فى تيه النسيان .

وتذكر الفتاة الحلوة كيف كانت أمها تحتضن طفولتها المضيئه ، وتروى لها فى سكون حكاية زواجها من ابن عمها القاسى الشرس ، الذى امتص ربيع عمرها ، يوم تزوجها صبية غضة ، جفف زهرة حياتها بعمرة   الخمسينى !

وتدرك الابنه الواعية ان امها عاشت منبوذه ، مبعثرة كسحاب صيف منثور ، تعرف انها كانت نقطه حبر باهته فى كتاب أبيها الحافل بالكلمات ، ولا تنسى ذاكرتها لوحة وجه أمها الرائع المعتق الاحزان .

تنهض الحبيسة ، وتسجل فى كتاب أبيها الحافل .. هذه الكلمات :

طحننى هلع قاتل ، وأنا أتأمل الظلام وجدران الموت الذى سجنونى فيه ، زكمتنى رائحة الماضى الباهت التى تفوح من حنايا الدار .. وقررت أن أنبش وأخمش صدر الايام بمخالبى .. فانقلبت ذئبة !!

قررت أن أهرب . أن أفر الى حبيبى .أن أتزوج بمن أحب . أن أعيش كل حياتى . أن أذوق طعم الهناء .أن أتعرف على السعاده .أن أصادق البهجه وأصاحب الفرحة

فأبرزت مخالبى . كشرت عن انيابى . وانفلت من الحبس . قررت أن أضرب بيدى المعكوفة من يعترض طريقى ان اهدر دم من يعوقنى .أن أقتل من أجل الحب !

وتحفزت . حفزت جدار حبسى .. وثبت . سرت .. أنا تلك الذئبة الشرسة الهائجة . أمزق بتوحش ظلمات الليل . أقطع بنظراتى الامكنة . أرمح الى طريق الخلاص ..

وانشكبت مخالبى بجسم طرى . جسم مخطل بدموع غزيزة ساخنة . جسم شممت رائحتة التى اعرفها جيدا .فتأكلت مخالبى ونبتت اصابع طفلة ، تمرر يدها الصغيره فى حنو وحنان تمسح دموعا غزيره  ساخنه عن وجه أمها ، الذى تضمه فى وله وشغف ألى صدرها الصغير وتحتضنه بنشوه طفوتها البريئه .

واختفت الذئبة فى داخلى . اغرقتها دموع أمى الغزيزة الساخنه .

وأحسست شيئا يقفزفى كيانى . كأن فأرة ولدت فى أعماقى المقهورة . فعدت بى وبأمى الى غرفتى الدافئه ، خوفا علينا من صقيع الوحدة .. وعذاب الشتاء !

شتاء الغد القارس .. ذاك الغد الغادر الذى مزق مستقبل أمى عندما حاولت الهرب للحاق بحبيها ، فزوجوها من ابن عمها .أبى .. القاسى الشرير ، الذى تطوع لستر عار العائله ، وتغطيه طيش الصبية الغضه … بأعوامه الخمسين !

.. وعاشت أمى أيام عمرها منبوذه . مبعثرة كسحاب صيف منثور !

واعلنت فى جبن . أنا الفأرة الرعديدة ، موافقتى على الزواج .

وعشت أيامى ألعق جرحى الدامى العتيق .أتحسس وجه أمى المغبق فى ليالى الشتاء الباردة . وأرقب وجه زوجى الطيب الحنون . وأبحث بأمل عن براعم حب .. عليها تنبثق من جديد ..

جدران

 

لايوجد انسان ليس عنده حلم بعيد كبير لم يتحقق بعد ويظل يتمنى ان يطول به العمر كى يتحقق . وربما بعد ان يصله يكتشف انه لم يعد ذاك الحلم البعيد الكبير، وانه قد بدأ يحلم فى اللحظه نفسها بحلم اخر ابعد واكبر . فيظل يدعو ان يطول به العمر ، كى يحقق هذا الامل الجديد البديع !

وهكذا .. تمضى الدنيا بالانسان حلما وراء حلم ، وأمنية تتبع امنية . حتى تنتهى الفترة المقسومة له فى الحياة . سواء اكانت فترة عناء وشقاء .أم راحة واسترخاء.

وذات يوم .. اهتديت الى ان الانسان لو شعر بان كل امانيه تتحقق لذاق معنى التعاسة والارق ، ولعرف طعم اللامعنى المرير ، لساعات الحياة الطويلة الطويلة!

وكان ذلك يوم رأيت صاحبة هذه الحكاية الحالمة . هى شابة رائعة الجمال . فى شرخ الصبا . زوجة لرجل ناجح مشهور . تعيش حياة البذخ والثراء . لم تحرمها الدنيا من نبل الاصل وعراقة المحتد .

ومع ذلك لم تكن سعيدة هانئة بالطريقة التى تعيش بها حياتها ، او تقضى بها ايام عمرها ، كانت تمضى معظم اوقاتها خائفة ان يصيبها شىء ما يفسد زمانها ، فهى تقلق على طفليها اذا تأخرا عن العودة من المدرسة بضع دقائق . تهلع اذ غاب زوجها فى سفرة عمل ، وتحسبه سيعود اليها وفى ذراعه تتعلق زوجته الجديدة الحسناء !

وكان اقلق ما يقلقها ان يمضى الزمن ، وتفقد جمالها وبهاءها ، كانت ترقب بشرتها كل صباح بمرأة مكبرة تنقب عن تجعيدة صغيرة لم تزل فى أعماق جلدها .. ولم تكن تعرف ان التجاعيد ليست علامات الشيخوخة .. فقد يذبل الورد من العطش !!

وعطشت الوردة الرائعة الجمال الى الامان .. جففها واذبلها الخوف من المجهول . فشيدت الاسوار حول حياتها المنعزله . ورفعتها لتحصن بيتها ضد اى طارىء مجهول !!

.. ومع الوقت اصبحت واحدة من المتشائمين .. هؤلاء الذين يبنون حولهم سجونا فى الهواء !

فأحيانا يقوم جدار ما يفصلنا عن الاخرين … يبعدنا عن الاتصال المباشر بهم

ربما يكون هذا الجدار مبينيا على الوهم .. او الخوف .. او القلق .. او الملل .. او حتى لمجرد الرغبة فى ممارسة لذة الصمت !

 فكثيرا ما يشعر الانسان برغبة حادة فى العيش مع نفسه . فى التقوقع داخل جدران قفصه الصدرى .. بعيد بعيدا عن كل الاخرين !

حينئذ سيرى جدران حياته  وقد اختلفت ماهيتها . تفاوتت درجات سماكتها . فمنها ما هو شفاف .. وما هو معتم . ما هو سميك غليظ .. وما هو رقيق ناعم . ومنها ما هو خشن .. وما هو املس . سيلتفت حوله فى سكون يبسم ويضحك وهو يرقب نفسه فى مرايا جدران ذاته .. مرايا ذات اسطح عاكسة كاذبة .. كمرايا الملاهى التى نرى فيها أنفسنا . فنضحك لاول وهلة من أنفسنا !!

ثم .. نحس بازدراء باهت يطوف بمشاعرنا . ويفيض فى وجداننا ، لاننا نعلم ان هذه الصور الهلامية ليست صورنا الحقيقيه ..

وان وراء هذه المرايا الساخره يوجد جدار جاد صامت ، لا يبتسم ولا يثير الابتسام !

انه جدار الواقع الصلب بكل قوته وخشونته يسلبنا الراحة مع الذات ، ليعيدنا الى الاتصال المباشر مع الاخرين ، يرغمنا على التعامل مع الحياه بحرارة … قريبا قريبا من كل الاخرين !

قمة القوة

 

احيانا .. يشعر البعض بالرغبة ففى رد الاعتبار او الاخذ بالثأر ، حتى ولو كان ذلك مقابل كلمة  نافرة ، أو لمجرد موقف سخيف .. وضعه فيه الاخرون !

انهم يظلون يفكرون ويدبرون ، وربما يخططون لكيفية الرد والانتقام ، على ما كان من حوار .. او ماحدث من مواقف

ورغم ان الموقف قد يتأزم ويتطور ، الا انهم ابدا لا يتراجعون عن تنفيذ رغبتهم النارية ، وتحقيق نزوتهم الثأرية ،أملا فى ان يندمل جرح كرامتهم ، وان تشفى خدوش عزتهم ، فهم يعتقدون – خطأ – أنهم لو لم يسارعوا برد اعتبارهم ، سوف يكونون ناقصى الكرامة ، سليبى العزة ، عديمى الشخصية والشموخ والاباء

لهؤلاء البعض اصحاب القلوب الملونة ،أقول بكل الرجاء :

ما أجمل العفو .. عند المقدرة .

وما أروع العفو عن هفوات الناس ، وغفران أخطائهم ، فهذا يعد حسنة حقيقية ، فالله سبحانه كبير فى غفرانه ، عظيم فى عفوه وتسامحه .

قال تعالى :

(ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ، ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم )

صدق الله العظيم

الله جل جلاله يدعونا ألى المعاملة الطيبة ، والتسامح ، والمحبه ، فيمنحنا أجرا فى الحياة الدنيا هو راحة القلب والضمير ، ويغمرنا بمشاعر الرضى عن النفس ، كما يكافئنا فى الحياة الاخرة بالاجر والثواب .

فلنحاول ان نتسامى عن نزوة الثأر، وأن نتعالى على رفبة الانتقام ، فهذا الانتصار العابر والزهو الوقتى ، لحظه أشباع شهوة الانتقام ، سرعان ما يزول ويخبو ، ويعقبه ندم عات عنيف ، يعصف بنا ، يدمر احساسنا ..

ولكن … بالعفو .. سنربح مكسبين ثمينين ..

أولهما : صفاء الروح وراحة الضمير والعيش بسلام مع النفس  ، وسعادة تحت الجلد..

فهل جربت مرة كيف يكون شعورك وانت تمارس العفو عند المقدرة ؟ أنك حتما ستشعر أنك الاقوى .. أقوى من الانتقام نفسه .. او ليست هذه هى قمه القوة  ؟

ثانيهما : كسب محبة الناس ، حتى الاعداء أنفسهم ، فيصبح حينذاك

العدو اللدود صديقا حميما ، وتغدو الدنيا أجمل وأعذب ، أنعم وأرهف ، مادامت نفوسنا هائة مطمئنة ، تنعم بالسكينة وتزخر بالامان ..

زمع الوقت ..

سنجد أنفسنا أسعد حالا ، فكلما كسب الانسان صديقا حقق انتصارا ذاتيا ذهنيا وبالتدريج .. ربما تربح بعض الاعداء ، الذين قد تنجح فى ان تضمهم الى قائمة الاصدقاء ، وحتى لو لم تفلح فى ذلك ، ظنا منك ان التعامل معهم من جديد غير مجد وغير مثمر ، فيكفى ان تقنع بالعفو عنهم ، فكما قال ” اوسكار وايلد” : (اغفر لاعدائك فلاشىء يضايقهم أكثر من ذلك ).

فلماذا لانغفر ؟

لماذا لا نعفو ؟

إن البعض للاسف يعتقد ان التسامح مذلة ، وأن العفو امتهان وان لغفران ضغف ، فى حين أن الغفران قوة .. وأية قوة .

نعم .. فلنكن كما يقول الشاعر :

كن كالنخيل عن الاحقاد مرتفعا

يرمى بصخر فيلقى بأطيب الثمر

أغلى من الحب

 

كانت العائلة تطلع البر . بمجرد ان يعلم انى سأذهب يترك كل ما لديه ويأتى . كنت احب مداعباته لى . ارقص فى الخيمة وانا واسقه انه يرانى من مكان ما فعلا كان يعرف كيف ومتى واين ينظر الى . هو ابن عمى ليس بغريب .

عشت حياة نعيم وترف ابنه مدللة .ز وحيدة والدها التاجر الثرى . عوضنى ابى عن فقدان امى منذ كنت صغيرة  جدتى حنون تحبنى حبالا يوصف دائما تساندنى وتمدحنى امام ابى .

حتى جاء يوم اسود .. فالزمان لا يصفو الا ليبشر بنذير .. وفى سكون ما قبل العاصفه دخل ابى المنزل لن انسى ما حييت منظرة فى ذلك اليوم احسست بخوف غامض . شعرت بان مصيبة قد وقعت لما رأيت ابى والحزن يعتصر نفسه . والالم يمزق وجهه .

لمحته يدلف الى غرفة امه بسرعة ليتوارى عن عيونى سمعته ينتحب وينطق بكلمات غامضة وصلت الى اذنى ناقصة مبهمة .

وبعد ليلة عصيبه .. تسللت الى جدتى مع خيوط النهار . ايقظتها .سالتها عما اصاب ابى . عما حل به فنقلت لى نبأ افلاسه وكيف ان صديقه عبد الله عرض عليه كل امواله ووضعها تحت تصرفه . وهو مجرد لان ابن صديقه يحبك ياليلى . يريد ان يتزوجك وكان قد طلبك مرة قبل سنتين وابوك رفض لانه ” يدرى بحبك لولد عمك”

 والحين اذا اخذ المال ما راح يقدر طلب طلب الزواج من ناصر ولده . وهو محتار ما يدرى كيف يتصرف .

“وانت ياليلى .. ابوك يحبك وضحى من اجلك . رفض يتزوج خاف عليك من زوجة الاب . وانا ما اقدر اقولك اتركى ولد عمك وتزوجى ناصر . وما أقدر أتحمل شوفه أبوك محتاج “

وتم الزواج . ضحيت بحبى لانقذ ابى من ورطته الماليه . كنت اصبر نفسى واقول ان المراءة التى تتزوج بمن يحبها اسعد حالا من المراة التى تتزوج بمن تحب .

لم يحتمل حمد الصدمه . طار من الكويت بحجه إكمال دراسته بالخارج . عرفت فيما بعد أنه تزوج اجنبيه . واخلص ناصر لابى ساعده بعمله . كان خريجا درس اتجاره والاقتصاد . استرد ابى امواله وانتعشت تجارته وعاد ثانية من الاثرياء . واخلصت لزوجى . لم احبه كان مجرد زواج راكد لاحياة فيه . لا ادرى حتى الان اذا كان زوجى يعلم بقصة حبى ام لا . حاولت عدة مرات ان استشف ما وراء  نظراته . لم أتاكد بعد . زوجى ذكى لايكشف عما فى نفسه . عيونه داكنه لا تشف ما ورائها .

وفى يوم ساكن كأيام حياتى . دخل ناصر فرحا ليقول لى انه حصل على قسيمه فى منطقة زينة وبأنه سيبنى فيلا رائعه .. انتهيت من تأثيث الفيلا . انتقلنا اليها وأنا فرحة بتلك الحصوة التى حركت بحيرة نفسى . وسرعان ما رجع إليها الركود والسكون . وذات ليلة وبينما كنت اقرا كعادتى . اقتل الشعور بالوحدة ودخل زوجى ومعه حبيبى حمد ولد عمى . اضطريت لم أبد دهشتنى على  حقيقتها . كتمت انفعالاتى . جلس معنا حوالى الساعه . عرفت انه كان مع زوجى فى مدرسة واحدة . وانه اضصبح الدكتور حمد والتفيا الان فى الجمعيه فدعاء ليشرب فنجاى شاى . جلس يحتسى الشاى ويحتسى النظرات نحوى .. كأننى رأيته يزداد توهجا . كأننى سمعته يقول لى (يابعد قلبى ) وهو يضع الفنجان على الطاولة . اطرى على ذوقى فى تأثيث الفيلا .

خرج بعد ان تركنى هامده . اتعبتنى نظراته . كان يبحث عنى يريد ان يعرف اين انا منه وهل لايزال ” بعد روحى ” كما اعتدت ان اهمس له ؟

تعددت زياراته . وتعددت ضربات قلبى . تركزت نظراته . وتشتت نظراتى . كان حلقى يجف . هدنى الخوف . خشيت ان اضعف خفت ان يشعر بى زوجى . ان يفهم سر هذا الاضطراب الذى يتنبانى حينما اراه .

كثرت زياداته . اصبح يحضر زوجته ليعلل وجوده امام زوجى خفت اكثر .فالمرأة اقدر على فهم لمرأة . حرصت على أن تنفصل جلستنا .. ندع الرجال بروحهم . ونجلس نحن بروحنا . ومضت ليالى عنيفة وايام مدمرة .. وازداد نحولى . وانكشف اضطراب اعصابى . الى ان جاء يوم اقترح حمد ان نذهب الى البر . فبضعه ايام هناك ستجعلنى استرد صحتى وافق زوجى بسرعه الى البر . فبضعة ايام هناك ستجعلنى استرد صحتى . وافق  زوجى بسرعه . فهو يجب ارضائى وسعادتى . اعطف عليه كثيرا . احترامه اكثر .

وجاء موعد (الكشته ) . حضرنا جميع الاغراض . لم ننس شيئا استعد للذهاب معنا جماعه اخرى من الاصدقاء . كان العدد كبيرا ذهب السائق يوصل الهند يه لبيت شقيقتها . اكتشف زوجى ان الفحم قليل . فذهب لشراء كميه اكبر تكفى لعملية الشواء . وجاء حمد يستعجلنا . دخل ملهوفا كعادته . رأنى واقفه بجوار الباب . اهم باستقبال الداخل . حسبته زوجى . اقفل الباب خلفه بقدمه . نظر الى فجمد الدم فى عروقى . اقترب منى . .. انقطع نفسى . احسست ان صدرى سيتمزق . كدت أركل حياتى واحتمى بأحضانه . اعوض ما فات . أروى حرمان كل هذه السنوات .

ودفعته عنى بجهد . نظرت اليه فى توسل .. واسترددت أنفاسى . سيطرت على نفسى . طردت الشيطلن .. وحين استطعت ان اجد صوتى .. ببرود مباغت قلت : (انا الحين مرة متزوجة .. مو انا اللى تخون زوحها . وتخون بينها . اطلع يا حمد من بيتى .. واذا رجعت راح احكى لزوجى كل شئ) . شحب وجهه ووقف ساكنا فى مكانه وقد الجمت المفأجاه لسابه . وبذهول المجنون طلع . وبذهول الفرحة زهوت بقوة ارادتى .

كنت اخشى تلك اللحظة . كنت اعمل لها الف حساب . كنت اعرف انه سيحاول ان ينالنى يوما . عرفت ذلك من نظراته . من طريقته فى الكلام .

وعاد زوجى يحمل الفحم . سألنى عن الجماعة . قلت له اعتذرت لهم . جاء حمد وقلت له يقول لهم ما راح نطلع معاهم البر .

– ليش .. خير ان شاء الله .. فيكى شئ ؟

– اى والله يا ناصر .. فينى دوخة الحين .. ياليت تودينى الطبيب

وطار زوجى من الفرح

 

نور القلـوب

Featuredنور القلـوب

نور القلـوب

مقدمة الكتاب

الحمد لله الذى هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

الحمد لل الذى لا تنفد كلماته ، ولا تستعصى على الفهم والإدراك على أحد من خلقه ، وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجميعن .

أعزائى .. قرأئى حفظكم الله ورعاكم ، يسرني أن نلتقى عبر صفحات كتاب نور القلوب لنقرأ معاً كلمات مضيئة تدور حول الإيمان بالله ورسوله ، والتصديق بما أخبرنا به الله فى كتابه الكريم ، ذلك النور الهادي الذى تستضئ به القلوب والنفوس والعقول .. وهذه الصفحات التى نقرأها الآن هى عبارة عن مقالات أسبوعية سبق نشرها فى مجلة اليقظة الكويتية قمت مؤخراً بتجميعها فى هذا الكتاب ..

.. ذلك الكتاب الحافل بالنور ، نور الله تبارك وتعالي ، الذي حرصت أن يصدر بأسلوب سهل بسيط يدخل القلب مصحوباً بخشوع ورغبة فى الله عميقة ، وحباً لرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، حباً ظاهراً وباطناً واضحاً ، فعندما تتلاقي الكلمات الصادقة فى حب الله ورسوله مع قرائها ، تتضح المعاني ، ونتواصل الأفكار، فيدركها العقل ، ويستوعب ما فيها من معلومات تعينه على إصلاح نفسه، والفوز بخيري الدنيا والآخرة إن شاء الله ، وهذا بفضل العقل ، الذي حبانا الله سبحانه وتعالى ..

قال بعض العلماء : لما هبط آدم ، جاء جبريل بالدين والمروءة والعقل ، فقال: ان الهل يخيرك فى واحد منها فاختار العقل ، فقال جبريل للدين والمروءة : اصعدا ، فقالا : ان أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان .. لقد أحسن القائل :

إذا أكمل الرحمن المر عقله

                           فقد كملت أخلاقه ومآربه

وأفضل قسم الله المرء عقله

                           وليس من الأشياء شئ يقاربه

عن ابن – عمر رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لإن الرجل ليكون من أهل الصيام وأهل الصلاة وأهل الحج وأهل الجهاد، فما يُجزى يوم القيامة إلا بقدر عقله ” ([1]) .

ففي الواقع ، العقل البشرى لا يكف عن التفكير والبحث والتأمب ، فكلنا نعبد الله الذى خلقنا ورزقنا ، الذى يُحيينا ويُميتنا ، فهو القادر القاهر ، الغفور الرحيم ، صاحب النعم علينا .. فهو تبارك وتعالي يستجيب دعاءنا ، ويعطينا ويرحمنا .. إنه جلّ جلاله فى كل مكان ، فى كل زمان ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، فالكون ملكه يديره ويدبر أمره .. سبحان الله عما يشركون .. نعم .. ( يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  ) ” النور 35 ” .

نسأل الله أن يوفقنا جميعنا ، وأن يتقّبل منّا صالح أعمالنا ، وأن يغفر ذلاتنا ، وأن يعفو عنّا ، ويرحما إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، واليكم دعاء أحد الصالحين :

” اللهم أسألك فهم ما جاء به النبيين ، والمرسلين وحفظ الملائكة المقربين ، وأن ترطذب لساني بذكرك ، أن تجعل قلبي مليئاً بخشيتك ، وأن تُنعم علىّ بحسن عبادتك ” آمين يارب العالمين .

 

كريمة شاهين
الطريق إلى حب الله

القلب وما فيه من عاطفة جياشة تحوى الحب والعطاء ، يحظى بمنزلة عالية في الإسلام . فهو المحرك الرئيسي لتصرفات الإنسان ، وهو الدافع الباعث على كل ما يرضى الله ( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٧٧﴾ وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ) ” الحج : 77 ، 87″  . فكلما كان الشخص صادق الحس بمشاعر الآخرين ، كلما انطلق كالسهم سعياً في تفريج كربهم ، دون تردد أو توقف ، كلما انطلق كالسهم سعياً في تفريج كربهم ، دون تردد أو توقف ، كلما كان أعلى مكانة، وأسمي مرتبة من ذلك الشخص الآخر الذي لا يهتم ، ولا يبالي ، ولا يعير الآخر ” المحتاج ” أدني اهتمام !

اللطيف فى الموضوع ، أن فعل الخير المبني على الإحساس بمشاعر الآخرين لا يقتصر فقط على الحسّ المادي أو المساعدة العينية وحدها ، بل إنه يشمل أيضا المشاركة الوجدانية ، تلك المشاركة الودودة الحانية التى ما تلبث أن تتقلص حتى تصبح مجرد ابتسامة ! نعم . ابتسامة تعتبر صدقة . صدقة تعّبر عن الحب والخير .. والعطاء .

وفى هذا حديث الذى رواه أبو موسي الأشعري عن النبى “صلى الله عليه وسلم” قال ، قال : ” على كل مسلم صدقة” فقال أبو موسي أرايت إن لم يجد ؟

قال : يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق .

قال : أرأيت إن لم يستطيع ؟

قال : يعين ذا الحاجة الملهوف .

قال : أرأيت إن لم يستطع ؟

قال : يأمر بالمعروف أو الخير .

قال : أرأيت إن لم يفعل ؟

قال : يمسك عن الشر فإنها صدقة ([2]) .

فالمسلم لابد أن يقدم شيئاً . إذ يستحيل أن يكون المسلم عقيماً لا أثر له ولا ثمر . فلابد وأن يعطي . يعطى ولو بالامتناع عن الشر والأذى . هذه هى روح الإسلام . وهذه هى السل التى علمنا الله أن نتبّعها لنمتنع عن الشر . وأن نسلك سبل الخير والرشاد . فالله سبحانه وتعالى بين لنا طريق البذل والعطاء . ذلك الطريق المبني على الحب والإخلاص .

.. وأعلى درجات هذا الحب . هو الحب لله . فيصبح الله محبوب قلبه . ومعبود قلبه . ومقصود قلبه . وهذا ما قاله المولى عز وجلّ في حديث قدسي لرسوله الكريم : ” إني حرّمت على القلوب أن يدخلها حبي وحب غيرها فيها ” ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابة الكريم : ( مَّا جَعَلَ اللَّـهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) “الاحزاب:4 ” فالقلب واحد يتجه به صاحبه إلى حبيب واحد . فيسلمه له ، وهذا هو حال من يحب مولاه . يسلّم وجهه وأمره وقلبه وكيانه كله لله .

يقول الإمام الجنيدي عن العبد المحب المتعلق قلبه بالحب الإلهي ” عبد ذاهب عن نفسه ، متصل بذكر ربه ، قائم لأداء حقوقه ، ناظر إليه بقلبه ، أحرق بأنوار هيبته ، وصّفي شرابه من كأس وده ، وانكشف له الجبار من أستار غيبته فإن تكلم فبالله ، وإن نطق فعن الله ، وإن تحرك فبأمر الله ، وإن سكن فمع الله ، فهو بالله ، والله ، ومع الله ” .

ونحن كما نعرف أن للحب أنواعاً وألواناً ، وله أيضاً حدود وحقوق ، وعن ذلك الحب يقول أبو يزيد البسطامي : ” كاذب من ادعي محبته ولم يحفظ حدوده وأول حدود حب الله العمل لله بتعاليم الله وبأداء الفرائض ، واجتناب النواهي ” .

ويقول الشاعر :

تعصي الإله وأنت تظهر حبه              هذا لعمرى في القياس بديع

إن كان حبك صادقاً لأطعته                إن المحب لمن يُحب مطيع

هذه هي الخطوة الأولي فى الطريق إلى حب الله . فحب الله لن يتأتي دون أداء الفرائض . وهو ، أي الحب ، دون أداء الفرئض يُعتبر زيفاً وكذباً . فأداء الفرائض شرط لحسن الظن بالله .

لكن .. إذا حدث وترك قوم العمل وقالوا : نحن نُحسن الظن بالله ، فقد كذبوا ، مصداقاً لقول رسول ” صلى الله عليه وسلم ” : ( لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل ” ([3]) فليس لمن يهمل أداء فرائض الله ، من سبيل إلى القرب من الله .

يقول الإمام أبو سعيد الخراز : ” بلغنا عن الحسن البصرى رضي الله عنه أن ناسا كانوا على عهد رسول الله قالوا : يا رسول الله إنا نحُب ربنّا ([4]) عز وجلّ فنزل قول الله تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ ) ” آل عمران : 31 ” فمن صدق محبة الله .. اتبع سنة رسول الله “صلى الله عليه وسلم” فى زهده وهدية وأخلاقه ، وتأسي به فى الأمور كلها .. وهذه هى قمة الإيمان .

كلمات من نور

” لقد مّن الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ” .

*  *  *


أفضل الأنبياء والرسل

   الأنبياء هم صفوة البشر.. يختارهم الله سبحانه وتعالي لحمل الرسالة, ويصطفيهم ممن هم أهل لحملها من الرجال ﴿الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير﴾ [الحج: 75] لذا نجد أن النبوة لا تكون إلا لمن اختاره الله تبارك وتعالي لها, وهى لا تكون بالوراثة, ولا بطريق الغلبة والاستعلاء.. بل هي اختيار محض.. فحكمة الله العليا قد حددت لكل إنسان رزقه, ولكل إنسان حظه من المال والرزق, والمال بالنسبة للنبوة شىء حقير فكيف يترك الأمر العظيم وهو” الرسالة والنبوة” إلى أهواء الناس ورغباتهم؟!

   هذا هو ما حدث مع رسول الله صلي الله عليه وسلم حين اعترض المشركون من كفار قريش, واستغربوا كيف تنزل الرسالة على يتيم فقر ليس له من مظاهر السلطان والقوة والغني شئ؟! فقد كانوا يتصورون من وجهة نظرهم القصيرة .. وهنا جاءهم الرد الإلهي الحاسم ﴿وقالوا لولا نزل هذا القرأن على رجل من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون﴾ [ الزخرف: 31, 32].

   وهكذا.. غاب عن كفار قريش أن النبوة هبة من الله لا تمنح لكافر أبداً. فهي لا تعطي إلا للمؤمنين, كما أنها خاصة بالرجال فقط وذلك لأنها عبء ثقيل وتكليف شاق لا تطيقه المرأة بطبيعتها الضعيفة المرهفة﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون﴾ [النحل :43].

   والنبوة بمعناها الواسع وعرضها النبيل, لها هدف يعتبر من أسمي الأهداف, وهو الدعوة إلى الإيمان بالله والدعوة إلى الإيمان بالآخرة وتفضيلها على الحياة الدنيا الفانية ﴿وما الحاية الدنيا إلا متاع الغرور﴾ [آل عمران: 185].

   وهنا.. قد يتساءل بعض الناس عن الفرق بين الأنبياء والرسل .. ما هو؟! ونحن إذا عرفنا أن الأنبياء قد وصل عددهم إلى حوالي مائة وعشرين ألفاً, أم الرسل الذين ذكروا في القرآن الكريم فهم خمسة وعشرون, ويجب الإيمان بهم جميعاً. هذا إلى جانب غيرهم الذبن لم يأت في القرآن ذكرهم ﴿ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك﴾ [النساء: 164] والرسل الكرام مأمورون بتبيلغ الرسالة فهم ﴿الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولايخشون أحداً إلا الله وكفي بالله حسيباً﴾ [الأحزاب:39].

   ..وبعض أولئك الرسل قد فضلهم الله وسماهم بأولي العزم, لأن إبتلاءهم كان شديداً, وعزائمهم قوية, وصبرهم عظيماً إزاء البلاء والمحن التي يتعرضون لها من الضالين المكذبين. وهذا هو التكليف الإلهي الذي خاطب به الله سبحانه سيدنا محمد ﴿يا أيها الرسول بلغ ما انزل إلي من ربك﴾ [المائدة: 67]. وهو صلوات الله عليه آخر الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم الذين ناداهم الله بأسمائهم إلا خاتم الرسل فقد خاطبه الله بوصف النبوة أو الرسالة إظهاراً لعظيم قدره ﴿يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً﴾ [الأحزاب:45].

   وهكذا.. خاطب الله نبيه بلفظ النبوة, ولاتوجد آية واحدة في الكتاب الكريم فيها خطاب باسمه الصريح. فهو صلوات الله عليه أفضل الرسل على الإطلاق, جعلنا الله من المقتدين السائرين على منهاجه, فهو نموذج للكمال, وعنوان للفضل, لأنه أكمل الناس عقلاً, وأطهرهم سلوكاً, وأشرفهم رتبة ومنزلة. أليس هو القائل: “خصلتان من كانتا فيه كتبه الله تعالي شاكراً وصابراً, ومن لم تكونا فيه لم يكتبه الله شاكراً ولا صابراً: من نظر في دينه إلي من هو فوقه فاقتدي به, ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به عليه, المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً”.

   ومن معجزات هذا النبي الأمي أنه عندما كان يدعو الناس في مكة إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونبذ عبادة الأصنام, ويقيم لهم الحجة على أن الله وحده هو الذي خلقهم وأن الأصنام لا تنفعهم ولاتضرهم, بل إنها لا تملك لنفسها نفعاً ولاضراً, فما كان جوابهم إلا أن قالوا : ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفي﴾ [الزمر: 3].

   وفي يوم من الأيام, قال كفار مكة للرسول صلي الله عليه وسلم لن نؤمن بك حتى تظهر لنا دليلاً محسوساً نراه أمام أعيننا حتى نصدقك.. فقال لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان الوقت ليلاً: “انظروا إلى القمر” فنطروا جميعاً, أشار عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم بيده فأنفلق – أي أنشق قسمين, وشاهدوه جميعاً ولكنهم قالوا: سوف ننتظر المسافرين القادمين من الصحراء لنسألهم هل شاهدوا انشقاق القمر مثلنا أم أنك يا محمد قد سحرت أعيننا؟! وجاء بعض المسافرين وسألوهم فأقروا بأنهم شاهدوا انشقاق القمر.. ومع ذلك آمن القليل, وكذبه الكثير, بل قالوا إنه سحر مستمر.

كلمات من نور

 ﴿اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر* وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر * ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر * حكمة بالغة فما تغن النذر﴾ [القمر: 1 : 5].

*      *     *

لك الحب.. يا حبيب الله

   الحمد لله فاطر السماوات والأرض, الحمد لله الذي رزقنا الإسلام وحبب إلينا الإيمان, فنسأله أن يكتبنا عنده من أهل الإحسان, وأن يجمعنا يوم الدين مع سيد الأنبياء وخاتم المرسلين صلي الله عليه وسلم: ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً﴾ [مريم : 96].

   اللهم يا ودود ياذا العرش المجيد, يا فعال لما يريد, يا عزيز يا حميد نسألك الرضا يوم الوعيد, ونسألك الجنة مع المقربين الشهود الموفين بالعهود.

   حقاً.. إنه الحبيب المحبوب حبيب الله والمسلمين أجمعين, الذين يحبونه أكثر من أنفسهم وأولادهم وأموالهم, والذين يصبرون على الإبتلاء, ويتحملون الأذي طمعاً في الفوز بالجنة ﴿لتبلون في أموالكم وأنفسكم﴾ أى أن المؤمن معرض للشدائد والمتاعب في هذه الحياة الدنيا, قال تعالي: ﴿ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذي كثيراً﴾ [آل عمران : 186].

   لذلك.. أمر الله المؤمنين بالصبر والتقوي (وإن تصبروا وتتقوا) وإن نلجأ إلى الله دوماً بهذا القول الكريم: ﴿حسبنا أو ونعم الوكيل﴾ الذي يستحب أن يقال عند الغم والهم والأمر العظيم.

   هذا, مع دوام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم, الذي يبادله أمته حباً بحب, والذي رفع يديه ذات يوم وقال: اللهم أمتي أمتي وبكي, فقال الله عز وجل: يا جبريل أذهب إلى محمد وربك أعلم فسله : ما يبكيه؟ فأتاه جبريل فسأله, فأخبره بما قال وهو أعلم, فقال الله يا جبريل, أذهب إلى محمد, فقل له: إنا سنرضيك في أمتك, ولا نسوؤك(1).

    هذا هو بعض من خلق الرسول صلى الله عليه وسلم, نبي الرحمة, الذي يرغب في التيسير على الأمة.. فمن صفته أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً, إذ قال صلى الله عليه وسلم: “يسروا ولا تعسروا, وبشروا ولاتنفروا”(2).

 

ـــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه القرطبي في تفسير سورة الضحي الآية 5 جـ20, ص 95 طبع بيروت.
  • أخرجه البخاري في صحيحه جـ1, ص27 و جـ8, ص36 طبع الشعب, وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الجهاد والبيهقى في السنن الكبري جـ10, ص86.

 

   عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” لكل نبي دعوة مستجابة, فتعجل كل نبي دعوته, وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة, فهي نائلة إنه شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً”(1).

 

كلمات من نور

   ” يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين, الذين استجابوا لله والرسول من بعدما أصابهم الفرح للذين أحسنوا منهم وأتقوا أجر عظيم”.

 

*     *     * 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده جـ6, ص396 طبع بيروت.

 

 

في خيمة قائد الأعداء.. جاء اللقاء!

   عندما يمتزج الواقع بالخيال, وتفوق الأحداث بعنفها وغرابتها مالاً يخطر على البال.. يبدأ الإنسان يفكر في الحال بحثاً عن أسباب مقنعة لمثل هذه الأفعال, تلك التي تثير فيه الشعور بالحيرة والإحباط, فيظل يطلق السؤال إلى أن يهتدي لحل يريح قلبه, وتطمئن له نفسه, فإن عجز عن الوصول إلى مثل هذا الحل المعقول المقبول, يعود يفكر ويفكر فيما يحدث حوله ويدور, محاولاً بذلك الخلاص من عجبه, ودهشته, وحيرته..!

   وهنا.. قد يخطر بالبال هذا الاستفسار: لماذا تحدث كل هذه المحن لأولئك الناس الفقراء الضعفاء؟! ولماذا يصيب كل هذا الإبتلاء أولئك البائسين العاجزين عن دفع الشر والأذي عن أنفسهم؟!.. ما السبب يا تري؟! وما الحكمة فيما حدث وجري؟!

  .. الحكمة في هذا البلاء, والسبب في ذلك الإبتلاء شيئان مهمان أحدهما التمييزيين المطيع والعاصي. قال تعالي: ﴿ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم﴾ [محمد31]. أي حتي يظهر بالفعل من الذي أطاع, ومن الذي عصي. وهذا لايتم إلا بوقوع الإبتلاء. والثاني: حتي يستحق من صبر الثواب, وينال من عصي العقاب. وفي ذلك قال بعض أهل المعرفة: البلوي أدب للظالم, ورياضة للتائب, فبالجهاد, أي المجاهدة, تحصل رياضة النفس.

   ومن الصحابة رضوان الله عليهم الذين أقاموا على الجهاد, وثابروا عليه.. عبده بن هلال, وكان قد أقسم على نفسه أن لا يشهد عليه ليل بنوم, ولا شمس بظل أبداً. فأقسم عليه عمر أن لا يهلك نفسه ويرفق بها. وقال إبراهيم بن أدهم: لا ينال الرجل رتبة الصالحين حتي يتجاوز ست عقبات, الأولي: يغلق باب النعمة ويفتح باب الشدة. الثانية: يغلق باب الراحة ويفتح باب التعب. الثالثة: يغلق باب العز ويفتح باب الذل. الرابعة: يغلق باب النوم ويفتح باب السهر. الخامسة: يغلق باب الغني يفتح باب الفقر. السادسة: يغلق باب الأمل ويغلق باب الإستعداد للموت..!

    هذه هي ذروة الرغبة في الجهاد: الإستعداد للموت ببساطة وبسالة, وكأن المجاهدة هنا متعة, والبلايا راحة الراحة. فالمجاهد حقيقة لا يخشي على شئ في هذه الدنيا, لأنه يعلم تمام العلم أن ” الآخرة خير وأبقي” .. فلا يعوقه شئ إذن عن الشهادة من أجل الله, فليذهب راضياً راغباً لقاء الموت.. في سبيل الله.

 

 

 

   إليكم تلك الحكاية التي تعتبر من عجائب القصص التي رويت في مجال الجهاد, وهي تتعلق بالقائد المسلم حبيب بن مسلم الفهرى الذي اشتهر بفتوحاته في الشمال, فقد خرج ذات يوم للجهاد في سبيل الله, وكان يحب زوجته حباً شديداً, فتمسكت به عند خروجه, فقال لها مودعاً إلى اللقاء. فقالت: إلى أين؟ فقال لها إما أن ألقاك في الجنة شهيداً أو ألقاك منتصراً داخل خيمة قائد جيش العدو إن شاء الله.

   وإنطلق إلى الجهاد, ونشبت المعركة, وحمى وطيسها, ونصر الله جيش المسلمين نصراً عظيماً, وانطلق حبيب إلى خيمة قائد جيش العدو ليعلن انتصاره.. وهنا, كانت المفاجأة في الخيمة, فقد فوجئ بزوجته حبيبته تقف أمامه في وسطها وهي تبتسم له قائلة: ألم تقل عند خروجك إلى اللقاء في الخيمة أو الجنة؟ فقال لها: وكيف وصلت إلى هناك؟! قالت ارتديت زي جندي من جنودك وقد عزمت إما أن أقابلك شهيدة في الجنة, أو منتصرة في الخيمة.

كلمات من نور

﴿ آلم *أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين * أم حسب الذين يعلمون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون * من كان يرجو لقاء الله فإن الله لآت وهو السميع العليم * ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين﴾ [العنكبوت : 1-6]

 *    *    *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثلاثة أنواع من.. النعم

   محمد صلى الله عليه وسلم جهر بكلمة الحق, لم يشأ أن يكتمها, وكيف يكتمها؟ وقد قال سبحانه وتعالي في كتابه الكريم ﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾ [الضحي: 11].

   وحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بما أنعم عليه ربه, أخبر أمته بما حدث, وما سمع, وما رأى. أخبر أمته بأمر الصلاة, وبين لهم منزلتها في الإسلام, وهي كمنزلة الرأس من الجسد, فالصلاة هى أول ما فرضه الله تعالي على عباده من عبادات.

   .. وجاء فرض الصلاة في السماء.. لا في الأرض, فهي تطهر النفس وتزكيها وتؤهل العبد لمناجاة الله في الدنيا, ومجاورته في الدار الأخرة, كما أنها تنهي عن فعل السوء: ﴿وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ [العنكبوت : 45].

   والله تبارك وتعالي جعل الصلاة خمساً في العمل وخمسين في الميزان, كل صلاة بعشر صلوات, ويضاعف لمن يشاء, إنه هو التواب الرحيم سبحانه عز من قائل : ﴿ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فأعبدني وأقم الصلاة لذكرى﴾ [طه : 14].

   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مثل الصلوات الخمس كمثل نهر عذب بباب أحدكم يستحم فيه كل يوم خمس مرات, فما ترون ذلك يبقي من دونه؟ قالوا: لا شئ. قال: فإن الصلوات الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن”(1).     

    والصلاة صلة بالله, وهي نعمة تستوجب الشكر عليها ﴿ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون﴾ [المائدة: 6].

   فبالشكر تدم النعم, والنعم ثلاث, نعمة حاصلة يعلم العبد بها, ونعمة منتظرة يرجوها, ونعمة موجودة لكنه لا يشعر بها, وهذه الحكاية تبين أنواع هذه النعم الثلاث:

   دخل أعرابي يوماً على الرشيد فقال:   

   يأمير المؤمنين ثبت الله عليك النعم التي أنت فيها بإدامة شكرها, وحقق لك النعم التي ترجوها بحسن الظن به ودوام طاعته, وعرفك النعم التي أنت فيها ولا تعرفها لتشكرها.

   فأعجبه ذلك منه وقال :

   ما أحسن تقسيمه.

ـــــــــــــــــــــــ

  • أخرجه ابن ماجه في سننه جـ1 كتاب إقامة الصلاة والسنن, ص 447 حديث 1397 تحقيق الشيخ / محمد فؤاد عبد الباقي.

 

   نعم.. ﴿إنما يعمر مساجد الله من أمن بالله واليوم الآخر وآقام الصلاة وآتي الزكاة ولم يخش إلا الله فعسي أولئك أن يكونوا من المهتدين﴾ [التوبة: 18].

 

كلمات من نور

   ﴿وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين﴾ [هود: 114].

 

*     *     *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رب أسألك.. الشكر في قلبي

   .. حين نحس دفء الربيع, إثر معاناة برودة, شديد الصقيع, نبدأ نتحرك بحرية وحماس في كل اتجاه.. أو .. قد نبدأ بقراءة بعض الكتب, أو كتابة قليل من الأوراق, أو نلجأ إلى كثرة الدعاء, خاصة في أوقات السحر, بعد طول ليل, وقبيل طلوع نهار.. إليكم تلك الحكاية التي توضح معني ” أدعوني أستجب لكم” وتؤكد أهمية الدعاء بقلب يحسن الظن بالله.

   روي الله الدينوري.. أن رجلاً من الصالحين دخل قرية من القرى في المساء, وسأل أهلها أن يستضيفوه تلك الليلة ابتغاء وجه الله فلم يلتفت إليه أحد, وإذ برجل أعمي يجتاز الطريق, فسمع سؤال الرجل للناس فقال له ( أنت ضيفي) وأصطحبه إلى منزله وأكرمه, فلما كان نصف الليل قام الأعمي من نومه, وسمع الرجل يناجي الله بهذه الكلمات:

   ” اللهم رب الأرواح الفانية والأجساد البالية, أسألك بطاعة الأرواح الراجعة إلى أجسادها, الملتئمة بعروقها, ودعوتك الصادقة فيهم, وأخذك الحق منهم, وقيام الخلق لهم من مخافتك وشدة سلطانك, ينتظرون قضاءك فيخافون عذابك, أسألك أن تجعل النور في بصري, والإخلاص في عملي, والشكر في قلبي, وذكرك في لساني بالليل والنهار ما أبقيتني.. يا الله يارب العالمين, وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمين”.

   و..عندما رد الله الرحمن الرحيم.. يامن خلق الخلق بغير مثال ويامن بسط الأرض بغير أعوان ويامن دبر الأمور بغير وزير.. ويامن يرزق الخلق بغير مشير (ثم تدعو بما شئت يستجيب لك الله).

   وكان سيدنا أيوب عليه السلام يدعو بهذا الدعاء:

   اللهم إني أعوذ بك اليوم.. فأعذني

   واستجيرك اليوم من جهد البلاء.. فأجرني

   واستغيث بك اليوم.. فأغثني

   واستصرخك اليوم على عدوك وعدوي.. فأصرخني

   وأستنصرك اليوم.. فأنصرني

   وأستعين بك اليوم على أمري.. فأعصمني

   وآمن بك .. فأمني

   وأسألك .. فأعطني

   وأسترزقك .. فأرزقني

 

   وأستغفرك .. فأغفر لي

   وأدعوك .. فأذكرني

   واسترحمك .. فأرحمني

   رب أسألك الشكر في قلبي.

 

كلمات من نور

 

   ﴿ قل أدعوا الله أو أدعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسني ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً﴾ [ الإسراء: 110].

 

*    *    *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة.. تنغلق دونها أبواب السماء!

   الحياة وسط أناس نحبهم, نحترمهم, نعمة من نعم الله علينا, فنحن نتصرف مع الآخرين حينذاك بطريقة لبقة ذات ذوق, نعاملهم بأسلوب سهل بسيط.. يحفل بالود والعطاء.

   وبفضل الله سبحانه وتعالي نستطيع أن نفعل ذلك إذا حاولنا أن نستمتع فعلاً بتلك النعمة الرائعة التي تشعرنا بقيمة الحياة, ولذة العيش في سعادة وهناء.. وهى أننا مسلمون, وموحدون بالله والحمد لله.

   ففي تلك الأيام المباركة التي نبلغ فيها شهر رمضان والحمد لله.. شهر الصوم عن المعاصي والموبقات, نشعر أننا حقاً تغيرنا واننا فعلاً قدرنا على التحكم في تصرفاتنا, فها هى أفعالنا تتجه نحو الخير, فنحسن الصوم, ونكثر من الصلاة, ونأتي بالزكاة, ونأمر بالمعروف, وننهي عن المنكر.. أياً كان نوع هذا المنكر, حتى ولو كان كلمة طائشة.. في لحظة غضب عابرة! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ليس المؤمن بطعان ولا بلعان ولا بالفاحش ولا بالبذئ”(1).

   كما قال صلوات الله عليه: ” إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتنغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالاً فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن إن كان أهلاً لذلك وإلا رجعت إلي قائلها”(2).

   نعم, فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يكون العانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة”(3).

 

 

 

 ــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه البيهقي في السنن الكبري جـ10, ص 193, 243ومجمع الزوائد للهيثمي جـ1 ص 97, جـ8 ص72 والحاكم في المستدرك جـ1 ص12.
  • الحديث في فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر طبع الرياض جـ10 ص467 وأخرجه أبو داود في سننه كتاب الأدب باب اللعن جـ5 ص310 حديث9405.
  • الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب البر والصلة باب 24, وأبو داود جـ5, ص211, كتاب الأدب باب اللعن حديث 4907 عن أبى الدرداء.

 

   حدث ذات يوم, كما قال عمران بن حصين: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره, وامرأة من الأنصار على ناقة فضجت, فلعنتها. فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال : ” خذوا ما عليها ودعوها.. فإنها ملعونة ” قال عمران: فكأني أنظر إليها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد(1).

  والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينهنا عن السب واللعن فقط, بل نهانا أيضاً عن أن نتحدث بكل ما نسمع, حتى لا تنتشر بين الناس الأكاذيب والأباطيل, وتتفشي الشائعات فيفسد المجتمع, لهذا قال: ” بئس مطية الرجل زعموا”(2).

   وما هي زعموا؟ إنها كلمة واسعة تعني أن يعطي الراوي نفسه الحق في حكاية مالاً يوثق بصحتها فيستخدمها ذريعة لترديد الأباطيل والأكاذيب, وهو يعتقد أنه بذلك قد أعفي نفسه من ارتكاب الإثم بالتحدث فيما لا يجوز ولايصح !!

   لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم, عن أبي هريرة رضي الله عنه: ” كفي بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع”(3).

   هذه هي إحدي آفات اللسان التي نتمني أن تزول من على ألسنتنا وأن نحفظ لساننا, ليس فقط في شهر رمضان, وإنما طوال أيام العام إن شاء الله, وكذلك نتمني أن نعمل بقول رسولنا الكريم صلوات الله عليه: ” سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر”(4).

   حدث يوماً أن آتي النبي برجل قد شرب خمراً, فقال (اضربوه) قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده, والضارب بنعله, والضارب بثوبه, فلما انصرف قال بعض القوم: آخزاك الله. قال: لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان”(5).

 

 

 

ـــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب البر والصلة وأخرجه الإمام جـ4 ص481 .
  • أخبر أبو داود جـ5 ص254 حديث 4972.
  • الحديث أخرجه الإمام مسلم في المقدمة باب 3 حديث 5, وابن أبي شيبه في مصنفه جـ8 ص408.
  • أخرجه البخاري جـ1 ص 19, جـ8 ص 18, جـ9 ص63 طبع الشعب, والإمام مسلم في كتاب الإيمان حديث 116.
  • أخرجه البخاري جـ8 ص196 في كتاب الحدود- باب الضرب بالجريد والنعال.

 

   هذا الموقف يؤكد قوله صلوات الله عليه : ( لعن المؤمن كقتله)(1) ونحن حتماً لا نريد أن نكون ضمن هؤلاء الباغين بل نتمني أن نكون في زمرة أولئك المؤمنين الصالحين, الذين لا يعينون الشياطين على أخوانهم المسلمين.. حفظنا الله وإياكم, وجعلنا من ورثة جنة النعيم.. أمين يارب العالمين.

 

كلمات من نور

﴿ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور﴾ [ الحج : 41] .

 

*    *    *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــ

  • أخرجه البخاري جـ8 ص 32 طبع الشعب والإمام مسلم في كتاب الإيمان حديث 176 والإمام أحمد في مسنده جـ4 ص 33.

 

المدائن من الذهب .. والقصور

باللؤلؤ والذهب!

   .. في يوم من الأيام خرج أحد الصيادين في الصباح الباكر يطلب رزقاً حلالاً, فرمي شبكته فلم يخرج شئ فأخذ يدعو ويبتهل إلى الله لأن أولاده يصرخون في البيت من ألم الجوع .. وأقتربت الشمس من المغيب والصياد لا يزال يرمي شباكه في الماء, ولا يزال يدعو الله أن يرزقه، فرزقه الله سمكة ضخمة فحمد الله وأخذها مسروراً إلي بيته.

   وفي الطريق تصادف أن التقى بملك قد خرج إلي النزهه فرأه فأحضره وعلم بما معه، فأعجبته السمكة فأخذها منه عنوه وذهب بها إلي قصره ليدخل بمنظرها الجميل السرور علي أهله، فأخرجها أمامهم، فأستدارت السمكة وعضت أصبعه فلم يسترح ليلته، وظل يعاني من شدة الوجع والألم، فأحضر الأطباء فأشاروا بقطع أصبعه, لكنه لم يسترح بعدها, وكذلك لم ينعم لأن السم كان قد تسرب إلى يده..!

    وبعد فحص, وبحث, أشار الأطباء على الملك بضرورة قطع يده لكنه لم يسترح أيضاً, بل ظل يصرخ ويستغيث, فأشاروا بقطع ذراعه فاستراح من الآلام الجسدية. لكن لم تهدأ نفسه, بل ظل يعاني من الضيق والكآبة , فأشاروا عليه أن يذهب إلى طبيب من أطباء القلوب, أى العلماء الحكماء.

   فحكي الملك ما حدث للطبيب وأخبره بقصة السمكة, فقال له : لن تهدأ إذا عفا عنك الصياد, فأمر الملك بالبحث عن الصياد وإحضاره فشكي له أمره, ورجاه واستحلفه بالله أن يصفح عنه فعفا عنه الصياد وصفح عما بدر منه, وهنا سأله الملك ماذا قلت في؟ فقال الصياد: ما قلت سوي عبارة واحدة : ” اللهم إنه ظهر على قوته فأرني فيه قدرتك”.

   وردت هذه الحكاية في الكتب القديمة لتثبت وتبرهن مدي قوة دعوة المظلوم, تلك الدعوة الخارجة من قلب مكلوم , التي لا يردها ولا يمنعها شئ من أن تستجاب.

   وفي دعوة المظلوم ينصحنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ” اتقوا دعوة المظلوم, فوالذي نفسي بيده ليس بينها وبين الله حجاب, يرفعها الله فوق الغمام ويقول وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين”(1).        

ــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه البيهقي في السنن الكبري في كتاب الغضب باب تحريم الغصب وأخذ أموال الناس بغير حق عن معاذ بن جبل وقال البيهقي أخرجه البخاري ومسلم من حديث وكيع غيره.

 

   ففي الواقع, نحن نعرف طعم الظلم, فعلى ما أعتقد أننا نستطيع التعرف على آلامه القاسية, لأنه ما من أحد منا لم يظلم, أو لم يشعر بالظلم يوماًُ سواء وقع عليه أو على أحد من أهله أو معارفه, فالإحساس بالظلم يولد شعوراً عنيفاً أليماً مصحوباً بآلام القهر والضعف والهوان, مما يدفع صاحبه إلى اللجوء لله سبحانه وتعالي داعياً مستغيثاً أن يرد عنه الظلم, وأن يدفع عنه البلاء..

   ففي الحقيقة هذا النوع من الدعاء… مجاب .. مجاب, لذا ان علينا أن نتقي الله في أفعالنا, وأقوالنا, بل وفي أفكارنا, حتى لا نسئ الظن ببعض الناس فنظلمهم, وهنا نتعرض لتلك الدعوة الخطيرة التي لا ترد, والتي يقول بشأنها الله جل جلاله : ” اشتد غضبي على من ظلم من لا ناصر له غيري” وهنا ينصر الله المظلوم فيرد عنه المظالم, فتهدأ نفسه, ويسكن إحساسه الذي يضطرب بفعل الظلم الذي وقع عليه, والذي دفعه إلي الدعاء على من ظلمه.

   روي البخاري وأحمد عن ابي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “من كانت لأخيه عنده مظلمته من عرض أو مال فليتحلله اليوم أن يؤخذ منه دينار ولاهم, فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته, وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه”.

   لكن.. من عفا وصفح عمن ظلمه يجازيه الله بالعفو والصفح يوم القيامة, كذلك قال في كتابه الكريم : ﴿فمن عفا وأصلح فأجره على الله﴾ [الشوري : 40], وعن قيمة العفو قال أنس رضي الله عنه : ” بينما رسول الله جالس إذا رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال : رجلان أحدهما يشكو من ظلم أخيه. فقال الله : كيف تصنع بأخيك ولم تبق من حسناته شئ, قال إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل من أوزارهم, قال الله للطالب : أرفع بصرك فأنظر, فرفع فقال : يارب أري مدائن من ذهب وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا أو لأي صديق هذا أو لأي شهيد هذا؟ قال : أنت تملكه. قال : بماذا؟ قال : بعفوك عن أخيك . قال : إني قد عفوت عنه. قال الله : فخذ بيد أخيك وأدخله الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : ” اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المسلمين”(1).

   اللهم إنك عفو كريم تحب العفو, فأعف عنا, وأرزقنا العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة, آمين يارب العالمين.

كلمات من نور

﴿وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم﴾ [النور : 22].

ــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين جـ4 كتاب الأهوال – طبع بيروت – عن أنس بن مالك – رضي الله عنه.

عندما يخطر بالبال هذا السؤال؟!

   .. يعود الحجاج إلى ديارهم, بعد أن من الله عليهم بشرف زيارة بيته العتيق الذي جاءوا إليه من كل فج عميق. عادوا طامعين في العفو والمغفرة في الدنيا والأخرة. عادوا عاقدين العزم والنية على الإستمرار في عبادة الله كأفضل ما تكون العبادة , حرصاً منهم على الفوز بالجنة.. وذلك هو الفوز العظيم.

   لكن, سرعان ما تدور الأيام وتتابع دورانها, وما يلبث أن ينشغل البعض منهم بظروف الحياة, فتلههم الدنيا بأمورها وأحداثها عن التفرغ لعبادة الله, فيقل تعلقهم بالتمسك بأداء الفروض والعبادات كما كانوا يفعلون عقب عودتهم, وما يلبث أن ينقص صبرهم على ذلك, ومع الوقت نجدهم وقد انصرفوا إلى أمور الدنيا المعتادة من أجل كسب لقمة العيش, ومتابعة شئون الأعمال, وتصريف الأموال!

   لهذا, اخترت لهؤلاء البعض الذين قد تشغلهم أمور الحياة الدنيا هذا الحديث القدسي, عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالي يقول : ” يا ابن أدم, تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غني, وأسد فقرك, وإلا تفعل ملأت يديك شغلاً ولم أسد فقرك”(1).

   هنا, يبين الله عز وجل فضيلة تفرغ القلب لعبادة الله وحده والتوكل عليه, وعدم شغل البال بجمع المال, والإنصراف إلى كنزه طمعاً في تجنب الفقر, والتنعم بالثراء والغني, لأن من ينصرف إلى ذلك بكليته يجعل الله فقره بين عينيه, لأنه يجعله محتاجاً دائماً لا يعشر بغني ولا بقناعة, لأن نفسه تظل شرهة إلى حب المال, جائعة إليه, طامعة بالمزيد منه, ومهما كان لديها تظل نهمة لا تشبع.. والعياذ بالله.

   العجيب.. إن هذا الجوع والنهم يبقي رغم الإستمرار في العمل, ورغم الإرهاق والإنشغال والتعب, لأن الله لا يبارك لهذا الشخص الغافل فى وقته ولا في ماله, ويجعل الدنيا تلهيه دائماً, فيشقي فيها ويركض ركض الوحوش في البرية, وفى النهاية ولا يناله منها إلا ما كتب الله له. إما إذا اتبع ذلك الأمر الإلهي الذي يدعو لإنصراف إلى عبادة الله سبحانه وتعالي, والتوكل عليه فالوضع هنا يختلف, يختلف..

 

 

ـــــــــــــــــــــ

  • الحديث في كتاب العلل المتناهية لابن الجوزي جـ2 ص 317.

 

 

   .. نعم, لو أن المرء شغل باله, وشحن عقله بعبادة الله, وظل مؤدياً كل متطلباتها, حريصاً على حسن أدائها بالطريقة التي ترضي الله, فير       ضي بها على صاحبها سينال حينئذ جائزتين بدلاً من جائزة واحدة, كما قال الله في هذا الحديث القدسي” أملأ صدرك غني”       و” أسد فقرك” وهكذا نري قيمة ذلك العطاء الكريم, فيما لو أن الشخص ملأ قلبه بعبادة الله, فهي الغاية السامية التي خلقنا الله من أجلها ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾   [الذاريات : 56], ومن ثم يتقون الله في كل ما يفعلون.      

   والحين .. أعتقد من البديهي أن يطرأ بالبال هذا السؤال : ماذا يحدث لو أن الناس قصرت كل همها على العبادة فقط, ولم تلتفت لشئون الدنيا, وانصرفت عن التفكير بها.. وأهملت مسئولياتها وأعمالها؟!

    الرد على هذا السؤال يأتي من خلال توضيح هذا المفهوم البسيط , وهو أن العبادة لا تقتصر فقط على الصلاة والصوم والزكاة والحج, فلو هذا هو المعني الوحيد المقصود لتوقفت بالفعل عجلة الحياة من زمان .. وبالتالي ما كان ممكناً تفضيل بعض الناس على بعض, ولما رفعهم الله درجات ودرجات.

   إذن .. نعود نقول لتوضيح المغزى المقصود : إن العمل النافع عبادة. العمل الذي يتعيش منه الفرد ويوفر به قوته وقوت عياله. كما يوفر به على نفسه مذلة سؤال الناس. هذا النوع من العمل عبادة, وأي عبادة. بل إن أي عمل مادام حلالاً ينفق منه الشخص على بيته وأسرته ويتصدق منه يعتبر عبادة.

   فهذا العمل يعد نوعاً من أنواع الجهاد وذلك من أجل الإنفاق على من يلزمه الإنفاق عليهم من أب أو زوجة أو أبناء وعدم إحراجهم بتعرضهم لمد اليد للحصول على أساسيات الحياة.. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ” لئن تذر “تترك” ورثتك أغنياء خيراً من أن تتركهم عالة يتكففون الناس” فإذا كان هذا القول يتعلق بالتوصية على الورثة بعد الموت (1).. فما بالك بمن لهم حق عليك أثناء الحياة؟!

   هذه كلها أمور تدعو إلي ضرورة تعميق التفكير والتدبير, وتركيز المعني والمغزى, حتى ندرك أن العبادة هى الإخلاص في العمل, وهي صدقة الكلمة الطيبة, فالصدقة عبادة.. بل هي الإصلاح بين الناس, إلقاء السلام على المسلمين, ومواساتهم في أحزانهم, ومشاركتهم أفراحهم, بل هي صلة الرحم, أيضاً السعي في قضاء حاجة الناس.

 ـــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده جـ1 ص 168, 172, 173 والإمام البخاري في صحيحه كتاب الجنائز طبع الشعب.

 

 

   أعتقد, أننا لاحظنا هنا أن أوجه العبادة غزيرة, وأبوابها متعددة كثيرة, وما علينا إلا أن نطرقها, بل أن نسعي إليها طلباً في الحصول على مرضاة الله, والتقرب إلى الله, فمن تقرب إلى الله بطاعة يتقرب الله منه برحمته وتوفيقه وإعانته له, وإن زاد في الطاعة زاده الله توفيقاً وصب عليه الرحمة وأحاطه بعنايته ورعايته, ولم يحوجه إلى التعب في الوصول إلى المقصود, ويكون جزاؤه مضاعفة الحسنات له حسب تقربه من الله بالعبادة والتقوى, فالله سبحانه يخاطب المؤمنين : ﴿اتقوا الله إن كنتم مؤمنين﴾ [المائدة : 112].

   إليكم حكاية ذلك الرجل الأعمي الذي شوهد وهو يطوف بالبيت قال شداد عن بعض أشياخه من بني راسب:

   كنت أطوف بالبيت, فإذا رجل أعمي يطوف بالبيت وهو يقول : “اللهم أغفر لي وما أراك تفعل! فقلت : أما تتقي الله! قال : إن لي شأناً آليت أنا وصاحب لي لئن قتل عثمان لنلطمن حر وجهه, فدخلنا عليه, وإذا رأسه في حجر امرأته ابنة الفرافصة, فقال لها صاحبي: اكشفي وجهه, قالت : لم؟ قال : ألطم حر وجهه!

   قالت : أما تذكر ما قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ , قال فيه كذا, وقال فيه كذا, قال : فاستحيا صاحبي فرجع. أما أنا فقلت لها اشفي عن وجهه, فلطمت وجهه .. فذهبت تدعو على وقالت : ما لم يبس الله يدك, وأعمي بصرك, ولا غفر لي ذنبي..!

 

كلمات من نور

   ﴿ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل واضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل﴾      [المائدة : 7].

 

*    *    *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حديث إبليس الخبيث

   اختلفت أراء العلماء في إبليس.. فيم إذا كان من الملائكة أم لا؟ فقال أصحاب الرأى الأول: إن أبليس كان من الملائكة لأن الله سبحانه وتعالي أمر الملائكة بالسجود لآدم. قال تعالي: ﴿وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس﴾ فلو لم يكن من الملائكة لم توجه إليه الأمر بالسجود, ولما استحق اللعنة والخزى.

   أما الرأي الثاني فيقول : إن إبليس كان من الجن, ولم يكن من الملائكة, لقوله تعالي: ﴿إلا أبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه﴾ [الكهف : 50] فهو أصل الجن, ما أن أدم أصل الإنس. ولأنه خلق من نار والملائكة خلقتة من نور, ولأن له ذرية في حين أنه لاتوجد للملائكة ذرية.

   وروى عكرمة عن ابن عباس قال: كان أبو الجن أسمه سوما, فقال الله له : تمن. فقال: أتمني أن أري ولا أري, وأن نغيب في الثري, وأن يصير كهلنا شاباً, فأعطي ذلك. وقد قيل إن الجان مسخ الجن, كما أن القردة والخنازير مسخ الأنس. وعموماً فإن غالبية العلماء يميلون للرأى الثاني نظراً لقوله سبحانه وتعالي: ﴿إلا إبليس كان من الجن﴾ [ الكهف: 50] والجن خلقوا من نار السموم, وكما ذكر في القرآن, خلقوا من مارج من نار.

   وبسبب افتخار إبليس بأصله على آدم عليه السلام, رفض أن يسجد له معتقداً أنه خير منه, وأن خير المخلوقين لا يسجد لمن هو دونه, لأنه يري أن المخلوق من النار خير من المخلوق من الطين. وهذا هو الرأى نفسه الذي أخذ به الشاعر البصير بشار بن برد, حين قال:

الأرض مظلمـة سواد مقتمة                  والنار معبودة منذ كانت النار

إبليـس خير مـن أبيكم آدم                   فتنبهوا يا معشر الفجـــار

إبليس من نار وآدم من طين                  والأرض لا تسمو سمو النـار

   .. وقبل أن نتحدث عن الأرض وعطائها, سنكمل باقي حديثنا عن إبليس اللص, الذي يسرق أموال الناس, فكل طعام وشراب لم يذكر أسم الله عليه يقوم بالسرقة منه أو خطفه. كما أنه يبيت في البيت الذي لم يذكر فيه اسم الله. كل هذا دون إذن أصحابه.

   فهو يدخل البيوت سارقاً, ويخرج ظالماً يدل على عوراتهم, ويكشف أسرارهم التي يوسوس بها إلى الناس, فيفضحهم بعد أن يزين لهم المعاصي وارتكاب الذنوب, إلا من آمن بالله واليوم الآخر إيماناً كاملاً, وامتلأ قلبه بنور التقوى وذكر الله.

   إليكم تلك الحكاية التي يرويها وهب بن منبه: بلغنا أن إبليس الخبيث تبدى ليحيي بن زكريا فقال له : إني أريد أن أنصحك.

 

   فقال: كذبت أنت لا تنصحني, ولكن أخبرني عن بني أدم. قال أبليس: عندنا ثلاثة أصناف: أول صنف منهم أشد الأصناف علينا نقبل على أحدهم حتى نفتنه ونتمكن منه, ثم بعد ذلك يفزع إلى الإستغفار والتوبة, فيفسد علينا كل شئ أدركناه منه .. ثم يعود, فها نحن نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا.

   ويستطرد أبليس متابعاً حديثه: أما الصنف فهم في أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا وقد كفونا مشقة أغوائهم, سلمونا أنفسهم. وأما الصنف الأخير فهو مثلك معصومون لا نقدر منهم على شئ فقال له يحيي عليه السلام: هل قدرت مني على شئ؟ قال لا.. إلا مرة واحدة, فإنك بدأت طعامك فلم أنزل أشهيه إليك حتى أكلت أكثر مما تريد. فنمت تلك الليلة ولم تقم إلى الصلاة كما كنت تقوم إليها. فقال يحيي: لاشبعت من طعام أبداً.

   ويستمر الصراع إلى يوم الدين, بين بني أدم وإبليس اللعين, الذي لا يقهره إلا ذكر الله ونور قلب المؤمن, ذاك الذي لايتأثر بألاعيب الشياطين, ولا تكالبهم عليه حتى يصبح مثلهم من أصحاب الجحيم. رغم أن إبليس الرجيم يرى أنه قد خلق من النار التي يعتبرها عنصراً أرقي من تراب الأرض. وهذه المعارضة صارت ميراثاً في اتباعه في التقديم بالأصول والأنساب على الإيمان والتقوى كما قال أتباعه في التقديم بالأصول والأنساب على الإيمان والتقوى كما قال بعضهم:

       لعمرك ما الإنسان سلمان إلا بدينه        

                                     فلا تترك التقوى إتكالاً على الحسب

    وهناك رأى يؤيد قيمة الأرض ويرفع من قدرها بإعتبارها أفض من النار, لأن التراب من طبعه السكون والرزانة, ولأنه أيضاً مادة الحيوان والنبات والأقوات, ولأن الأرض تؤدي ببرتها أضعاف ما يودع فيها الحب والنوى, بل إنها تقوم بتغذيته في حين أن النار تفسده.

   كذلك الأرض هي مهبط الوحي ومسكن الرسل والأنبياء, وهي تكفيهم أحياء وأمواتاً. والنار مسكن أعداء الله, كما أن من طبعها العلو والفساد, والله لايحب المستكبرين ولا المفسدين.. أما الأرض فمن طبعها الخشوع والثبات, إلى جانب أن التراب يستطيع أن يقضى على النار ويقهرها..!

كلمات من نور

﴿ قال إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين * قال أن خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فأخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين﴾ [ص: 75-78].

*    *    *

 

 

تلك الأسئلة الأربعة.. بما نجيب عليها؟!

   في قلوب بعض الناس تعيش الأماني وتسكن الأحلام, تلك التي يترقب أصحابها كيف تتحق, ومتي تصير واقعاً ملموساً..! وبعض هؤلاء الناس ذوي الأماني المتعددة, والأحلام الخاصة يظلون في حالة سكون نفسي, إلى أن تأتي مناسبة معينة تحرك مشاعرهم: أو عندما يحين وقت معين ينشط تفكيرهم..هذا التحرك, وذاك النشاط, غالباً ما يصل منتهاه وأقصاه عند مطلع عام جديد, أو حين يأتي تاريخ ميلاد هذا الشخص الملئ بالأماني, المشبع بالأحلام..!

   ونحن حين نعيش مطلع عام هجري جديد, نترقب فيه الخير الكثير, ذاك الذي نرجو من الله أن يمن به علينا, لتنصح به أمور الدنيا والآخرة, تلك الدنيا والآخرة التي أرسل عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري يطلب منه أن يجمع له أمرهما في رسالة واحدة فأجابه:

   (إنما الدنيا حلم والأخرة يقظة والموت متوسط بينهما ونحن في أضغاث أحلام, من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر, ومن خاف سلم, ومن أعتبر أبصر, ومن أبصر فهم, ومن فهم علم, ومن علم عمل, فإذا زللت فأرجع, وإذا ندمت فأقلع, وإذا جهلت فأسأل, وإذا غضبت فأمسك).

   .. كانت هذه هي بعض النصائح والحكم التي لو اتبعها اإنسان بصدق وإخلاص لاستطاع بفضل الله أن يحول حياته إلى الطريق الصحيح, وذلك عندما يعرف كيف يتحرك وماذا يعمل حتى تتحول تلك الأماني والأحلام إلى واقع حقيقي, دون أن يكتفى أبداً بالعيش في دنيا اليقظة والرؤي والتخيلات.

   لذلك حثنا الله سبحانه وتعالي على طلب العلم, وحسن أداء العمل, وأجزل نا الثواب على ذلك, فلا يمكن أن نكتفي بالتمني, دون أن نتحرك ونسعي, بينما ينسل الزمن من بين أصابعنا, ويتسرب الوقت يوماً بعد يوم, وسنة تلو أخري, ونحن قابعون في مكاننا متجمدين, منتظرين وقوع معجزة تتحق بها أمانينا وأحلامنا! مستحيل.. أليس كذلك؟!

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لاتزول قدماً عبد يوم القيامة حتى يسأل أربع, عن عمره فيم أفناه, وعن شبابه فيم أبلاه, وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه, وعن علمه ماذا عمل به”(1).

ــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير جـ 11, ص102.

 

 

   ونحن.. عندما ننعم بالعيش في الأيام الجميلة المباركة, كأيام شهر رمضان أو الحج.. تلك الأيام الفضيلة التي نرجو من الله فيها الخير الكثير, والرزق الوفير, علينا أن نفكر دوماً في العثور على إجابات مقنعة لتلك الأسئلة الأربعة التي سنتعرض لها, وأن نسعي باستمرار لإعداد إجابات جيدة لها, إجابات صريحة صادقة لا نخجل منها ولا نستحي, حين نقولها إنشاء الله, أمام الله تبارك وتعالي, الواحد الأحد القهار, عالم الغيب والشهادة, العزيز الغفار.

   إذن, بهذا النوع من التفكير حتماً نستطيع أن نغير الكثير من أفعالنا, بل, وأقوالنا إلى الأفضل والأحسن يقينا بتلك الآية الكريمة ﴿ إن الله لا يخفي عليه شئ في الأرض ولا في السماء﴾ [آل عمران: 5] ولكم أن تتخيلوا أعزائي مدي الهناء وكم السعادة التي سننعم بها لو أننا كلنا استطعنا أن نتصرف على هذا الأساس, والتزمنا بهذا المنطق السماوي المهيب.

   إليكم هذا الدعاء النبوي الكريم : ” اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك الخلق نسألك خشيتك في الغيب والغضب والقصد في الفقر والغنى ونسألك نعيماً لاينفد وقرة عين لا تنقطع يا أرحم الراحمين”.

 

كلمات من نور

﴿وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولايابس إلا في كتاب مبين﴾ [الأنعام: 59].

 

*    *    *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخروج من .. الخوف!

   الخوف شعور طبيعي ينتاب الإنسان عند الإحساس بالخطر, فعندما يعتقد شخص ما أنه قد أصبح مهدداً بأمر داهم قد يصيبه في نفسه, أو في شئ يعز عليه, سرعان ما يبادر بالبحث عن سبل النجاة من هذا الخطر.

   .. هذا موقف إنساني عادي, فالخوف دوماً يبدأ بسيطاً, ثم ما يلبث أن يتدرج حتى يسمي خوفاً عظيماً, وهو شعور معد, إذا أصيب به أحد من الناس, إذ سرعان ما ينتقل إلى الآخرين المحيطين.. وما يلبث أن ينتشر ليعم الجميع!!

   هنا.. ربما يتطرق إلى الأذهان هذ السؤال: كيف يمكن الخروج من الخوف؟!

   الخروج من الخوف المحسوس الذي نستشعر آثاره السلبية علينا, لا يتم بالدخول في ذلك الخوف الخفي الذي ننعم بتأثيراته الإيجابية علينا..وهو الخوف من الله تبارك وتعالي, الذي لا يغيب عن علمه شئ في الأرض ولا في السماء, عالم السر وأخفي.

   عندئذ .. ننعم فعلاً بالسكينة والطمأنينة, فنحن عندما نفلح في التخلص من الخوف المتسبب في الضعف والوهن, ونستبدله بذلك الخوف الجالب للقوة والعزم, يمتلئ الصدر راحة, وتضئ الروح نوراً, وتصفو النفس نقاوة, ويتجاوب آنذاك الشخص مع تشريع ربه, ويندرج تحت قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ فيسلم الأمر كله لله, ويحسن التوكل على الله, فينعم برحمة الله وفيض الله الذي لا ينقطع, وبل ويتصل بأمر من الله.. حمداً لله.

   والخوف كان حال الصحابة والتابعين وتابعيهم, قال على رضي الله عنه: ” لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصبحون صفراً شعثاً غبراً بين أعينهم مثل ركب العنز قد يأتوا لله تعالي سجداً وقياماً. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو نادي مناد كلكم داخلون الجنة إلا رجلاً واحداً لخفت أن أكون أنا.

   إليكم دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لكشف الشدائد والخروج من الخوف: ” اللهم يا اشف كل ضر وبلاء ويا عالم كل سر وخفي يا أرحم الراحمين يا فارج الهم يا كاشف الغم يا منزل القطر يا مجيب دعوة المضطر فرج عنا كل هم وغم وأخرجنا من كل خوف وحزن” كذلك ينصحنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”.

   .. وعندما نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ﴿يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ [التحريم : 6].

 

 

   قال الحاكم وصححه عن ابن عباس, إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما تلاها ذات يوم على أصحابه, خر فتي مغشياً عليه, فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده, فإذا به يتحرك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يافتي, قل لا إله إلا الله” فقالها, فبشره بالجنة, فقال أصحابه: يارسول الله, أمن بيننا؟ فقال صلوات الله عليه: أو ما سمعتم قوله تعالي ﴿ ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد﴾ [إبراهيم : 13].

         

 كلمات من نور

﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلي ربهم يتوكلون﴾ [الأنفال : 2].

 

*   *   *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

دعاء علي بن أبي طالب كرم الله جهه

   روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” إن الله تعالي يمجد نفسه كل يقوم ويقول : إني أنا الله لا إله إلا أن الحى القيوم. إني أنا الله لا إله إلا أن العلي العظيم. إني أنا الله لا إله إلا أنا لم ألد ولم أولد. إني أنا الله لا إله إلا أنا العفو الغفور. إني أنا الله لا إله إلا أنا مبدئ كل شئ وإلى يعود. العزيز الحكيم الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, خالق الخير والشر, خالق الجنة والنار, الواحد الفرد الصمد, الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً الفرد الوتر, عالم الغيب والشهادة, الملك القدوس, السلام المؤمن المهيمن, العزيز الجبار المتكبر, الخالق البارئ المصور, الكبير المتعال, المقتدر القهار, الحليم الكريم, أهل الثناء والمجد, أعلم السر وأخفي, القادر الرزاق, فوق الخلق والخليقة”(1).

   وذكر قبل كل كلمة ” إني أنا اله لا إله إلا أنا” فمن دعا بهذه الأسماء فليقل : إنك أنت الله لا إله إلا أنت كذا وكذا. فمن دعا بهن كتب من الساجدين المخبتين “الخاشعين” الذين يجاورون محمداً وإبراهيم وموسي وعيسي والنبيين, صلوات الله عليهم في دار الجلال, وله ثواب العابدين في السموات والأرضين. وصلى الله على محمد وعلى أهله وصحبه وسلم.

   لا إله إلا الله برحمتك نستعين, ياغياث المستغيثين أغثنا بجاه محمد صلى الله عليه وسلم لا إله إلا أنت بجاه محمد صلى الله عليه وسلم أغثنا يا خير الراحمين, يا رحمن يارحيم لا إله إلا أنت بجاه محمد صلى الله عليه وسلم أرزقنا فإنك خير الرازقين.

   لا إله إلا أنت بجاه محمد صلى الله عليه وسلم استرنا يا خير الساترين.

   لا إله إلا أنت بجاه محمد صلى الله عليه وسلم أيقظنا يا خير من أيقظ الغافلين.

   لا إله إلا أنت بجاه محمد صلى الله عليه وسلم أصلحنا يا من أصلح الصالحين.

يا قرة عين العابدين لا إله إلا أنت عدد ما رددت وسبحان الله عدد ما سبح به جميع خلقه.

   قال الله تعالي: ﴿فأعلم أنه لا إله إلا الله﴾ [محمد : 19] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قال لا إله إلا الله مخلصاً بها من قلبه دخل الجنة” قيل وما اخلاصها؟ قال: “إن تحجزه عن محارم الله”(2) وقال النبي صلى الله عليه وسلم :” يا أبا هريرة كل حسنة تعملها توزن يوم القيامة إلا شهادة أن لا إله إلا الله فإنها لا توضع في الميزان”.

           كلمات من نور

  ﴿إنني أنا الله لا إله إلا أنا فأعبدني وأقم الصلاة لذكري﴾ [طه: 14].  

ـــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث في كتاب اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للزبيدي جـ5 ص71.
  • الحديث اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين الزبيدي جـ9 ص466, 467 طبع دار الفكر العربي.

*     *     *

 

حتى لا ينعدم الاستمتاع بالحياة!

   الحياة.. بكل ما فيها من مواقف وأحداث يصعب علينا فهمها أو إدراك أسبابها, قد تصبح أحياناً لغز مبهماً غامضاً! كأنها لغز يحيرنا ويربكنا فلا نعرف كيف نتصرف ولا ماذا نفعل؟! ففي الواقع, طالما نحن على قيد الحياة تظل معرضين بإستمرار لبعض تلك المواقف المفاجئة المحرجة, تلك التي قد تصيبنا بالذهول حتى عن أنفسنا, فنظل لوهلة تائهين ضائعين, لا ندري ما المساق ولا نعرف أين المصير؟! هذه المواقف ذاتها تفقدنا توازننا, فهى نفسها التي تعرضنا لعواطف مختلفة متباينة!!

   ..عواطف تتدرج ما بين الحزن الشديد الذي يؤدي إلى القنوط, والفرح العنيف الذي يورث البطر. لهذا قال ابن عباس ” ليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح ولكن المؤمن مصيبته صبراً وغنيمته شكراً” هذه هي الخلاصة, بل خلاصة الخلاصة, أن يعرف الإنسان كيف يتعامل بمقدرة مع أحداث الحياة.. حلوها ومرها.. وأن يفهم كيف يروض شعوره إزاء الحث المباغت, فلا يجزع عند المصيبة, ولا يطغى عند العطية, فالأيام تدور, والمواقف تتكرر, والحياة تحفل دوماً بالأحداث الجسام التي لا تتوقف إلا بنهايتها, لذا يظل الإنسان معرضاً طوال عمره كافة أنواع الظروف, بكل أنواعها.. المحزنة والمفرحة.

   والإنسان الذكي هو الذي يستطيع أن يتحكم في نفسه قدر إمكانه, فهو الذي يقدر أن يسيطر على ما يحفل به وجدانه من إنفعالات, وبالتالي يستطيع أن يضبط تصرفه وسلوكه, فلا يطيش ولا يتخبط بعون الله.

   في الحقيقة هذا النوع من التعاون مع النفس, والتوافق مع الذات, لا يعتمد على الوعي والذكاء وحده, وإنما يتطلب نوعاً معيناً من التدريب والمران, ذاك الذي لا يستطيعه كل واحد منا, لأنه أولاً: يرتكز على مدى الإيمان الكامن في القلب.. وثانياً: يتمركز حول تلك القدرات النفسية الخاصة التي تتفاوت من شخص لآخر. لكن.. رغم اختلافنا في تلك الصفات والقدرات, نظل ندعو الله مخلصين له الدين مرددين﴿ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به﴾    [البقرة : 286].

 

 

 

 

 

 

   حقيقة.. إنها تلك الرحمة الرحيمة التي نطلب ونرجو, إنها تلك الرحمة الرحيمة التي نتمني أن يمنحها الله لنا, ويفيض علينا بنورها وخيرها, فيرزقنا بفضله الصبر والهداية” الله ذو الفضل العظيم” القادر على أن يرضي عنا ويرضينا عنه, وفيجعلنا نتقبل قضاءه بصدر رحب, ونتقبل ماكتبه علينا من خير وشر, بلا بطر ولا استياء. قال عمر رضي الله عنه: “ما أصابكم من مصيبة إلا وجدت قيها ثلاث نعم, الأولي: أنها لم تكن في ديني والثانية: أنها لم تكن أعظم مما كانت والثالثة: أن الله يعطي عليها الثواب والأجر الكبير ﴿وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون﴾ [البقرة: 155-157].

   نعم.. أولئك هم المهتدون المنعمون بذلك الهدى الذي يضيفه الله على نفوسهم فتضئ بنوره, وتسعد بفحواه, فالنفس حين تهتدى وتصلح تسمو بالإنسان في الإيمان, لأنه لو صار على هواها هلك والعياذ بالله. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوجه إلى الله بدعاء جامع تنصلح به النفس ” اللهم إني أستهديك لأرشد أمري وأستجيرك من شر نفسي اللهم إني أسألك نفساً مطمئنة ترضي بقضائك وتقنع بعطائك الله لا تجعل لنا ذبناً إلا غفرته ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها يا أرحم الراحمين”(1) نسأل الله الهدى حتى يوفقنا لارشد الأمور ونستجيره من شر النفس الأمارة بالسوء, تلك التي لا تعترض حتى تهتدى على أمر من أمور, ربها, وتقنع عندئذ بكل عطايا تأتيها من بارئها.

   نسأل الله غفران الذنوب, وقضاء الحاجات والديون, والنصر على الأعداء من الأنس والجن, فهم الذين يشوهون صورة الحياة.. فينعدم حينئذ الاستمتاع بالحياة! نعم.. إن الحياة حينئذ تصبح قبيحة شائهة ا نستطيع أبداً تذوق حلاوتها, ولا نعرف طعم السعادة في لياليها ولا أيامها, لكن, عندما نمضي قدماً على طريق الإستقامة, لن نعاني عندئذ مرارة الإحساس بالآلم والندم..

   .. فعلاً, إن كثرة العابدين في المناجاة. ولذة العلماء في التفكير. ولذة الأستحياء في الإحسان. ولذة المصلحين في الهداية. ولذة الأشقياء في المشاكسة. ولذة اللئام في الأذي الضالين في الإغواء والإفساد.

   اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وأجعلنا اللهم من زمرة الصالحين, أولئك المهتدين الفائزين بخير الدنيا ونعيم الآخرة. آمين يارب العالمين.

كلمات من نور

﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار﴾ [البقرة: 201].

*   *   *

 

           ثم طعنه ثلاث طعنات!

   هو رجل كان مصدر قوة للمسلمين, قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: “والذي بيده مالقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك” أى طريق غير طريقك(1).

   إنه عمر بن الخطاب الذي عرف عنه أن الجن تهابه كما يهابه الأنس, ذلك بسبب قوة إيمانه وعمق عقيدته, ولقد شرفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تزوج ابنته حفصة بعد وفاة زوجها, وبذلك أصبح عمراً صهراً للنبي صلى الله عليه وسلم.

   وظل عمر دائماً.. رجلاً قوياً في الحق, لا يخشي فيه لومة لائم, وكان مصدر قوة كبيرة للمسلمين, قال عنه في ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “مازلنا أعزة منذ أسلم عمر” حقاً.. الرجولة موقف, بل هي أسلوب حياة, لأنها في الأول وفي الأخر ممارسة فعلية لمعان أكيدة تتضح أثناء التعامل مع الناس.. فما أكثر ما يتكلم الناس, وما أروع أن تبقي كلماتهم خالدة عبر سنوات وسنوات تسجل بحروف من نور في كتاب الزمان.

   مع عمر بن الخطاب, ذلك الرجل القوى نعيش بعض معان ترسخت في ذاكرة التاريخ, وها نحن الأن نسمع ما قال حين آلت إليه الخلافة في السنة الثالثة عشرة من الهجرة, حين أحس بمشاعر الخوف تصيب الناس خشية من توليه الخلافة, فألقى تلك الخطبة قائلاً:

   ” بلغني أن الناس هابوا شدتي, وخافوا غلظتي, وقالوا قد كان يشتد علينا ورسول الله بيننا ثم أشتد علينا وأبو بكر خليفتنا فكيف وقد صارت الأمور إليه؟ وأقول لهؤلاء أنني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت عبده وخادمه وكان لايبلغ أحد صفته في اللين والرحمة فكنت بين يديه سيفاً مسلولاً, حتى يغمدني أو يدعني فأمضى, ثم ولى أبو بكر أمر المسلمين وهو من لاينكر حتى يغمدني أو يدعني فأمضي, ثم ولى أبو بكر أمر المسلمين وهو من لا ينكر أحد دعته ولينه, فكنت خادمة وعونه أخلط شدتي بلينه فأكون سيفاً مسلولاً حتى يغمدني أو يدعني فأمضي, ثم أني وليت أموركم أيها الناس, فأعلموا أن تلك الشدة قد زادت ولكن على أهل الظلم والتعدي على المسلمين, أما أهل السلامة فأنا ألين لهم من بعضهم البعض”.

  

ــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه جـ4 ص 153, جـ8 ص 28, 68 طبع الشعب والإمام مسلم في فضائل الصحابة والإمام أحمد في مسنده جـ1 ص171 وفتح البري بشرح صحيح البخاري لأبن حجر جـ10ص503.

 

   وكان عمر من المكليمن الملهمين, وهم عباد الله وأولياءه الصالحون, الذين نور الله بصائرهم فيرون بنور البصيرة, كما تستجاب لهم الدعوات, وهذا هو الفاروق عمر بن الخطاب الذي فرق به الله بين الحق والباطل, ها هو يدعو الله بقوله: ” اللهم أرزقني الشهادة في سبيلك وأجعل موتي ببلدة رسولك”.

   واستجاب الله لدعائه واستشهد عمر رضي الله عنه في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة داخل مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة, وذلك حين طعنه أبو لؤلؤة المجوسي ثلاث طعنات, ودفن بجوارحبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

كلمات من نور

﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾ “صدق الله العظيم”.

 

*    *   *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وداعاً عليه .. بطول العمر!

   حين رأيتها منذ لحظات.. توقفت قليلاً أراجع ذاكرتي, أين رأيت تلك المرآة من قبل؟! وعدت أساءل نفسي: هل يمكن أن تكون هي نفسها تلك السيدة التي تعرفت عليها منذ سنوات مضت؟!

   .. تأكدت عندما سمعت أداهن تناديها بأسمها, وتعجبت وأنا أتمعن في شكلها وكيف تحول إلى شكل أخر أكاد لا أعرفه!! فالتجاعيد تغوص في الوجه وتتسرب إلى الذقن والشفتين والخدين والعينين, أه.. لقد كبرت هذه المرآة في السن, وها هي السمنة تمشي على جسدها.. ثم تسكن هنا وهناك!

   أه.. يالله على ذلك الزمن!!

   أسكن طويلاً وكأني لوقع دقات ساعات تحوم داخل قاعة الإجتماعات حيث قابلت تلك المرآة!! وما لبثت أن غصت في صمت أعمق وأنا أنصت لما يدور داخلي, في حين انطلقت سماعات القاعة بأصوات عالية, حولت تفكيري عنها, وأنا أتأمل علامات شيخوخة توحي بطول العمر!

   وسرعان ما خطرت ببالي تلك الحكاية التي سأرويها الآن لكم.

   عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما, قال: شكى أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه, إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعزله واستعمل عليه عماراً, فشكوا حتى ذكروا إنه لا يحسن يصلي, فأرسل إليه فقال: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أنقص منها, وأصلي صلاة العشاء فلا أقوم طويلاً في الأولين, وأخف في الآخرين, قال: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق..

   ثم ما لبث وأرسل معه رجلاً, أو رجالاً إلى الكوفة يسأل عنه أهل الكوفة, فلم يدع مسجداً إلا سأل عنه, يتنسون معروفاً, حتى دخل مسجداً لبنى عبس, فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى: أبا سعدة فقال: أما إذ نشدتنا فإن سعداً لا يسير بالسرية, ولا يقسم بالسوية, ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً, قام رياء وسمعة, فأطل عمره, وأطل فقره, وعرضه للفتن, وكان بعد ذلك إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون .. أصابتني دعوة سعد.

   قال عبد الملك بن عميرة راوى الحديث عن جابر بن سمرة: فأنا رأيته بعد قد سقط اجباه عن عينيه من الكبر, وإنه ليتعرض للجواري في الطريق فيغمزهن!!

   .. كانت هذه دعوة سعد أصابته, فأطال الله في عمره. وكما جاء في القرآن والسنة المطهرة من أن هناك أفعالاً وأقوالاً إذا لزمها العبد نال بها رضا ربه تبار وتعالي فيغفر له ذنبه, ويزيد بفضلها في عمره.

 

   وهذا ما حكاه القرآن العظيم على لسان نوح عليه السلام وسجله من مضمون رسالته قول الحق عز شأنه: ﴿قال ياقوم إني لكم نذير مبين * أن أعبدوا الله وأتقوه وأطيعون * يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمي﴾ [نوح 2 : 4].

   وبذلك يتضح أن العبادة مقترنة بالتقوى, وطاعة الله ممثلة في إتباع الرسل تسبب مغفرة الذنب, والزيادة في الأجل, وهذا يعني أن الزيادة أو النقصان تتم حسب سلوك العبد في حياته من أفعال وأقوال: صلاح في العمل الطيب, وكيب في القول, أو فساد في الأرض, وفحش في القول, مع الأخذ في الإعتبار﴿إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾ [فاطر : 10].

     

  كلمات من نور

﴿وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير﴾ [فاطر: 11].

*    *   *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

والتقيا .. على باب الجنة

   قال صلى الله عليه وسلم: ” التقي مؤمنان على باب الجنة, مؤمن غني ومؤمن فقير, كانا في الدنيا فأدخل الفقير الجنة, وحبس الغني ما شاء الله أن يحبس, ثم أدخل الجنة فلقى الفقير فقال: يا أخي إني حبست بعدك حبساً فظيعاً كريهاً ما وصلت إليك حتى سال من العرق مالو ورده ألف بعير لصدرت عنه”(1).

   ثم قال داعياً عليه الصلاة والسلام: ” اللهم أحينى مسكيناً وأمتني مسكيناً, وأحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة” قالت عائشة: ولم يا رسول الله؟ قال: لأنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً, يا عائشة لا تردي مسكيناً ولو بشق تمرة, ياعائشة أحبي المساكين وقربيهم فإن الله يقربك يوم القيامة” (2).

   نعم.. إن دين الإسلام الحنيف يحث على التراحم, والتواصل على بالعطاء بين الأغنياء والفقراء, فلا يجوز أن يتغير وجه رب المال إذا جاءه سائل طالباً منه المساعدة, كما لا يجوز أن ينحرف بجنيه مشيحاً بنفسه عنه, فإذا سأله مرة ثالثة يوليه ظهره.. وذلك بسبب تعلق النفس بالمال تعلقاً شديداً..!

   كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: ثعلبة, فشكي فقره إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجمع له مالاً ودعا له بالبركة فكثر ماله فطلب النبي صلى الله عليه وسلم منه الزكاة فقال: إن الجزية تؤخذ من اليهود والنصاري لا من قريش, فطلب منه ثانياً, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إما الزكاة وإما السيف” فأرسل إليه غنماً ضعافاً فنزل جبريل وقال: يا محمد إن الله تعالي قد نزع لباس الإيمان ن قلبه وألبسه لباس الكفر(3).

   حفظنا الله من كل سوء وشر, وجعلنا من أولئك الطائعين الساعين إلى نيل رضاه ورحمته, العاملين على مساعدة الفقراء والمحتاجين, للفوز بجنة الله أرحم الراحمين.

كلمات من نور

   ﴿والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفخونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم﴾ [التوبة : 34, 35].

ــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده جـ1 ص 304 ومجمع الزوائد الهيثمي جـ 10 ص 263 طبع الكتاب العربي ببيروت.
  • الحديث أخرجه ابن ماجه جـ2 ص1381, 1382 كتاب الزهد باب مجالسة الفقراء حديث 4126.
  • الحديث في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لأبن حجر في ترجمة ثعلبة بن حاطب جـ2 ص19 برقم 924 طبع المكتبات الأزهرية القاهرة.

 

.. حين تجئ لحظة الإحتياج!

   مازلت حتى الأن أفكر في أهمية الحب في حياة الإنسان؟! عما يحبث الشخص لحظة الشعور بالإحتياج ..عن أحب الناس إليه؟! أولئك الناس الذين يعتقد أنهم يبادلونه حباً بحب؟! أعتقد أن أول من يخطر بباله وأول من يستنجد بهم ليساعدونه على الخروج من المأذق الذي يتعرض له.. هم هؤلاء الناس الذين يحبهم ويحبونه هذا غالباً ما يحدث في هاذين الموقفين المتناقضين:

   الأول: أن يهب أولئك المحبون إلى نجدة المستغيث, غير عابثين بما لديهم من مهام وأعمال فينطلقوا يسابقون الريح لسرعة الوصول إليك.

   الثاني: أن يفاجأ هذا الشخص الواقع في الأزمة بتخاذل بعض الناس الذين كان يظن أنهم يحبونه!! فيفاجأ بهم وقد تعاموا عن نجدته, وأصموا سمعهم عن صدى استغاثته, وتابعوا أعمالهم وكان شيئاً لم يكن , بعد أن جعلوا أذانهم – على رأى المثل- ” أذن من طين.. وأذن من عجين!!”.

   عندئذ.. يشق أعماق القلب هذا السؤال: إلى هذا الحد كنت واهماً في تقديري لأولئك الناس؟!

   إلى هذا الحد كنت غافلاً عن إدراك ما حولي من مواقف وأحداث؟!

   مليون تساؤل.. مليون سؤال.. مليون جواب.. لا تكفي جميعها لتوضيح معادن هؤلاء الناس, الذين نتعامل معهم دون أن نعرف حقيقتهم! فالله وحده هو الذى ﴿يعلم ما في أنفسكم فأحذروه﴾ [البقرة: 235].

   أما الغريب والمفاجئ في الموضوع, هو وجود فئة ثالثة مستترة, لا يعلم ما في صدورها إلا الله وحده تبارك وتعالي, فئة تفجرت مشاعرها, وظهرت عواطفها أثناء الأزمة.. فتفجر منها ذاك الكم الزاخر من الحب, والقدر الوافر من العطاء!!

   هؤلاء الناس هم الذين قال عنهم الفيلسوف أفلاطون: “حافظ على كل صديق أهدته إليك الشدائد, وإله عن كل صديق أهدته إليك النعمة”.

   صحيح.. وكما يضئ القمر الليل الحالك السواد, تضئ ظلمة الشدة قلوباً تشتعل خوفاً عليناً تفيض حباً لنا.. قلوباً لم نكن أبداً نتوقع أن تكون عامرة بكل هذا القدر من الخير.. والحب!

   هذا الحب المكنون.. ذاك الذي يتكشف ويتبدي وقت الازمة.. حين تجئ لحظة الإحتياج.. هذا الحب ذاته, هو الذي يجعلني الآن أتساءل؟!

   لماذا أودع الله عاطفة الحب في قلب الإنسان؟!

 

   الجواب: الحب امتحان.. امتحان قاس مرير يختبر به سلوك الإنسان, فهو يظهر نوعية المسلك الذي يسلكه.. هل سيسلك في حبه مسلكاً شريفاً عالياً.. أم مسلكاً وضيعاً هابطاً؟!

   هذه التساؤلات تعرف نتيجتها غالباً بعد أن يجتاز الشخص المحب الإمتحان, إمتحان.. ربما يأتي في لحظة ضعف.. أو عند لحظة احتياج.. ويا له من إمتحان؟!

     

 كلمات من نور

 ﴿وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغني عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ﴾ [الأحقاف : 26].

 

*    *   *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثم قال صلى الله عليه وسلم:

“الحمد لله إني لأرجو أن يموت جميعاً” 

   ذات يوم أتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفد تجيب, وهم ثلاثة عشر رجلاُ جاءوا وقد أحضروا معهم صدقات أموالهم التي فرضها الله عليهم. فسر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكرم منزلهم. وبعدها, قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله, سقنا إليك حق الله في أموالنا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ردوها فأقسموها على فقرائكم”  قالوا: يا رسول الله ما وفد من العرب بمثل ما وفد به هذا الحي من نجيب.

   وهنا, قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن الهدي بيد الله عز وجل فمن أراد به خيراً شرح صدره للإيمان” وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء, فكتب لهم بها, وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن, فإزداد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم رغبة وأمر بلالاً أن يحسن ضيافتهم, فأقاموا أياماً ولم يطيلوا البقاء.. فقيل لهم: ما يعجبهم؟ فقالوا: نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلامنا أياه وما ورد علينا.

   .. ثم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعونه. فأرسل إليهم بلالاً فأجازهم بأرفع ما كان يجيز به الوفود, قال: “هل بقي منكم أحد؟” قالوا: نعم, غلام خلفناه على رحالنا هو أحدثنا سناً, أي أصغرنا.

   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أرسلوه إلينا” فلما رجعوا إلى حالهم. قالوا للغلام: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقض حاجتك منه, فإنا قد قضينا حوائجنا منه وودعناه.

   فأقبل الغلام حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله, إني أمرؤ من بني ابذي, يقول: من الرهط الذين آتوك أنفاً, فقضيت حوائجهم, فأقض حاجتي يارسول الله, قال: “وما حاجتك؟” قال: إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي وأن قدموا راغبين في الإسلام, وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم, وإني والله ما أعلمني من بلادي إلا أن تسأل الله عز وجل أن يغفر لى ويرحمنى, وأن يجعل غناى في قلبي.

   فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغلام وقال له: “اللهم أغفر له وأرحمه, وأجعل غناه في قلبه”.

 

 

 

 

   ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه, فأنطلقوا راجعين إلى أهليهم, ثم وافوا الله صلى الله عليه وسلم في الموسم. فقالوا: نحن بنو أبذي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما فعل الغلام الذي أتاني معكم؟” قالوا: يا رسول الله ما رأينا مثله قط, ولا حدثنا بأقنع منه بما رزقه الله, لو أن الناس أقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت إليها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحمد لله إني لأرجو أن يموت جميعاً” فقال: رجل منهم أو ليس يموت الرجل جميعاً يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تشعب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا, فلعل أجله أن يدركه في بعض تلك الأودية فلا يبالي الله عز وجل في أيها هلك”.

   قالوا: فعاش ذلك الغلام فينا على أفضل حال, وأزهده في الدنيا وأقنعه بما رزق, فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم, ورجع بعض من أهل اليمن عن الإسلام من رجع, قام في فومه فذكرهم الله والإسلام فلم يرجع منهم أحد.. وظل هو ثابتاً على دينه ما أحياه الله(1).

         

  كلمات من نور

﴿ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون﴾ [آل عمران 128].

 

*   *   *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين جـ4 ص 327, 328 في كتاب الرقاق وذكر الحديث مختصراً طبع دار الكتاب العربي بيروت.

 

صاحب القصر المحروق!

   يروي في قديم الزمان, وسالف العصر والأوان, أن طاغية شريراً كان يتاجر بشقاء البائسين والمساكين, وأنه كان يستغل فقراء الطابين, ويستنزف جهود أولئك المكدودين, ويستثمر تعب الأشقياء المقهورين بأقل القليل من المال, مما لا يتناسب وواقع الحال!

   .. كان هذا الطاغية الشرير يبخس أولئك التعساء حقوقهم, ولايصغي يوماً إلى شكواهم أو صياحهم, كما كان لا يستمع إلى نصح أو إرشاد, لا من صديق قريب, ولا حتى صاحب بعيد!

   وذات ليلة من تلك الليالي الشتوية الباردة, وبينما كانت تشتعل النيران في موقد الدار, إذا انطلقت شرارة طائشة أحرقت كل ما جمعه من المال, وحولت في الحال القصر الكبير, وكل ما فيه من فرش وثير, إلى كومة من الرماد, والعياذ بالله من سوء المال!

   حينئذ.. توقف الطاغية الشرير ينظر حوله في حزن شديد وهو يتحسر على طنافس الرياش الثمين, الذي تحول في لمح البصر إلى كومة حطام أسود لعين! وقف الطاغية الجبار كسيراً وسط الدار, التي أصبحت أنقاضاً في أنقاض! وقف يندب سوء حظه, وهو يتعجب ويسأل نفسه, وكل من حوله: كيف دخلت الدار.. هذه النار؟!

   من أين أتت؟! ومن ذا الذي أشعلها؟! ومن الذي أطلقها في قلب بيته فأحرقت أغلى ما يملك؟!

   وهنا.. قال له أحد الحكماء:

  • لا تتعجب لما حدث.. فالذي أحرق دارك, ونسف أمنك واستقرارك هو زفرات من ظلمتهم من البائسين.. ودعاء أولئك المقهورين المضطهدين!

   عند هذا الحد تنتهي حكاية هذا الطاغية الشرير, لكنها في ذهني ظلت تتفاعل , وتتفاعل, بحثاً عن تحليل يفسر ما حدث وكان, في سالف عصر ذاك الزمان.. عن موقف ذلك الطاغية الشرير الذي لو أنه كان قد ثاب إلى رشده, ورجع إلى عقله, ولم يكرر خطأه, ولم يعرض نفسه لدعوة مظلوم, ولم يتجاهل صيحة مقهور, لما كان وقع عليه هذا الأمر المكروه.. ولما كان قد تعرض عند وقوع المحظور لذلك الذعر المرعوب, ولا ذاك الخوف المسعور, مما سبب له حالة عدم اتزان نفسي وعقلى.. أمام شتي الأمور!!

   لكن.. لو أفترضنا أن هذا الطاغية الشرير, لم يتعظ بما أصابه, وأنه استمر في طغيه, وتمادي في ظلمه وعدوانه.. ماذا كان يمكن أن يحدث له مع الوقت؟

 

 

 

 

   يقوم بالرد على هذا لاسؤال الدكتور/ عبد الرحمن العيسوى قائلاً: “إذا حاول الإنسان شعورياً نسيان ذنوبه فإنها لا تموت, وإنما تكبت في اللاشعور, وتظل الأفكار المكبوتة في اللاشعور, وتظل الأفكار المكبوتة في اللاشعور حية تتصارع مع غيرها من الأفكار والقيم حتى تؤدي بالإنساس إلى الشعور بالقلق, ومن هنا إصابته بالأمراض النفسية أو العقلية”.

   ويستطرد أحد علماء النفس المعاصرين قائلاً:

   إن شعور النفس بالإثم والخطيئة يجعلها في إضطراب وقلق ودوامة من الخطر, مما يهدد أمنها وأطمئنانها, ويعتبر هذ الشعور أسوأ ما تبتلي به النفس الإنسانية.

   وللقضاء على هذا الشعور العنيف المدمر, يفتح الإسلام للعبد المذنب باب التوبة على مصراعيه, قال تعالى: ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر النوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم﴾ [الزمر : 53].

   حدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمرأة مخزومية سرقت قطيفة وحلياً فوجب عليها الحد, وجاء أسامة بن زيد رضي الله عنهما يشفع فيها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم قد يلحق بأهلها من العار إذا أقيم عليها الحد فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعة أسامة وقال:

   ” أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة”؟

   ثم قام فخطب في الناس فقال “إنما أهلك الذين من فبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”(1).

   هكذا.. نحس العدل في ظل الإسلام.. وحينئذ, ينقضي الشعور بالذنب, وينتهي الإحساس بتأنيب الضمير, ولا يعود ظالم يخشى دعوة مظلوم, إذ يقول جل جلاله ﴿أدعوني أستجب لكم﴾ [غافر : 60] وها هو سبحانه يقول لعباده ﴿فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان﴾ [البقرة :186] هذه هي روعة الالتجاء إلى الله بالتوبة والاستغفار, مما يؤدي إلى عودة الإحساس بالأمان إلى الإنسان, فيعيش حياته حينذاك في طمأنينة وسلام.

كلمات من نور

﴿إنا انزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً * وأستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً * ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً﴾ [النساء 105-107].

 

*   *   *

 

 

            هزيمة الخوف من.. الموت!

   عشرات المواقف, وآلاف الأشياء المفزعة التي تحدث الآن, كلها تثبت أن هذا العصر الذي نعيش فيه يشكل صراعاً عاتياً لا يهدأ, وظلماً فادحاً لايهمد, فالحق يلبس قهراً رداء الباطل, والباطل يظهر عمداً كأنما هو حق مسلوب يسحقه ظلم, وقتل, وإرهاب..!

   هذه هي الدنيا, وهذه الأيام, حين تختلط الحقيقة بالكذب, والخير مع الشر, والنور والظلام..!

   ..فمنذ ذلك العصر البعيد, منذ أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم وبعثه الله بنور الإسلام يبدد به ظلام الكفر, وظلم العصيان, واليهود يعادونه, ويحسدونه, ويرفضون الدخول في دين الإسلام تكبرا وتعاظما وغروراً, حتى أنهم عمدوا إلى إدخال اليأس في قلبه ليقنط من دعوتهم إلى الإسلام بأن قالوا له: “قلوبنا غلف” أي عمياء, صماء لا تفهم, وهنا ” لعنهم الله بكفرهم ” وضلالهم وعنادهم لرسوله.

   فقد كان اليهود يعرفون وصف الرسول صلى الله عليه وسلم في التوراه, كانوا يعرفونه حق المعرفة, ومع ذلك رفضوا واستنكروا, مع أنه جاء بالحق “مصدقاً لما معهم”.

   لكن.. هذه هي مواقف اليهود منذ قديم الزمان, الذين عرفوا بعدائهم الشديد للإسلام والمسلمين, فقد كانوا- ومازالوا – يرتكبون كثيراً من الجرائم كما ظلوا ينقضون العهود, وينكثون الوعود, فأذاقهم الله الذل والهوان, فالله سبحانه “هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم” وهو وحده القادر على إجلاء أولئك الفاسقين الظالمين من أرض فلسطين, وهو قادر على حقن دماء المسلمين, ونصر القلة الضعيفة على الكثرة الغاشمة.. كما نصر نبيه وجنده على مشركى مكة في غزوة بدر.

   كان عدد المشركين حوالي ألف جندي, في حين كان عدد جند المسلمين حوالي ثلاثمائة مسلم, وكان قائد الجيش المهاجم هو أبو جهل, الذي كان يعلم أن محمداً لا يكذب. يروي أن الأخنس ابن شريك خلا بأبي جهل في بدر قبل نشوب المعركة وسأله يا أبا الحكم.. أتري محمداً يكذب؟

   قال أبو جهل: كيف يكذب على الله وقد كنا نسميه الأمين؟! ولكن إذا اجتمعت في عبد مناف السقاية والرفادة والحجاجة والمشورة, ثم تكون فيهم النبوة, فأى شئ بقي لنا؟

   .. وبدأ الاستعداد للحرب , والعدد غير متكافئ, والسلاح غير متكافئ, فعناد الكافرين هائل, وأدوات الحرب ليهم متفوق, وثيابهم جديدة, في حين أن المسلمين ثيابهم بالية, وسيوفهم قديمة وسلاحهم قليل.. وهنا.. نظر النبي إلى جيشه فرق قلبه لمنظره ودعا ربه قائلاً:

  “اللهم إنهم جياع فأشبعهم, اللهم إنهم حفاة فأحلهم, اللهم إنهم عراة فأكسهم”(1).

ـــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه البيهقي في السنن الكبري جـ6 ص47 وفي جـ9 صفحة 57, وأبو داود في سننه جـ9 ص181 كتاب الجهاد طبع سورية حمص.

 

   .. انعقدت الحرب, وكان الموقف في صالح المشركين, كل الدلائل والسبل تنذر بذلك. لكن ..ليست الحرب بضخامة العدد ولا كثافة العدة.. إنما هناك شئ خفي غير مرئي.. إنه روح الجندي المعنوية.. إنه الإيمان بصدق القضية. إنها الرغبة الخالصة في إحدي الحسنيين, النصر أو الشهادة. إنها القدرة على هزيمة الخوف من الموت.. وبذلك يتحول الجندي إلى بطل أسطوري يستعصي على الهزيمة.. إنه النصر إذن بأمر الله.

   وكان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاتلاً في سبيل الله, من أجل إعلاء كلمة الله وكان يقول: 

  • “اللهم نصرك.. اللهم أنجز لى ما وعدتنى”.
  • “اللهم إن تهلك هذه الجماعة لا تعبد بعدها في الأرض”(1).

   وجاء نزول الملائكة, وجاء النصر من عند الله تثبيتاً للمسلمين وبشري لهم..         ﴿إن للكافرين عذاب النار﴾.

 

كلمات من نور

   ﴿إذ تستغيثون ربكم فأستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين * وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم﴾ [الأنفال : 9 ,10]. 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث راجع الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ3 ص 193 طبع بيروت فقد أورد الحديث في تفسير الآيات 123 – 125 من آل عمران وقال أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – مطولاً.

 

 

 

جاء.. حتى وقف على باب الكعبة!

   قال أبو هريرة رضي الله عنه, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه, رجل استشهد, فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت, قال: كذبت, ولكنك قاتلت لأن يقال: جرئ فقد قيل, ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن, فأتي به, فعرفه نعمة معرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته, وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت, ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم. وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ فقد قيل, ثم أمر به, فسحب على وجهه, حتى ألقى في النار. ورجل وسع الله عليه, وأعطاه من أصناف المال كله, فأتي به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال ما تركت من سبيل تحب أن تنفق, الا أنفقت فيها لك قال: كذبت, ولكنك فعلت ليقال: هو جواد فقد قيل(1).  

   ثم أمر به, فسحب على وجهه, ثم.. ألقى في النار.

   وعن هذا الحديث يقول الإمام النووى هذا التعليق: قوله صلى الله عليه وسلم في الغازي والعالم والجواد, وعقابهم على فعل ذلك لغير الله, وإدخالهم النار, دليل على تغليظ الرياء وشدة عقوبته, وعلى الحث في الإخلاص في العمر, وعمق الإيمان بالله مع الرضا بما يأتي من عند الله.

   روى سيدنا الحسين بن سيدنا علي بن أبي طالب, رضي الله عنهما, أنه أستلم الركن فقال:

   “الهى نعمتني فلم تجدني شاكراً, وابتليتنى فلم تجدني صابراً, فلا أنت سلبت النعمة بترك الشكر, ولا أدمت الشدة بترك الصبر, الهى ما يكون من الكريم إلا الكرم”.

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث في سنن النسائي جـ6 ص23 طبع المكتبة التجارة بمصر عن أبي هريرة – رضي الله عنه – وأخرجه الإمام أحمد في مسنده جـ2 / 322 والبيهقي في السنن الكبري جـ9 ص168 والحاكم في المستدرك جـ1 ص107.

 

   وذات يوم, حدث الأصمعي, قال: (بينما أنا أطوف بالكعبة, وإذا بإعرابي جاء حتى وقف على باب الكعبة, وقال: (الهى إنى جائع كما ترى, وناقتي جائعة كما ترى, وابنتي عريانة, وزوجتي محتاجة كما ترى, فما ترى فيما ترى يا من يرى ولايرى؟ قال الأصمعي: فمددت يدى إلى دنانير كانت معى, فقلت: يا سيدى خذ هذه الدنانير فاستعن بها على فقرك. قال: فردها وقال: إن الذي سألناه أبسط منك يداً. قال: فما استتم كلامه إلا ومناد ينادى: يا فلان, أدرك عمك فقد مات, وخلف أربعمائة ناقة, وأربع مئة ثور, وأربع مئة مثقال من الذهب, فأمضي إليه فخذها, فإنك وارثه حقاً.. الله الوارث, الجبار ذو القوة المتين, وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم النبي المرسل رحمة للعالمين, هو شفيعنا إن شاء الله يوم الدين, جعلنا الله من عباده الصالحين المخلصين, وأورثنا برحمته جنات النعيم.

     

  كلمات من نور

﴿استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدراراً * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً﴾ [نوح: 10, 11].

 

*    *    *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إنه الباب المفتوح.. دائماً

   أتي رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يارسول الله أخبرني بشهر أصومه بعد رمضان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن كنت صائماً شهراً بعد رمضان فصم المحرم, فإنه شهر الله وفيه يوم تاب الله فيه على قوم ويتوب على آخرين”(1).

   حقاً.. إن باب التوبة مفتوح دائماً, وكم نتمني أن ينعم الله علينا بواسع رحمته.. وتوبته. قال لقمان لأبنه: يابني لا تؤخر التوبة, فإن الموت يأتي بغتة, وقال بعض الحكماء: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل, ويؤخر التوبة لطول الأمل, كما قال البعض الآخر: أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين.

   ..وهذا يعنى أن المؤمن ينبغي أن يصبح وأن يمسي على توبة, لأنه لا يدرى متى يفاجئه الموت صباحاً أو مساءاً؟, فمن أصبح أو أمسي على غير توبة فهو على خطر, لأنه يخشي أن يلقي الله غير تائب فيحشر حينئذ مع الظالمين.

   رحمنا الله, ونجانا من الإصرار على المعصية. فالتوبة مطلب ملح لابد من بلوغ المراد منها قبل أن يصاب الشخص المفرط بالندم والخيبة.. قال شاعر:

أسأت ولم أحسن وجئتك هارباً           وأني لعبد من مواليه مهرب؟

يؤمل غفراناً فإن خـاب ظنـه          فما أحد منه على الأرض أخيب

   لما احتضر عامر بن عبد الله بكى وقال: لمثل هذا المصرع فليعمل العاملون, اللهم إني أستغفرك من تقصيري وتفريطي, وأتوب إليك من جميع ذنوبي, لا إله إلا الله, ثم لم يزل يرددها حتى مات رحمه الله.

   قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله عند موته: أجلسونى, فأجلسوه, فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت, ونهيتنى فعصيت, ولكن لا إله إلا الله, ثم رفع رأسه فأحد النظر, أى نظر بدقة وتمعن, فقالوا: إنك تنظر نظراً شديداً يا أمير المؤمنين, فقال: أتاني حضرة ما هم بإنس ولاجن, ثم قبض رحمة الله عليه, وسمعوا بعدها تالياً يتلو ﴿تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين﴾[القصص :83].

   وكان السابقون يرون أن من مات عقب حج أو عمرة يرجى له أن يدخل الجنة, وكانوا مع حرصهم على الأعمال الصالحة يجددون التوبة والاستغفار, ويرددون دوماً كلمة التوحيد سواء كانوا في صحة أو في مرض.

 

 

 

 

 

   في حديث أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أن من قال في مرضه: لا إله إلا الله والله أكبر, لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله فإن مات من مرضه لم تطعمه النار” أى ينجو من جهنم(1).

   وفي رواية للنسائي: ” من قالهن في يوم أو في ليلة أو في شهر ثم مات في ذلك اليوم أو في تلك الليلة أو في ذلك الشهر غفر له ذنبه”.

    

   كلمات من نور

﴿يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون﴾ [الحجرات:11].

 

*     *     *

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير جـ39 ص361 رقم 849 وعبد الرازق في مصنفه بأرقام 3224, 9235, 20580.

 

        آية.. في جوف الليل

   عن عائشة رضي الله عنها في الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه وتعالي: “إن لعبدي على عهد إن أقام الصلاة لوقتها أن لا أعذبه وأدخله الجنة بغير حساب”(1).

   قال تعالي: ﴿قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾ [المؤمنون: 1, 2] والفلاح هنا يشمل الدنيا والآخرة, ففي الدنيا ينعمون براحة النفس, وطمأنينة القلب, وفي الآخرة يحظون بالنجاة من عذاب جهنم, ومن مناقشة الحساب, لأن الصلاة عماد الدين, وهي من أعظم أركان الإسلام الخمس, فمن حافظ عليها فهو السعيد الرابح, ومن أضاعها فهو الشقى الخاسر, ومن أقامها فقد أقام الدين, ومن تركها فقد هدم الدين.

   قال تعالى ﴿أتل ما أوحى إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر﴾ [العنكبوت:45].

   حقاً.. إن ذكر الله أكبر, ففي الأشتغال بالذكر إنصراف عن الكلام ذلك الكلام الفاسد من الغيبة والنميمة واللغو وغيره, فاللسان لا يسكت أبداً, فإما لسان ذاكر, وإما لسان لاغ, ولابد من أحدهما.

   وذكر أيضاً عن إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة قال: بينما رجل مسافر إذ مر برجل نائم ورأى عنده شياطين, فسمع المسافر أحد الشيطانين يقول لصاحبه: إذهب فأفسد على هذا النائم قلبه, فلما دنا منه رجع إلى صاحبه فقال: لقد نام على آية مالنا إليه سبيل, فذهب إلى النائم فلما دنا منه رجع وقال: صدقت. فذهب..!

   .. فأيقظه المسافر وأخبره بما رأى من الشيطانين فقال: أخبرني على آية نمت؟ قال:

   على هذه الآية:﴿إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين﴾ [الإعراف:54].

   نعم.. إن المعونة من الله تنظل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم. والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك, إليكم دعاء سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في طلب العون من الله: اللهم أعني على ديني بدنياي, وعلى أخرتي بالتقوى, وأحفظني فيما غبت عنه, ولا تكلني إلى نفسي فيما حضرني يا من لا تضر به الذنوب, ولا تنقصه المغفرة, أغفر لى ما لا يرضيك, وهب لى مالاً ينقصك.. يا ألهي أسألك صبراً جميلاً, وأسألك فرجاً قريباً وأسألك العافية من كل بلية ولا حول ولا قوة إلا بك اللهم إني بك أستدفع ما أنا فيه وأعوذ بك من شره(2).

ــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الدارمي في سننه ( طبع المدينة المنورة) جـ2 كتاب العلاة باب الوتر حديث 1585 بلفظ مقارب للحديث الذي معنا.
  • الحديث أخرجه ابن عساكر في تهديب تاريخ دمشق جـ5 ص312 طبع (دار الميسرة) وذكر الحديث مطولاً.

 

 

  ومن أجل الفوز بعون الله, حرص السلف الصالح على حسن أداء الطاعات كالصلاة في أوقاتها, وقيام الليل بها.. وذلك هو دأب الصالحين, لأن فيها القربة إلى الله تعالى, والنهى عن الإثم, والتكفير عن السيئات, وطرد الداء عن الجسد.

   سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أى الصلاة أفضل بعد الصلاة المكتوبة؟ قال: (الصلاة في جوف الليل) كما قال: (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراُ من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة)(1).

 

كلمات من نور

   ﴿وأقم الصلاة طرفى النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين﴾ [هود:114].

 

*    *    *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الإمام أحمد جـ3 ص313, والإمام مسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين باب 22 ص521 حديث 166, 167.

 

هذا النوع المرفوض من الدعاء!

   الليل في رمضان له إشراق خاص, له نور يضئ مساحة شاسعة داخل النفس.. مساحة تعمر بالحب والود والرجاء, فيتعمق الإتصال بالله, ما بين صوم وصلاة وقراءة قرآن, ودعاء وإبتهال واستغفار, مما يؤكد معاني الإيمان, ويضاعف الشعور والحضور, فتتفتح حينذاك نوافذ الذات على آخرها تنهل من عطاء الله.

   نعم.. إنها تلك النعمة الرمضانية التي تضفي على العبادة عبقاً خاصاً مميزاً, وشعوراً عامراً دافقاً يجعلنا نتجه إلى الله في كل لحظة, في كل لمحة, داعين, شاكرين نعمة العبادة في رمضان, ونعمة الله الذي هدانا إلى دين الإسلام.. دين الحق.. دين الإسلام.

   وما بين صيام نهار, وقيام ليل, ينكب الناس على الدعاء في تلك الأيام المباركة التي تتضاعف فيها الحسنات, فتري كل منا يدعو الله بطريقته راجياً أن يلبى الله طلبه, فنجد البعض يقسم على الله, في حين يكتفى البعض الآخر بترك الأمر لإرادة الله.. إن شاء.. قبل, وإن شاء.. لم يقبل, دون الحاح أو إلحاف!

   هذا هو ذلك النوع المرفوض من الدعاء, الذي نهانا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذ أمر أن يعزم المسلم في مسألته, فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

   “لايقولن أحدكم اللهم إغفر لي إن شئت, اللهم أرحمني إن شئت ولكن ليعزم المسألة, فإنه لا مستكره له”(1).

   وفي رواية عن ابي هريرة أيضاً: “إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم إن شئت, ولكن ليعزم وليعظم الرغبة, فإن الله لا يتعاظمه شئ أعطاه”(2).

   إذن..

   الدعاء لله سبحانه وتعالي يتطلب حسن الظن بالله, وعمق الثقة في الإستجابة إلى درجة القسم على الله طلباً للإجابة, وهذا هو ما حدث في تلك الحكاية التى أرويها لكم الأن:

    عن محمد بن سويد.. قال: إن أهل المدينة قحطوا, وكان فيها رجل صالح ملازم لمسجد النبي عليه الصلاة والسلام, فبينما هم في دعائهم إذ برجل عليه طهران خلقان, أي ثوبين قديمين بالين فصلى ركعتين أوجز فيهما, ثم بسط يديه إلى الله فقال:

ـــــــــــــــــــــ

  • الحديث : أنظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ2 ص 312, 333 طبع بيروت في تفسير الآية 186 من سورة البقرة فقد ذكر الحديثين فيهما بعض الزيادة في الألفاظ.
  • الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتا الذكر والدعاء ص2070 وشرح السنة النووي جـ5 ص194.

 

   أقسمت عليك إلا أمطرت علينا الساعة, فلم يرد يده ولم يقطع دعاءه حتى تغشت السماء بالغيم ونزل المطر, حتى صاح أهل المدينة مخافة الغرق. فقال يارب إن كنت تعلم أنهم قد أكتفوا فأرفع عنهم, فسكن.

   وتبع الرجل صاحب المطر, حتى عرف موضعه, ثم ذهب إليه في الصباح الباكر, فنادي:

    يا أهل البيت, فخرج الرجل, فقال له: قد أتيتك في حاجة. قال: وما هي؟ قال: تخصنى بدعوة قال: سبحان الله!! أنت أنت وتسألنى أن أخصك بدعوة؟

   قال: ما الذي بلغك ما رأيت؟! قال: أو رأيتني؟ قلت: نعم. قال: أطعت الله فيما أمرني ونهانى.. فسألته فأعطاني.

 

كلمات من نور

﴿وإذ سالك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون﴾ [البقرة186].

 

*   *   *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كيف يكون الحج مبروراً؟

   يظل المسلم يتمنى أن يؤدى فريضة الحج, فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: “الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” (1).

   إذن .. غفران الذنوب بالحج ودخول الجنة يعتمد على كون الحج مبروراً. لكن.. كيف يكون الحج مبروراً؟

   ذات يوم, سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن البر فقال: “البر حسن الخلق” (2) أي بالإحسان إلى الناس.

   وفي الواقع, هذا المعني لحسن الصلة بالناس, نحتاج إليه في الحج كثيراً, فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم:, وما بر الحج يا رسول الله؟ قال: “إطعام الطعام وإفشاء السلام” وفي حديث آخر : “وطيب الكلام” (3).

   هذا الخلق الحسن, تحتاج الناس إليه كثيراً في وقت الحج, لما قد يصدر عنهم من أقوال أو أفعال تسئ إلى الآخرين, بسبب شدة الرحام, وتدافع الناس بعضهم بعضاً عند أداء المناسك, لذا يتأكد الإحتياج إلى البر, الذي قال عنه ابن عمر رضي الله عنهما: “إن البر شئ هين: وجه طليق وكلام لين” فقد قال البعض عن سبب تسمية السفر سفراً, لأنه يسفر عن أخلاق الرجال.

   وفي سفر الحج على وجه الخصوص قال أبو جعفر الباقر: “ما يعبأ به من يؤم هذا البيت إذا لم يأت بثلاثة: ورع يحجزه عن معاصي الله, وحلم يكف به غضبه, وحسن الصحبة لمن يصحبه من المسلمين). وبذلك يكمل الحج, ويكون حجاً مبروراً بإذن الله.

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه البخاري جـ3 ص2, ومسلم كتاب الحج حديث 437.
  • الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب البر والصلة لإمام أحمد جـ4 ص182.
  • أخرجه البيهقي في السنن الكبري جـ5 ص262, والحاكم جـ1/ 483 وحلية الأولياء ج ص 146.

 

 

   وعن أبي قلابة رضي الله عنه قال: قدم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر يثنون على صاحب لهم, فقالوا: ما رأينا مثل فلان قط, ما كان في مسير إلا كان في قراءة, ولا نزلنا منزلاً إلا كان في صلاة, قال صلى الله عليه وسلم : ” فمن كان يكفيه ضيعته” حتى ذكر ” ومن كان يعلف دابته؟” قالوا نحن قال صلى الله عليه وسلم: فكلكم خير منه”(1) وكان رجل من الصالحين يصحب إخوانه في سفر الجهاد وغيره, فكان إذا رأى رجلاً يريد أن يغسل ثوبه, قال له: هذا من شرطي فيغسله, وإذا رأى من يريد أن يغسل رأسه, قال له: هذا من شرطى فيغسله, فلما مات نظروا في يده فإذا فيها مكتوب: من أهل الجنة فنظروا إليها فإذا هي كتابة بين الجلد واللحم.

  .. وفي الواقع, أن خير الناس أنفعهم للناس, وأصبرهم على أذي الناس, وهؤلاء هم المتقون الذين وصفهم الله في كتابه الكريم بصفات كثيرة تدل عليهم جعلها الله وإياكم منهم لنحظي برحمة الله في الدنيا والأخرة بإذن الله.

 

كلمات من نور

﴿الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ العافين عن الناس والله يحب المحسنين﴾ [آل عمران: 134].

 

*      *     * 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

أخرج الحديث في المطالب العالية بوزائد الماسانيد الثمانية لابن حجر جـ2 ص153 حديث 1913 طبع بيروت.

 

مؤمنون ورب الكعبة

   زمان.. قالوا في الأمثال ” أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب”! هذا المثل الشعبي القديم يعكس دهشة الإنسان العادي البسيط إزاء تناقض الأفعال مع الأقوال! كيف؟ أى أن يتبدي الحب في العين, وتتوازي السكين في اليد! أي أن تكون إمارات الحب الزائف, محاولة لإخفاء رغبة الطعن في الظهر! هذه هي بعض التفسيرات البسيطة لذلك المثل الشعبي القديم.

   والآن.. في مثل هذه الظروف والأحوال, أعتقد أنه قد آن الأوان لهذا المثل الشعبي القديم أن يتجدد, وهو يرى بعيني حاله كيف ينطبق كل حرف من حروفه, وكل كلمة من كلماته على أحداث هذا الواقع المؤسف المشين! حقاً﴿وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون﴾ [النمل:74].

   من هنا, علينا أن نوقن بأن هذا الظلم الظالم, وذلك العدوان المعتدى لابد وأن يحيق بأهله مهما بدا؟ في بداية الأمر أن ذلك صعباً أو مستحيلاً, فهم يمكرون والله خير الماكرين. والله يمهل, وهو يجزى كل أمرئ بما نوى﴿ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون﴾ [النمل:90].

   حقاً ﴿قل سيروا في الأرض فأنظروا كيف كان عاقبة المجرمين﴾ [النمل:69] أولئك القتلة الظالمون, الذين يعتدون على حقوق الله, الذي لابد وأن ينصف المظلوم من الظالم, وهو أصدق القائلين﴿وأتبع ما يوحي إليك وأصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين﴾ [يونس:109].

   سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة من أصحابه” من أنتم, قالوا مؤمنون يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم: “ما علامة إيمانكم” قالوا نصبر على البلاء ونشكر على الرخاء ونرضي بمواقع القضاء, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مؤمنون ورب الكعبة”(1).

   نعم هذه هي سمات المؤمنين وتلك هي صفات الصابرين, الذين يحمدون الله في السراء والضراء, ويسلمون أمورهم لله وهم موقنون من رحمته وقدرته التي وسعت كل شئ علماً ﴿وما ربك بغافل عما تعملون﴾ [النمل:93].

   هؤلاء هم الصابرون القانتون الذين يتوكلون على الله, ويخلصون له الدعاء, دعاء الضعيف العاجز عن دفع الظلم عن نفسه, دعاء المضطر الذى لا ملجأ له إلا الله     ﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاءالأرض﴾ [النمل:62] إليكم تلك الحكاية, كما حدثت من البداية إلى النهاية:

 

 

   روى أن رجلاً من العقلاء أغتصب بعض الولاة ضيعته فأتي المنصور فقال له:

   أصلحك الله يأمير المؤمنين أذكر لك حاجتي أم أضرب لك قبلها مثلاً؟ فقال: بل أضرب المثل.

   فقال: عن الطفل الصغير إذا نابه أمر يكرهه فأينما يفزع؟

   فقال: لأمه إذ لا يعرف غيرها وظنا منه أنه لا ناصر له غيرها فإذا ترعرع وأشتد كان فراره إلى أبيه. فإذا بلغ وصار رجلاً وحدث به مكروه, شكاه إلى الوالى لعلمه أنه أقوى من أبيه فإن لم ينصفه شكاه إلى السلطان فإن لم ينصفه السلطان شكاه إلى الله لعلمه أنه أقوى من الجميع.

   إذا فقد نزلت بي نازلة “أي أصابتني مصيبة” وليس لي أحد غيرك أو فوقك منك إلا الله تعالي فإن أنصفتني وإلا رفعت أمري إلى الله في الموسم فإني متوجه إلى بيته وحرمه.. فقال المنصور: بل ننصفك. وامر أن يكتب إلى واليه برد ضيعته إليه.

 

كلمات من نور

     ﴿فإن لم يستجيبوا لك فأعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين﴾ [القصص:50].

 

*       *       *

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الهيثمى في مجمع الزوائد جـ1 ص 57 كتاب الإيمان باب حقيقة الإيمان بلفظ مقارب للحديث الدنى معنا عن زنس ابن مالك – رضي الله عنه.

 

 

..هدف الشيطان الأعظم!

   ماذا حدث لو خرج أحدنا إلى طريق معتم في ليلة شتوية باردة, ذات رياح لاذعة, تقشعر لها الجلود, فرأى في هذا الجو القارس أمرأة ترتجف برداً, وتحتمي من هذا الصقيع بشال من الصوف تغطي به رأسها, وتلف به نفسها.. ماذا يفعل لو إنه رأى هذه المرأة ذاتها التى تعاني من البرد كل هذا العناء.. وقد نزعت الشال عن جسدها, وأخذت تفك خيوطه التي غزلتها بيدها لتصنع منها هذا الشال السميك الذي تتدثر به لتحتمي به من قسوة الشتاء؟!

   ألا يدعو هذا الموقف إلى الدهشة والعجب؟ أن تنقض المرأة غزلها بنفسها؟!.. هذا هو مانهانا عنه الله قائلاً: ﴿ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً﴾ [النحل:92] هذا المثال ضربه الله لنا ليحذرنا من خيط الشيطان الذي يحاول دائماً أن يلقمه بيدنا ليسحبنا منه إلى المعاصي..!

   هذا التكال المستمر من الشيطان يزداد خبثاً وشراسة, بعد كل عملية طاعة عظيمة, كالحج أو العمرة, أو صوم شهر رمضان, وذلك ليصاب المؤمن بالفتور بعد الطاعة, فيتباعد عنها قليلاً, محدثاً نفسه: لقد صليت كثيراً, وقمت ليلاً طويلاً, ودعوت كثيراً وكثيراً, وتصدقت كثيراً, و..و.. وأكيد أن بعض أعمالي, أو بعض دعواتي قد قلبت.. فلأرتاح إذن قليلاً!!

   هذا التفكير نفسه هو الذي يجعل بعض الناس تتباعد عن الالتزام قليلاً, مقارنة بما كانوا عليه في شهر رمضان مثلاً, فيبدأوا يشعرون بالحيرة والقلق لأن الواحد منهم لم يعد مؤمناً قانتاً.. منكباً على العبادة آناء الليل وأطراف النهار.. كما كان يفعل ذلك في شهر رمضان!

   لذا نجد أنه سرعان مايصاب بالإحباط واليأس من رحمة الله, وهذا هو هدف الشيطان الأعظم, أن يقنط العبد من رحمة ربه, فينصرف عن العبادة, وينجرف وراء أهواء الشيطان.. وهذا هو ما يبغضه الله سبحانه وتعالى الذى وسعن رحمته كل شئ, والذي يفرح بتوبة عبده الضال إليه.  

   لكن.. ما هي الوسيلة التي تعين على الإستمرار في حسن العبادة طوال العام؟ أولاً: علينا أن نحرص على قراءة كتاب الله كل يوم, ولو صفحة واحدة بهدف أن نختمه, فمع القرآن يطمئن القلب, ويذهب الغم, وينفرج الكرب, فنحن عندما نقرآ القرآن نكن في حضرة الله, ويذكرنا أهل السماء. جاء في الحديث القدسي عن رب العزة جل وعلا: “أنا جليس ذكرني”.

 

 

   وذات يوم, سأل أبو ذر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني يا رسول الله, فقال له: “عليك بكتاب الله, فإنه نور لك في الأرض, وذكر لك في السماء”(1).

 

كلمات من نور

 

   ﴿يا أيها الذين أمنوا أذكروا الله ذكراً كثيراً * وسبحوه بكرة وأصيلاً * هو الذي يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً﴾ [الأحزاب41 : 43].

 

 

*    *    *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه البخاري في التاريخ الكبير المجلد الثاني القسم الثاني من الجزء الأول ص22 طبع بيروت حديث 1559 عن أسامة عن على.

 

.. التسابق إلى الخيرات

   قال بعض الحكماء:

   قيمة كل إنسان تكمن فيما يكلب, فمن كان يطلب الدنيا فلا أدني منه, لأن الدنيا دنية, وأدني منها من يطلبها, وقالت رابعة العدوية: “كل الذي فوق التراب تراب” ثم أستطرد أحدهم قائلاً في يوم عيد لإخوانه: هل تنظرون إلا خرقاً تبيل أو لحماً يأكله الدود غداّ..!

   هكذا, نري أن صاحب الهمة العالية, والنفس الشريفة التواقة إلى رضا الله, لا يقبل بالأشياء الدنية الفانية, فتظل همته تتجه نحو الدرجات الزاكية, والدار الأخرة الخالدة, فلا يرجع عن هدفه ولو تلفت نفسه في طلبه.. ومن كان في الله تلفه, كان على الله خلفه.

  وفي هذا المعني قال المتنبي الشاعر:

   على قدر أهل العزم تأتي العزائم

                                          وتأتي علي قدر الكرام المكارم

   قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:

  “إن لي نفساً تواقة ما نالت شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه, وإنها لما نالت هذه المنزلة, يعنى الخلافة, وليس في الدنيا منزلة أعلي منها إلى ما هو اعلي من الدنيا, يعني الأخرة”.

   قال أبو سليمان الدارني: ” الدنيا حجاب عن الله لأعدائه, ومطية موصولة إليه لأوليائه, فسبحان من جعل شيئاً واحداً سبباً للإتصال به والإنقطاع عنه”.

   هذا, وقد حرص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإجتهاد في العبادة طمعاً في الحصول على رضا الله عنهم, لذا, عندما سمعوا قول الله عز وجل    ﴿فأستبقوا الخيرات﴾ [البقرة:148] فهموا من ذلك أن المراد هو الاجتهاد للوصول إلى هذه الكرامة ببلوغ الدرجات العلى, فكان أحدهم إذا رأى من يعمل عملاً يعجز عنه, خشى أن يكون صاحب هذا العمل هو السابق له, فيحزن لفوات سبقه.

   قال الحسن: “إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة” وكذلك قال وهيب بن الورد: “إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فأفعل”.

   وكان رأس السابقين إلى الخيرات من هذه الأمة, أبو بكر الصديق رضي الله عنه, قال عمر رضي الله عنه:

   ما استبقنا إلى شئ من الخير إلا سبقنا أبو بكر, وكان سباقاً بالخيرات.

 

   روى عن ابن الزبير رضي الله عنهما, إن أبا بكر كان يبتاع الضعفة فيعتقهم, فقال له أبو قحافة: يابنى لو ابتعت من يمنع ظهرك؟ فقال: يا أبت ما منع ظهري أريد, ونزلت فيه﴿وسيجنبها الأتقي﴾ الآيات من سورة [الليل : 17 :21].

   وخرج أبو داود والترمذي من حديث عمر: قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق, ووافق ذلك عندى مالاً, فقلت: اليوم أسبق أبا بكر أن سبقته يوماً, قال: فجئت بنصف مالى, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أبقيت لأهلك؟” قلت: مثله, وإذ أبا بكر أتي بكل ما عنده, فقال: “يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ “قال: أبقيت لهم الله ورسوله, فقلت: لا أسابقه إلى شئ أبداً.

 

كلمات من نور

 

﴿وسجنبها الأتقي * الذي يؤتي ماله يتزكي * وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا إبتغاء وجه ربه الأعلي * ولسوف يرضى﴾ [الليل 17 : 21].

 

*     *     *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

دعاء تعجبت منه الملائكة

   الحياة في مجملها العام, تشبه لجان الإمتحان, فالكل حينذاك مشغول بإنتظار نتيجة الإختبار, فإما رسوب, وإما نجاح بإذن الله.

   و.. تظل تدور الأيام, ويمضي بنا الزمان, حتى تحين ساعة الحساب, فالكل يبقى يترقب, ينتظر, نتيجة الاختبار.. دون اختيار!

   .. هذه المشاعر, وتلك الأحاسيس ليست من اختراع البشر, بل هى من عند الله, ذلك ما أشار الله إليه في قرآنه العظيم, وما صوره عن هذه الأهوال, التي سوف تصيب الإنسان يوم القيامة, يوم تقشعر الأبدان, ويشيب الولدان, وتنخلع الأفئدة, إنه ذلك اليوم الذي (نفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله).

    هذا ما سيحدث إن شاء الله بعد النفخة الثانية, بعد إنفجار الكون كله, ذلك      ﴿يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار﴾ [إبراهيم :48].

   عندئذ.. سوف ننظر إلى الجنة التى أزلفت, وإلى النار التي سعرت, والويل كل الويل لمن يسقط حين الحساب, ولا يتمكن من عبور الصراط.. اللهم إجعلنا من عبادك الصالحين.

   إليكم دعاء خاتمة الفرج, ذلك الدعاء الذي تعجبت منه الملائكة, ذاك الذي أتى به جبريل عليه السلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, فبينما هو عنده إذ أقبل أبو ذر الغفارى رضي الله عنه فنظر إليه جبريل, فقال صلى الله عليه وسلم: يا أمين الله؟ أتعرفون اسم أبي ذر؟ فقال: نعم, والذي بعثك بالحق إن أبا ذر أعرف في السماء منه في الأرض, وأن ذلك بدعاء يدعو به في كل يوم مرتين وتعجبت الملائكة منه, فإدع به, واسأله عن دعائه.

   فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر دعاء تدعو به في كل يوم مرتين؟ فقال: نعم فداك أبى وأمي ما سمعته من بشر, إنما هي عشرة أحرف ألهمنى إياها ربي وأنا أدعو به كل يوم مرتين, استقبل القبلة, فأسبح الله ملياً, وأحمده ملياً, وأكبره ملياً, ثم أدعو بتلك الكلمات العشر:

 

 

 

 

 

  • اللهم إني أسألك إيمان دائماً.
  • وأسألك قلباً خاشعاً.
  • وأسألك علماً نافعاً.
  • وأسألك يقيناً صادقاً.
  • وأسألك ديناً قيماً.
  • وأسألك العافية من كل بلية.
  • وأسألك تمام العافية.
  • وأسألك دوام العافية.
  • وأسألك الغنى عن الناس.

   قال جبريل عليه السلام: يامحمد والذي بعثك بالحق لا يدعو أحد من أمتك بهذا الدعاء إلا غفرت ذنوبه, وإن كانت أكثر من زبد البحر أو عدد تراب الأرض, ولا يلقى الله أحد من أمتك وفي قلبه هذا الدعاء إلا اشتاقت إليه الجنة, واستغفر له المكان, وفتحت له أبواب الجنة فنادته الملائكة: (ياولي الله أدخل من أي باب شئت)(1).

 

كلمات من نور

 

   ﴿رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين﴾ [النمل: 19].

 

*     *      *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هذا الزمان الردئ .. برئ برئ!!

   أحياناً.. قد يجلس الإنسان يفكر فيما يقع حوله من أحداث, تنقلها له شتى وسائل الإعلام! فينظر ما يصيب الناس من إرهاب وأهوال وهو تعس حزين لا يدرى متى ولا كيف ينقضي ذلك العذاب والهوان!

   حينئذ, لا يملك سوى التضرع إلى الله سبحانه وتعالي كى يرفع هذا الإبتلاء عن عباده التعساء. لكن, قد نجد بعض الناس, أولئك الذين يضيثون ذرعاً بأمر هذه الدنيا يلعنون الأيام, وما تأتي به من أسي آلام..! إنهم يكونون جاهلين بحكمة الله, غافلين عن قدرته في عباده, وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه في الحديث القدسي عن الله عز وجل: يؤذينى ابن أدم يسب الدهر, وأنا الدهر, بيدي أقلب الليل والنهار”(1) وهذا يعنى أن الزمن برئ مما نتهمه به, وأن الأمر كله, أوله وآخره, بيد الله رب الزمان والمكان ﴿ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون﴾ [الأنبياء:35]

   ففي الواقع, هذا الأمر, أى واقع الدنيا, وحاضر الأيام, وما فيه من محن وآلام, يدخل ضمن حكمة الله تلك التى يدركها العارفون بالله فيزدادون إيماناً, وبلقائه يقيناً      ﴿يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون﴾ [الرعد:2] وهذا ما يوضحه العلامة المناوى رحمة الله بقوله: “ومن ظن أن شدة البلاء هو أن العبد قد ذهب لبه وعمى قلبه فقد إبتلي من الأكابر ما لا يحصي ألا ترى إلى ذبح نبى الله يحيي بن زكريا وقتل الخلفاء الثلاثة والحسين وابن الزبير وابن جبير, وغير ذلك كثير كثير..”.

  إذا وقع البلاء بالعباد ليس علامة غضب الله عليهم وإنما هو إبتلاء يعد بمثابة نعمة من الله عليهم ليتم لهم الخير, ويضاعف لهم الأجر, ويظهر صبرهم ورضاهم.

   ونحن إذ نعترف بأن العمر قصير وبأن الحاضر سوف يصبح ماض, علينا أن ندرك قيمة التفكير العاقل الذي يعيى ما يدور في رحاب كون الله الواسع, فالنفس إذا اتسعت اتسع لها الكون, وانفرج لها المكلوت, وإذا ضاقت ضاق عليها كل شئ, لذا على الإنسان أن يتعلم مما يأتى به الزمان, وما تصنعه الليالي والأيام..

والليالي من الزمان حبالي               مثقلات يلدن كل عجيب

   .. هذا العجيب الغريب قد يتبدي لنا على هيئة كوارث ونكبات, قد تصل إلى حد القتل والتعذيب. وهنا وقد نتسأل..

ـــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه البيهقي في السنن الكبري جـ3 ص365

 

   لماذا يحدث كل هذا العذاب والإبتلاء لبعض الضحاية الضعفاء الذين يعجزون عن  حماية أنفسهم ورد الظلم عنهم؟! هذا هو ما فسرها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمتي هذه ليس لها عذاب في الآخرة, وإنما عذابها في الدنيا الفتن”(1).

 

كلمات من نور

 

  ﴿إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين أمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين﴾ [النساء: 140-142].

 

*     *     *  

 

.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث: في سنن أبي داود جـ4 ص468 حديث رقم 4278 في كتاب الفتن والملاحم طبع دار الحديث حمص سوريا.

 

..فأخبرهم ما الذي أبكاهم؟!

   ذات الليلة من الليالي, وبينما كان محمد بن المنكدر قائماً يصلى وهو يبكي, كشر بكاؤه حتى فزع أهله, وسألوه ما الذي أبكاك؟ فلم يجبهم وتمادي في البكاء, فأرسلوا إلى أبي حازم فأخبروه بأمره, فجاء أبو حازم إليه فإذا هو يبكى..!

   فقال: يا أخي ما لدى أبكاك قد رعبت أهلك أفمن علة؟! أم ما بك؟!

   قال: إنه مرت بي آية في كتاب الله عز وجل.

   قال: وما هي؟

   قال: ﴿وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون﴾ [الزمر:47].

   وهنا.. بكى أبو حازم أيضاً, وأشتد بكاؤهما فقال بعض أهله لأبي حازم: جئنا بك لتفرج عنه! فأخبرهم ما الذي أبكاهما.

   نعم.. إن خشوع المسلم عند صلانه يجعله يخشى الله, بل إن المؤمن يخشي الله في كل لحظة من لحظات حياته, فيذكره كثيراً, ويحمده كثيراً, ويصلى على النبي كثيراً, لأنه قطعاً يعرف أن هذه الصلاة قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً” (1).

   وهذه الصلاة العظيمة من داوم عليها فرج الله عنه همه, وكشف ضره, إليكم تلك الكلمات العامرة بالنور والضياء:

   “اللهم صلى صلاة كاملة وسلم تسليماً تاماً على سيدنا محمد الذي تحل به العقد, وتنفرج به الكرب, وتقضى به الحوائج, وتنال به الرغائب وحسن الخواتيم, ويستسقى الغمام بوجهه الكريم, وعلى آله وصحبه في كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم لك”.

   سأل أحد العارفين رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يارسول الله أأجعل ثلث صلاتى عليك, قال: (ما شئت وإن زدت فهو خير لك). فقال: أأجعل لك صلاتى كلها, قال: (إذن يكفى همك ويغفر لك ذنبك)(2).

 

ــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه القرطبي في تفسير الآية (56 من سورة الأحزاب) جـ13 ص235 طبع بيروت.
  • الحديث أخرجه ابن كثير في تفسيره تفسير سورة الأحزاب تفسير الآية 56 جـ3 ص510 ولم يسنده لأحد طبع دار الفكر.

 

   صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, فالصلاة على حبيب الله هى من أنجح الأعمال التي يحظى بها الإنسان. فما بالك إذا أوتي هذا الفضل في ذلك الوقت المميز من الزمان؟! في تلك الشهور الحرم المفضلة عند الله سبحانه وتعالي, وعلى رأسها شهر رمضان المعظم أعاده الله علينا وعليكم باليمن والبركات, والحمد لله حمداً كثيراً على ما أنعم به علينا خيرات ورحمات.

  قال رجل كان يصلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم: “ربنا لك الحمد, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, وذلك بعد أن فال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده.

   فلما انصرف الناس من صلاتهم, سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من المتكلم آنفاً؟” فقال الرجل: أنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً”(1).

   حقاً.. يا لها من رحمة, ويا لها من نعمة, فإذا كان هذا هو ثواب كلمات قالها رجل عادى.. فما بال كلمات قالها نبى مرسل؟!

   إليكم بعض من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم, علناً ندعو به آناء الليل وأطراف النهار,”اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً, ولا يغفر الذنوب إلا أنت فأغفر لي مغفرة من عندك, وأرحمنى إنك أنت الغفور الرحيم”(2).

 

كلمات من نور

 

﴿قل أدعوا الله أو أدعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً ﴾ [الإسراء :110].

 

*     *    *

 

 

ـــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه حبيب بن ربيعة في مسنده جـ1 ص48.
  • الحديث أخرجه الإمام جـ1 ص211 جـ8, ص89, جـ9 ص144, الإمام مسلم ص2078وإبن ماجه حديث 3835.

   حقاً.. إن المؤمن لا يزداد بطول عمره إلا خيراً. وفي الترمذى إن النبى صلى الله عليه وسلم سئل: أى الناس خير؟!

   قال: “من طال عمره وحسن عمله” قيل فأى الناس شر؟ قال: “من طال عمره وساء عمله”.

   قال ميمون بن مهران: لا خير في الحياة إلا لتائب, أو رجل يعمل في الدرجات, أي يجتهد في علو الدرجات, ومن عداهما فهو خاسر, كما أقسم سبحانه وتعالى في سورة العصر إن كل إنسان خاسر, إلا من اتصف بهذه الأوصاف الأربعة: الإيمان, والعمل الصالح, والتواصى بالحق, والتواصى بالصبر على الحق.

   فهذه السورة ميزان للأعمال يزن المؤمن بها نفسه فيبين له بها ربحه من خسرانه, ولهذا قال الشافعى رضى الله عنه: لو فكر الناس كلهم فيها لكفتهم.

 

كلمات من نور

 

﴿والعصر * إن الإنسان لفى خسر * إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾ [العصر 1: 3].

 

*     *     *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فلنجعله هماً واحداً.. فقط لا غير!

   الحياة هى الحياة. والزمن هو الزمن. والناس هى الناس. والظروف هى الظروف. لكن.. المواقف ليست هى المواقف! هنا “ردة فعل” نفسها. فلو أخذنا في الإعتبار هذا القول العلمى : (لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الإتجاه) لعرفنا أن لكل فعل, أى لكل موقف في هذه الحياة الدنيا “ردة فعل” تستحق أن نتمعن فيها, وأن نتدبر أثارها, حتى نصل في النهاية إلى ردود الأفعال المعقولة والمقبولة.. دون مبالغة, دون تضخيم, ودون إنفعال وإفتعال.

  مثال: إذا رأينا رجلاً قوياً, ناضجاً, مرموقاً, يركض بكل قوته فاراً من مجرم يطاره ليسلبه حافظة نقوده, أو ليطرحه أرضاً فيضربه أو يقتله, سوف نقول إذن: إن “ردة الفعل” هنا مقبولة, ومنطقية, بل ومطلوبة.

   أما إذا رأينا هذا الشخص نفسه, يركض بكل قوته هارباً من طفل صغير يلاحقه طلباً لصدقة أو قطعة حلوى, سوف نقول: إن هذا التصرف أحمق وخاطئ, ولا بد أن يكون هذا الرجل القوى الناضج المرموق, رجلاً غير سوى, بل ربما نصل إلى حد التشكك في صحة قواه العقلية, تماماً كذلك الذى نراه يهرب من هجوم أسد فنتقبل هروبه , أما إذا كان يفر من بعوضة تلاحقه وتحوم حول أذنيه, حينئذ فنستنكر هروبه!

   وما بين ردة الفعل المقبولة هذه وتلك الآخرى المرفوضة, تغالنا الظروف, تصارعاً الأحداث, حتى تلاحظ أن ذلك الشخص السعيد مع نفسه والناس والحياة, هو ذاته ذلك الشخص الكيس الذي يعرف كيف يريح نفسه, وكيف يتلاءم معها, ومع الناس, ومع الظروف, ومع الحياة, وذلك ببث أحاسيس السكينة في القلب, ومشاعر الطمأنينة في النفس, وانتزاع عواطف الأنانية والطمع من العقل, فيصفو حينئذ الوجدان, ويرتاح آنذاك البال.

   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من جعل الهم هماً واحداً كفاه الله هم دنياه, ومن تشعبته الهموم لم يبال الله فى آى أودية الدنيا هلك” (1). وهكذا.. نري تعاليم ديننا الحنيف تدعونا بوضوح أن نستعين بالله سبحانه وتعالى فى كل أعمالنا, وأن نفوض إليه كل أمورنا وأن لا نسأل غيره, وأن لا نتوكل إلا عليه, فمن التجأ دوماً إلى الله واستخاره في أمره, جاءت خيرة الله خيراً من خيرة العبد لنفسه. وبذلك نتخلص من كم كبير من الهم والغم والحزن.

ـــــــــــــــــــــ

  • الحديث في الدار النشور للسيوطى جـ2 ص59, جـ6 ص5 وكشف الخفا جـ2 ص217.

 

 

 

   فكم من ظروف ومواقف يتعرض لها المرء طوال حياته, وكم من أحداث وأمور يصاب بها الإنسان وهو لايدرى خيراً أم شراً, لو دقق في الأمر لعلم أن الله يخبر عباده, ليعرف عباده الصادقين معه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا فإن لو تفتح عمل الشيطان”(1).. والإنسان الحكيم العاقل هو الذى يعرف كيف يغلق عمل الشيطان وكيف يتحاشى (ردة الفعل) العنيفة المدمرة تلك التى يندم عليها فيما بعد أشد الندم, حين يتمنى لو أنه قد تحكم فى نفسه, ولم يفعل ما فعل, ولم يقل ما قال!!

   فقط, لو أن هذا الشخص كان قد أيقن بقيمة اختيار الله له, حينئذ سيعرف أن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وأن أخطأه لم يكن ليصيبه, لتقبل عندئذ حياته وقنع بأحداثها مهما كانت, دون ضجر أو تبرم, ولسعد كل السعادة بما قسمه الله له, ولرضى كل الرضا بما رزقه الله إياه.. حمداً لله.

   .. بهذه الطريقة من التفكير, نستطيع أن نأخذ الحياة بأسلوب ألطف وأسهل, كما نستطيع أن نتعامل مع مفرداتها بطريقة أسهل وأجمل, فنمضي قدماً مع الأيام ونحن مزودون بالإيمان المتين, ذاك الذي يجعلنا نتجه إلى الله دوماً بدعاء رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: “اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك, ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك, ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا, وأجعله الوارث منا, وأجعل ثأرنا على من ظلمنا, وأنصرنا على من عادانا, ولا تجعل مصيبتنا في ديننا, ولا تجعل الدنيا أكبر همنا, ولا مبلغ علمنا, ولاتسلط علينا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا”.(1)

 

كلمات من نور

﴿الذين أمنوا وتطمئن قلبوهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمشن القلوب * الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مئاب﴾ [الرعد: 28, 29].

 

*     *     *

ـــــــــــــــــ

  • الحديث في سنن ابن ماجه جـ1 ص31 حديث رقم 9 طبع مصر تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

 

..عودة العبد العاصي

   غلبة الهوى, ولحظة الضعف, تلك اللحظة التى تعترى الإنسان أحياناً, فتجعله ينجرف إلى إرتكاب ما نهى الله عنه, فينحرف عن الحدود, ويستهين بالعهود, ويمضى نحو غيره مستسلماً لغوايته, هذه اللحظة قد لا تستمر طويلاً مع بعض الناس, وقد تستمر مع البعض الآخر!

   .. فقد يتعرض البعض منا لغلبة الهوى, ولحظة الضعف هذه, لكنه ما يلبث أن يرجع إلى نفسه نادماً, ويعود إلى ربه تائباً, راجياً أن يتقبل اعتذاره وأسفه عما بدر منه, ولسان حاله يقول: اللهم لابراءة لى من ذنب فأعتذر, ولا قوة لى فأنتصر, ولكنى مذنب مستغفر, اللهم لا عذر لى, وغنما هو محض حقك, ومحض جنايتى, فإن عفوت وإلا فالحق لك.

   ..هذا الكلام الملئ بمعاني التذلل والاستعطاف, مع الإعتراف بالعجز, والإقرار بالعبودية, وإعلان الإعتذار هو من تمام التوبة, فالله سبحانه وتعالى يحب من عبده أن يعتذر ويتنصل من ذنوبه إليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أعتذر لله عذره” ومن ثم تاب عليه(1), فالله هو الذي يقبل التوبة, وذلك بأن يوجدها في قلوب عباده المتقين التائبين ﴿.. ثم تاب عليهم ليتوبوا﴾ [التوبة: 118] فالله جل جلاله إذا لم يتب على العبد العاصى لم تعرف التوبة طريقها إلى قلبه أبداً, لأنها نعمة وفضل من الخالق البارئ, وقبولها تفضلاً منه وإحساناً, ذلك حين ينشرح الصدر للتقوى, ويضئ القلب بنور الإيمان والإسلام..

   .. فالإيمان منه, والإسلام نعمة. أما إن الإيمان منة فلقول ربنا سبحانه وتعالى:    ﴿بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين﴾ [الحجرات:117].

   وإما أن الإسلام نعمة فلقول رسولنا الكريم: “الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة”.

   عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:       (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان.. ثم قال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إن ربكم يقول هل جزاء من أحسنت إليه بأن هديته للتوحيد إلا أن أسكنه دارى في جوارى؟ وهل جزاء من قربته بالمعرفة قلباً حتى يعرفنى إلا أن أقربه في السكن نفساً حتى ينظر إلى.

ـــــــــــــــــــــــــــ

  • ­الحديث أخرجه الهيثمى في مجمع الزوائد جـ10 ص 298.

 

   وهل جزاء من أكرمته بمعرفتى إلا أن أغفر له ذنوبه وأتجاوز عن سيئاته, وأصفح عنه تكرماً كما تكرمت وجدت عليه بتوحيدى؟

   هل جزاء من ابتدأته بهذه النعم العظيمة فمننت عليه بها إلا أن أحفظها عليه حتى أتمم له بها, واتمم عليه, وله كرامتى(1)؟

   حمداً وشكراً لله العلى الوهاب, الذى أحيانا ثم أماتنا وإليه المصير, والذي نطمع في غفرانه ورضاه, علنا ننجو برحمته من عقابه, ونفوز برحمته بالجنة خالدين فيها أبداً بإذن الله, إليه نتوجه بهذا الدعاء:

   إلهى يا تواب يا رحيم يارب يا كريم انقطع الرجاء إلا منك وأغلقت الأبواب إلا بابك فلا تكلنى إلى أحد سواك فى أمور دينى ودنياى وانقلنى إلى عز طاعتك ونور قلبى بنور اليقين بك.

   اللهم فأغفر لنا ذنوبنا وأغفر للمؤمنين والمؤمنات إنك سميع مجيب الدعوات ياسابغ النعم والرحمات.

 

كلمات من نور

 

      ﴿غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول لا إله إلا هو إليه المصير﴾ [غافر:3].

 

*      *     *

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أنظر القرطبى جـ 17 ص182, 183 طبع بيروت في تفسير قول تعالى ﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان﴾ [الرحمن: 6] ذكر لقد أحاديث بألفاظ مقاربة للحديث الذى معنا وبعضها مختصراًَ.

 

هذه الدرجة من الحب..!

   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مكة حين استيقظ على صوت الرفيق الأعلى فى غار حراء.. وكانت حياته حافلة بحسن الخلق إلى أن استجابت لله سبحانه وتعالى.

   كان صلى الله عليه وسلم واضح الهدف, متعدد الوسيلة, راجح العقل, حسن السياسة, وكان ذا نفس سمحة تحب الخير, وتميل إلى العفو, كما كان قنوعاً زاهداً, صبوراً.. راضياً.

   روى عن ابن على الجعدى قال ما عاب النبى صلى الله عليه وسلم طعاماً قط, إن (1) استهاه أكله وإلا تركه, وعن عائشة رضى الله عنها قالت: إنا كنا آل محمد نمكث شهراً ما نستوقد ناراً إن هو إلا الماء والتمر! وعنها أنها قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه.. وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفيه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها(2).

   قال ابن مسعود: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نام على حصير وقد أثر في جنبه: فقلت : يارسول الله لو اتخذنا لك وطاء نجعله بينك وبين الحصير يقيك منه. قال: ما لى وللدنيا؟ ما أنا الاكراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها(3).

   وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير, كريماً منتهى الكرم.. قال جابر: ما سئل عليه الصلاة والسلام عن شئ فقال لا.. وكان أجود ما يكون في رمضان(4), عن أنس: أن رجلاً سأله فاعطاه غنماً بين جبلين, فرجع الرجل إلى بلده, وقال: اسلموا.. فإن محمداً صلى الله عليه وسلم يعطى عطاء من لا يخشى فاقة(5).

   وذات مرة جاءه رجل فسأله فقال ما عندي شئ, ولكن ابتع على فإذا جاءنا شئ قضيناه. فقال له عمر رضى الله عنه: ما كلفك الله ما لا تقدر عليه. فكرة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. فقال رجل من الأنصار: يا رسول.. أنفق ولا تخف من ذى العرش إقلالاً, فتبسم صلى الله عليه وسلم وعرف البشر فى وجهه, وقال: بهذا أمرت.

ــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث اخرجه أبو داود في سنناً جـ4 ص137 حديث 3763.
  • والحديث في كتاب التمهيد لابن عبد البر جـ1 ص 259.
  • الحديث في كتاب اتحاف السادة المتقين شرح علوم الدين الزبيدي جـ8 ص109 وأخرجه الدارمى في سننه جـ2 ص54 وابن حبان في صحيحه حيث 2526.
  • الحديث أخرجه الإمام البخاري جـ3 ص33 (كتاب الصوم) – طبع الشعب.
  • الحديث أورده الإمام مسلم في صحيحه مطولاً.

 

     وهكذا, كان أهم ما يشغل قلب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يحظى دوماً برضاء ربه عليه, فقد كان حبه لله سبحانه وتعالي حباً من النوع الذي يصعب وصفه أو فهمه, كان حباً صافياً خالصاً, حباً وأصلاً إلى درجة الإسلام التام والرضا الكامل.

    وكانت هذه الدرجة من الحب.. هي أكثر ما يقلقه, فقد قال يوم خرج من الطائف مطروداً مجروحاً: إن لم يك بك غضب على فلا أبالى.

   أما عن شفقته ورحمته التى أعلنه القرآن بها: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين﴾ ..فقد روى أن أعرابياً جاءه يطلب منه شيئاً فأعطاه. ثم قال: أحسنت إليك يا أعرابي؟ قال: لا, ولا أجملت. فغضب المسلمون وقاموا إليه, فأشار إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكفوا..

   .. ثم قام صلى الله عليه وسلم ودخل داره, وأرسل إلى الإعرابي وزاده شيئاً ثم قال: أحسنت إليك؟ قال: فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً, فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنك قلت ما قلت وفى نفس أصحابي من ذلك شئ, فإن أحببت, فقل بين أيديهم ما قلت بين يدى حتى يذهب ما في صدورهم عليك”.

   فلما كان العشى, جاء الإعرابى, فقال الرسول صلى الله عليه وسلم. إن هذا الإعرابي قال ما قال فزدناه فزعم أنه رضى, أكذلك؟ فقا الإعرابي: نعم, فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً.

    وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لايبلغنى أحد منكم عن أصحابي شيئاً. فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر”(1).

   نعم.. عز وصدق من قال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).. صدق الله العظيم.

كلمات من نور

 

    ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم﴾ [التوبة : 128].

 

*    *    *

 

ــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه البيهقى في السنن الكبرى جـ8 ص166, 167 واتحاف السادة المتقيين شرح علوم الدين للزبيدى جـ7 ص137.

ثلاثة.. لا يعرفون إلا عند ثلاثة!!

   ذات يوم.. حدث أن شتم رجل أباً بكر الصديق- رضى الله عنه – وهو ساكت, فلما ابتدأ ينتصر منه, أى يرد عليه, قام رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لأن الملك كان يجيب عنك, فلما تكلمت ذهب الملك وجاء الشيطان, فلم أكن أجلس في محل فيه شيطان”(1).

    وذات يوم آخر.. غضب عمر على رجل وأمر بضربه. فقال أوس بن الحدثان: يا أمير المؤمنين خذ العفو وامر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين.

   وكان عمر- رضى الله عنه – يتأمل في الآية, إذ كان وقافاً عند كتاب الله مما تلى عليه, كثير التدبر فيه, ثم قرأ قول الله تعالى: (والكاظمين الغيظ) فخلى الرجل, عملاً بقوله تعالى: ﴿والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون﴾ [الشورى : 37].

   نعم.. إنها الخشية من الله, والخوف من غضب الله, وهذه هى واحدة من أنجح الوسائل لعلاج الغضب.. أن يخوف الغاضب نفسه بعقاب الله, وأن يقول لنفسه: قدرة الله على أعظم من قدرتي على هذا الإنسان, فلو امضيت غضبى عليه لم آمن أن يمضى الله غضبه على يوم القيامة.. يوم أحوج ما أكون فيه إلى العفو.. والرحمة.. والمغفرة.

   عن عبد الله بن عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا ينقذنى من غضب الله قال: (لاتغضب)(2) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما غضب أحد إلا أشرف على نار جهنم)(3) وقال له رجل: أى شئ أشد على؟ قال: غضب الله قال: فما يمنعنى من غضب الله قال: (لا تغضب).

   فالشيطان يشعل نار الغضب.. والغضب في الواقع يكشف عن معدن الغاضب ويفضح حقيقة أخلاقه, لدرجة أن بعض الناس يسألون: هل تعرف فلاناً فإذا قيل: نعم, يعيدون السؤال رغبة في التأكد: وهل أغضبته؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث اخرجه أبو داود في سننه عن سعد بن المسبب بلفظ بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه وقع رجل بأبي بكر فأذاه فصمت عنه أبو بكر, ثم أذاه الثانية فصمت عنه أبو بكر فأذاه الثالثة فأنتصر أبو بكر رضى الله عنه لنفسه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر وجدت علي يا رسول الله قال: لا ولكن نزل من السماء يكذب بمنال فلما انتصرت ذهب الملك وقعد الشيطان ولم أكن لاجلس إذ قعد الشيطان.
  • الحديث في مسند الإمام أحمد جـ2 / 175, 362, 366 ,3/484, جـ345, 370, 372,373, مجمع الزوائد 8/69, 70, 10/209.
  • الحديث في اتحاف السادة المتقين بشرح علوم الدين للزبيدي جـ8 ص6.

.. لماذا؟!

 

 

   لأن الغضب يسلب الإنسان السيطرة على نفسه, فينفضح حينئذ ما بداخله, ويظهر على حقيقته, فيتبدى آنذاك خلقه الردئ.. ذاك الذي كان يحاول قدر الإمكان أن يخفيه عن عن الآخرين, بارتداء قناع زائف من الدماثة, والذوق, وحسن الخلق!!

   لهذا.. قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, كى نتبين معدن الشخص عند التعامل معه, وذلك لنوفر على أنفسنا مواقف عصيبة نحن في غنى عنها.. قال صلوات الله عليه: “ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدوا بشئ من عمله: تقوى تحجزه عن معاصى الله عز وجل, وحلم يكف به السفيه, وخلق يعيض به في الناس”(1).

   وقال لقمان: ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاثة, لا يعرف الحليم إلا عند الغضب, ولا الشجاع إلا عند الحرب, ولا الأخ إلا عند الحاجة إليه.

   ..ونحن نستطيع أن نكافح الغضب بهذه الأفعال الثلاثة: الإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم, الوضوء أو الجلوس أو الإضطجاع, فالحركة تولد الحرارة, والحرارة من الشيطان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أشدكم من غلب نفسه عند الغضب وأحلمكم من عفا عند المقدرة”(2).

كلمات من نور

 

﴿ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم﴾ [التوبة:15].

 

*     *    *

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث في اتحاف السادة التقيين شرح علوم الدين للزبيد جـ7 ص322 عن أنس بلفظ ثلاث خلال… الحديث.
  • الحديث فى اتحاف السادة المتقيين بشرح علوم الدين للزبيد جـ8 ص24, 25.

 

.. لماذا صار الناس غير الناس؟!

   أظن إننا مازلنا نحلم في هذه الأيام بحياة سهلة بسيطة حياة وادعة خالية من التعقيدات التى تعنى منها سواء كانت في البيت, أو العمل, وأظن أن معظمنا يحدث نفسه متحسراً: آه.. أين أيام زمان؟!

   أين راحة القلب وراحة البال” أيضاً, أظن أن معظمنا مازال يقول في آسي: الدنيا تغيرت.. والناس صاروا سيئين.. صاروا مختلفين عن ناس زمان! أولئك الناس الطيبون الذين كانوا يعيشون على الفطرة, ويتعاملون بعفوية مع بعضهم البعض, يتعاملون بثقة, وأمان, وحب, وإطمئنان.

   ترى.. ما السبب غير الدنيا إلى هذا الحد؟! وما السر الذي جعل الناس.. غير الناس؟!

   طبعاً.. أحوال الدنيا التى تغيرت بسبب المشاكل الإقتصادية, والأوضاع السياسية, والإجتماعية, وهى ليست موضوعنا الذي يشغلنا الآن, لأنه موضوع آخر يطول شرحه, موضوع يحتاج قاعات درس ومحاضرات, لذا, سأتكلم فقط عن أحوال الناس الذين تغيروا حتى أصبحوا ناساً غير الناس!

   ..هذه على ما أعتقد مشكلة عالمنا المعاصر الذي غرق فى الماديات, والذي غابت عنه عادات جميلة موروثة, كان أباؤنا, وقبلهم أجدادنا يتعاملون بها فيما بينهم, وقبل ذلك كله.. كانوا يتعاملون بها مع أنفسهم..!

    هذه المشكلة المعاصرة التي نعيشها ونشعر بها في كل كبيرة وصغيرة من حياتنا, بدءاً بسوء الظن وانعدام الثقة, وانتهاء بغياب الضمير, والأنانية وحب الذات, كل هذا وغيره كثير كثيرسببه الأول والآخير عدم ذكر الله. نعم, عدم ذكر الله. فباجتناب ذكر الله نسي الناس حق الله عليهم من طاعة وخشية, نسوا أن يتمسكوا بشرعه ويؤمنوا برسله, فقست قلوبهم, وبالتالي, اعتدوا على إخوانهم, وعلى أنفسهم, بل وعى الحياة كلها..!

 

 

 

 

 

 

   وهكذا انطمست معالم الفطرة لديهم بعد أن حرموا الهداية وشرح الصدر, وأظن أننا نعرف ذلك المثل القديم (من ضاق صدره اتسع لسانه) ونحن حتماً نعرف أن ضيق الصدر وانقباضه يؤدى إلى سوء التصرف, وسوء التعامل مع الآخرين, كما يؤدى إلى التطاول بالقول, وربما بالفعل. الأمر الذي يزيد الشراسة والعنف فتتحلق عواطف الكره والبغض, والحسد والحقد, فتزداد مع الوقت الفجوة بين الناس عمقاً واتساعاً, وتنهار مع الوقت العلاقات الإجتماعية داخل الأسرة, وداخل المجتمع بعد أن تختفى معاني التآخى والتراحم, والعدل والمساواة, فأصبح بالتالى الكل يشكو من الكل !! والكل يعانى من الإحساس بالظلم.

   لماذا ؟! لأن الناس نسوا تعاليم الله, بل إن بعضهم للأسف الشديد ﴿نسوا الله فأنساهم أنفسهم﴾ [الحشر:19] لذا, نراهم دوماً في هم وغم, وضيق وسب وذم, بسبب ذلك الصراع الخفى الدائر فى أعماق نفوسهم, الذي ينقلونه بدورهم إلى غيرهم. فالخوف عدوي, كذلك الاضطراب والتوتر والقلق, وبالطبع الاكتئاب معد جداً لدرجة أنه قد يصيبك حتى دون أن تشعر, بمجرد مخالطتك القصيرة لشخص مكتئب والعياذ بالله.

   لذا, حذر الشرع من استفحال هذا الداء, بأن نهي عن الغفلة عن ذكر الله, وحثنا على التعامل السليم مع الذات والناس والحياة وذلك بالحرص على ذكر الله ﴿وأذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين﴾ [الأعراف:205] وبديهى أن هذا الذكر الدائم لله سوف يؤدى حتماً إلى حسن الإستمتاع بالحياة نفسها, تلك الحياة التى تحتاج السعى والعمل السليم الذي يكلله أولاً وأخراً توفيق الله والاستمداد من فضله, عملاً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: عن الله, عز وجل: “من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته ما أعطى السائلين”(1).

كلمات من نور

   ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً﴾ [الأحزاب:21].

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث فى فتح البارى بصحيح البخارى جـ11 ص147 واتحاف المتقين بشرح علوم الدين للزبيدى جـ4 ص375, ص7.

 

لا.. ليست أساطير الأولين!

   زين الله الأرض بالأنبياء وبخاتم الأنبياء محمد صلوات الله عليه وذريته وصحبه رضى الله عنهم أجمعين. جعله الله شفيعاً لأمة المسلمين يوم الدين آمين يارب العاملين. هذا وقد قص الله على سيدنا محمد صلوات الله عليه أخبار الأنبياء السابقين, وكذلك أخبار الأمم الخالية, فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك﴾ [هود:120].

   ..لذلك الأمر الإلهى حكمة تحوى في مضمونها عدة أمور تتضح في هذا المعنى الذي يتعلق بإظهار نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام ويكون في الوقت نفسه دليلاً ملموساً على نبوته, حيث إنه كان صلوات الله عليه أمياً, لا يقرأ ولا يكتب. كما أنه لم يتعلم العلم على يد معلم, إلى جانب أنه لايغادر وطنه وقتاً كافياً يمكنه من الإلتقاء بعالم يأخذ عنه تلك القصص والأخبار, هذا بالإضافة إلى أنه لم يعرف عنه في يوم من الأيام أنه كان من طلبة العلم..!

   كان هذا هو حال النبي الأمى, البعيد تماماً عن مجال تلقى العلم – أي نوع من أنواع العلوم- إلى أن نزل عليه جبريل عليه السلام وأخذ يلقنه آيات القرآن الكريم التى بدأ الرسول الكريم بعدها يحدث الناس بسير الأنبياء السابقين, وأخبار القرون الماضية, بل والملوك المتقدمين!

   وحين عرف الرسول صلى الله عليه وسلم تلك القصص عن الأمم السابقة, اندهش لذلك قومه الذين “قالوا أساطير الأولين فهى تملى عليه” فنراهم قد استنكروا بالفعل ما حفل به القرآن الكريم من تلك القصص التى أظهرت علو مكانة أمة محمد صلى الله عليه وسلم عند الله تبارك وتعالى..

   كما أظهرت إرتفاع قدر الرسول عليه الصلاة والسلام عند ربه, فهو صلوات الله عليه لما نظر إلى أخبار الأمم قبله علم أنه قد عوفى هو وأمته من كثير من المواقف الصعبة التى امتحن الله بها الأنبياء السابقين, فقد خفف الله عنهم في الشرائع حسب ما جاء في قوله تعالي: ﴿وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنه﴾ [لقمان: 20] فالنعمة الظاهرة تخفيف الشرائع, والباطنة مضاعفة حسنات الصنائع. فقد قال تعالى: ﴿يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾ [البقرة: 185].

 

 

 

   وبعد أن أدرك الرسول عليه الصلاة والسلام مضمون قصص الأنبياء السابقين, رأى فضل نفسه وفضل أمته, وعلم أن الله قد اختصه وأمته بكرامات لم يختص بها أحداً من الأنبياء والأمم, فواصل ليله بنهاره, وصيامه بقيامه, وظل لا يفتر عن عباده وشكر ربه حتى تورمت قدماه.. فقيل يا رسول الله أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً. ثم قال عليه السلام مفتخراً: بعثت بالحنيفية السمحة(1).

   صدقاً..﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب﴾ [يوسف: 111] فهذا هو الهدف من سرد أخبارهم أن يتعظ السامعون بما ورد فيها من مواقف وآيات, دالة جميعها على وجود الله الواحد القهار. لكن, في الواقع, وكما حدث فقد اشتغل عامة الناس بذكر القصص في حين انشغل الخاصة منهم بالإعتبار مما جاء في القصص. وهذا ما ذكره الله سبحانه عنها, أنها فيها ﴿هدى وموعظة للمتقين﴾ [آل عمران: 138].

 

كلمات من نور

 

   ﴿وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين﴾ [هود: 120].

 

*     *     *  

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه البخارى جـ2 ص63, جـ6 ص169, جـ8 ص124 طبع الشعب والإمام أحمد في مسنده جـ4 ص251, 255, جـ6 ص115.

 

 

فلنبحث عن شئ خطأ.. داخلنا!

   أعجبتني هذه الحكاية التى قرأتها من قبل, وهى: أنه جئ يوماً بإعرابي يدوى إلى السلطان وقد رفع كتاباً فيه قصته, فأخذ الأعرابي يردد: “هاؤم أقرأوا كتابيه”.

   فقيل له يقال هذا يوم القيامة.

   فقال الأعرابي: والله هذا شر من يوم القيامة.. إن يوم القيامة يؤتى فيه بحسناتى وسيئاتى وأنتم جئتم فقط بسيئاتى!!

   هذا الأعرابي الذي أخرج ما في قلبه مدافعاً عن نفسه في موقف الإتهام الذي تعرض له, يجعلنا ننظر بدورنا داخل نفوسنا, بحثاً عن شئ خطأ داخلنا.. شئ يدفع بعض الناس لمعاداة الآخرين, دونما سبب, فقط ربما, لأن الواقع هنا يقر بتميز أولئك (الآخرين) ويعترف بروعة إبداعهم في جانب معين من جوانب الحياة..!

   العجيب.. في هذا الموقف العجيب, إن هذا العداء الكامن لكل ذي نعمة, يظل طوال الوقت مستتراً, لكنه يكشف عن نفسه حين يعتقد أولئك البعض الناقمون أن لهم قيمة, أو أهمية, قد تفلح في صياغة حدث, أو صناعة مشكلة, لأولئك الناجحين الفالحين!

   هنا.. تتبدى أهمية الحكمة فى التعامل بذكاء وحنكة في مثل هذه المواقف المباغتة, والحكمة هنا تأتى بمعنى تطبيق الفلسفة العملية في الحياة, أى القدرة على فهم الموقف مع حسن التصرف فيه, وهى غالباً  ما تنجح بفضل تجارب الحياة, خاصة وأن أحداث الحياة لا تخضع لمنطق, ولا تتأثر بثقافة عالية, وإنما تخضع لتجارب تستخلص منها نتائج. فيا لها من تجارب..! ويا لها من نتائج!!

    ندعو الله أن يرزقنا الحكمة, وأن ينعم علينا بالحب, ذلك الذى يخلصنا من مشاعر الغيرة والبغض, فالحكيم يصيب دائماً, ويسعد دائماً, والمحب محبوب من الله والناس دائماً.. هذه النعم لا تتأتى إلا بالتقوى, وبالإيمان العميق بالله ورسوله.

   قال الشاعر:

   ولست أرى السعادة جمع مال                  ولكن التقى هو السعيد

   وتقرى الله خيــر ذخــر                   وعند الله للأتقى مزيـد

 

 

 

 

 

 

   عن أم أنس رضى الله عنها أنها قالت:

   يا رسول الله أوصنى قال: “أهجرى المعاصى, فإنها أفضل الهجرة, وحافظى على الفرائض فإنها أفضل الجهاد, وأكثرى من ذكر الله, فإنك لا تأتين الله بشئ أحب إليه من كثرة ذكره”(1).

   هذه الوصية ما هى إلا هدية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدلنا على أسباب السعادة في الدنيا والآخرة, وفقنا الله لخير العاقبة وحفظنا وإياكم من السوء أجمعين, وأسبغ علينا واسع رحمته.. آمين يارب العالمين.

 

كلمات من نور

 

   ﴿والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم﴾ [البقرة:105].

 

 

 *     *     *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــ

(1) الحديث أخرجه الهيثمى في مجمع الزوائد جـ4 ص217, ص10 ص75.

 

 

.. ثم قطف رمانة ثالثة!

   في يوم من الأيام, حين طاب الزمان, واعتدل المناخ, خرج ملك من الملوك يتنزه ويتنعم بروعة الجو وجمال الهواء, فمر في طريقه ببستان رمان, فقطف واحدة فأكلها, فوجدها من أحلى ما يكون طعماً, فحدثته نفسه أن يستولى على هذا البستان الواسع, الشهى الثمار..!

   فقطف رمانة آخرى فأكلها, فوجدها مرة كالعلقم, فقال للبستانى مستفسراً:

   الرمانة الأولى حلوة والثانية مرة وهما من فرع واحد ومن شجرة واحدة.. لماذا؟

   فقال له البستاني:

  لعل مولاى دخل فى قلبه الظلم.

صمت الملك برهة وهو يتذكر ما حدثته به نفسه, وما كان من سوء نيته, فعدل عما كان ينوى أن يفعل, ونبذ من قلبه نية الإستيلاء على البستان, وعزم بينه وبين نفسه أن يكافئ هذا البستانى الصادق الصريح.

   .. ثم قطف رمانة ثالثة! وهنا.. وجدها أحلى من الأولى, فاندهش دهشة كبيرة وعاد يسأل البستانى عن سبب ذلك التفاوت في المذاق؟!

   يا مولاى.. حلاوة الثالثة.. هى حلاوة الطاعة والتوبة وحسن النية, ومرارة الثانية هى مرارة المعصية وسوء النية.

   وهنا.. فهم الملك حقيقة الأمر وانصرف مبتعداًَ تاركاً ذلك البستان لصاحبه, بعد أن أجزل العطاء لذلك البستانى المخلص الشديد الولاء.

   بعد هذه الحكاية البسيطة.. أعتقد أننا سوف نردد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى”(1).

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــ

  • الحديث رواه عمر بن الخطاب وأخرجه أصحاب الكتب الستة بعضها مطولاً.

 

   ولهذا.. نستطيع أن نقول إن النية الطيبة هى أساس العمل الصالح وهى أبلغ من العمل, كما أن تخليص النية من فسادها يتطلب جهداً شديداً, لأن النية تتقلب وتتغير, والنية محلها القلب, وبالنية الطيبة الخيرة يضئ القلب بنور الله, ذلك القلب الذي يقول عنه الله تبارك وتعالى: “وما وسعتنى سمواتي ولا أرضى, ووسعنى قلب عبدى المؤمن”(1).

إن القلب الملئ بتقوى الله عز وجل لا يستطيع أن يعبث به الشيطان, لأن ﴿الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون﴾ [الإعراف:201].

   وهذه هى قوة القوة.. تلك التى تكمن في نقاء البصيرة, التى توجب ذلك النظر الذى يوجد وراءه التذكر, والذى توجد وراءه التقوى, التى وراءها الله سبحانه وتعالى.

   وهكذا.. نعد إلى لب الموضوع, وهو نقاء النية, وصفاء القلب الذي يبقى عامراً بذكر الله, ولا ينسى استغفار الله عما ارتكب من ذنوب وآثام.. قال إبليس:

   “وعزتك يارب لا أبرح أغوى بنى أدم ما دامت أرواحهم في أجسادهم.. فكان الجواب الالهي وعزتى وجلالي ما أزال أغفر لهم ما استغفرونى”(2) ﴿نبئ عبادى أنى أنا الغفور الرحيم﴾ [الحجر:49].

كلمات من نور

  ﴿والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فأستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون﴾ [آل عمران :135].

 

*       *      *

 

 

 

 

 

(1) الحديث في اتحاف السادة المتقين جـ7 ص234, وكشف الخفا جـ2 ص283.

  • الحديث أخرجه القرطبى جـ3 ص27 طبع بيروت في تفسير قوله تعالى ﴿قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين﴾ [الحجر:39].

 

 

..حين تجئ لحظة الإحتياج!

   مازلت حتى أفكر في أهمية الحب في حياة الإنسان؟! عما يبحث الشخص لحظة الشعور بالاحتياج.. عن أحب الناس إليه؟! أولئك الناس الذين يعتقد أنهم يبادلونه حباً بحب؟! أعتقد أن أول من يخطر بباله, وأول من يستنجد بهم ليساعدونه على الخروج من المأزق الذي يتعرض له.. هم هؤلاء الناس الذين يحبهم ويحبونه.

   هذا غالباً ما يحدث في هذين الموقفين المتناقضين:

   الأول: أن يهب أولئك المحبون إلى نجدة المستغيث, غب\ير عابئين بما لديهم من مهام وأعمال فينطلقوا يسابقون الريح لسرعة الوصول إليك.

   الثانى: أن يفاجأ هذا الشخص الواقع في الأزمة بتخاذل بعض الناس الذين كان يظن أنهم يحبونه!! فيفاجأ بهم وقد تعاموا عن نجدته, وأصموا سمعهم عن صدى استغاثته, وتابعوا أعمالهم وكأن شيئاً لم يكن, بعد أن جعلوا آذانهم – على رأى المثل – “أذن من طين.. وأذن من عجين!!”.

   عندئذ.. يشق أعماق هذا السؤال: إلى هذا الحد كنت واهماً في تقديري لأولئك الناس؟!

   إلى هذا الحد كنت غافلاً عن إدراك ما حولى من مواقف وأحداث؟!

   مليون تساؤل.. مليون سؤال.. مليون جواب.. لا تكفى جميعها لتوضيح معادن هؤلاء الناس, الذين نتعامل معهم دون أن نعرف حقيقتهم! فالله وحده سبحانه هو الذى ﴿يعلم ما فى أنفسكم فأحذروه﴾ [البقرة : 235].

   أما الغريب والمفاجئ في الموضوع, هو وجود فئة ثالثة مستترة, لا يعلم ما في صدورها إلا الله وحده تبارك وتعالى, فئة تفجرت مشاعرها, وظهرت عواطفها أثناء الأزمة.. فتفجر منها ذاك الكم الزاخر من الحب, والقدر الوافر من العطاء!

   هؤلاء الناس هم الذين قال عنهم الفيلسوف أفلاطون: “حافظ على كل صديق أهدته إليك الشدائد, وإله عن كل صديق أهدته إليك النعمة”.

   صحيح.. وكما يضئ القمر الليل الحالك السواد, تضئ ظلمة الشدة قلوباً تشتعل خوفاً علينا, تفيض حباً لنا.. قلوباً لم نكن أبداً نتوقع أن تكون عامرة بكل هذا القدر من الخير.. والحب!

   هذا الحب المكنون.. ذاك الذي يكشف ويتبدى وقت الأزمة.. حين تجئ لحظة الاحتياج.. هذا الحب فيه, هو الذى يجعلنى الآن أتساءل؟!

   لماذا أودع الله عاطفة الحب في قلب الإنسان؟!

   الجواب: الحب امتحان.. امتحان قاس مرير يختبر به سلوك الإنسان, فهو يظهر نوعية المسلك الذي يسلكه.. هل سيسلك فى حبه مسلكاً شريفاً عالياً.. أم مسلكاً وضيعاً هابطاً؟!

   هذه التساؤلات تعرف نتيجتها غالباً بعد ان يجتاز الشخص المحب الإمتحان, إمتحان.. ربما يأتى في لحظة ضعف.. أو عند لحظة احتياج.. ويا له من إمتحان!

كلمات من نور

﴿وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ﴾ [الأحقاف:26].

 

*    *    *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ذلك الماء المالح

   قال الإمام أبو سلمان الدارانى: “ما تغرغرت عين بمائها إلا لم يرهق وجه صاحبها قتر ولاذلة يوم القيامة, فإن سالت دموعه أطفأ الله بأول قطرة منها بحاراً من النيران, ولو رجلاً بكى في أمه ما عذبت تلك الأمة”.

   ..إنه ذلك البكاء الناتج عن تعاقب البلاء, حين تشتد المحن, فلنلجأ إلى الله طالبين الرحمة والنجاة, فالله سبحانه وتعالى قال فى حديثه القدسي: “أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلى” حقاً..

   وإذا تذللت الرقاب تواضعاً              منا إليك فعزها في ذلها

   وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى الله حين إزداد الخطر (يوم بدر) فعن على رضي الله عنه قال: “ما كان فينا يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم, إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلى ويبكى حتى أصبح”.

   وقال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية): بات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جذع شجرة شجرة هناك, وهو يكثر في سجوده ويقول: (ياحى ياقيوم) وظل يكرر ذلك وظل عليه السلام مع بقيام الليل والبكاء حتى الصباح والدعاء والاستغاثة بطلب النصر.

   وفي ذلك اليوم, أى (يوم بدر) قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه للنبى صلى الله عليه وسلم: ” يا رسول الله, قد ألححت على ربك كفاك بعض مناشدتك لربك”(1).

   وفى الأثر: الإلحاح عين العبودية “إن الله يحب الملحين في الدعاء” ذاك الدعاء الذي يحفل بالرجاء في الله تعالى, وحسن الظن به. اللذان يقبلان إذا اقترنا بالعمل الواجب, وصحبهما الإسراع في حق الله تعالى, والسهر على مرضاته.

   قال بكر بن عبد الله المزنى: “من مثلك يا ابن أدم؟ خلى بينك وبين المحراب تدخل منه إذا شئت وتناجى ربك. ليس بينك وبينه حجاب ولا ترجمان إنما طيب المؤمنين: الماء المالح, هذه الدموع! فأين من يتطيبون به؟”.

   وهكذا.. كلما كانت القلوب رفيعة ندرية بذكر الله, كلما كانت العيون دامعة, يبكى أصحابها مما عرفوا من الحق, أو مما أجترحوا مع الخلق.. عن مكحول قال: “أرق الناس قلوباً أقلهم ذنوباً” إنهم هؤلاء القوم:

      الفائضون المخبتون لــربهم                 النــاطقــون بأصــدق الأقوال

      يحبون ليلهم بطاعة ربهــم                 تـــلاوة وتضـــرع وســؤال  

ـــــــــــــــــــــــ

(1) الحديث أخرجه القرطبي جـ7 ص370  طبع بيروت في تفسير الآية 10 من سورة الأنفال.. مطولاً. 

 

   ..خرج علي بن أبي طالب رضى الله عنه مع نوف البكالى ذات ليلة فنظر إلى النجوم فقال له:” يا نوف أراقد أنت أم رامق؟ قال: قلت بل رامق يا أمير المؤمنين, فقال: يانوف: طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة, أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطاً, وترابها فراشاً, وماءها طيباً, والقرآن والدعاء دثاراً وشعاراً”.

كلمات من نور

﴿وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون﴾ [الشورى:25].

 

 

 *     *     *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تلك الأسس السبعة الأساسية!

   ..لا أدرى لماذا تراودنى – الآن – الرغبة في التحدث عن هذا الزمن العجيب الذى نعيشه! أيضاً, لا أدرى لماذا تخالجنى الرهبة عند التفكير فى أحداث هذا الواقع الغريب الذى نحيا! لكننى قطعاً أعرف ان الناس والزمان والمكان هم الذين يشكلون عناصر هذا الواقع الحاضر, الذى أتمناه من كل قلبى أن يصبح أقل قسوة, كى تنبثق عنه حياة.. أكثر حلاوة وظمأنينة.. فنحن حتماً نتنمى من الله حياه سعيدة أمنة.. حياة مليئة بالمشاعر الإنسانية الراقية.

   لذا, قد نتساءل عن السبب الذى يجعل الناس أكثر قسوة, والحياة أكثر صعوبة؟ كما قد نفكر أيضاً في ذلك السبب الذى يجعلنا نتوه في زمن ضاعت فيه المعانى, وغابت عنه القيم, تلك التى تصنع الأراء والأفكار وتثرى الوجدان, فيصبح الإنسان بالتالى أكثر مقدرة على الحب والعطاء, بعيداً عن مهاوى الطمع والجشع, والأنانية وعشق الذات!

   هذه التساؤلات أجابتها في معنى واحد فقط لاغير, هو الإيمان.. نعم, الإيمان المطلق بالله سبحانه وتعالى فهو السميع البصير, الحكيم. فالإيمان الصادق قادر على بث عاطفة الحب الصافى في قلب الإنسان, فيصبح الزمن حينئذ أقل مرارة, كما تصبح الحياة أكثر حلاوة, لأن الدنيا ستكون أكثر بهجة بعد أن يصير الناس أكثر شفقة ورحمة.

   لذلك, أحب أن أوضح اهمية هذا الجانب الوجدانى القادر على صياغة تصرفات الإنسان, ذاك الإنسان القادر على الحب, رغم ظروف الدنيا, وقسوة الأيام, وهنا.. يحلو لى أن أسأل ما هى أهم العناصر التى تعمل على تكوين عاطفة الحب في الإنسان؟ تقول في ذلك د. هبه عيسوى مدرس الأمراض النفسية والعصبية في جامعة عين شمس:

   ” التعليم العاطفى يتكون فى لحظات الحياة الأولى, فمنذ فترة الرضاعة تنشأ أسس تعلم العاطفة بالأم الحانية, فهى حين ترضع طفلها تبث مشاعر مختلفة تتعلق به هو نفسه وبمن حوله, وفى هذه اللحظات يبدأ ظهور المخزون العاطفى للطفل الذي يطل علينا من خلال تعلم الثقة بالناس الذين يلاحظون احتياجاته.

   وهكذا يتعلم الأطفال يكونوا مؤثرين للحصول على المساعدة التى يحتاجون إليها, ذكر أيضاً “ايريك أيريكسون” أحد علماء النفس الذى قال: إما أن ينشأ الطفل بشعور (الثقة الأساسية) أو (عدم الثقة الأساسية) فبداية العاطفة هى التى توضحها د. هبة عيسوى قائلة: إن السنوات المبكرة من العمر تمثل الفرصة الأولى لتشكيل مكونات القدرات العاطفية  (الذكاء العاطفى) وهى الأساس الضرورى لكل أشكال التعلم والنجاح الدراسى الذى لا يحتاج فقط إلى رصيد الطفل من المعارف, بل يحتاج إلى سبعة أسس أساسية, لتكوين المقدرة الحاسمة لإظهار مواطن القوة في الشخصية المستقبلية للطفل, وهى:-

    1- الثقة.                  2- حب الاستطلاع

    3- الإصرار               4- السيطرة على النفس

    5- القدرة عاى تكوين العلاقات والارتباط بالآخرين.

    6- القدرة عاى التواصل والتبادل الشفوى للأفكار.

    7- التعاون

   ..كانت هذه لمحة عابرة تدور حول عاطفة الحب, وكيف تستطيع الأم بما حباها الله به من حنان ورأفة أن تغرسها في قلوب أطفالها منذ الصغر, منذ اللحظة التى تحتوى فيها رضيعها فتضمه إلى صدرها تلقمه ثديها. لذا, جعل الله سبحانه وتعالى (فصاله فى عامين) كى يتشبع الطفل بمعاني الحنان والحب, فيشب أكثر ثقة بنفسه وبالآخرين, ويصبح أكثر قوة وقدرة على التعامل بنجاح مع نفسه..ومع الآخرين.

   والحين, أعتقد أننا قد عرفنا أهمية الحب فى حياة الإنسان. ذاك الحب الزاخر بعوطاف الود والتضحية, مشاعر الرأفة والشفقة. ذاك الحب الذي ينأى بالناس أن يتحولوا إلى وحوش ىدمية ضارية تتصف بالعنف والأنانية.. وهذا لن يتأتى إلا بالإكثار من ذكر الله حتى تلين قلوب الناس فلا تصبح أفئدتهم هواء وحتى تضئ النفوس بنور ربها ﴿هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب﴾ [ص:49].

كلمات من نور

﴿إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون﴾ [الأنفال:2].

 

 

*      *    *

 

 

 

 

 

 

شئ.. أشد من الجبال

   روى عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: بين كل أرض إلى التى تليها مسيرة خمسمائة عام وهى سبعة أطباق: الأرض الأولي هذه فيها سكانها, والأرض الثانية: مسكن الريح ومنها تخرج الرياح المختلفة كما قال تعالى:﴿وتصريف الرياح﴾ [البقرة:164] وفي الأرض الثالثة: خلق وجوههم مثل وجوه بنى أدم أفواههم مثل أفواه الكلاب, وأيديهم كأيدى الإنس, وأرجلهم كأرجل البقر وآذانهم كآذان المعز, وأشعارهم كأصواف الضأن لا يعصون الله طرفة عين ليس لهم أثواب, ليلنا نهارهم ونهارهم ليلنا, أم الأرض الرابعة ففيها حجارة الكبريت التى أعدها الله لأهل النار تسجر بها جهنم. قال النبى صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسى بيده إن فيها الأودية من كبريت لو أرسلت فيها الجبال الرواسي لإنماعت”(1) قال وهب بن منبه: هى مثل الكبريت الأحمر, الصخرة مثل الجبل العظيم, وهى التى قال قال تعالى فيها: ﴿وقودها الناس والحجارة﴾ [التحريم:6]. والأرض الخامسة: فيها حيات أهل النار كأمثال البغال لها أذناب كالرماح لو أمر الله حية منها أن تضرب بناب من أيابها أعظم جبل في الأرض لهدته حتى يعود رميماً. والأرض السادسة: فيها دواوين أهل النار هم واعمالهم وأرواحهم الخبيثة واسمها سجين, قال الله تعالى: ﴿كلا إن كتاب الفجار لفى سجين﴾ [المطففين:7]. والأرض السابعة: جعلها الله مسكناً لإبليس وجنوده, وفيها عشه في أحد جانبيه سموم وفى الآخر زمهرير, وقد غص بجنوده من المردة وعتاة الجن, ومنها يبث سراياه وجنوده وأعظمهم عنده مكانة ومنزلة.. وهو أعظمهم فتنة لبنى أدم.

   روى سلمة بن كهيل عن أبى الزرقاء: الحنة اليوم في الأرض في السماء السابعة, فإذا كان غد جعلها الله حيث يشاء. والنار اليوم في الأرض السفلى, فإذا كان غد جعلها الله حيث يشاء. وأما قعر الأرض فهو حيث يخسف الله بقارون وداره وامواله. وقال النبى صلى الله عليه وسلم: “بينما رجل يتبختر في بردية وينظر في عطفية وقد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة”(2).

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــ

  • الحديث في اتحاف السادة المتقين جـ11 ص214 بلفظ مقارب للحديث الذى معناه.
  • الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب اللباس باب 49 والإمام أحمد 2/467.

   قال سبحانه وتعالى ﴿الذى جعل لكم الأرض فراشاً﴾ [البقرة:22] وهى تلك الأرض التي تبدو لنا على مدى البصر منبسطة تسمى طبقتها الأولى أديماً, والثانية بسيطاً, والثالثة ثقيلاً, والرابعة بطيحاًو والخامسة متثاقلة, والسادسة ماسكة, والسابعة ثرى. وقد جاء ذكر أسمائها السبعة في القرآن كما يلى “فراشاً”, و”قراراً”, و”مهاداً” “وكفاتاً” و”بساطاً” و”رتقاً”, و﴿والأرض ذات الصدع﴾ [الطارق:12] وهى تلك الأرض التى قال عليها الشاعر:

    والأرض معقلنــا وكـانـت أمتـاً         فيهـا مقابــرنا وفيهــا تـولــد

   وقد زين الله الأرض بالأزمةو وزين الأزمنة بأربعة أشهر قال تعالى :﴿إن عدة الشهور عند الله أثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم﴾ [التوبة:36] فالأربعة الحرم هم: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجب, وكذلك زين الله الأرض بأربعة مكنة وهى مكة, والمدينة, وبيت المقدس, ومسجد العشائر. وأيضاً زينها بالأنبياء الذين زينوا بأربعة: إبراهيم الخليل وموسى الكليم, وعيسى الوجيهو ومحمد الحبيب, صلوات الله عليهم أجمعين, فهم أهل الكتب وأصحاب الشرائع, وأولوا العزم, وتكتمل زينة الأرض بآل محمد صلوات الله عليه وسلامه وزينهم بأربعة هم: علي وفاطمة والحسن والحسين رضى الله عنهم.

   وزين الله الأرض بالصحابة, الذين زينهم بأربعة منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى, وهم الخلفاء الراشدون والآثمة المرضيون, هذا وقد روى عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لايجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن(1). قال أنس : قد أجتمع حبهم بأربعة: العلماء والقراء والغزاة والعباد. هذا إلى جانب كافة أنواع الحيوانات والنباتات والجماد.

   والجبال من الجماد جعلها الله أوتاداً للأرض حتى تثبت. قال تعالى ﴿وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم﴾ [النحل:15] فكما يقول الرواة عندما خلق الله الأرض جعلت تميد, أى تهتز وتتحرك , فخلق الجبال, وألقاها عليها فأستقامت, فعجبت الملائكة من شدة الجبال, فقالت نعم الحديد, فقالت يارب هل من خلقك شئ أشد من الجبال؟ قال نعم الحديد, فقالت يارب هل من خلقك أشد من الحديد؟ قال نعم النار, فقالت يارب هل من خلقك شئ أشد أش من النار؟ قال نعم الماء, فقالت يارب هل من خلقك شئ أشد من الماء؟ قال نعم الريح, فقالت يارب هل من خلقك شئ أشد من الريح؟ قال نعم الإنسان يتصدق باليمين فيخفيها عن الشمال”. فسبحان الله العرف بكل أمر وبكل حال(2).

ــــــــــــــــــــــــــ

(1)الحديث في المطالبة العالية شرح زوائد المسانيد الثمانية بن حجر حديث 4026, 4526.

(2) الحديث أورده القرطبى في تفسير الآية 15 من سورة النحل مطولاً ثم قال أخرجه الترمذى وقال أبو عيسى (حديث غريب لا تعرفه مرفوعاً الآمن هذا الوجه.

 

كلمات من نور

﴿الله الذى جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين * هو الحى لا إله إلا هو فأدعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين﴾ [غافر: 64, 65].

 

*      *      *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تلك المعادلة العادلة!

  نحن نعيش هذه الأيام وفى نفوسنا قلق شديد مما يحدث حولنا..! فتصيبنا حيرة أشد لما لانستطيع توقعه من تهديدات وأخطار تحيط بنا فتسبب هذه الظروف الغامضة المحبطة اضطراباً يؤثر على راحة الناس النفسية, والقلبية.

   لذا, نبحث الآن عن تلك المعادلة العادلة, بين مطالب الجسد.. واحتياجات الروح.

   لماذا؟

   للوصول إلى علاج أمراض هذا العصر, وما تسببه من قلق نفسى , وحيرة, واضطراب.

   كيف؟!

   بالحصول على النو.. ذلك النور الذى يقذفه الله في القلب, فيزول القلق, ويتبدد الإضطراب.. مهما كانت صعوبة الظروف, وشراسة الأحداث!

   حقاً..

 ﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام﴾ [الأنعام: 125] تلك الآية سئل عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: ما معنى الشرح يا رسول الله؟

   فقال صلوات الله عليه: “الشرح نور يقذفه الله تعالى فى القلب”(1).

   هذا النور الربانى العظيم, الذى يضئ لنا الطريق إلى الله, فنلتجأ إليه الدعاء, دعاء المضطر الذى يعجز عن السيطرة على ما حوله من ظروف وأحداث, وهو دعاء مستجاب بحول الله وعون الله ولا حول ولاقوة إلا بالله.

   إليكم حكاية هذا الرجل الذى تعرض لكرب شديد فرجه الله عنه ببركة استجاة ذاك الدعاء:

   قال مالك بن دينار رضى الله عنه: خرجت إلى الحج, وفيما أن سائر في البادية, إذ رأيت غراباً في فمه رغيف , فقلت: هذا غراب يطير وفى فمه رغيف, إن له شأناً, فتتبعته, حتى نزل عند غار, فذهبت إليه فإذا بى أرى رجلاً مشدوداً لا يستطيع فكاكاً, والرغيف بين يديه, فقلت للرجل: من تكون؟ ومن أى البلاد أنت؟ فقال: أنا من الحجاج, أخذ اللصوص مالى ومتاعى, وشدونى وألقونى في هذا الموضع, كما ترى, وصبرت على الجوع أياماً ثم توجهت إلى ربي وقلت: يا من قال في كتابه العزيز ﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه﴾ [النمل:62]فأنا مضطر فأرحمنى. فأرسل الله هذا الغراب بطعامى إليكم هذ الدعاء الكريم, الذى فرج الله به الكرب عن ذلك الرج الواقع في محنة:

ــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث ذكره القرطبى في تفسير الآية 125 من سورة الأنعام بلفظ عن ابن مسعود بلفظ مقارب للحديث الذى معنا.

   “اللهم إنى أسألك أن تجعلنى من عبادك المتقين وتميتنى على سنة سيد المرسلين وأن تجعلنى ممن يعطى كتابه باليمين, إلهى, أنت ملاذى إذا ضاقت الحيل ملجأى إذا أنقطع الأمل فبذكرك نتنعم ونفخر وإلى جودك نلتجئ ونفتقر, فلا تخيب رجائى ولا تصرف وجهك في القيام عنى وأغفر ذنوبى وأستر عيوبى وأقر في القيامة عيونى فها أنا لبابك قرعت وبقاعك انخت فلا تطردنى عن جنايك وهب لى ما هبته لأحبائك”.

كلمات من نور

  ﴿ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون﴾ [النور:52].

 

*        *       *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ليلة قد تفترس .. ثلاث ليالي

   الأيام والليالى هى تلك الأوقات التى يتشكل منها الزمان.. وهى ذات درجات مختلفة, وقيم متفاوته عند الله سبحانه خالق الأرض والسماوات.

   و.. عن تلك الليالى ذات الدرجات العالية, والقيمة المتميزة سنتحدث الآن.. هى في الواقع ثمان ليالي, من ضمنهن الأربع التى قال عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس بن مالك: ” أربع ليال لياليهن كأيامهن وأيامهن كلياليهن يبر الله فيهن القسم ويعتق النسم ويعطى فيهن الجزيل: ليلة القدر وصباحها وليلة النصف من شعبان وصباحها وليلة الجمعة وصباحها وليلة عرفة وصباحها”(1).

   أما الليالى الأربع الأخرى, تلك التى يضاعف الله فيها الحسنات, ويستجيب خلالها الدعوات, والتى يسح الله فيها الخير سحاً, هى ليلة الأضحى, وليلة الفطر, ليلة النصف من شعبان, وليلة عرفة.

   البديع في هذا الموضوع, أن تلك الليالي العامرة بالخير والعطاء, تأتى أحياناً على التوالى وهن: ليلة الجمعة, ليلة القدر “وما أدراك ما ليلة القدر” ثم ليلة عيد الفطر. وهذه الليالي حين تجمع معاً أحياناً.. تعتبر هدية غالية قيمة من الله بها علينا في تلك الأيام الفضيلة المباركة, التى نتمنى من الله أن يستجيب خلالها دعاءنا, وأن يغفر برحمته لنا وأن ينعم علينا برضوان جناته “خالدين فيها أبداً”.. وأن يتفضل علينا بلقاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى من الجنة إن شاء الله.. وأن يكرمنا وينعم علينا بالنظر إلى وجهه الكريم آمين يا قادر يا عظيم.. يا الله.

   حمداً لله.. أننا نحظى أحياناً بهذه الليالي الجميلة التى تضئ سويعات الشهر الفضيل بنورها. شهر رمضان الذى يتطلب من المسلمينأن يستثمروا أيامه في الصيام, ولياليه في القيام. كما يتطلب منهم أن يصونوا جوارحهم عن الآثام, وقلبوهم عن الشرك والجشع والشهوة, والحقد والحسد, والغيظ والغل والغضب حتى يكتمل صومهم, وتتضاعف أجورهم, ويوضع ذلك الأجر العظيم – إن شاء الله – في ميزان حسناتهم..

   ..حينئذ يصبحوا بإذن الله من أولئك الناس الطيبين الأخيار, الذين رضى الله عنهم وأرضاهم, وجعل الجنة مأواهم فطوبى للصائمين الذين تمتلئ قلبوهم بحب الله, ورسوله.

   وطوبى لكل صائم يعرف كيف يصون جوارحه في شهر رمضان, كما يعرف كيف يلتزم وينضبط باقى الليالي والأيام, على مدى الزمان, تماماً, كما كان يفعل في رمضان. عندئذ, لاتقتصر صيانة الجوارح على شهر الصوم وحده, بل تتصل وتمتد بعده لتستمر عملية السيطرة على النفس, ولتستمر معركة الصراع مع الشيطان بهدف الفوز بالجنة, والنجاة من النار.

   نسأل أن يباعد بيننا وبين أولئك اللاهين, الغافلين, عن ذكر الله, المعرضين عن الآخذ بتعاليم دين الله. كما نسأل الله أن يتقبل صيامنا ودعاءنا خلال هذ الشهر الفضيل ذى الليل الجميل الذي تحلو فيه الخلوة مع الله سبحانه وتعالى, فتمضى الأسحار بالناس وهم في طاعة وعبادةوإسلام, وإحساس عميق زاخر بالسكينة والسلام والأمان.

   ..هكذا يحظى المسلم المؤمن بغفران ورضوان الله سبحانه وتعالى عن أبى هريرة رضي الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه”(1).

   حمداً لله وشكراً لله الذى غفر لنا ما تقدم من ذنوبنا, ومحا بفضله سيئات أعمالنا, وحمداً لله الذى جعل الصوم مدرسة بالنسبة لنا, مدرسة يتعلم فيها الصائم السلوك القويم, والاخلاق العالية, والانضباط على شريعة الله في القول والعمل.

   وبهذه الطريقة نصل إلى باب الجنة, وندخلها إن شاء الله مع الداخلين, فقط علينا أن نواصل المسيرة إليها مع السالكين المخلصين, أولئك الذين قال الله فيهم: ﴿إن المتقين في جنات وعيون﴾ [الذاريات: 17-18].. وحتى نكون ضمن أولئك الأبرار الذين ﴿تعرف فى وجوههم نضرة النعيم﴾ [المطففين:24].. علينا أن لا ندع الليلة الأخيرة لمفترسة التى تأتى في رأس السنة الميلادية, تفترس تلك الليالي العطرة الندية التى يتفضل الله علينا خلالها بأجزل العطايا, تلك التى ينعم علينا بها في الدنيا والآخرة. حفظنا الله من ضعف نفوسنا, ومن تسلط إبليس على قلوبنا.

كلمات من نور

     ﴿ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعلكم على الغيب ولكن الله يجتبى من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم﴾ [آل عمران: 179].

 

*       *      *

ـــــــــــــــــــ

  • الحديث اخرجه الإمام البخارى في صحيحه جـ1 ص16, جـ3 ص 33 وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب صلاة المسافرين والإمام أحمد في مسنده جـ2 ص232, 241, 385, 473.

نحن حتماً نحتاج هذا النوع من الحب ..!

   نحن نحتاج الحب دوماً, ونحب أن نتعامل بحب على مدى العمر, ليس فقط مع إطلالة عام جديد, جعله الله عاماً طيباً عامراً بالحب والسعد, بل عبر كل الأيام والليالي والسنوات. فنحن نحتاج الحب, ونحتاج أن نتعامل بيننا بحب حتى تصبح الحياة أحلى وأجمل.

   ..فالذوق وتقدير الشعور, ومراعاة الإحساس في شتى الأمور, يضفى على المتعاملين صفات أرقى وأنبل, كما يجعل الحياة أسهل وأسلسو لأن هذ الأسلوب الراقى الأخلاقى يتضح حين تتم مناقشة بعض المواضيع دون مكابدة أو جدال, ودون إحراج أو أفتعال.

   فالحب بين الناس, يضئ القلوب, فتصبح الوجوه أحلى وأجمل, فنراها أكثر نوراً وبشاشة, كما تصير الأمورلأصوات أكثر لطفاً ودماثة. فتقل المواقف المحرجة, كما تتقلص الخناقات والأزمات, وتستمر عبارات الود والمجاملات على مدار السنة, ولا تقتصر فقط على المواسم والأعياد والمناسبات.

   وهذا هو هو أحوج ما نحتاج إليه وسط هذا الجو العالمى المشحون بكل ما هو مقلق ومثير, لأننا في هذا العصر الحاضر أصبحنا لا نطيق النقد اللاذع, ولا الكلام اللاسع, قد يدور حول أمر تافه بسيط لا يستدعى كل هذه الضجة, ولا يتطلب كل ذلك الصخب.

   المطلب الحقيقي في هذه الأيام التي تتبدل فيها الاحداث حولنا في كل لحظة وتتقلب فيها الدنيا وتتعدل فى كل لمحة, المطلبالحقيقى هو.. أن نتعامل مع بعضنا البعض بحب وأخلاق واحترام, وأن نكف عن أسلوب البغض والافتراء فيها الدنيا وتتعدل في كل لمحة, المطلب الحقيقى هو.. أن نتعامل مع بعضنا البعض والإفتراء والإتهام, لأننا لم نعد نقدر أن نتحمل هذا النوع العابث من الظلم, كما لم نعد نطيق هذا القدر المتصل من الإمتهان. أعتقد أننا جميعاً نعرف أن الحياة دوارة وأن المواقع خداعة, فهى يوماً فوق, ويوماً تحت, كما أظننا نعرف أنها لو دامت لك ما اتصلت لغيرك. لذا, علينا أن نشيع الحب والسلام بيننا, حتى يحبنا الله ويرضى عنا ويغفر لنا ذنوبنا.

   قال تعالى:﴿إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً﴾ [مريم: 96].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا أحب الله عبداً نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحبه, فيحبه جبريل فينادى جبريل في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فاحبوه فتحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في آهل الأرض”(1).

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحديث في اتحاف السادة المتقين بشرح أحياء علوم الدين جـ8 ص 310, جـ9 ص610 وعبد الرزاق في مسنده حديث 19673. 

  ونحن حتماً نحتاج هذا النوع من الحب. ذلك الحب النبيل الجميل, الحافل بالأمان والسلام, الزاخر بالسكينة والإطمئنان.. هذا النوع من الحب القائد, القادر على دفعنا نحو الجنة.

 

كلمات من نور

﴿وأعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً﴾ [النساء:36].

 

*       *       *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ما هو عدد حروف آيات النصر؟!

   حين تزدحم الخواطر, وتتفاعل الأفكار, في لحظة صمت تطرأ على البال, نتذكر عندئذ بعض ما مضى وبعض ما كان, من مواقف تكمن في عمق الزمان, فيها عبر وعظات, وحكم وأمثال.. مواقف سابقة نسترجعها, علها تخفف ما بداخلنا من..الآم وأحزان!

   لذا, طرأ ببالى ذلك الموقف الحكيم الذى سجلته لنا كتب السيرة لنبينا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم, حين وقف مبايعاً في المدينة, قائلاً:

    (أبايعكم على أن تمنعونى مما تمنعون منه أهليكم وأبناءكم)(1).

    فقام أحدهم وآخذ بيده وقال:

  • نعم والذى بعثك بالحق.. لنمنعك مما نمنع منه أنفسنا فبايعنا يا رسول الله.. فنحن والله أبناء الحروب.. وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر.

   ثم.. ألقى الرسول نظرة على هذه الطليعة الواعدة, بعد أن قالوا له: أبسط يدك يا رسول الله نبايعك, وكانوا في حساب العدد ثلاثة وسبعين رجلاً وسيدتين.. لكنهم في حساب القيمة أمة عظمى تتشكل وتتكون..!

   وهنا.. قال لهم الرسول: “أخرجوا لى اثنى عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم”.

   وبذلك وسع الرسول عليه الصلاة والسلام دائة النقود والمسؤولية, بعد أن تمت بيعة العقبة, وتم اختيار النقباء.

   وهكذا .. شهد الليل الصامت ذلك المؤتمر الفريدو كما شهد فيما بعد ليل آخر بهيم, خروج الرسول عليه الصلاة والسلام في حرص شديد ومعع عشرة آلاف رجل ليفاجئ قريشاً في مكة, بعد أن حجبت عنها لاخبار فلم يأتها نبأ واحد يعلمها بما يفعل محمد وأصحابه!

   ودخل عليه الصلاة والسلام مكة, وطاف بالبيت الحرام سبعاً وآخذ يطهر مكة من الحجارة والأصنام, فى حين ظلت قريش قريش ترتجف واجفة صامتة لا تدرى ماذا سيفعل محمد عليه الصلاة والسلام بها؟!

   لكنه.. صولات الله عليه بعد أن ألقى خطاب النصر, قال وقد تهلل وجهه الكريم: (أذهبوا فأنتم الطلقاء).

   كانت هذه بعض خواطر طافت فى لحظة صمت داخلى, وطافت معها بعض ادعية النصر على الأعداء:

ــــــــــــــــــــــــ

(1) الحديث في مجمع الزوائد جـ6 ص44, وفتح الباري بشرح صحيح البخارى جـ1 ص66, جـ7 ص221, وأحمد في مسنده جـ3 ص461والطبراني في المعجم الكبير جـ19 ص89.

   ﴿إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً﴾, ﴿وينصرك الله نصراً عزيزاً﴾, ﴿وما النصر إلا من عند الله﴾,﴿ والله يؤيد بنصره من يشاء﴾, ﴿وكان حقاً عليناً نصر المؤمنين﴾, ﴿فأفتح بينى وبينهم فتحاً﴾, ﴿عسى الله أن يآتى بالفتح﴾, ﴿قال رب أنصرنى بما كذبون﴾.

   صدق الله العظيم, الذى يؤيد عباده المؤمنين بالنصر المبين.. فهو على كل شئ قدير.

   عزيزى القارئ الكريم.. ألاتلاحظ معى أن عدد حروف كلمات تلك الآيات هو تسعة عشر حرفاً؟!

كلمات من نور

﴿الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز﴾ [الحج:40].

 

*         *        *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

..حين احتار المسلمون فيما يفعلون؟!

   عندما وصلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أخبار غزو الأحزاب المدينة أخذ المسلمون في الاستعداد للحرب وذلك خندق عميق فى الجهة التى تسمح بالهجوم, إذ كانت المدينة محصنة بالصخور من جهة, وأسوار المنازل من الجهة الآخرى.

   كما آخذ المسلمون حذرهم من خيانة اليهود, فوضعوا النساء والأطفال في مكان أمين وعليهم حراسة.ز وأستمر الحصار حوالى شهراً, وإزدادت الحالة سوءاً لدرجة أن المسلمين كانوا يشدون الحجارة على بطونهم من شدة الجوع, لكنهم كانوا رغم الجهد الشديد واثقين بالله.

   وكان اليهود داخل المدينة يرقبون الموقف ومعهم المنافقون, كانوا ينتظرون لحظة الهجوم ليثيروا الفوضى, ويبثوا الفزع بين الناس.. وهجمت قريش, لكن مشركيها لم يستطيعوا عبور الخندق, فألقوا الحجارة والسهام على المسلمين..!

   وشيئاً فشيئاً أشتد الهول, وارتفع مؤشر الخطر لدرجة أن المسليمن أنفسهم كانوا لا يعرفون هل أقتحم الجيش كانوا لا يعرفون هل أقتحم الجيش المدينة واحتلها.. أم لا؟!

  فقد كان الخطر الساحق يشتد حتى ليكاد أن يصل بجنود المشركين إلى مقربة من بيت الرسول نفسه عليه الصلاة والسلام, كما تسلل نفر منهم واقتحموا مكاناً من الخندق, فخرج عليهم علي بن أبى طالب فضرب أحدهم وفر الباقون..

   واستمرت المحاولات الشديدة لإقتحام الخندقو لكن بفضل الله  كان يرتد المهاجمون خارج حدود المدينة.. إنها معجزة من عند الله! وظلت هذه المعجزة تتكرر وتتكرر حقاً.. وما النصر إلا من عند الله.

   وهنا.. حين أشتد هول الهجوم واستمر , بدأت نذر خطر آخر تتبدى وتظهر, وذلك عندما نقض اليهود عهدهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم, ووقفوا جميعهم أمام الخندق يرمون النبال على المسلمين, قال تعالى: ﴿فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية﴾ [المائدة:13] وكانت بالفعل قلوب يهود بنى قريظة لا تقل غدراً ولا حقداً عن قلوب بنى النضير الذين كانوا قد نقضوا أيضاً عهدهم مع الرسول عليه الصلاة والسلام فأخرجهم من المدينة وأجلاهم عنها.

  ..ويزداد الموقف سوءاً, فالشتاء قارس البرودة, والقتال شديد الخطورة, والهجمات المتتالية لا تنقطع ولا تتوقف لحظة واحدة, سواء في الليل أو فى النهار.

   وهنا.. تعرض المؤمنون لإبتلاء عظيم, فقد كانوا لا يعرفون كيف سيبنتهى هذ الهجوم, ولا متى سينجلى هذ الخطر الداهم الذى يطحنهم طحناً, حتى وصل ذروته, وبلغ أقصى مداه!!

   حينئذ احتار المسلمون فيما يفعلون؟! وسألوا الرسول عليه الصلاة والسلام: ماذا يقولون؟! وأخبرهم الرسول أن يقولوا داعين راجين: اللهم منزل الكتاب, سريع الحساب, أهزم الأحزاب, اللهم أهزمهم وزلزلهم”(1).

   وخرج هذا الدعاء الكريم فى وقت كان القوم المسلمون قد أدوا واجبهم, والتجأوا إلى الله لينجيهم وينقذهم مما هم فيه سبحانه سميع الدعاء.. الذى لا ينقطع فيه الامل والرجاء.

 

كلمات من نور

   ﴿إذ جاءكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا﴾ [الأحزاب: 10].

 

*       *        *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه ابن ماجه في سننه كتاب الجهاد جـ2 ص935 حديث 2796.

 

 

 

 

بفضل الله.. انطفأت نيرانهم!

   وبعد أن أشتد الهول على المسلمين, أرتفع الدعاء والرجاء بالنجاة من هذه الأخطار فالقتال مستمر, والنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون محاصرون داخل المدينة, والظروف صعبة للغاية فالبرد قارس, والليل قاتم , والريح عاصف, والغذاء ناقص, والشعور العام بالثقة في الله وأصل أقصى مداه والحمد لله. والدعاء يطلب النصر على الأعداء, وهزيمة الأحزاب متصل.. مع الشكر لله.

   واستجاب الله الرجاء, فأرسل سبحانه الريح جنداً فجعلت تهد خيامهم وتقلع أوتادهم.. والملائكة جنوداً تلقى الرعب في قلوبهم.. فأنطفات نيرانهم, وأشتد يأسهم وفزعهم!

   كانت الليلة ليلة سوداء , ثلجية الهواء! وما لبث أن انسحب جيش الأحزاب بعد أن قال لهم  رئيسهم أبو سفيان:

  • يا معشر قريش.. إنكم ما أصبحتم بدار مقام.. فارتحلوا فإني مرتحل.

   رد الله الكافرين بغيظهم, وكفى المؤمنين القتال, فصدق الله وعده, وأعز جنده, وهزم الأحزاب وحده. وقال الرسول للمؤمنين: ” لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا”(1) وما انسحب جيش الأحزاب عائداً ادارجه وهو ينوء بفشل الهزيمة, حتى خرج من المدينة جيش يتجه نحو يهود بنى قريظة الذين خانوا عهدهم مع الرسول, غدروا بالمسلمين في لحظة الخطر, فأمر النبي ألا يصلى الناس العصر إلا في بنى قريظة.

   فهم المسلمون الرسالة. كان المعنى الواضح الذي وصلهم هو اقتحام حصون اليهود قبل الغروب. ونصر الله المؤمنين. وانهزم اليهود, وجئ بهم إلى سعد بن معاذ, الذي كان سيد الأوس, وكان الأوس حلفاء اليهود في الجاهلية, فتوقع اليهود أن تنفعهم هذه المعرفة القديمة.

   ونزل اليهود على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: “ألا يرضيكم أن يحكم فيكم واحد منكم؟ قالوا: نعم. ,وهنا تكلم سعد بن معاذ رضي الله عنه, الذي أمر الرسول بإحضاره لأنه كان جريحاً من السهام التي أصابته خلال حرب الأحزاب, فقال: إن سعداً لا تأخذه في الحق لومة لائم.. ثم قال: لقد حكمت فيهم يا رسول الله أن يقتل الرجال وتسبى الذرية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات”(2).

ــــــــــــــــــ 

  • الحديث في كتاب دلائل النبوة للبيهقى جـ3 ص458, وتفسير ابن كثير جـ6 ص396 طبع دار الفكر.
  • الحديث أخرجه القرطبى جـ14 ص140 طبع بيروت في تفسير الآية 9 من سورة الأحزاب.

   وكان اليهود حقاً يستحقون القتل. فقد كانوا هم السبب في غزوة الأحزاب بدسائسهم ومؤتمراتهم وأحلافهم, وأمانيهم التي ظلت تسعى لتحقق حصار الإسلام واقتلاعه من جذوره.. وإبادة المسلمين عن أخرهم!  

   لكن.. بفضل الله سبحانه وتعالى كانوا كلما أبرموا أموراً يحاربون الإسلام بها أبطلها الله, ورد كيدهم في نحورهم, وحاق مكرهم السيئ بهم وبأهلهم.. قال تعالى في سورة المائدة ﴿كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين﴾ [المائدة:64] صدق الله العظيم.

كلمات من نور

﴿يا أيها الذين أمنوا أذكروا نعمة عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً﴾ [الأحزاب :9].

 

 

*     *     *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إنهم يريدونها.. إجازة خاصة جداً!

   يأتي الصيف.. بأيامه الحارة, ولياليه الساهرة, وأوقاته المرحة العامرة بالفرحة والحركة.. فالكل يتحرك, يسافر إلى بلاد عديدة, يتجه إلى شطآن بعيدة.. وبملاحظة عابرة, نجد أن الكل يحاول أن يعيش على سجيته, أن يفعل ما يحب, وأن يترك ما يكره..!

   هذا هو الصيف.. بعناه الواسع البديع, لا قيود, لا ارتباطات, وهؤلاء هم أولادنا الشباب الأعزاء الذين أصبحوا الآن بلا رغبة في قراءة أو كتابة, فها هم يمتنعون عن عمل ما كانوا يعملون, فلا اقتراب من كتب, ولا مطالعة ولا قراءة, بدافع الحاجة إلى الراحة والاسترخاء.

   لهذا نجد أولئك الشباب الأعزاء, بعد عام دراسي طويل, حافل بالعمل المضنى, والجهد الشاق, يسهرون الليل, وينامون النهار, كأنهم يريدونها أجازة.. خاصة جداً, أجازة تحفل بالإثارة, بعيداً عن ضغوط المسئولية, بكل أنواعها!

   لكن.. بما أن نفسي تمتلئ بالأمل الجميل في أن يطالع هذا الموضوع الذي أكتبه الآن بعض من أولئك الشباب, الذين يحبون القراءة الخفيفة التي تعتبر نوعاً من أنواع التسلية, والاستمتاع بالوقت, إلى هؤلاء الشباب.. يسرني ويسعدني أن أقدم لهم بعضاً من نصائح الحكيم لقمان, تلك النصائح الجليلة التي وجهها أب حنون لأبنه المحبوب, عسى أن ينتفعوا بها إنشاء الله..

   قال لقمان:

  • يا بني اتخذ تقوى الله تعالى تجارة يأتك الريح بغير بضاعة.
  • يا بني لا ترغب في ود الجاهل فيرى أنك ترضى عن عمله.
  • يا بني اتق الله ولا تر الناس أنك تخشى ليكرموك وقلبك فاجر.
  • يا بني.. اعتزل الشر كما يعتزلك فإن الشر للشر خلق.
  • يا بني عليك بمجالس العلماء واستمع لكلام الحكماء فإن الله تعالى يحيي القلب المبيت بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل المطر فإن من كذب ذهب ماء وجهه, ومن ساء خلقه زاد غمه.
  • يا بني لا ترسل رسولك جاهلاً, فإن لم تجد حكيماً, فكن رسول نفسك.
  • يا بني اختر المجالس على عينيك فإذا رأيت المجلس يذكر فيه الله عز وجل فأجلس معهم فإنك إن تك عالماً ينفعك علمك وإن تك غبياً يعلموك لعل أن يطلع الله عز وجل عليهم برحمة تصب معهم.
  • يا بني لا تجلس في المجلس الذي لا يذكر فيه اسم الله عز وجل فإنك إن تك عالماً لا ينفعك علمك وإن تك غبياً يزيدوك غباوة وأن يطالع الله تعالى بعد ذلك بسخط يصبك معهم.
  • يا بني إن الدنيا بئر عميق وقد غرق فيها أناس كثيرون فأجعل سفينتك فيها تقوى الله تبارك وتعالى وحشوها الإيمان بالله وشراعها التوكل على الله لعلك أن تنجو.

 

كلمات من نور

﴿ولقد أتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد﴾ [لقمان:12].

 

 

*    *    *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

باب الرحمة

   من سنن الله في خلقه أن فضل بعض المخلوقات على بعض, وفضل بعض الأزمان على بعض, فقد فضل المساجد على غيرها من بقاع الأرض, وأضافها إلى ذاته العليا تشريفاً وتعظيماً. قال تعالى: ﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر﴾ [التوبة:18].. ومن أفضل هذه المساجد, المسجد الحرام, وبليه في الفضل المسجد النبوي الشريف, ثم المسجد الأقصى.

   وكان مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم, موقعاً فاضلاً, تنطلق منه قرارات الأحداث الحاسمة التي غيرت تاريخ العالم كله, إذ كان مقراً للحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين, كما كان ملتقى أهل الرأي والشورى من أصحابه. قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام”. فثواب الصلاة الواحدة في هذا المسجد الشريف أكثر من صلوات ستة أشهر في عامة المساجد(1).

لكن , هناك اعتقاد خاطئ أن الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم تساوى ألف قياساً إلى أدائها في المساجد الأخرى, لكن, الصحيح هو أن فضل الصلاة في مسجد الرسول يرجع إلى الثواب فقط, وليس إلى أنها تجزى عن قضاء التي فات أداؤها في وقتها, فمثلاً لو كان على الشخص الذي يؤدى صلاتين فصلى أحداهما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تجزه إلا عن صلاة واحدة وهذا الأمر لا خلاف فيه.

قال في ذلك صاحب تفسير”أضواء البيان” في الإجابة على هذا التساؤل: “إن المضاعفة بفل من الله وامتنان على عباده فالمؤمن في سعة الله فلا يكون رجلان في الصف متجاورين أحدهما على عتبة المسجد في الخارج والآخر عليها إلى الداخل ويعطى هذا واحدة وكتفاهما متلاصقان”.

والمسجد النبوي هو احد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال, كما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام, ومسجد الرسول, والمسجد الأقصى”(2).. وبالطبع يعد شد الرحال إلى تلك المساجد, ومن الفضيلة على الداخل إليها أن يراعى آداب الدخول للصلاة بها, فعليه أن يتسوك ويتطهر ويلبس ثياباً نظيفة ويمشى بالسكينة دون تدافع أو تزاحم, كما عليه أن يدخل المسجد بتقديم الرجل اليمنى, ويسمى بسم الله ويسلم على صاحب هذا المسجد, ويقول داعياً الله: اللهم أفتح لي أبواب رحمتك, ثم يصلى تحية المسجد, ثم يدعو لنفسه ولجميع المسلمين, ثم يأتي المواجهة الشريفة, ويصلى ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه مراعياً الآداب اللازمة لذلك من خفض الصوت, وعدم التعامل بعنف والغلظة مع الآخرين في أوقات الازدحام الشديد وغيرها.   

ــــــــــــــــــ

  • الحديث في الدار المنثور جـ2 ص53, والترغيب والترهيب للمنذرى جـ2 ص217 وكنز العمال حديث رقم 34826.
  • الحديث أخرجه ابن ماجه في سننه حديث 1409, 1410 ومجمع الزوائد جـ4 ص3, 4 وفتـح البـاري جـ4 ص73 وابـن أبي شيبـه فـي مصنفه جـ4 ص 65, 66.

   وبهذا تتم زيارة المسجد النبوي الشريف الذي يتميز عن غيره من مساجد الله بفضل الصلاة فيه وحسن ثوابها, فمن شاء أكثر من صلاته بما ييسره له الله, الذي دعانا سبحانه وتعالي إلى والتزين قبل دخول مساجده, حيث قال عز من قائل: ﴿يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾ [الأعراف:31].. كما قال عن نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه :﴿ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ [الأنبياء :107].

   ويوجد للرحمة باب يسمى باسمها, وهو أحد الأبواب الثلاثة التي فتحتها النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد حين بناه.. وعن سبب تسميته بباب الرحمة, قال أنس بن مالك: إن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء, ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب, فأستقبل رسول الله صلى الله أن يغيثنا, فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه, ثم قال: ” اللهم أغثنا, اللهم أغثنا” قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة – وهي قطعة من الغيم مثل السحاب المتفرق – ما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار, قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس, فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. فلا والله ما رأينا الشمس ستاً, ثم دخل رجل من ذلك الباب في يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم, قائماً يخطب فأستقبله قائماً, فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل, فأدع الله يمسكها عنا, قال: فرقع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا.. اللهم على الأكام والراب وبطون الأودية ومنابت الشجر”(1) قال: فأقلعت وخرجنا نمشى في الشمس.

   وهكذا.. جاءت تسمية هذا الباب بباب الرحمة, في مسجد نبي الرحمة, الذي أرسله الله سبحانه وتعالى رحمة واسعة لجميع العالمين. والصلاة والسلام عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

كلمات من نور

   ﴿ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب * لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق * ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا أسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين﴾ [الحج: 32- 34].

*        *       *

 

ــــــــــــــــــــــ

(1) الحديث أخرجه البخاري جـ2 ص15, 36, 37, 38, 40 جـ8 ص92 ومسلم كتاب الاستقاء جـ8 ص9 وابن ماجه حديث 1269 والإمام أحمد جـ3 ص104, 187, 194, 261, 271, جـ4 ص236 ومجمع الزوائد للهيثمي جـ2 ص12.

سلاح المؤمن

   الإنسان المؤمن التقى يلجأ إلى الله في كل أموره, فهو يحرص دائماً على أن يكون على صلة طيبة بخالقه, كما أنه لا يخالف له أمراً, ولا يعصى له فعلاً فيظل عاملاً على نيل رضاء ربه في أوقات النعيم والرخاء, كما هو في أوقات الشدائد والضراء. يأتي في ذلك حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء”(1).

   .. هذا هو ما توصلت إليه تجارب الأمم والشعوب, وهذا هو نتاج ما اهتدى إليه العقل النير والفطرة السليمة, مما يثبت ويؤكد أن التقرب إلى الله سبحانه وتعالى, وطلب رحمته ورضاه, والبر والإحسان إلى كافة مخلوقاته يعتبر من أعظم الأسباب الجالبة للخير, الدافعة للشر, فطاعة الله هي التي تستجلب النعم, ومعصيته – لا قدر الله- هي التي – تدفع بالنقم.

   .. كان هذا, كما ذكرت, خلاصة ما توصلت إليه خبرة شعوب الدنيا رغم اختلاف ألوانها ودياناتها وأعراقها, لذا, من هذا المنطلق.. نعرف أننا كي لا نظل نعانى من كروب الدنيا, علينا أن  نتجه إلى الله بقلب عامر بالثقة بالله, حافل بالاعتقاد العميق بفوائد الدعاء, الذي يعتبر بحق سلاح المؤمن, وعماد الدين, ونور السماوات والأرض, إذ لا يرد القدر إلا بالدعاء. 

   كذلك إذا رغبنا في التمتع بمشاعر السكينة والطمأنينة, وعدم الخوف من كروب الآخرة, علينا آن نتوجه إلى الله بالكثير من الدعاء ونحن مؤمنون ببركته, وبفضل حسن التوجه إليه, سبحانه, الذي يقبل الرجاء, ولا يخيب الأمل, ويجزل العطاء لسعة كرمه, وكمال قدرته.

   لذا, علينا أن نفزع إلى الله, حيث نجد عنده الملجأ والمأوى والملاذ, ونحن واثقين مطلق الثقة في عطفة ورحمته.. وهذه هي أهم أسباب صدق الدعاء.

   فهذا الشعور يعتبر حسن ظن بالله تعالى في تمام الإجابة. وفى حديث أبى هريرة: “أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة وأعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب لاه”(2).

   والدعاء له أوقات وأماكن شريفة, أذكر لكم منها ما يلي: عند البيت الحرام.. في الركن اليماني.. على الصفا.. على عرفات.. في يوم عرفة.. عند نزول المطر.. عند التقاء الصفوف.. في أدبار الصلوات المكتوبات. عند اجتماع المسلمين على الدعاء.. عند إفطار الصائم.. عند الأسحار.. عصر يوم الجمعة – إلى غروب الشمس. بين الآذان والإقامة.. في السجود.. عقب الوضوء.. عند شرب ماء زمزم.. عند السفر في جوف الليل.. والله أعلم.

 ــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك جـ1 ص544.
  • الحديث في اتحاف السادة المتقين جـ5 ص39.

    وعن سرعة استجابة الدعاء إذا أتى من مضطر يستغيث برب السماوات والأرض إليكم تلك الحكاية:

   كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسمه أبو معلق من الأنصار, يتاجر بمال له ولغيره, وكان يضرب به الآفاق, وكان ناسكاً ورعاً, فخرج ذات مرة إلى تجارته فلقيه لص مقنع شاهراً السلاح, فقال له: ضع ما معك, فإني قاتلك. قال الرجل : ما تريد من دمى؟ شأنك بالمال. قال اللص: أما المال فهو لي, ولست أريد إلا دمك. قال التاجر: أما إذا أبيت فدعني أصلى أربع ركعات. قال اللص ساخراً: صل ما بدالك.

   وهناك, توضأ الرجل ثم قام يصلى أربع ركعات, فكان من دعائه في آخر سجوده أن قال: يا ودود.. يا ودود, يا ذا العرش المجيد, يا فعال لما يريد, أسألك بعزك الذي لا يرام, وبملكك الذي لا يضام, وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص. يامغيث أغثني.. يا مغيث أغثني.. يا مغيث أغثني.

   وما أن أنتهي بعد المرة الثالثة من قوله يا مغيث أغثني, حتى ظهر فارس قد أقبل وبيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه, فلما بصر به اللص أقبل نحوه, فطعنه فقتله! تعجب التاجر مما يرى, فأقبل على الفارس يسأل: من أنت بأبي وأمي؟ فقد أغاثني الله بك اليوم.

   فقال الفارس: أنا ملك من أهل السماء الرابعة, دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة, ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة, ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب, فسألت الله أن يوليني قتله. قال الحسن: فمن توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء أستجيب له, مكروباً كان, أو غير مكروب.

   وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهمه أمر رفع رأسه إلى السماء, وأجتهد في الدعاء, وقال: “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث”. وجاء في حديث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم أمر مهم فدعا به يفرج الله عليه: “دعاء ذي النون, وهو ما قاله صلى الله عليه وسلم: “دعوة ذي النون” إذ دعا وهو في بطن الحوت: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له”. قال الترمذي: حديث صحيح.

 

 

ـــــــــــــــــــ

  • أنظر تفسير القرطبي جـ11 ص334 تفسير الآية 88 من سورة الأنبياء فقد ورد فيها الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

   وقال سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه سمعه وهو يقول: ” هل أدلكم على أسم الله الأعظم”؟ دعاء يونس. قال رجل: يا رسول الله, هل كانت ليونس خاصة؟ فقال: ” ألا تسمع قوله تعالى(1): ﴿فاستجاب له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين﴾ [الأنبياء:88]. فأيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد, وإن برئ منه صار مغفوراً له.

شفانا الله من أمراضنا وأوجاعنا, واستجاب بفضله, سبحانه, دعاءنا. ربنا أعنا على ما يرضيك عنا, وكن لنا ولا تكن علينا.

 

كلمات من نور

    ﴿.. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وارنا منا سكناً وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم﴾ [البقرة: 127, 128].

 

*       *       *   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ذاك الإحساس الحافل بالنجاح.. والفلاح!

   ذات ليلة من ليالي الصيف, جلست في سهرة عائلية بسيطة جمعت عدداً من الأهل والأصدقاء الذين يلتقون غالباً في مثل هذا الوقت من السنة.. كل سنة.

   جلسنا نتحدث في أمور عدة, تحول بعضها إلى سرد ذكريات, حفلت ببعض تعليقات تثير المشاعر, وتحرك الإحساس, بما فيها من مواقف صعبة أليمة, ومواقف أخري غريبة, تستحق نوعاً معيناً من النقاش والحوار..!

   مضى الوقت بنا فلم نشعر بتحول هذه الجلسة العاطفية إلى منحنى آخر يتعلق ببعض شئون الحياة, فسألتني إحدى الحاضرات عن أهم الصفات التي يحب أن يتحلى بها الإنسان ليصبح ناجحاً رغم عثرات الحياة.. وسعيداً رغم الآم الحياة!

   أعجبني السؤال..

   فأجبت بعد لمحة تفكير: الإيمان, والأمل, والإحسان.

   وهنا.. سألتني ابنتي الصغيرة: وكيف تحقق هذه الصفات النجاح والسعادة في الحياة؟!

   فقلت موجهة كلامي لها ولهم:

   عندما يؤمن الإنسان بالله نجده يتصف بالصدق, والنزاهة, والثقة.. وهذه هى الصفات التى تجعل الناس تنجذ إليه وترتاح إلى التعامل معه.

   والأمل.. يحقق القوة التى تحرك عزيمة الإنسان, وتشحنه بالصبر, الشجاعة, والإرادة. كما أن الأمل يضفى القوة اللازمة إلى المقاومة.. وبالتالى يستمر من أجل تحقيق النجاح.

   أما الإحسان.. الحافل بالعطف والرحمة, والتواضع والإيثار, فهو يعتبر فضيلة من أعظم الفضائل, فمن تواضع إلى الله رفعه, وهذه الرفعة الإلهية هى نفسها.. تلك النعمة الأساسية التى تحتاجها للإستمتاع بالحياة.

   فالناس التى تتواضع لربها, التى يملأ قبلها يقين عميق بقدرة الله رب العالمين, نجد أنهم ضمن أولئك المؤمنين الطيبين ﴿وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هوناً﴾ [الفرقان:63] فهم يجتنبون التكبر, ويمقتون الخيلاء.. كما نجد لديهم قناعة راسخة تجعلهم لا يتطلعون إلى تلك النعم التى متع الله بها غيرهم.

   أيضاً.. نلاحظ أن توقعات هؤلاء الناس الطيبين, غالباً ما تكون قريبة من إمكاناتهم, وإذ أن طلباتهم بسيطة, ممكنة, يسهل تحقيقها وإنجازها.. وهؤلاء هم السعداء حقاً, الذين تراضعوا الله, فرفعهم سبحانه وتعالى عن الضيق.. وعن الهم.. وعن الغم.

   بل إن الله يزيد فى إسعادهم بأن أبعدهم عن الإنشغال بتلك الحروب الأهلية المشتعلة بين الآخرين, كما أنه بقدرته عليهم ينآى بهم عن تلك الحروب الداخلية الآخرى المشتعلة بين الشخص المتمرد.. وبين نفسه!

   هذه هي (الرفعة) وهذه هى المكانة الأعلى التى يرفع الله عباده المؤمنين إليها, حيث يتنعمون بالراحة والسعادة.. وحيث يستمتعون بما تقدمه لهم الحياة من إحساس بالحب والنجاح..

   .. ذاك الإحساس الرائع الذى يتحقق لذلك الشخص المتواضع المحبوب, حلو المعشر, حلو اللسان.. ذاك الإنسان النقى الذي تعلو به أعماله الطيبة, حيث تستقر به في مكانة رفيعة عالية.. داخل قلوب الناس!

كلمات من نور

   ﴿ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً﴾ [الإسراء:37].

 

*       *       * 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حج الراكب.. والماشى

   ذات يوم, خرج إبراهيم بن أدهم من داره, وأنطلق إلى الحج ماشياً فقابله حاج يركب جملاً فقال له: إلى أين يا إبراهيم؟

   فقال: إلى بيت الله الحرام.

   فقال له الراكب: كأنك مجنون تسير من البصرة إلى مكة ماشياً على قدميك؟

  وكان يصلى ركعتين بعد كل مرحلة, فقال له إبراهيم:

  • إنني أركب مطاياً كثيرة ولكنك لا تراها.

فقال: وما هذه المطايا يا إبراهيم؟

قال إبراهيم:

  • إذ أصابتني مصيبة ركبت مطية الصبر, وإذا أنعم الله علي بنعمة ركبت مطية الشكر, فإذا نزل بى قضاء الله وقدره ركبت مطية الرضا, فإذا نازعتنى شهوة قلت لها يا نفسى ما بقى من العمر مقداراً ما مضى.

   فقال له الرجل: إذهب يا إبراهيم فوالله لأنت الراكب وأنا الماشى.

   ..إن كلاهما, ذلك الراكب, وذلك الماشى يسيران نحو بيت الله, يحدوهما الأمل في التوبة إلى الله, والفوز بجنة الله.

   -علام الهم يا هذا؟ إنما الإنسان أمام أربعة لا خامس لها التوبة والبلية والطاعة والمعصية, فمقتضي النعمة الشكر, ومقتضى البلية الصبر, ومقتضى الطاعة المنة, ومفتضى المعصية التوبة.

   هذه الرغبة العميقة في التوبة, هي ذاتها التى تدفع صاحبها إلى الإعتراف بذنبه, والإقرار بخطئه, ومن ثم الوقوف أمام الله, في بيت الله, طامعاً في عفو الله, ورحمة الله, وغفران الله, ولا إله إلا الله.

   نعم.. هذه هى فريضة الحج, أمنية كل مسلم ذكرها الله في كتابه الكريم:﴿وللله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً﴾ [آل عمران:97].

   حمداً لله.. وشكراً لله الذى أنعم علينا بهذه الفريضة الحميدة, تلك التى يتخلى فيها الإنسان عن جميع اختياراته, ليدخل في مرادات الله, مطيعاً أوامر الله, ملبياً مناسك الله.. فينال الفوز بالمغفرة, والعودة من جديد إلى ذاته, فيتعامل حينئذ بأسلوب جديد في حياته, بعد أن أنمحت عنه الذنوب, وتكلل سعيه برضا الله, ورحمة الله وبركة الله.

  عندها.. يمضى الإنسان في حياته, وقد تنعم بصفات أهل الجنة, فلا خوف ولا فزع, بل يهنأ بسكينة النفس, وراحة البال, فيعيش بقلب مطمئن, خال من الهم والغم, وعقل صاف بلا أرق ولا قلق ولا أضطراب والحمد لله.

   هذه هى فعلاً عيئة السعداء, أولئك الذين تقول عنهم السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها:

      سهرت أعين ونـامت عيــون                       لشئـون تكون أولا تكـــون

      فاترك الهم والملال من القلــب                       فحملانـك الهمـوم جنــون 

      إن رباً كفاك بالأمس مــا كـان                      سيكفيك في غد مـا يكــون

 

كلمات من نور

﴿سيهديهم ويصلح بالهم * ويدخلهم الجنة عرفها لهم ﴾ [محمد 5, 6].

 

*       *       *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

دعاء.. كشف البلاء

   سمعت بعض الناس يقولون : إن أقل الناس هماً في الآخرة أقلهم هماً في الدنيا. كما سمعت البعض الآخر يؤكد ضرورة التخلص أولاً بأول من الهم, وذلك بالنظر إلى مشاكل الحياة الدنيا ومتاعبها نظرة واقعية مجردة, دون عواطف ثائرة, ودون أفكار حائرة, فتصغر حينئذ المشكلة, أيا كان نوع هذه المشكلة!

   هذا واقع, فنحن حين نصبر ونحتمل, نستطيع بفضل الله تبارك وتعالى أن نتعامل بموضوعية مع مفردات المشكلة, تلك التى تظل تصغر إلى أن تتلاشى تماماً وتنتهى. والسبب الرئيسى الذي يعيننا على ذلك هو الاستمرار في ذكر الله وشكر الله على كل حال. فالله سبحانه وتعالى لا يخيب من يرجوه, وهو الذي يجزى بالصبر النجاة, وبالحمد يكشف الضر, ويزيل الكرب.

   .. إليكم دعاء بديع يعين عاى دفع مصاعب الحياة, حين تشتد الأزمة وتبلغ المشكلة أقصى مداها:

   “اللهم أحرسنى بعينك التى لا تنام, وركنك الذى لا يرام, وأغفر لى بقدرتك على لا أهلك وأنت رجائى, رب كم من نعمة أنعمت بها على قل لك عندها شكرى, وكم من بلية ابتليتنى بها قل عندها صبرى, فيا من قل عند نعمته شكرى فلم يحرمنى, ويا من قل عند بلائه صبرى فلم يخذلنى, ويا من رآنى على الخطايا فلم يفضحنى, يا ذا المعروف الذى لا ينقضى أبداً, وياذا النعم التى لا تحصى عدداً أسألك أن تصلى على محمد وعلى آل محمد أبداً, وبك أدراً في نحره, وأعوذ بك من شره, اللهم أعنى على دينى بالدنيا, واعنى على آخرتى بالتقوى وأحفظنى فيما غبت عنه, ولاتكلنى إلى نفسي فبما حضرته يا من لاتضره الذنوب, ولاتنقصه المغفرة أغفر لى ما لا يضرك, وأعطنى ما لا ينقصك, إنك أنت الوهاب أسألك فرجاًً قريباً, وصبراً جميلاً, ورزقاً واسعاً والعافية من جميع البلاء, وشكر العافية”.

   كان هذا بعضاً من الدعاء, الذى هو مخ العبادة.. وهكذا نرى أن الإنسان لو التجأ إلى الله بقلب سليم لعرف كيف يتعامل مع متاعب الحياة الدنيا وبلواها. فقط عليه أن يكثر من الدعاء وأن يوقن بالنجاة, وأن يصبر ويحتسب, وفي ذلك يقول الشاعر:

        ألا بالصبر تبلغ مـا تـريـد                       وبالتقوى يليـن لك الحـديـد

 

 

 

 

  فباللجوء إلى الله, وبالإستمرار في الدعاء والرجاء, تختصر المتاعب, وتتبدد البلايا.. بالذات عندما نحسن الظن بالله, وهذا ما سنعرفه حق معرفته عندما نتأمل معنى هذا الحديث القدسي الشريف الذى يقول الله فيه: “يا ابن آدم تفرغ لعبادتى أملاً قلبك غنى وأملاً يديك رزقاً, يا ابن آدم لا تباعد منى أملاً يديك فقراً, وأملاً يديك شغلاً”(1).

وهنا, نستطيع أن ندرك ذلك المعنى الواسع العميق,, الذى يعطيه الله لنا, وهو المعنى نفسه الذى يوضحه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “من كانت الدنيا إلا ما كتب له, ومن كانت الآخرة نيته جمع الله عليه أمره, وجعل غناه في قلبه, وآنته الدنيا وهى راغمه”(2).

 

كلمات من نور

   ﴿من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعاً بصيراً﴾ [النساء:134].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث في كتاب العلل المتناهية لابن الجوزى جـ2 ص317.
  • الحديث أخرجه الترمذى حديث رقم 2465, واتحاف السادة المتقين شرح علوم الدين للزبيدى جـ10 ص2.

لمن.. تلك الدرجات المائة؟!

   إحساس الإنسان بمتعة المادة, وروعة الرفاهية لا يصل به أبداً إلى الشعور بالرضا والطمأنينة, فالسعادة وراحة القلب لا علاقة لها بمتع الملذات, ولا إشباع الشهوات, لأن هدوء النفس, وسكينة الروح لا علاقة لها بتميز المادة, ولا أساليب الرفاهية, مهما بلغت درجة التمتع بها, أو الإنغماس فيها!

   على الجانب الآخر, نجد أولئك الفقراء المعوذين الذين يعيشون تحت خط الفقر, وحد الكفاف, يتعاملون مع أقسى ظروف الحياة, نجدهم ينعمون براحة البال, وطمأنينة القلب مع أحداث حياتهم الصعبة المتعسرة.. كيف؟!

   بسبب تلك القوة, البالغة القوة, التى يبعثها فى نفوسهم الإيمان المطلق بالله سبحانه وتعالى, لأن الإنسان المؤمن محفوظ بدينه, محمى بيقينه, لاتستدرجه فتنة, ولايرده إبتلاء, حيثإيمانه بانه ما قدر له لابد أن يكون, فهو يسعد بما أعطى, وهو يعمل بقول ربه ﴿نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا﴾ [الزخرف:32].

   والله جل جلاله لا يعرض عن عباده الطائعين, ولايحجب عنهم فضله, بل يسبغ عليهم كريم عطائه بعد أن يرضى عنهم, رضى الله عنهم, ورضوا عنه, ذلك لمن خشى ربه, ومن رضى الله عنه أسعده في الدنيا, وأكرمه في الآخرة, فأعلى منزلته وثبت في الدنيا قدميه, وهداه إلى سبيله, وعرفه وشرفه وأرشده إلى طرق الحق, وطريق الجهاد من أجل الحق.

   والجهاد في سبيل الله يعنى في المعنى الأول.. بذل ما فى الوسع لإعلاء كلمة الله تعالى. وفي المعنى الثاني.. الرباط لدفع العدو عند الهجوم على جماعة المسلمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن في الجنة مائة درجة عدها الله للمجاهدين في سبيل الله فأسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة, وفوقه عرش الرحمن, ومنه تفجر أنهار الجنة”(1).

     وهذا هو المنصور بن أبى عامر الحاكم الأندلسي الذى حكم الأندلس طوال سبعة وعشرين عاماً أعاد خلالها المجد إلى الإسلام عندما حارب الأسبان فيها أثنين وخمسين حرباً هزمهم فيها جميعاً, والذى كان كلما يعود بعد كل معكرة منها ينقض التراب عن ملابس الحرب فى صندوق لينزل منها تراب المعركة, حتى أمتلأ الصندوق كفنه ليلقى الله بتراب الجهاد.

 

 

ـــــــــــــــــــــــ

(1) الحديث أخرجع الترمذى حديث 2530 والبيهقى في السنن الكبرى جـ9 ص15, 159 والطبرانى في المعجم الكبير جـ16 ص30 والدر المنشور للسيوطى جـ4 ص254.  

  ذلك هو المنصور بن أبى عامر, ومما روى عنه أنه كان يخطب كل عيد, وقبل أن ينزل من على المنبر يقول: (أيها الناس إنى ذاهب إلى الجهاد في سبيل الله, من أرادني فليحقنى) وينزل من على المنبر فيمسك سيفه, ويركب فرسه, وينطلق في اتجاه الأسبان. وقيل إنه كان قبل أن يصل إلى باب المدينة, يكون الجيش كله خلفه كرجل واحد, حقاً.. هذا هو القائد الحقيقى يبدأ دائماً بنفسه.

   ومن طرائف ما روى عنه أيضاً, أنه كان لا يعقد لواء الحرب إلا في المسجد, مسجد قرطبة في بلاد الأندلس. وكان يخرج منه دائماً إلى الجهاد في سبيل الله, وإعلاء كلمة الله. وحدث ذات يوم, عندما كان يهم بالإستعداد لإحدى المعارك, وبينما هو يعقد اللواء, وقد أجتمع معه داخل المسجد القضاة والعلماء, وبالباب يقف جيشه على أتم استعداد.. تصادف أن أصطدم اللواء “أي العلم” بثريا من قناديل الجامع فأنكسرت ووقع زيتها على اللواء.

   وهنا, تشاءم الحاضرون من ذلك, وتغير وجه المنصور, لكن, قام رجل من الصالحين بسرعة وصاح قائلاً: أبشر يا أمير المؤمنين بمعركة هنيئة وغنيمة سارة. فقد بلغت إعلامك الثريا (أى النجم العالى المرتفع) وسقاها الله من شجرة مباركة. فتفاءل المنصور, وخرج إلى الجهاد حيث حقق الإنتصار بفضل الله.

 

كلمات من نور

   ﴿يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة  تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون﴾             [لصف: 10, 11].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حين يندفعون نحو تحقيق.. حلم حياتهم!

   كل واحد منا يعيش وفى قلبه أمنية غالية, ينام, ويقوم, وهو يحلم بتحقيقها. وبعض النظر عن نوع هذه الأمنية, التي قد تكون مادية, كالمال والثراء مثلاً, أو روحانية كالحج والفوز بالجنة والنجاة من النار إنشاء الله, أو.. أو.. أو.. الخ.. الخ! فأنا هنا لا أتحدث عن نوع الأماني ذاتها, ولا عن سبل تحقيقها, لكنني أتكلم عن طبيعة النفس البشرية, وكيف تظل تحلم دوماً, أن يأتى يوم.. تتحقق فيه ما تصبو إليه.. وتتمناه!

  هنا.. ينقسم الناس إلى فريقين, فريق يصبر وينتظر أن يأتيه الفرج من عند الله بالخير العميم, وفريق لا يستطيع أن يصبر, ولا أن ينتظر, فيسارع إلى تحقيق ما يتمنى, بأى وسيلة كانت, محدثاً نفسه بأن (الغاية تبرر الوسيلة)!!

   لذا.. نرى بعض الناس وقد وقعوا في مستنقع الخطيئة, وارتكبوا ما يغضب الله طلباً لتحقيق أمنية ما, طالما راودت خيالهم, وعبثت بعواطفهم, وأطاحت في النهاية بعقولهم, فأندفعوا في رعونة وطيش نحو تحقيق.. حلم حياتهم!

   وسرعان ما يدفعون ثمن الخطأ, فيندمون حيث.. لا ينفع.. ندم..!!

   هؤلاء البعض, الذي يصيرون عادة عبيداً لأهوائهم, وأطماعهم, هم في الواقع لم يصبروا على إبتلاء الله لهم, بالحرمان مثلاً, من زينة المال, ومتاع الدنيا!

   إنهم فعلاً, لا يعرفون أن الله تبارك وتعالى يعامل عبده معاملة من ليس كمثله شئ في أفعاله وفي صفاته, فهو سبحانه ما حرمه إلا ليعطيه, ولا أفقره إلا ليغنيه, فالله جل جلاله (ينعم) على عبده بابتلائه, فإن صبر ظفر, وإن تعجل خسر.

   هذا أمر واضح مفهوم, خاصة بالنسبة لأولئك الناس الذين يصبرون ويتقون طمعاً في الفوز بالجنة, والنجاة من النار, فنراهم مطمئنون إلى عطاء الله وفضله, لأنهم يدركون مدى رحمة ربهم, تلك الرحمة التى وسعت السماوات والأرض.

   كما نجدهم يعرفون أن القدر الكريم ما أخرج أبوينا من الجنة إلى ليعيدهما إليها, وذلك كما قيل: “يا آدم لا تجزع من قولى لك اخرج منها, فلك خلقتها سأعيدك إليها”.

   نعم.. إن هؤلاء الناس المؤمنين يعلمون ان وعد الله حق, وأن قول الله حقو وأن امر الله حق. الذين نجدهم صابرين محتسبين, راضين بما قسمه الله لهم, فنجدهم يبتعدون عن السيئة, ويسعون إلى الحسنة إنهم أولئك العابدون, القانطون, الواثقون برحمة الله, العاملون بما يرضى الله, ورسول الله, الداعون إلى طريق الله.. طمعاً في رحمة الله.

   وهذه حكاية واحد من عباد الله, واثق بقدرة الله على عباد الله, هو مالك بن دينار, الذى دخل عليه لص يريد أن يسرقه, فما وجد عنده شيئاً, فناداه مالك: لم تجد شيئاً من متاع الدنيا, أفترغب في شئ من الآخرة؟!

   فقال اللص: نعم, قال: توضأ وصل ركعتين إلى الله.. وأفعل الخير. ففعل اللص ما نصحه به, ثم جلس وخرج إلى المسجد, فسئل: من ذا؟ قال مالك: جاء يسرق.. فسرقناه!

 

كلمات من نور

﴿الحمد لله الذى خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون﴾ [الأنعام: 1].

 

*        *       *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ألا يعلم أن..؟!

   انخطف قلبى خطفاً حين طالعت ذلك الخبر المؤسف الذى طالب فيه أحد الكتاب بمجلة (ناشيونال ريفيو) إلى ضرب مكة المكرمة بقنبلة نووية! وذلك كما أكد الكاتب( من شأنه أن يرسل إشارة معينة للمسلمين في شتى أنحاء العالم)!!

   فأى إشارة طائشة تلك التى يريد هذا الكاتب الأحمق إرسالها إلى المسلمين؟! وأى هدف خسيس ذلك الذي يرمى إليه بمقالته الفجة هذه؟ ألا يعرف أن هذا القول الفاسد ما هو إلا خروج عن كل منطق وتجاوز لكل معقول ومقبول؟! ألا يعلم أن مكة المكرمة هى أحب أرض لله إلى الله وأن فيها بيت الله؟!

   ألا يعلم أن هذا البيت هو بيت الواحد الأحد القهار الذى إذا آوى إليه أحد آمنه, وإذا تضرع فيه متضرع استجاب له؟! لانه مكان مبارك فيه رحمة وهدى للعالمين؟!

   ألا أن هذا البيت المبارك قد جعله الله حرماً آمناً لعباده؟ فها هو سيدنا آدم عليه السلام يعيش حوله هو وزوجته وأولاده, حيث كان يقوم بتبليغ رسالة ربه, فأخذ يعلمهم ويرشدهم, وينظم حياتهم, ويكل إلى كل منهم ما يناسبه من عمل.

   وها هو سيدنا إسماعيل عليه السلام يصحبه أبوه إبراهيم متجهاً به هو وأمه من فلسطين إلى الوادى الذى قامت فيه مكة فيما بعد, وكان وادياً قفراً غير ذى زرع, حيث تركهما هناك منفذاً ما اوحى إليه ربه.

   هكذا.. ترك إبراهيم ولده ليربيه الله, عند ذلك الموقع الذى بنى فيه بيت الله, حيث نشأ وشب هناك تحت رعاية الله.

   أما سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فقد ولد ونشأ وتربى وبعث في بيت الله الحرام, ليكون رحمة للعاملين ﴿وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ [الأنبياء:107] فقد حرص عليه الصلاة والسلام عظيماً, مصحوباً بالحنو والحنان على أمة المسلمين, فهو النعمة المهداة, والرحمة المسداة, والسراج المنير.

   إليكم دعاء يتجه به نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الله راجياً الصالح العام للمسلمين في العالمين: “اللهم أدخل على قلوب المسلمين السرور, اللهم أغن منهم كل فقير, اللهم أشبع كل جائع, اللهم أكسو كل عار, اللهم رد كل غائب, اللهم فك كل أسير, اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين, اللهم أشف كل مريض, اللهم أدى الدين عن كل مدين, اللهم فرج عن كل مكروب”(1).

آمين يارب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الحاكم في المستدر جـ1 ص 515, مجمع الزوائد للهيثمى جـ10 ص186 بمعناه.

   .. اللهم أصلح أحوال المسلمين, وأنصرهم على أعداء الدين, ورد عنهم كيد الكائدين وأجعلهم ياربنا سعداء الدارين, وأدفع عنهم عدوان الظالمين, وبارك لهم في أرزاقهم, وأسعد قلوبهم, وفرج عنهم كروبهم بحق دعاء نبيك محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.

 

كلمات من نور

﴿وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتى للطائفين والعاكفين والركع السجود﴾ [البقرة:125].

 

*       *      *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صيام الخواص

   لم يحدث في أي عصر من العصور على مدى الزمان, أن عظم الكفار معبوداً لهم بالصيام! فقد كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والركوع والصدقة, وغير ذلك كثير كثير.. لماذا؟! أقصد.. لماذا لم يلجأ  الكفار إلى الصيام كوسيلة للتقرب من آلهتهم, وإظهار محبتهم لهم وتقديرهم؟!

   السبب بسيط, وهو أن الصوم في حقيقته بعيد كل البعد عن الرياء, فهو عبادة خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى الذي يعلم ما في الصدور والغيوب, ففي الواقع كلما كانت العبادة أخفى, كان الثواب أجزل, لأن العبادة تتمركز هنا في محور النية.

   “إنما الأعمال بالنيات”.. فالأعمال تقاس بدوافعها, وتوزن ببواعثها, لأن قيمة الفعل تكمن في الدافع إليه, والباعث عليه, فإذا سمت الدوافع والبواعث, عظمت الأعمال مهما كان حجمها ضئيلاً, وإذا كان الدافع تافهاً حقيراً, فقد العمل رونقه, وذهبت قيمته, بل حبط ثوابه مهما كان في نظر العين عظيماً مهيباً.

   لذا نجد أن ذلك المسلم الفطن الحصيف هو الذي يغتنم فرصة الصوم في شهر رمضان فيحرص على أن يكون صيامه “صيام الخواص” أي أن يكون صوماً خاصاً خالصاً, بعيداً كل البعد عن أنواع المعاصي, فلا يكون صومه مجرد عملية روتينية ينقطع خلالها عن تناول الطعام والشراب!

   لا.. إنما عليه أن يقدر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإمام أبي أمامه لما سألوه: يا رسول الله مرني بأمر آخذه عنك فقال: “عليك بالصوم فإنه لا عدل له” وفي رواية: “لا مثل له”(1).

   ولهذا المعني العظيم يوضحه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ضاعف الله تعالى ثواب الصائمين, والكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء, أقتضى ذلك عظم قدر الجزاء, وسعة العطاء, وهذا دليل أكيد على مدى قيمة الصوم عند الله سبحانه وتعالى.

 

 

 

ــــــــــــــــــــ

(1)الحديث أخرجه الإمام جـ5 ص249 رحلية الأولياء جـ5 ص175, جـ7 ص165, 166.

 

       لا شك أن من كريم فضل الله على أمة محمد صلوات الله عليه أن هداها إلى الطاعات, ثم أثابها على ذلك بأكرم الحسنات والمعطيات, فلولا هداية ما اهتدينا, ولا صلينا ولا صمنا, فحمداً لله الذي هدانا إلى طريق الخير والصلاح, ونور قلوبنا بنوره الوضاح, وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم”(1).

   فالله سبحانه وتعالى, لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم, وهو يعين عبده الذي يسعى ويتجه إليه برغبة صادقة, رغم مغريات الدنيا, ومهاوي الضعف والفتنة, يقول أحد الحكماء:

   كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه, وولد لا يعذره, وجار لا يأمنه, وصاحب لا ينصحه, وشريك لا ينصفه, وعدو لاينام عن معاداته, ونفس أمارة بالسوء, ودنيا متزينة, وهوى يردى, وشهوة غالبة له, وغضب قاهر, وشيطان مزين, وضعف أستولي عليه؟ فإن تولاه الله وجذبه إليه أنقهرت له هذه كلها, وأن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهالكة.

   وقانا الله وإياكم شر الشياطين, وجعلنا من أهل التقوى والدين, أولئك المهتدين الطامعين في جنات النعيم.. آمين يارب العالمين.  

 

كلمات من نور

   ﴿الذي يؤتى ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى* ولسوف يرضى﴾ [الليل: 18-21].

 

*       *      *    

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب البر والصلة والطبراني في المعجم الكبير جـ3 ص338 ومجمع الزوائد جـ10 ص231.

بين الإنسان والشيطان..!

   فتح آدم عينيه بعد أن نفخ الله فيه الروح فإذا به يجد أعظم تكريم.. رأى الملائكة ساجدين له, لكنه وجد عدواً رهيباً يتهدده وذريته بالضلال والهلاك..! من هنا بدأت تلك العداوة العنيفة التي يعود تاريخها إلى اليوم الذي شكل الله فيه آدم قبل أن ينفخ فيه الروح فأخذ الشيطان يطوف به ويقول: لئن سلطت عليك لأهلكتك. وفى ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطوف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقاً لا يتماسك)(1).

   وبسبب آدم..طرد الشيطان من جنة الخلد لأنه رفض أن يسجد له استعلاء وتكبراً, لكنه حصل على وعد من الله أن يبقيه حياً إلى يوم القيامة: ﴿قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين﴾ [الأعراف الآيتان: 14, 15].

   وبدأت العداوة تأخذ مجراها فقد قطع إبليس اللعين على نفسه عهداً بإضلال بنى أدم والكيد لهم لأنه يرى أن طرده ولعنه وإخراجه من الجنة كان بسبب أبينا آدم فكان لابد أن ينتقم من آدم ومن ذريته من بعده, قال تعالى: ﴿قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين﴾ [الأعراف: 16, 17].

   لذا حذرنا الله وتعالى من الشيطان ونبهنا إلى مهارته في الإضلال وحرصه على ذلك. قال تعالى: ﴿يا بني آدم لا يفتنكم الشيطان…﴾ [الأعراف: الآية 27].

   فهدف الشيطان هو أن يلقى الإنسان في جحيم جهنم, وهذا هو الهدف البعيد الذي يسعى إليه الشيطان بكل الوسائل والسبل, لكن هذا لا يمنع أن لديه أهدافاً أخري قريبة يعمل على تحقيقها بشتى الطرق كأن يوقع العباد في الشرك والكفر والعياذ بالله: ﴿كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك﴾ [الحشر: الآية16].

   هكذا, يظل الشيطان يحاول ويحاول, حتى إذا لم يستطع إيقاع الإنسان في شر الذنوب والمعاصي, ونشر العداوة والبغضاء بين الناس, وإغراء بعضهم ببعض, وإثارة أطماع بعضهم في بعض حتى تنشب بينهم الفتن والمعارك والحروب قال تعالى : ﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العدواة والبغضاء﴾ [المائدة : الآية 19].

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب البر والصلة باب 31 حديث رقم 111 جـ3 ص229 والمستدرك على الصحيحيين للحاكم كتاب التفسير جـ2 ص542.

   يحكى أن امرأة كانت تجتهد في العبادة وتديم الصيام وتطيل القيام فأتاها إبليس الملعون فقال: إلى كم تعذبين هذا الجسم  وهذه الروح؟ لو أفطرت وقعدت عن الصيام والقيام كان أدوم لك وأقوى قالت: فلم يزل يوسوس لي حتى هممت والله بالتقصير قالت: ثم دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بين المغرب والعشاء فحمدت الله وصليت على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت ما نزل بي من وسواس الشيطان واستغفرت وجعلت أدعو الله أن يصرف عنى كيده ووساوسه, قالت فسمعت صوتاً من ناحية القبر يقول ﴿إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير﴾ [فاطر:6] قالت فرجعت مذعورة وجلة القلب وما عاودتني تلك الوسوسة بعد هذه الليلة.

   والشيطان لا يدع سبيلاً من سبل الخير إلا قعد يصد الناس عنه, وهو في الواقع لا يقنع ولا يكتفي بنشر العداوة والبغضاء بين الناس, بل أنه يظل يحاول أن يفسد عليهم حياتهم بسوء المعاملة والظن والريبة والشك. كما أنه يحاول أن يصرف العابد عن عبادته, والمؤمن عن طاعة الله, كي يحرمهم الأجر والثواب.

   حول هذا الموضوع ذهب أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال له: إن الشيطان قد حال بيني وبين صلات وقراءتي يلبسها علي.

   فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ذلك شيطان يقال له: خنذب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً” قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عنى (1).

   وفي الحقيقة.. الشيطان عدو ذو مكر وحيلة ودهاء, عدو مدرب خير تدريب منذ أمد بعيد, كما أنه يضع الخطط للمعارك التي يشنها مع بنى الإنسان, وله معاونوه وجنوده وجيوشه الذين ينطلقون في مختلف الاتجاهات.. وهو يثنى على الذين يحسنون ويجيدون الإضلال والفتنة بين الناس, وأقربهم مكانة  ومنزلة عنده هؤلاء الذين يفرقون بين المرء وأهله.

   أيضاً, الشيطان له جنود وأعوان من الجن يرسلهم على العباد راكبين أو راجلين يحركونهم نحو الشر تحريكاً: ﴿واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك..﴾ [الإسراء: الآية 64]. كما أن له جنوداً من بنى الإنسان ممن يؤمنون به يسخرهم لخدمة أغراضه وأهدافه التي لا تنتهي إلا بإيقاع الأذى والخراب لمن يضعف وينهزم أمامه.

ـــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه ابن أبى شيبه في مصنفه كتاب الطب جـ7 ص419 واتحاف السادة المتقين بشرح علوم الدين للزبيد جـ7 ص268.

   لكن, من رحمة الله بعبادة أولئك المؤمنون بالله واليوم الآخر أن جعل لهم قوة تدفع عنهم كيد الشيطان, وهى الاحتماء بالله العلى العظيم والاستعاذة به من الشيطان وأعوانه.. حقاً ﴿.. إن كيد الشيطان كان ضعيفاً﴾ [النساء: آية76].

   ونحن لا يجب أن ننسى ذكر الله عند دخول البيت, فالشيطان لا يستطيع أن يدخل من باب ذكر عليه اسم الله, وفى ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله حين يدخل وحين يطعم قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء هنا وإن دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله قال: “أدركتم المبيت وإن لم يذكر اسم الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء”(1). صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

كلمات من نور

﴿قال أهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتيكم منى هداي فلا يضل ولا يشقى﴾ [طه:123].

 

*      *      *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب 103 وأبو داوود في سننه حديث 3765 وابن ماجه في كتاب الدعاء جـ2 ص1279 حديث رقم3887 تحقيق الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي.

دعاء آدم.. ينزع الفقر نزعاً!

   روى أنه أوحى الله تعالى إلى سيدنا آدم: “يا آدم إنك إن دعوتني دعاء استجيب لك منك, وغفرت ذنوبك, وفرجت همومك وغمومك, ولن يدعو به أحد من ذريتك من بعدك إلا فعلت ذلك به, ونزعت الفقر من بين عينيه, واتجرت له من وراء كل تاجر, وأتته الدنيا وهى كارهة وإن لم يردها”.

  وهذا هو الدعاء الذي استجابه الله عندما دعا به أدم حين كان موجوداً خلف المقام, أى في المكان نفسه الذى وضع فيه المقام فيما بعد والله أعلم:

   “اللهم إنك تعلم سرى وعلانيتى فأقبل معذرتى, وتعلم حاجتى فأعطنى سؤالى, وتعلم ما فى نفسي فأغفر لى ذنوبي”.

  “اللهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبى, ويقيناً صادقاً حتى أعلم أنه لا يصيبنى إلا ما كتبت لي, ورضا بما قسمت لي يا أرحم الراحمين”(1).

   وهكذا, منذ خلق الله آدم, والدعاء خلف المقام مستجاب, بإذن الله.

   روى الفاكهى عن سفيان قال: سمعت إعرابياً عند مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول:

   “اللهم لا تحرمنى خير ما عندك لشر ما عندى, اللهم إن كنت لم تقبل تعبى ولا نصبي, فأعطنى أجر المصاب على مصيبته”.

   “اللهم إن لك عندى حقوقاً, فأسألك أن تهبها لى, وأن للناس عندى تبعات فأسألك أن تحملها عنى, ولكل ضيف قرى, فأجعل قراي في هذه العيشة الجنة”.

   .. هذه هى بعض دعوات المصلين خلف المقام, ذلك المقام الكريم الذي وقف عليه إبراهيم الخليل نبى الله, بينما كان يقوم ببناء بيت الله. وكان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام قدوة في صفاته الحميدة, وأخلاقه المجيدة, فقد كان حنيفاً مسلماً “وما كان من المشركين” بل كان خاشعاً لله, شاكراً لنعم الله الذى نجاه من النار ﴿قلنا يا نار كونى برداً وسلاماً على إبراهيم﴾ [الأنبياء:69].

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الإمام أحمد جـ5 ص172 بلفظ مقارب للحديث الذى معنا.

   وهكذا, جاءت الآيات تتالي واحدة تلو الآخرى, آيات تثبت وتؤكد أن المقام الذى وقف عليه إبراهيم نبى الله حين كان يدعو إلى الحج, هو المقام نفسه الذي ظل قبله إلى ما شاء الله, منذ قام سيدنا إبراهيم يصلى إليه مستقبلاً باب بيت الله, والذى قال عنه سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة, ولولا أن طمس الله على نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب”(1).

   عن أبن عمر رضي الله عنهما, أنه كان إذا قدم حاجاً يصلى ركعتين عند المقام, ويقول مراراً طالباً حاجته:

   “اللهم أعصمنى بدينك وطاعتك, طواعية رسولك صلى الله عليه وسلم, اللهم جنبني حدودك, اللهم أجعلنى ممن يحبك ويحب ملائكتك, ويحب رسلك, ويحب عبادك الصالحين. اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى رسلك وإلى عبادك الصالحين, اللهم يسر لي اليسرى, وجنبنى العسرى, وأغفر لي في الآخرة والاولى اللهم أجعلنى أوفي بعهدك الذي عاهدت عليه, وأجعلني من أئمة المتقين, ومن ورثة جنة النعيم, وأغفر لي خطيئتى يوم الدين”.

 

كلمات من نور

﴿قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده﴾ [الممتحنة:4].

 

*     *     *

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه البيهقى في السنن الكبرى جـ5 ص75 والحاكم في المستدرك على الصحيحيين ص456, واتحاف السادة المتقين بشرح علوم الدين للزبيدى جـ4 ص276.

..عام الوداع!

   رغم برودة الأجواء.. إلا أن شمس الشتاء أحياناً تمنحنى إحساساً رائعاً بالدفء والإنتعاش, فكم أحب أن أطالع كتاباً والشمس تحيطنى بنورها في ذلك الوقت القارس البرد, اللاسع الهواء, ورغم البرد القاسى, إلا إنني أجلس استمتع بصحبة كتاب, وأناس, وأزمان.. أعيش معهم بحب أتجول بينهم بشغف واشتياق..

   إليكم بعض ما قرأت:

   قال ابن عباس: لما نزلت على النبى صلى الله عليه وسلم ” إذا جاء نصر الله والفتح” [سورة الفتح] نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه, فأخذ في أشد ما كان إجتهاداً في أمر الآخرة. قالت أم سلمة: كان النبى صلى الله عليه وسلم في آخرة أمره لا يقوم ولا قعد ولا يذهب ولايجئ إلا قال: “سبحان الله وبحمده” فذكرت ذلك له, فقال: “إني أمرت بذلك”.

   وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يعتكف في كل عام في رمضان عشراً, ويعرض القرآن عل جبريل مرة, فاعتكف في ذلك العام عشرين يوماً وعرض القرآن مرتين, وكان يقول: ما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلى, ثم حج حجة الوداع وقال للناس : “خذوا عنى مناسككم فلعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا”(1) وطفق يودع الناس فقالوا : هذه حجة الوداع له, ثم رجع إلى المدينة فخطب قبل وصوله إليها, وقال: “أيها الناس إنما أن بشر يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب” ثم أمر بالتمسك بكتاب الله, ثم توفى صلى الله عليه وسلم بعد وصوله إلى المدينة بقليل.

   هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم, يؤمر أن يختم عمره بالزيادة في الإحسان فكيف يكون حال المسئ الظالم نفسه؟!

   قال لقمان لإبنه: يا بنى لاتؤخر التوبة, فأن الموت يأتى بغتة, وقال بعض الحكماء: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل, ويؤخر التوبة لطول الأمل..

       ألسنا نرى شهوات النفوس

                                          تفنى وتبقى علينا الذنوب؟

      يخاف على نفسه من يتوب

                                          فكيف يكون حال من لا يتوب؟

ــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه البيهقى في السنن الكبرى جـ5 ص125 وفتح البارى بشرح صحيح البخاري جـ1 ص183, 410 وجـ3 ص5, وجـ5 ص 85 والبداية والنهاية لأبن الأثير جـ5 ص 184و215.

   وهذا هو دعاء في طلب التوبة لأحد الصالحين: (اللهم أجعل لي عندك زلفى وحسن مآب وأجعلنى مما يخاف مقامك ووعيدك ويرجو لقائك وأجعلنى آتوب إليك توبة نصوح وأجعل لي عملاً متقبلاً وسعياً وتجارة لن تبور.

   والتوبة النصوح هي التى يمن الله بها على عبده فلا يعود إلى المعاصى أبداً, ويظل في طاعة حتى نهاية عمره.

   نعم.. إن الأعمال بالخواتيم, ففي الحديث: “إذا أراد الله بعبد خيراً تمسك قالوا: وما تمسكه؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه”.

   عن عبد الله بن عمرو بن العاص, قال: من تاب قبل موته عاماً تيب عليه, ومن تاب قبل موته شهراً تيب عليه, حتى قال يوماً, حتى قال ساعة, حتى قال فراقاً “وهى المسافة التي بين الحلبتين” قال: قال له إنسان : أرأيت إن كان مشركاً فأسلم؟ قال: إنما أحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).

   قال صلى الله عليه وسلم في دعاء مأثور: “اللهم أجعل خير عملى خاتمته وخير عمرى آخره”(2).

 

كلمات من نور

﴿رب أجعلنى مقيم الصلاة ومن ذريتى ربنا وتقبل دعاء * ربنا أغفر لى ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب﴾ [إبراهيم 39 :41].

 

 *      *      *

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده بلفظ مقارب جـ2 ص206 واتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين جـ8 ص525.
  • الحديث في مجمع الزوائد جـ10 ص110 وفي كشف لخفا حديث رقم2154.

 

تلك الرحلة الروحية الربانية

   في لحظة واحدة.. انمحت حدود الزمان والمكان. في لمحة واحدة اختفت الحجب التى تحدد قدراتنا المحدودة في هذه الحياة الدنيا المحدودة.. في ساعة واحدة تداعت الحدود أمام بصيرة محمد صلى الله عليه وسلم.. واجتمع الكون كله في روحه!

  هنا.. عجز من اتبعوا محمداً عن استيعاب هذا الحدث! فالطبائع الإنسانية لا تستطيع أن تستوعب ذلك السمو الروحانى, لذا لم يتمكنوا من متابعته في سمو فكرته, وقوة إحاطته بوحدة الكون قال تعالى: ﴿وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس﴾ بالإسراء:60].

   فنحن عندما تعجز قوانا عن تخطي حدود قدراتنا البشرية.. نعجز بالتالي عن الأمور فتضللنا عن ماهية الحقيقة.. وكيف يمكن أن نفهمها كما هي!!

   إليكم تلك الحكاية التى توضح بعضاً مما يدور في رأسي حول هذا الموضوع. بالطبع مع الفارق في التفسير, وإن كان المغزى موجوداً, وهو, عندما لا نستطيع أن نلم بالحقيقة كاملة, لعدم قدرتنا على رؤيتها, أو إدراكها, فإننا نفسر ما نجد أمامنا.. بما تستطيعه قدراتنا.. وإمكاناتنا.

   .. يحكى أن أربعة من المكفوفين التقوا يوماً حول فيل ضخم, فأرادوا أن يعرفوا الفيل.. ما هو؟!

   فقال أحدهم: أنه حبل طويلو لأنه صادف ذنبه, أى ذيله. في حين قال الآخر: إنه مدبب كالرمح لأنه صادف سنه. بينما قال الرابع: إنه مستدير ملتو كثير الحركة لأنه صادف خرطومه!

   هذه الحكاية البسيطة, تفسر لماذا انقسمت الآراء عند العرب آنذاك, حول رحلة الإسراء والمعراج, فيما إذا كانت تمت بالروح وحدها.. أم بالروح والجسد؟!

   والعلم الحديث يقر الإسراء بالروح, والمعراج بالروح, فها هى قراءة الأفكار, وها هو انتقال الأصوات عبر الأثير, وها هي طريقة انتقال الصور والمكتوبات كذلك.. مما كان يعتبر قديماً ضرباً من الخيال واللامعقول!

   لكن.. هناك أدلة تثبت أن الإسراء تم بالروح والجسد معاً, لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف لأهل قريش عيراً مر بها في الطريق, فضلت إحداها فدلهم عليها, وأنه شرب من عير آخرى وغطي الإناء بعد أن شرب منه, فسألت قريش في ذلك فصدقت العيران ما روى محمد عنهما.

   حقيقة.. إن قدرة الله سبحانه وتعالى لا حدود لها.. صدق الله العظيم إذ قال :﴿سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا ﴾ [الإسراء:1].

  

 

   نعم.. إن هذا فضل من اله اختص به نبيه وحبيبه بهذه الرحلة الروحية التي أراد أن يسرى بها عما في نفسه من آلام وأحزان, فلم يقف أمامه حينئذ حجاب من الزمان أو المكان, أو غيرهما من الحجب حين أرتفع الله به حتى زصل إلى سدرة المنتهى.. حيث رأى ما رأى, مما لاتناله الاوهام, ولاتبلغه الخواطر, مما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولاخطر على قلب بشر!!

  

كلمات من نور

﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير﴾ [البقرة:285].

 

*     *    *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

البحث عن ذلك الشعور المفقود!

   أحياناً تلم بنا لحظة تأمل, لسبب ما لا ندري كنهه.. أحياناً أخرى تداهمنا لحظة حزن أشبه بالحداد على ما كان وفات فنبدأ في الحال النظر إلى ما مضى من شريط حياتنا, ومن ثم نبدأ نعيد ترتيب أوراقنا, فيستغرقنا تفكير جديد, ربما يطرأ على بالنا لأول مرة! فنعاود النظر – من جديد – دخال أنفسنا, ونحن نعد دقات قلوبنا خوفاً وهلعاً مما كان, وقلقاً وخرفاً مما سيكون..!

   وهكذا, نظل نأمل ونرجو الحصول على صفحة جديدة ناصعة, صفحة ناجية من دموع الحسرة والندم, والتوتر والألم, صفحة نقية نظل نحرص كل الحرص على صقلها وصفائها, لأننا في الواقع نبدأ عندئذ البحث عن ذلك الشعور المفقود.. الشعور بالأمن, والأمان. ذلك الشعور العظيم الذى لا ينبع إلا من نبع واحد.. نبع الإيمان بالله, الذى ينجينا من سخط الله, وغضب الله. والعياذ بالله.

   عندئذ.. تتلاطم داخلنا العواطف, فتختلط مشاعر الخوف بالأمل, ويمتزج الرجاء بالإنتظار, ومن ثم تظهر أحاسيس جديدة تطرأ فجأة, وكأنما أنفجر داخلنا بركان, فيطفو الدم, ويسيل الحزن, وشيئاً فشيئاً تنشط أفكار أخرى غير عادية, أفكار تدور في معظمها حول محور التوبة والرجوع إلى الله, أملاً في دخول الجنة, طمعاً في النجاة من النار ﴿وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾ [المطففين :29].

   .. وما أن نصل إلى تلك المرحلة الحاسمة من التفكير حتى تبدأ تتفتح أمامنا أبواب الرحمة ذاتها, فالله غفور رحيم, وما أن يشعر الإنسان بحاجته إلى المغفرة, حتى تدركه رحمة الله واسع المغفرة, فالله غفور رحيم, والله سبحانه وتعالي يقول في حديثه القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي” فننطلق حينذاك نحو بوابة هذا الأمل العظيم, ونحن نحرص كل الحرص على صدق القول, وحسن العمل, وقبل ذلك كله حسن الظن بالله الذي لا يخيب من يلجأ إليه, فيغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ﴿إن ذلك على الله يسير﴾ [العنكبوت:19].

   .. فمن يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر, ويعمل على طاعته وينته إلى أمره ونهيه, يغفر الله ذنوبه عنه ذنوبه ﴿يغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾ [آل عمران :31] ويدخله جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار لابثين فيها أبداً, لايموتون, ولا يخرجون منها, وذلك هو الفوز العظيم.

   نعم.. هذا هو الفوز العظيم الذي لا يتأتي لنا إلا بأن نحب الله ورسوله. وفى هذا قال الحسن البصرى وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله, فأبتلاهم الله بهذه الآية: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله﴾ [آل عمران:31] أى إن هذا الحب لا يحصل إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال في ذلك سهل ابن عبد الله:

 

    علامة حب الله: حب القرآن.

    علامة حب القرآن: حب النبي صلى الله عليه وسلم.

    وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم: حب السنة.

    وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبي وحب السنة: حب الآخرة.

    وعلامة حب الآخرة: أن يحب نفسه.

    وعلامة حب نفسه: أن يبغض الدنيا.

    وعلامة بغض الدنيا: ألا يأخذ منها إلا الزاد والبلغة أى ما يتبلغ به.

   وهكذا.. يقنع المؤمن بحاله, ويرضى بنصيبه, ولايطمع إلا فيما قسم الله له, فينصلح باله, وهي نعمة كبرى من نعم الإيمان. نعمة ذات قدر وقيمة وأثر. فها هي ظلال الرشا والطمأنينة والراحة والسكينة تتبدي على الذات, فيرتاح القلب ويسكن الضمير, وتهدأ الأعصاب, وترضى النفس وتقنع.. فيستمتع حينئذ الإنسان بالأمن والسلام.

   وهذه هي قمة الشعور بالأمان, النابع رأساً من عمق الإيمان.

 

كلمات من نور

  ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم﴾ [محمد:2].

 

*        *       *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحجر الأنصع سواداً!

   من منا لا يتمني الرحمة والمغفرة من الله خالق السماوات والأرض؟! ومن منا لا يحب أن تحذف أخطاؤه, وتمحى ذنوبه, ويعود ثانية كيوم ولدته أمه؟! من منا لا يريد أن يحظي بذلك العطاء, خاصة وأننا نري أحوال الدنيا حافلة بكل ما هو مفجع ومحزن ومثير للخوف والقلق؟!

   ألا يجدربنا أن نصحح فعلاً أوضاعنا عملاً بقول الله سبحانه وتعالي: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين﴾ [آل عمران: 133].

   أعتقد أننا كلنا نتمني ذلك, وها هي الطريق واسعة ممهدة للعودة إلى الله بالتوبة والإنابة, وطلب الرحمة والإكثار من الدعاء, وها هي ( العمرة كفارة لما بينهما)(1) صدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. وها نحن ننتقل الآن إلى الكعبة المشرفة, حيث نرى الناس يتزاحمون حول الحجر الأسود, اقتداء بقول رسول الله عنهما ” أن جبريل عليه السلام وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عصابة حمراء قد علاها الغبار, فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ” ما هذا الغبار الذي أرى على عصابتك أيها الروح الأمين؟ قال: إني رأيت البيت فأزدحمت الملائكة على الركن, فهذا الغبار الذي ترى مما تثير بأجنحتها”(2).

   إذن.. ما هو هذا الحجر الأسود الذي يحظى بكل هذه المكانة حتى تتزاحم حوله الملائكة؟!

   ..إنه حجر نزل من الجنة, وهو مودع بأمر الله لنبيه إبراهيم الخليل في الركن الجنوبي الشرقي من الكعبة الذي يبتدأ منه الطواف, وكان لونه أبيض من الثلج, وأنصع من الحليب. لكن, سودته خطايا المشركين, وهو مغروس في بناء الكعبة المشرفة, وطوله حوالى ذراع, ومازال لونه أبيض إلا رأسه الذي أسود.

   وقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحجر في مكانه حيث هو – لا يزال – وكان ذلك في يوم مبارك هو يوم الاثنين, فقد روى الإمام أحمد وغيره عن أبن عباس رضي الله عنهما قال: ” ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين, واستنبئ يوم الاثنين, وتوفي يوم الاثنين, وقدم المدينة يوم الاثنين, ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين”.

   روى الإمام الشافعي – رحمة الله – قال: أخبرت أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا الحجر؟   

 

 

 

ــــــــــــــــ

  • أخرجه الإمام مالك في موآه حديث 346.
  • الحديث في الدر المنثور للسيوطي جـ1 ص132.

قال: “قولوا: بسم الله والله أكبر, وإيماناً بالله وتصديقاً بما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم “.

كلمات من نور

﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنظل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أوليؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ﴾ [فصلت: 30-31].

 

 

*        *       *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الصفحة البيضاء

   أحياناً يحلو لى أن أحادث نفسي بما يجول في خاطري.. فجلست ذات يوم من أيام الشتاء البارد استمتع بدفء مصباح قريب من وجهى, وأخذت أكتب على ضوئه ما يفيض به الله على من أفكار..

   نظرت إلى ضوء المصباح الحاني الذي يفترش مكتبي في آنس وبهاء, ثم نظرت إلى تلك الصفحة البيضاء التي تربض ياكنة أمامي بإنتظار ما يجود به قلمى من أحرف وكلمات..

   ثم عاودت النظر مرة آخرى.. بتمعن أعمق هذه المرة. وأنا أسائل نفسي, في صمت مطبق, وهدوء ساكن: ماذا يمكن أن يفعل الإنسان ليحظى آخر حياته بمثل هذه الصفحة البيضاء؟! ألا يدعو الناس قائلين: اللهم بيض صفحاتنا؟! ألا يطلبون ضارعين : اللهم أمحو ذنوبنا؟!

   يا الله!

   كيف نستطيع حقاً أن نظفر بمثل هذه الصفحة البيضاء؟! وهنا.. خطر ببالي هذا السؤال: لماذا لانقتدى بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولنا فيه القدوة والأسوة؟! ألم يكن رسول الله صلوات الله عليه وسلامه على خلق عظيم؟!

   وفي الحال, تذكرت قوله صلى الله عليه وسلم “أيما امرئ اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر على نفسه غفر له”(1).

   فها هي شهوة الطعام مثلاً, ترى كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاومها, بل يقومها, فقد قالت عائشة رضي الله عنها: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا, ولو شئنا لشبعنا, ولكنا كنا نؤثر على أنفسنا(2).

   وذات يوم, نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف, فلم يجد عند أهله شيئاً, فدخل عليه رجل من الأنصار, فذهب بالضيف إلى أهله, ثم وضع بين يديه الطعام, وأمر امرآته ان تطفئ السراج, وجعل يمد يده إلى الطعام كأنه يأكل, وهو في الحقيقة لا يأكل, وفعل ذلك حتى أكل الضيف وشبع.

ـــــــــــــــــــــ

  • الحديث في كنز العمال حديث 43112.
  • الحديث أخرجه الترمذى حديث رقم 2358 وابن ماجه حديث 3343.
  • الحديث أورده القرطبي في جـ18 ص24, طبع بيروت. في تفسير الآية 9 من سورة الحشر.

   وفي صباح اليوم التالي, قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لقد عجب الله من صنيعكم الليلة إلى ضيفكم” وهنا(3) ..نزلت تلك الآية ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ [الحشر:9].

  حقاً.. إن السخاء خلق عظيم, وهو صفة من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذ قال فيه الله تبارك وتعالي : ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ [القلم:4]. 

  إليكم هذه الحكاية التي تثبت أحداثها قيمة السخاء كخلق عظيم حقاً:

  خرج عبد الله بن جعفر إلى ضيعة له فنزل على نخيل قوم وفيه غلام أسود يعمل فيه, فدخل الحائط كلب واقترب من الغلام, فرمي إليه بقرص فأكله, ثم رمى إليه الثانى, والثالث فأكله.. وكان عبد الله ينظر إليه, فقال له: يا غلام كم قوتك كل يوم؟ قال: ما رأيت. قال: فلم آثرت الكلب؟ فقال الغلام: ما هى بأرض كلاب, إنه جاء من مسافة بعيدة جائعاً, فكرهت أن أشبع وهو جائع!

   فسأله عبد الله: وماذا أنت تصنع اليوم؟ قال: أطوى يومي هذا. فقال عبد الله لنفسه: إن هذا الغلام لأسخى منى, فأشترى الحائط والغلام.. ووهبه له.

 

كلمات من نور

   ﴿إن الأبرار لفى نعيم * على الأرائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم * يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾        [المطففين : 16 : 22].

 

*       *      *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الصبر.. سلاح

   كل لحظة في الحياة تأتي بجديد.. وكل ساعة يتبدل فيها الحال, والإنسان يعايش هذا التغيير ﴿كل يوم هو في شأن﴾ [الرحمن:29] وهو معرض دوماً لتلقى صدمات ومفاجأت تقض مضجعه.. وتؤرق راحنه!

   ففي الحقيقة.. خلق الله الإنسان في كبد, فها نحن نجد أنفسنا في سراع ضد تيارات عنيفة عاتية, تأتي أحياناً في شراسة الاعاصير, وضرارة الفيضانات, وعلى الرغم من ذلك الخطر نجد أن البعض يفلح في النجاة والعيش بسلام!! كيف؟

   في ذلك؟! ..

   نعم.. كيف أفلح في ذلك؟! .. لأن هذ البعض المحنك عرف حكمة الحياة, فتعامل مع الأحداث بصبر وضبط نفس, وهدوء وسيطرة على الأعصاب, وهذا هو السلاح الوحيد المستمد من ذخيرة الإيمان العميق بقدرة الله ﴿وكان ربك قديراً﴾ [الفرقان :54] وهي تلك القدرة التى لا يعادلها شئ.

   من هذا المنطلق.. تتعامل النفس المؤمنة الراضية مع الواقع, فتساير الحياة بسلام وفي داخلها أمل وتفاؤل دون يأس أو تخاذل, وبالتالي.. تتخطي عقبات الدنيا مهما بلغت صعوبتها.. ونتعايش بشرك وامتنان مع الظروف الحسنة طلباً لدوامها واستمراريتها.

   هكذا نلحظ كيف أن الصبر والشكر ركيزتان أساسيتان في تعامل الإنسان مع الحياة. وفي ذلك حكى أبو الفرج الجوزى ثلاثة أقوال, أحدهما: ان الصبر أفضل , والثاني أن الشكر أفضل, والثالث: أنهما سواء, وفي ذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت.

   وفي الواقع.. المعروف عن الصبر عند وقوع الظلم أنه من أمر أنواع الصبر, لذا جعل الله لعبده المظلوم دعوة لا ترد.

   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاث أقسم عليهم وأحدثكم حديثاً فأحفظوه: فإنه ما نقص مال من صدقة, ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عز وجل بها عزاً, ولايفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله له باب فقر”(1).

   وقانا الله وإياكم شر الظلم, والفقر, ونجانا من الهم والغم, ورزقنا الله وإياكم بركة هذا الدعاء لأحد الصالحين: “اللهم يا مجلى العظائم من الأمور ويا منتهى هم الهموم يا مفرج الكرب العظيم ويا من إذا أراد أمراً فحسبه أن يقول له كن فيكون, أحاطت بي الذنوب يا مدخر لكل أمر عظيم وكل صعب وشدة يا من لا إله إلا أنت لا إله إلا أنت”.

ـــــــــــــــــ

(1) الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده جـ4 ص231, والدر المنثور للسيوطى جـ1 ص359.   

كلمات من نور

﴿وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً * متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً﴾ [ الإنسان : 12, 13].

   نعم .. إن الصبر صفة من صفات الله الحسنى.. إنه الصبور تبارك وتعالى.

   قال النبي صلى الله عليه وسلم “إن لله عز وجل تسعة وتسعون إسماً من أحصاها دخل الجنة”(1)

 

هو الله الذى لا إله إلا هو

 

الرحمن الرحيم   الملك   القدوس    السلام   المؤمن   المهيمن   العزيز        الجبار  
المتكبر   الخالق   البارئ   المصور    الغفار    القهار   الوهاب    الرزاق       الفتاح
العليم    القابض   الباسط   الخافض   الرافع    المعز    المذل      السميع     البصير     
الحكم    العدل     اللطيف   الخبير     الحليم    العظيم    الغفور    الشكور     العلى
الكبير    الحفيظ   المقيت    الحسيب   الجليل    الكريم    الرقيب    المجيب     الواسع
الحكيم    الودود   المجيد    الباعث    الشهيد    الحق    الوكيل     القوى      المتين
الولى     الحميد   المحصي   المبدئ    المعيد المحيي المميت الحي القيوم
الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول
الأخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو
الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغنى المانع
الضار النافع النور الهادي البديع الباقى الوارث الرشيد الصبور

 

*       *      *

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــ

  • الحديث أخرجه ابن ماجه في سننه جـ2 حديث 3861 عن أبى هريرة رضي الله عنه صفحة 1269, 1270 تحقيق الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي .

 

فهرست المصادر المراجع

مرتب على حروف المعجم

  • القرآن الكريم.
  • اتحاف السادة المتقين للزبيدي طبع بيروت.
  • البداية والنهاية للإمام ابن كثير الدمشقي الطبعة الثانية ببيروت سنة1977م.
  • تاريخ بغداد ومدينة السلام للحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي نشر دار الكتاب العربي بيروت.
  • تذكرة الحفاظ للإمام الذهبين نشر دار أحياء التراث الإسلامى.
  • تفسير القرآن العظيم للإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبى الفداء إسماعيل ابن كثير الدمشقي طبع دار الفكر.
  • تهذيب تاريخ دمشق الكبير للإمام ابن عساكر.
  • التمهيد لإبن عبد البر طبع القاهرة.
  • جامع البيان عن تأويل أى القرآن للإمام الطبرى طبع الحلبي 1388 هـ.
  • جامع بيان العلم وفضله للإمام ابن عبد البر نشر دار الكتب الحديثة بالقاهرة.
  • الجامع لأحكام القرآن الكريم لأبى عبد الله محمد بن أحمد الأنصارى القرطبى طبع دار إحياء التراث بيروت لبنان.
  • حلية الأولياء وطبقات الأحفياء للحافظ أي نعيم الأصفهاني طبع مطبعة السعادة بالقاهرة 1394هـ 1974م.
  • دلائل النبوية للإمام البيهقى طبع بيروت.
  • سنن الإمام ابن ماجه مطبعة الحلبى ترتيب الأستاذ / محمد فؤاد عبد الباقي.
  • سنن الإمام أبى داود السحستاني تحقيق عزت عبيد الدعاسي نشر محمد علي السيد بحمص مطبعة دار المحاسن – المدينة المنورة.
  • سنن الترمذي مطبعة البابي الحلبي بالقاهرة.
  • سنن الرمام الدارمي.
  • سنن الدار قطني للرمام علي بن عمر الدار قطنى طبع المدينة المنورة 1386هـ 1966م.
  • الإمام النسائي مطبعة الحلبي القاهرة.
  • السنن الكبرى للإمام البيهقي نشر دار الفكر ببيروت.
  • شرح السنة للإمام البقوى نشر المكتب الإسلامي 1391هـ بيروت.

 

  • شرح صحيح الإمام البخاري مقتصراً على الكتب وأمهات الأبواب والتراجم طبع الشعب.
  • الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ترتيب الأمير الدين على بن بلبان الفارس طبع الفكر ببيروت.
  • صحيح بن خزعة نشر الكتب الإسلامي ببيروت.
  • صحيح الإمام مسلم بن الحجاج تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
  • الطبقات الكبرى لإبن سعد طبع لاكتب الإسلامي ببيروت.
  • الدر المنشور في التفسير المأثور للإمام جلال الدين السيوطي طبع دار الفكر.
  • العلل للإمام علي بن عبد الله المديني نشر الكتب الإسلامي ببيروت.
  • العلل المتناهية لإبن الجوزي طبع الهند.
  • فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام بن حجر العسقلاني.
  • فيض القدير شرح الجامع الصغير للإمام النووي طبع دار المعرفة ببيروت.
  • كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للشيخ إسماعيل محمد العجلوني طبع حلب.
  • كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للرمام المتقى الهندي البرهان طبع حلب.
  • مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ الهيثمي طبع دار الكتاب ببيروت.
  • مسند الإمام أحمد بن حنبل طبع دار الفكر ببيروت.
  • مسند الربيع بن حبيب تصدير مكتبة الثقافة.
  • الفردوس بمزثور الخطاب للديلمي تحقيق السعيد بن بسيونى زغلول طبع بيروت.
  • مصنف ابن أبي شيبة في الأحاديث والأثار.
  • المصنف لعبد الرزاق الصنعاني.
  • معظم الطبراني الكبير تحقيق حمدي عبد المجيد السلفى نشر الدار العربي للطباعة ببغداد سنة 1938م.
  • موطأ الإمام مالك مطبعة الحلبي بترتيب الأستاذ / محمد فؤاد عبد الباقي.
  • ميزان الإعتدال في نقد الرجال للإمام الذهبي تحقيق علي محمد البجاوي طبع بيروت.
  • المستدرك علي الصحيحين للإمام الحاكم طبع دائرة المعارف العثمانية بالهند 1344هـ.
  • المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر طبع التراث الإسلامى ببيروت.
  • الموضوعات الكبرى للإمام بن الجوزي طبع المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.

*       *       *


فهرس الكتاب

م الموضوع الصفحة الملاحظات
1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

 مقدمة الكتاب

الطريق إلى حب الله

أفضل الأنبياء والرسل

لك الحب .. ياحبيب الله

في خيمة قائد الأعداء جاء اللقاء!

ثلاثة أنواع من النعم

رب أسألك الشكر في قلبى

كلمة تغلق دونها أبواب السماء

المدائن من الذهب والقصور من اللؤلؤ والذهب

عندما يخطر بالبال هذا السؤال

حديث إبليس الخبيث

تلك الأسئلة الأربعة .. بما نجيب عليها؟!

الخروج من الخوف

دعاء علي بن أبي طالب كرم الله وجهه

حتى .. لاينعدم الاستمتاع بالحياة

ثم طعنه ثلاث طعنات!

ودعا عليه.. بطول العمر!!

والتقيا.. علب باب الجنة

حين تجئ لحظة الإحتياج

ثم قال صلى الله عليه وسلم : الحمد لله أني لأرجو أن يموت جميعاً

صاحب القصر المحروق!

هزيمة الخوف من.. الموت

جاء.. حتى وقف على باب الكعبة

أنه الباب المفتوح .. دائماً

آية.. في جوف الليل

هذا النوع المرفوض من الدعاء!

كيف يكون الحج  مبروراً؟

   

 

 

 تابع فهرس الكتاب

م الموضوع الصفحة الملاحظات
28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

مؤمنون ورب الكعبة

هدف الشيطان الأعظم

التسابق إلى الخيرات

دعاء.. تعجبت منه الملائكة!

هذا الزمن الردئ.. برئ برئ!!

.. فأخبرهم ما الذي أبكاهم؟!

من هو.. شر الناس؟!

فلنجعله هماً واحداً.. فقط لاغير

عودة العبد العاضي

هذه الدرجة من الحب..!

ثلاثة لايعرفون إلا عند ثلاثة!

لماذا صار الناس غير الناس؟!

لا .. ليست أساطير الأولين..

فلنبحث عن شئ خطأ داخلنا

ثم قطف رمانة ثالثة!

حين تجئ لحظة الاحتياج!

ذلك الماء المالح

تلك الأسس الأساسية السبعة!

شئ.. أشد من الجبال!

تلك المعادلة العادلة!

ليلة قد تفترس .. ثلاثة ليال!

نحن حتماً نحتاج هذا النوع من الحب ..!

ما هو عدد حروف آيات لانصر

حين احتار المسلمون ماذا يفعلون؟!

بفضل الله إنطفأت نيرانهم

إنهم يريدونها اجازة خاصة جداً

باب الرحمة  

سلاح المؤمن..

   

 

تابع فهرس الكتاب

م الموضوع الصفحة الملاحظات
56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

ذاك الإحساس الحافل بالنجاح والفلاح

حج الراكب والماشي

دعاء كشف البلاء

لمن .. تلك الدرجات المائة؟

حين يتدافعون نحو تحقيق حلم حياتهم

ألا يعلم أن ..؟!

صيام الخواص

بين الإنسان والشيطان

دعاء آدم ينزع الفقر نزعاً

عام الوداع

تلك الرحلة الروحية الربانية

البحث عن ذلك الشعور المفقود

الحجر الأنصع سواداً!

الصفحة البيضاء

الصبر سلاح

أسماء الله الحسنى

فهرس

   

 

 

 

 

 

 

([1])  الحديث فى كتاب العلل المتناهية لابن الجوزى طبع الهند برقم 879 وميزان الاعتدال فى نقد الرجال للذهبي ج4 ، ص 185 .

([2])  الحديث أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب على كل مسلم صدقة جـ2 ، ص143 طبع الشعب .

([3]) الحـديث أخـرجه أبو داود في سننـه جـ 5 كتاب الأدب باب حسن الظـن حديث 4993 عن أبي هـريرة بلفظ ( حسن الظن من حسن العبادة ) طبع دار الحديث .

([4]) الحديث أخرجه القرطبي فى تفسير الآية 31 من آل عمران جـ3 ، ص 59 ، 60 طبع دار أحياء التراث ببيروت .

أحرف و كلمات – الكلمة الهادئة

أحرف و كلمات – الكلمة الهادئة

كريمة شاهين

أحرفٌ وكلمات

 

 

الجزء الأول

 

 

 

 

أجمل طريق

أنا طالبة في الثانوية العامة عمري 17 سنة , جميلة جداً من عائلة عريقة معروفة , وهذا هو سبب مشكلتي , فأنا أحب شاباً منذ سنتين طالب في الجامعة وهو كذلك يحبني بعمق.

ولكن أبي يرفضه لأنه من عائلة أقل منزلة من عائلتنا , ولأن أخوتي متزوجات من رجال لهم مركز عالية . وهذا يؤثر في نظرهم علي مراكزهم .

إنني أرفض هذه النظرة فعندما خلقنا الله أمر بالمساواة , فأين هذه المساواة ونحن ننظر إلي بعضنا البعض نظرة احتقار وتفريق ؟!

إن العالم ينتذر ويعلن أن جميع البشر متساوون ولكن في قراره نفسه يأبي ذلك , بل ينكره , فكم بكى حبيبي أمام هذه المشكلة وكم عطف قلبي وأشفق عليه وكم تمنيت أن أكون من أحقر العائلات حتى لا أجرح كرامته عندما يطلب أن يجمعني معه بينت الزوجية .

إنه رجل بكل معنى الكلمة , وسيم ,مهذب , مثقف , له أفكار وأراء نيرة تدل علي عمق ذاته وعلي قوة شخصيته .

إنني كلما فكرت أن أنهي علاقتي معه إذا لا جدوى من البقاء والاستمرار , تصيبني الحسرة والندم وأبكي بكاء مراً .

إنني لو تزوجت رجلاً غيره أعنى منه وأعرق منه سيكون إنساناً فارغاً وسخيفاً في أرائه وبذلك سيصبح من السهل علي أن أخونه مع حبيبي السابق لأنه ليس باستطاعتي أن أنساه , فهو الذي جعل لحياتي قيمة وهدفاً أصبو إليه , كم أـمناه أن يكون زوجي وأنجب منه أطفالاً في مثل صورته الجميلة ..

ولكن .. أين الخيال من الواقع وأنا أفكر في مشكلتي هذه , أفكر كذلك في الرباط الذي يقيدني إلي هذا الحب .. إنه قال لي ذات مرة إنني إذا فكرت أن أنساه فهو لن يقدر أن ينساني.

وسأكون سبباً في تحطيم أحلامه وقتل مستقبلة وهذا ما أخشاه لأنني أعلم أنه يحبني بجنون ودائماً يردد بأن الذي سيكون سبباً في تعاسته سينتقم منه أشد انتقام .

عزيزتي :

إن به صفات أعجز عن إيفائها حقها بالتعبير , فأنا مع اعتقادي بفقداني عذريتي حين كنت في رحلة , وكان هناك شاب من العائلة يلاحقني , وعندما بقينا وحدنا اعتدى علي بكل قوته , ولم أستطع منعه رغم مقاومتي له بكل عنف , إلا انه رجل شرقي لا يعرف الهزيمة .

وعند اعتدائه علي بكى بمرارة , أنا لم أحقد عليه , بل حقدت علي الحيوان الذي بدخله , ولا أعرف حتى الآن هل أنا عذراء ألم لا , فلم تنزل قطرة دم واحدة , وعندما علم حبيبي بقصتي هذه تألم بشدة وفال لي لا يؤثر سواء كنت أنا تلك الفتاة العذراء أم الأخرى . فهذا شيء تافه بالنسبة لحبه لي وهو عندما أحبني أحب الإنسانة في داخلي وأحب طيبة قلبي وتواضعي .

وأنا الآن هل أترك حبيبي الذي  يجب علي أن أنتظر سنوات طويلة حتى أنال الموافقة علي زواجي منه , أم أعود لصورتي الأخرى.. الفتاه التي تهتم بالمظاهر الخارجية والبحث عن عريس تري أنه ذو مركز , أم أواصل دراستي لأنني متفوقة ولي القدرة علي أن أنال شهادات عليها ؟!

الملل والفراغ والضيق يخنقني , ولا أستطيع أن أسكت هذا الصوت الذي يصرخ بقوة في داخلي ويؤلم أعماقي وضميري , صوت ثائر علي تقاليد المجتمع وأعرافه التي لا تزال راسخة في عقود الكثيرين من أفراده ومنهم أبي .

فماذا افعل ؟! وأي طريق أختار ؟!

***

هذا الصوت الثائر في أعماقك سيصطدم بجدران التقاليد المورثة , وسيرتد الصدى مئات الموات محدثا دوياً عنيفاً لن يحتمله رأسك الصغير ..

نعم .. إن المجتمع العربي الشرقي الذي نعيشه ورث تقاليداً راسخاً عن آبائه وأجداده , قد يكون هذا التقليد الثابت الصلد شيئاً كريهاً بغيضاً إلي نفسك , ولكنه حقيقة ساطعة عمرها مئات السنين , تمتد جذورها العتيقة في حنايا نفسه .. ولا سبيل إلي نزعها أبداً .. لأنها مزيج من الزمن والتاريخ ..

فيا ويل من يدفعه قدره إلي التصدي والاصطدام بهذه التقاليد الحادة المسنونة التي تمزق كل من تسول له نفسه مصارعتها والتغلب عليها ..

إن الفتاة الجميلة الذكية مثلك لا يليق أن تقبل تقديمها قرباناً مصلوباً مربطاً إلي أسنة التقاليد الحادة لينهشها وحش المجتمع ذو الأسنان المسنونة .

إن البنت المتفوقة المتفتحة تعرف أين تسير , ومتى تقف , وبهذا تستطيع أن تقطع طريق حياتها في أمان وسلام بأن ترضخ للواقع المفروض وترضى به .. فكلنا عبيد الواقع .

وعلاقتك بهذا الشاب أشبه بالقيد أو الرباط الذي يكبلك به هذا الحب , الذي شممت فيه رائحة التهديد المبطن الخفي حينما قال فتاك إنه “سينتقم أشد الانتقام” ممكن كان سبباً في تعاسته !!

وأما إذا كنت مرتاحة لأن هَمَّ مشكلة اغتصابك قد انزح عن كاهلك حينما أفضت بها لحبيبك .. فاعلمي أن هذه نقطة ليست أبداً في صالحك , فالرجل الشرقي شرقي مهما تستر برداء العصرية والمدنية واللامبالاة .. وأخشى أن يأتي اليوم الذي يبرك فيه حدث .

بالطبع تستطيعين عرض نفسك علي طيب أخصائي للاطمئنان , وإن كنت أشعر إنك سليمة .. وهذا هو الاحتمال الأكبر .

وعن تفكيرك في خيانة الزوج القادم المجهول مع من تحبين .. فأحب أن أقول لك أن الفتاة العربية الأصيلة ذات المعدن النفيس لا تفكر في ارتكاب أدنى خيانة إلا إذا كانت من معدن خسيس فلا تفكري في ذلك وإلا طعنت أصلك .

وإذا كنت تتوقعين إنجاب أطفال ذوي جمال مثل أبيهم فمن أدراك أن لا يطلع أحدهم يشبه أجداده ويكون ذا وجه قبيح منفر !

إن جمال الأب وحدة ليس دليلاً كافياً علي إنجاب ذرية جميلة .

أنصحك عزيزتي أن تتتناسي كل هذه الأحداث وأن تتغلبي علي الملل والفراغ والضيق الذي يخنقك , وأن تلقى عن كاهلك هذه الأحاسيس المرهقة , وأن تتجهي بكل طاقتك إلي مجالات الدراسة والتفوق العلمي لتثبتي نفسك وتؤكدي ذاتك ..

وثقي أن هذا الآن هو أنسب وأصلح وأجمل طريق .

المتعة والعذاب

والذي ووالدتي علي قيد الحياة يبلغ سن الوالد حوالي الخمسين عاماً تقريباً أقدم علي الزواج من امراءة توفى زوجها وخلف منها ولدين وبنتاً أي أنها والوالدة متقاربتان يق السن وهنا بدأت المشكلة , أختي , أن والدي بعد زواجه من تلك المرأة أصبح قاسي المعاملة تجاه الأهل جميعاً وتجاهي أنا شخصياً وأصبح يدعي العوز إلي الفلوس وصار يقتر إلا أن زوجته تلك تسكن في منزلنا الذي قسم إلي نصفين بسببها ويعطيها ما تحتاجه إليه في الخفاء .

أيضاً والدي بدأ يسمع كلام امرأته الجديد وصار يأخذ الرأي منها وأحياناً يطردها من المنزل , أنا أبلغ من العمر 19 سنة تقريباً لدي أخوان مني ومنهم الذين ما زالوا في سن الرضاعة والداتي في حيرة لا تستطيع فراقنا بسبب خوفها من زوجة والي الجديدة هي وأنا وأيضاً أخواني الصغار لا يخافونها ولكن يخافون ويقدرون والدي .

 أنا خلال تلك الفترة “”فترة الزواج” أدرس والآن حصلت علي شهادة الكفاءة المتوسطة انقطعت إثر الزواج عن الدراسة وتوظفت بشركة لكي أؤمن حياتي وحيات أسرتي التي أصبحت عائلها الأول بعد والدي الذي منع أي شيء عنا كما أفيدك إنني أخذ إذن من والدي بأن يسمح لي بإرسال ما أستطيع دفعه إليهم فمنعني من ذلك وبدأت أرسل بالسر إليهم ولكن لم يدم ذلك طويلاً حتى أكتشف أنني أرسل لهم الفلوس , فهدد الوالدة وضربها بسببي   فتألمت لذلك .

أختي مضى علي زواج والدي أكثر من السنة حيث أنجب طفلاً من زوجته الجديدة .

عزيزتي أود منك الحل المناسب لمشكلتي وكيف استطيع إعادة والد إلينا علماً بأن الأقارب والأصدقاء ومن أعرف أرسلتهم علي الوالد ولكن بدون جدوى , وطلبت من الوالدة أن يترك أهلي يسافرون معي إلي مقر عملي فرفض ذلك , ما هو الحل علماً بأنني متمزق بين دراستي التي حرمت منها وبين أهلي أفيديني برأيك .

***

الله سبحانه وتعالى أقر تعدد الزوجات علي أساس العدل التام فيما بهن , وليس العداء التام كما حدث من أبيك وزوجته تجاه أمك وأخوتك !!

موقف والدك عجيب ومؤسف , ولا يصح أن يقدم علي هكذا تصرفات تجاه زوجة شاركته عشرين عاماً أو أكثر من حياته .. زوجة لا زالت تحتضن بين ذراعيها طفله الرضيع؟!

حمد لله أنك شاب كبير , ناضج واع علي قدر عظيم من المسؤولية تجاه أهله وأسرته , وشكراً لله أنك تعمل وتعول نفسك وأخواتك .. وهذه رسالتك النبيلة التي يجب أن تلتزم وترتبط بها حتى يثوب أبوك إلي رشده ويرجع إلي عقلة , ويكف عن ظلم أبرياء لم يرتكبوا في حقه إثماً .

فكيف ..

كيف يستطيع أن يحظى بالمتعة وسط هذا الجو المفعم بالتعاسة والشقاء ؟!

كيف يستطيع أن يضرب زوجته الأولى وينكد عيشتها .. ثم يعود مبتسماً راضياً إلي زوجته الثانية ؟!

كيف يستطيع أن يطعم أفواهاً يملأ بطونها بالطعام في حين تتضور أفواه جوعاً في النصف الثاني من البيت ؟!

هذه الحياة الشقية المرهقة لا يمكن أن تستمر , وأحسن أن يكف أبوك عن عناده , وأن يخفف من قسوته وجبروته , وأن يحاول أن يعدل بين زوجته , فإذا لم يرض ولم يرغب ولم يوافق ..

فالتفف أنت إلي جوار أمك وأخوتك , وأن تصونها من الحاجة , وتحميها من اللجوء إلي الآخرين .

وحذار .. حذار أن تقطع مساعدتك لأي سبب كان , حتى لو كان السبب هو ضرب أبيك وسبه ولعناته , فهذا أهون وأخف من ذلك الحاجة وهوان الفقر ..


حرب الأعصاب

 أنا فتاة لي الكثير من الأخوة والأخوات وأنا أكبرهم , لي أم , هي مشكلتي في هذه الحياة تعاملني كأنني حيوانه تقسو علي بشكل لا تتصوره مخيلة البشر تحملني من الأعمال المنزلية ما يماثل الأعمال التي يقوم بها سجين قد حكم عليه بالأعمال الشاقة المؤبدة حتى إذا جسدي نحيلاً ضئيلاً وأصبحت لا أرى جيداً أس قد ضعف بصري ووهنت قواي وهي لا تكلف أختي التي تصغرني بعام واحد أعمالاً كمنا تكلفني أنا ثم فوق ذلك هي دائمة التفريق بيننا فبينما تدلل جميع أخوتي وتعاملهم المعاملة المطلوبة منها كأم تعامليني أنا وكأنها امرأة أبي لا أمي مما أثار في نفسي الشك بأني ربما أكون لست ابنتها وهذا شعور أحمق بال شك فهي , أ/ي , ولكن تقسو علي هكذا وأنا والله لا أقصر معها في شيء , وأبي لا تسألني عنه فهو أيضاً لا يختلف عنها فهو دائم الصراخ لأتفه الأسباب يقسو علي أمي وأمي تفرغ غيظها فينا وفي أنا بالذات , إنها تضربني دائماً ضرباً موجعاً مبرحاً , وعندما شكوت لهم من ألم في عيني شديد أحسست معه أنني سأفقد بصري نظر والدي إلي عيني نظره خاطفة وقال لي : إنك كاذبة فعيناك سليمتان وليس بهما شيء , بالله عليكي يا أختي الفاضلة تصوري هذه البؤرة التي تنتشر فيها روائح الحقد والكراهية والظلم وتزكم أنفي هذه الحياة ؟ لا بل هي جحيم لا يطاق سعيره لذا حاولت مرتين الانتحار , فقد كرهت حياتي واضع الآن نصب عيني أمراً واحداً فقط هو الانتحار والتخلص من كل هذا العذاب علماً أبي لا يسمح لنا بالخروج مطلقاً سواء لجيران أو أقارب أو أي كان فإذا هو سجن وتعذيب أي موت بموت فلم لا أريح نفسي من هذا العناء واختصر المشوار وانتحر لأموت وتموت معي هذه الهموم والمشاكل التي لو حملها جبل لتفتت إلي ذرات وذرات .

بالله عليك أختي الفاضلة أرشديني لأفضل حل ترينه أنت سوف لن انتحر قبل أن أقرأ ردك علي رسالتي هذه فلي أمل ضئيل يلوح من وراء السحب السوداء بالحياة والله لن يغفل أجر المحسنين , ولك جزيل شكري وامتناني .

***

السعادة في الحياة هي أن تتلاءم مع ظروفنا وإمكانياتنا أن نديرها لصالحنا بحكمة .. والنفس الذكية الحساسة تستطيع أن تمنح السعادة لذاتها ولآخرين حولها ..

وأمك إذا كانت تفرغ فيك همومها وضيقها من معاملة أبيك لها فتأكدي أنها تنفث عن نفسها بجزء وتخزن الباقي في أعماقها ولهذا تبقى دائماُ في حالة توتر وعصبية فاعذريها إذا كانت عليك فعلاً ..

ولكن ..

لاحظت أنا من أسلوب رسالتك أنك فتاه ذكية وحساسة , تميلين إلي الفلسفة وإلي استخدام الأسلوب الصعب المنمق في كتابتك , وهذا أعطاني شعوراً بأنك فتاة ليست سهلة الشخصية ولا يمكن التعامل معها دون أصطادمات , وأتصور أنك ربما تكونين عنيده إلي حد ما !!

وإلا , هل تقدرين أن تقولي لي لماذا أنت بالذات دون إخوتك التي تلقين هذا الضرب المبرح المتكرر من أمك ؟! إن العيب فيك أنت يا صغيرتي لأنك لم تفكري في ظروف أمك القاسية واكتفيت بالنظر إلي نفسك وتصوير منزلك علي أنه سجن واعتبار أبيك وأمك الجلاد فنفرت من هذه الحياة وأردت الفرار منها مرتين وتتأهبين للمحاولة الثالثة !

لا يا عزيزتي .. لا تفكري في هذا العمل الفظيع لأنك ستلقين أشد العذاب في الآخرة لأن الانتحار جريمة قتل لنفس حرم الله قتلها ..

وفكري بذكاء في أن تقربي من قلب أمك , وستدهشين عندما ترين النتيجة مبهرة .. وأعلمي أنك كبرى أبنائها وكم يسعدها ويفرحها أن تراك قربيه منها تشعرين بمعاناتها وضيقها بدلاً أن تزيدي شقاءها وكربها بعنادك وتصرفاتك المتصلة التي تثير وهي كتلة من الأعصاب الملتهبة التي لا تنقصها أدنى إثارة .. فتدفعينها لضربك وشتمك وأساء معاملتك ..

والحل .. هو أن تقنعي بحياتك وأن ترضى بقدرك .. فالقدر لا خلاص منه والحياة لا نهاية لها إلا بأمر الله , فاحتضني حياتك وضمي قدرك برضى ومحبه لتكسبي نفسك وجسدك فلا تفكري في الانتحار ولا تشعري بآلام في عينيك أو أيديك أو قدميك .

الأرملة حبيبتي

بعد طول تردد وحيرة . أجد نفسي مندفعاً إلي الكتاب لك , والأمل فيك أن تأخذ رسالتي هذه الرعاية والاهتمام لأني كرهت الحياة , ولا أعرف من أين ابدأ حكايتي .

أنا شاب أحببت إحدى بنات الجيران حباً صادقاً شريفاً , وكذلك هي بادلتني نفس الحب , علماً بأنها تكبرني بسنه واحدة .

مضى علي حبنا ثلاث سنوات . ثم طلبت مني أن أتقدم لخطبتها فتقدمت إلي والدها وفاتحته في الموضوع . فرد عبي بعد عشر دقائق تقريباً ثم قال لي :

يأبني البنت ما زالت صغيرة . وما زالت تتعلم , وحين تنتهي تعليمها مرحباً بك .

ولم أقلب لوالدها أنها تحبني خوفاً عليها , وبعد 6 شهور اتصلت بي الفتاة , وقالت لي أنا شاباً قد تقدم لوالدها يطلب الزواج منها , فسألتها عن رأيها فقالت “ما أقدرش أعيش من غيرك” .

ولم أذق طعم النوم في تلك الليلة , فذهبت إلي أخيها الأكبر وهو صديقي , وأخبرته بالأمر, فقال “راح أشوف الموضوع مع الوالد”

ولكن للأسف الشديد عاد وهو يقول لي لا فائدة يا صديقي

ومرت الأيام !

وتزوجت حبيبتي , وعاشت مع زوجها عامين , ثم توفي الزوج , وذهبت أنا مع أخيها لنعزي أهل زوجها .. ورأيتها وهي تلبس الملابس السوداء .

وبعد ثلاثة أشهر عادت إلي منزل والدها بعد إتمام الإجراءات التي تتخذ في هذه الحالة .

وأنا الآن حائر , هل أتقدم لها مرة أخرى وأطلبها من والدها ؟ علماً بأني لم أتزوج حتى الآن , ولكني خائف أن يرفض طلبي .

ولذا أعيش في عذاب , وقد عاهدتها من قبل باستحالة الزواج من غيرها , وإنني أفضل الحياة بغير زواج بدونها .

سيدتي .. أرشديني إلي الحل الصحيح .. ومعذرة لأنني كتبت رسالتي وأعصابي تعبانه جداً !!

***

أنت رغم صغر سنك إلا أنك رجل بمعنى الكلمة , تصرفاتك فيها قوة الإخلاص , وفيها دلالة الحب رغم كل تلك الظروف المعاكسة .

تقدمت لحبيبتك , رفضك أبوها , تزوجت حبيبتك , انتظرت سنتين , عادت أرملة .. ورغم ذلك حبك كما هو قوي لم يضعف .

عبد الله ..

يجب أن تعرف أن حبيبتك إذا كانت قد طلبت منك مرة وهي فتاة عذراء أن تتقدم لخطبتها , فهي لا يمكن أن تطلب ذلك منك ثانية وخاصة بعد أن أصبحت أرملة !

واجبك كرجل شهم أن تتفاهم مع أخيها صديقك , والذي أتصور أنه علي علم بالموضوع من أوله , وأن تتفق معه علي أحسن أسلوب تتقدم به لوالدها .

وثق يا أخي أن الوضع أختلف تماماً . وإذا كان والدها قد رفضك من قبل , فيستحيل أن يرفضك الآن , علماً بأنه كان لطيفاً معك مهذباً في الرد عليك وإن كان لم يستغرق سوى عشر دقائق . فلتهدأ أعصابك المتعبة , وتقدم فوراً للحبيبة التي تعد الدقائق والساعات انتظاراً لخطوتك هذه .. قال تتردد !!

 صداقة الذئب والحمل

أنا فتاة في السابعة عشر  من العمر , طالبة بالمرحلة الثانوية تعرفت علي شاب عن طريق التليفون كنت في الأول اشتمه ورغم ذلك كان يرد علي بكلمات هادئة .

وذات يوم تكلمت معه بهدوء لأفهمه إنني بنت عائلة وإذا كان يريد أن يتسلى , فليتسل بأشياء مفيدة ولا داعي لإزعاج الناس .

وأقنعني بأنني الفتاة الشاذة بين البنات التي ترد عليه بهذه الطريقة , وأنه يتمنى مصادقتي وأن قصده شريف ومستعد لأن يقسم علي المصحف ليؤكد صدق شعوره .

وأخذت أفكر في كلامه , واستمرت أحاديثنا حتى تجرأت ذات يوم وطلبت أن أراه .

وقابلته !

وعدت إلي البيت والفرحة لا تسعيني , فقد وجدت فيه الإنسان المثقف العاقل في كلامه وتصرفاته , ولكنني أحسست أنني مذنبة بهذا التصرف فقررت ألا أعيدها مرة ثانية وأن أقتصر علي التليفون فقط .

وبعد أيام اتصل بي وطلب مني أن أقابلة ثانية لأنه يريد أن يقول لي كلاماً لم يستطيع أن يقوله في المرات السابقة نظراً لقصر المقابلة .

وتقابلنا , ويعلم الله كم تحملت من متاعب وتحديت ظروفي العائلية القاهرة حتى رأيته , وأخبرني أنه وجد في الفتاة العاقلة الرزينة وهذا ما دفعة لمصادقتي وأقسم بأنه سيبقى علي عهدة .

ولكنه بعد هذا الكلام طلب مني طلباً لم أكن أتصور أن يطلبه , لقد قال لي أنه يريد أن “يقبلني” , واندهشت لهذا الطلب ولكن تمالكت نفسي وقلت له أنني أفضل أن تبقى صداقتنا شريفة نقيه .

وأفهمته بأنه لا يجتمع اثنان إلا ويكون الشيطان ثالثهما , وأقنعته , وبصراحة خفت أن يغضب , ولكنه شكرني وقال بأنه متأكد أنه سيكون هذا جوابي .

وعدت وأنا أشعر بذنب كبير لأني قابلته ثانية , فلو علم أهلي بذلك لقتلوني , ولكني للأسف استغليت ثقة أهلي وفعلت هذا كله .

لذا .. أرجو يا عزيزتي أن تقولي لي هل أن صائبة لمصادقتي لهذا الشاب ؟! وما رأيك في تصرفاتي ؟! وهل أنا مخطئة ؟!

أرجوك أن ترشديني إلي الطريق السليم فأنا حائرة علي مستقبلي , خاصة في هذه المرحلة , علماً بأني طموحة وأتمنى إكمال تعلمي , ولن |أنسى لك هذا الجميل مدى الزمن وشكراً .

***

قبل أن أحدثك عن أي شيء , أود أن أريك كيف أن أعماقك لا تعرف الصداقة .. وكيف أنك وبلا شعور وقعت رسالتك (بالمحبة الحائرة) بدلاً من أن تقولي مثلاً (الصداقة الحائرة) ..

إذن فأنت تعلمين بينك وبين نفسك أن هذه العلاقة الناشئة ليست سوى حب .. ولا يمكن أن تكون صداقة .

وهل يعقل أن تكون هناك صداقة بين ذئب وحمل ؟!

لا أتصور ذلك يا عزيزتي , ولا داعي للعب بالنار فأنت فتاة بنت عائلة , مؤدبة , ذات ضمير حي والحمد لله .

لا داعي لأن تلقي بنفسك وباختيارك في هاوية الشقاء والضياع والعياذ بالله , ألم تقولي بنفسك أن أهلك لو علموا بذلك لقتلوك ؟!

إذا فيم هذا كله ؟! ولم كل هذه المجازفات والتصرفات التي لن تجني منها سوى الندم طيلة العمر ؟!

أرجوك أن تقطعي صلتك بهذا الذئب فوراً الذي أراد تقبيلك من المرة الثانية .. فترى .. ماذا سيطلب منك في المرة الخامسة ؟!

لا .. يا عزيزتي لست أنت من هذه النوعية العابثة , أنت فتاة من معدن أصيل , فتاة ذات أخلاق والدليل هو ما تشعرين به من عذاب الضمير تطلبين رأيي في تصرفك بصراحة ؟! أقول بصراحة أنها خاطئة وأنصحك بأن تلتفتي إلي مستقبلك فأنت ذات طموح .. وأن تحافظي علي سمعتك وسمعة عائلتك نظيفة .. فلا تلوثيها !

واقطعي في الحال كل حديث بينك وبين هذا الشاب وقبل أن يمسك عليك دليلاً يذلك به ويرغمك علي تنفيذ رغباته الخسيسة .. فما هو إلا طامع بك يا عزيزتي .. فاصحي لنفسك قبل أن تضيعي .

وأنا كلي أمل بأن تطمئنيني عليك برسالة أخرى تعاهدينني فيها بأن هذا التصرفات التي لا تناسبك ولا تليق بك .. قد ذهبت إلي غير رجعة .. أرجو ذلك .. وأنا بالانتظار !

شهامة شاب

أنا شاب عمري 19 سنة , طلب بالجامعة , أبي متوفِ ولي أختان وأربعة أخوه .

أخي الكبير هو الذي أعالنا بعد وفاة أبي فخرج من المدرسة وأصبح يكد ويشقى من أجلنا , وركز كل همه في تعليمنا , عمر أخي الآن 25 سنة وقد تزوج منذ سنتين بين الجيران , وبعد الفرح بشهر عندما كنت منهمكاً في دروسي جاءت لي زوجة أخي وقالت لي وهي تعرض نفسها علي :

-+ أنا لم أقبل الزواج من أخيك إلا بعد أن رأيتك لأنك أعجبتني !

فطردتها من الغرفة , ولكنها لم تستح وأعادت الكرة مرت ومرات , حتى أصبحت أقفل علي نفسي الباب عندما يصبح أهلي وأخي غير موجودين .

وبعد أن دخلت الجامعة وأصبحت لا أذهب إلي البيت إلا كل شهر مرة ,كما أصبحت لا أطيق رأيه زوجة أخي , حاولت أن أخبر أمي أو أخي ولكن أخشى أن أبوح بهذه المشكلة .

فهل أترك أهلي وأقيم في سكن الطلبة , أم أبقى في البيت ؟!

علماً باني خائف لو ذهبت إلي البيت أن يوسوس لي الشيطان , أو أني سأنفعل وأضربها وأطردها من البيت وبذلك أخسر أخي الذي أحبه وأهلي لأني لم أبح لمخلوق بالسر حتى الآن !

***

أنت شاب في غاية الشهامة والمروءة , فليحفظك الله وليكثر من أمثالك أصحاب الضمير الحي والنفس الصافية .

أخي العزيز ..

حل مشكلتك أن تحاول الابتعاد عن البيت قدر الإمكان , والحمد لله أنك وفقت في الحصول علي سكن بالجامعة , أما في العطلات فيا حبذا لو تسافر بعيداً .

ها الهروب شيء ضروري لأنك لا تنوي أن تبوح لأحد بما يحدث من زوجة أخيك .. أما أنما فمنن رأيي أن هذه المرأة العابثة لا تصلح زوجة لشقيقك الطيب , وأنها لو كررت محاولاتها فيجب أن تخبر أمك لتردعها ولتهددها بفضح أمرها عند زوجها علها تستحي وتتقي الله في نفسها وعرضها !

أما أنت فلا لوم عليك لأنك كنت مثال الأخ الشهم الشريف المعترف بالجميل !

الزهرة الغارقة

أنا فتاة عمري 17 سنة فقدت والدتي منذ 5 سنوات , ولم أرى والدي الذي هاجر إلي بلد مجهولة منذ وفاة والدتي ولا أعرف عنه شيئاً وهل ما زال حياً أم هو ميت .

أنا أعيش الآن مع أختي المتزوجة , وقد لاحظت منذ سنه تقريباً أن زوج أختي يستدرجني للحديث معه , ودائماً يبدي إعجابه بيس ويطيل النظر إلي وجهي |, ودائماً يلبي طلباتي ويزجر أختي إذا عنفتني عي شيء .

وبدأ يعود إلي المنزل في غير مواعيده , ويدخل غرفتي فجأة أو المطبخ وأنا أقوم ببعض الأعمال المنزلية .

وذات مرة وبعد أن خرج الجميع فغي نزهة وبقيت وحدي لأني أردت أن أذاكر فوجئت به يدخل المنزل , وبدأ يقترب مني شيئاً فشيئاً وهو يسمعني كلمات الحب وأنه كان منذ مدة يتمنى أن يختلي بي ليحدثني عن مشاكله وأنه منبهر بجمالي وثقافتي ثم أمسك بيدي وجذبني نحوه ولكني صرخت واستطعت الفرار منه بمعجزة وهربت إلي غرفتي ولم أنم تلك الليلة وصممت أن أحكي لأختي ما حدث , ولكنها صفعتني وهزأتني وطلبت مني الابتعاد عن زوجها المخلص واتهمتني بأني أريد التفريق بينهما .

 ومنذ ذلك الحين لم تعد تكلمني إلا بالإهانة والشتم , وزوجها علي ما هو عليه , بل ازدادت محاولاته للاختلاء بي , وفي إحدى المرات هددته بأن أخبر أختي , لكنه ضحك سخراً وقال “أختك غيبة ولن تصدق كلامك” فهي واثقة من حبي لها .

إنه جبان مخادع يستغل ثقة أختي التي أحبته وأخلصت له , وأنا أصبحت أعيش في خوف وقلق ورعب من أي حركة حولي .

وتقدم لي شخص هذه الأيام لخطبتي لكنه رفض وقال : “لن أسمح لأحد أن يأخذ مني”.

وحاولت إفهام أختي أ:ثر من مرة لكن دون جدوى , أصبحت أكره نفسي وأختي وزوجها وأكره هذا البيت الذي أعيش محبوسة فيه إذ لا تسمح بيئتي بخروج البنات من بيوتهن . وهكذا لا أستطيع الاختلاط بالناس والتعرف عليهم حتى أنسى هذا الوحش لبضعة دقائق !

فماذا أفعل ؟! .. ماذا أفعل ؟!

أرجو أن تنشري رسالتي هذه في صفحاتك فأنا في انتظار ردك يا من فتحت لها قلبي.

***

وأنا أيضاً فتحت لك كل قلبي , وعشت معك لحظات في هذا البيت الكريه فأحسست بالاختناق . كان الله في عونك .

الحل في رأيي أن تلجئي إلي أقرب منزل من جيرانكم وأن تستعيني بهم علي حل مشكلتك بأن ينادوا زوج أختك ويهددوه بإفشاء سره الخبيث إلي المسئولين ليلقى جزاءه العادل الذي يستحقه .

لا داعي لضياع الوقت في الشكوى لأختك , فهي ليست بهذا القدر من الغباء , وأنا في تصوري أنها فاهمة كل شيء ولكنها لا تريد مجابهة صريحة مع زوجها خوفاً من افتقاده .

وأنت – لا تخشي من اللجوء إلي الجيران ولا تنسى أن النبي علية الصلاة والسلام قد أوصى علي سابع جار , وأنا متأكدة بأنهم لن يتخلوا عنك .

ويا ليت أحدهم يحاول الاتصال بالخطيب الذي تقدم لك , وليتخذوا خطوات في طريق تزويجك منه .. وهذا هو الحل الأمثل في نظري .

الشبح

أعمل نهاراً وأدرس ليلاً , وأتقبل برضا ظروف حياتي القاسية . وصلت رغم الصعاب إلي المرحلة الأخيرة وحصلت علي الثانوية العامة من حالتي هذه , فأموت مئات المرات وأعود أحيا من جديد .

ومعنى أنني أغرق أو أموت هو أنني أتأثر بكل إحساسي وشعوري , وتذوب عاطفتي كالثلج في الشمس وأتصور أنني أحب وأحب وأحب .

وإن كانت لا توجد أية فتاة أحبها الحب المطلوب .

وأنا أحب الناس , ولا يعرف قلبي الحقد أو الكراهية .

وإذا حدث وسمعت عن فتاة جميلة طيبة , أظل أحلم بها وأحلم أن تكون لي , وأضيع كل أوقاتي ليلاً ونهاراً في الخيال معها , في العمل في البيت وفي المدرسة , وأبقي أفكر بها وأحلم بأني أعرفها , ولكن إذا عرفنا بعد ذلك عن طريق الصدفة , وأغلبهن يتعرفن علي بسبب ما يسمعنه عن مهارتي في العمل وأخلاقي الطيبة , يبذلن لي حبهن بكل صدق وإخلاص .

ولكن .. لأسف الشديد بعد أن أعرف الفتاة عن قرب لا أفكر بها , ولا أعود أحبها كما كنت قبل معرفتي بها , فأخبرها بأنني لا أحبها الحب المطلوب , وإنما حب أخوي فقط .

وتكون كلماتي معها صادقة بمعنى الكلمة , ليس فيها كذب أو تضليل .

بعد ذلك إذا سمعت كلمات حلوة من البنت التي أعرفها , لا أميل إليها وإنما يشدني الحنين ويذكرني بحب طفولتي الأول والماضي الحزين .

أنا لا أعرف ماذا يدور في قلبي وعقلي .. وهذا ما دفعني إليك .

سيدتي ..

قد تكون لي مشكلة أخرى محفورة في نفسي منذ صغري , فقد فقدت الحب والحنان حين كان عمري ثالث سنوات .

رحلت والدتي عني وإلي الأبد وتركتني مع والدي الذي كان أظلم وأقسى إنسان في الوجود .

فعشت أنا وأختي الكبرى في عذاب مع أبي وزوجته .

ولم أجد مصدراً للحنان والحب سوى قلب أختي التي تكبريني بثلاثة سنوات , كانت تحبني الحب الذي لا يوصف وتعطف وتحنو علي في كل لحظة .

وكنت أبادلها نفس الحب والحنان .

وكبرت وأصبح عمري 16 سنة , وإذا بها هي الأخرى ترحل عني بالا عودة .

كدت أجن بعدها , وكان لموتها تأثير كبير في نفسي وحياتي .

كنت طول يومي وليلي أفكر بها , فلم تغب أبداً عن عيوني , وحتى الآن بعد رحيلها , فإن خيالها لا يفارقني لحظة واحدة ..

وهذا هو السبب كما أعتقد الذي جعلني عاجز عن الحب , لا أستطيع أن أحب ولا أو أن أكره .

وأما عن والدي فقد رحلت عنه إلي مدينة أخرى أعيش بها الآن حيث أبني وأواجه مستقبلي بنفسي .

مشكلتي تحيرني , مما جعلني أتصور نفسي مجنوناً , وأنتظر ذلك يوماً بعد يوم .

فهل يا ترى سأجد الحل لديك ؟! أو علي الأقل تساعدينني علي معرفتها وفهم أسبابها؟!

لك تحياتي

***

المدهش أنك وصلت إلي لب المشكلة فعلاً , ولكنك لم تتبين ذلك بوضوح ..

صح .. مشكلتك كلها تحوم حول شبح أختك الذي لا يفارقك .

إنها لا تزل تعيش معك بحبها الجارف وحنانها الغامر , بحيث أنك عدت لا تصدق أن هناك مصدراً آخر للحب غير هذا المصدر الذي أعتدت أن تنهل منه المحبة منذ الصغر .

وعاشت هذه الأحاسيس في وجدانك , وكبرت معك , وكلها ترتكز وتدور علي فكرة واحدة هي أن كلمات الحب والعطف تساوي أو تعني أختك .. وأختك وحدها .

وماتت أختك .. ولم تقتنع من عظم حبك لها أنها ماتت فعلاً , رفضت أن تصدق ذلك .. فجعلتها حيه ترزق تعيش وتمرح في ذاكرتك , وكما تقول “لم تغب أبداً عن عيوني” وحتى الآن بعد رحيلها , فإن خيالها لا يفارقني لحظة واحدة ” .

ومن هنا .. جاءت تلك الحالة التي تنتابك عندما تذوب وتتلاشى وتموت وتحيا لحظة سماعك كلمة حب .

إنها تنقلك إلي مرحلة الطفولة البائسة التي عشتها بكل أحزانها , كما تجسم لك في الوقت نفسه المصدر الوحيد للحب .. النابع فقط من أختك .

وفجأة تصاب بحالة أشبه بالشلل العاطفي وفي الحال تتجمد غريزتك , وتفقد رغبتك في الفتاة التي كنت تحلم بها عشرات المرات من قبل ..

لان عقلك الباطن يترج لك أن المصدر الوحيد للحب لا يمكن أن ينبع إلا من أختك .

وهكذا ..

تنقلب الفتاة التي كنت تشتهيها إلي أخت لك , فتسمع نفسك تحدثها بمنتهى الأدب معتذراً عن تقبل هذا الحب الأخوي الذي لا يقبله أخ من أخته وتقول لها بكل تهذيب : أنا أحبك حباً أخوياً فقط !!

والدك أيضاً كان له دور بارز في توطيد هذه المشاعر في نفسك , حينما دفعك بقسوته الزائدة هو وزوجته إلي الاحتماء من أخطار الدنيا في أحضان أختك الحنون , حيث كنت تجد الأمان من كل المخاوف التي أرعبتك وأنت طفل صغير يتيم .

وبعد هذه الأضواء الكاشفة علي مشكلتك أتعشم أن يختفي هذا الشبح من حياتك إلي الأبد ..

وأن تقتنع بأن أختك الحنون قد ماتت حقاً , وأن تؤمن بأنه من الممكن أن تنعم بكلمات الحب ومشاعره من قلب آخر غير قلب أختك التي أحببت ,والتي غابت بصدق مشاعرها الأخوية عن هذه الدنيا إلي الأبد .

فتخلص من هذا الشبح .. وعش حياتك في نور المستقبل , وليس في ظلام الماضي .

حدث في أجازة صيف

ترددت كثيراً قبل أن أكتب رسالتي هذه , ولكني عندما قرأت رسالة الأخ “عاشق العذاب الدائم” فرحت وحزنت في وقت واحد . فرحت لأني اكتشفت أخيراً , أو هناك إنساناً علي هذه الأرض يشاركني نفس العذاب ! عذاب الحب من طرف واحد : نعم يا أختي أنا عانيت هذه المشكلة وما زلت أعاني منها بالرغم من مرور حوالي عامين علي بداية قصة حبي .

وحزنت لعي هذا الشاب مما يعانيه لأنني أحسست بصدق مشاعره وشفافيته التي قلما نجدها في شباب هذا اليوم . إنني أرئي لحالة لأنني أعيش نفس حياته وعذابه مع وجود اختلاف بسيط هو أن حبيبي ليس متزوجاً !

–  أريد في البداية أن أروي لك مشكلتي منذ أن تعرفت علي حبيبي . فأنا أحس بأني في حاجة ماسة للنصح في هذه المواقف العاطفية .

أنا فتاة في الثانية والعشرين من عمري . من عائلة معرفة جداً . تشتهر بالمحافظة علي الشرف وأنا لست بالقبيحة ولا بالجميلة إنما بشهادة الجميع “مقبولة” في السنة النهائية في الجامعة .

بدأت المشكلة حيث شاءت الصدفة أن لا نسافر لظروف خاصة . وهنا بدأت مشكلة الفراغ لدى , وأصبح محتماً علي أن ألازم البيت معظم الوقت , مما أتاح لي فرصة استعمال التلفون لمجرد التسلية .

قد تستغربين يا أختي أقول لك أنني اتصلت بإنسان عرفت تليفونه من صديقه لي , وكنت علي بقين أنني لا أفعل شيئاً خطأ قد يمس شرف عائلتي أو يفقدهم ثقتهم بي , كنت أعبرها مجرد تسلية فقط .. في إجازة صيف !

واتصلت بشخص لا أعرف عنه سوى اسمه . كنت أسمع صوته وأقفل السماعة , وحدث شيء لم يخطر ببالي , جذبني صوته إليه , كان مستمراً في التحدث إلي يسألني كيف حصلت علي رقم تليفونه !

لن أطيل عليك الحديث .. انتهت المكالمة الأولي بجملة أذهلتني , إذا قال : “إذا أردت أن تكوني علي علاقة معي فيجب أن أعرف من أنت بالضبط وإلا سأقفل التليفون بوجهك ” .

وأحسست بقوة شخصيته , بأنه لا يذل نفسه كباقي الشباب في سبيل امرأة , أحسست أنه الشخص الذي أبحث عنه , وأقفلت السماعة بوعدي بأن أعرفه من أنا في المكالمة الثانية .

ودخلت مرحلة صراع رهيب , لم أدر ماذا أفعل هل أستمر معه , أم أهمله ؟ هل أقول أنا ومن أي عائلة ؟ وفي هذا فضيحة كبرى لأني من عائلة معروفة ومحافظة ومهما وصلت درجة الحب فمصيره الموت ولا شيء غير ذلك ؟

وبعد تفكير دام أسبوعاً كاملاً .. قررت أن أحداثه لأساله عن غابته من معرفته كل شيء عني , وطلبت رقمه . وفوجئت بما لا يخطر ببالي , كان قد أتي بأسماء بعض العائلات المعروفة في بلدي , وتشاء الصدف أن يكون اسم عائلتي ضمن هذه الأسماء ! وأمام إصراره علي معرفة اسمي واسم عائلتي وإحساسي بأني سوف أفقده إذا لم ألب طلبه .. اعترفت بكل شيء !

وبدأت علاقتنا تأخذ طابع الجدية منذ هذه اللحظة , أصبح كل شيء في حياتي , صرت أنتهز الفرص لأتحدث معه في التليفون , وتطورت العلاقة وأصبحت حباً , بات لا يستغنى عن سماع صوتي لحظة واحدة !

وقابلته عدة مرات , ولم يحدث بيننا شيء غير شريف , كان مثالاً للشباب الخلوق المهذب الذي يخاف علي حبيبته من أقرب الناس إليه , وتعاهدنا علي الاستمرار في علاقتنا إلي حين انتهائنا من دراستنا الجامعية .

ومرت ثلاث شهور علي حبنا الطاهر العفيف , ثم حدثت المفاجأ’ التي حطمت حياتي , فوجئت بحبيبي يخبرني أن أمه قد خطبت له ابنه عمه , وهو لا يعصي أمراً لأمه يحبها حباً عظيماً ولذا سيتزوج من ابنة عمه .

وأخبرني أن لا يستطيع أن يخدعني ويستمر في علاقته بي وهو فغي نفس الوقت مرتبط بابنة عمه !

لك يا أخت الكريمة أن تتصوري تأثير هذا الكلام علي أصبحت كالمجنونة , لم أدر بماذا أجيب , كل ما فعلته أنني شكرته لأنه أخبرني بذلك ثم أقفلت السماعة !

وبدأت حياة العذاب والآلام تعصف بي , كنت أحبه بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني , وتحملت الكثير والكثير كي أبقى علي سرية علاقتنا وكنت مثال الحبيبة الوفية المخلصة .. لكنه حطمني وحطم أمالي في الحياة !

–  وحاولت أن أعيده بكل وسيلة , ولم أنجح .. ووصلت بي المسألة لدرجة أني تجسست عليه لأعرف مدى صدقة فيما قال , لكنه لم يهتم بما فعلت , فازداد عذابي , وتصورت أنه كان يخدعني طوال علاقتي به , إلا أوه لأم ينطق بحرف لإنسان عما كان بيننا!

.. وها أنا .. وبعد مرور عامين علي انقطاع علاقتنا . لا أزال أحبه وأتمنى ذلك اليوم الذي يعود إلي فيه , رغم أنني عرفت أنه علي علاقة مع زميلة له في الجامعة , وأنا كما قلت لك . ليس هناك شيء في الدنيا يغير من حبي له , حتى لو كان من طرف واحد !

هذه هي قصتي حكيتها لك , ليس بحثاً عن حل فهي ليست مشكلة بالمعنى المفهوم , ولكني أردت أن يقرأها كل شاب وفتاة حتى يكونوا علي يقين من أو الحب من طرف واحد وهو علاقة ميئوس منها كل ما أطلبه منك يا أخت كريمة , ومن القراء الأعزاء أن يبدوا في “قصتي” . علهم يجدون لي حلاً يخلصني من عذاب الحب الذي ما زلت أعاني منه .

وسأكون شاكرة للجميع , لأني في حالة نفسية لا يعلم نهايتها إلا الله .

***

مهما وصفت , لا يمكنني أن أصف لك مدى الألم الذي قاسيته وأنا أقرأ رسالتك أحسست بك تماماً .

وعشت معك حكايتك .

والآن .. إذا تركنا مشاعر العذاب التي تعانين منها و وأهوال الحب من طرف واحد , اسمحي لي |أو أقول لك رأيي المجرد البعيد عن هذه الأحاسيس .

أرجوك غيري أسلوك حياتك ,أشغلي وقتك , أدرسي , أقرئي , مارسي الرياضة , استمعي لموسيقى , التقي بصديقاتك وقريباتك , سافري في العطلة مع عائلتك , أكتبي مشاهداتك وانطباعاتك .. تسلي !

باختصار افعلي أي شيء يمكني “أن يقضي أن يقضي علي إحساسك بالفراغ , ذلك الإحساس الذي يأتيك ومعه ذكرى حبك الماضية , وحمداً لله أنه كان حباً نزيهاً شريفاً , ويسعدني أن أهنئك بأخلاقك واهتمامك بالمحافظة علي اسم عائلتك ذلك الاهتمام الذي دفعك لصيانة نفسك والمحافظة علي سمعتك .

وأما هذا الشاب , فلا يسعني إلي أن أحترمه لأنه كان جادً معك , علي الرغم من أني أتصوره من النوع الذي لا يطيق الاستمرار طويلاً مع فتاة جادة مثلك تعرف كيف تصون نفسها , ولهذا تركك بحجة الزواج وذهب إلي أخرى ! عموماً هذا لا يقلل من احترامي له , لأنه كتم علاقتكما سراً دفيناً فلم يشوش علي اسمك ويدمر سمعتك , بحث عن عذر معقول حتى لا يجرح إحساسك كأنثى !

عزيزتي :

كلمة أخيرة .. حاولي النسيان التفتي إلي مستقبلك ..احمد الله أن التجربة مرت علي خير وأنت خرجت منا سالمة بال رواسب أو مشاكل !

انظري إلي المستقبل .. فالحياة ممتدة ولم تتوقف أبداً عند الأمس مهما كان محفوفاً بالذكرى والألم .

دوامة العناد

تعرفت علي فتاة منذ أربع سنوات , وبعد أن فهمت أخلاقها وطباعها , ولمست إخلاصها اتفقنا علي الزواج .

ولهذا بنيت أول لبنة من حبي علي هذا الأساس لأنني لا أريد أن ألعب بمشاعر الناس فأنا إنسان قد ولدت في الصراحة والصدق .

بعد أن فهمت البنت وفهمتني أخلصنا لبعضنا إخلاصاً لا يتصوره مخلوق .

تصوري , حب دام أربع سنوات ما زال يتجدد ..!

تقدمت لخطبتها من والدها , وحين أردت التقدم لها شاءت الظروف أن يكتشف والدها هذه العلاقة فكانت الضربة القاضية لي ولها .

شرحت لأخي الأكبر كل شيء حتى لا أضع محبوبتي في موقف حرج , وحكيت له عن قصة الحب الكبير الذي يربط بيني وبينها .

فذهب أخي وقابل والدها وطلب يدها ولكن والدها رفض بحجة أنها مخطوبة .

كانت صدمتي قاسية , وألمي كبيراً , ولكني تحاملت علي نفسي وصبرت , وانتظرت بعض الوقت , ثم ذهبت أنا بنفسي وقابلت والدها وطلبتها منه , ولكنه رفض بحجة أنها مخطوبة .

وانتظرت وقتاً أطول , ولجأت إلي إنسان له علاقة طيبة مع والدها , ورجوته أن يتوسط لي عنده كي يقبل أن يزوجها لي .

وذهب هذا الرجل وطلب يدها .. ولكن والدها رفض .

أخيراً لجأت إلي أناس من عائلتهم واقرب ما يكونون لهم .. ولكن كان الرفض التام هو الرد الوحيد الذي تلقيته هذه المرة .. ومثل كل مرة !

ماذا ؟!

لأن الوالد لا يؤمن بكلمة “حب” ويعتبره أكبر ذنب يمكن أن يرتكبه إنسان .. ولهذا لا يمكن أن يغفره لي أو لابنته .

والآن .. تزوج أخي الأصغر مني سناً , وأختها التي تصغرها سناً مخطوبة علي وشك الزواج ..

علماً بأنه تقدم لخطبة حبيبتي أكثر من عشر خطاب رفضتهم كلهم  .. وأهلها يعرفون السبب ويفهمون لماذا هي ترفض .. ولكنهم متعصبون .

وأنا .. أعيش في دوامة من العذاب , لا أعرف كيف أصل إلي حل لهذا الموقف الذي أخذ طابع العناد من كل الأطراف .

ومع ذلاك .. لو اجتمعت أمامي وقالت لي اتركها لا يمكن أن أتركها , ولا يمكن أن أنساها أو أنسى حبي لها .

فهي لاقت سبب حبي شتى أنواع الاضطهاد والمضايقة , وسمعت الكثير من الكلام الجارح الأليم .

وبقيت صابرة تنتظر الفرج من الله حتى ذبل جسمها , وضاقت بها الدنيا مثلي .

نحن الاثنان لا نعرف لماذا يمارس هذا الأب أبوته بهذا الأسلوب الخاطئ . ولماذا يعاند ابنته إلي هذا الحد , ويقف حجر عثرة في طريق حياتها وساعاتها .

أنا لا أريد أن أخسرها , وأتمنى أن أفقد حياتي وأموت قبل أن أفقدها , أقسم لك أو لم يكن بيننا أي فوارق تمنع زواجنا إلا هذا التعصب الأعمى والعناد الأخرق , فأنا شاب متعلم مثقف , مستوى عائلتي الاجتماعي والمادي مرتفع , أخلاقي طيبة والحمد لله ..

ومع ذلك أكاد أفقد إيماني بكثير من القيم في هذه الحياة ..

أرجوك حاولي أن تنقذيني من هذه الدوامة التي حرمتني الراحة والنوم , وجعلتني أعيش في حزن دائم وأسى مستمر .

***

كم أستغرب أسلوب هذا العناد الذي يأتي من أب له سنه وفهمه وحكمته .. عجيب !

وإن كنت أشم رائحة الغضب تفوح من رسالتك فهل حدث وخاطبت والد فتاتك بأسلوب جاف أو بطريقة عصبية ؟!

أتعشم أن لا يكون ذلك قد حدث , وأتمنى أن تنزع عن نفسك هذا الغضب وهذا الإحباط . واسمع نداء قلبك .. وابدأ من جديد .

وبعد فترة .. وبفضل تعاونك أنت ومن تحب , وطالما لا توجد عليك أية شائبة تأكد أنك ستهزم  الهزيمة في النهاية .. وستنسى أحاسيس القهر والعذاب والعناد . وستغلب علي كثير من العقبات .. بالهدوء والحكمة .

اهمس في أذنك .. حاول أن تكون لطيفاً معه والد الفتاة , وبال ليتك تدبر لقاء معه خارج تجالسه وتحادثه , وتفكر له في حل يخرجه من زاوية الرفض الضيقة .. ويخلصه من دوامة العناد .

تعرضت للاغتصاب ثالث مرات

 أنا فتاة أبلغ من العمر 19 سنة , أعاني من أصعب مشاكل الحياة بالنسبة للمرأة , تعرضت لحادث اعتداء وأنا حديثة السن من شاب لا أعرفه فقد كنت ألعب مع الأطفال في الحي عندما انتشلني من بينهم وفعل بي ما فعل , لم أفهم ما حدث ورغم ذلك تسترت علي نفسي وسكت .

وفي المدرسة , عندما أصبح عمري 14 سنة عرفت الحقيقة , فتكلمني الرعب , وذهبت للطبيب الذي فحصني وقال لي . إن غشاء البكارة عاد إلي حالته الطبيعية .. إنني عذراء َ

وفي الثامنة عشر تعرفت لعي شاب وأحببته حباً شريفاً , حتى جاء ذلك اليوم الذي فقد فيه السيطرة علي نفسه , وحاول أن يغتصبني , خفت , ودار بيني وبينه صراع عنيف حتى سال دم وجهة إثر جروح أحدثتها له بأظافري , فصفعني صفعة قوية عي وجهي , وبعد دقائق عاد إلي طبيعته واعتذر لي , وعاهدني أن لا يتكرر ذلك .

ولكني لم أقو علي لقائه مرة أخرى , أصبحت أخشاه , أنفجر في البكاء إذا رأيته , أصبحت أحلم بأحلام مخيفة وكوابيس مفزعة وأصرخ وأبكي بالليل , إلي أن طلبت منه الفراق رغم حبي له .

وسافر للنسيان وعاد في الإجازة , فرحت به وفرح بي كثيراً , ولكنه كان قد تزوج بأخرى , اقترح علي أن يطلقها ويتزوجني رفضت حتى لا أهدم بيتاً بريئاً .

ومرت الأيام وبلغت التاسعة عشرة , وتمت خطبتي لشاب وسط جو جميل , فأحسست أنني عدت للحياة مرة أخرى ونسيت الماضي وبدأت حياة جديدة جميلة .

ولكن .. بعد فترة عرفت أن خطبتي له علاقات غرامية كثيرة , وعندما فاتحته في الموضوع اعترف بكل فخر واعتزاز وقال أنه لن يتغير وسيبقى كما هو , فقررت الانفصال وطلبت منه أن يرجع لي بعض حاجاتي التي كانت بحوزته , فطلب مني أن أذهب لأخذهم , فذهبت وحدي , ولا أحد بالبيت , ودفعني إلي غرفته وأغلق الباب بالمفتاح وألقاه بعيداً علي الأرض , ثم صفعني مرة ومرة ورماني لعي السرير ومزق ثيابي ولأول مرة في حياتي أقف أمام رجل عارية , لا يحجبني عنه غير دموعي , أترميت علي قدميه أقبلهما ولكن دون جدوى , ألقاني علي السرير ورمى بنفسه فوقي . وتملكني اليأس وأخذت أبكي وأصرخ ,وعجزت عن المقاومة فالضرب أفقدني قواي . ولم أشعر إلا وأحشائي تتمزق , وبعد شهرين كبرت مشكلتي وعرفت أنني حامل , فشكوت لأبن خالته , فعرض علي عملية إجهاض .

وافقت بعد مدة , عند الطبيب , رأيت كيف مات ولدي ومات أملي , ولا أدري هل سيسامحني ربي أم لا , فأنا لم أقتله , أبوه هو الذي قتلني وقتله في آن واحد بعدما تخلى عنا , والآن .. بعدما سمعتم حكايتي .. من الظالم ومن المظلوم ؟! إن قلبي ينزف دماً ودموعي جفت . إني أفكر في السفر وإجراء عملية تعيد لي ما فقدت .. ولكن أهذا ما يريده الشاب ..؟

ولكني لا أريد أن أخذ أي إنسان , أريد أن أكون صادقة مع الناس , وإن كنت أعرف أن هذا الصدق سيفقدني احترامهم لي .

إني بحاجة إلي الحب والحنان . بحاجة لصدر حنون لأبكي عليه بكاء مراً , فربما استطعت أن أمسح بالدموع ما مر في حياتي .

كيف أكمل مشوار حياتي ؟!

***

طبعاً بنفس الأسلوب , بنفس الصدق والنزاهة أكملي مشوار حياتك ! فأنت رغم ما عانيت من أهوال منذ كنت طفلة بريئة إلي صبية يافعة .. ولا زالت بكل هذا النقاء وهذا الصفاء , فهذا في الواقع شيء نادر .

فاسمحي أن أهنئك علي نفسيتك الرائعة التي لم تصبغها المصائب باللون الأسود المعتم

أستمري في حياتك كما أنت يا عزيزتي .. شريفة رغم أنك لست عذراء , عظيمة رغم أنك انكسرت بالاغتصاب , بريئة من كل ما حدث ودار حولك .

وأرجو أن تعلمك التجربة المريرة التي عشتها أن تكون ثقتك بالناس (في حدود) . فال داعي للتواجد مع أي شاب في أي بيت حتى لو كان عامراً بالناس حتى لا يصيبك لا قدر الله شيء مما قد يؤلم مشاعرك ويذكرك بالماضي الأليم .

أكملي دراستك . أنظري إلي الأمام . وسوف تقابلين حتماً ذلك الإنسان العطوف الرحيم الذي سيمحو من حياتك كل ما فيها من آلام !

إغراء

أبعث هذه الرسالة أو المشكلة التي تحيرني في صحوى ومنامي منذ كنت صغيرة في عمر الزهور وحتى الآن بعد أن أصبحت فتاة ناضجة محتاجة دائماً إلي العطف والحنان .

بالذات عطف الأمومة التي حرمت منه وأنا في أشد الحاجة إلية .

أعيش الآن مع أبي وامرأته التي تزوجها ولها ابنتان وولد بعد وفاة أمي مباشرة .

من البداية وأنا أحاول أن أكون مثل ابنتها ولكنها كانت تصدني في كل لحظة , لم تفتح لي قلبها يوماً ..

فسرت في طريق حياتي وحيدة بعيدة عنها لا أتدخل مطلقاً في شأن من شؤونها .

والمشكلة التي تحيرني وتعذبني ليست بسبب امرأة أبي , وإنما تبدأ عندما كنت في سن الثامنة تقريباً .

كنت في سن الثامنة تقريباً , كنت صغيرة لا أعرف عن أمور الدنيا شيئاً , فناداني شاب زائر للجيران عندما كنت ذاهبة إليهم , لم أكن أعرف أنه سيعمل بي شيئاً .

فذهبت إليه , فأدخلني غرفة وقال إن صرخت سأضربك وشدني إليه , خفت وحاولت أو أهرب ولكنه كان أقوى مني .

فاغتصبني وبدأ يمارس معي الجنس , وكنت لا أفهم معني ما يفعل في ذلك الوقت البعيد , فكنت أتعجب من أفعاله الشريرة , وأشرع بذعر شديد وأنا أراه يلصقني بالحائط ويحتك بجسمي بعنف كدت أختنق , كان يقبلني ويحاول أن ينزع ملابسي ولكن كنت ألأبعده بكل قوتي الضعيفة المحدودة , فأخذ يشدني إليه بقوة حتى كدت أموت .

وفعل بي هكذا ثالث مرات .

اعلم أنك ستقولين لماذا ذهبت إليه بعد المرة الأولى ؟!

ولكني أنا لم أذهب إلي بيت الجيران بنفسي , وإنما كان هذا الشاب ينتظرني إلي أن أعود من المدرسة فيمسكني بقسوة ويكتم فمي ويقودني إلي نفس الغرفة ويغتصبني ولا أحد يراني .

والآن بعد ما عرفت وفهمت معنى هذا الشيء , وبعد ما كبرت صرت أخاف الفشل عند الزواج , فلم يعد يهنأ لي نوم , أبات سهرانة طول الليل أفكر في الحل الذي يخرجني من هذه الورطة ويخلصني من هذا العذاب .

والآن .. حياتي كلها عذاب في عذاب .

وأنا قرأت في كتاب : إن فتح غشاء البكارة يحتاج إلي النوم في السرير والاسترخاء , وعند فتح الغشاء تتألم المرأة .

وأنا لم أحس بهذا الوجع ولا استرخيت علي الأرض أو السرير ولكن كان ذلك بالالتصاق بالجدار .

أرجو أن تجدي الحي الذي يريحني خاصة وأنني أموت رعباً كلما لمحت وجه امرأة أبي القاسية , ,أخشى أن تكتشف ما حدث لي وتخبر أبي .

فهل يفتح غشاء البكارة بحك الجسم من الخارج وبدون خلع الملابس ؟

أرجو منك ألا تهملي رسالتي وتكون صدراً حنوناً يشاركني عذابي هذا .

***

هذه مخاوف وهمية تنتابك لا أساس لها من الصحة , فالحمد لله أن هذا الوحش البشري لم يعتد العبث بك من الخارج وإلا لكنت انتهيت تماماً .

فغشاء بكارتك سليم لم يمس , لأنك كنت ترتدين ملابسك ولم يستطيع نزعها عنك , فاطمئني ولا تنزعجي وأعلمي أنك عذراء 100%

فابحثي عن الراحة والاطمئنان , ولا داعي أن تعيشي في القلق والشك أكثر مما مضى .

وأرجو أن لا يكون ما حدث قد سبب لك معاناة نفسية تؤثر علي سلوكك في المستقبل . فالزواج لا يتم أبداً بطريق الاغتصاب , إنما الاختلاف كبير وجوهري بين الاثنين .

بقيت زوجة أبيك .. فمن خلال رسالتك شعرت بأن هذه المرأة ليست شريرة أو قاسية وإلا كنت ذكرت بعضاً من أفعالها معك ..

ولهذا .. بعد راحة البال التي ستنعمين بها , وبعد اطمئنانك علي نفسك أنادك وأدعوك لأن تتمسكي بموقفك السابق. بأن تتقربي من زوجة أبيك وتعامليها كما لو كمن ابنتها فهي علي ما يبدو امرأة طيبة ومسالمة .

الخادمة

أنا طالب في المرحلة الثانوية , توجد في منزلنا خادمة جميلة يتراوح عمرها من 19-20 سنة .

هي شابة وجذابة إلي درجة أنها تغري الناظرين إليها بابتسامتها الساحرة وقوامها المتناسق المثير .

ولكن أنا بالذات كنت دائماً الابتعاد عنها حتى لا تغريني ولا تثيرني بمفاتنها ومحاسنها .

وفي يوم كنت راجعاً من النادي وأنا تعبان وعند عودتي لم أجد أحداً في البيت سوى هذه الخادمة ..

وعندما رأتني بدأت تطاردني بالكلام المعسول العاطفي وتحرك جسدها يميناً وشمالاً وتحاول الاقتراب مني ..

 كنت مرهقاً ولا أريد من يمازحني في هذه الفترة , فأخرجت ثيابي ودخلت الحمام لأخذ حماماً ساخناً يزيل التعب والتوتر عن جسمي , بالصدفة لم أجد مفتاح الباب في الباب , فبحثت عنه لأغلق الحمام من الداخل فلم أجده , فدخلت لأستحم وبعد دقائق وجدت الخادمة تقف أمامي وتنظر إلي بشهوة ورغبة وتظهر لي مفاتن جسدها المثير .

وكانت تحدثني بكلام كثير تخبرني فيه عن حبها وشوقها لي ..  لم أستطع تمالك نفسي ولم أشعر وأنا أبادلها الحب وأنفذ رغبتها .

المشكلة أنني منذ اللحظة لا أستطيع الإفلات منها , فهي تداعبني وتريدني أن أبقي أمارس الحب معها , وأنا لا أردها من جمال وجهها وجسدها الأحمر البديع .

وأنا الآن خائف , لأنها بدأت تصاب بأمراض كثيرة وعندما سألت أحد أصدقائي المتزوجين قال لي أن هذا يحدث من فعل المنكر وارتكاب الزنا ..

وعندما قال ذلك أربكني جداً وأحسست بحرج شديد إذ خشيت أن يشك في أن لي علاقة مشينة معها , خاصة وأنه رآها ذات مرة في منزلنا وعرف إلي أي مدى هي جميلة وفاتنة .

وأنا الآن حائر وأرجوك ساعديني .. هل أتسبب في خطأ لنطردها من البيت وينتهي الأمر ؟ علماً بأنها قالت سوف يكون الأمر سراً بيننا ؟!

وأخشى إن طردناها أن تبوح بذلك السر لمن ستعمل عندهم وتورطني معها خاصة وأنها جذابة وجميلة ..

فأرشديني .. ماذا أفعل ؟!

***

هذه الخادمة لو بقيت في منزلكم , ستبقى علاقتها بك ,ولن يفكك أحد من هذا الرباط السري الذي يشدك إليها ..

فأنت رغم إصرارك السابق علي مقاومتها وعدم التأثير بإغراء فتنتها , إلا أنها تربصت بك ولم تتركك إلا وأنت فريسة ممصوصة العافية والقوة ..

فمفتاح الحمام الذي بحثت عنه ولم تجده كان معها , وهي حتماً أخفته عنك لتنفيذ خطتها وكما رسمتها بالضبط . .

إذن .. بقاؤها في منزلكم كبقاء النار بجوار البنزين .. الذي لا بد وأن يشتعل .

وإذا كنت أنت متردداً في الإبقاء عليها , أو طردها خوفاً من الفضيحة .. فمن الأسلم لك ألف مرة أن تتخلص منها فوراً وقبل أن تصبح فضيحتك أكبر وأخطر ..

عموماً ..

تستطيع أن تهمس في أذن والدتك بأنك لا ترغب في وجود هذه الخادمة في البيت ,لأنها تضايقك بطريقة ما , وهي حتماً ستفهم وستتخلص منها علي الفور .

وبذلك تنقذ نفسك وتنجد روحك من السقوط في هاوية التعود عليها , حيث تستنزف عافيتك وطاقتك , فال تبقي لك صحة ولا يدوم لك جهد تذهب به إلي المدرسة , فما بالك بالنادي خاصة وأنك شاب رياضي طموح ؟!

إدمان

أنا شاب أبلغ من العمر 28 عاماً أعمل بإحدى الوزارات منذ كنت شاباً وكان عمري آنذاك 18 عاماً كنت أميل إلي عقد الصداقات مع الفتيات ولا أمدح نفسي فأنا شاب جمالي لا بأس به ومركزي الحالي محترم وسيارتي الفخمة تثير نظرات الإعجاب من حولي ولفت أنظار الفتيات والذي أود قوله هنا بأنني كنت أعبث مع أية فتاة أتعرف عليها وبعد مدة أنتقل وقد تعرفت قبل ستة شهور علي فتاة جميلة هادئة ومتزنة وحاولت معها بشتى الطرق لكي أحصل علي غايتي منها ولكنني لم أفلح معها وقد كانت كل مرة تصدني , ولكنني في آخر الأمر ذهبت إلي أهلها وخطبتها .

وتزوجتها علي سنة الله ورسوله وأخذتها إلي بيت الزوجية وتم كل شيء علي ما يرام وكانت زوجة طيبة وخدومة ومحترمة يحبها أهلي وكل الجيران وهي ذات سمعة طيبة , ولكن المشكلة هي أنني كنت ذات ليلة أتمشى في حديقة المنزل وكان أهل زوجتي كلهم في زيارتنا وكان الوقت ليلاً والجميع يتابعون مسلسلاً تلفزيونياً وكانوا منشغلين معه وفجأة ظهرت لي أخت زوجتي وقالت لي بأنها تجبني وتريد زوجاً لها وقد نصحتها وقلت بأن تفكيرها حرام في حرام وأنني زوج أختها ولا يحق لي الزواج حتى ولو كان الجميع موافقين , ولكنها أصرت بإلحاح علي أن أمارس الجنس معها ونهرتها عدة مرات ولكنها قالت بأنها ستفضحني أمام أهلي إن رفضت طلبها ولكنني مع إغرائها وإغراء جمالها انتهزت تلك اللحظة الرهيبة والتي طغى فيها علي عيوني شبح الجنس والجريمة فأقدمت علي معاشرتها وبسرعة خاطفة “وقد أزلت بكارتها” وقد ضحكت وبكت في اللحظة التي انتهينا فيها وقالت لي “خلاص الآن يجب أو نستمر علي هذا الحال أو أنني سأفضحك أمام أهلي وأقول لهم بأنك فعلت بي هكذا قبل الزواج بأختي , وأنا الآن أعيش في دوامة من الأفكار ولم أنم في تلك الليلة ولا أعرف كيف سأتصرف من خالا هذه الورطة الرهيبة .. هل أذهب إلي بلدة بعيدة عن زوجتي أم انتحر مع أنه فعل الجبان وهو حرام ومبغوض من الله فماذا أفعل ؟

***

لا أظن أن ما يعذبك هو ما حدث بينك وبين شقيقة زوجتك , فأنت في الحقيقة مدمن “صدقات مع الفتيات” .. وإنما يعذبك (نتيجة) ما حدث ليس بسبب عذاب القلب أو تأديب الضمير فهذه كلها أشياء أنت لا تعترف ولا تحس بها لأنك تقول (كنت أعبث مع أي فتاة أتعرف عليها وبعد مدة أذهب إلى واحدة أخرى وأعمل معها نفس العمل السابق وأتركها ) .. وهكذا .. !!

أصبحت المسألة بالنسبة لك مسألة تعود وإدمان , أي أنك تزداد ضعفاً أمام “الفتيات” وتزداد استسلاما لنزواتك , يساعدك في ذلك جمالك ومركزك وسيارتك , لكن للأسف جاء هذا الإصرار الغريب على الإثم والخطيئة حتى مع شقيقة زوجتك المؤدبة المحبوبة ذات السمعة الطيبة و التي لت تحتمل “حرمان” نفسك من جمال أختها ” فعابثتها ” إلى أن نلتها كاملة .

أرجوك .. لا تحاول أن تقنعني أنك كنت ” ضحية ” أو أنها ” اغتصبتك” وإلا ما الداعي إلى ترك السهرة والمسلسل ألتلفيزيوني بينما كان الجميع “منشغلين معه” والتسلل إلى الحديقة في ظلام الليل ؟!

لا ياعزيزي ..

المشكلة لم تكن أبداً مفاجأة لك وإنما أتصور أنه كان بينك وبين الشقيقة المصون موعد في تلك الليلة وانك “تورطت ” فعلاً عندما ” انتهزت تلك اللحظة” زيادة عن اللزوم .. فحل المقسوم !!

عموماً ..

الحل الآن بيد زوجتك فهي سيدة الموقف وهي التي ستحسم المشكلة وتقرر لكونها ولأختها ماذا يمكن أن يحدث , وليس أمامك يا عزيزي سوى مصارحتها بالحقيقة كاملة وإطلاعها علي ما كان , علماً بأنه يتحتم علي أن تترك لها حرية اختيار القرار .

فأما أن تتغاضى عما فعلت وتستمر معك .. وإما تصر علي الطلاق وتبتعد عنك وهذا من حقها .. وتكون أن الخاسر الوحيد بعد فقدان مثل هذه الزوجة النادرة التي أدعو لها الله أن يصبرها علي فجيعتها بك .

ولك أن تدعو ..

أن يهديك الله إلي الطريق الصحيح الذي يحولك من إنسان ضعيف إلي إنسان قوي الإرادة , إنسان يسمو فوق أهوائه ولا يقف عاجزاً أمامها .

إنسان سيد نفسه .. وليس عبداً لغرائزه !!

الحجاب

 

العزيزة كريمة شاهين :

أرجو أن يكون تفكيرك قادراً علي حل مشكلتي وأكون لك شاكراً , ولإن عجزت عن حلها , لابد من عرضها علي القراء ليجدوا لي الحل الشافي !

عزيزتي ..

تزوجت منذ سنتين , بعد حب لا يمكن وصفه , تزوجت علي أمل أن يظل الحب كما هو . ولكن تبين أنني تزوجت حيات العذاب أن الفتاة التي لا يبخل عليها أهلها بشيء والجميع يلبون كل طلباتها تتحول حياتها إلي كوابيس مفزعة .

لقد تزوجت بعد أن عرفت زوجي أنني لست عذراء وبعد أن ساعدني في نسيان تلك الأيام المؤلمة عندما كنت طفلة لا أتجاوز السابعة حين اعتدى غلي سائقنا الذي احسن إليه والدي ولم يشعره أنه غريب عنا . وتمر الأيام ويطرده والدي بعد أن رآه يعمل حركات غريبة , ولم أخبر والدي بالحقيقة , كنت خائفة أن يقتلني !

والتقيت بحبيبي , وأخبرته بالحكاية , وستر علي , لأنه يحبني وتزوجني , وعشنا أيام السعادة كأبطال الأساطير والروايات !

ثم بدأت طباع زوجي تتغير تجاهي , وأنا فعلاً كنت مخطئة لأنني كنت زوجة مهملة لا أعتني بملابسه , ولا أهتم بزينتي إلا عندما أخرج !

والآن .. أصبح يصرخ لأتفه الأسباب ويتغيب عن المنزل كثيراً , ويتهمني بأني لا أفهمه , إنني سيدتي امرأة في حاجة إلي الجنس , فاندفعت لممارسة العادة السرية , ومشاهدة المجلات الجنسية لأشبع غريزتي !

حاولت أن أنقظ شهوته الجنسية , فعملت كل ما رأيته وقرأته في المجلات لأرضيه .. ولكنه كما هو لم يتغير أبداً !

وداخلني الشك في أنه يعاشر امرأة أخرى , وأخذت أفتش في ثيابه علني أعثر علي دليل ولكني عدت واستغفرت الله وطلبت التوبة ..

سيدتي ..

الله يشهد علي إذا كنت أعرف السبب الذي غير زوجي , إنني أعمل المستحيل لإرضائه . ولقد لبست الحجاب منذ ثلاثة أسابيع من غير أن أعطيه فكرة أو أن أجعله يقتنع بلبسي , فزادت طباعه غرابه . إنه يرفض الخروج معي حتى إلي بيت أهلي وقد أخبر والدته أنه مستعد أن يغير طباعة إن أنا نزعت عني الحجاب !

فماذا أفعل ؟!

إنه يطلب مني أنم أرمي الحجاب عن رأسي , وبعد ذلك علي أن ترك له فرصة ليفكر ويقتنع بلبسي !

وأهلي .. حلفوا بالله أن لا يكلموني إن أنا نزعت الحجاب عني .. وزوجي يقول إنه سيكون من أ,ل المطالبين بتحجبي إن أنا نزعته ! ..

فمن أطيع ؟! أهلي .. أم زوجي ؟! علماً بأن مزاولتي للعادة السرية ومطالعة المجلات الجنسية كانت قبل تحجبي , وأنا حائرة أنقذيني بربك ..

ورجاء كل الرجاء أن لا تهمليها لأن مصيري معلق بردك علي مشكلتي .. وبأسرع وقت ممكن !

مع تحياتي ..

***

عزيزتي ..

زوجك الحالي , وحبيبك السابق .. الذي قبل الزواج منك وأنت لست بعذراء , كان يتوقع أن تردي له الجميل بالعناية والرعاية اللازمين له كزوج , ولكنه صدم بلامبالاتك لاحتياجاته وبإهمالك لنفسك .. فطفش من البيت .. ومنك ربما محاولاً أن ينسى ماضيك الرهيب الذي يدمي أعماقه , فالرجل مهما كانت عقليته يفضل زوجته عذراء !

أنا لا أقصد تعذيبك .. فهذه كانت مسؤولية أهلك في المحافظة عليك ولكن أود تنبيهك إلي الدور الكبير الذي يجب أن تقومي به لاسترداد زوجك الضائع . يجب أن تشكري له معروف معك . وأن تبذلي له الكثير من نفسك . بشرط أن تبذلين تصرفاتك وحركاتك .

وثقي أنا ممارستك العادة السرية , وإطلاعك السابق علي المجلات الجنسية التي لا أستبعد أن يكون قد رأى أحداها .. كان عاملاً عظيماً في نفوره منك . أيضاً تلك المناظر الرخيصة التي ترينها في هذه المجلات والتي تحاولين تقليدها معه .. طبعاً تفزعه وتخيفه منك .. وسيتصورك كإحدى هؤلاء النساء !

لا تفعلي المستحيل لإرضائه كما قلت . بل كوني متزنة في تصرفاتك , عاقلة محترمة , مطيعة , حكيمة في أقوالك , أشعريه بأنه رجلك وسيد بيتك !

وفي نفس الوقت تمسكي بحجابك واذكري .. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

اللحظة الأخيرة

أنا شاب أبلغ من العمر 21 سنة , أكملت دراسة المرحلة الثانوية وأعمل حالياً في إحدى الدول المجاورة بوظيفة في إحدى المؤسسات وكنت أدرس في اليمن الحبيب , حيث أحببت فتاة عمرها 19 سنة ز دام حبنا سنتين وهي ال زالت في المرحلة الثانوية .

كنا نخرج أحياناً نتبادل الآراء عن الدراسة والمستقبل . وتعاهدنا علي الحب الطاهر حتى الزواج.

وبعد ذلك هاجرت من وطني وسافرت لأكمل دراستي ولالتحق بإحدى الوظائف . وكنا نتبادل الرسائل في تلك الأيام إلي أن انقطعت فترة طويلة .

ثم تلقيت منها رسالة حزينة لم أصدق نفسي حين قرأتها . وقالت في رسالتها باختصار أنها تحبني حتى الموت . وأن أهلها أجبروها علي الزواج من شخص لا تحبه . وأنا بعدي عنها في تلك الظروف جعلها عاجزة علي الزواج من شخص لا تحبه . وأنها تنتظر مني رداً أسامحها فيه وحتى لا تبقي معذبة طول العمر إذا لم أغفر لها ما حدث . لأنها لم تقدر علي مقاومة أسرتها لوحدها .

وأنا أحبها ولا أقدر أنساها , وكنت أتمناها أن تكون شريكة حياتي فهي ذات أخلاق وأدب .

أرجو أن تخبريني بحل مناسب يخلصني من هذا العذاب و علماً بأنها تذرعت بحجة إكمال دراستها لمدة سنتين , وسوف تعلن الخطبة بعد أيام !

***

رسالة الفتاة إليك … ووصفك لها يدل علي أنها فتاة ذات أدب وأخلاق , وأنها تخجل أن تطلب منك صراحة أن تتقدم لها .

فلماذا لا تحاول الآن فوراً ؟! لماذا لا تأخذ من عملك وتعود إلي الوطن وتتقدم إلي أهل البنت طالما الخطبة لم تعلن بعد ؟!

هو احتمال علي أي حال , وأتصور أن الأهل إذا رأوا رضاء البنت وموافقتها ولم يجدوا بك عيباً ما لا سمح الله , ربما يوافقون علي إتمام هذا الزواج الذي جاء في اللحظة الأخيرة .

أما إذا كان الموضوع منتهياً وأعطوا كلمة قاطعة للعريس الجديد . أو إذا تأخرت وأعلنت الخطبة أتصور أن تصرفك هذا سيرضيك طول حياتك وسيريح ضميرك . لأنك ستكون علي الأثل حاولت اتخاذ تصرف إيجابي من جانبك ولم تخذل فتاتك المحبة .

وفي هذه الحالة ,أعتقد أنك ستكون مرتاح النفس .. وما عليك إلا أن تتمنى لها حياة زوجية سعيدة ..

ودعني أهمس في أذنك بأن هذه هي سنة الحياة .. فليس ما يتمنى المرء يدركه

صورتي معه

أنا فتاة في الثامنة عشر من عمري تعرفت لعيه من خلال التليفون ولم أدر في ذلك اليوم الذي تعرفت عليه بالصدفة أن الحكاية ستصل إلي هذا الحد , , المهم كنت في البداية أعتبرها تسلية مع العلم بأني لم أخبره عن حبي ولا عن رقم التليفون ومضت أيام ولا أدري كيف عرفت رقم التليفون واسم العائلة ولقد فاجأني جداً عندما اتصل هو لأول مرة ولا أعرف كيف أتصرف ولكن حلف لي أن لن يخبر أحداً ولن يؤذيني بشيء .

المهم مضت علي فترة المكالمات هذه حوالي السنة والنصف واحلف لك بالله أن كل الكلام الذي دار بيننا لم يكن سوى كلام شريف كما يدور بين الأخ وأخته , حتى أن كلمة حبيبي لم تخرج من أحدنا ولم أكن أحب سماعها منه أبداً كما أني أخبرك بأني لم أتقابل معه إطلاقاً ولم أكلمه من غير التلفون أبداً . والمشكلة هنا وهي أني أعطيته صورة من صوري لا أدري كيف أقنعني أن أعطيه إياها ولقد ندمت جداً جداً علي إعظائي الصورة له ولمت نفسي كثيراً علي هذا التسرع وأنا منذ تلك المدة وأنا متضايقة .. وفي خوف .. وقلق .

لأنني أعرف أن شباب هذه الأيام يجدون المتعة في الإساءة إلي سمعة الفتاة والتجارة المربحة في صورها ورسائلها .

فأنا لذلك أناشدك بالله أن تساعديني وتخرجني من هذا المأزق برأي تشرين به علي مع العلم بأني من عائلة حسنة السير والسلوك جداً ومحافظة لأبعد الحدود ولا أدري كيف عملت أنا هذه الغلطة التي أبكى من أجلها كل جوارحي ليل نهار وجعلتني في قلق وخوف دائمين ولا أريد أن أكون أنا السبب في الإساءة إلي سمعة عائلتي وأخيراً تحياتي لك وأمنياتي من الله لك بالتوفيق .

وألف شكر والسلام

المعترفة بذنبها

الأخت المعترفة بذنبها :

وصلتني رسائل عديدة من قبل تتشابه مع مشكلتك في موضوع واحد من حيث تسليم الفتاة صورتها وسمعتها ومكانة عائلتها لشاب أحمق متهور يعرر بها ببريق الحب الزائف ..

والعجيب أن أغلب هذه المشاكل تبدأ بمكالمة هاتيفية ربما عن طريق الخطأ والتسلية , وتحت تأثير الشعور بالملل والرتابة , مما يدفع الفتيات للإطالة والاستزادة في مثل هذه المكالمات .. التي تبدأ بالكلام المعسول وتنتهي بالألم والدموع !

أما مشكلتك أنت يا عزيزتي فبسيطة والحمد لله لأنك قلت (لم أتقابل مع إطلاقاً) وهذا شيء عظيم , ودليل قاطع علي أنك فتاة محافظة بالقول والفعل , لأنك قلت أن أحاديثكما كانت شريفة كأحاديث الأخ وأخته .

الحل الوحيد .. هو أن تحاولي استرجاع الصورة بأي حجة , شرط أن لا تقابليه أنت .. وإ، كنت في الحقيقة أتساءل عن الكيفية التي وصلت بها إليه .. وهل كان ذلك بطريق البريد أم مع إحدى الصديقات ؟! .. لست أدري .

المهم أن تستعيديها وإذا رفض لا داعي للقلق والخوف , وأنسي أمر هذه الصورة تماماً ولا تحاولي أن تظهري قلقك أو مخاوفك بسببها حتى لا يتمادى في تهديدك بها يف المستقبل .

وإن شاء الله يطلع “شاب شهم” ولا يفكر في استغلالها بطريقة تسيء إليك .. ويا ليته يفكر هو وأمثاله في أن له أخوت وبنات من عائلة في مثل سنك وقد يقعن في نفس الغلطة ..

وكم أتمنى من كل فتى شاب أن يحكم ضميره وقلبه قبل أن يبدأ في الإساءة للآخرين .. وإذا كانت الظروف تجعله يشعر بالقوة .. فليعلم أن الله أقوى من الجميع !

هل أتزوج حبيبتي ؟

أنا شاب لبناني أبلغ من العمر 21 سنة أحببت فتاة مع بدء الحرب الأهلية في لبنان , كنت طالباً وتوقفت عن الدراسة بحكم الأحداث .. وبما أن ظروف الحرب لا تسمح لي بالخروج فأصبحت ألازم البيت , وتسنى لي أن أشاهدها بكل لحظة , وهكذا توطدت علاقتنا وأصبحت هي الحب الكبير في حياتي . وظل حبنا يكبر ويكبر حتى مضت سنتان علي هذا الحب وعلمنا خلال تلك المدة بأن أهلي يرفضون هذا الحب . هي تعلم بأنهم لا يريدونها ورغم ذلك ظلت متمسكة بي لعله يأتي اليوم الذي يغير موقفهم منها .. حاولوا كثيراً أن يبعدوني عنها ولكنهم فشلوا .. وقررت أن أشق الطريق للمستقبل وأخبرت أهلي باعتزامي علي السفر فرحبوا بالفكرة اعتقاداً منهم أن السفر سينسيني حبيبتي .. أما بالنسبة لها فايضاً رحبت بالفكرة مجبرة لأنه الحل الوحيد للوصول إلي أملنا .. وطلبت مني أن أقابل والدها وأفاتحه بالأمر وتم ذلك ورحب بي ووعدني خيراً بعد عودتي إذا وافق أهلي .. سافرت ومرت ثمانية أشهر ونزلت إلي بيروت لأخطب حبيبتي لأفاجأ برفض أهلي وإصرارهم . حاولت كثيراً إقناعهم ولكن دون جدوى وعندما طالبتهم بالأسباب كان ردهم أنها ليست جميلة وليست متعلمة ولكن يكفي أنها تفهمني , ما نفع الجمال إن لم يكن هناك تفاهم بين الاثنين وسافرت ثانية وأنا يائس , كرهت العمل .. أما هي فظل الأمل يعيش في داخلها وبدأت تشجعني علي العمل وأن أترك اليأس وكانت رسائلها كافية لتعيد لي الأمر والآن وبعد مضى خمسة أشهر علي عودتي من لبنان فما زالت أستلم من أهلي رسائل يتضمنها الرفض الشديد , وبما أننا نسكن جنباً إلي جنب كان والدي يعلم بمراسلتي لها فهددني عدة مرات بالتخلي عني إذا بقيت أرسلها . وحاولت إقناعهم بالتفاهم ولكن دون فائدة .

هذه هي مشكلة العديد من الشبان الذي يكون أهلهم العائق أمامهم لوصول كل منهم غلي غايته وليس رفضهم سوى أنهم لا يريدون لي الفتاة التي يختارونها هم .

أملي فيك كبير وأرجو أن تنشري لي الحل مع العلم بأني سأنزل لبنان في القريب ونهائياً .

وشكراً أنتظر الرد السريع .

***

أخي :

سؤال واحد فقط سأطرحه أنا عليك الآن ..

وهو .. من منكم سيتزوج .. أنت أم أهلك ؟!

فإذا كنت أنت الذي ستتزوج وستعاشر من تقترن بها ليل ونهار . فهل سينفعك أهلك بشيء لو طلعت زوجتك شرسة أو سيئة الطباع ؟! .. ثم علي أي أساس هم سيختارون لك ؟ هل بمقياس الجمال وحده ؟!

أنا قلت في رسالتك وبالحروف الواحد “ما نفع الجمال إن لم يكن هناك تفاهم بين الاثنين” وهذا صحيح .

لا أريد أن أقول لك بأن تتحدى أهلك , ولكن أريد أن أقول .. حاول أن تقنعهم بمن اختارها قلبك , والتي يبدو لي أنها تحبك وتقدرك , فإذا لم يقتنعوا تصرف أنت بمفردك تصرف الرجال وتزوجها ولا تخذلها بما أنك مقتنع تماماً بها .. والجمال وحده عمره ما كان مقياساً لزواج ناجح , فهنالك الكثيرون الذين تزوجوا من ملكات جمال , وسرعن ما فشلت زيجاتهم .. بسبب هذا الجمال .

اتكل علي الله , , ولا تخذل فتاتك ولا تنسى أنك طلبت يدها من أبيها . فقط أدعوك أن تتصرف بلباقة وهدوء حتى لا تحرج أهلك , الذين أجو منهم أن يباركوا زواجك خاصة أن الفتاة التي اخترتها لا يعيبها أي شيء والحمد لله سوى أنها متوسطة الجمال !

دائرة الانتقام

 أختي : نحن عائلة تتكون من أثنى عشر فرداً وحالتنا المادية جيدة جداً وقد تزوجت ثلاث أخوت وأخ وانفصلوا عنا .

كنا نحيا حياة سعيدة ولكن القدر حرمنا من هذه السعادة لقد تغير والدي فجأة وتزوج علي والدتي , تزوج بعد عشرة عمر دامت خمسة وعشرين عاماً ,’ تحملت الكثير من العذاب ومشقة الفقر وبعد أن كون الثروة ذهب ليتزوج في قرية نائية فتاة أصغر من بناته لقد كان نعم الأب ولم نعرف السبب الذي دفعه للزواج . وأمي لا تزل شابه وتعمل المستحيل لرضاه . بعد أن تزوج حدثت مشاكل كثيرة والآن والدي ووالدتي لا يتكلمان مع بعضهما وأصبح معظم أيام الأسبوع يقضيها عند زوجته قد أنجبت طفلة وأبي عاجز جنسياً بكل ما في الكلمة من معنى منذ عشر سنوات , فمن أين أتت هذه الطفلة وهل بعد هذه السنوات الطويلة يستطيع أن يسترجع رجولته وينجب ؟ وهل هذه الطفلة تعتبر ابنته شرعاً ؟ هل لها حق في الميراث ؟ علماً بأنه يذهب للخارج للعلاج فهل استطاع الطب أن يمنح رجل الستين أو أكثر قدرته الجنسية بالعلاج ؟

عزيزتي : أسئلة لا أعرف لها جواباً وأبي ساكت علي الوضع وهو يذهب إليهم ويصرف علي الطفلة الكثير وهو لا يصرف علي قدر ما ينفق عليهم وقد سمعنا أنه تزوج من طفلة صغيرة من نفس المنطقة ونحن نخشى أن نفاتحه في الموضوع لأنه عصبي جداً , وأنا في دائرة من الأوهام لا أعرف هذه الأخت ؟ وهل هي أختي حقاً ؟ أم أنهم أتوا بها طمعاً في المال ؟

لأن بعض الأقوال التي يمعناها تقول أنهم لم يروها وهي حامل أبداً ولم تكمل مدة الحمل اللازمة ؟ ووالدتي تقول أنه عاجز عجزاً تاماً منذ عشر سنوات وهو عمر أخي الأصغر وفي هذه المدة لم تكن بين والدي ووالدتي أية علاقة زوجية وكان ينامان منفصلين عن بعض , ولكن كانت العلاقة طبيعية بينهما , ولكن بعد الذي جرى كشفت أمي أمامنا أبي حتى لا تحدث مثل هذه المصيبة وأصبحت مشكلتنا هذه بين يديك وكل أملي الكبير بأن تحليها وتوضحي الحقيقة من الخداع وكذلك القراء الذي عاصروا الحياة باستطاعتهم الإدلاء بكل ما يكون فيه سبيل لإنقاذنا من شيء أعظم .

أختك التي لا تنسى عنك لها وأنت الوحيدة التي فتحت لها قلبي ووثقت بها .

***

أخشى أن تكون رسالتك فيها كثر من التصورات التي تكيلينها لزوجة أبيك بسبب بغضك وكرهك لها .

وحالة الذعر هذه التي تنتابك علي كرامة أبيك , فيها رغبة مبطنة بالانتقام لهذا الفعل الذي ارتكبه , ولاذي تعتبرينه قسوة بالغة وهو تركه لأمك وزواجه من أمرأة أخرى .. طفلة كما تقولين في عمر بناته .

ولكني أعود وأقول أن مشكلتك شديدة الحساسية , نظراً لقول أمك غير المشكوك فيه , فهي الوحيدة القادرة علي وضع النقاط علي الحروف في هذا الوضع الشائك .. وإما بالنسبة لي فأنا بعيدة تماماً عن التوصل إلي الحقيقة وإلي تمييزها .

وأنت أيضاً .. مهما بلغت من ذكاء فتأكدي أنك لن تستطيعي التصرف في شيء , فقط اعلمي أن الطب تقدم كثيراً , وأنه أصبح يكاد يأتي بالمعجزات .. وليس بغريب أن ينجب رجل في الستين أو السبعين من عمره , وبالذات لو عرض نفسه علي أخصائي , وتناول الأدوية والمقويات .

أيضاً للحالة النفسية داخلها وتأثيرها هنا , فربما كانت فرحته بزوجته الصغيرة واهتمامه بها هو السبب في استرجاعه لبعض من شبابه .

وأنت .. لا تفكري كثيراً في هذا الموقف , واتركي الأمور تسير علي طبيعتها , واقنعي أمك بقبول الواقع , وخففي عليها متاعبها وضيقها حتى لا تزيدي من آلامها النفسية .. والبركة فيك وفي أخوتك لتعويضها عن غياب أبيك .

العقدة النفسية

أبعت إليك بمشكلة والدتي , ومشكلة عائلتي التي نشأت بسببها .

وبعد .. والدتي مصابة بداء العقدة النفسية , فهي لا تريد أن تقابل الناس حتى أهلها . وأحياناً نشير لها بالخروج فتوافق في بادئ الأمر ثم بعد أن تستعد للخروج ترفض وتجلس تسب وتشتم . وإذا سألناها عن السبب ترفض الرد , كما لو أراد أحد زيارتنا ترفض ذلك , هذا مع العلم بأنها كانت منذ حوالي سبع سنوات تتناول حبوباً مخدرة دون أن تعلم مضارها .

وبعد أن تناولتا بكثرة , بوعد أن شعرت بمضارها كفت عن استعمالها , وقد عرضناها علي عدة أطباء فوصفوا لها علاجاً , ولكن دون فائدة .

فهي تتوهم أن العلاج يجعلها مخدرة ويقلل من كفاءتها وحسن تصرفها في الأمور المنزلية والاجتماعية .

وهي الآن قلقة ونادمة علي ما فات خاصة عندما تتذكر أيام استعمالها للحبوب المخدرة , فهل هذا الداء ناتج عن استعمال هذه الحبوب ؟! وما هو العلاج ؟!

أرجو الجواب في أسرع وقت ممكن وجزاكم الله عنا ألف خير .

***

أمك مريضه نفسياً كما قلت , فليشفها الله وإن شاء الله ترجع إليها صحتها وتتحسن نفسيتها , وكما قولا : ما علي المريض من حرج .

المهم الآن المشكلة انتقلت إليك أنت , وهذا هو الخطر بعينة , فالمطلوب منك أن تأخذي موضوع مرض أمك ببساطة , وأن تنزعي من نفسك الشعور بالحرج والخجل , فليس هناك إنسان يضمن صحة أو عافيته .

وإذا كانت ترفض مقابلة الناس , أو إذا كانت تغير رأيها بسرعة , فاعذروها يا جماعة وخلوها علي راحتها .

يعني غير معقول أن تكون مريضة وهذه نفسيتها .. ثم تطلبوا منها أن تتأهب وتستعد لاستقبال ضيوف أو للذهاب في زيارة .. أظن هذا حراماً , وكثيراً عليها , فال ترهقوها بأية ضغوط اجتماعية مهما كان نوعها .

وفروا لها الهدوء اللازم للتعجيل بشفائها , خففوا عنها الزيارات قدر الإمكان , ومع هذه الرعاية , ومع العلاج أتصور أنها ستبقى سريعاً بإذن الله ..

.. أما أنت يا عزيزتي .. فكما قلت لك خذي الموضوع ببساطة متناهية , وتصرفي بهدوء تام , ولا تقلقي فمرض أمك لن يؤثر عليك ولن يقف عقبة في طريق مستقبلك .

دلع البنات

 أنا شاب تعرفت علي فتاة أصغر مني سناً , منذ حوالي ثلاث سنوات وتبادلنا الحب الشريف الأصيل وأقسمت لي بأن تعاهدني علي الزواج منها واستمرت هذه المحبة في قلبي ولا زالت , وكنت لا أبتعد عنها ولا لحظة .

وأنا كنت أسكن في بيت “لوكس” بمفردي ودلالة علي حبي لها نقلت مسكني إلي مكان العمل لكي أكلمها ليلاً ونهاراً بواسطة التليفون . وفي ليلة من الليالي المظلمة قلت لها أريد أن أبعث إلي أهلي لتأتي “الوالدة” في زيارة لكي أتقدم أنا وهي إلي أهلك لطلب يدك “بالحرف الواحد” فما رأيك ؟! قالت لي أنت فتحت لي باب السماء .. إني موافقة .  وبعد أن حضرت الوالدة بعد فترة من الوقت , وعندما تقدمت لطلب يدها من أهلها قالت : “لا أريده” لا أريده , “لا أريده” .

وأنا بانتظار الحل السليم والنصيحة الوافية ولك تحياتي .

***

وهذا بالضبط يا أخي ما نسميه دلع البنات , فهذه البنت غير ملتزمة , لا تحترم كلمتها ولا تصون عهدها ولا ترغب في الزواج , وإنما هي ترغب في التسلية , في “الونسه” في قضاء الليالي وهي تمسك بسماعة التليفون تتنهد وتتوهم إنها تعيش في جو الحب المثير الذي لا تريد أن تتركه للعيش في أجواء أخرى جادة ..

أما أنت .. وبصفتك إنساناً صادقاً تبحث عن الطريق المستقيم .. أقرب طريق إلي حياة زوجية هادئة هانئة فلا تفكر في هذه الفتاة المتقلبة الأهواء لأنها ستكون زوجة متعبة مرهقة واستمتع بزيارة والدتك وحاول أن لا تضايقها بكدرك وضيقك لما حدث واترك فكرة زواجك من هذه المحبة الزائفة التي لا تريد أي ارتباط يكبل حريتها .

بقيت همسة أبعثها لك .. لا تكتئب فإن هذا الرفض المفاجئ لم يكن لشخصك وإنما كان لقيد الزواج نفسه الذي حبست فتاتك الدلوعة أنه سيسلبها حريتها .. فامض بثقة وسر بإيمانك بنفسك ولا ترد عليها .. عندما تحاول الاتصال بك وهي حتماً ستفعل , ولا تظن نفسك مجنون نجوى ولا تحتضن هذه الفكرة ولا تشعرها بها .. فتاريخ الحب لم يعرف سوى مجنون واحد هو .. مجنون ليلى !

سيل من الأهانات

أنا فتاة في السنة الثالثة بكلية التجارة , تعرفت فى السنة الماضية على زميلة لى بنفس التخصص , وهى معروفة بدلعها ودلالها فى الكلية , كما هى معروفة بتفاهة حديثها وثرثرتها الزائدة عن الحد . وإلى جانب ذلك فهى متشائمة ودائما ما كانت تحدثنى عن خيانة صديقة , وعن غرور أخرى , وعن تفاهة الثالثة , وهكذا كان معظم حديثها الفارغ .

وأنا شخصياً لا أقتنع بمثل هذه الأحاديث لا تعجبنى , ولا أميل إلى تلك النوعية من الفتيات والمشهورات فى المجتمع .

وأرجو أن لا تظنى أننى أحسدهن .. بالعكس فأنا أرثى لهن لسوء تصرفاتهن وسلوكهن الغريب . ومع أيام أظهرت تلك الفتاة المودة لى , وأعتبرتنى صديقة مخلصة وفية وغير مغرورة وذات نية طيبة على حد ما تقول .

وبصراحة .. لقد أنبنى ضميرى لأننى لا اشعر بميل نحوها , ولكنى بعد فترة استطعت التكيف معها , وفى يوم فاجأنا الأستاذ بامتحان لم نستعد له ولخوفى الشديد أخذت أنقل من كشكول المحاضرات , وكانت هى تجلس ورائى منه سأعطيه لك وبالفعل أعطيته لها لتنقل منه .

وبعد أيام أعلنت النتيجة وكان تقديرى جيداً , أما هى فقد رسبت , فكانت صدمة عنيفة بالنسبة لها , وظلت تبكى , وعندما انتهت المحاضرة خرجت مسرعة ولم أجد الفرصة لأواسيها .

وفى نفس اليوم اتصلت بها بالبيت , ولكن والدتها قالت أنها خرجت , مع العلم أننى اتصلت فى وقت متأخر من الليل , وعلمت بذلك أنها تتهرب من مخاطيتى , وأنها تنكر وجودها ولا تريد التكلم معى .

وبعد ذلك التقينا فى الكلية , ولاحظت تغيراً فى معاملتها نحوى , وأصبحت تحدث البنات عن عدم وجود الإخلاص والوفاء . وأن الناس جميعاً خبثاء .. وأحسست أنها تقصدنى أنا بالذات .

ومنذ تلك اليوم وهى توجه لى الإهانات بطريق غير مباشر , وعلمت أنها أضافتنى إلى قائمة الصديقات غير المخلصات .

وتألمت أنا كثيراً لأنه لم يكن لى ذنب فيما حدث , فلو كنت أعطيتها الكشكول لما استطعت أن أكتب الإجابة , وبالتالى ستنقلب الآية ويصبح الرسوب لى والنجاح لها .

كما وأننى صرت أسمع يومياً سيلاً لا ينقطع من الإهانات , وفى نفس الوقت لا استطيع الرد عليها لأنها لا توجه الحديث لى مباشرة .. وإنما تبدو وكأنها تحدث صديقاتها .

أعتقد أنك كنت صادقة فى إحساسك عندما لم تشعرى بالميل نحو هذه الفتاة , فهى تتنافر معك فى الطباع والأسلوب , ولا يمكن أنى تصبح صديقة ملائمة لك ذات يوم .

أتصور أن هذه الفتاة من النوع المدلل التائه الذى يعانى الكثير من الأعباء النفسية التى منها على هيئة تسلط وفرض سيطرة وسلاطة لسان على الآخرين .

فلا يصدمك ما يحدث منها هذا , ولا تصابى بخيبة أمل فيها لأنها هى هكذا من قبل أن تتعرف بك .

وأنا ألومك على استعانتك بكشكول المحاضرات أثناء الامتحان , وأعتب عليك كيف تتصرفن بهذا الأسلوب وأنت فتاة جامعية ناضجة , وأتمنى أن لا يتكرر هذا الحديث منك ثانية

وعليك الآن أن توفقى هذه الفتاة عند حدها , فهذا النوع السخيف من البشر نوع جبان ويجب التمادى فى الخطأ خاصة إذا لم يجد من يردعه أو يقف فى وجهه .

لا تضعفى ولا تتخاذلى أمامها , وعامليها بنفس معاملتها وأسلوبها , ولا تنسى .. العين بالعين والسن بالسن .. والبادى أظلم .

لكل جواد كبوة

سيدتى .. إننى أكتب هذه الرسالة إليك لأننى أحس بأننى وجدت قلباً حنونا يصدق ما أكتب ويهدنى إلى الطريق السوي فى مشكلة معقدة أودت بى إلى أحزان هائلة أصبحت مسيطرة على نفسى .

إننى أريد أن أفضى إليك بسر أحس به يحطم حياتى ومستقبلى ومع ذلك لا أستطيع منع ما يصبنى أو يحدث لى .

سيدتى .. إن مهانة كبيرة صدمتنى فى أعماق كرامتى , وطعتنى فى إحساسى , إذ إننى فتاة وطالبة فى الجامعة أدرس اللغة الانجليزية فى السنة الثانية .

أتسول إليك أن تصدقني كل حرف مما أقوله .. تعرفت على شاب من خارج الجامعة , وبحكم قلة معرفتى بالحياة , كانت لى علاقة معه , ولكنى خرجت بريئة تماماً لم يصبنى أى أذى , وفجأة ..

انتشرت السمعة السيئة حولى , فتهاونت كثيراً فى الدراسة , سيدتى .. أبى وامى واهلى سمعوا بحكايتى ولكن أبى وضع ثقته الكبيرة فى قدرتى على النجاح واجتياز هذه المرحلة إلى مستقبل أفضل .

والآن .. أنا فتاة محطمة تماماً , فقد تركت الامتحانات السنة الماضية , لم أدخل لأمتحن كنت مكتئبة وحزينة على الدوام , أحسن أغلب الوقت بمرارة قاتلة لا أستطيع أن أحتملها .

أبى لا يريدنى أن أعود إلى الجامعة لأنه لم يعد يمنحنى الثقة إياها التى تضاءلت بعد رسوبى وهروبى من الامتحان .

وعندما تركت الجامعة أحسست بإهانة فى الصميم وشعرت بأننى أتعذب داخل قلبى الذى يكاد يحترق كما يحترق دمى وعقلى واعصابى .

أنا لم أستفد من تجربتى السابقة , بل على العكس صدمت وأصبت بنوع من البلاهة .. أحس بألم فظيع هائل يستولى على حياتى , أمى حاولت معى كثيراً كى أعود للدراسة ولكنى أصبت بخمود فى الإحساس والفكر لأن الاكتئاب النفسى الذى أحاط وجهى بسور من الأحزان رهيب أصبح ظاهراً للعيان .

سيدتى .. أنا لا أزال فى مقتبل العمر , ومع ذلك أحس بالشيخوخة واليأس والأسى تدب فى أوصالى وروحى . أعانى من وحدة قاتلة , فكل الناس تتجنبنى حتى صديقتى الوحيدة ابتعدت عنى بعد أن وقفت طويلاً إلى جانبى .

أصبحت أهرب من حياتى ومن مستقبلى وعدت أعانى من أحلام اليقظة والضياع , أخوتى عشرة فى المنزل وحالتنا الاجتماعية والمادية سيئة . فنحن نعيش فى فقر مدقع . وأنا أنهار شيئاً فشيئاً والتخاذل يزداد كبيراً فى نفسى , وعذابى وعنائى يشتدان , أنخفض وزنى كثيراً من قبل , ورحت أمنى نفسى بأوهام أعرف أنها لن تحقق .. إننى تائهة تماماً .. ذاهلة تماماً .. افكارى مشتتة والحزن يسيطر على قلبى وعقلى وحواسي.

ليتك عزيزتى أفصحت لى عن مكنون مشكلتك كى استطيع مساعدتك أكثر .. فدفنك لها فى أعماق نفسك باقية متأججة تلهب إحساسك وتحرق مشاعرك .

عموماً .. أياً كانت التجربة التى أخفيتها , ومهما كان تصرفك خلالها فيجب أن لا تتخاذلى بهذا الشكل العجيب كما لايجب أن تستلمى لليأس بهذه البساطة المتناهية ..

أنهضى يافتاتى من عثرتك واعلمى أن (لكل جواد كبوة) وجل من لا يسهو ولا يخطئ فنحن بشر , والبشر خطاءون فلا تعاقبى نفسك حتى الموت وأنت على قيد الحياة .

لا يافتاتى لا .. لا تختبئى وراء هامش الحياة ولا تختفى وراء جداران نفسك المتهاوية , وتخلصى فوراً من هذا الحطام والركام الذى تدمرين روحك به , وعودي إلى دنياك وناسك ومجتمعك .. ولتتجاهلى كلية الهمسات والنظرات التى قد تسمعينها فى البداية فمهما يحدث الآن من ضجيج حولك ثقى أن الصوت يخفت مع الوقت شيئاً فشيئاً ثم يتلاشى كأن لم يكن . فلا تضيعى سنوات شبابك وجهدك وطاقتك فيما لا خير فيه , ولا طائل من ورائه وخير لك أن تزيدى من جهدك , وأن تجتهدى فى دراستك وتستقيمى فى أمرك .. فيكون هذا هو الرد المفحم على كل همسات السوء ممن يحلو لهم أن ينهشوا سيرة الآخرين .

ومع تفوقك .. نجاحك ستكسبين ثقة أهلك , وثقة كل الناس , وستخرجين من التجربة بهذه الطريقة الإيجابية أكثر نضجاً وفاعلية ولك تحياتى .


دراكولا !..

نحن أسرة متوسطة الحال , الأب يعمل ونحن ندرس الأخ الأكبر فى المرحلة الجامعية , محبوب منكل الأسرة فهو صاحب عقل راجح وتفكير سليم ورزانة وأخلاق .. يهتم بكل أفراد الأسرة ويحل مشاكلهم .. إلي الآن لا مشكلة بالطبع ولكن سيدتي ذات يوم انفردت بي والدتي وأعلمتني بأمر نزل كالصعقة علي جسدي , كانت أمي تتكلم والدمع ينهمر من عينيها ذالك أن أخي الأكبر بدأ يتصرف بشكل شاذ وغريب لم نتعوده منه وهو صاحب الأخلاق العالية .. إنني أخجل والله من ذكر مثل هذه التصرفات ولكن ما العمل . إن أخي بدأ يضايق شقيقاته فعندما يختلي بإحداهن فإنه يضمها أ, يدعها تلوذ تحت وطأة جسمه متحججاً بأنه يمازحها .. قد تقولين ربما تلك تصرفات وحركات أخوية بريئة ولكنني أؤكد لكي بكل أسف وقلبي يتمزق من الأسى أنها تصرفات لا تمت للأخوة بصلة وأخبرتني أمي أن أخواتي بدأن يشكين من تصرفات أخي الأكبر الجامعي وللأسف وأنهن يعرفن تماماً بأن تلك التصرفات ليست أخوية .. أمي أيضاً رأته يتصرف هكذا , أصبحت ؟أخواتي يصرون علي عدم البقاء بالمنزل بمفردهن ومعه وجهاً لوجه عندما تريد أمي زيارة بعض الأقارب .. هذه تصرفات أخي الأكبر الذي يرفض الزواج الآن ويريد أولاً أن يكون نفسه , أنه يحثنا علي الأخلاق الحميدة ويزجرنا إذا ما تصرفنا أولاً تصرفات غير لائقة .. أمي تريد أن تخبر والدي .. ولكنها تحبه فهي في عذاب دائم .. ولم تأكد أبي من الأمر سيطرده من المنزل لا محالة وسيتعقد أكثر وأكثر .. هذا إذا صدق والدي الأمر لأن أخي يحظى باحترام كل من يعرفه لطيبته ورزانته وتصرفاته السليمة .. أخبرت أمي سأتكلم مع أخي الأكبر مني سناً والذي يلي الأخ الأكبر .. فهل هذا هو الحل ؟! ربما لا يصدق وبماذا سنتصرف تجاهه .. أختي العزيزة ساعديني .. حلي هذه المسألة التي أبكتنا وجعلتنا ننظر لأخينا بغير تلك العين التي كنا ننظر بها له من قديم .. أرجو منك أن تأتيني بالحل بأقرب وقت فأنا بحاجة لحل عاجل خاصة وأن أمي بدأت تضيق ذرعاً بتصرفاته .. بانتظار صدور الرد علي أحر من الجمر وسأعد الدقائق والثواني حتى يأتيني الحل المناسب لهذه المشكلة الصعبة الغريبة الشاذة أختي لا تتجاهلي هذه الرسالة ولا تهمليها . وأخبريني هل أخي مريض أم هو يمر بمرحلة نفسية وما هو علاجه .. ولك خالص الشكر والتقدير .

***

أخوك إنسان سلوكه سيء .. منحرف خلقياً عن الاتجاه الطبيعي , فهو ليس طيباً كما تعتقد , وإنما هو لثيم خبيث يستغل ذكاءه في هذا الطريق الكثيب هو ليس بمريض عقلياً . لأنه ناجح في حياته الاجتماعية والجماعية , إذ لديه المقدرة علي كسب ثقة الجميع ومودتهم واحترامهم , كما لديه الموهبة علي النجاح في الدراسة باستمرار , ولهذا لا تظهر عليه علامات الاضطراب العقلي أو الفشل الدراسي .

هو بال شك سيء الخلق , رديء التصرفات , إنه من النوع العدواني الذي لا يخاف إلا من سلطة أعلي وأقوى منه , أية سلطة ضابطة .. وهي هنا سلطة الأب المباشر .

فنحن لا يمكن أن نتركه يمتص دماء أخواتك الصغار البؤيئات , وينهش حياءهن وكبرياءهن ويسحق براءتهن وعفويتهن وكأنه دراكولا يرتدي السواد ويهيم في الليل البهيم لمجرد أننا نخشى عليه من الإصابة بالمرض النفسي ؟!

نحن لا نملك هنا أن ندع هذا اللاأدمي يفسد أسرة بأكملها .. بلا أي ردع أو حسم !! إنه هو المرض نفسه !

وهنا .. يجب أن يبرر دور الأب الطبيعي , لأن كل راع مسئول عن رعيته , والأب هو المسئول الأول عن أسرته , ولذا يجب أن يعلم , ويصبر بما يجري ويدور , وراء جدران بيته تحت ستار الليل الأسود ؟!

وأقنع أمك بأن لا تجزع من فقدان ابنها , لأنها بطريقتها وبمساعدتك تستطيعان أن تتخلصوا جميعاً وتنجوا من هذه المشكلة وذلك بالبحث عن أسرع وسيلة ممكنة ولتزويجه في أقرب وقت .

وربما في زواجه الشفاء والعلاج له ولمن حوله , هذا لم يكن من النوع ذي الازدواجية الأخلاقية , أي الذي يظهر للناس بقالب القديس , بينما ينقلب في الظلام إلي شيطان ذميم , يتحسس شهواته ولذاته أي تكون , إنه يذكرني بقصة “دكتور جيكل” و “مستر هايد” الذي كان في النهار طيباً يعالج الناس , وفي الليل ينقلب مجرماً مسعوراً يفتك بأرواحهم.

في النهاية .. أعود أدعوك وأناشدك ألا تتباطأوا في الحل قبل أن يتمادى أخوك في أفعاله , فتحدث كوارث لأخواتك لا يمكن إخفاؤها وأنتم في غنا عنها , كفاكم الله شرها وفضائحها ودعواتي أن يهتدي أبوك إلي ما فيه صالح الجميع , ولك خالص تحياتي .

الميراث الملعون

توفيت والدتي وكان عمري آنذاك 18 سنة , وكان عمر أبي 50 سنة .

وبعد بضعة أشهر تزوج أبي من امرأة عمرها 25 عاماً .. ومن هنا بدأت المشاكل تملأ البيت , وأصبحت الدنيا في وجهي ظلاماً بظلام فزوجة أبي امرأة مشاكسة فنانة في خلق المشاكل من الهواء , فإذا قلت لها صباح الخير ,.ز تولد مشكلة , وإذا تجاهلتها ولم أقلها لها تخلق مشكلتين !

وأصبح أبي يقلدها وصار هو الآخر يهزأ مني ويشتمني لأتفه سبب .. وأصبحت حياتي جحيماً مستعراً لا يطاق .

وحدث أن سافر أبي ليسحب فلوساً من أحد المصارف ليقيم مشروعاً زراعياً في أرضنا وبقيت أنا وزوجته في البيت بمفردها .

وفي مساء ذلك اليوم , نادتني زوجة أبي وقالت لي أنت من الليلة تنام عندي حتى يرجع أبوك وقامت وقادتني إلي غرفتها , وطلبت مني أن أخلع هدومي , وهي تقبلني في وجهي .

وانفجرت صائحاً وأردت الخروج من الغرفة , ولكنها شتمتني وهددتني بأن تخبر أبي بأني حاولت اغتصابها فقلت لها : لا يهم سأسافر , فقالت : سأحطم مستقبلك سأبلغ الشرطة إنك اعتديت علي .. أنا عارفة أنك مظلوم .. ومع هذا إذا لم تطعني سأدمر حياتك !

… وبدأت حياتي معها اغتصبتني وجعلتني أعاشرها معاشرة كاملة , حتى جاء أبي بعد أيام ودخل البيت علي ظهره لأنه أصيب بحادثة سيارة في الطريق سبب له عاهة جنسية أفقدته القدرة علي الإنجاب وطلبت زوجة أبي من الطبيب أن لا يخبره بذلك !

وبعد شهرين من الحادث حملت زوجة أبي وأنجبت غلاماً أسمته أيوب , ثم حملت بعدها وأنجبت غلاماً آخر , ثم حملت وأنجبت غلاماً ثالثاً .. وكنت أنا الأب لهؤلاء الأشقياء .

ولم أطق أكثر من ذلك , صبري فرغ , فماذا كنت أفعل وهي في كل لحظة تقول لي : أبوك كالخاتم في يدي .. سأجعله يحرمك من الميراث !

وذات يوم ذهبت إلي أبي وقلت له إنني أعتزم السفر للعمل في الخارج , ففرح بذلك لأنه سيرتاح مني وأعطاني فلوساً تساعدني علي السفر .

وسافرت .. ثم تزوجت , وبقيت ثلاث سنوات لا أذهب إلي بيت أبي وأنجبت خلالها ثلاثة أبناء , ومنذ أيام جاءني خطاب من زوج خالتي يخبرني فيه بأن والدي قد أنتقل إلي العالم الآخر .. وأنه قبل موته كتب كل أمواله لأبنائه الثالثة , أما أنا فقد قال عني في وصيته إنني كبرت وقادر علي الصرف علي نفسي !

وجن جنوني .. ماذا فعلت لكي أحرم من الميراث ؟! أأقول ما في قلبي عن الملعونة .. أم أترك كل شيء وأنسى وأحتفظ بالسر إلي الأبد ؟!

***

سمعت من قبل عن فتيات تم اغتصابهم .. ولكني أبداً لم أسمع عن شبان تم اغتصابهم .. اغتصاب ؟! .. أي اغتصاب هذا الذي تتحدث عنه يا رجل ؟! .. أنسيت أنك كنت شاباً ناضجاً في نحو العشرين من العمر ؟! .. شاباً عفياً لا يخلو جسمه من قوة العضلات ؟

دعك من هذا الكلام أرجوك فهو غير معقول وغير منطقي . كن صادقاً مع نفسك ولو للحظات . واعترف بأنك فاسد , أناني , انتهازي .. استغليت عجز أبيك ومرضه وأهنته في شرفه . وطعنته في رجولته وورثته في زوجته .. وهو علي قيد الحياة طمعاً بأمواله بعد الممات !

والآن .. ما كانت نتيجة ما فعلت !

ثلاثة أبناء شياطين .. لا هم بالأبناء .. ولا هم بالأشقياء ؟!

وأين كان عقلك .. أو جنونك عندما رأيت أولى ثمرات الخطيئة تحبو أمام عينك ؟! أين كان ضميرك عندما أنجبت الثاني والثالث ؟!

الآن فقد شعرت بذنبك واعترفت بخطئك , فأردت أن تصب اللعنة علي رأسك ورأسها ؟

ألم تسأل نفسك لماذا ؟!

لأنك بصراحة يا أخذت “مقلب” .. مقلباً من المرأة التي استغلت رجولتك لتنجب ثلاث أبناء سفاحاً تمتص بهم ثروة أبيك وتحرمها عليك .. عليك أنت .. والد هؤلاء الأبناء !

وأنت .. شريك الجريمة .. أو الطرف الإيجابي فيها .ز لم تنل شيئاً فيا للهول !

.. وهنا جن جنونك .. وشعرت بالرغبة في الانتقام .. وهي رغبة دنيئة لا تقل دنائة عما فعلت !

فأنا واثقة بأنك عذبت أباك العجوز لأنه حتماً كان علي علم بما يحدث .. ولذا فرح لسفرك ومغادرتك بيته .. هو صحيح كان مريضاً بظهره .. ولكنه لم يكن مريضاً بعقلة .. ولذا أدرك ما يحدث , ولكن عجزه وشيخوخته منعاه من التحدث معك أو مفاتحتك فيما تفعل..

وهكذا .. حرمك من ماله بعد أن حرمته من شرفه ! .. أما تلك المرأة الشيطان فقد سخرت منك لأنك كنت أداة منتجة في يدها .. أدت وظيفتها علي أكمل وجه .. ثم ألقت بها حيث لم يعد لها نفع .. والآن .. إذا كان لك بقية من شعور .. أقول :

أحفظ السر في قلبك وأكتم ما حدث , ولا داعي لمزيد من الفضائح , علي الأقل احتراماً لذكرى والدك الفقيد رجمه الله .

فلن تجني من وراء الفضيحة سوى اللعنة والدمار .. الدمار لك .. ولأبنائك الشرعيين .. وغير الشرعيين !

الحرباء

أنا سيدة في الثانية والثلاثين من عمري . متعلمة مثقفة , متدينة جميلة واجتماعية متزوجة منذ ستة عشر سنة , وعذراً سأرجع ستة عشر عاماً مضت من حياتي .

كنت مطمح كل شاب إلا أنني بحكم صغر سني -15- سنة لم ألتفت ولم أفهم معني كل هذا الاهتمام بي , تقدم لي الكثيرون ولم يحصل نصيب , خاصة من أفراد العائلة , فقد كان أبي رحمه الله لا يحب أن يزوجني لأقاربنا لأمه كان علي غير وفاق معهم بسبب الإرث . رغم أن أربع أخوان أخريات متزوجات من هؤلاء الأقارب فقال أن ذلك يكفي واصبحت أنا الأخرى لا أريد أن أتزوج منهم .

فلما تقدم لخطبتي شاب جامعي من عائلة أخرى وافق ابي وأمي عليه (وأنا كنت في موقف سلبي لا معارضه ولا مؤيدة) فالرأي الأول والأخير لوالدي كما جرت الأعراف عندنا.

وتمت الخطبة رسمياً , وبعد ذلك يا سيدتي قامت قيامة العائلة إذا لا يصح أن يتقدم غريب لإحدى بنات العائلة وفيها من الشباب ما يكفي . إلا أن أبي أصر علي موقفة لأنه لا يريد أن يعطي كلمة ويتراجع عنها . وخاصة أن هذا الشاب أبدى كل ذوق واحترام واستعداد للقيام بكل ما يرضي والدتي ووالدي .

وكتب الكتاب بدل الخطبة ولكن عائلتي لم تهدأ وضربوني مرات عديدة في الشارع ومنعوا خطيبي من زيارتنا .

وتزوجت بسرعة لنضع حداً لاعتداءاتهم وبدأت حياتي الزوجية ومعها بدأت مأساتي!!

واكتشفنا أن زوجي دونجوان كبير وزير نساء من الدرجة الأولى يشرب الخمر ويلعب الميسر وبه كل ما يعيب الرجل المتزن ولهذا عارضت عائلتي بشدة , ولكن أبي وكما عرفت أخيراً ركب رأسه ولم يتخاذل أمامها ؟

وبعد زواجي مباشرة حملت في طفلي الأول وذات يوم أتت عندي صديقة وجلسنا نتحدث في مشكلتي , وفوجئت بها تقول لي أن عائلتك معها حق لأنه ذو صفات رديئة اعتدى علي شرفك قبل الزواج فذهلت وقلت لها كيف تقولين ذلك ! فردت ألم تكوني حاملاً يوم زفافك في الشهر الرابع ؟!

ولا تسأليني يا سيدتي عن الصدمة التي أصابتني ولا أدري كيف ذهبت يومها إلي بيت والدي وحكيت له ما سمعت .. ولا أنسى ولن أنسى نظرة أبي يومها لي .. كان كمن ينظر إلي ضحية ممزقة رئي لحالي , وهز رأسه في أسى وهو يكفكف دموعي ويمسح علي شعري .

بعدها أتي زوجي ورائي وحكوا له الحكاية , فاعترف بأنه قال فعلاً هذا الكلام لأهله وأمرهم أن ينشروه بين الناس كي يبتعد عن أفراد العائلة لأنه يريدني بأي شكل من الأشكال .

وداعاً أبي أن يسامحه وأخذ يقبل رأسه ويده ليغفر له , وأنه لم يقصد من ذلك سوى أن أكون زوجته وأبي صهره , وفعلاً هذا الكلام أرضى والدي وسامحه بعد أن وعده زوجي بأن أكون زوجته وأبي صهره .

وسارت الأمور بعد ذلك ولدت طفلي بعد تسعة أشهر من زواجي . وأخذت الناس تحسب لي مدة الزواج . ورغم هذا لم يعترفوا بطهري ومات طفلي في الأشهر الوالة من عمره فقال لي زوجي يومها استعدي للدراسة ودرست ونجحت وحصلت علي الشهادة القانونية.

ومع الوقت .. أخذ زوجي يتبدل , وبدأ يبتعد عن البيت وباختصار أصبح في عالم غير عالمي .. وبدأت المشاكل بيننا !

وكلما أردت الذهاب إلي بيت أهلي يسمعني من كلام الحب ما يكفي لأن يهدئ ثائره أي امرأة وأخذ علي نفسه عهداً جديداً بترك النساء والخمر والسهر خارج البيت .

وأقنعني أنه يحبني ولا يستطيع العيش بدوني وما هؤلاء النساء الساقطات اللاتي يعرفهن إلا عابرات في حياته يقضي معهن لحظات فقط ..

وأ/ا أنا الزوجة العزيزة المكرمة فلي مكانتي العالية في قلبه .

واستسلم لقدري دمعتي علي خدي وانظر إلي نفسي فلا أجد شيئاً لا ماضياً ولا حاضراً ولا مستقبلاً فأنا لم أنجب أطفالاً طوال سبع سنين .

وأخيراً اتجه إلي الله كما قال والدي وأحاول بالدين أن أهديه ولكني لم أفلح في ذلك , وكثيرات من صديقاتي وأصدقائه يلوموني علي موقفي المتخازل منه , ويقولون بأنني يجب أن أتركه , وعندما يرى الجميع أنني أسامحه دائماًَ بتهامسون علي بأنني لا بد أني أفعل مثله وإلا لما رضيت بكل هذا !!

ولكني أنظر إلي الموضوع من الزاوية الكبرى وهي زاوية زواجي الشائك أصلاً وشماتة أقاربي بي وأبي إذ أنهم قالوا عني (لن تمكث عنده طويلاً) وبعد هذا أتى أحد أخوتي وأقام معنا . فاعتدل زوجي بعض الشيء إلا أنه ظل دائم اللف ولا يأتي إي البين إلا للنوم والأكل وكنا نجلس أنا وأخي نتناقش في أمور الدين فكان يستمع لنا ويعرف كيف هو عذاب الآخرة ويوم الحساب وعذاب القبر والزاني وخاصة بعد أن يرانا نقوم بتأدية الصلاة .

وأخيراً .. وبعد ثلاث سنوات من إقامة أخي معنا هداه اله وترك صحبة النساء وبدأ يصلي ويقرأ القرآن ويستغفر ربه .

وخلال المدة التي أقامها أخي معنا وهي أربع سنوات قضاها في الدراسة الجماعية رزقنا الله بطفلين إن القدر يعطي ليأخذ , فتوفيت أبنتي الكبرى ودفنها زوجي وأخي وما لبث أن توفي والدي وسافر أخي إلي لندن ليكمل رسالة الدكتوراه في الفيزياء وتركني مع طفلي الوحيد الباقي علي قيد الحياة وزوجي , الذي حاول بعد ثلاث شهور من رحيل أخي أن يتزوج من فتاة في الخامسة عشر من عمرها وهو الآن في الثانية والأربعين . ورفضه أهل الفتاة , فرجع لي كعادته نادماً مستغفراً يؤكد لي حبه وإخلاصه وتفانيه من أجلي فكنت أضحك في سرى وأسكت .

وهدأت الأمور بعض الشيء إلي أن وجدت يوماً في جيبه رسالة قرأتها .. فصعقت وذهبت في فحواها .. فقد كان يراسل أحد أصدقائه في ألمانيا العربية يطلب منه أن يحضر له فتاة أوصافها كذا وعمرها كذا لأنه يريد أن يتزوجها وعليه أن يوفيه بكل البيانات الخاصة اللازمة لإتمام هذا الزواج .

هذه فحوى الرسالة باختصار .. فواجهته بها بعد أن خبأتها وقلت له أنني سآخذها إلي أهلي وأريها لكل من يلومني .

إلا نه كعادته أخذ يعتذر بأنه لا يقصد وبأ،ها كانت رسالة مزاح وتسلية لا أكثر ولا أقل , ولم أستطيع هذه المرة أن أسامحة ولكن منظر طفلي يمزق قلبي .. ومصيري أين سيكون ؟! وشماتة عائلتي كيف أواجهها ؟! إن آلاف النيران حولي وفوقي وتحتي فكيف أصدها جميعها ؟! وإذا سامحته هذه المرة أيضاً .. فماذا سيفعل يا ترى ؟! والطفل ما ذمبه وأنا حامل الآن في شهري السابع … أرشديني ولك مني ألف شكر .

***

أنت تقفين من البداية إلي النهاية موقفاً غاية في السلبية , ومهما فعل زوجك بك فأنت لن تفعلي شيئاً أبداً . ولن تتركيه أو تتخلي عنه أبداً خوفاً من شماتة العائلة والناس اولاً , حباً به ثانياً .

وأنت مدمنة صبر وحب وتحمل .. فابقي كما أنت وعليك بالمزيد من الجد والإيمان إزاء زوجك الذي يغير من تصرفاته ومواقفه تبعاً للظروف التي يمر بها تماماً كالحرباء التي تغير لون جلدها تبعاً للبيئة التي تعيش بها . والتي لا يعلم أحد ما هو لون جلدها القادم .

كذلك زوجك لا يمكن التنبؤ مطلقاً بتصرفه التالي فاصبري من أجل طفلك .

الرجوع للحق

أنا شاب عمري اثنان وثلاثون سنة خطبت فتاة دامت الخطوبة مدة أربعة أشهر وخلال هذه الفترة تعرفت علي أحد أقاربي وكان لدية ابنة وبعد تكرار زياراتي لهم تعلقت بالفتاة فأحبتني حب جنون وتركت خطيبتي وتقدمت لخطبة قريبتي هذه وكان رد أهلها بالموافقة والترحاب وبعد خطوبتي لها بشهرين غادرت البلاد وتسلمت عملي في بلد آخر كمهندس ومدير لأعمال الشركة وقد أرسلت إلي خطيبتي ما يقارب الثمانين رسالة خلال ثلاثة شهور وتلقيت رد كل هذه الرسائل رسالة واحدة كلها تحقير وبهدلة لي حيث أني لم أرسل لها الهدايا والمصاريف خلال هذه المدة للتي غبتها عنها . كما وصلتني رسالة من خطيبتي السابقة تندب حظها وتعاتبني علي ترك خطوبتها رغم حبها لي وردود فعل ترك الخطوبة مع جيرانها وصديقاتها بنات منطقتها وأنا أصبحت في دوامة , حيث أني تركت خطبتي الأولى بعد أن خسرت آلاف الدنانير عليها وعلي البيت الذي فرشته لها استعداداً للزواج وحيث أن خطيبتي قريبتي تصغرني بأربعة عشر عاماً تقريباً وأحبها , فماذا أن أفعل ؟ أفكاري في دوامة مستمرة أرجوك أن تردي علي بالجواب هل أعود لخطبتي الأولى أم أتحمل خطبتي الثانية لأني أحبها ؟ وما هو المتوقع حسب نظرك بعدد زواجي من قريبتي نصيحة من الأخت كريمة شاهين لأريح بها أفكاري وأنا في انتظار الرد ولك شكري والسلام .

***

أخي العزيز .

من الأخطاء الشائعة أن يجهل المرء قيمة الشيء الذي يمتلكه ,وأن لا يدرك قيمته إلا بعد أن يفقده . وهذا يشبه ما حدث لك الآن , فدق أصبحت تفكر من جديد في خطيبك الأولى بعد أن وصلتك رسالة “البهدلة” من خطيبتك الثانية .

والظاهر أن ذنب ناس بتخلصه ناس , وإلا إيه يا أخي ؟ الظلم قاسي ومؤلم وأعتقد أنك ستتوب إلي نفسك أكثر وتكفر عن خطئك تجاه خطيبتك الأولى التي هدرت كرامتها وأسأت إليها وسط أهلها ومعارفها دون أن تفعل شيئاً تستحق عليه مثل هذا العقاب الشنيع .

نظرة سريعة علي محتوى رسالتك تفيدك بأن فتاتك الثانية مادية 100% ولا تبحث عن شيئاً سوى “أموالك” الطائلة يا عزيزي .. فأصحى وأنتبه لنفسك وارجع لفتاتك الأصلية التي تحبك وتفكر فيها رجوعك لتصحيح موقفك وتنصفها وتخلصها من الظلم الذي أشبعتها منه .. فهلا تفعل ؟!

الطريق المسدود

تزوجت منذ خمس سنوات من شاب ادعى أنه يحبني ويريدني بسرعة لأنه لا يستغنى عني , وأنا فرحت بحبه ووافقت علي الزواج منه بسرعة ودون تريث لأتخلص من معاملة زوجة أبي التي لا تطيقني .

وحملت منه وفي الحال انكشف علي حقيقته .. سكيراً .. لعوباً .. مؤذياً .. كاذباً .. هذا وأخذ يضربني ويتصل برفيقاته أمامي ويهينني ويخرج معهن , وحرمني من كل شيء من المصاريف ومن كل حقوقي وظل يسهر حتى الفجر ويعود يريدني أن أتكلم ليخلق سبباً للمشاجرة والضرب !

والحين أنا عندي منه ولدان أحدهما في الرابعة والآخر في الثالثة وبعد أن أنجبت أبني الثاني أهملني كزوجة ولم يعد يكلمني أو يتصل بي وكأن لا وجود لي , مع العلم بأنني شابة جميلة وليس في أي عيب , ذات أخلاق , متعلمة , مستقيمة ..

ومع هذا لا يكف عن طعن صدري بهذه الصدمات فهو لا يكف عن الاتصال بالنساء الفاسدات أمامي .. وكل ما يعمله في المنزل هو التأنق ولبس الثياب والخروج للسهر والعودة في الفجر ..

فكرت في العودة إلي منزل أبي , ولكن كيف ذلك وزوجته لم تحتمل وجودي بمفردي؟.. فكيف ستحتملني ومعي طفلان ؟ فكرت في الذهاب بمفردي ولكن أخاف أن يكون مصيرهما الضياع لأنه لن يرعاهما ولن يعبأ بهما .. أخاف الاتصال بأية صديقة لأستشيرها حتى لا يعلم بذلك ويطردني ولا أعرف أين أذهب ..

أقوم بكل واجباته علي أكمل وجه حتى لا أعطية أتفه سبب للمشاجرة والضرب .. أصبح الحزن مرتسماً علي وجهي .. نحل جسمي ..

أعمل المستحيل لأرضيه دون فائدة .. والآن سمعت أنه خطب فتاة ساقطة لعوب .. فماذا هذا الانتقام ؟ وماذا فعلت حتى أعاقب هكذا ؟! أنا متأسفة علي زواجي منه أنا بنت العائلة المحترمة .. والكل يتمناني لو كنت تريثت ولم أوفق علي هذا الإنسان السيء , فماذا أفعل ؟!

***

أنت وضعت أمامي كل العراقيل حتى لا أقول لك أتركي زوجك وعودي إلي بين أبيك فزوجته لن تحتملك أنت وطفليك .. إلي آخر كلامك عنها ..

ولكني مع ذلك سأقول لك أتركي هذا التعس , فهذا ليس زواجاً ولكنه سجن قاسٍ يجب أن تخرجي منه بأسرع ما يمكن .. وبهدوء .. وبشيء من العقل .. هل ستحتمين وجود (زوجة) جديدة لزوجك ومعك في نفس البيت , زائد كمية هائلة من سوء التصرف من كل منهما ؟! فهي ساقطة لعوب كما تقولين وهو فاسد سيء لا يرتدع..

فأيهما أرحم لك ؟!

أنا أتصور أن زوجة أبيك حتى لو كانت ربيبة الشيطان , ستكون الحياة معها أرحم وأهدأ من العيش مع هذين المخلوقين اللذين سيتفقان تماماً علي تدمير أعصابك وهدر كرامتك وسحق نفسك ..

فابتعدي يا سيدتي وقبل أن يصيبك مرض عضال لا شفاء منه , واعلمي أن الخروج من هذا المنزل الرهيب أفضل لك ولطفليك اللذين يجب أن يشبا وينشئا في بيئة هادئة محترمة , لا يريان فيها مثل هذه التصرفات الساخرة المستهترة .

فتاة .. تغتصب شاباً !..

إنني تعرضت لعملية “اغتصاب” من إحدى الفتيات , فقد قامت بزيارتي وأنا منهمك في إحدى الحدائق العامة في مذاكرة دروسي وعند قدومها إلي طلبت مني مناقشتها في مسائل ثقافية إلي أن اتفقنا علي القيام بزيارة منزلها لإحضار بعض الكتب , ولم أوافق علي الذهاب إلا بعد أن أكدت لي بأن والدها وأخواتها متواجدون في البيت لأنني رغم صغر سني
“17 سنة ” إلا أنني اعرف الطريق إلي الله وأعي وأدرك مصيري الزاني , المهم توجهت إلي منزلها فوجدت البيت فارغاً فدخلنا إحدى غرف المنزل وقامت بإغلاق الأبواب والنوافذ وفوجئت بأنها تحدثني بسوالف غرامية وتقوم بعرض أجزاء من جسمها علي وقد حاولت مسك أعصابي والحمد لله نجحت ولكنها عندما تأكدت من أنها فشلت تقدمت وطلبت مني أن أمارس معها الجنس فرفضت , ولكنها هددتني بأنها ستضطر للصراخ وتحملني مسئولية دخول البيت , بوما أن القانون مع الفتاة فقد اضطررت لتلبية الطلب مرغماً , ووجدتها ليست عذراء كما كانت تزعم , وبعد أن غادرتا المنزل توجهت إلي منزلي قاصداً الابتعاد عنها ولكنها تبعتني دون أن أعلم وتعرفت علي منزلي , وهي تراقبني في كل مكان , فتتبعني وتطلب مني هذا الطلب وإلا هددتني وقد رأيت بأن أفضل حل لمشكلتي هو التوجه إليك لإرشادي إلي حل وأرجو أن لا تقولي لي توجه إلي المخفر لأن المخفر سوف يحول الحق علي .. وأنا في انتظار الحل السريع .

***

 أنت إنسان طيب مؤمن , رغم ما ارتكبت من عمل لا يرضي الله عنه عذري لك أنك )متورط( كما قلت , وهذا حقيقي , فالفتاة علي ام يبدو أكبر منك سناً وخبره ودهاء ؟ يبدو لي أن وجدت فيك (فريسة) سهلة ومطيعة وملبية .

هذه الفتاة لا تعرف الحياء .. لن تعرف إلا القسوة , والقسوة فقط هي التي ستبعدها عنك , ولذا أريك أن تعاملها بخشونة وعنف , فأقول لم اشتمها , اطردها اشهد عليها بعض من الناس , أصدقاءك , جيرانك , ولكن لا تدعها تمسك عليك أي دليل مادي يثبت أن بينك وبينها علاقة ما .

وبعد ذلك .. بعد أن تيأس منك وتعرف أنك لن تلبي رغبتها ستنصرف عنك نهائياً , وأنا أجزم لك بأنها لن تبلغ الشرطة أو تتخذ أي إجراءات ضدك .. فهذه كلها مجرد تهديدات تفزعك بها .

وأنت يجب ألان تفهم أنك إذا كنت قد خضعت لرغبتها في المرة الأولى , فلأنك كنت في المصيدة ساعتها وإحساسك بالمفاجأة الذي أذهلك عن نفسك .. أما الآن وأنت حر في الهواء الطلق بعيداً عن جدران منزلها .. ما الذي تملكه ضدك ؟! .. لا شيء .. لا شيء علي الإطلاق .. فكن قوياً عنيفاً , وعاملها بضراوة وجبروت .. وسترى أنها ستختفي من حياتك إلي الأبد !

كوابيس الكراهية

أنا فتاة في العشرين من عمري مثقفة , أحب المطالعة إلي درجة الجنون , أعاني من قسوة الضمير وتأنيبه وفي بداية الرسالة سأعرض عليك قصتي وأرجو أن تفهميني وتقدري مشاعري حيث أنني لا أريد أن أستدر عطفك وشفقتك بل أريد أن تقدمي لي حلاً منطقياً يساعدني علي استرداد كرامتي المهدورة وكله من صنع يدي .

عزيزتي .. لقد مررت بعدة تجارب حب كلها فاشلة وآخر تجربة لي أحببت فيها شاباً في مثل عمري , ولا أدري كيف اندفعت وأحببته ولكنني كنت في غير وعي عندما لم أستطع السيطرة علي عواطفي , حيث كنت طول عمري أنصح صديقاتي وأحذرهن من الوقوع في حبائل الشباب .

ولكن .. الحب والحنان الذي افتقدته في أمي وأبي وأخوتي هو الذي دفعني إلي ذلك , حيث عشت طوال سنين عمري محرومة من كلمة حب من لمسة حنان من ضمة عطف أبوية , لم أحس في يوم من الأيام بأنني أعيش بين أهلي ,أشعر وكأنني أعيش في فندق يسكنه غرباء فلا أحد يحس بأحد ولا يسأل عن أحد حتى لو حدث له حادث ما .

عشت بين أسرة مفككة ممزقة من الداخل ولكن أمام الناس تبدو أسرة متماسكة تربطها روابط المحبة والحنان .

الحرمان هو الذي يدفع كل فتاة إلي السقوط في مهاوي الرذيلة والخطيئة ولكن .. يبقى الضمير والعقل هو المسيطر الأول والأخير .

صدقيني .. أنا أكتب إليك والدموع تنهمر من عيني بعد أن أصبحت أحقد علي الناس وأكره أهلي وأصبح قلبي مملوءاً بالحقد الأسود والكراهية التي تكرهني نفسي كل شيء .

أحلامي تؤرقني وفزعني في الليل , ولا أجد سبيلاً إلي النوم الهادئ المطمئن .ز وكما قلت لك فإن تجربتي الأخيرة هي التي حطمتني فأصبحت أمقت الرجال .. فهم حيوانات بهائم لا يريدون من المرأة سوى جسدها . أما روحها عقلها تفكيرها ثقافتها لا ..

ولنعد إلي مشكلتي فإنني قد خرجت مع هذا الشاب , وتبادلت معه القبلات والصور . أرجوك لا تلوميني فإني إنسانة من لحم ودم تحس وتشعر وتريد الحياة والحب , والإنسان معرض للخطأ والسقوط وليس عيباً أن يخطئ ولكن المهم الاستفادة من الخطأ وأصبحت أحذر من الذئاب وأفهم كل حركة ونظرة تصدر منهم , أصبحت أكثر يقظة ووعياً وإحساساً بعظم الخطأ الذي ارتكبته .. لقد تركت هذا الشاب بعد خلاف بيننا اتضح لي بعده أنه من غير المناسب لي الاستمرار في هذه العلاقة , ولا سيما إذا عرف أهلي فإن الحب عندهم خطيئة .. وإن كانوا هو لا يعلمون ماذا ارتكبوا بحقي من جرم وظلم , فهم السبب في كل شيء والذي أريده منك أن ترشديني إلي حل ينير طريق حياتي المظلم , ويعيد لي الثقة والرغبة في الحياة فقد أصبحت أعيش علي أعصابي وأوشك علي الجنون .

صرت أبكي واصرخ بدون شعور , وإذا كلمني أحد أرد بهستيرية مجنونة , ويغمى علي من الانهيار إنني أفكر في الصور التي بقيت عنده وهل سيفعل بها كما فعل غيره بفتيات قلبي فيظهرها وينشرها ويهددني بها أكاد أجن من التفكير .

أرجوك أن توجهي نداء إلي كل أب وأم أن يلتفتا إلي فلذات أكبادهما وأن تمنح كل أ/ ما تستطيع من حب وحنان وعطف لبناتها فإنها تحميهن من الانحراف وراء التيار الذي يهلك ويدمر كل ما في طريقة .

وختاماً أرجو ان تقدري مشاعري وأن تدليني علي طريق الحق والاستقامة .. وتحية حب وتقدير لك يا من تنيرين الدرب لقلوب البائسين والمحرومين .

***

الحالة العصبية التي تعيشينها هي محالة للتنفيس عن رغبة باطنه مكبوتة هي محاولة للتفكير عن إحساس بالذنب كامن في أعماق نفسك , يعذبك ويذبك ويؤرق ضميرك .

فالواقع العصيب الذي تحسين بقسوته لحظة بعد لحظة واقع متوتر عنيف ينعكس علي أحلامك فتأتي مروعة أشبه بالكوابيس وكما يعتقد برجسون الأحلام هي ماضينا الذي يقاوم النوم .. ويمتطي في خيالنا بين ليلة وأخرى فأنت إذا حاولت تهدئة أعصابك والتخفيف والتقليل من حكم الانفعالات التي تحسينها ستهدأ أحلامك وستنامين بعمق وسكون .

والسبيل إلي ذلك يأتي من مراجعة تصرفاتك أولاً بأول .. فأنت تعترفين بارتكاب الخطأ وهذا يعني أنك لن تعودي إليه , عملاً بالقول “ليس من العيب أن نخطئ , ولكن من العيب هو الاستمرار في الخطأ” .

وإذا كانت علاقتك مع هذا الشاب قد ورطتك بالتفريط في صورك , فإنها أفادتك وعلمتك الحذر من الذئاب وجعلتك أكثر يقظة ووعياً وإحساساً بالخطأ .. وهذا في حد ذاته شيء جميل فلا تبتئسي ولا تحزني .. وأما عن صورك فلا تفكري في متعاتهم أو محاولة الحصول عليهم فهذا الشاب لو شعر بأهميتهم لديك سوف يهددك بهم , وعن نوقفك تجاه أهلك تستطيعين أن تعللي بفقدانهم في أي مكان .

والهم الآن ليس تبرير حصول هذا الشاب علي الصور , وإنما هو راحتك النفسية والعصبية , فحاولي ألا تقلقي وتأكدي أنك لو فكرت بهدوء ستجدين لذلك ألف عذر وعذر .. بقى أن أعاتبك عتاباً خفيفاً , علي مشاعر الكراهية هذه التي استوطنت نفسك أسألك لماذا لا تستبدلينها بمشاعر المحبة ؟!

جربي .. وابدئي من اليوم حياة جديدة , بأسلوب جديد مليء بالعطف والحنان والحب لكل من حولك , ولتكن الانطلاقة في مجال أسرتك .. ضمي أنت أبيك إلي صدرك في عطف .. وانظري النتيجة اهمسي في أذن أمك بكلمات حنونة واحتضنيها في حب , وساعديها في عمل البيت بإخلاص وانظري النتيجة . اهتمي بأخوتك .. تقدمي منهم وشاركيهم اهتمامك واسألي عن أخبارهم وابدي لهم شغفك بهم في هدوء ورقة وبشاشة .. وانظري النتيجة انظري بعد ذلك إلي نفسك , ستجدين وجهك قد ازداد جمالاً ونضارة , وستجدين جسدك قد أزالت وأحلام الكوابيس قد تلاشيت ..

 وأنت .. وقد غدوت إنسانة أخرى تماماً , إنسان تحت ولا تكره , تعطف ولا تحقد , تحسن ولا تسيء فلماذا لا تكون البداية التحول نحو الأجمل والأروع والأفضل .. هي الآن ؟!

ولماذا لا يكون نداء الحب موجهاً إلي كل أب وأم وابن وابنة .. لماذا لا يكون ندائاً سامياً يشملنا جميعاً ؟!!!

المجهولة

أنا شاب أبلغ الثامنة والعشرين من عمري , تعرفت علي سيدة في الثلاثين من عمرها بواسطة التليفون , هي أم لعدة أطفال وجميلة جداً حسب قولها . أتصل بها باستمرار منذ عشرة أشهر علي وجه التقريب , تحبني جداً وأنا قد ازداد حبي لها بسبب صراحتها وجرأتها الزائدة التي تدفعها لأن تكلمني حتى في وجود زوجها وأخواتها بطريقتها الخاصة .

شعرت أني قريب منها , حبيب إلي نفسها وعدنا نسهر الليلي الطويلة معاً تحدثني عن كافة مشاكلها الخاصة ومشاكل أقاربها .

كانت تنتظر موعد اتصالي بها بين الفينة والأخرى , وكانت جدية للغاية معي .

ولكن . بعد مضي هذه الفترة الطويلة فاجأتني يوماً بأنها محتارة في أمراها, ونأها واقعة في مشكلة صعبة لا تعرف كيف تتخلص منها .. وحكت بأنها كانت تحب شخصاً أخر من زمن بعيد , ولكنه الآن متزوج وأب لأربعة أطفال .. وكان يدرس الطب في انجلترا .. وعاد للوطن بعد غيبة عشر سنوات .. وبدأ يسأل عنها حتى عثر علي رقم تليفونها واتصل بها.

أما هي فقد استنكرت تصرفه , ونفرت منه في البداية ولكنه أوقعها ثانية في حبائله .. وبدأت تسهر معه علي التليفون طول الليل ولا تشهر بالملل منه هذا حسب قولها لي .

وصارت تذهب إلي المستشفى الذي يقيم فيه لتقابله مدعية بأنها مريضة .

وأصبح طبيبها الخاص .. يزورهم في بيتهم علي أنه يعالجها , وأخذت تقص علي مسامعي هذه القصص المكررة المعادة .. وبدأت أشعر بالملل منها ومن حكاياتها . كنت أتظاهر أمامها بعدم المبالاة , وأحاول أن أبدو أمامها أنني غير مهتم بأمرها .. ولكنني في الحقيقة أتضايق وأحس بغيرة شديدة .

في البداية .. كنت أتلهف علي سماع صوتها وأنتظر الساعات بفروغ الصبر ولكي أستطيع الاتصال بها .. والآن.. اقتصر كلامي علي السلام فقد . ثم أقفل سماعة التليفون حتى أتجنب سماع أية حكاية منها . وإذا حدث وسألتها .. لماذا التليفون مشغول سرعان ما تجاوبني بضحكة طويلة مائعة .. إنه الدكتور يا سيدي !

واشتعلت الغيرة في أعماقي فهذه المرأة جعلتني أشعر بالنقص وبأنني لو كنت دكتوراً ولي مركز كبير كانت أحبتني أنا . وأخلصت لي أنا ولم تتركني وتذهب إلي غيري الذي أثر عليها وأخذها مني ..

وقررت عدم مخاطبتها تليفونياً لأنني غاضب مني لأنها تهزأ بكرامتي وتجعلني ألعوبة في يدها .. ولكني لا أستطيع .. وأعيد الكرة وأعيد اتصالي بها وإذا  بها تصدمني عندما تسرد علي مسامعي حكايتها الغرامية مع هذا الحبيب الجديد القديم .

وأنا .. ماذا أفعل بنفسي وقد أحببتها ؟! هل أقطع اتصالي عنها ؟! ولكني حاولت ولم أستطع .

أرجو إرشادي إلي الطريقة الصحيحة التي أتبعها معها حتى أنسيها هذا الدكتور المحترم .. أو ما هو الحل في نظرك ؟!

أرجوك غاية الرجاء يا أخت كريمة أن لا تهملي رسالتي لأنني في تفكير دائم ولك تحياتي .

***

حكايتك مع صاحبتك “صاحبة الدكتور” حكاية يجب أن تنتهي وأن لا تشغل نفسك بها . فالحب ليس محادثات جريئة عبر الهاتف في النهار , وتأوهات وتشنجات في الليل , الحب بريء من كل هذه الأشياء البهيمية العارضة .

حبيبتك هذه .. أو امرأة الهاتف المجهولة يبدو أنها معقدة , امرأة حتماً قبيحة الشكل لم تحس يوماً بالرضا عن نفسها  , قد يكون لها صوت جميل , صوت تعرف كيف تستثمره , فبدأت تعيش علي كلمات الحب المسموع عبر أسلاك الهاتف الملتهب .. فتقتات منها وتتغذى بها .. تماماً كما تتغذى الطفيليات علي العصارة من جذوع النباتات ..

هذه المرة تقضي أوقاتها الضائعة مستمتعة بالأحاديث الفارغة مع السذج أمثالك إنها حتماً تعيش فراغ عاطفي مريع .

هي لا يمكن أن تكون علي علاقة بطبيب أو غيره .. إنما تحاول أن تثير مشاعرك وتلهبك بنار الغيرة , وتشعرك بالإحباط والخيبة وبأنها تعرف أحين منك مائة مرة .

نفس المشاعر التي تأكلها وتعذبها .

والحل ليس الغيرة أو البحث عن وسيلة تنسبها بها هذا الدكتور المحترم فالقصة من أولها مختلفة , قد تكون تعرفت علي عابر سبيل آخر مثلك في مثل سذاجتك فبدأت تسلبه وقته وراحته وأنت .. إذا أردت حقاً أن تتفوق علي نفسك وعلي عذابك أخبرها بمنتهى البساطة أنك تتركها لحبها الجديد ولا ترغب في تعطيلها عنه .. وابتعد

وتذكر أنه لو حدث يوماً ولمحت هذه المرأة ولو عن بعد , ستأسف وتندم علي تلك الدقائق والساعات التي أهدرتها معها . وخاصة في الليالي التي يعد النوم فيها صحة للنفس والبدن .

بحر الحرام

أنا شاب في الثانوية العامة لقد شاءت الظروف أن أسكن مع عمي الذي يعيش هو وزوجته التي تكبرني بسنتين وجدتي .. وابنه الصغير ولقد أتي عمي ورباني ولا أنكر فضله علي وبمرور الأيام وجدت زوجة عمي تميل إلي .. وأنا كذلك .. ولقد صارت تغريني بكلامها وجلساتها معي وخاصة عندما يكون عمي خارج البيت .. ومرع عندما كنت معها .. طلبت مني أن أفعل معها ما حرم الله , ترددت في بادئ الأمر ولكيني لم أقوى علي مقاومة شهوتي فقد كانت تغريني بثيابها التي كانت ترتديها وبجسدها حتى غرقت في بحر الحرام .. واليوم .. أحس أني مجرم .ز ضميري يعذبني حياتي أصبحت شقاء كرهت كل شيء .. كرهتها هي .. كرهت الحياة فكرت في الانتحار .. فكرت في الخروج من البيت ولكن أين أذهب ؟ ليس لي مكان ماذا أفعل يا أخت كريمة باللع عليك دليني علي الطريق .. هل أعترف لعمي وأريح ضميري .. وإن فعلت فهل يرضي عني الله ارحميني يا أختي ففي كل لحظة أتعذب وضميري يعذبني ليل ونهار .. أرجوك ردي علي الجواب بسرعة لأني سأنتحر لأيح نفسي من هذا العذاب …

***

يقولون : عاشق غارق في بحر الغرام . ولكنك يا أخي غارق في بحر الحرام .. ومع من ؟! مع زوجة عمك ؟! لقد كنت يا أخي المعذب ألعوبة في يد الشيطان حركتها هذه الأفعى لترضي نزواتها وتشبع شهوتها ولكن .. حمد لله .. استيقظ ضميرك أخيراً أهم ما في الموضوع أنك طالما وصلت إلي هذه الحالة فذلك يعني أنك لن تقترف بالمزيد من الآثام بعد الآن . وأول خطوة في طريق الخلاص من مشكلتك هي مقاطعة هذه المرأة تماماً والعبوس في وجهها ونهرها وزجرها كلما استطعت فإذا لم تقوى علي ذلك بمفردك أنصحك بإخبار جدتك التي تسكن معك , وتأكد بأنها ستعينك علي الخروج من محنتك , وستخلصك من خيوط هذا العنكبوت الشبق المتعطش لدماء شبابك ..

وعن الانتحار .. لا تضطرني ولا تدفعني إلي لومك أكثر من ذلك , فكفاك من أنت فيه , واعلم أن الانتحار ذنب كبير لا يعفره الله , الله الرحيم الحنون , الذي يغفر ويعفو ويقبل توبة العاصي , فليطمئن قلبك , والجأ إلي ربك واطلب منه المغفرة بصدق وندم ..وابدأ صفحة جديدة نظيفة في حياتك .ز وال تنسى الالتفات إلي مستقبلك نحو طريق الأمل والطموح بدلاً من طريق اليأس والعذاب .

 القارب التائه

أعيش بين أفراد عائلتي ذات المستوى الاجتماعي العالي والمادي الرفيع . ولكن ينقصني الإحساس بالرضا والرضا والسعادة . وذلك بسبب رب الأسرة أي الوالد الذي يمر بمرحلة عصبية مرضية كثيراً ما تراوده . فهو إنسان عصبي المزاج . ناري الطباع , متمسك إلي درجة التزمت بالتقاليد العمياء .

حياتي لا معنى ولا هدف بعيداً عن حبيبتي التي تبعد عني مسافات كبيرة ولكنها تعيش معي في قلبي ونفسي أناء الليل وأطراف النهار . أحس وأنا بعيد عن مسافات كبيرة , ولكنها نعيش معي في قلبي ونفسي أناء الليل وأطراف النهار . أحس وأنا بعيد عنها كل هذا البعد بأني ميت في هذه الدنيا , كأنني مسلوب الروح والعقل , أخاف من أي شيء دائم التفكير تخالجني كثيراً الوساوس والأفكار السوداء .

صوت لا أطيق اللحظات التي أكون فيها بعيداً عن حبيبتي أصبحت أحسب بكراهية لكل من حولي , ورغبة عنيفة في تدمير نفسي وتحطيم كل ما هو هو جميل في دنياي .. مما دعاني لأن أترك المدرسة وأقطع دراستي الثانوية وذلك لانشغال فكري المستمر وعدم تفرغي للمذاكرة بل وعدم مقدرتي عليها ..

كل ما يملاً قلبي ويشغل ذهني الآن هو أنني أود أن أخطبها من أهلها , وهم أقارب لي من بعيد , وأنا علي علم بأنه ليس لها ابن عم ولا ولد خال أي أنني لو تقدمت لها سيقبلون بي زوجاً لأبنتهم . أخاف أن يتقدم أحد ليخطبها أو يخطفها من أهلها , وهم أقارب لي من بعيد , وأنا علي علم بأنه ليس لها ابن عم ولا ولد خال أي أنني لو تقدمت لها سيقبلون بي زوجاً لابنتهم . أخاف أن يتقدم أحد ليخطبها أو يخطفها شخص آخر من يدي .

كثير من أصحابي المقربين إلي قلبي ينصحونني بأن أتقدم في أسرع وقت لأخطبها حتى لا أتحسر وأندم بعد فوات الأوان وأقول “طار طيري وصار من نصيب غيري” وهذا ما حدث بالضبط في السنة الماضية حينما تقدم أحد الأشخاص وقت لخطبتها , وقبل به أهلها ولكن حدثت ظروف أدت إلي إلغاء الخطبة نهائياً من تريد زوجاً لها , وأنهم لن يفرضوا عليها رجلاً لا ترغب في زواجه أو معاشرته . وهنا تنتهي المشكلة الأولى ولكن لا تزال توجد المشكلة الثانية أي لا يزال يوجد الوالد المتعصب علي تنفيذ رأيه وفرض إرادته علي الآخرين وخاصة نحن أبناءة غير ملتفت ولا مهتم بأرائنا أو رغباتنا .

وفي نظر والدي المتعصب المتمسك بالعادات والتقاليد القديمة , إن الابن يجب أن يتزوج بابنة عمه , وهذا ما يعرف بالعادات القبلية , ويضيف والدي مهدداً بأنني لم أتزوج بين عمي فإنه سيتبرأ مني ولن يعتبرني ابناً له مدى الحياة . أليس هذا حراماً ؟!

   كأنه هو الذي سيتزوج وهو الذي ينتقي العروسة , وهو الذي يحدد كل شيء الزواج .. متى .. والسكن أين ؟! وهكذا تمر حياتي بهذه الدنيا وكأنني مرفوض ملفوظ لا رأي لي ولا كيان .

أخشى تحدي والدي والوقوف في وجهة معترضاً خوفاً من العواقب التي قد تحدث له بسبب مرضه العصبي ..

رجائي وأملي أن لا تدعيني أتيه علي وجهي كقارب بلا شراع تتقاذفه الرياح وتضربه الأمواج فيصطدم بالصخور ويتحطم ويغرق .

أملي أن تجدي الرد المقنع لهذه المشكلة حتى تريحيني من هذا العذاب الذي أعيش فيه.

***

إذا كان القارب يتيه علي وجهة فتتقاذفه الرياح وتضربه الأمواج حتى يصطدم بالصخور ويتحطم ويغرق فلأنه يبحر بال شراع ولا دفة ولا بوصل ولا بحار ..

كل هذه الأشياء تنقص قاربك .. أي تنقصك أنت نفسك , وهي بعد ترجمتها إلي لغة الإنسانية تعبر العزيمة والإدارة والبصيرة والعقل ..

المشكلة ليست أن والدك مريض عصبياً ولا يتحمل أن يتحداه أحد .. المشكلة تكمن فيك أنت فلو كان عندك العزم الكافي والإرادة الكافية لما استسلمت للفشل وحكمت علي نفسك بالخيبة والضياع ..

فهل لك أن تبرز لي لماذا تركت دراستك ولماذا انسقت وراء هذه الرغبة العنيفة في تدمير نفسك وتحطيم حياتك ؟! في حين أنه كان من الأجدر بك أن تنساق وراء الرغبة في النجاح وإثبات الذات لتبرهن للآخرين وأولهم والدم , أنك رجل يقدر أن ينجح وأن يستقل بحياته ؟! إن أباك بتصرف وبتحكمه وتشدده في فرض رغبه عليك لا يزال ينظر إليك كما لو كنت طفلاً صغيراً غير ناضج ولا واع بأساليب الحياة .. أتصور أن من حقك أن تطالب بشريكة حياتك فأنت الذي يتزوج وليس والدك وأتخيل أنك لو حكمت عقلك , ونظرت إلي الأمور بتفهم ستدرك أنه يجب أن تحصل علي نفس “الحق” الذي نالته فتاتك بعد أن ترك لها أهلها الحرية في اختيار الزوج الذي تشاء .

فما بالك وأنت الشاب وهي الفتاة ؟!

أثبت لوالدك أنك رجل له رأي وكيان له عقل يختار به وينتقي من ستمضي معه رحلة العمر , أقنعة بأنك لم تعد ذلك الصبي المستهتر الذي لا يهمة من الدنيا سوى العبث واللهو والاعتماد علي والده في كل أموره .. صمم علي الرفض طالما أنت تكاد تموت وتتحطم من الألم اشرح له أنك غير قادر علي طاعته في أمر مثل هذا .. وأنك ستفشل في حياتك مع إنسانة لا تحبها بينما هناك الأخرى التي تتمناها . هي قريبتك أليس كذلك ؟! فلماذا لا توسط أحد أفراد العائلة ليتولى مهمة إقناع والدك ؟! شرط أن تصر وتصمم وحذار من الاستسلام للفشل في أي مجال سواء في الدراسة أو في الزواج فكم من زيجات لاقت الفشل وتعرضت للحطام بسبب الرغبة العارمة لدى الأهل في فرض إرادتهم علي أبنائهم دون أدنى اعتبار لمشاعرهم وأحاسيسهم . أنا شاب عربي من قطر شقيق أبلغ من العمر 24 وفقني الله وحصلت علي وظيفة في وزارة من وزارات الدولة وعملت بعد الدوام الرسمي سائقاص عند عائلة كبيرة وسكنت معهم وأصبحت واحداً من هذه العائلة الشريفة أكن لهم المحبة والود والإخلاص .

وفي يوم من الأيام طلبت مني ابنتهم الكبيرة توصيلها إلي السوق وفي الطريق أخبرتني بأنها ليس لها أي عمل في السوق ولكن كانت تريد حسب قولها أن تكلمني في شيء ما .. وهو ظانها معجبة بأخلاقي وبادرتني بأنها تحبني ولا تستطيع البعد عني وأخبرك يا أختي كريمة بأن هذه البنت جميلة ويتمناها كل شاب .. ولكن ليست هذه المشكلة ..

 والمشكلة هي أنني لا أستطيع خيانة أهلها لأنهم اعتبروني واحداً من أولادهم وأمنوني علي شرفهم فكيف بربك أخونهم مع ابنتهم التي اعتبرها في نفس الوقت أختي .. والمشكلة الأخرى هو أن أهلي قد أرسلوا لي رسالة يقولون فيها أن ابنة عمي تنتظرني .. أختي كريمة إنني محتار ماذا أعمل هل أترك هذه العائلة وأشتغل عند ناس آخرين علماً بأني قد أخبرت والد البنت بأني سوف أتركهم فقال لي وما سبب تركك لنا ؟ هل هو نقص في الراتب فإني مستعد للزيادة ولا تتركنا .. أخبريني ماذا أعمل ؟ هل أقول للبنت بأني خاطب ابنة عمي ؟! أم ماذا أعمل ؟

***

لن أوجه الكلمة لك وكما تتوقع مني ولكني سأوجهها إلي رب هذه الأسرة ..والد تلك الفتاة اللاهية .. فيكف بالله يعرض بيته وبناته لإغراء الخطيئة بوضع شاب مكتمل الرجولة غريب عن أهل الدار بينهن . بحيث تتاح له الفرصة الأخرى للاختلاء ببناته .. حتى ولو كانت داخل سيارة ؟!

أليست هذه سذاجة وطيبة متناهية فكيف نضع النار جنب البنزين ونأمل ألا يشتل ! لذا .. أرجو من أمثال هؤلاء الآباء الطيبين أن لا يفتحوا بيوتهم وقلوبهم للرجال (العزاب) مهما كانت متانة أخلاقهم إذا كان عندهم بنات مراهقات فالشيطان جبار – والخطيئة مغرية والشباب تهور واندفاع ! وأما أنت يا أخ ناصر .. فما عليك إلا مغادرة هذه الأسرة فوراً , والحمد لله أنك موظف في الحكومة ولست في حاجة ماسه إلي هذا الراتب الإضافي ولو إلي خبين حاول أن تتزوج من أبنه عمك في أقرب فرصة .. وليوفقك الله ويديم عليك نعمته .ز نعمة النزهة والخلق المتين !

عيون الحب

توفى والدي وكان عمري سبعة شهورعندما أكملت عشر سنوات اشتغلت طلباً للرزق . وقد وفقني الله في بادئ الأمر حيث اشتغلت لدى عائلة محترمة جداً والتحقت بإحدى المدارس الليلية .

ومضت سنوات تقارب السبع ولا زالت أعمل لدى هذه العائلة , ومواصلاً دراستي بكل نجاح وتفوق وقد أحبني جميع أفراد العائلة كابن لهم . وأنا كذلك اعتبرتهم مثل أهلي .

وبعد مرور السنوات وقعت في حب لا أعرف كيف تسلل إلي قلبي حب ابنة هذه العائلة .

ومرت أيام وشهور وكلما مر يوم يزداد عنفوان هذا الحب والتي أحبها لا تعرف عن حبي شيئاً فكتمت إحساسي في قلبي وعشت بلا روح . وبعد شهور أخرى أحست الفتاة بحبي هذا .. فضحتني عيوني وكشفت عما في قلبي ودلت تصرفاتي غير المعتادة علي ما في نفسي . وبدأت الفتاة تقوم بحركات غير عادية لكي تجعلني أحبها أكثر , وفعلاً اشتعل حبي وتأجج وتصورت أن الدنيا أصبحت ملكي , وقلت لنفسي أنها أملي في الحياة .

ونسيت من أنا . وماذا أعمل , وابن من أكون وكيف أنا فقر وهي ثرية ولم أفكر في عائلتي المتواضعة ولم أقارنها بعائلتها العريقة .

المهم .. استمر هذا الحب أربع سنوات كاملة دون أن أبوح بكلمة واحدة وهي كذلك , ربما لأنها فكرت أن مصير هذا الحب الفاشل .. ولكنها كانت تبادلني نظرات الحب المكتوم الذي يطل من العيون .

وخلال هذه السنوات التي مضت تغيرت حياتي , أصبحت معقداً جداً , نسيت أهلي وأصدقائي .. لم أعد أحب أحداً سواها أصبح كل تفكيري فيها , وإذا أراد شخص مخاطبتي لا أستطيع أن انظر إليه إذا تمتلئ عيوني بالدموع ويحمر وجهي خجلاً .

وإذا جلس أحد بجانبي ينتفض من جسمي , وإذا شاهدت فيلماً عاطفياً أو سمعت أغنية عاطفية تتساقط دموعي .

أصبحت أحب العزلة والوحدة , لم أعد أطيق الذهاب إلي المدرسة لأني لم أعد أفهم شيئاً من الدروس أو الشرح بسبب الشرود والسرحان الدائم الذي أعيش فيه .

كل من يعرفني يطن أنني أصبحت متكبراً لأني لا أكلم أحداً وال أزور أحداً لكني في الحقيقة لا أنظر لنفسي بأي اعتبار كذلك صارت الأشياء لا تهمني .

لا يهمني الفقر أو الغنى , العز أو الذل بدأت لا أهتم بشئ ولا أخاف من شيء سوى الله سبحان الله وتعالى ..

كل تفكيري مركز علي هذه الإنسانة , التي بدأت تعمل حركات تجعلني أغضب منها , ولكني أحس رغم ذلك أن قلبها عيونها تحبني ..

هذا هو الفصل الأول من مشكلتي , أما الفصل الثاني فقد بدأ عندما قمت بزيارة أهلي في بلدى منذ بضعة شهور . وفي الزيارة أرادت والدتي أن تزوجني بنتاً لا أعرفها ولا أحبها , وشرحت والدتي ظروفها بأنها أصبحت كبيرة في السن ولا تستطيع أن تعيش لوحدها وتقوم بعمل البيت والمزرعة التي تمتلكها وتريد أن تراني متزوجاً قبل أن تموت .

حاولت إقناعها , ولكنها أقنعتني , وربما أكون قد أشفقت عليها , كما لا أريد أن أكون عاصياً .

ودعت أمي وسافرت علي أن أعود بعد بضعة شهور كي أتزوج .

وعدت لعملي شائقاً عند تلك الأسرة المحترمة , ولا زالت أواصل دراستي بكل صعوبة رغم حبي وشغفي بالعلم .

 ولا أدري ماذا أفعل بحياتي التي أصبحت في خطر . هل أقنع قلبي بنسيان هذه الإنسانة وكيف أستطيع ذلك وقد حاولت كثيراً دون جدوى ؟

هل أطاوع والدتي وأتزوج بإنسانة لا أريدها ولا أريد غير تلك التي أحببت ؟! وربما لو تزوجت بهذه البنت التي اختارتها والدتي لا أستطيع مواصلة دراستي .

أرجو إرشادي إلي الطريق الصواب لأنني أعتبر أن حياتي ليس لها معنى في هذا الوجود .

***

قلب الأم لا يخطئ أبداً . وأمك عندما اقترحت عليك فكرة الزواج ربما تكون أحست ببعض ما أنت فيه ..

أنت تحب ابنة هذه العائلة العريقة .. ولكن هذا لا يمنع أنك تشتهيها وترغب فيها , لأن عفي هذه السن نضجت الفتاة وبدت عليها علامات الأنوثة , كما بدت عليك معالم الذكورة.

ثم أنا أعتقد أن الحب له مقومات , أبسطها التفاهم وتبادل لغة الكلام طالما الفرص سانحة ولا يمكن أن يقتصر فقط علي لغة العيون ..

الفتاة نفسها قد تصرفت بحكمة وبدأت توقفك عند حدك بطريقتها عندما قلت “بدأت تعمل حركات تجعلني أغضب منها”

ثم إنها لم تتفوه بكلمة واحدة تعلن عن ذلك الحب الذي تتواهمه يعيش في قلبها ويطل من عينيها ..

هذه كلها اضطرابات نفسية مرت بك خلال فترة المراهقة التي دفعتك إلي الانجذاب الكبير نحو هذه الفتاة ..

ارحم نفسك وأطع أمك وتزوج من تلك البنت التي اختارتها لك , فلا معنى لبقائك في صومعتك تعذب نفسك بالوحدة والعزلة . وارحل عن تلك الأسرة وأحفظ نفسك من الوقوع في خطأ قد تندم عليه عمرك كله .

أما عن قلقك علي إتمام تعليمك فيما لو تزوجت .. فهذه مسألة في يدك أنت وحدك . أم أنك تريد أن تقنعني بأنك ستفلح وتحصل علي أعلي الشهادات وأنت في هذه المرحلة المتردية من الشرود والسرحان وعدم القدرة علي الفهم والتركيز ؟! .

عقبات الطريق

بدأت مأساتي منذ ثلاث سنوات حيث جمعتنا فرصة أبيس القدر إلا أن يصنعها ليتركني أتجرع المرارة ما بقى العمر مستمراً , المهم أصبحت لقاءاتنا تكرر وبالطبع أنا لست من خفافيش الظلام , بل كنت أتيها وعيون الأهل الحارسة ترعي كل شيء واستمر حبي لها ينمو مع كل لحظة من لحظات هذه السنين الثلاث , وكنت ألاحظ علامات الهيام والعشق تطل في عينيها وبسمات تقاسيم وجهها , وبعد هذه المرحلة لاحظت تبدلاً في طريقة استقبالها وفي محاورتها لي , وبدأت تساورني الشكوك في معيار حبها , وفي كل يوم ينمو هذا الشك حتى رسبت هذه السنة ولم أحصل علي إجازة التدريس حيث أنني في السنة النهائية علماً بأن مشاكل عائلية قد حدثت بين الأسرتين قبل أن أتعرف عليها وهي قريبة لي أشد القربة , وعلمت في الأيام الأخيرة أن ضغوطاً مصوبة إليها وذلك بسبب حبي لها وحبها لي .

وأنا الآن تجاذبني فكرتان فكرة الإقدام علي السير في هذا الطريق , وفكرة الابتعاد نهائياً عن هذا الموضوع وهذه الفكرة صعبة التنفيذ وذلك لأن هذه الذكريات جزء من عمري عشت فيها أحلاماً لن تتكرر مرة أخرى .

والمشكلة ليست فتاتي بل هؤلاء البشر لا هم لهم إلا وضع المطبات في الطرق التي أخطروها ! سيدتي صدقيني إذا قلت لك أنني أعيش علي أمل نشر قصتي والرد عليها ولك عميق شكري .

***

مشكلتك لم تكن واضحة أبداً لي رغم ما أحسسته بها من ضيق ومعاناة !

الشيء الوحيد الذي فهمته هو التفكير السليم من أجلك ومن أجل الفتاة التي تحبك .

وأما المشاكل السائدة بين الأسرتين فحاول أن تتدخل وتكون واسطة خير وتحلها , وما إذا كان الموضوع أكبر منك فعليك الاكتفاء بحل مشكلتك والزواج من فتاتك بأسرع ما يمكن , دون الالتفات لهؤلاء الحاسدين الذين يضعون لك العقبات في الطريق .

وبالفهم والمودة تستطيع أن تصنع حياة هادئة مستقلة بعيدة عن مرمى خلافات الأسرتين , سعيدة بالحب الكبير بين الزوجين . بالنسبة للتغيير الذي لاحظته , والتبدل الذي لمسته في طريقة معاملتها ربما كان سببه هو ضيقها ومللها من الانتظار , وكان هذا إنذار لك لتعجل بالتصرف الإيجابي المطلوب وهو الزواج .

فعجل يا أخي .. وأسرع ولا تنتظر أكثر من ذلك , وحاول أنت تنسى تلك المأساة التي تجرعك المرارة والتي لم تذكرها وهذا أفضل فالتناسي يجلب النسيان .

هل أنرك وجي لها ؟!

أنا زوجة وأم لثلاثة أطفال تزوجت منذ 8 سنوات وعمري 25 سنة زوجي يعمل بالتجارة ببلد مجاور في الخليج حياتنا سعيدة ولله الحمد , أنا أعرف أن زوجي له علاقات كثيرة بالنساء , ولكني أخيراً اكتشفت أنه علي علاقة بامرأة معينة وليست علاقة عابرة كغيرها , فهو لم يعد يستقر وإنما كل كم يوم تصله برقية يطير علي أثرها إليها . وقد حاولت الذهاب معه ولو مرة واحدة ولكنه لم يقبل ويعتذر بالشغل .

وأنا أعيش معه في البيت كعاشقة له ولست كزوجة فقد وأحاول أن أوفر له جو السعادة والانبساط أي أحاول شده إلي البيت والأولاد بجميع الأشكال , وقد فاتحته في هذا الموضوع أكثر من مرة وتناقشنا , أول الأمر , أعترف بذلك وقال أنها تريد الزواج وأنه لن يتزوجها , ثم أخذ يتهرب من المناقشة وإذا أجبرته علي ذلك حاول أن يتجاهلني وقد جاءني مرة من السفر أي من عندها وزعم أنه تخاصم معها ورجائي أن أصدقه وتظاهرت بتصديقه وصدقته وبعد أسبوع من وصوله وصل منها تلكس تطلبه أن يتوجه إليها وطار علي أثره لها وحين ناقشته قال أنه لم يصله شيء منها وإنما ذهابه بسبب أعماله وكان قد أكد لي بعد وصوله المرة السابقة أنه لم يعد لديه أعمال وأن هناك وكيالً له هو الذي سيرسل له البضاعة . ولكنه تراجع بسرعة وأنا لا أريد أن أترك أولادي وأذهب لأهلي لأنني لا أريد لهم الضياع والتشرد وقد أفهمته بأنني سأذهب وأترك له أولاده ولم يكن عنده مانع ,أرجوك أرشديني إلي الحل الصحيح لأسترد زوجي لأنني أحبه ولك جزيل الشكر .

***

أولاً .. وقبل أن أدلي برأيي في مشكلتك .. اسمحي لي ان أهنئك علي رجاحة عقلك ورزانتك .. فأنت بالفعل مثل للزوجة العاقلة المحبة لزوجها .

 أنت بطريقتك هذه المهذبة وبمحاولاتك الدائمة لجذب زوجك إلبي بيته وأولاده ستربحين الجولة في النهاية .

فقد .. المهم ألا تفدي أعصابك أو تثورين فتتهوري وتتركي البيت . لأنه إذا حدث ذلك – لا سمح الله – فكانت تتنازلين عن زوجك بكامله لتلك الأخرى . ولذا يا عزيزتي .. أتوسل إليك أن تبقى في بيتك وسط أولادك , لأنك كما قلت في رسالتك أن زوجك ليس عنده مانع من ذهابك إلي بيت أهلك .. إذن لا داعي لهذا التهديد !

ثم .. من أدراك أن المرأة الأخرى لا تتمنى حدوث ذلك ؟ .. حتى يخلو الجو لها .. خاصة وأنها طامعة في الزواج منه كما تقولين ؟

نصيحتي .. هي أن تتجاهلي تماماً فتح هذا الموضوع مع زوجك حتى لا يزداد عذابك .. وفي نفس الوقت أشعر بأنه كل شيء في حياتك .. وبأنك لا تتخيلين أبداً العيش بدونه .. فربما يصحو ضميره .. ويتخلص من هذه الأخرى التي أـوقع لها أن تكون نزوة عابرة مرت في حياته .. هذا إذا عرفت كيف تتصرفين ,و وبهدوء وحكمة .. وبال اندفاع أ, تهور !

محافظة ولكن !!!..

 مشكلتي بدأت بتعرفي علي شاب قريب لي في ظروف عائلية . فارتبطنا برباط الحب الذي لم يكن إلا من طرف واحد .. أي أنه كان من جانبي كما اكتشفته مؤخراً .. ولكني كنت أبادله الحب والإخلاص والثقة .. أصدقه في كل ما يقول واعمل بكل ما يأمر لثقتي الكاملة فيه وفيما يقول فقد كان مثالاً للوفاء كما كنت أعتقد . ولذا فقد ابتعدت عن كل ما حولي طبقاً لإرادته .. رفعته عالياً فلم أرى أحداً سواه وثقت بكلامه رغم أنني اكبر منه سناً ولكنه أقنعني بأنه إرادته .. لا أزور أحداً ولا أشتري شيئاً ولا حتى أكلم أحداً إلا بعد إذنه فقد كان يدعوني بزوجته وأن علي حقوقاً يجب أن أراعيها – وهكذا عملت علي ان يثبت كلامه ويتزوجني كما كان يقل .. ولكني اكتشفت مؤخراً أنه كان يلعب بي رغم لمسته من والدته والتلميح إلي زوجه مني .. رغم كب هذا اكتشفت أنه قد خطب أخرى رغم إرادة والدته – ولكنه أخبرني بأن والدته فعلت ذلك وعندها عرفته كاذباً .. استفسرت منه فأخبرني بأنه ما زال يحبني ولكن ما معني أن يحبني ويخطب غيري .. ولكن للأسف كان حبه لي لنا حية واحدة .. أما أنا فقد كنت أحبه لشخصه أما الآن وبعد أن حصل علي كل شيء مني .. تركني رغم ما بيننا من صلة القربة التي لولا هذه الصلة لم تعرفت به لأنني محافظة جداً ولم أتعرف علي أي شاب من قبلة ولا أطيق أن يلمسني إنسان غيره .. وأظنني لا أصلح لأي وجل آخر ولا أستطيع أن أخدع أي إنسان آخر .. لقد تعبت من التفكير والألم يعتصرني لا أعرف للنوم طعماً ولا للأكل مذاقاً .. لقد نحل جسمي وتدهورت صحتي والدموع لا تفارقيني أبداً لا ليل ولا نهار .. أنا التي كنت عنواناً للمرح والسعادة .. انقلبت حياتي كلها بسببه .. لقد فكرت في الانتحار . ولكن محاولاتي باءت بالفشل .. وأنا الآن في حيرة من أمري .

ماذا أفعل بربك ؟!

لقد حاولت معه فلم أوفق , أرشديني وإلا لن أجد طريقاً للخلاص .. سوى الخلاص من الحياة نفسها لأنني لا أطيق الحياة بدون أو أن أراه مع أخرى لأنه حياتي , فماذا أفعل . وكيف أتخلص من هذه الآلام التي أعيشها .

خذي بيدي فأنا أصبحت عاجزة عن التفكير .. تائهة لا أعرف ماذا أفعل ؟

ولك من الله الثواب الكبير ومني الشكر الجزيل !

***

برغم كل ما حدث لك , فمن الواضح أنك بالفعل فتاة ساذجة انخدعت بكل هذه السهولة لمن هو أصغر منك سناً وأكبر منك دهاء .

عزيزتي ..

لست أدري ماذا أقول لك ؟! هل أقول ل هذا جزاء كل من تفرط في نفسها وتنخدع بكلام غيرها ؟ أم أقول لك ادفعي الثمن .. من أيام حياتك وليالي عمرك ..

بالطبع لن اقول لك كفاك بكاء وندماً , فمهما كررت وعددت فلن أجد لديك أذناً صاغية ..

ولذا .. سأوجه كلمتي هنا لكل فتاة يصور لها الحب أو الاندفاع أنها لو فرط في نفسها ستجد من يصونها .

أبداً .

فالرجل بطبعة ينفر من تلك التي تسلمه جسدها حتى ولو كان عابداً في محراب جمالها , أنه يمقت أن ينتمي إلي أنثى من هذا النوع (السخي) حتى ولو كانت تجود عليه هو فقط .. بكل ما تملك ..

هذا الدرس الرهيب .. يعلمك أشياء كثيرة , ولكن للأسف بعد فوات الأوان .. مشكلتك كما أري .. بلا حل , لأن رجلك يبدو من ذلك النوع الذي يلتهم فريسته ولا يلتفت إلي بقاياها..

 فعوضك علي الله فيما فقدت .. وعسى أن توفقي إلي العثور علي الشخص الكبير القلب الذي يحبك .. ويغفر لك .

مراهقة ناضجة جداً

 عزيزتي وصديقتي

هذه أول مرة أكتب لها فيها , وأنا واثقة بأن رسالتي لن تجد طريقها إلي سلة المهملات لما عهدنا فيك من صدق في صفاحتك وخاصة أحرف وكلمات !

عزيزتي : لن أطيل عليك .. وسأقول لك مشكلتي بسرعة !

أنا فتاة أبلغ الثامنة عشر , مؤدبه جميلة متفوقة في دراستي . خطبت لشاب يحبني وأحبه كثيراً ومقنعة به جداً !

ولكني عندما أرى أي شاب وسيم , أشعر نحوه بميل , وهذا يشعرني بأني لست مؤدبه !

فهل هذا طبيعي في مثل سني ؟ علماً بأني فتاة مستقيمة . لا أحب الغش في المدرسة والامتحانات , صدقة , لا أنفذها !

وعندما يقول والدي أو والدتي شيئاً أحس برغبة عنيفة في مخالفتهما وإن كنت أحبهما كثيراً . ولكني لا أستطيع السكوت عما لا يعجبني !

وأخيراً , أعتقد بأنني أشعرتك بالملل من رسالتي المتناقصة , ومشكلتي ليس لها حل والدتي لم أرسلها إلا لثقتي بك وشكراً .

***

 تحيه حارة أرسلها لك لأعبر عن فرحتي برسالتك التي هي “عين العقل” !

فأنت يا حبيبتي .. يا ابنة الثامنة عشر يجب أن تعرفي أنك (مراهقة ناضجة جداً).  وكل هذه المشاعر التي تحسينها والتي تؤدي إلي شعورك بالعناد مع أسرتك والميل نحو أي شاب وسيم . وبأنك مضحكة وغير واثقة من نفسك . كلها مشاعر عادية جداً في هذه المرحلة من العمر التي تتميز بالاضطرابات النفسية الحادة !

 لكن ألذ ما أعجبني في رسالتك هو الصدق وتشغيل مخك في استرجاع مشكلتك . وهذه هي بداية الطريق للتوافق مع الحياة والعيش بأسلوب سعيد . فالمريض النفسي عندما يقتنع بمرضه ويذهب إلي الطبيب النفساني .. تكون هذه هي الخطوة الأولى في طريق العلاقة!

وأنت بوضع يدك علي مشكلتك .. تصبح هناك .. لا مشكلة . وهذا هو الواقع . فأنت في منتهى العقل وسعة الإدراك بالنسبة لهذا السن الصغير .. وهذا ما أسعدني بك !

واسمحي لي أن أهنئك بشخصيتك .. بتفكيرك , ولا تقلقي فأنت في نهاية مرحلة المراهقة وكل ما أطلبه أن تبقى هكذا “تشغلي مخك” باستمرار وأن تنظري دوماً إلي الأمام .. وقدري إثر كل خطوة تقدمين علها !

وهنيئاً مقدماً .. بحياة سعيدة هادئة !

الهمس المسموم

قبل أربع سنوات أحببت فتاة كنت ومازلت أري في شخصيتها كل القيم الحميدة والأدب والأخلاق وعرفت كل شيء عنها كان حبي لها حباً عذرياً شريفاً خالياً من كل شيء ينافي الأخلاق , لم أصارحها يوماً بحبي وكل منا عرف أن الآخر يهواه ويحبه من خلال الصمت ونظرات العيون .. وفي .. يوم من الأيام جاءها خاطب متزوج وله أولاد .. ولا أعلم وقتها ماذا أصابني .. هل بدافع من الحب أم بدافع الغيرة قررت أن أتزوجها وتقدمت لخطبتها رغم أني كنت في ظروف مادية سيئة لا تسمح لي بالزواج وعارضت أسرتي هذا الزواج بجميع أفرادها حتى أهلها عارضوا هددوني بالقتل ولم يكن منهم أحد معي سوى والدها وأمها .

وأجبرت أهلي علي خطبة هذه الفتاة لي وتمت الخطوبة وعشنا فترة الخطوبة التي دامت سنه ونصف وبعد ذلك تزوجنا طفلة جميلة هي ثمرة حبنا .

عزيزتي .. منذ خطبت فتاتي بدأت أسمع الكلمات والأحاديث السيئة التي تناول والدة زوجتي بأنها سيئة وتتبع طرقاً غير شريفة وأنا الآن في حيرة من أمري لا أعلم ماذا أصبع .. هل أطلق زوجتي ؟ وما مصير هذه الطفلة ؟ أم أبقيها علي ذمتي ونحن نعيش في مجتمع ليس له عمل سوى الكلام بأعراض الناس مع العلم أني أحب زوجتي حباً حتى الموت وهي كذلك تحبني . فماذا أصنع بالله عليك أرشديني إني في حيرة وأصبحت لا أنام الليل مما أسمع أرشديني وجزاك الله خيراً ..

***

أنت دون أن تقصد وضعت يدك علي بيت القصيد فحقاً نحن نعيش في مجتمع ليس له عمل سوى الكلام والخوض في أعراض الناس . سواء كان كاذباً أم صدقاً .. نحن تعيش في مجتمع مشوه القلب ممزق النفس لا يستمريء سوى الكراهية ولا يستلذ إلا بالنميمة والبغضاء!!

عجيب..!

عجبي لهؤلاء الناس قد تحجرت قلوبهم , وتصلبت أحاسيسهم فأخذوا يطعنون بأسنة ألسنتهم زوجة مسالمة وطفلة بريئة لا تعرف سوى الحب والسكينة , ولا تتمنى في دنياها الوردية سوى أن تعيش بين والديها وأن تربي بين الأربع عيون !!

عجبي لهؤلاء وحوش بشرية تنهش بدناءته وبذاءة سيرة الناس ليس لسبب .. وإنما للتمتع بشهوة إيذاء الغير .. وللتمتع بالإحساس بالقوة الكاذبة وبالقدر الخادعة علي طعن وقتل الآخرين بسم الكلمات الزاعف .

لا يا أخي ..

لا تضحي بزوجك ذات القيم الحميدة والأدب والأخلاق الجيدة .. زوجتك التي تحبها حتى الموت .. ولا تجني علي طفلتك الجميلة .. وعش حياتك سعيداً هانيئاً , وسد أذنيك عن همسات حيادك , بل ولا تكفي بذلك وإنما يجب أن تنهرهم وتخفيفهم وتيئسهم من أنك لا تصغي إليهم وبعدها ..

ستذهلك النتيجة يا أخي سيبهرك التحول العجيب الذي ستراه في سلوكهم عندما يتبدل السباب مديحاً , وينقلب الذم إطراء .

بقيت لي كلمة عتاب صغيرة أسوقها إليك , أقول أبعد حب دام أربع سنوات .. وبعد خطبة طالت إلي سنة ونصف .. أبعد هذه الليالي والأيام .. تأتي الآن وتصغني إلي هذه الخزعبلات وتدعها تحيرك وتحجيب عنك النوم ؟!

ولنفرض أن كلامهم حقيقي .. ماذا بيد زوجتك أن تفعل ؟ وهل تقبل أن تطلقها وتلقيها فريسة سهل للألسنة تنهشها أكثر وأكثر هي وابنتك فلذة كبدك ؟!

لا يا أخي .. دع عنك الحيرة واركل هؤلاء ذوي القلوب الصدئة , واستمتع مع زوجتك وابنتك بالحب الذي لا يعرف الكراهية ولا النميمة .

الوردة الذابلة

نحن أسرة نموذجية تتكون من أب وأم وثمانية أطفال , أنا الابنة الثانية , كانت حياتنا مثالاً للمودة ورمز للحب , فأبي يساعد أمي ونحن نعاونهم وكلنا سعداء . وفجأة تغيرت حياتنا , وأصبح أبي يخرج من البيت كثيراً وتغير في معاملته , ونحن كبرنا وهو لم يغير تصرفاته مع أنه في حدود الأربعين من عمره .

 جدي , لله يرحمه , سبب المشكلة , لما مات ترك أربعة أبناء , وترك ثأراً قديماً , أهل أبي لا يحبون أمي بسبب هذا الثأر بينهم . أبي تغير علي أمري بعد كل هذا الود , وكل هذه السنوات , صار أنانياً هبه في نفسه فقط . تصوري أن بنت عمي التي تعيش معنا . خطبت لأبي صديقتها التي عمرها 19 سنة , لأنها تكره أمي ؟! مع أن أمي كانت تعاملها كابنتها ! وأنا نفسي تعقدت , اليوم مثل بكره , والنهار مثل الليل والليل مثل النهار .. أصبحت حزينة وأنا أري أبي يحاول أن يثأر من امرأته نفسها . وهي ما هو ذنبها . هي بنت عمه وعمها قتل عمه . لكن أبي تغير و صار يسمع كلام الناس , وأمي عمرها ما قصرت في حق من حقوقه , وهو دائماً مسافر يطوف العالم كله . فنحن من عائلة غنية لها مركزها ونفوذها .. ولكن للأسف المادة طغت علي الإحساس , علي المشاعر وأبي ينسى دوره في الحياة , كأنه ليس أباً , اهتمامه كله بلباسه ومتعته .

وأنا الحياة غيرتني عن طبيعتي , بعدما أصبح البيت كئيباً , فيه مشاكل كثيرة , وبعدما صرت أتعذب وأنا أرى أمي الشابة الصغيرة وهي تذبل كالزهرة قدام عيوني ولا أقدر أن أعمل لها شيئاً , زواج أبي بعد أيام , اشترى فيلا لعروسه في الخارج , هو ثري لا تهمه الناحيه المادية , ومع ذلك أحياناً يبخل علينا .

 نحن لا تهمنا المادة كل ما يهمنا الحب والرعاية والحنان والعطف تحتاج كلمة حلوة , لمسة أمان , شعوراً بالاطمئنان .وأنا أخاف الغد . انظر إلي الأيام بحزن وأنا أفكر في مستقبل أمي وفي شبابها وجمالها وحدتها وأتعذب .. ولا أدري ماذا أفعل ؟!

***

 أنت صادقة كل الصدق في عذابك ومعاناتك , وتصويرك لحالة أمك وتشبيهها بالوردة الذابلة هو عين البلاغة . فمع كل الأسف هذه هي الحقيقة , حقيقة ذبول المرأة بعد أن يهجرها زوجها .. والسبب .. السبب أن الزواج هو مل حياة المرأة , أما الزوجة فليست إلا جزاءاً من حياة الرجل . وعندما يتركها تصبح نهباً للقلق وفريسة للأمراض النفسية والعصبية , فتصبح بعد فترة وجيزة مريضة معتلة بسبب الوضع المحطم الذي تفرضه علي نفسها .

وبفضل سلسلة متصلة من الأحزان , هي بالضبط سلسلة خنق بطيئة لروح إنسان ضائع وحيد , لن يبقى منه بعد ذلك إلا غلافه الجسد الخارجي , جامداً فاقداً للحياة كالآلة يحركها الآخرون .. وكم يكون هذا الثمن باهظاً لأنه ثمن الحياة ذاتها !!

وأنت يا فتاتي الحنون يجب أن تقفي بكل حب وكل صدقك وبراءتك إلي جوار أمك , يجب أن تجعليها ترفض دفع حياتها ثمناً لرجل مهما كان هذا الرجل .. وإن كان أباك ؟! ساعديها لتوقف انسحاق نفسها وروحها , فهذا العذاب أشد وأفدح من أن يحتمله كائن منا . أقنعيها بك وبأخوتك كي تصارع ضد هذا القتل البطيء .

.وابتسامة علي وجهك .. وقبله من أختك الصغيرى وضحكة علي ثغر أخيك سوف تعيد إلي أمك توازنها , وستجعلها تشعر بأنها كل حياتكم . ومن ثم ستتمسك بحياتها ورونقها وبريقها .. من أجلكم أنتم .. صغارها الثمانية أما أبوك .. فدعيه وشأنه اتركيه ينهل من أنانيته ولذاته حتى الثمالة , دعيه يقاسي الغيرة والعذاب برفقة هذه الزوجة الشابة التي في عمر ابنته وبعد أن يرتوي سيفتشي عن أمك الجميلة الحنون , التي ما قصرت في حق من حقوقه وسيعود إليها نادماً تائباً .

 وحتى إذا لم يعد أدعى والدتك إلي المشاركة في الحياة الاجتماعية اكسري قوقعة عزلتها , وأخرجيها من سجن ذاتها .. ودعيها تواجه الناس بلا جرح كرامة , ولا خجل نفسي .. ومع مرور الزمن ستنشد التفوق في أبنائها وستمضي في الحياة متحدية الذبول والإحباط .

مأساه

أبعث إليك برسالتي بعد أن نفذ الصبر وطال الانتظار , بعد أن فكرت بالانتحار مرات ومرات . مشكلتي تبدأ منذ سنوات .

إنني فتاة أبلغ من العمر السابعة عشر وفي الصف الثالث الثانوي فقدت عذريتي وأنا عمر يتراوح بين السادسة والسابعة منذ فترة طويلة عندما كنت أجهل ما يدور حولي .. حصل هذا من شخص اغتصبني من عائلتي وهو الآن متزوج وله طفله .. لم أكن أعرف ما يخبئه القدر لي .. إن ما حصل لي لم يفارق ذكرياتي للآن كنت أعجب لتصرفه ولكني كنت جاهلة..

بعد فترة من الزمن وبعد أن عرفت معنى الحياة تكشفت لي حقيقة ما حدث اكتشفت أنني فقدت أعز ما تمتلكه الفتاة علي يد أثيمة لم تفكر بمستقبل فتاة هدم من جراء شهوات لا مبرر لها , أقلم لك بأنني بريئة وأخاف المصير الذي سيئول إله حالي لو عرف أهلي أنني لا أستطيع أن أبوح بآلامي لأمي لأن المثل الأعلى عندهم النار ولا العار أين المروءة والإنسانية أيها الشباب الإسلامي هل يرضي الله بذلك .. وماذا يقول لنا القانون نحن الأبرياء .

إنني إنسانه أحس واشعر ولكن ما فائدة هذا فكل من حولي لا يشعرون ولا يحسون بألامي وجراح قلبي , إنني أموت في اليوم ألف مرة واحيا من جديد لأتعذب وأذوق المر والهوان أرجوك يا أختي امسحي دموع عيني وأرجعي الابتسامة إلي وجهي وأضيئي درب حياتي .

***

اسمعيني أي فتاتي .. إن مأساتك أليمه أنا معك , ولكن يجب ألا تفكري في النتحار .. وكفاك تعذيباً لنفسك ,.. فكفاك مراراً الاغتصاب وأنت لم تزالي طفله صغيرة .. وكفاك ألماً وأنت الآن علي أعتاب الحياة الواسعة ..

.. الجئي إلي أمك يا ابنتي وأفضي غليها بسك الأليم الذي احتفظتي به كل هذه السنين , وال تخشى شيئاً , فهي لن تفضحك بل ستساعدك لأنك يائسة مظلومة وأرجو أن لا تبقين يائسة ..

الحل في يد أمك يا ابنتي , فهي وحدها التي تقدر مساعدتك وسارعي بإخبارها الآن قبل أن يتقدم إليك أحد طالبي الزواج , وساعتها مهما حاولت أن تداري وتخفى سرك لابد وأن يفتضح أمرك .. ولذا من الأسلم أن تخبريها الآن .. ودعيها تشاركت دفع ثمن هذه الجريمة دعيها تحمل عنك البعض من عذابك .. فأين كانت هذه الأم لاهية عن ابنتها الطفلة التي افترسها وحش أدمي لم يراعي حرمة طفولتها ولا براءة نفسها .. أين كانت هذه الأم وكيف لم تلحظ ما ألم بطفلتها الصغيرة .. بفلذة كبدها البريئة .. إن ذنبك يا ابنتي في رقبتها . فهي لو كانت أعطتك القدر الكافي من الرعاية والاهتمام لما كان أصابك ما أصابك .

وأما هذا الوحش المفترس الأثيم فسينتقم الله منه شر انتقام .. وثقي أن من ظلم يظلم ولو بعد حين .. وإن كان أملي كبيراً في أنك عذراء . لأن جرح الطفولة سرعان ما يلتثم ويندمل فلا تفزعي وعجلي بعرض نفسك علي طبيب أخصائي .. تحياتي .

المتهم بريء

أنا شاب أبلغ من العمر 24 سنة , لي ثلاثة أخوة أنا أصغرهم .

أخي الأكبر متزوج وله عدة أطفال . وبالرغم من ذلك يسكن هو وزوجته معنا في بيت واحد .

بدأت ألاحظ في الآونة الأخيرة أن زوجة أخي معجبة بي إلي درجة الجنون , ومندفعة نحوي بعد إنجابها هذه الذرية , لأنني شاب مهذب وجميل .

حاولت بقد ما أستطيع تجاهل تصرفاتها معي ولكن بلا جدوى , وظلت تلاحقني بنظراتها ذات المعنى المحدد والمعروف .

وأخذت تحدثني بكلماتها الغرامية من حين لآخر و ولكن شعر بأن موقفي سيتعمق مع هذه الزوجة وستسوء العاقبة .

فقلت لها عدة مرات إذا لمك تكفي عن هذه التصرفات سأضطر لأن أخبر أخي , ولكنها لم تهتم وقالت إذا أردت أن تخرب بيتنا فأخبره .

أنا لا أستطيع أن أخرب بيت أخي وأكون سبباً في تعذيبه وتشريد أطفاله ,رغم أن زوجته لم يعد لها شرف , فطالما هي مغرمة بي فمن الممكن أن تستلطف أي إنسان أخر .

حاولت أن أترك المنزل حفاظاً علي سمعتي وصوناً لثقة أخي بي ولكن خبريني كيف أترك والدتي وأخوتي وأخواتي ؟! هذا الموقف كنت أضعه أمام عيني دائماً .

هذه المشكلة تغلبت علي , ولا أدري كيف أتخلص منها .

هذا وقد دفعتني أخي إلي أن أتعاطى الخمور حتى لا أعي بنفسي . وكل هذا خوفاً من زعزعة ثقة أخي بي .

وذات ليلة .. عدت إلي المنزل في منتصف الليل وأن مخمور فاقد الوعي . ولسوء حظي لم يكن أخي موجوداً في ذلك اليوم .

ووجدت زوجته بانتظاري بالمرصاد . فتحت لي الباب وقد توقعت أن أكون فريسة سهلة لها في هذه الليلة وأمسكتني بيدها وأدخلتني غرفتها .

ولم أشعر بنفسي في تلك اللحظة , وبال شعور وجدت زوجة أخي أهي تضمني بين ذراعيها وتقبلني بشدة مما جعلني أفيق وأسترد وعي وأنظر إليها جيداً .

كانت نيرانها ملتهبة وهي تقف نصف عارية بقربي .

تمالكت أعصابي ونهضت مسرعاً إلي الشارع .

وفي الصباح وجدت سؤالاً كنت أخشاه وأجبته طوال تلك المحاولات المستميتة من زوجة أخي .

وجدت أمي تعاتبني “حرام عليك يا ابني تخون أخيك في فراشه” .

ولكني أخبرت أمي بكل تصرفات تلك الزوجة الخائنة , وكتمنا هذا الموضوع عن أخي المسكين , وكان الحل الوحيد أن أهاجر إلي قطر آخر بعيد عن موطن تلك الزوجة الخائنة .

وفعلاً .. تركت المنزل وسافرت إلي بلد عربي .

وهذا الابتعاد جعلني مرتاحاً , ولكني قلق بشأن أخي المسكين الذي لا أريد أن أفقده .

أخيراً .. أقول الله يعين أخي . أما أنا فأتوسل إليك أن تقدمي لي ولأخي الحل السليم .

***

 واضح جداًَ من رسالتك أن مشكلتك أكبر وأخطر مما حاولت أن تطهرها لي . فلو اقتنعت بكلامك وصدقتك عند هذا الحد لأنتهي الموضوع فيما هي المشكلة ؟.

في الحقيقة .. حسب رسالتك لا توجد أية مشكلة , ومع ذلك في النهاية تأتي وتخبرني بأنك قلق بشأن أخيك . قم تدعو الله أن يعينه .. وبعد ذلك كله تقول قدمي لي ولأخي الحل السليم لماذا ؟!!! .

أنا أريد أن أسبب لك إحراجاً وأقول لك بيقين أنك أخطأت في حق أخيك وسلبته شرفه في تلك الليلة التي عدت فيها مخموراً , فالتقطتك زوجته النصف عارية بين أحضانها .

قد تكون غريزتك الجنسية قد تحركت فيك دون أن تتمكن من السيطرة عليها , قد تكون الخمرة لعبت برأسك فسلبتك رشدك . قد يكون الشيطان غلبك وتخاف عليك مع هذه العوامل مجتمعة .

المهم .. أنا أتصور أن شيئاً ما قد حدث في تلك الليلة ! .

شيئاً مروعاً يخيفك ويقلقك أن يعرفه أخوك .. ولذا هاجرت من البلد علي جناحي الريح .. وكتبت هذه الرسالة المستغيثة التي تدل علي محاولة لا شعورية منك لتبرئة نفسك مما اقترفت وكأنك تحاول التنصل من جريمة ما تفزعك وتخجلك .

أظن أن أمك حينما عاتبتك كانت قد رأت الكثير مما تحاول أن تخيفه .. حتى عن نفسك . لأنك لا تريد أن تعترف بذاك الإثم الذي يعذبك أشد العذاب .

في النهاية أنت تريد أن تطمئن علي موقف أخيك .. وتتساءل ترى هل سيعرف ؟! هل سيدرك ما حدث ؟!.

وما تعيش فيه من قلق وعذاب هو ثمن خطيئة ارتكبتها رغماً عنك .. فلتكفر عما فعلت , وإن كنت أتمنى أن تكون بريئاً مما اتهمتك به .

الحب الوهم

 لأنني عشت طفولة جافة مع أم قاسية بلا مشاعر , عشت أبحث عن الحب والحنان في صدري أي إنسان حتى جاء ذلك الإنسان الذي أحبني إلي درجة الجنون ولكن جاء من يمنعه من هذا الحب ويهدده فاضطر إلي الابتعاد عني بكل أسف فقد كان أخوه وزوجته لنا بالمرصاد وهو لا يستطيع أن يعصي أمرهما لأنهما بمثابة أمه وأبيه فانسحب حفاظاً علي كرامتي وهكذا ترك في قلبي جرحاً عميقاً لا يمكن أن أشفي منه إلا بحب أقوى منه . وبعد فترة جاء ؟أبن عمي الذي يصغرني بعامين يعرض حبه علي وهو لا يعلم بجرحي ولكني سألت نفسي ما مثير هذا الحب ؟ إني أخشى من الصدمة ثانياً وخصوصاُ أني متأكدة من أن والدته لن توافق علي زواجنا وسوف تقنعه بالابتعاد عني , لأني أكبر منه واخشى أن أصارحه بذلك فيصدمني أو يتهمني بعدم الثقة به ولا أدري ماذا أفعل , ومشكلة أخرى تواجهني وهي أني أخشى أن يفوتني القطار ورغم أني مؤمنة بالله وبأن الزواج قسمة ونصيب إلا أن كلام أمي الجارح الناتج عن كلام بعض الناس يضايقني ويجعلني دائمة التفكير . أجو أن تساعديني وتشرحي لي كيف أتصرف وشكراً سلفاً .

***

لا تحاولي أن تقنعيني بأن ما كان في حياتك يسمى (حباً) وإنما هو وهم كاذب , وسراب خادع ليس أكثر .

ولهذا .. لا داعي للشعور بالأسف أو الندم علي إنسان مثله , لأنه لو كان حقيقة صادقاً في حبه لك لما تخلى عنك مهما كانت الظروف حوله .

والحين .ز هيا بنا لننظر في أمر ابن عمك . تقولين أنه أصغر منك بعامين . وأمه توافقك علي زواجه منك . فلماذا تكررين نفس الموقف في حياتك مرتين ؟!

أنا أتصور أنك تفعلين ذلك لأنك تخافين أن يفوتك قطار الزواج , ولهذا تتمسكين بأي رجل مهما كان لينتشلك من (العنوسة) بالضبط كما يتشبث الغريق (بقشه) بالطبع أنت معذورة في أوهامك , لأن كل ذلك ناتج عن مشاعرك الجفاف التي تربطك وأمك , والتي كثيراً ما تصور لك أنك قبيحة , وانك لن تتزوجي يوماً .

فلذا .. ابدئي منذ ذلك اليوم ممارسة إحساس جديد , هو أنك حلوة جميلة . وثقي بأنك ستصبحين أكثر هدوءاً وأمناً ..

واقطعي صلتك بابن عمك فهو ليس لك , وحافظي علي سمعتك فهي رأي مالك الحقيقي .. والله معك .

 الشقيقة الكبرى

أنا شاب في العشرين من عمري عشت قصة حب عنيف وجارف , وكانت ابنة عمي تبادلني نفس الشعور , مع أنها كانت تقيم في بلد آخر لمدة تسع سنوات وكنت أسمع عنها ولا أعرفها .

وذهبت بعد الغيبة الطويلة إلي منزل والدها , فأحببتها من أول نظرة . وصارحتها بكل ما قلبي , فبادلتني الحب هي الأخرى , ولم أعد أطيق الفراق , ولكن الزمن عملها وبدأت المشكلة عندما صارحتها أختها الكبيرة وهي من امرأة غير أمها بأنها أحبتني دون عملي لمدة ثلاث سنوات . فذهبت إلي عمي وصارحته بالموضوع , فقال لي : اسمع إذا أردت أن تتزوج الكبيرة أهلاً بك , أما الصغيرة فلا زالت صغيره .

ورفضت أن بطبيعة الحال الأخت الكبيرة رغم أنه أغراني بدفع مهر رمزي . وذات يوم سمعت من فتاتي بأن والدها قال لها بصفتها المسئولة عن المنزل : (لما يحضر (ع) يقصد أنا , لا تفتحي له الباب !

واسقط في يدي , ووقعت ضحية الحيرة والشكوك والسهر والضياع . وفكرت بالزواج من فتاتي عن طريق المحكمة الشرعية . وهي التي علمت بالموضوع , قالت لي لن أتزوج غير المهم أنا في حيرة وأملي فيكم والله  عزَّ وجلّ .

***

الزمن هو مفتاح مشكلتك , فالبنت الكبيرة لابد وأن تتزوج كما وأن الصغيرة لازم تكبر , فليس من المعقول أن تبقى صغيرة طول عمرها . فإذا خطبت الكبرى وتقدم لها عريس , ما عليك أنت إلا أن تتقدم لخطبة الصغرى بثقة وثبات , ولا أظن أن عمك سيرفضك ساعتها . وكل ما في الموضوع أن ابنته الكبرى (صعبانة عليه) ويمكن أن تكون أمها ميته , أو تكون أقل جمالاً من أختها , ولذا هو لا يريد إيلامها أكثر بزواج شقيقتها التي تصغرها قبلها .

وربما يكون عمك معذوراً في عواطفه كأب حنون . وهذا تصرف طبيعي للغاية وكثيراً ما يحدث في مجتمعاتنا العربية , فبعض الآباء يرفضون بتاتاً زواج الابنة الصغرى قبل الكبرى .. فما بالك إذا كان يعرف أنها أيضاً صريعة غرامك .

 أعذره يا أخي , وتذرع بالصبر وكفاك راحة بالك أنك واثق من حب ابنة عمك (حبيبتك) لك , وواثق من عهدها لك .

وأيضاً عمك لا يكن لك أ] عداء , ولا يضمر لك أي سوء ولكنه فقط يتمنى أن تتزوج بنته الكبرى التي تحبك منذ ثلاث سنوات حباً صامتاً ربما يكون هو قد لمسه وشعر به ولذا يغريك بهذا المهر الرمزي . كن مرتاحاً يا عزيزي وانتظر فالصبر مفتاح الفرج والزمن يفعل المعجزات وعلي رأي المثل : طوله العمل تبلغ الأمل !

المرأة الرقطاء

أخط هذه الرسالة , وأنا حائر بما سأكتبه لأني لا أستطيع أن أعيش المشكلة بما فيها من مأساه وآلام لكن ثقتي كبيرة جداً بأن أجد الحل المناسب عندك .

جمعتنا الغربة معاً . هي ليست من بلدي وإنما من قطر شقيق , نسكن عمارة واحدة هي بالدور الرابع وأنا بالدور الثالث .

كنت في كل يوم أخرج لعملي أجدها علي الشباك منكبة علي وجهها , وما أن تسمع أي سائر في الشارع ترفع رأسها فتظهر دموعها وشحوب وجهها .

وطالت المدة أكثر من شهرين , وأن آراها عند ذهابي إلي العمل وعودتي منه , أحسست بعذابها فسألتها لعلني أساعدها , فالله لا يضيع أجر من أحسن عملاً .

 وقصت علي مشكلتها , وهذا ما استطعت حفظة , قالت لي أنها متزوجة منذ ثلاث سنوات رجل في سن أبيها وأنجبت منه طفلين , وذلك للتخلص من حياة العذاب في بيت عمها , لأن والدها طلق أمها وانصرف إلي حياة الخمر والسكر .

وكانت حيات قبل الزواج وبعده أشبه بالخادمة , مليئة بالعذاب , وتحملت الكثير في بيت الزوجية لتنال شفقة زوجها وتقديره ولكنها لم تجد وطلبت الطلاق , لكن زوجها رفض , تفكر بالانتحار ولكن طفليها ماذا تفعل بهما ؟! وزوجها قطع من خشب لا يفكر إلي في العمل , ويسكن معه اثنان من أصدقائه يتكل عليهم في مصروف المبيت , وهي تعمل لهم خادمة والكثير الذي لا تقدر أن تبوح به !

لقد طال الشرح , المعذرة ! لم تكن هوايتي كتابة الرسائل , إنما الحق أنا أحبها حبي الروح للروح , كما أنها تحبني ونحن في عمر واحد .

وتفاهمنا علي الزواج , لكن المشكلة أين تذهب من عادات المجتمع البالية , عندما يتشدق بأن الزوجة الصالحة لا تترك زوجها وتتزوج إنساناً آخر . وأنا حائر بين القضاء علي الطفلين , بين حياة تلك الإنسانة وحياتي التي أصبحت مرتبطة به .

حاولت البعد عنها , وحاولت أن أرحل , لكنها لما علمت طار عقلها ونزلت عندي وهي تناشدني بالله أن لا أتركها .

 فهل أستطيع أن أتحدى المجتمع ؟! وهل أجد الحل عندكم ؟!

مع أجمل التحيات , وشكراً ..

***

اسمع يا عزيزتي هذه المشكلة التي كتبتها لي مزدوجة , فمن ناحيتك أنت سليم والحمد لله , كما يجب أن تطلع منها سليماً , فهذا إلي تسميه “تعاهد علي الزواج” ليس إلي “مهزرة” وكلام فارغ , واعذرني في استخدام هذا الأسلوب , فتصرفك يثير الحنق فعلاً .

فكيف بربك تعاهد امرأة متزوجة وأم لطفلين .. علي الزواج ؟ أين غاب عنك صوت ضميرك ؟! .. ولماذا تريد أن تغيب عن واقع مجتمعك الذي تشير رسالتك بأنك تخشاه ؟!

احزم أمرك , وانتقل من هذا اسكن فجأة , واقطع كل صلاتك بهذه المرأة مرة واحدة . وابتعد , بل وانج بجلدك قبل أن تجرفك معها إلي حضيض الهاوية الذي ترتع هي فيه منذ زمن !

وإلا .. قل لي بربك ما هو هذا الشيء الكثير تعمله لصديقي زوجها والذي لا تقدر أن تبوح به ؟!

إن هذه المرأة لعوب . عرفت كيف تصطاد بدموعها الكاذبة وبشحوب وجهها المصطنع وبانتظارها المتعمد إنساناً إنسان علي نيته مثلك .

إنها تعيش في تعاسة منذ سنوات , تعمل كالخادمة في منزل عمها .. وفي منزل وجها , إذن فلقد اعتادت هذا المستوى من الحياة الأول .

وهي تريد أن تستمتع بعض الوقت بشباب تضير في قمته فحولته ينسيها مرارة العيش مع زوجها العجوز .

والمريح في الموضوع أن المسافة بينكما ليست إلا بضع درجات , تهبطها الست فثي لحظات .. فتهبط بك إلي نار جهنم في الآخر .. وإلي فضيحة قذرة في الحياة الدنيا .

اعذريني يا مجيد .. فقد فلتت أعصابي . وأثارتني هذه الأفعى التي تسعى لأن تخدرك بفحيح بكائها .. ومن ثم تصهرك بين ذرعتها , فتطلق فيك سمومها !

اهرب يا عزيزي , اهرب ولا تدع لها الفرصة لأن تدخل شقتك ثانية متصنعة الجنون أو الانهيار , فهي ليست إلا كاذبة .. وممثلة بارعة !

ملهاة

سأخبرك بصراحة ما أعاني منه بالضبط وبصدق . كنت في الخامسة من عمري لا أعرف من الدنيا شيئاً ساذجة خجولة , وذاك صباح خرجت أمي لزيارة بيت خالي وتركتني وحيدة مع عمتي التي كانت تضربني دائماً وقاسية معي لأنها كانت “عانس” .

وحينما خرجت أمي هربت من البيت وتبعتها وسرت مسافة طويلة حتى صارت الدنيا ظهراً وأخذت أكي لأن الشمس كانت حارة والدينا صيف وإذا برجل يأتي علي دراجة هوائية لا أذكر الآن شكله ولكنني أتذكر فقط أنه كان بوجه طويل وضعيف , وسألني عن سبب بكائي فأخبرته أنني أريد أن ألحق بأمي التي ذهبت لزيارة خالي فأقنعني بأنة سيأخذني إلخا حالاً .. وأركبني علي الدراجة معه .

وبعد فترة ..

وصلنا إلي منطقة نائية شبه مهجورة ليس فيها إلا أكواخ هي الآن قصور إذ تغير الزمن وتغيرت هذه المنطقة معه , وهناك أخلني إلي الكوخ قائلاً أن الدرجة تريد أن تستريح وبسذاجة قلت له موافقة يجب أن تستريح , وقال إنني أيضاً يجب أن أستريح .

وبعد دقائق أخذ يمارس معي عملية جنسية ما كنت أفهمها ولا كنت أعرف نتائجها .

 استيقظت من نومي وقت الغروب , كان الرجل غير موجود ولكن أثنين من الشرطة كانا يقفان فوق رأسي ويسألانني من أين أنا , لم أجبهما ولا اذكر كيف أوصلاني |إلي رجل يعرفني . وهذا أخذني إلي بيتنا حيث كانت الساعة السابعة ليلاً فوجدتهم بانتظاري وقد سحبوني من أذني وضربوني ضرباً مبرحاً ولم أستطع إخبارهم بشيء , منذ ذلك الوقت وحينما كبرت عرفت ما فعله الرجل ونتيجة فعلته , ورغم العذاب والخوف والحيرة لم أجعل اليأس يدخل حياتي فدرست كثيراً حتى أصبحت موظفة و بالإضافة إلي هذا فقد شغلت حياتي بالمطالعات الكثيرة وقرأت لكل الكتاب العالمين من دستوفسكي وهمنغواي وفيكتور هيجو وموباسان وزولا وبرتراند رسل وبلزاك وتشيخوف وعدد أخر كبير من الكتاب والأدباء العرب .. ورسمت خطة لنفسي أن أنشغل دائماً بالمسرح والسينما والمتاحف والمعارض وحتى أنني كتبت مجموعة قصصية وبدأت أتجاوز الخوف بهذه الخطوات ولكن الأمر تغير فجأة إذ ما إن بلغت الخامسة والعشرين حتى أخذ والدي يضايقني ويزعجني لأنني رفضت الزواج بعدد كبير من الذين تقدموا لي , يبدوا أنه يكره وجودي معه في البيت كي لا أكون مثل عمتي المعقدة .

وبالإضافة إلي هذا فقد اخذ يضيق علي وبدأ يخنق حريتي .. لا تنظري من الشباك ! لا تفتحي الباب ! لا تذهبي إلي صديقتك ! لا تفعلي هذا أو ذاك .. لا تضحكي .. لا تتكلمي .. وغير هذا الكثير .

 أنا لا أريد أن أتمنى له الموت لأنني أعتبر أمنيتي هذه جريمة قتل , خاصة لأنه لا يزال في الخامسة والأربعين عمره , أرجوك اغفري لي إذا أطلت عليك رسالتي .. ولكن أرجو أن تعلمي أنني نظيفة وتاريخي أبيض ناصع ولم أحاول في يوم من الأيام أن أخطئ بحق رجل فلا زالت أعتقد أن هناك الكثير من الرجال الطيبين ذوي التصرفات الحميدة .

لهذا لم أحقد علي أحد ورضيت بواقعي ولكن أنا الآن أختنق فوالدي يسحقني .. ماذا أفعل .. أرجوك أخبريني بالله عليك ماذا أفعل ؟!

***

أنت لا زلت حتى هذه اللحظة تلك الطفلة الساذجة الهادئة الخجولة .. فقد ازدادت سنوان عمرك ولم تزد معرفتك بالدنيا شيئاً , اللهم سوى تلك القراءات التي أغرقت نفسك فيها فصلتك وأبعدتك عن أرض الواقع ..

فتلك الخطة التي تقولين أنك رسمتها لنفسك لا تعتبر “خطة” وإنما تعتبر “ملهاة” فأنت تسرقين نفسك من نفسك عندما تنهمكين في زيارات للمسرح والمتاحف والمعارض وحتى السينما , وكأنك سائحة دائماً ..

لا يا صغيرتي الساذجة لا .. كفاك هروباً من الدنيا .. فهذه ليست هي الحياة التي تحتاج للتعامل الحقيقي العملي ..

وأنت بعد أن تنزهت بما فيه الكفاية , يجب أن تقومي بواجبك وأن تؤدي دورك الطبيعي في أن تصبحي زوجة وأماً .. وحتى لا تلقى مصير عمتك برفضك المستمر لهؤلاء الكثيرين الذين تقدموا للزواج منك !

أما والدك .. فهو علي حق أن يضيق الخنق لعيك , لأنك بخروجك المستمر للترفيه الدائم عن نفسك أصبح يشك في تصرفاتك , وربما توهم أنك علي علاقة بشخص ما .. وإلا .. ما الداعي لرفضك القاطع لفكرة الزواج ؟!

إن ما حدث لك في سنوات الطفولة سبب لك شعوراً بالظلم والاضطهاد . فذالك الرجل قد افترسك , وفي نفس اللحظة أهلك سحبوك من أذنك وضربوك ضرباً مبرحاً .

ولهذا رفضت الزواج ورفهت عن نفسك زيادة عن اللزوم !!

أنسى ما حدث يا صغيري .. ولتعلمي أن جرحك الجسدي قد التأم من زمان .. فابذلي للخروج من محنتك بالزواج .. حتى يلتئم أيضاً جرحك النفسي .

الدامية المكسورة

 تعنى بي في شعره .. تركت بصماتي علي كتاباته . اختلت ركناً كبيراً في عقلة وتفكيره . رأي في صورتي الظل المغاير للفتيات اللاتي عرفهن .

نعم في شخص أنا استعاد ثقته في المرأة بمقدار الرجل علي الاكتشاف لمس في أعماقي الصور الناصعة البريئة .

كنت في منتهى الطهر .. منتهى النظافة بكل ما تمثله هاتان الكلمتان من معنى , إلي أن أحببته وأنا علي عتبة العشرين .

ومن أجله رفضت المهندس والمعيد والطبيب , ومن أجله فقط وأنا المتفوقة الطموحة توقفت عن تعليمي العالي لأبقي في أنظاره حتى يصلني في التعليم ..

 حتى في سفرياتي .. كنت من أخلاصي له إلي إلي أبعد الحدود .. كنت أراه بعقلي , فقد كان دائماً في خيالي حيث لا أرى سواه .

 ضحيت من أجله بالكثير دون أن يدري , أعطي الناس أروح المعاني وكنت لأنا وراءه تلك الحبيبة المجهولة . كنت أخاف عليه كما لو كنت أخاف علي نفسي .

لم يداخلني الكبر والغرور وأنا أشم رائحتي بين حروفه , لم يخطر ببالي يوماً أن أفتخر أمام صديقة بأنني خطيبته . بكل صدق كان حبي الأول والأوحد وكل أملي في الحياة .

 تطاولت علي أختي حين اكتشفت مذكراتي , قلت لها من وراء دموعي : نعم أحب وسأتحداكم جميعاً من أجله .. وليتني ما قلتا . فقد صدمتني بعد عدة أسابيع الصفعة القاسية التي وجهتها لي يد من أحب .

عرفت معنى الألم الحقيقي الممزق لأعماقي , اجترعت المرارة والعذاب في وحدة وصمت ودموع , فقد فضل عني طائراً آخر حمله إلي عشه .. ربما لأنه أكثر مني لباقة وقدرة وتمرساً .

ضحيت بالكثير , أعطيت الكثير , عشت وهما كبيراً اسمه الحب خلته يوماً ينقلب حقيقة .. وفي النهاية ماذا أخذت ؟! لا شيء . كانت مجرد لعبة بعواطفي الساذجة .. ولكن ما ذنبي أن لكي أتعذب ؟! .

مل ذنبي أنني لا أعرف التعبير عن مشاعري بالحب المسموع .

كل ذنبي أن رفضت لقاءه . كان يود أن يراني ولو مرة واحدة . كان يسمع دون أن يعرف شكلي .

كل ذنبي أنني متعلقة بالمثل العليا !! .

وما هي المثل العليا ؟! هراء في هراء ما الذي استفدت من المثل والاستقامة والشرف؟! سنوات حياتي ومراهقتي لماذا لم استمتع بها كاللواتي أراهن حولي يوزعن الحب الزائف علي عدة لا بأس به من المحبين .

وبالرغم من ذلك يتزوجن من يحببن أو من لا يحببن .

ندمت علي ضياع عمري في النظافة والبراءة والطريق السوي .. وماذا كانت نهاية المطاف؟ جراح عميقة لا تندمل . وعذاب دائم لا يخفت . وندم لا حدود له .

لو كنت تعلمت أساليب الحب وفنونه في فترة مراهقتي , علي الأقل كنت سأصبح أحسن حالاً مما أنا عليه الآن .

بت أكره شيئاً اسمه الحب . وشيئاً آخر اسمع الرجل .

قامتي الممشوقة .. جاذبيتي الطفولية الآسرة و قسماتي التي تنم عن أعماقي الصافية , لم أعرف كيف يمكن استعمالها من قبل , ولم أستفد منها شيئاً حتى الآن .

ها هي بين يدي كومة أرقام لتليفونات قبلتها في بلد أجنبي لأول مرة في حياتي أخذتها من أصحابها الذين هم من أسر معروفة وذوي مراكز بارزة وحساسة .

 فكرت كثيرا”ً .. ما علي سوى أن أدير القرص لتكون البداية . ولكني لم أستطع , كنت أغلق الخط أمامهم وأضع السماعة بعنف .. وأعود إلي طبعي الذي يغلب علي تطبعي .

إلي الآن لم أتصل بأحد , ولكني أخاف أن تنفجر يوماً تلك الثورة الكامنة فيأعماقي , خاصة وأن الآم المعاناة والأسى تعاودني من ’ن لآخر .

أعيش في دوامة وصراع نفسي عنيف . إنني في حاجة إلي من يواسيني . يشفي جراحي , يخرجني مما أنا فيه !.

***

ولكنك يا ذات الأعماق الصافية والجاذبية الطفولية الآسرة .. لن تفعلي .. لن تديري قرص الهاتف , ولن تفكري في استخدام هذه الأرقام ,لأنك تعرفين أنها ستكون بداية النهاية .

نهاية حياة نظيفة بريئة طاهرة , وبداية حياة قذرة خبيثة ملوثة .

وحتى إذا حدث وجربت ممارسة بعض من أساليب هذه الحياة فسيكون عذابك أعمق , ودموعك أغزر , ووحدتك أقسى وألعن .

تجربتك الوحيدة مع الحب هي التي خلقت عندك هذا الشعور اللعين بالآسى , وذاك الإحساس الفظيع بالمرارة .

 ولكن رجائي لا تدعي الخيبة والفشل يسيطران علي نفسك ويصوران لك أنك ضحية . وأنك أن تثأري من الحب الكاذب .. بحب آخر أكذب منه .

لا يا ذات الأعماق الصافية , والجاذبية الطفولية الآسرة , التي تدل علي معاني الطهر والبراءة والعفة المتأججة في وجدانك .. لا لن تفعلي .. يستحيل أن تثأري من نفسك وتطعني قلبك بيدك .

تناسي هذا الحب الأكذوبة . اعبري الموقف بشجاعة وبأس , لا مانع من إدخال بعض ألوان الترفية والبهجة علي حياتك , وفكري في العودة جدياً إلي استكمال دراستك العليا فهي ستمتص جزءاً كبيراً من معاناتك .

والآن .. إلي نقاش آخر جانبي أحب أوضح فيه أنك نسيج خاص يدل علي نوع مميز من الفتيات يندر العثور عليه .. نوع رائع عذاب جميل .

فأنت فتاة رقيقة حنونة نظيفة نقية .. فتاة حتماً ستلتقي بالرجل الحق الذي يقدرها ويستحقها .. وحينئذ سوف تحمدين الله لأنك لم تنزلقي إلي مهاوي الرذيلة ولم تلوثي هذا النقاء وهذا الصفاء .

وفي النهاية .. أقول لك كله قسمة ونصيب . فال تحزني . وانتظري الغد بتفاؤل وأمل فهو حتماً يدخر لك ما هو أفضل .

وجبة طعام

أرجو أن أجد عندك الحل لمشكلتي بعد أن ضاقت الدنيا يعيني , فقد أحببت شاباً كان مخلصاً لي , إذ لم يجرحني بشيء يمس شرفي أو سمعتي !

ورغماً عني تزوجت ابن عمي وطلقت منه علي الفور , واستمرت علاقتي بالإنسان الذي اختاره قلبي , وتعاهدنا علي الزواج بعد نيل الثانوية العامة حاول التخلص مني , وذلك بسبب سوء تفاهم بسيط جداً أنكر حبه لي وتجاهل إخلاصي وتضحياتي ! وانكشفت نفاقه لي بعد خمس سنوات حب , , وكانت صدمتي قوية خاصة عندما قال لي أنت بالنسبة لي مجرد أكلة (صنف) داومت علي تناولها وكرهتها عندما مللت منها وليس أكثر من ذلك .

أين ضميره عندما قال ذلك ؟! وأين كلامه الحلو ؟ وأين عهوده ووعوده ؟ لقد نسيني بأسرع ما يمكن !

أهكذا يعامل الإنسان من يخلص بحبه ؟ لقد اسودت الدنيا بوجهي وحالتي النفسية متدهورة , والدنيا عندي لا طعم لها بعد فشلي بحبي , حبي الكبير الذي لا يستحقه !

***

في الواقع أنت فعلاً كنت مخلصة لحبك , ولكنك لم تكوني أبداً مخلصة لنفسك .. فأنت عندما تعلقت بهذا الشخص لم تفكري في مصلحتك يوماً .. بل لقد تفننت في تحطيم حياتك الزوجية بأسرع ما يمكن .. لتعودي إلي حبيبك , وغرقت معه في دوامة حب طيلة خمس سنوات متصلة .. وحتماً لم تعرفي أن مثل هذه العلاقات تكون بدايتها هي النهاية بالنسبة للرجل .. والبداية بالنسبة للمرأة .. وهكذا كان اشتغل حبك له وضحيت بكل شيء حتى بالزواج ممن قد يكون أنسب لك منه .. أما هو فكان يتناول بكل رؤية هذه (الأكلة) حتى شبع .. فمل ولم يعد يطيق المزيد !

وذلك أقول لك .. انتبهي لنفسك حاولي إنقاذ ما تبقى لك من صحة .. فلا داعي لليأس وترك حياتك هكذا ممزقة سوداء .. ولا تلومي إلا نفسك علي ما حدث لك , فلو كنت عرفت كيف تحافظين عليها .. لكان هو الآن الذي يركض خلفك ويتوسل إليك كي تقبليه زوجاً ..

وعموماً الحياة كلها دروس .. وهذا درس عنيف لك .. فاجعليه عبرة أمامك .. ولتتعلمي بعد الآن كيف أن زينة المرأة وقمة جمالها هي في محافظتها علي نفسها وصون عفافها !

عاشق العذاب الدائم

سيدتي :

ترددت كثيراً , قبل أن أتوجه إليك برسالتي هذه , إنها تحتوي علي جانب دفين وخاص من حياتي ,وليس سهلاً علي المرء , أن يكشف “خصوصياته” للآخرين من حول وأمامه , إنه بذلك يتعرى من داخل , وليس سهلاً ذلك في كل حال , خصوصاً حين يكون من الصعب أن يجد واحدنا , من “يفهم عليه”  أو يتجاوب معه , فيما يواجه من مشكلات أو أزامات , فقد تعلمنا يا سيدتي , منذ أن وعينا علي الحياة , نحن الأشقياء فيها , تعلمنا أنه
“ما حك جلك مثل ظفرك” فتول أن جميع أمرك ” .. لكني اليوم , شعرت بحاجتي إلي رأيك , إلي حلولك , إلي مشورتك فقد أنست فيك رفاهة الحس وظهارة القلب وصفاء الوجدان , فما يمنعني عن البوح لك بما عندي من “سر” أو “مشكلة” أي مانع , ذلك لأني اثق بأرائك وأطمئن إلي حلولك , من خلال متابعتي إياك , علي صفحات “النهضة” العزيزة علي كل قلب .

سيدتي , لابد وأنك تحترمين العواطف الصادقة لابد وأنك تشاركين وجدانياً , أولئك المحبين الذي يحترقون بصمت في أتون الشوق والحرمان حين يكون شهور الحب من طريف واحد , ويكون الطرف الآخر , المعنى الآخر , المعنى أخر من يعلم , بل هو يعلم ويتجاهل إمعاناً في إذلال , أو استهانة , أو لا مبالاة !.

إني بصراحة , أنا هو ذلك الإنسان الذي يحب من طرف واحد ! لقد كان ذلك منذ بضع سنوات مضت ,حين رأيتها لأمل مرة و هي زميلتي في العمل مع “شلة” من الزملاء والزميلات في  إحدى المصالح العامة .

أطلت علي مثل إطلالة فجر صبوح ينفلت من بين ذراعي ليل طال ظلامه , وملأت حياتي حين غرة بهجة وأغاريد , كأنها الطير الذي أسكره الهديل , دخلت حياتي من أوسع الأبواب . من عقلي وفكري ووجداني , ثم خشيت أن تكون نزوة طارئة , فهي جميلة جداً ومثيرة جداً , ولكني أكتشفت من ثم , إني أعشقها بعقلي قبل قلبي , إن الذين يعشقون بعقولهم يتهذبون أكثر , يعانون بصمت وحرمان وعذاب بطيء أكثر وأكثر , من الذين يحبون بعواطفهم فقط ! هي تعلم مكانتها الدافئة في قلبي ولكنا تتظاهر بأنها ليست أكثر زميلة عمل ! ولا أكتمك يا سيدتي . فقد بحث لها , أكثر من مرة , كلما لا حتى فرصة مؤاتية , بفيض مشاعري حيالها , بأسلوب واق مهذب وعميق , ومع مرور الأيام والسنين تمكن حبها من قلبي . ملأتني وجداً وغراماً , فهي الكاعب الحسناء , والمثقفة الذكية , والإنسان الشاعرية النظرة , الحلوة العبارة , الرائعة البسمة , حتى لتحسينها ملاكاً في صورة إنسان أو إنساناً في صورة ملاك , فيتعلق القلب رغمه بالصورتين معاً , ولربما تسألين – أين أنن المشكلة أو الأزمة ؟ فالأمر عادي أن يحب إنسان مثل هذه “الإنسانة” الملاك والمشكلة – الأزمة , يا سيدتي أنها متزوجة ! أجل إنها مرتبطة بإنسان آخر تحترمه ولا تحبه . فقد حتمت ظروفها أن تكون له مثلما حتمت ظروفي أن أكون لسواها زوجاً يبحث عندها عن الحب فلا يد إلا الاحترام , والاحترام وحتى التفاهم ليسا بديلين عن الحب اللاهب , الحب الموحي المدمر , الحب الشهي العربيد , الحب المتفجر المتوتر المشتعل !

نحن إذن – في هذا القياس متلاقيان – كلانا يشعر بـ”فراغ” نفسي أو روحي أو جتى عاطفي , وأنا مقابل عليها وهي مدبرة , إنها مترددة , وربما كانت حائرة , وهي أيضاً تتساءل – كيف تكون لنا حكاية وكلانا متزوج ؟ هل نهدم بيتينا لنبني سعادة نتوهمها علي حساب شقاء آخرين لا ذنب لهم ؟ وقد يكون في كلامها كثير من المنطق ولكن متى كانت عاطفة الحب اللاهب تخضع لمنطق أو حتى عقل . إنني مستعد أن أتنازل عن نصف عمري الآتي لاحظي بها زوجة كل العمر , إنني إذن أدعوها لكي تكون لي وأكون لها . أن نتزوج , هل سيكون ذلك سعداً أم فاجعة لسوانا , أم جريمة نقترفها ؟ أكون أنانياً لو قررت هذا ؟ ولكني مع ذلك لا أشعر بطعم السعادة إلا إذا حادثتها و ولا أحس بقيمة العمر إلا إذا جالستها , وهي تصد وتتمنع , تفعل ذلك بلطف ودلال فتزيدني إصراراً واشتعالاً وعناداً في أن أواصل حبي لها وغم علمي بفشلي ّ ولكن هل أملك السيطرة علي عواطفي وقد أخذت بلبي ؟ أجيبي ؟ هل تتكونين واعظة إياي “كف عن هذا العبث يا رجل ” ؟ مثل هذا الوعظ لن يحل المشكلة ! إنها تعشش في كبدي , في كياني في مسامات جلدي , إنها هنا مع كل خفقة قلب وومضة عبن وختفة (آه) لا أبحث عندك عن حلول بمعنى الحلول , وإنما أبحث عندك عن حلول بمعنى الحلول , وإنما أبحث عندك عن تحليل لحالتي ! عن تشخيص لمرضي . أكون مريضاً بـ(جمالها) وما من شفاء لي ما لم أقترن بها علي نحو لا يسبب فجيعة ولا يهدم بيوتاً ؟ أعرف أن ذلك مستحيل ولكن أعرف أنه ما من مشكلة – إن كانت هذه مشكلة – إلا ولها حل ! هل أجد عندك بصيصاً من نور وخيطاً من أمل ؟ .. أرجو ذلك ..

لقد حاولت أكثر من مرة , أن أنسحب من طريقها , أن أتوقف عن ملاحقتها بظراتي و”رغباتي” .. ولكني فشلت .. إنها تجعلني أسر هواها .. بلحظة .. بإيماءة .. ببسمة .. بكلمة صغيرة تنبس بها شفتاها .. ما أصعب أن نكتوي بنار الحب ونحرم منه .. تلك هي المأساة الحقيقية فعلاً .. ولو أني كنت مكانها لتحررت من حياة زوجية رتيبة مملة لا تجد فيها ضالتها ولا رأيت عندها ما يشجعني لبدأت بنفسي , وتحررت أيضاً ,.. يجب أن نواجه حقائق الحياة بشجاعة مهما كان وقع ذلك علي أنفسنا ومجتمعنا أليماً , خير من الاستمرار الخادع الغشاش..

ولكننا لا نستطيع أن تفعل .. إننا محكومون بكثير من الاعتبارات والمفاهيم حتى لو كانت اعتبارات ومفاهيم مغلوطة خاطئة .. أقول لك يا سيدتي , إنني أعرف أن حكايتي أشبه بالفزورة أو “الأحجية” صعبة حلولها .. مع ذلك ألوذ بك أنت .. فلعلي أجد عندك بعض ما يخفف عن قلبي من هم وكآبة وحزن مقيم بسبب هذا الحب الذي دخل طريقاً مسدوداً .. ربما كان خلاصنا فعلاً , في أن يظل حبنا روحياً , وسامياً وفيه تصعيد فوق رغائب الجسد .. ما رأيك أنت ؟ هل تؤمنين بمثل هذا النوع من العلاقة الروحية أو العاطفة الروحية إن جاز التعبير ؟ ليتك تقنعيها بجحواب في هذا ..

وبعد , فما أشد ظلمنا لأنفسنا حقاً , حين ندخل في متاهات ومغاور نعلم بقيناً أننا لن نخرج منها إلا مهزومين ومع ذلك يلد لنا – نحن المحبين – أن نتعذب .. إننا أيضاً نتلذذ بكوننا أنصاف مجانين .. إنه (التوتر) المشحون بعاطفة جبارة .. طاغية . ما قيمة الإنسان حين تكون حياته رتيبة مملة علي ونيرة واحدة ؟ إياك أن تنصحيني بالكف عن التوتر والقلق والجنون . يكفي أن تنشري رسالتي دون حاجة إلي رد أو حتى تحليل .. دعي ذلك من فضلك – للقراء – فلعل بينهم من هو علي شاكلتي توتراً وقلقاً وجنوناً وجباً من طرف واحد .. كان الله في عونهم وعوني .. !

***

هلا سمحت لي أن أبعض شكري لاختيارك لشخصي كملاذ أخير لحل مشكلتك الدائمة؟! وهلا سمحت لي أن أطلب منك ألا تغضب لأني سأجيب علي رسالتك بمنتهى الحب والصراحة ؟!

سيدس ..

كأني لأصغى إلي همس خفي وراء الاسم المستعار الذي اخترته لنفسك .. كأن له ذاتاً خفية وراء المعنى الظاهر كأنما تلك اللفظة التي عرفت نفسك بها عن طريف الانتحال أصبحت جزاءاً هاماً من ذاتيتك . أو صارت علي الأقل من أول الدلائل عليها , فشخصية المرء تتفاءل وشخصية الاسم بامتزاجها بها في اسمك غموض المجهول وكأنه الوحدة .. اسم يعمر بلهفة الخروج من حقائق الإيمان إلي أساطير الخيال .

اسمح لي يا سيدي أن أقول لك من تخليلي لرسالتك أنك شخص تستترئ العذاب . وتعشقه !

فأنت تبحث عن الحب الموحي المدمر .. الحب الشهي العربيد .. الحب المتفجر المتوتر المشتعل .. أنت تبحث عن حياة ملتهبة خارقة .. حياة أشبه بحياة المقامر المشدود الأعصاب .. حياة أشبه بحياة لاعبي السرك المعرضين لسقطة الموت في أية لحظة .

أنت تكره أن تكون قطعة من آلة الحياة تكره رقماً في حساب الزمن . تريد أن تحترق في أتون ناري العواطف صاعق الأحداث .. فأنت تعاف أيامك الرتيبة المملة ..

هذه الإنسانة التي عشقت قد تشاركك هذه الرغبات المجنونة , لكنها أقل منك اندفاعاً . فهي تعلم أنها لو طلقت من زوجها وأنت تحررت من رباط زيجتك لن تحققا الحياة السعيدة التي تخيلتها أنت فقط .

هل تعلم أنها لن تكون هناك أية حياة سعيدة .. اللهم إلا تلك الأيام النارية الملتهبة التي يتبرد حتماً وتخبو .. ويغطيها الرماد .. رماد الأيام الرتيبة المملة التي تعاني منها وتهرب .

سيدس

هذه المرأة لن تضحي ببيتها ,فهي لا تتعذب مثلك , ربما كانت تستمرئ رؤية العض في عيون الناس , ربما أدمنت ذلك فهي كما تقول رائعة الجمال تحسبينها ملاكاً في صورة إنسان , وإنساناً في صورة ملاك , فيتعلق القلب علي رغمة بالصورتين معاً , وأنا أتصور أن شيئاً من هذا ممكن الحدوث . فكل شيء في هذه الحياة أسيراً للعادة .. حتى أدق مشاعرنا وأرهف أحاسيسنا .

 أنت تعلم مقدماً أن طريق عشقك مسدود وتعلم مقدماً أنك ستلقى فيه صنوف العذاب . أنت تحذرني بقولك “إياك أن تنصحيني بالكف عن التوتر والقلق والجنون” وأنا حتماً لن أدعوك لشيء من هذا , لأنك أدمنت هذه الأحاسيس واستمرأت العيس عليها , لذا سأدعك تهنأ به .. هذا العذاب الممتع اللذيذ !

الطائشة والأربعون صعلوكاً

بعد تفكير طويل وعذاب دام سنة وأكثر كتبت لك مشكلتي راجيه أن تساعديني علي التخلص منها .

أنا فتاة في الربعة عشر من عمري ومشكلتي تتلخص في أني مغاولجية درجة أولى وأرجو أن تساعدني أن أرجع كما كنت سابقاً وسأقص عليك قصتي ..

 عندما كنت في الحادية عشر كنت أتمنى أن أحب شخصاً يحبني وأحبه وبدأت أحب في قلبي أحببت ابن عمي وابن الجيران ..وأحب أن أوحد لك أني لم أكلمه في التليفون شخصياً إنما حب في القلب أو بالتفكير إلي أن جاء الصيف واتصل شاب وأخذ يقول لي كلام حب وكان عمره 16 سنة فظننت أني أحببته إلي أن عرفني إلي أصدقائه وأصدقاء أصدقائه ولم أمنع وأصبحت معروفة في المنطقة وأصبح عدد الأشخاص الذي أعرفهم 4 أشاخص طبعاً ستسألين أين أهلي .. أهلي لم يكونوا يعرفون شيئاُ إلي أن أتصل شخص أعرفه وطلبني من والدتي وعرفت والدتي أني أكلم شبان ووالدي سمعني أتكلم بالتليفون ولكنه لم يتأكد من الصوت .

ساعديني إنني أخطط لمعرفة شبان أكثر , أسماؤهم وأرقامهم موجودة عندي لقد حطمت قلوباً كثيرة أحبتني بصدق لكني لم أقبل بهم , أقول لهم أحبكم وأنا لا أفكر أبداً ان أحب أحداً ربما ستقولين مشكلتك حلها بسيط وهو أن تتركي سماعة التليفون لكني أقول لك بالبيت أستطيع التخلص منهم فبعضهم يبعثون صوراً ورسائل لي , أريد أن أخذها لكن ماذا أقول لهم , أقول لهم أني أكرهكم , لا أحبكم أرجو أن تعطوني رسائلي .. أكيد سيفضحونني عند والدي أرجو أن تساعديني قبل أن أخاف أكثر , أحب أن أقول لك أني أفكر بالزواج كثيراً أو الهرب مع شخص وأظن أنه لو يعرض علي شخص هذه الفكرة لوافقت علي طول أرجو أن تساعديني وسأكون لك شاكرة طول حياتي وأتمنى لو تأخذ رسالتي جزءاً من اهتمامك وشكراً لك .

***

كما تلاحظين رسالتك نشرت بالنص لم أحذف منها كلمة , ولم أزد عليها حرفاً , وهذا يتسنى لي ولك الإطلاع عليها من جديد .. بتعمق أكثر !

عزيزتي : أنت متمردة علي حياتك , هذا شيء رابض في أعماقك يدفعك إلي هذه التصرفات الانتقامية , التي تنتقمين فيها من نفسك أولاً .. ومن أسرتك ثانيا . ثم من كل المحيطين بك .. هؤلاء الذين توهينهم بالحب ! فهل أنت دميمة ؟ هل بك نوع من المرض المستعصي العلاج ؟! أم هل ظروفك العائلية شاقة مليئة بالخناق والشقاق ؟! كل هذه الجوانب لم تشيري إليها في رسالتك مع أنها تلقى ضوءاً كبيراً علي خلفيات مشكلتك التي أعتبرها نفسية بحته . فتصرفاتك هذه يا عزيزتي تصرفات مريضه , تصرفات مشوهة لا تصدر عن إنسانة سليمة صحيحة النفس والبدن . ابحثي أن أسباب ضيقك وتوترك . وأفرغيها في أي شيء آخر ليس هذه العلاقات الصبيانية المتهورة .

أنت تشبهين قطعة حلوى مغطاة بأعداد هائلة من الذباب وأخشى عليك أن تلتصق هذه القذارة والجراثيم بأعماقك فتعتادين وجودها وتعيشين علها طول حياتك !

لا .. لا .. أنت إنسانة في حاجة إلي الشفقة إلي الحنان ,.. إلي الحب . ولكن ليس من هذا المصدر الملوث اذهبي إلي أمك وابكي علي صدرها . لحكي لها كل شيء أفرغي همومك عندها فهي الوحيدة التي ستخلصك من هذا الوباء , لا تخافي , دعيها تخبر أباك . ودعيه يقصفها وأنت ابنة العشرين ! أنت في حاجة إلي التوجيه إلي الردع في حاجة إلي شيء تحبينه إلي شيء تؤمنين به ! وابدئي أولاً بحب نفسك .. وعيشي سعيدة داخل جلدك , وبعدها ستعيشين سعيدة مع الآخرين بعد أن تكفي عن هذه الخزعبلات .. آن .. نسيت أقول لك لا تفكري في الهرب أو الزواج الآن حتى لا تضاعفي الكوارث من حولك ولماذا لا تجربين الصلاة ؟! حاولي .. ولا تخشي من الرسائل فلن يستطيعوا إيذاءك بها طالما ستخبرين أمك بكل شيء وثقي أنها ستنقذك وستوقف تيار طيشك الجارف !

روح .. لا جسد ..

ترددت كثيراً قبل الكتابة إليك .. ولكن غضبي من نفسي ومن الناس دفعني للكتابة .

مشكلتي تختلف عن مشاكل كل الناس , وأنا لم أكتب لك لأنني أريد حلاً منك .. لأن الحل ليس بيدك ولكن بيدي .. أنا فقط لأكتب ولن أطلب منك شيئاً سوى رأي فقط .. هل هذا بكثير ؟!

أنا فتاة أبلغ الثالثة والعشرين ,.. تخرجت من لندن .. وجهي بشهادة الجميع لا بأس به , ولولا التواضع لقلت أنه جميل .. ليس بالجمال الباهر الفتان ولكنه مريخ هادئ .. أرجو المعذرة .. أنساق أحياناً مه نفسي وأنسى المشكلة .

 مشكلتي أنني ممتلئة “سمينة” . إنها حقاً مشكلة . فلا يوجد مكان أذهب إلية إلا وأري عيون الناس تنزلق إلي جسمي وينسون أن لي وجهاً جميلاً . ينسون أو يتجاهلون أن لي عقلاً يفكر ويفكر بذكاء , أجوك لا تعتقدي أنني أبالغ . إنني أقول الحقيقة . فما أن أظهر في مكان حتى تبدأ السخرية ونظرات الاستخفاف .. حتى في مكان عملي .

أخجل أن أذهب إلي مطعم مع صديقاتي أرفض أن آكل في مكان عام خوفاً من السخرية حتى عندما أريد أن أشرب ماء لا أسلم من سخرية الناس . وهذا ما دفعني للكتابة إليك لأسألك هذه السؤال .. هل جمال الجسم هو كل شيء ؟!

أنا اخرج مع صديقات لي , صديقات ليس بهن شيء سوى تكوين أجسامهن وسخافة أفكارهن .. ومع هذا يحزن الإعجاب دائماً حولهن .. صدقيني .. لم أكتب إليك لأقل أنني أريد معجبين .. ولكني أريد أن أعلام هل كل الرجال لا يبحثون في المرأة إلا عن كيفية تكوين جسدها . واستدارة كتفيها والتفاف ساقيها ..

 هل هم يتغاضون عن فكرها وعقلها ونضجها في سبيل النظر فقط إلي حسنها وبهائها؟!

إذا كان ذلك هو الصحيح فمنذ الغذ سأباشر “رجيماً” قاسياً حتى تكف السخرية عني وأعيش حياتي بهدوء بدون خجل .

ولكن هل تعتقدين أنه لو كان بإمكاني أن أعمل “رجيماً” أما كنت عملته من زمان؟! أنا شخصياً فحصت نفسي ووجدت أن عندي اضطرابات في الغدد يساعد علي زيادة الوزن . ومشكلتي هي لماذا لا يدعني الناس أعيش بهدوء , ليس الكامل سوى الله  . فهناك الأحول والأعور والأعرج والأصلع .. هناك الجاهل والمثقف والغبي فلماذا لا أسخر منهم أنا ؟! لماذا أجد الأعذار دائماً .. لماذا لا يجد لي الناس الأعذار ويتركوني لحال سبيلي هل أطلب الصعب أو المستحيل ؟! أخيراً ..

أرجو أن لا أكون قد أثقلت عليك بقراءة رسالتي وعفري لي سوء التعبير فأنا ليس لي باع طويل في الكتابة إلي الصحافة أو ما شبه . فقد كل ما أرجوه أن ترددي علي وتسعديني بردك .. صدقيني أنا لم أعطك أسماً غير صحيح ولكن الخجل الذي ولد معي سيبقى ويزداد معي بفضل سخرية الناس . وهذا ما منعني من كتابة الاسم كاملاً .

***

ربما كان سراً من أسرار هذه الدنيا أن رضاء الناس غاية لا تدرك .. إنه المستحيل نفسه .. وأنت بقلبك الكبير وعقلك المتفتح الواعي الحاصل علي شهادة التخرج من لندن لن تسمحي لنفسك أن تنهزمي أمام هذه السخافات الساخرة التي تتناثر حولك .. أليس كذلك ؟!

تعلمين حتماً يا عزيزتي أن البدن ما هو إلا وعاء أو رداء يحيط بالروح وهو أثمن ما في الإنسان لأنها نفحة من الله سبحانه وتعالى فلماذا تعيرينه كل هذا الاهتمام ؟!

اعلم .. أن هناك الكثيرين من ذوي التفاهة الذين لا هم لهم سوى النظر إلي الأطر الخارجية للإنسان دون أن يكلفوا أنفسهم بالنظر بعمق إلي داخله .. إلي تجاوز هذه الحدود والغوص في الأعماق ..

ولكن .. الدنيا بخير .. وكما يوجد التفاهة يوجد المتعمق ذو البصيرة القادر علي مخاطبة الفكر وإستصفاف الروح ..

 أتمنى أن تلتقي يوماً ببعض من هؤلاء الناس حتى تستريحي وتجدي نفسك بينهم بهذا العقل الذي بذلك وتلك الروح الذكية .. أملي أن يظل قلبك الكبير كبيراً وأن لا ينضب معين الحب فيه حتى يبقى دائماً منبعاً للحنان والعطاء .. مهما تلقى من آلام وصدمات .. وصدقيني . مع الزمن ستعتادين علي نفسك وسيعتاد الناس عليك ولن يعودوا يرون سوى روحك الذكية وقلبك الكبير وعقلك الناضج وطبعك العذب . فابقي كما أنت .. ولا تعيري التفاتاً لتك الهمسات حولك .. ومع الوقت ستخفت وتتلاشى فقط .. المهم والأهم أن لا تفقدي ثقتك بنفسك ولتعلمي أن الإنسان روح .. لا جسد .

دلع نفسي

أنا شاب متزوج , أعاني من مشكلة عائلية ونفسية ألا وهي أنني أحب فتاة تعمل مع زوجتي ,لقد أحببتها لدرجة الجنون حقاً بحيث أنني بدون شعور أنادي زوجتي باسمها وأتكلم دائماً عنها , هذا كله يحدق بدون شعور |, وأحلم بها دائماً , ويفسرون لي الأحلام بوقوع الزاج منها , أحببتها حقاً مع أنني أحب زوجتي أيضاً وأغار عليها ولكنني أحببت تلك الفتاة لدرجة أنني أتفاءل برؤيتها وأتشاءم بعدم رؤيتها . .

وكم مرة تمنيتها حليلة لي مع زوجتي ولكن ذلك التمني يدور داخل قلبي .

وأحبها إلي درجة أنني لو لم يحالفني الحظ بالزواج منها سأغار عليها من تصرفات الزوج الذي سيحالفه الحظ فيها وينالها .

علماً بأن أصدقائي ينصحونني بالابتعاد عناه وهم يعرفونها أكثر مني من حيث الأخلاق والخ .. ولكنني أريد تحديهم وأريد إثبات حبي فماذا أعمل وكيف أتصرف ؟!

أملي بالعثور علي لح مناسب .

سطرت لك هذه المشكلة وأنا في حالة نفسية بحبها لأنني بعيد عنها مسافة كبيرة .

لا تلوميني علي عدم وضوح التعبير لأنني حائر وبعيد عن حبيبتي .

***

وقف أمام رسالتك هذه طويلاً , فهي ليست مشكلة , وإنما هي شسبه أعتراف بحالة (دلع نفسي) ولست مريضاً نفسياً كما توهمت ..

الحائر الوحيد في حكايتك هو زوجتك المسكينة . التي تسمع أسم غريمتها يجوي في أذنيها ليل نهار في أحلامك وفي يقظتك بالإضافة إلي حديثك المؤلم والمستمر عنها !!!

ثم موضوع التشاؤم والتفاؤل هذا ليس أكثر من ستار شفاف ينم عن رغبتك العارمة في نيل هذه الفتاة , وأن تكون أنت رجلها بدلاً من ذلك الزوج القادم الذي تهوسك الغيرة ويعذبك الحسد منه عندما تقول “سأغار عليها من تصرفات الزوج الذي سيحالفه الحظ فيها وينالها”

عجيبة !! والأعجب من ذلك قصة أصحابك الذين يعرفونها أكثر منك من ناحية الأخلاق !! ولكنك تريد تحديهم وإثبات حبك ؟!

يا سلام ؟!! هذا نوع من سوء التصرف وسوء الخلق لا يمكن علاجه بالدلع والتدليل , وإنما بالمفهوم الحزم . كن صارماً مع نفسك يا أخي , وأكبت رغبتك في هذه الفتاة التي ستؤدي إلي تحطيم حياتك الزوجية , وفقدان امرأتك الصابرة علي سخفك ودلعك .

فإذا حدث وهجرتك زوجتك ضيقاً وقرفاً منك , ستندم لأنك لن تجد هذه الفتاة سوى سراب الواهم الذي لن يروي غليلك وإنما سيزيدك عطشاً فتموت ظمئن لحياة ظليلة وارفة كنت تعيشها ولكنك أضعتها في صحراء نفسك القاحلة .

النبع

منذ ست سنوات وأنا أعناني مش مشكلة , أعيش فيها لوحدي مع دموعي وعذابي .

أنا شاب من عائلة ميسورة , عائلة متدينة ولهذا نشأت في بيئة دينية حفظتني من رفات السوء , والجري وراء الملذات .

أحببت فتاة تصغرني بسنة واحدة من أقربائي حبي لها كان من جانب واحد , ولكن اتضح لي فيما بعد وبعد أن تزوجت أنها كانت تحبني , وبكننا أخفينا مشاعرنا وكتمناها .

 وتزوجت الفتاة وكم كان حزني ساحقاً فالتفت لنفسي أسليها عسى أن أنساها , فشربت الخمر وجريت وراء الفاجرات الفاسقات فنشأ في نفسي صراع عنيف بين ما كنت عليه من عبادة وبين ما أصبحت عليه من انحلال فجاء الصراع علي أشده بين الإيمان في قلبي وبين حب الشهوات والرغبة في النسيان في نفسي . وبقيت ثلاث سنوات أحاول أن أنساها فلا أستطيع فقمت بجولة فقي بعض البلدان عسى أن أنساها .. ولم أستطع .

 وانتهى بي المطاف لأعمل ولأتم دراستي لأنني تأخرت في تعليمي بسببها وبسبب أحزاني فقد كنت أهيج بالبكاء كلما تذكرتها وعندما كنت أجلس علي البحر هناك كنت أراها في الماء .. فهل هي حقيقية موجودة تحت الماء أم أنني كنت أراها بعين خيالي التي تحفظ تفاصيل وجهها وهكذا كنت أجلس الساعات الطوال سارحاً لا أعلم بمكاني ولا بنفسي . وحاولت كثيراً مقاومة حبها في قلبي ولكنه كان أقوى من الصراع الذي أخوضه .. فتنهال دموعي وأبكي يبكي الطفل علي صد أمه .

كانت أشاجني تفيض بجراح الألم , وأشعر في قلبي بفراغ كبير , وفقر شديد إلي الحب والحنان فكرهت الحياة , كرهت الحياة , وكرهت الناس وكرهت نفسي , وأخذت أجري وراء الفتيات بهدف الانتقام !!

وعندما رزق والدي بأخت لي , أحببتها من قلبي , فقد كانت متعلقة بي .. وهي التي غيرت مجرى حياتي فبدأت معها الحب من جديد , وانتهي ذلك بزواجي من فتاة لا تربطني بها صلة قرابة , ومضت السنون .. وأنا الآن متزوج , إلا أنني ما زلت أميل إلي الفتاة التي أحبها , وأشعر بأني قد ظلمت زوجتي بخداعي لها وإيهامها بأنني أحبها فبقيت حائراً بين أمرين .. فزوجتي أحبها كزوجة من الأعماق وحبيبتي أحبها من أعماق القلب , وأتذكرها دائماً حتى وأنا مع زوجتي ..

وأنا دائماً أهيء لزوجتي الجو السعيد , ولا أشعرها بأنني أحب غيرها , وأجعلها تحت أنني أحبها هي فقط , ولم أجعلها تشكو مني يوماً واحداً , ولو لمرة واحدة . أنا أشعر بأنني أكذب عليها , أخدعها وهذا إحساس مرير أعاني منه الآن , فأنا أعيش في دوامة بين زوجة أخلص لها . وبين حبيبة أخلص لها وأفكر فيها , وأقول ليس من المعقول أن آخذ الحبيبة التي أحببتها من زوجها مهما حصل فأنا لا أفكر في ذلك مثل بقية الشباب المتهور لأنني كما قلت تربيت ونشأت في بيئة دينية أثرت في تصرفاتي وتفكيري .

أشهديني بالله ما الذي أفعلة , وما الذي تنصحينني به لنسيان الماضي , خاصة وأنني لا زالت أتألم من ذكرياته . أرشديني لأكون مخلصاً في أفعالي ,وفي أعمالي مع زوجتي , وسأكون لك من الشاكرين .

***

لا يمكن مهما قلت أن أطلب منك أن تكون أفضل من ذلك , أو أحسن من ذلك .. فأنت إنسان سام .. طبيعتك الحب وتكوينك النفسي العطاء والحنان بلا حدود ابتسامتك الحزينة الرقيقة , التي تشف من تحتها ذكريات الحب البعيدة , ستنسى حزنها وستحتفظ برقتها , وستألف بهجتها مع الوقت وهل تصدق أن رسالتك كشفت لي حقيقة مذهلة .. وهي أنك تحب زوجتك جداً ربما أكثر مما تعرف . ولا يمكن لأحد اليوم أن يدعي غير ذلك .

وهل تعرف أن حبك سيزيد ويتأجج بعد أن يرزقك الله بطفل صغير تفيض عليه من نبع حنانك الزاخر المعطاة . وحيث أن النفس مركزها المخ , فلا زال فهم الإنسان (لنفسه) ال يزيد وضوحاً عن فهمة (لعقله) وأنت عندما تفهم نفسك جيداً ستدرك بعقلك أنك لا تملك أبداً القدرة علي التفريط في زوجتك حتى ولو أتيحت الفرصة للاختيار والمفاضلة بينها وبين حبيبتك !!

نعم .. فأنت يا ذا النبع الزاخر بالحنان يا ذا القلب المليء بالحب .. والنفس البديعة الشفافة الإحساس .. أنت غارق في الحب حتى أذنيك .. ولكنه حب غامض مجهول لا تدرك كنهه حتى الآن .. فأنت تحب دون أن تدري .. تحب زوجتك حب الوله وبهذه الدمائة , والسمو , والنبل , والرجولة ستمضي حياتك سعيدة آمنه هانئة أنت وزوجتك اللطيفة المحبة الصادقة .

فهنيئاً لك بأخلاقك العالية , وبطباعك الطيبة , التي تزداد آصاله ورفعة علي مدى السنين .

طريق الأمان

ترددت طويلاً قبل أن أبدأ كتابة هذه الرسالة التي بين يدك الآن , فقد حاولت طويلاً أن أحل مشكلتي بنفسي ولكني عجزت عن التفكير , وعن الوصول إلي حل حيث أنني لم أصل إلي نتيجة .

أنا فتاة أبلغ من العمر الثامنة عشر , طالبة بأحد المعاهد العليا , تعرضت منذ فترة طويلة جداً للاعتداء من أخي وأنا في حوالي العاشرة من العمر , وكان هو في السادسة عشرة حينما فعل بي ذلك .

وكل ما أذكره عن هذه الحادثة أنها وقعت في مكان خال لا يوجد به أحد , فقط أذكره أنها كانت ليلة الخميس , وكان الظلام يملأ المكان , فقام بعمليته الشنيعة معي , وأنا طفله صغيرة لا أفهم معنى ما يحدث لي .

مرة الأيام علي هذه الحادثة , وضل أخي يكرر عملياته جراحيه لاستئصال اللوز , أخبرني الطبيب أنني حامل .. وكان الحقيقة قاسية أليمه , ولكنه أجرى لي عملية إجهاض للخلاص من هذه الورطة الفظيعة .

ومنذ هذا اليوم وأنا أعاني من هذه المشكلة و فقد فهمت كل شيء بعد هذه المدة , والآن فهمت أكثر وأكثر .

صدقيني .. حتى الآن أخي ما زال يطاردني لمزاولة أعماله الشنيعة أرشديني ,.. ماذا أفعل .ز هل أقتل نفسي وأهرب من هذه الفضيحة التي لم يعلم بها أحد غيري ؟

وماذا أفعل كي أسترجع رحمة وعطف ربي علي .. ماذا أفعل يا أختي رغم أنني لم أقل لأحد , وأنا الآن أصلي وأصوم دائماً أقرأ القرآن , وأعمل حالياً علي حفظه كله , ولكن هل يرضي ربي عني ويقبله مني ؟!

وماذا سيكون عقابي وعقاب أخي ؟! أرشديني يا أختي .. وارحميني أني أكاد أقتل نفسي أ, أهرب .. فهل ينفع هذا حل ؟!

أرجوك .. ماذا أفعل لأرضي عن نفسي وليقبلني الله ويسامحني ؟!

وأنا بالرغم معاناتي في هذه المشكلة , إلا أنني أحب شخصاً منذ أربع سنوات وكلما طلب مني الزواج أقول له بعد التخرج سيتم زواجنا بإذن الله

فماذا تنصحينني ؟!

***

مشكلتك فتاتي مروعة تثير في النفس شعوراً عاتباً بالألم والعذاب .. فهذا أخوك ابن أمك وأبيك يسلبك عذريتك ويمتهن شرفك وتفاؤلك كل هذه السنوات .

كيف بالله يمكن أن يفعل ذلك أخ بأخته ؟

أخ المفروض فيه أن يدرأ عنها الشر , وأن يحميها من أي متطفل قد يطالعها بنظرة شوق \أو اشتهاء ؟ فما بالك وهو يجرم في حقها بهذه البشاعة ؟!

لك الله يا فتاتي , ,وأعانك علي ما عانيت وعشت من عذاب .

ولكن ..

لي تساؤل يحيرني .. أين أمك ؟

ولماذا لم تلجئي إليها .! لم تخبريها بما كان يحدث لك منذ كنت طفلة غريرة , كي تتدخل وتوقف فوراً هذا الإجرام في الحال ؟!

أرجو أن تسارعي بإخياها بكل ما حدث لك , فهي السند والمعين , وهي الوحيدة التي تستطيع أن تتصرف بحكمة وتروي , فهي لن تفضح ابنتها أو ابنها .. وإنما ستجد حتماً طريق الأمان لك وله , فهي ستعرف كيف تضع حداً فاصلاً لهذه المهزلة المأساة , فقد تسارع بإبعاده عن البيت بأي حجة للدراسة أو للعمل , أو بأي عذر ..

أمك فتاتي هي الملجأ الوحيد لك وهي القلب الحنون الذي سيرفع عند عذابك ويمحو معاناتك .

 فاذهبي إليها . ألجئي إليها وافتحي قلبك لها .. حدثيها عن سرك الرهيب هذا .. أخبريها بكل شيء دون خوف أو خجل ..

عذاب العذاب

لا أعرف لماذا أمسكت بالقلم وكتبت لك مشكلتي أو قصة حياتي فالاثنتان مكملتان لبعضهما . وربما أردت أن أجد لدواخل نفسي وهو أضعف الفروض .. حلاً .

فقد ثقتي بالرجال لأول رجل صادفته في حياتي وعمري سبع سنوات عندما دعاني إلي منزلة لشيء ما . فقدت عذريتي . وقد عذريتي . وفقدت الثقة معها , ومرت بقية أيام طفولتي ومراهقتي كأقسى ما تكون , خوفاً وانطواء , وهروباً دائماً من الرجال , وحتى عندما اقتحمت الحياة العملية , كنت أصد أي شاب يتقدم لخطبتي , أو يحاول التعرف إلي , أ, يطلب موعداً للخروج معه . ولكن لا أعرف كيف خفق قلبي لأول مرة في حياتي لشاب في الثلاثين من العمر جمعتني الصدفة وإياه .. لأحقق من خلاله أحلامي للحب فقط وليس للزواج , لأنني كنت أعرف مسبقاً النتائج إذا ما أخبرته بسري . وهكذا عشت معه أجمل قصة حب , ومرت الأيام والشهور والسنوات كأروع ما تكون , وبدأ يخبرني عن الزواج , وبدأت أتهرب منه لأنني أعلم بأنه سيتركني إذا ما عرف بالأمر و وبعد إلحاح شديد أخبرتاه . وهربت منه حته .ؠ يقولها لي بلسانه , وبدأ يأخذ مني ما يريد .. وأخيراً نفذ وعده بعد طلبي المتكرر منه , فتقدم لخطبتي وهو متردد , وكأن له ما أراد , فقد انقسم الأهل ما بين معارض وبين موافق للزواج , ويبدو أنه لم تعجبه من البداية فانسحب منها بكل هدوء وأدار ظهره وكأن شيئاً لم يكن . وكانت الصدمة الثانية في حياتي , فهربت من كل مكان رأيته .. وأخيراً نفذ وعده بعد طلبي المتكرر منه , فتقدم لخطبتي وهو متردد , وكان له ما أراد , فقد انقسم الأهل ما بين معارض وبين موافق للزواج , ويبدو أنه لم تعجبه من البداية فانسحب منها بكل هدوء وأدار ظهره وكأن شيئاً لم يكن . وكانت الصدمة الثانية فانسحب منها بكل هدوء وأدار ظهوره وكأن شيئاً لم يكن . وكانت الصدمة الثانية في حياتي , فهربت من مكان رأيته .. بل من المدينة كلها وأنا مجروحة الفؤاد وبدأت أروض نفسي من جديد علي كره الرجال والابتعاد عنهم , بل خطط لنفسي طريقاً لأسير عليه بعد اليوم وهو أن أفعل ما يفعلون , أن أتسلى بهم , كما يتسلون بنا , وكانت الفرصة لي لقاء جديداً مع رجل جديد .. متزوج .. وله سجل حافل بالغرام والعاشقات , وخرجت معه لعدة مرات , كان في كل مرة يرسم لي الشوق الذي يقطع الفؤاد .. والحب الذي يسهر العشاق .. تصوروا .. ماذا سيكون ردي .. ألا توافقون معي أن الضحك أجمل شيء لمثل هذا الموقف .. وكما يقال “شر البلية ما يضحك” وظللت معه لفترة .. وتعرفت علي آخر .. وآخر .. وكلهم نفس الشيء نفس الكلام , كأنهم جميعاً قد تخرجوا من مدرسة واحدة .. نعم عرفتهم جميعاً ولن يغلبني أحد أبداً , فلن ألدغ ثلاث مرات ..وكفى أن لدغت مرتين .. أصبحت لا أميز بين من يقول الحقيقة .. ومن يقول النقيض .. فحياتي قد نذرتها لطريق التسلية .. تسلية نفسي فقط .. ولكن اليوم وبعد لقاءات عديدة وبريئة معه .. صارحني بحبه شاب لطيف جداً .. يتسم بالرزانة والعقل .. وضحكت كعادتي .. فإنه لم يأت بجديد .. سوى أنه لا يطلب التسلية .. فقد صارحتني بالزواج وفاجأني بطلبه , فلم أعرف بماذا أجيب .. فأنا لا أحبه .. ولا أعتقد أنني سأحب شخصاً ما في يوم ما .. ولا أكرهه .. فاحترمه لنفسيه وثقته بها تشدني إليه .. وأتمناه لأضع حداً وأسدل الستارة علي مسرحية كما فعل الذي قبلة .. إنني في حيرة ما بعدها حيرة .. تصرخ ذاتي بالحب .. وتصمت عيناي عن الإفصاح به .. وتتمنى روحي الحياة الطيبة , وتبتعد كي لا تصدم من جديد , لن تقولي لي صارحيه إن كان فعلاً يريد الزواج فلن نرضى أن أنفخ آلام السنين بكلمة واحدة يمكن أن يقبل ويمكن أن لا يقبل .. فماذا أفعل ؟

***

في الكلمات التي قلتها صدق كثير . وإن كان صدقاً مليئاً بالحزن والعذاب . ولا شك أن مشكلتك دقيقة جداً وحساسة جداً . وهي تحتاج بالفعل لآراء القراء للمساهمة في حلها .

وحتى تصلني رسائلهم العزيزة .. دعيني أقول لك يا عزيزتي أنك يجب أن تبحثي في نفسك , وأن تزيلي من أعماق آثار تلك الصدمة العنيفة الأولى , وأن تحاولي النظر إلي الناس وإلي الحياة وإلي الله بكل محبه .

وأن تحاولي أيضاً تخليص قلبك من دوامات الحقد والكراهية , وأن تبعدي عن عقلك هذه الأفكار الفجة التي لا تناسب طبيعتك السمحة السوية .. فأنت لا تستطيعين أن تعيشي عبدة لعلاقات عابرة من هذا النوع الفظيع .. وإن شاء الله تقدرين أن تبدئي من جديد .. بقلب جديد .. وفكر جديد .

الشوارع الخلفية

مشكلتي تتلخص بأنني أحببت فتاه حباً شديداً لا يقدر أحد علي نزعه من قلبي . أحببنا بعضنا مدة خمس سنوات كنا نتقابل ونتبادل الأحاديث في بعض الشوارع الخالية من المارين , لأنه لا يوجد أماكن ولا منتزهات للتمشية , فأخذ حبنا يكبر يوماً بعد يوم حتى خطبت وأنا لم أدر ولكنها ما زالت تقابلني وبعد مرور سبعة شهور تقريباً علي خطبتها تزوجت حبيبتي ولم أعد أراها . فشعرت بأنها نسيت حبنا ونسيتني فأخذت أهيم في كل جهة في البلد لكي أراها أو أسمع صوتها ومرت علي تسعة شهور وأنا علي هذه الحالة حتى جاء سوم زواج أختها لابن عمها فرأيتها وأن خارج من بيتنا فوقفت وهي تنظر مكسوفة الوجه وأنا أيضاً أنظر إليها فاردات أن أقول شيئاً فلم أستطع , فتكررت الأيام وأنا أراها لكن لم أقدر أن أكملها وفي يوم رأيتها وأنا خارج من بيتنا .

رايتها بوضوح فأردت أن أقول لها كلمة صباح الخير أو كلمة أخرى فلم أستطع , ولكن منذ رؤيتي لها في ذاك اليوم حتى الآن لم أرها لكي أعطيها رسالة من يدي ليدها أحسن من يد شخص آخر لأن الناس شكاكة .

فأرجو منك يا أختي انتحلي مشكلتي هذه وتفكيني من هذه المصيبة بأسرع وقت أرجو منك أن لا تقولي لي ابتعد عنها لأني أحبا وأضحي بكل شيء من عندي لأجلها فأرجو منك أن تقولي كيف أعطيها الرسالة ونستعيد الماضي وتجلس معي لكن تريد أن أكلمها بنفسي فكيف أكلمها كيف .. فأرجو أن تجدي حلاً لحيرتي هذه لأني أتعذب .. وشكراً .

***

ناقصاً . لأنك كنت تعلم أنها مخطوبة وستتزوج . وسكت . ولهذا ما لبث أن طوته اللامبالاة .. والزواج بآخر . فلا تنصت لعبثها , ولا تنسق وراء لهوها .

وابتعد عنها إذا كنت حقاًُ تحبها , فهذه هي اعلي مراتب التضحية .

مع الوقت ستهدأ مشاعرك وتخبو عواطفك . وسرعان ما يطوي حبك النسيان .. والزواج بأخرى .

فارس الأحلام !

أنا فتاة في الثامنة عشر من عمري , طالبة , حكياتي تبدأ منذ ست سنوات عندما ضربتني ا/ي ضرباً مرجعاً في أحد الأيام بسبب تصرف خاطىء قمت بها أنا وأخي الذي يصغرني سناًَ .

ضربتني أمي مساء ونمت في فراشي خائفة , وبعد أن غفوت دخل إلي غرفتي شاب أسمر اللون في أول ريعان شبابه , دخل مبتسماً ماداً ذراعيه نحوي وجلس قرب فراشي ومد يده بحنان إلي وجهي وشعري ثم حملني بين ذراعية وطار بي إلي مروج خضراء تحيط بها الأشجار والمياه وحكى لي أموراً طويلة , وأذكر أنه قال لي يجب علي أن أحترم والدي وأطيعه وأن أسرع علي راحة أخوتي الصغار وأنتبه لهم .

واستيقظت عند الصباح لأعرف أنني لم أكن إلا حالمة , وهذا الشاب لم يأتي إلي في الحلم , ولكن الغريب في الأمر أنه عاد ثانية ودخل غرفتي كما المرة السابقة وأخذني إلي أماكن أكثر جمالاً وروعة جاء في المرة الثالثة والرابعة والخامسة .

واعتدت عليه وأصبحت أحب أن أنام لأراه في منامي , وكان بالنسبة لي ضميري الروحي يسهر علي راحتي ويؤنبني ويرشدني ويعلمني ويشجعني علي الدراسة .

وكان يتدخل في كل أموري من صغيرة وكبيرة , وكنت مسرورة جداً وفي سعادة تامة مع هذا الشاب الذي كنت أحسبه واقعاً أكيداً أعيش به لأنني كنت أنتظره دائماً لأحكي له عن كل شيء .

كبرت وكبر معي وأستمريت علي هذه الحالة ست سنوات , أحببته بكل قواي العقلية والعاطفية حتى أنني كنت أكتب له رسائل ما زالت أحتفظ بها حتى اليوم . أحببته حباً يفوق الحقيقة والخيال وغاب عني .. وغاب عن منامي ولم يعد واستمر غيابة حوالي الثلاث أشهر . وفي هذه المدة التي غابها كنت قلقة أعيش في ذهول تام نسيت كل ما يحيط بي ..

ونمت الليالي أنتظر قدومه .. لم يعد كنت أستيقظ عند الصباح حزينة يائسة عندما أعرف أنني لم أره في منامي ..

أنا لست مجنونه أنا بكامل قواي العقلية وناجحة في دروسي وأحظى باحترام زميلاتي ومعلماتي ووالدي وكل من يعرفني يحترمني لسلوكي الجيد من خلال هذا الشاب الحلم الذي ترعرعت بحنانه ونشأت بعطفه وكبرت علي إرشاداته .

ورأيته هذه المرأة حقيقة رأيته .. وأنا عائدة من المدرسة إلي البيت .. بابتسامته المعهودة رأيته كان خارجاً من الدار القريبة من دارنا مودعاً أحد زملائه .. كان عندي الاستعداد الكلي أن أنادية أن أركض إليه وأضمه بين ذراعي , وكيف لا وهو نفسي ورفيق طفولتي وشبابي ,. وتلعثم لساني وجمد جسمي وبقيت أنتظر إليه لا أرفع نظري عنه حتى أنني بحلقت بعيني لأراه بوضوح .. إنه هو بلحمه ودمه حقيقة مجسدة تمر أمامي والتقت إلي وتمتم بكلمة مرحباً وأكمل طريقه ولا أعرف إلي أين ذهب .

واحترت في أمري وازدادت حيرتي وعشت أيامي تائهة بين الحقيقة والخيال حتى رأيته في المرة الثانية يوقف سيارته قرب الدار التي خرج منها في المرة السابقة . وكانت برفقتي هذه المرة إحدى زميلاتي فسألتها فوراً هل ترين هذا الشاب ؟! وماذا هي أوصافة ؟!

ووصفته لي زميلتي تماماً كما أراه بالضبط أسمر اللون معتدل القامة غزير الشعر .

ومنذ تلك اللحظة صممت أن أتصل به وأعرفه بحبيبته التي هي أنا والتي تنتظر قدومه , وكتب له رسالة مطولة راجية بها أن يعرفني باسمه وماذا يعمل ؟! وأين يسكن ؟!

وذكرت له اسمي وماذا أدرس وكثيراً من الأمور , لأنني ما زلت أعيش في خليط من الواقع والخيال وتركت الرسالة خلف مقود السيارة , ورأيته يأخذها بين يديه ويقرأها بعد ساعة تقريباً ومحتمل أنه قرأها عدة مرات ونظر باتجاهي وذهب , ومحتمل أنه كان خائفاً مني وأراد التأكد ومن جدية هذه الرسالة .

وأخيراً كتبت له رسالة ثانية وتركتها علي زجاج سيارته , بعد أن ضمنتها صورتي , وكانت رسالة كلها حنان وتتناول أمور كثيرة من حياتنا . وتوطدت معرفتنا بتبادل الصور والهدايا وأحببته أكثر من الخيال , وازداد إعجابي به ونمت محبتي له مع كل كلمة كتلها علي أوراق رسائله التي تظهر طبعه الهادئ وأخلاقه العالية وثقافته وطيبة قلبه ومعرفته بالحياة .

 ولكن مشكلتي ازدادت تعقيداً فأنا خليجية من عائلة محافظة ومتمسكة بتقاليدها وهو جنسية تختلف عن جنسيتي , وعندما حكيت لأمي قصتي مع هذا الشاب كادت تجن واعترضت علي حبي بالتهديد والوعيد .

 هو مستعد أن يتزوجني وأنا أحبة بكل جوارحي ومشاعري وأحس أن سنوات , وكان لع الفضل الأكبر في تربيتي وتنشئتي لأنه كان يمثل إرادة عقلي وقلبي في المنام .

وأنا متمسكة به , وان يهنأ لي عيش بدونه , لقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يرسله لي في منامي فأرجو من الله أن يكون قد أتى لإسعادي أكاد أموت من الهم وأنا عاجزة لا أستطيع عمل شيء .. فكل ما يحيط بي هو حواجز بيني وبينه .. فماذا أفعل ؟!

***

مشكلتك غريبة جداً , لم أسمع بمثلها من قبل , قسمها الأول نادر ويندرج تحت باب الغيب .ز فكما يقول “كارل ج . يونج” :

النوم يفتح الباب الموصل لعالم الغيب عالم الأسرار والغواميض وما فوق الواقع ..

وهذا ما حدث بالضبط لك .. عندما تم الانفصال بين النفس الواقع ويعتقد يونج أن الحلم إشارة المستقبل وإلهام من الملأ الأعلى .

كما يعتقد “أربك فروم” في إمكانية حدوث الإلهام واحتمال حدوث الاتصال الغيبي في الأحلام .. ولكنه يقرر أن هذه الحالات تعد حالات نادرة ..

وحالتك .. واحدة من هذه الحالات النادرة .. ورغم غرابتها وندرتها إلا أنها تأتي وكأنها نبوءة فاجأتك بصدقها في عالم اليقظة .. فأذهلتك وحيرتك ؟! كل هذا جائز وممكن الحدوث فلا شيء في الحياة اسمه مستحيل .

 وأما عن مسألة زواجك منه , فهذه تتوقف علي مدى نجاحك في إقناع أهلك بذلك . وإن كنت أرى أمامك حائلاً رهيباً , وسداً منيعاً صاغته التقاليد والأعراف المتوارثة عبر السنين .

حبيبي يحترقني

أنا فتاة أحببت شخصاً يكبرني بأربع سنوات حباً شديداً .

 أحببنا بعضنا مدة سنة كاملة , كنا نتبادل الأحاديث بالتليفون أو بالرسائل أو باللقاء .

وكبر حبنا . إلي أن جاء يوم اتصلت بحبيبي فتاة لا أعرفها وقالت له كلاماً عني , ثم اتصلت بي وأخبرتني أن حبيبي قال لها أنني فتاة جميلة ولكن أهلها ليس لديهم أخلاق وأن والدتها امرأة غير شريفة .

ولم أصدق هذا الكلام , وسألت حبيبي فأنكر في بادئ الأمر , ثم اعترف بما قال عني واعتذر عنه , وجن جنوني , وأصبحت واثقة بأن فشلي في الدراسة كان بسببه , وأنا والله علي استعداد تام لأي طلب يريده لأنفذه .

وعلي فكرة أخبرني يوماً بأنه كلم والدته لتحضر وتطلب يدي ولكنها أصرت علي الرفض .

وتحملت وقلت له أنني لست في عجله علي الزواج , ولكن مع مرور الأيام بدأ يتغير وأصبح يستهزئ بي ويقول لي كلاماً بذيئاً لا أقدر علي ترديده عندما أتصل به .

فأرجو منك أن تحلي مشكلتي بأسرع وقت .

وأرجو أن لا تقولي لي ابتعدي عنه لأني أحبه .

وأرجو أن تعطيني النصائح اللازمة لأني فتاة لا أعرف تجارب الحياة

وأنا مستعدة لتنفيذ كل كلمة بالحرف الواحد .

***

يا صغيرتي .. أنت فتاه في الخامسة عشر , وأحببت شخصاً في الثامنة عشر منذ حوالي سنة , أي كنت لا تزالين في الرابعة عشر وهو في الثامنة عشر . أي كنت لا تزالين طفلة كبيرة بعض الشيء وهو مراهق صغير .

 وبالتالي ما بينكما يا عزيزتي لم يكن سوى مشاعر مراهقة شدت أعصابك وسببت لك كل هذه الاضطرابات .

 صغيرتي .. أنا أخشى عليك من اندفاعك نحو هذا الشاب الذي يحبك بل يحتقرك .. بدليل أهانته المتتالية لك مرة عن طريق صاحبتك ومرة عن طريق إخبارك برفض أمه التقدم لك .

وأخيراً .. عندما بدأ بسبك ويستهزئ بك عندما تتصلين به .

كل هذا ,.. وأنت لا زلت تقولين بالحرف الواحد بشيء أفزعني وأقلقني عليك : (أنا والله علي استعداد تام لأي طلب يريده لأنفذه) .

فماذا تقصدين بالضبط بكلامك هذا ؟

.. وهل أنتا علي استعداً لتفقدي نفسك وشرفك بين ذراعية ؟!

لا يا صغيرتي لا .. أرجوك .. ابتعدي عن هذا العابث الذي لا يكن لك ذرة من الحب أو الاحترام .

واقطعي صلتك به فوراً .. وركزي جهدك في دروسك .. والتجئي إلي الله واحرصي علي أداء الصلاة 0.

فبالصلاة ستحمين نفسك من الوقوع في هاوية المنكر لا قدر الله .

العذراء.. الحامل!..

 أنا فتاة ماتت أمي وأنا عمري 6 سنوات تقريباً وعندما ماتت أمي ماتت الدنيا في وجهي ومات الحنان وأصبحت وحيدة أسيرة في الدنيا بلا هدف وبعد موت أمي رحمها الله تزوج والدي من عدة نساء فكان يتزوج ويطلق والآن متزوج امرأة قاسية القلب لا ترحم وأنا كبيرة أخواتي وهم ولد عمره 14 سنة وبنت عمرها 11 من زوجة أبي هذه عندها بنت سني وكانت تأتي عندنا وكنت أحبها مثل أختي.

وتبدأ القصي .

كانت زوجة والدي في أول الأمر طيبة جداً لكن سرعان ما انقلبت هذه الطيبة إلي حقد وكراهية تكنها لي أنا وحدي فهي لا تريدني أن أبقى معها في البيت فازدادت المشاكل ولكنني ذهبت إلى أختي المتزوجة وهي ليست شقيقتي وبقيت عندها شهراً ولكن أحسست بالغربة والوحدة فرجعت إلى منزل والدي وكنت كل شيء أعمله وحدي من طبخ ومسح البيت والغسيل والكي كل هذا وحدي وهي تبقي نائمة وفي وقت الغداء تقوم وتطبخ وحدها ثم تنام مرة ثانية وفي يوم من الأيام جاء شقيقها وهو يبلغ من العمر 43 سنة يعني يكبر أبي بسنة واحدة وله ولد يبلغ من العمر 19 سنة جاء هذا وأعطاني رسالة بصراحة لا يكتبها إنسان بعقله وبفكرة وأخذت الرسالة وقرأتها وأضبط منه أشد الغضب فكتبت له أني لست من الفتيات المتهورات اللاتي يبعن شرفهن بهذه السهولة وقلت له ولو أتيت مرة ثانية هنا فسوف أقول لوالدي على هذه الرسالة وفي صباح اليوم التالي جاءتني زوجة أبي وهي تسب وتلعن أمي التي الآن تحت التراب ولكني استسلمت للبكاء لأنه يفرج القلوب . وأصبحت زوجة أبي تقول أن بنتك قليلة الدب ، ولكن عندما قالت لوالدي هذا الكلام قلت لها أن أخاك أعطاني رسالة وبها كلام سخيف جداً لكنها أصبحت تهددني وتقول أني كاذبة وتقول لي لو قلت هذا لأبيك فسوف أكذب عليك وأقول له أنك حامل ولكني سكت وخفت من هذه الكلمة فأنا فتاه عذراء ولو سمع أبي مثل هذا الكلام الكاذب أخاف أن تزيد المشاكل بسببي ولكن سكت ودعوت الله أن يكون معي ووصلت بها الكراهية إلى أن تكذب وتقول بعدما خبأت سلسلة من الذهب ثمنها حوالي 110 دينار وقالت هي سرقتها ولكني حلفت أنها ليست عندي ولكن لم يصدقني أحد وأقسم أبي إن وجد السلسلة عندي أنا فسوف أكذب عليك وأحلف لبيك علشان يقتلك فبكيت وسقطت من عيوني دموع اليأس والألم ولكن لم أيأس من رحمة الله وأنا أحاول الانتحار ولكن أخاف الله ولا أخاف العبد لأن عذاب الله أشد من عذاب العبد ولكني استسلمت للصبر لأنه مفتاح الفرج .

وأنا كتبت مشكلتي لك والدموع تنزل من عيوني لأني وجدت في هذه المجلة الأمل الكبير لهذه المشكلة وأود أن أقول لكم أني فشلت في الدراسة بعدما تزوج والدي وحرموني منها مع أني كنت متفوقة فيها والآن أصبحت فاشلة في كل شيء في الدراسة وفي الحياة .

***

أغرب ما في خطابك هو موقف والدك وسرعة تصديقه لأكاذيب زوجته فكيف بالله ستسرقين سلسلة ذهبية ؟! وماذا تفعلين وكيف تتصرفين بها ؟!

تصوري . لو كان والدك قد اتخذ موقفاً حازماً من زوجته عندما اتهمت ابنته الصغيرة بالسرقة لما كانت تمادت في تخويفها لك !

هذه المرأة واضح أنها بلا قلب ولا ضمير وأدعو اله أن يعينك عليها بالصبر والجلد .

 مع اعتقادي بأن الإنسان قادر في كل سن وفي كل وقت أن يطور نسه . وينمي شخصيته وأن يدير الظروف لصالحه مهما كانت قاسية ومرعبة .

والمهم أن تتغير نظرتك إلى الدنيا وأن تتحولي من إنسانة تلعق مرارة قدرها إلى إنسانة تبحث عن حلاوة أيامها .

وأول خطوة يجب أن تقومي بها لحماية نفسك هي أن تقنعي والدك بضرورة العودة لإكمال تعليمك فالعالم سلاح ستتمكنين به من الدفاع عن نفسك في مواقف كثيرة في حياتك .

واستمدي قوتك من نفس المصدر الذي تنبع منه آلامك . واعتباريها حافزاً مشجعاً لك على ضرورة التغيير في واقعك وكما قلت لك بالعودة أولاً إلى مقاعد الدراسة .

ولكن هل تعلمين أن أفظع شيء عرفته من رسالتك هو اتهام زوجة أبيك لك بأنك حامل !!

اتهام بشع وكريه ولا يحتمل أن يوجه أبداً لفتاة صغيرة عذراء !!

ومع ذلك يا صغيرتي أهنئك على إيمانك وصبرك وتحملك فتجلدي وفوضي أمرك لله . وثقي بأنه قريب منك .. وابدأ لن يخذلك !

حبيبتي تأمرني باغتصابها

أنا رجل في الثامنة عشر من عمري ، أدرس التوجيهية في أحدي المدارس  العسكرية . أحببت ابنه عمي – 15 سنة – منذ الطفولة . وبادلتني هي حباً أشد وكنا نتقابل أغلب الأوقات ولا يقدر أحدنا أن يغيب عن الآخر لمدة ساعتين .

وذات يوم طلب مني والدي أن أذهب معه إلى المزرعة التي تبعد عن المنزل 3 كيلومتر . ولكني لم ألب طلبه وإنما ذهبت إلى عمي وطلبت منه يد ابنته . ودفعت له المهر الذي يريده إذا طلب من 30 ألف ريال . فوافقت أنا ووالدي لأن ظروفنا تسمح بذلك .

وبعد فترة تقدم لعمي رجل ليس له أصل في بلدنا وأعطاه 35 ألف ريال فوافق على ذلك وقرر الزواج بعد سنه . ونفرت منه حبيبتي وكرهته كرهاً شديداً .

وفي إحدي الليالي دخلت غرفتي في ساعة متأخرة من الليل وطلبت مني أن أعاشرها وأذهب معها إلى حيث أشاء . ولكني خفت من التفريط بشرفها وشرفي وتراجعت عن تنفيذ طلبها .

وكانت صدمتي عنيفة عندما تقابلنا في اليوم الثاني حيث أكدت لي أنها ستنتحر إذا لم أفعل ما تأمرني به، وحتي يذهب عنها ذلك الرجل ..

  وأنا مستعد لأن أفعل المستحيل من أجل بقائها على قيد الحياة .. وسوف أضحي بنفسي من أجلها !

عندما وقعت عيني على رسالتك .. ابتسمت لها وقرأت ((أنا رجل في الثامنة عشر من عمري )) .. وقلت لنفسي أن كاتب هذه الرسالة شب يتمني أن يتجاوز مرحلة الشباب ليصل بسرعة إلى مرحلة الرجولة !

ولكن .. بعد أن قرأت رسالتك وشعرت بمدي ما تعانيه .. وبمدى ما تتمتع به من قوة إرادة خارقة . أمنت بأنك رجل لا مراهق بكل ما في هذه الكلمة من معان!

أخي ..

بما أن عمك مادي إلى درجة أنه يضحي بك أنت ابن أخيه ، ويرفضك زوجاً لا بنته التي تحبك .رغم أنك تقدمت لطلب يدها قبل هذا الخطيب ..

يبقي علاجه سهل جداً والحمد الله ..

والمطلوب منك يا عزيزي أن تدخل في عملية (مصارعة ) لأجل عيون بنت عمك الغارقة في حبك حتى أذنيها ..

فإذا كان الخطيب الجديد قد (تغلب) عليك بخمسة آلاف ريال فقط ..

فما المانع إذن لو تزيد عمك عشرة آلاف أخري ؟! طالما أنت موسر وقادر على ذلك؟!

عمك حتماً سيوافق، وستربح أنت (الجولة ) بعد هذه (الدفعة القضية ) وستفوز بحبيبة القلب (الطائشة ) .. وأرجو أن تعجل بزواجك منها حتى تنالها بالحلاب على سنه الله ورسوله..

وقبل أن تدفعك إلى ارتكاب المعصية تحت دافع حبها الناري لك ..

ودعواتي لك بالتوفيق .. وبالرفاء والبنين !

الفخ !..

منذ ثلاثة سنوات أحببت فتاة تصغرني بحوالي 4 سنوات ومن غير جنسيتي أعني من قبائل متفرقة ، ولم أصارحها حتى مضي 14 شهراً على تعرفي وتعلقي بها ، وكانت هي أيضاً تبادلني النظرات ، وكنا نتحدث في أمور الشباب ومشاكلهم في كل وقت نتقابل فيه .

صارحتها بحبي لها بعد مضي المدة المذكورة وبعد أن شجعني أحد أصدقائي بمصارحتها، وهي أيضاً صارحتني وكنت بالطبع أنا الباديء ، تفاهمنا على الود والإخلاص وكنا نتقابل على مرأى من الناس وليس على مسمع منهم ، ولم أحاول لمس يدها .

استمرت علاقتنا على هذه الحالة فترة من الزمن ، عندما فاجأتني إحدى صديقتها بأسئلة سخيفة تتعلق بعلاقتي مع فتاتي وتكررت منها هذه المحاولة ، ألا وهي محاولة معرفة ما إذا كنت حقاً أحب فتاتي أم لا .. وفي كل مرة كنت أمتنع عن الإجابة .. الأمر الذي ساعدني على اكتشاف أن هذه الأخرى تريدني لنفسها ، وهنا بدأت المشكلة حيث أصبحت تؤلف وتخترع أكاذيب من رأسها وفكرها وتنقلها مرة لفتاتي وتارة تنقلها لي ، لا لشيء ولكن لشيء ما في نفس يعقوب .

تفاهمت مع فتاتي على عدم تصديق كل ما تقوله صديقتها هذه ولكن .. من يومها أصبحت فتاتي تقصد في زيارتها لي ، فبدلاً من أنها كانت تتلهف لمقابلتي يوماً لو لمرة واحدة على الأقل أصبحت لا تأتي سوي في الأسبوع مرة ورويداً رويداً اقتصدت أكثر وأصبح من أسبوع إلى شهر .

إنني أشتاق إليها لأنني عودت عيني على رؤيتها ، مع العلم أنه لا سبيل للوصول إليها إذا لم تأتني هي بنفسها ، ونحن قبيلتان متمسكتان جداً بعاداتها وتقاليدها .

سيدتي إنني أتصور بأني خلقت لفتاتي وهي أيضاً خلقت لي ، وطالما أفكر بالتقدم من أهلها خاطباً إياها لذا لم أستطيع نسيانها لأني فكرت كثيراً يعني فكرت في نسيانها مراراً عقب ما بدر منها من صدور وهجران وهي موجزة تماماً حيث أنني لو أردت سرد القصة كاملة لا يكفني مداد مصنع صيني للحبر والذي ينتجه على مدار سنه كاملة .

أرجوك أن تركزي قليلاً لأني لست ملماً بالكتابة والتعبير فنعذرة لرداءة الخط ومعذرة لطول الشرح . وختاماً تفضلي بقبول تحياتي الخاصة لك وكل العاملين في ((النهضة )) مع رجائي من المولي عز وجل أن يديم عليك نعمة الصحة والسعادة ، والسلام عليكم .

***

فكرت لوهلة عابرة أن أكتفي بالرد على رسالتك بالبريد ولكني عدلت عن رأيي بسرعة إذ رأيت فيها موقفاً شائعاً يستحق مناقشته هنا علنا .. وأما الجميع .

منذ ((ثلاث سنوات )) وأنت تحب تلك الفتاة التي تصغرك بأربعة سنوات ، يعني لو افترضت أنك كنت في العشرين وهي في السادسة عشرة فهذا يعني أنها قد بلغت العشرين وأنت أكملت الرابعة والعشرين … أي أنكما أصبحتما في سن مناسبة للزواج . وهذا مع العلم أن الحب بينكما موجود ، وأنتما الاثنان من قبيلتين متمسكتين جداً بعاداتهما وتقاليدهما .. ورغم كل هذا التماسك إلا أنك استمريت في علاقتك بهذه الفتاة ، بالطبع أنا هنا لا أناقش ((نوعية )) العلاقة وإنما أؤكد لك وجودها .

إذن .. ما الذي يمنعك يا فارس الأحلام عن التقدم لخطبة محبوبتك ونقلها على جواد أبيض إلى عش الزوجية الهانىء ؟

لقد لجأت فتاتك إلى حيلة بريئة وساذجة إلى عملية ((جس نبض ))

فسلطت عليك صديقتها لتعرف بواسطتها مكانتها في قلبك وعقلك وعما إذا كنت تنوي تتويج هذه العلاقة ولم ترحها .. بل وحتى لم تنطق بكلمة حب واحدة تفرح قلبها وتسعد نفسها. أتدري لماذا ؟! لأنك تصورت أن هذه الأخرى تريدك لنفسها ، وهيئ لك أنها تختبر قلبك فإذا وجدته فارغاً ، ملأته هي بكيانها .. فترددت وامتنعت عن الإفصاح بحقيقة مشاعرك .

وهذا هو الفخ الذي سقطت فيه يا فارس الأحلام !! وكان التصرف الطبيعي العاقل أن تمتنع عنك فتاتك ، وأن تقنع بما فات من عمرها في صحراء الحب الجرداء .. حيث تحولت أحلامها في المستقبل معك إلى سراب !!

كفاك ممارسة للتفكير ، وكف عن محاولات النسيان فأنت تحبها .. ومارس الفعل . وتقدم لخطبتها قبل أن يسبقك إليها فارس آخر فتوافق ((رغم حبها )) لأنها بائسة في يأسها فاسرع قبل أن يلقاك الندم في الطريق ، فيلقفك ويصهرك بذراعيه الجبارين الناريين .

الصياد والفريسة

أنا فتاة عاشت حياة جافة مع أم قاسية .. لا تعرف شيئاً عن هذه الدنيا سوي الضرب واللعن .. وأب قاس أيضاً مثل زوجته – أي أمي .. وأخوات لا يعرفن معني حب الأخوة – فتيات لا يحببن سوي أنفسهن.

فيئست من هذه الحياة .. وعشت أبحث عن الحب والحنان في صدر أي إنسان.. حتى جاء ذلك الإنسان الذي أحببته لمدة سنة تقريباً .. وأحبني كثيراً . لدرجة أنه لا يمر يوم واحد بدون أن يسمع صوتي – وهذا ما قاله لي أخوه الأكبر.. وكل يوم أراه ماراً أمام البيت.. فيقول يمكن الحظ يوفقني يوماً وأراك خارجة من البيت.. فأنا أحبه كثيراً ولا أقدر أن أستغني عنه وأنساه .. لدرجة أنني وثقت به وكلمته عن نفسي بصراحة.. وهو أيضاً أخبرني عن نفسه وعن صديقاته اللاتي كان يعرفهن قبلي .. والمصيبة هو أنه طلب مني صورتي.. فبعثت له بثلاثة صور على على أن يختار واحدة ويرجع الباقي.. وفعل ذلك .. فأرسل لي رسالة فيها صوري الباقية بالبريد .. ورسالة ثانية فيها صورة .. لأنني طلبت منه صورة له .. فوقعت الرسالتان في يد أمي .. ففتحت الرسالتين ورأت أمي صوري وصورة الشاب .. وأول شيء فعلته هو أنها ضربتني .. وسألتني .. ولكنني أنكرت علاقتي به.. وأنا خائفة أن يعرف بإنكاري له فيزعل .. ومن ثم منعتني من الخروج من البيت .. والتكلم في التلفون .. وأصرت أيضاً على أن تخبر أخي لدرجة أنه لا يعرف التفاهم .. ولكنه يعرف الضرب مثل أمه .

وأخيراً أرجو منك أن تنقذيني من الورطة التي وقعت فيها .. لأنني أتعذب يوماً بعد    يوم..والأيام تفوت وأنا لا أعرف ماذا أفعل .. وبدأت أخاف من كل شيء حولي … ولا أنام الليالي.. فأجلس حتي الساعة الرابعة صباحاً أفكر بالحل .. ولم أجد حلاً مناسباً فقد فكرت بالانتحار.. ولكني تراجعت.. وجدت نفسي فجأة أكتب لك برسالتي هذه ..عارضة عليك مشكلتي راجية أن أجد الحل المناسب عندك .

ولك تحياتي .

***

يطلب لي أن أوجه كلمة للفتيات الراغبات في الانتحار قبل أن أرد على مشكلتك ، وهي أن الانتحار لا يمكن أن يكون حلاً لأي مشكلة كانت في يوم من الأيام ويكفي أنه عمل ضد الدين يبقي صاحبته في العذاب الأبدي بعد أن أغضبت الله عليها . وهو جريمة في حق النفس البشرية حتى لو كنت أنت مالكتها . لأنها تتضمن الكفر بالله واليأس من رحمته.

جريمة تدل على الضعف الساحق في مواجهة الناس والمجتمع . جريمة لو نجحت نلت عذاب الآخرة ولو فشلت استحقيت عذاب الدنيا فما أبشعها جريمة وما أفظعه أسلوب تفكير .

والآن .. عزيزتي .. أرجو أن تكوني أنت ومثيلاتك الفتيات المعذبات قد غسلت رأسك الصغير من هذه الفكرة المشوهة وفكرت ملياً في أيامك  ومستقبليك .

وأنا لا أنكر أنني قلقت عليك أول ما قرأت مشكلتك (( بدأت أخاف من كل شيء ولا أنام الليالي )) .. فعلاً أنشغل بالي لأن الاضطراب والقلق مع عدم النوم يؤديان إلى ضعف في أعصاب الإنسان وسهولة سيطرة فكرة معينة عليه .

 ولهذا حبيبتي .. اسمعيني .. دعك من هذه الهواجس والمخاوف . وحتي لو كنت قد أخطأت بإعطاء الشاب صورتك فحمداً لله أنه لم ينل منك الكثير وأول شيء يجب أن تفعليه أن تقطعي صلتك به لأنه يبدو من هذا النوع الذي يذكرني بقصة الصياد المتربص لفريسته أن تقع في شباك وهذا ما شعرت به عندما قال لك ((يمكن الحظ يوفقني وأراك يوماً خارجة من البيت )) .

واضح أنه سيجر عليك سيلاً من المشاكل وأنتع لا زلت صغيرة وأخشي عليك من التورط في أشياء لا تفهمينها في هذا السن . ولن تنالي منها إلا الندم والشقاء.

اعتذري لأمك واستسمحيها . وحتى إذا أخبرت أخاك وضربك.. بسيطة.. ((علقة وتفوت)) بس المهم أنك تتوبين عن بعثرة صورك على الناس وأتمنى أن تنامي الآن نوماً عميقاً وأن تهدئي نفسك .. وتبدئي صفحة جديدة .. نقية صافية.

الشبكة

أربعة سنوات كاملة مضت وأنا أعيش في عالم الهم ودنيا الضياع . نعم هذه هي الحقيقة ، مشكلتي أن والدتي حكمت على بالزواج مع ابنة خالتي وظلت تلاحقني ليل نهار وتكرر اسمها وتتحدث عن جمالها الذي لا يوصف على حد قولها ، وتتغني بحنانها ورقة طباعها..

وأنا أصررت على عدم الزواج منها ، ووالدي ترك لي مطلق الحرية في أن أختار من أريد شريكة لحياتي . لكن والدتي لم تتركني وظلت تلح على .

وذات ليلة قدمت من عملي ، ورجعت إلى البيت وأنا متعب مرهق ، فإذا بوالدتي تقف أمامي وتردد كلماتها المكررة المعروفة والتي سمعتها عشرات المرات منذ زمن بعيد . ولا أدري ماذا حدث لي ؟! هل وافقت على هذا الزواج لأنني كنت مرهقاً وأريد أن أستريح ؟! أم لأنني كنت مجهداً ونصف نائم ؟! لا أدرى .. كيف كنت نذلا ً في تلك الساعة حين وافقت على الزواج من ابنة خالتي .

سامح اله أمي على ما فعلته بي وكيف جعلتني أرضخ لأمرها في وقت لم أفكر فيه بالنتيجة . بالمستقبل بالحياة بالحب لم أشأ أن أغضبها فضحيت لأرضيها ولكني أشقيت نفسي بإنسانة لا أحبها . ولم أستطع طوال هذه المدة إقناع قلبي ولن أستطيع مهما حاولت .

أربع سنوات ومن ثاني أسبوع تزوجتها وكل واحد منا ينام على حده ، انفصلت عنها في الفراش تماماً . ورغم ذلك لم تخبر أهلها ولا أدري ما السبب الذي يدعوها لتحمل كل هذه الأعباء بالإضافة إلى المعاملة الثقيلة والسخيفة مني ، إنها ليس مثقفة ولكن لماذا لم تخبر أهلها؟! هذا الذي سيفقدني عقلي ، فأنا أسمعها تضحك طوال الوقت ولا تهتم بما يجري بيننا وتتظاهر أمام الجميع وكأنها أسعد إنسانة في الدنيا .

لماذا هي تضحك وأنا حزين ؟! هل هي لا تهتم بما يجري ؟! هل هو بسبب الجهل وعدم الثقافة ؟! ماذا أعمل معها ؟! والدي قال أنه سيضطر لطردي من منزله إذا طلقتها “، ووالدتي غير موافقة وأصدقائي منهم من يشاركني آلامي ويعذرني ومنهم من يلومني .

أنا لا أعرف إذا كنت على صواب أو خطأ كل ما أعرفه أنني أريد الخلاص منها . فكرت في الانتحار ولكن خوفي من الله منعني من ذلك فكرت في طلاقها وإرسال ورقة الطلاق بالبريد وأنا بعيد عن بلدتي .

لا أدري .. إنني حائر .. لقد اخترت طريقين وليس أمامي سواهما .. إما الطلاق منها أو هجر الجميع ، هي وأهلي كلهم وسوف أتركها في ذمتهم .. وهم يتحملون ويواجهون ربهم يوم القيامة ، فأنا ليس باستطاعتي إسعادها ، كما لا أستطيع إسعاد نفسي وهي بقربي ، وحرام أن أتركها دون اهتمام مني أو دون منحها حقوقها الزوجية التي لا أستطيع القيام بها . دليني فأنا لا أدري ماذا أفعل ؟

***

أنت تتصارع مع نقسك منذ أربع سنوات وأنت تحاول أن تتملص لتخرج من تلك الشبكة الناعمة المتينة التي صادتك بها أمك وجرفتك بها إلى شاطئ الزواج .

كل هذه المصارعة وهذا التملص وذاك التمرد ليس كرهاً في زوجتك كما تحسب ، وإنما كره في نفسك ونقمة على ضعفك الذي جرك إلى زواج رغم أنفك ، زواج تحس أن أمك تدفعك إليه غصباً عنك ودون أن تقنع أو تقتنع به.

ومن هنا جاءت اللعنة .. وحلت المأساة عندما استحالت زوجتك رمزاً مجسداً لضعفك وسلبيتك فكرهت أنت هذا الرمز ، تجنبته انفصلت عنه في الفراش تجاهلته ، وتريد أن تنفصل عنه في الحياة .

وكانت الطامة الكبرى .. أو الكارثة العظمى أنك تصورت أن زوجتك الرمز المجسد لضعفك لم تكترث بما يحدث ، ولم تعبأ بما يدور .. فأصابك ذهول كيف هي تضحك وأنت تبكي . ولماذا هي تسعد وأنت تشقي . في حين أنها تتعذب أضعاف عذابك ، ولم تشك لأحد ، ولم تبك لأحد .

وكان هذا هو سؤالك الذي يدل على حيرتك ودهشتك .. وتصميمك على تحطيم هذا التماثل الصامد .. بالطلاق !

نعم .. وأنت تريد أن تهدم المعبد عليك وعلى أعدائك الذين زوجوك ويرفضون أن يطلقوك من الشبكة التي أسقطوك بها ..

كنت أتصور أن مفاتحتك لزوجتك ومناقشتك لها وإخبارها برغبتك في الانفصال عنها ستحل جزءاً كبيراً من مشكلتك  خاصة عندما تلمح بعضاً من دموعها التي ستريحك وتخفف عنك لأنها ستشعرك بحاجتها إليك ..

وهذا الشعور بالحاجة سيشفيك مما تعاني وسيخلصك من الإحساس بأنك وقعت في شبكة أو مصيدة .. وستبدأ حياة جديدة وسعيدة مع زوجة حنون رقيقة الطباع .. زوجة لم تسيء لك بكلمة ، بل حفظت أسرار حياتك وصانتها عن أقرب الناس إليها .. زوجة رغم كل ما تعاني لم أقرأ في رسالتك كلمة ذم واحدة نحوها .. فربما كنت تحبها دون أن تدري ..

فقط كل ما تحتاجه أن تظهر لك اهتمامها بك وحرصها عليك واحتياجها إليك ، فأعطها الفرصة لذلك واكسبها لأنها تحاول باستمرار أن تكسبك ! .

العنكبوت

مشكلتي يا سيدتي مؤلمة ومؤسفة للغاية .. فأنا امرأة متزوجة من شاب أصغر مني بعشرة سنوات أنجبنا طفلين . وزوجي يحبني ويفهمني كثيراً ويثق بي ثقة عمياء وحالته الاجتماعية لا بأس بها أما أنا فقد جئت من أسرة جد فقيرة ، كل ذلك لا يشكل مشكلة أمام حياتي الزوجية الناجحة !

أما مشكلتي العويصة فقد بدأت بسبب أمي المريضة بالسرطان الذي يأكل جسمها شيئاً فشيئاً وقد بذل زوجي جهوداً مادية جبارة ولم يفلح كل ذلك فبقيت الأم مريضة تسير نحو الهلاك ببطء .

وذات يوم جاءتني امرأة عجوز طاعنة في السن وقالت لي أنها تعرف طبيباً عجيباً باستطاعته أن يشفي أمي من كل أمراضها وعللها مهما كانت صعوبتها وبلا مقابل . ففرحت ورحبت بالفكرة واقترحت على أن أتعرف بالطبيب أولا ً لأحكي له قصة أمي ثم أحضرها له للمعالجة ، وذهبت مع العجوز ووقفنا في باب فيلا أنيقة وطرقت ودخلنا إلى إحدي غرف الفيلا وهناك كانت المفاجأة شاب في مقتبل العمر يتقدم نحوي ويبتسم ثم يهجم على ويمزق ثيابي ويغتصبني ويلتقط لي صوراً في أوضاع مشينة جداً بعد ذلك أمرني بالخروج وقدم لي رزمة نقود فرفضتها وانصرفت بعد أن هددني بتسليم الصور لأسرة زوجي أن أخبرت الشرطة بالأمر . وكتمت مأساتي وصبرت على ما جر لي فقد حسبت المشكلة قد أنتهت . ولكن بعد أسبوع اعترض المجرم طريقي من جديد في السوق وطلب مني مرافقته وإرضاء رغباته وإلا فضحني . وتكرر هذا مراراً وكل مرة ألبي رغباته الخبيثة وأحياناً الشاذة جداً ! بل وأحياناً يكلمني بالهاتف في غياب زوجي ويطلب مني الذهاب إليه ، ورغم سنواتي السادسة والثلاثين كنت ما زلت أحتفظ بجمالي ولكن بهذه المأساة أصبحت كأنني في الخمسين.

سيدتي بالله عليك أرشديني كيف سأواجه زوجي الطيب القلب . وكيف سأتخلص من المجرم الذي يهددني دائماً بالفضيحة !

***

لن أقول لك أني أشك في حكايتك ولكني فقط أتساءل كيف هجم عليك وكزق ثيابك واغتصبك والتقط لك صوراً في أوضاع مشينة جداً ؟ أقصد كيف تتالت الأحداث بهذه السرعة الفائقة ؟! عموماً .. سأعيش في كل ملمة أخبرتني بها وسأجيبك على هذا الأساس .

سيدتي .

أنت قد اغتصبت أول مرة ولكنك استسلمت للاغتصاب في المرات العديدة التي تلتها وتحت سيف التهديد ستستسلمين أكثر وأكثر فإلى متى ؟!

سأخبرك أنا إلى أن يفتضح أمرك . ويعلم زوجك . وتفوح حكايتك في كل مكان ، ويتلفظ بها كل لسان فهل هذا ما تنتظرين ؟! لا أتخيل ذلك ؟!

هذا المدعي القذر استغل اندفاعك لعلاج والدتك وسيستغله إلى أبعد مدي طالما قيدك بحبال الخوف الفولاذية التي يستحيل أن يفلتك منها بإرادتك ..

إذن …

لنلجأ إلى أسلوب آخر نقهر به الخوف وبالتالي نقهر به هذا (الكائن) فلا أستطيع أن أسميه إنساناً . الأسلوب هو أن تلجأي إلى الشرطة لتعمل له (كميناً ) متقناً تصطاده به هو والعجوز وتخلصك من سطوته وجبروته ولتنل هي عقابها الرادع !

كنت أود أن أقول لك أخبري زوجك بما حدث ولكني سأترك لك هذه المسألة تقررينها أنت بنفسك . أدري مني بأعصاب زوجك ومدي تحملها لمثل الأحداث !

وإذا كنت تحسين بالضعف وبأنك في حاجة لشخص يساندك في محنتك فلا مانع من أن تلجأي لقريب من عائلتك شرط أن يكون غير محلل لك ، حتي لا تغرسي من حولك أشواك إذا علم زوجك بالموضوع ، وهو لا بد سيعلم !

سيدتي …

استجمعي شجاعتك .. وابدئي في مهاجمة هذا العنكبوت لتقضي عليه . قبل أن يتركك جثة ممصوصة الدماء فما أنت بالنسبة له سوى ذبابة سقطت بين خيوطه اللزجة العفنة . وثقي بأنها خيوط جد واهية مهما بدت لك صلبة أو متينة .

واعملي سيدتي أن كل قوي له الأقوى منه . وأن القانون فوق الجميع ، وأن الله فوق القانون والجميع .

الهاوية

أنا شاب في العشرين من عمري أحببت فتاة حباً صادقاً لا يشوبه أى شائب.. شريف ونظيف وليس حب أيام وشهور لينتهي بل كنت أحمل فيه سعادتي القادمة لأنني بنيت على هذا تكوين أسرة سعيدة أساسها المحبة الصادقة بيننا استمر حبنا هذا أكثر من ستة شهور وأنا أشعر بمبادلة منها في نفس الشعور والإحساس وهذا ما دفعني أكثر لتكوين نفسي ولكن فوجئت بعد هذه المدة أن حبنا سيدفن طيات الأرض مع الأموات لأنني علمت أن فتاتي التي كنت أبني عليها مستقبلي وتطلعي إلى الحياة لديها أكثر من شاب تمارس معهم الحب الزائف كما مارسته معي وحاولت أن اكتشف الحقيقة أمامها ولكن تتعذر وتكذب علي وتخبرني أنها لا تحب ولا تفكر في أي إنسان غيري ، لقد احترت في أمرها وأنا أعيش في جحيم .

لقد حطمت مستقبلي وحياتي وقذفت بهذا الحب بين أمواج البحر الهائج .. هل أجد حلاً لديكم علماً بأنني لا أستطيع أن أعيش بدون هذه الفتاة وهي تعيش معي في كل لحظة في حياتي وقد فكرت أكثر من مرة في الانتحار …

بالله عليكم هل أجد لديكم حلاً لهذه المشكلة التي أطاحت بي في الهاوية .. فأرجوك لا تقولي أبعد عن هذه الفتاة .. إنني منظر الإجابة على مشكلتي هذه وجزاك الله عنا كل خير ..

***

حسناً .. لن أقول لك أبعد عنها ولن أقول لك اتركها .. ولكن هل تقول لي أنت كيف اكتشفت هذه الحقيقة ؟! وهل المصادر التي استقيتها عنها صادقة صحيحة وأكيدة ؟!

ثم .. أي نوع هذا الحب الزائف الذي تمارسه فتاتك مع أكثر من شاب ؟! هل هو مجرد أحاديث هاتفية جوفاء أم هي مجرد ثرثرة تدور حول مفاهيم الصداقة والحب ؟! أنت لم تشرح لي بالتفصيل حقيقة هذه الاكتشافات فإذا كانت كلها تدور حول هذه التفاهات فهذا لا يعني أن فتاتك عابثة فاسدة وإنما قد تكون مراهقة طائشة لا أكثر ..

وهي بالتأكيد كذلك  لأنها حتماً تصغرك سناً في حين أنك لا تزال في العشرين من العمر .

حتماً .. بإيضاح بشاعة هذه التصرفات لفتاتك ، ومدى وقعها الأليم على قلبك ونفسك ستكف وتمتنع عنها ، ولن تضايقك بها أكثر من ذلك ..

وبعد أنت تعلن لها رغبتك في الزواج أنا واثقة من أنها ستلتزم وستحترم إرادتك وستكون لك نعم الزوجة المحبة المخلصة خاصة بعد أن تشعر بحبك وتلمس مدي تعلقك وشغفك بها .. وعليك من الآن أن تشن حملة توجيه واعية لفتاتك الصغيرة وسترى نتيجة باهرة مشرقة تنسيك التفكير في الانتحار وتنشلك من هاوية الألم السحيق ..

وختاماً .. لن أقول لك ابعد هذه الفتاة بل اقترب أكثر منها !

القدر المر

أنا فتاة في العشرين من عمري ، طالبة بكلية الطب البري ، ما زالت أمامي 3 سنوات وأخذ بكالوريوس الطب بإذن الله أحببت وأنا في السادسة عشر قريباً لنا في كلية الآداب .. إنسان فاشل دراسياً ترك الجامعة ولم يأخذ الشهادة كان أول رجل أعرفه وإلى الآن ما زال آخر رجل أعرفه وبسببه رفضت كثيرين تقدموا إلى لأجله أولاً ولأجل دراستي ثانياً .. لأنني كنت أعتقد أنني أملك شيئين اثنين في حياتي أعيش لأجلهما وأعد الأيام لكي أحققهما هو أن أكون دكتورة بمعني الكلمة وأن أتزوج بمن أحب ، ولا أريد أياً منهما أن يؤثر على الآخر ، فكلاهما له حقوقه .. وفعلاً أخلصت لحبيبي هذا وأعطيته كثيراً من الحب والحنان وما زلت إلى الآن لا أعتقد إطلاقاً أن هناك امرأة في الدنيا قد أحبت رجلاً قدر ما أحببته هو

والمشكلة بدأت من أربعة شهور .. إذا طلب مني هذا الشخص الزواج وليس فقط هذا بل أن أترك الدراسة نهائياً !! هكذا بدون سابق إنذار . وعندما رفضت وصفني بالأنانية .. وقال أنه يريد أن يتزوج بحجة أنه قد بلغ الثلاثين فإذا لم ينجب أطفالاً الآن فمتى سينجب الأطفال وسيكون في الخمسين وأولاده في الابتدائي ! وأن منزل العائلة ستأخذه الحكومة إذا لم يسكن فيه !! وأنه سيؤخذ إلى الجيش إذا لم يكن متزوجاً !! وكلام فارغ بعيد كلياً عن شيء اسمه الحب ، الذي يسمو فوق كل ماديات الحياة وكان فراقنا ..

وقد تركني أو تخلي عني بعد أن رفضت مطالبه في مدة قريبة جداً من امتحانات الكلية ومع ذلك أذاكر والدموع على خدي وذاكرت ونجحت بتفوق والحمد لله .

منذ شهر تقريباً تزوج .. زوجة لعوب لها جسم أبيض ممتلئ ولها لسان معسول وأيضاً شهادة ابتدائية !! وشهادة طباعة تمكنها من أن تأخذ 100 دينار في الشهر وهذا يكفي .. ولا يهم من تكون ما هو ماضيها ما هو أصلها ما هو مستواها العلمي والمادي والاجتماعي والأخلاقي .. إلا أنها تملك جسماً جميلاً ولساناً رطباً معسولاً يمكنها بهما أن ترضي رغبة أي رجل !! بل أي ثور إن صح التعبير !! أحس أنني صغيرة رغم التفاف أهلي وأصدقائي حولي ما كنت أحسب أبداً أن إنساناً بكل ما له من مشاعر وأحاسيس يتحول بكل بساطة إلى حيوان إى أي كائن آخر لست أدري اسمه ولكن أبداً ليس إنساناً .

أحس أنني متعبة ولست أدري ماذا أصابني أعرف أنه لا يستحق أن يعذبني أعرف أنه أحقر من أن ينال من كرامتي ونفسي أعرف أني ما خسرت شيئاً .. وأعرف أيضاً أنك ستقولين لي ، فكري جيداً وأنت الآن لست صغيرة وفي مركز ومكان اجتماعي يتطلب مني أن أكون أكثر صلابة ، أقسم لك أنني أعرف كل هذا ! ومع ذلك أحس أنني متعبة وأنني في فراغ كبير وأنني غريبة بل أن الناس الذين حولي كلهم فقدوا كل الحنان والحب وما يخرج من أفواههم ما هو إلا نفاق وكذب لأجل مصالحهم .. أخاف كثيراً من الأيام القادمة .. تري ماذا ستحمل لي ؟ أحتاج إلى نصيحة أو حل يقبله عقلي المهزوز أريد أن أسترجع ثباتي وقوتي أريد أن أنظر للأمر كما أعرفه حقاً لا أن أنظر إليه كما أعرفه وأتجاهل ((رغماً عني )) النواحي العقلية والواقع المؤلم الذي أصبحت أعيش فيه .

تري هل الذي ذكرته حقاً مشكلة .. أتمني أن يكون كذلك فستجدين لي خلاً لأني أعرف جيداً أن لكل مشكلة حلاً .

***

اتخاذ أي قرار كان والتصميم عليه يحتاج للتضحية بشيء ما ، وأنت كنت أمام اختيارين .. أما الزواج وإلغاء فكرة الزواج !

وكان قرارك هذا نابعاً من رغبتك أنت ذاتك ولم يجبرك على اتخاذه أحد .. فلماذا تعذبين نفسك كل هذا العذاب ؟!

إن حبيبك كانت له عدة أعذار اعتبرها كافية ومقنعة من وجهة نظره هو لأن يتزوج بأخرى بغض النظر عن الاعتبارات التي نظرت إليها من زوايتك فقط.

وأنا أتصور أن هذه الأخرى البضة البيضاء غير متعلمة هي أنسب ما تكون زوجة لإنسان أهمل دراسته وانصرف عن إكمال تعليمه .. أنه لا يتمتع بنصف طموحك ولا ينظر إلى الدنيا بنفس العمق والبعد الذي تنظرين به إليها .. فلماذا تلومينه إذن ؟!

أنت تنسين أنك اخترت وقررت .. وثورتك النفسية هذه وحزنك وألمك .. أشياء جاءت بعد فوات الأوان . فلماذا الغيرة الآن ؟!

أنا أعرف أن هذه المشاعر ترهقك .. وأن قلبك ما زال يحمل له بقايا حب .. ولكنه حب غير كاف لأنه ضعف أمام اللحظة الحاسمة لحظة الاختيار .. وأنت الآن في حاجة إلى فترة راحة، حتى تستعيدي بسمتك وإبقالك على الحياة .

ومن الأكرم لك يا عزيزتي أن تصبري وتتناسي أزمتك هذه .. وأن تحاولي تكتم آلامك حتى تزول من تلقاء نفسها .. فهذا أفضل من السير بلا هدف .. وأجدى .

وليكن أملك كله منصباً على تحقيق أمنيتك في أن تصبحي دكتورة عظيمة مشهورة ولتمنحي عواطفك لحظات هدوء وسكينة .. حتى تتخلصي من مرارة الإحساس بالفشل ولتمنحي عواطفك وقتاً كافياً .

اللص

أكتب إليك هذه الرسالة بقلب يتمزق ويتعذب صبرت طويلاً وانتظرت طويلاً حتى نفد صبري وجفت دموعي .

ومع ذلك لم أيأس بعد من طول الانتظار ولم أفقد الأمل نهائياً بالله وبرحمته الواسعة لم أكن أعرف ما يخبئه القدر لي ، فقد عبثت بقلبي يد أثيمة غادرة . يد ظالمة لم تفكر بمستقبل فتاة بريئة فتاة سيؤول إليه حالها لو عرف أهلها بما أصابها . فتاة سيقتلها رجال عائلتها مفضلين النار ولا العار .

أحببت شاباً وهبته أعز ما أمللك في حياتي ولكنه تركني بعد حب كبير وقوي دون أن أعلم عنه شياً . ولم أسمع عنه في هذه الأيام إلا بعض كلمات من صديق له يطمئنني فيها بأنه لا يزال يحبني وسيأتي ليخطبني .

لقد سافر  إلى بلده وتركني هنا مع العذاب والأرق .. والآن فقدته وفقدت أعز ما أمللك ومر على هذا الفراق شهرين .وكان يحبني كيراً لدرجة أنه كان يأتي من بلده ليراني .. وكاد يخطبني ولكنه صدمني ولم أفهم منه شياً .

أنا أتعذب بسببه ولا أقدر أن أنساه والدتي تعلم بما حدث لي . في كل يوم يزداد عذابي وأنا عاجزة عن فعل شيء لي أو له . لا أعرف ماذا أصابه ولم أتلق منه أي خبر لم يراسلني . وها حالتي .. أموت واحيا وأتعذب في اليوم ألف مرة . فهل يرضي الله والجميع بحالتي هذه ؟! هل هذا هو الحب الذي يحطم القلوب ويسحق النفوس ؟! هل هذا هو الحب الذي يحول الإنسان النابض بالحياة إلى جثة متحركة لا تذوق طعم الحياة ؟! أين المروءة ؟! ولماذا يستهتر الشاب بمشاعر الفتاة التي تهبه نفسها ؟! لماذا يتركها تتعذب وتتألم ؟! أين الإنسانية ؟!

أين الشهامة والرجولة يا شبابنا العربي ؟! ما موقف القانون من مشكلتي ؟! وما هو دوره؟! وماذا سيفعل لنا نحن الأبرياء الضعفاء ؟! أنا إنسانة تحس وتتعذب ، ولكن ما فائدة ذلك والآخرين حولي لا يدرون ولا يشعرون بي . أنا أموت في اليوم ألف مرة فأحيا لأتعذب وأذوق المر والذل والهوان .

مرة أخري .. أنادي يائسة أصحاب الضمير والأخلاق .. أنادي الإنسانية والرحمة أنادي مل من يشعر ويحس أن تدمع عيناه رغم رجولته .. أنادي كل شاب أن يقف مع الفتاة التي يحبها موقفاً إنسانياً فيمد لها يد المساعدة وينقذ كل فتاة عبث فأفقدها طعم الابتسامة والأمل والحياة .

فتاة مسكينة باتت الدنيا أمام عينيها سوداء معتمة ليس فيها بصيص من النور . دنيا قاحلة جف فيها الألم وأصبح الفرح فيها سراباً .

 حياتي ماتت بعد أن فقدت حبيبي وفقدت معه حبي ومستقبلي . فهل كتب على أن أعيش عمري في هذا الزمان القاسي الذي لا يرحم ، الذي حرمني حبيبي وأمل عمري وبهجة مستقبلي ؟!

هل حقاً ستمضي بي حياتي أنا أعاني من هذا اليأس وهذا المرار ؟! أحياناً لا أصدق ما حدث لي ، وأحسب نفسي أحلم ، ولكني أفيق على الواقع المرير فأصدم وأبكي .. فماذا أفعل؟

***

هذا الحبيب المسافر إن لم يعد إليك ويخاطبك ويصحح غلطته بشهامة ورجولة ، سأعتبره إنساناً شريراً تصرف بطريقة لا أخلاقية عندما سرق قلبك وسلب عذريتك وحطم حياتك .. وسافر !!

هذه التصرفات غير شريفة ، تعتبر تصرفات أناس لا رجولة لديهم ولا شهامة ، تصرفات رخيصة رديئة تدل على الخيانة وعدم الوفاء والنذالة .

وأنت … أنت .. أيضاً تتحملين جزءاً كبيراً من المسؤولية نحو نفسك ، فلو كنت استطعت أن تصوني جسدك وتحفظي طهرك وبراءتك لما كان هرب منك الآن وتسلل بعيداً متخفياً كاللص الذي يخشي أن تناله طائلة القانون والعقاب .

كم أشفق عليك وعلى كل فتاة مرت بمثل موقفك .. مسكينة هي البنت ، لا تعلم أن علاقة الجنس مع الشاب هي بداية النهاية .. ففي اللحظة التي يشتعل فيها غرامها ويلتهب حبها وتسلم جسدها .. في نفس هذه اللحظة تبدأ تلك المشاعر تخمد في قلب الشاب .. وتبدأ النهاية . النهاية  لتلك العلاقة .. فيبحث عن طريقة ما للفرار والخلاص منها .. بينما تكون هي قد وصلت إلى قمة الأحاسيس وهنا .. تكون الصدمة قاسية مروعة عندما تهوي من ذلك الارتفاع الشاهق الذي حلقت إليه ، وتسقط إلى أرض الواقع الأليم وتصطدم بالحقيقة المحزنة المؤسفة .. مأساة !!

بنات ساذجات كم هن بحاجة إلى تبصير وتوعية بمثل هذه الأمور البديهة ، وأن الحب مهما كبر وتألق لا يعني مطلقاً التفريط بالجسد .

فالشاب العربي الذي يعيش في مجتمعات الشرق نادراً ما يتزوج بمن كانت له معها علاقة حب . ويحس بالخزي والعار يخجل أن يواجه نفسه وأصدقاءه بزواجه من حبيبته . ينظر إليها كما لو كانت ستبيح نفسها لغيره في الغد ..

إن العملية بينهما أشبه بمباراة في المصارعة الذكي هو الذي ينتصر في النهاية ويوقع الآخر ويجعله يستسلم . الفتاة في الغلب تنشد الزواج ، والفتي ينشد الجنس ، والاثنان نادراً ما يلتقيان في نهاية الطريق .

أدعو أن يعود إليك حبيبك .. ويتصرف بنبل وأخلاق ، ويأتي يكفر عن خطأه ويصلح ما جنت يداه .. وألا يتركك ضحية حية تتعذب ،  تتمني الخلاص من حياتها في كل دقيقة ولحظة . وكفاه هرباً . يذكرني بهروب اللص المحترف .

الصورة والأصل

أكتب لك بعدما عدمت كل وسيلة في سبيل راحتي ، فأنا منذ مولدي والتعاسة ملازمة لي لا أذكر يوماً مر بدون سحابة حزن . عيبي حساسيتي تلك التي ولدت لي العصبية عذابي الأول والذي هو مزيج من ضعف الشخصية مع حب الذات .

والدي دائماً في خناق معنا لأتقه سبب وأنا لذلك أتعذب كل يوم من أجل والدتي أعز وأغلي إنسانة في حياتي .. والدتي أراها تتعذب بصمت .. متحملة تلك الإهانات والقصور الشديد في تلبية طلبات البيت وساكتة من أجلنا .

والدي امتدت شروره ناحيتي وبإيعاز من أقارب لنا .. زوجني وأنا في الرابعة عشرة من عمري من رجل في عمر والدي . كرهته من أول يوم وقع نظري عليه .. كرهته بكل ما تعنيه الكراهية من معاني مقيتة مقززة وهربت بعد شهور قليلة .. وأنجبت منه لمرة واحدة .. وقف مني والدي في تلك الفترة موقفاً عدائياً .. هجرنا لفترة طويلة .. ولكني لم أرضخ لأول مرة في حياتي أتمرد لأول مرة بذاتي أحسس كإنسانة من حقها أن تحب وأن تكره من حقها أن تقبل وأن ترفض رفضت توسلات الجميع .

وتنازلت عن جزء من روحي ودمي عن فلذة كبدي في سبيل الفوز بحريتي ، بعد ذلك جعلت هدفي أن أكمل جوانب شخصيتي وأضع قدمي على أرض صلبة .. ولذلك كله اندفعت وراء العلم .. رغم الهواء الفاسد الذي يضج به منزلنا .

ففكرت بالخروج من البيت والطريق الوحيدة هو الزواج . أنا ليس لي رغبة بذلك حالياً خاصة بعد تجربتي الأولي وما سببته لي من آلام نفسيه لا حل لها.

عند ذلك فكرت بالخروج عن طريق الانتقال للسكن الجامعي .. والدي يرفض بشدة وهو أساساً معترض على متابعتي لتعليمي .

نتيجة لجميع تلك الأهداف المحيطة بي فكرت بجرأة بتخطيط أريد أن أنتهجه خلال فترة تعليمي وهو ما أردت الكتابة لك بشأنه . فقد فكرت أن أوافق لأول من يتقدم لي هذه الفترة بشرط أن يكون عقد القرآن فورياً وأن تكون مدته حتى أنهي تعليمي الجامعي بدون أن ينفذ هذا العقد أي زواج مع وقف التنفيذ خلال ذلك حتى أستطيع بتأثير من هذا المتقدم الانتقال للسكن الجامعي فهل برأيك لو عرضت هذا الرأي سأجد من يوافق ؟!

وللعلم هناك شاب عرضت عليه هذه الفكرة فوافق ولكن المشكلة أنه اتضح فيما بعد أنه خضري وأنا قبيلة وأهلي سيرفضونه بالتأكيد فما رأيك ؟

***

كم يسعدني أن أتحدث معك بكثير من الصراحة وقليل من المجاملة .. وأملي أن لا تغضبي مني .

عزيزتي .. ألا ترين معي أن ((والدك )) هو سبب مشكلتك . وأن انطباعك الأليم عنه بسبب ما فعله بأمك هو الذي جعلك تكرهين زوجك ((من أول يوم وقع نظري عليه .. كرهته بكل ما تعنيه الكراهية من معاني مقيتة مقززة وهربت بعد شهور قليلة )) .

ألا تلحظين هذه المصادفة العجيبة .. كراهية من أول نظرة ؟!

وهروب بعد شهور قليل ؟!!

إنك لم تهربي من زوجك .. وإنما هربت من أبيك من الرجل الذي صورته لك أعماقك المعذبة نسخة أخري من صورة والدك الذي سقاك التعاسة والحزن بلا حساب !!

وبهذه الطريقة .. دفعت عذاب طفولتك مع هذا الأب الأناني .. ودفعت ثمناً آخر إضافياً هو عذاب أيامك ومستقبل فلذة كبدك .. أليس هذا حراماً ؟!

لم يا عزيزتي تقعين في نفس الغلطة التي ارتكبها أبوك وتصبحين أنت الأخري مثالاً نموذجياً للأنانية ؟!

نعم ..

فأنت هدمت بيتك .. وتركت طفلك ، وهجرت زوجك .. وتتفرغين الآن فقط لنفسك ولا تهتمين إلا .. بإكمال جوانب شخصيتك !

***

عزيزتي ..

اسمحي لي أن ألقي الضوء على نقطة ربما لم تلحظيها في مشكلتك عندما قلت ((لأول مرة في حياتي أتمرد )) و((رفضت توسلات الجميع )) .

إن هذا التمرد وهذا الرفض رغبات مكتومة مدفونة في أعماقك كنت تتمنين أن تقوم بها أمك لتواجه بها تسلط أبيك وسطوته .. ولكنها استكانت وقنعت بحياتها فجئت أنت تتمردين وترفضين .. تزاولين نفس العمل الذي دعوت أن تقوم هي به ..!

ولكن ..

مع عميق أسفي لم يكن تمرداً ورفضاً في محله ، لأنه جاء وانصب على رأسك أنت فحطمت حياتك .. وهدمت نفسك !

ثم هذا المسكين الذي تريدين إيقاعه في شباك زواجك الوهمي ((زوجة مع وقف التنفيذ خلال تعليمي )) ما ذنبه ؟! وما الداعي لأن يقوم رجل في الدنيا بهذه التضحية ؟!

أليست هذه علامة أخرى على مدى ما تتمتعين به من أنانية ؟! أنانية مكتسبة بلا شك!

وأعود بك إلى زوجك ..

ألم تدركي شيئاً غريباً ؟ ألم يلفت نظرك أنك لم تشكي منه ولو بكلمة واحدة ؟! وأن كل ما كان يهمك هو الفوز بحريتك .. تماماً كما تمنيت لأمك لتنجو من مأساة حياتها وعذابها!

والآن ..

أقول لك كفاك دموعاً .. وكفاك ما عانيت من عذابات نفسية .. ولتبحثي عن راحة قلبك في العيش مع طفلك .. في بيتك .. مع زوجك .. واكملي أيضاً تعليمك .. وعيشي سعيدة هانئة .. بكل الحب وكل الأمل بشرط ..

أن تغسلي عن زوجك رواسب أبيك ، وأن تخرجيه من إطار الرجل القاسي وأن تعيديه إلى صورته الأصلية .. ولك دعواتي .

نعيم وجحيم

كانت غلطتي عندما تزوجتها حين لمستك فيها الاحترام والتقدير واللطف والعطف من جهتي ، فكان والدي ووالدتي لا يريدانني أن أتزوجها ولكن والدي أعطاني الثقة التامة والحرية لاختيار من أريد فسمح لي بذلك فكان الأب الحنون العطوف والوالد المثالي تجاه ابنه.

استمرت حياتي مع زوجتي هذه تسعة شهور حتي أنها مع الوقت تغيرت تغيراً شديداً عكس ما تصورت فقد تبدلت حياتي كلياً من نعيم إلى جحيم فكل يوم أحل مشكلة معها بسبب خلافها مع اهلي وأخوتي وهي دائماً تقول لي فلنستأجر دون أهلك إلى أن أنجبنا طفلة صغيرة في شهرها الرابع فكانت المرأة الحسود الأنانية غير المبالية بأن أخوتي قد جرحوا خذ الطفلة من أثر تقبيلها وأخذها دائماً علماً بأنها أمام أهلي لاا تعمل إلا الأعمال الطيبة وتحترم أبي وأمي وإذا ما لجأنا إلى النوم بدأنا في حل المشاكل الحسد الذي لا أعرف لماذا تحب أخواتي وأهلي إذا كانت أمامهم ، أما خلفهم فهي شيء آخر تماماً .

فكنت كل يوم أكرهها أكثر من الآخر ولا أريد أن أقضي لأحد بحبها خوفاً من المشاكل ، كنت أكتم دائماً وأصبر إلى أن جاءت الفرصة الحاسمة فقد أخبرت والدي بما حدث وما يحدث منها فما كان منه إلا أن يقول اصبر اصبر ، وفي أثناء الحديث كانت هي تعارض وتنكر بأنها لم تعمل بأنها طالق فما كان منها إلا وتقول هي طالق بالثلاثة فما رأيكم بهذا . إنني لم أعد أستطيع أن أصبر وأتحمل على هذا وإلى متي فإني أريد أن أحيطكم علماً بأنني امتنعت عن الأكل والشرب لمدة شهر ونصف وكل هذا بسبب مشاكل سنة كاملة ولا أزال أعاني منها أني قد حرمتها على نفسي بيني وبين نفسي فهي عندي الآن في بيتنا وكأنها المرأة الغريبة التي لا تعمل شيئاً ، إني لا أستطيع الصبر وأريد فراقها وابنتي ستعيش بين أمي وأخوتي فقد سئمت منها كثيراً ولا أريدها .

أريد حلاً لكي أقنع الناس وخاصة والدي ، حفظكم الله ورعاكم والسلام .

***

أرجو أن تكون ثائرتك قد خفت ، وأعصابك قد هدأت بعد هذا الموقف الصعب مع زوجتك . ولنتفاهم بهدوء أكثر الآن .

المرأة عندما تحمل وتجتاز تجربة الأمومة للمرة الأولي، تشعر بقلق شديد وعصبية طاغية ، كما تشعر في الوقت نفسه بالحاجة الماسة للعطف والحنان .. والهدوء والاستقرار.

وموقف زوجتك هذا لا يوحي بشيء ، قدر حبها لك ، وحرصها أن تستقل بحياتها معك بعد قدوم هذه الطفلة الصغيرة إلى الدنيا .

فلا تضغط عليها ، ولا ترهق أعصابها وحاول أن تكون رقيقاً معها ، وستلحظ  أنها عادت إلى معاملتها الأولي الجميلة والتي عشتها في نعيم كما تقول طوال تسعة أشهر . واضح أيضاً أن زوجتك مهذبة ولطيفة ، لأنها لا تريد إحراج أحد من أهلك ، ولا ترغب في إثارة المشاكل معهم وإنما هي تكتفي بك أنت ، لتبثك شكواها وأمنيها عندما تنفرد بك في اليل .. وبالتأكيد هذا خطأ كبير تقع فيه كثير من الزوجات ، وليس زوجتك أنت فقط ، وهي بالفعل أساءت التصرف عندما انتقلت وقت راحتك وبحيثك عن النوم الهادىء العميق فحولته إلى مشاحنات وخناقات وكوابيس .

وبتوجيه بسيط ، وبتصرف واع متفهم أعلمها بذلك ، واشرح لها موقفك بصدق وحزم .. فأما انتقال إلى مسكن آخر إذا كانت إمكاناتك المادية والمعنوية تسمح ، وأما رضا وقناعة بالعيش وقبول الأمر الواقع دون شجار ولا مشاحنات . وبهذا تسد الطريق على أيه خلافات قادمة ، واهجر فكرة الطلاق فليس لها مكان في قلبك ولو من أجل عيون وحيدتك .

تعشيق تعذيب الآخرين

 أنا فتاة جميلة كل من يراني يفتن بجمالي مشكلتي غريبة هي أنني شديدة الانتقام . لا أسمح أبداً . قلبي كالحجر لا يهزه صوت طفل ولا أنين مريض . لا أحب أحداً في عالمنا الواسع ولا شيء يثير انتباهي ، أحب الوحدة والسكن وحدي لا أحب رؤية الناس . وكذلك عندما أري اثنين في منتهي الحب أحاول أن أوقع بينهما . وكم مرة فرقت بين الذي يسمعني سرعان ما يصدقني لأنني لبقة وساحرة في الحديث .

إنني فتاة في المرحلة الثانوية ، ذكية جداً وأؤدي واجباتي تجاه ربي سواء الصلاة والصوم لكن ليس لي مبرر لأعمالي هذه فليس بي نقص فأنا والحمد لله غنية وكل ما أتمناه في يدي وما ذكرته من أعمالي الانتقامية التي أبثها عبر ساعتي الطويلة . لماذا ، ولأي سبب أفعل هذا أنني أقوم بهذه الأعمال رغماً عني وعن إرادتي فهي تؤنسني وتفرح نفسيتي لا سيما عندما أرى البكاء والخوف والألم من تنسيج خيالي بل هذا واقعي الذي أريد منك أن تخلصيني منه إنه الواقع المشئوم الذي أكرهه!

***

أنت حكيت لي عن صفاتك النفسية ولم تحكي لي شيئاً عن ظروفك العائلية .. وكل هذا الواقع المشئوم الذي يحيط بك ما هو إلا خلاصة لطفولة رهيبة مررت بها . فأنا أجزم – والعلم عند الله – أنك تربيت في جفاف عاطفي بعيداً عن أحضان أمك .

وحتماً أنت عانيت كثيراً من الشعور بالظلم والاضطهاد .. ومن هنا نشأت لديك الرغبة في الانتقام وتعذيب الآخرين .. ومن ثم تطور الحال إلى مرض نفسي مقيم يعرف بالسيادية !.

فإذا استرجعت ماضيك وحاولت تبريد بعض هذه المتاعب التي مرت بها ، والتهوين من القسوة التي تعرضت لها ستفلحين إلى حد كبير في تخليص نفسك مما بها .. ولو من جزء بسيط .

أما إذا كنت لم تتعرضي لشيء من هذه الظروف التي تصورتها .. فعليك اللجوء إلى طبيب نفساني . وإذا كانت ظروفك لا تسمح لك .. فلا بد وأن تعتمدي على نفسك في تخليص نفسك من هذا المرض .. وذلك بالإيمان !!!

وأنت .. تقولين أنك تؤدين واجباتك نحو ربك .. أفلا تعرفين أن النميمة شيء نهي عنه الله ! .

ولذا أقول لك .. دعي إيمانك بالله ينبع من قلبك . من أعماق نفسك .. ولا تدعيه إيمانا ً صورياً شكلياً .. فالصلاة ليست عملية ركوع وسجود .. ولكنها عملية لقاء روحاني .. لقاء سماوي برب هذا العرش العظيم .. فإذا شعرت بهذا الصفاء.. وهذا النقاء ثقي بأنك ستتخلصين من هذا المرض الشاق !.

هل  أطلق زوجتي ؟! ..

أنا شاب في التاسعة عشرة من عمري توفي والدي وأنا في الخامسة ، طالب في المرحلة الثانوية ، كفلني أخي بعد وفاة والدي ، عرض على الخطبة وأنا في الابتدائية وطبعاً وافقت  لأنني عندها لم أفكر في مستقبلي ، الفتاة في مثل سني ، غير متعلمة ، وقد ترعرعت في القرية ولا تعرف المدينة وأنا منذ طفولتي في المدينة ، شجعني أخي على الخطبة التي استمرت ثلاث سنوات متتالية بل أكثر من ذلك . وعند قرب الزواج ضاقت بي الدنيا إّا أني لا أريد أن أدخل مرحلة الحياة الزوجية متأثراً بدراستي وبالتالي بمسؤولية الحياة الزوجية . حاولت فسخ الخطوبة ولكني لم أفلح في الانفصال . لم يأت لي منها في خلال السنتين الماضيتين مولود إطلاقاً . وهذا مما لا أرضي به . لا أخفي عليك أنني لا أحمل لهذه الفتاة أية عاطفة قطعاً وبالتالي لا أد\ري هلى هي تحبني أم لا ؟ حتى لو حاولت أن أحاورها في الحب يستهزئون بي مدعين أن هذه الحركات من التلفزيون والأجهزة الإعلامية بصفة عامة . لا تقولي استمر فأنا أعارض ذلك ولو استمريت فهل أستطيع التحكم في عاطفتي أم لا ؟ أرجو أن تتمعني في قضيتي مع خالص تحياتي وشكراً .

***

وبعد أن معنت في قضيتك .. أقول لك استمر في هذا الزواج .. فأنت دون أن تدري تحب زوجتك ، ولذا عشت معها طوال سنتين  كاملتين في هدوء وبلا مشاكل . وإذا كنت حقاً تعتزم طلاقها لكنت تركتها منذ البداية .. ودون أن تلجأ لي !

أما هذه المشاعر التي تحسها ، وتسبب لك هذا الضيق ، فمصدرها الأساسي اعتقادك بأن أخوك هو الذي فرض عليك هذا الزواج ، ومن هنا نشأت تلك المعارضة اللاشعورية والتي يغذيها جهلك بمشاعر زوجتك .. التي تتساءل عما إذا كانت تحبك أم لا ؟!

عزيزي .. لا تخجل من مفاتحة زوجتك في أحاديث الحب ، فهذا سر النجاح في الحياة الواقعية وليس خيال أجهزة الأعلام . ولذا حاول أن تكسر الحاجز بينكما وتقريبها إليك .. وبعد ذلك ستتأكد من حبها لك ، أن تربيتها الريفية تجعلها خجولة ذات حياء بالغ ، فلا تقدر على الإفصاح أو التعبير عن مشاعرها بسهولة . وبخصوص عدم الإنجاب فهذه مسألة تحتاج لكشف طبي لكما أنتما الاثنين ، فربما يكون العيب منك أنت دون أن تعلم وختاماً لك تحياتي ورجائي ألا تفرط في زوجتك الطيبة الساذجة حتى لا تصاب بعذاب الضمير فيما بعد ، خاصة وأنها لم تذنب ولم تخطيء في حقك أبداً .

أريد أن أكون شيئاً

أنا فتاة أدرس في مرحلة الثانوية ، أنني لا أعرف كيف أبدأ بسرد مشكلتي سوى أنني فتاة عديمة الشخصية وغير واثقة من نفسي لدرجة أنني إذا نجحت في الامتحان فإنني أشعر بأنني لستع جديرة بهذا النجاح ولا أدري ما سبب ذلك .

إنني كثيرة التردد ليس لي مبدأ وقول واحد وإذا قلت غيرت رأي بعد حين ، وإذا فعلت شياً ندمت على فعله .

إنني أريد أن أصبح فتاة ذات شخصية لها رأيها ونظرتها المستقلة في هذه الحياة ، حاولت أن أكون كذلك ، بذلت جهدي لكي أترك عن نفسي هذا التردد والشعور بالخيبة وفقدان الأمل لكن كل جهودي ذهبت أدراج الرياح . عندي إحساس بأني أريد أن أصبح شيئاً مهماً في هذه الحياة ، أن يكون لي مركز كبير بين الناس أن أكون واثقة من نفسي لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن .

أختي : إنني فتاة لست جميلة ولا قبيحة ولكني عادية ، أحس نفسي وكأنني قبيحة المنظر في عيون الناس ، أحاول أن أبدو جميلة وأفعل كل الوسائل التي تمكنني من ذلك ولكن إذا شاهدت أو سمعت أحداً يضحك ، سرعان ما يجتاحني إحساس بأنني ذلك الشخص الذي يضحكون عليه ويستهزئون به .

أنا ليست لي شخصية مستقلة إذا أبديت رأيي فإنه سرعان ما يؤثر على أحد برأيه الآخر فأقتنع به ولو لم أقتنع فإنني أقبل أنني تابعة .

أغيثيني .. أغيثيني من هذه المشكلة لأنني دائمة التفكير بها !

***

عزيزتي .. الباحثة عن النفس والطموح .. أنت رغم كل هذه الصفات التي نعت بها نفسك،كونك تابعة ، بلا شخصية مترددة ليس لك مبدأ ..رغم كل هذا أنت إنسانة طموحة جداً.

وأحياناً يكون الطموح الزائد عن الحد سبباً في تعذيب وإرهاق صاحبه ، لأنه يهول أحلامه ويجسم أمانيه وأماله ، ويوصمها بالصعب

والمستحيل .. ومن هنا يتفجر الشعور باليأس والخيبة والإحباط . وكل إنسان له أحلام طفولته ، وأماني مرتهقه ، وكفاح شبابه ، والجيل الذي به ينشأ ، تستقيم حياته وحياة من حوله .. فلا يصطدم بنفسه ،ولا يرتطم بواقعه ، ولا يرهب مستقبله .

ولذا .. حاولي أن تستكشفي نفسك ، أن تتعرفي على مواطن القوة فيها ، مهاراتك ، عقلك ، معرفتك ، واعلمي أن معالم الإنسان تختلف من فرد إلى آخر ،ولا تبقي تابعاً يائساً لشخص آخر فلكل إنسان مراحل اختباره وابتلائه . ومستويات طموحه ونشاطه ، لكنها تبقي جميعاً في مقصد واحد وهدف واحد .. هو هدف الحياة نفسها .. حياة أعلي وأخصب ، حياة أقوى وأعمق ، حياة أسمى وأفضل .

ولكي تعودي إنسانة سوية طبيعية عليك أن تخرجي من قوقعة نفسك ، وأن تفتحي النوافذ في أعماق ذاتك .. وأن تتصلي بالمجتمع المحيط بك اتصالاً صحيحاً سليماً فتتفاعلي معه وتؤثري فيه .. ويتأثر بك .. عندما تصبحين يوماً شيئاً مهماً وعظيماً كما تتمنين وتأملين.

الرسالة الثالثة عشرة !

أحببت فتاة حباً لا يوصف وبادلتني هي نفس الشعور . كان حباً شريفاً طاهراً فعرف أهلي بحبنا لأنني كنت دائماً صريحاً مع أمي وأبي لا أخفي عنهم شيئاً ، فعرفتهم كل شيء حتى أنال رضاهم .

دعوت أسرة فتاتي لزيارة بيتنا وفعلاً شرفونا ، وكانت جلسة عائلية جميلة امتدت بنا إلى ما بعد منتصف الليل ، وصارت معرفة وثيقة بين العائلتين . وصرت أملك الدنيا لفرط سعادتي ، وبدأت أزور أهل فتاتي باستمرار ، وأذكر أنني كنت مسافراً لمدة أسبوع ، وعندما رجعت سلمت على أهلي واتجهت إلى منزل حبيبتي فوراً .. وعندما دخلت البيت وجدت والدتها طالعة من غرفة دون أن تحبيني أو تسلم على وهذا ليس من عادتها . فرجعت للبيت حزيناً ، وهناك وجدت حبيبتي تنتظرني على أحر من الجمر، فأخفيت عنها كل قصتي وثورتي . وجلسنا نتحادث حوالي الساعتين . وبعد ذلك انقطعت عنها كل قصتي وثورتي . وجلسنا نتحادث حوالي الساعتين . وبعد ذلك انقطعت عن منزلهم حوالي أربعة أيام كانت هي تأتي عندنا باستمرار وتسألني عن سبب ابتعادي عنهم فأخبرتهم أنني مشغول ، ولكنها اتهمتني بأنني أحب غيرها ، وقالت إن لم تزرني وتأتي إلى البيت لن أحضر إليكم .

فذهبت في اليوم التالي لزيارتهم ، ولكنني لم أجد أحداً في البيت غير أختها والرجل الغريب الذي كان موجوداً مع أمها في غرفة النوم !!

كان ممسكاً بأختها داخل الغرف في حركة مريبة غير عادية . واندهشت بل وصعقت للمرة الثانية فأنا لو كنت سمعت هذا الكلام من أحد غيري ما كنت صديقته إطلاقاً .. ولكن حدث هذا أمام عيني .. !! فهاجت الأفكار في رأسي ، واشتعلت الهواجس في نفسي .. فماذا عن فضيحة هذا البيت المتهدم . وماذا عن سمعة حبيبتي التي أكون لها كل ما تحمله كلمة حب من معاني . ثم .. ماذا عن أهلي ؟! أنهم لو سمعوا شيئاً مما حدث سيمنعونني من مقابلتها ، كما سيمنعونها من الحضور إلى المنزل .

وأنا قد امتنعت عن منزلهم حتي أري حلاً لهذه المشكلة الصعبة . فلو حاولت أن أخبر أي إنسان بهذه الواقعة لساءت سمعتها برغم احترامها عند جميع أهل المنطقة لأن بها صفات جميلة يتمناها كل إنسان .

وهي الآن تصر على أن أبوح لها بالسبب الذي قطعني عن منزلهم ، ولكني كنت دائماً أسليها بالقصص وسماع الأغاني ، وأقرب لها موعد الزواج ، وكيف سنقضي أيامنا وأين سنمضي شهر العسل . وبعد أن تخرج أغرق في تفكير مرير ، لدرجة انني كرهت العمل ، كرهت الناس ، وكلما اجتمع مع أصدقائي أري في عيونهم مشكلتي ، وكلما أري حبيبتي ألمح في عينيها صورة ذلك الوغد الحقير الجبان .. رغم أنني أكن لها في قلبي أسمي وأبهى وأنضر المشاعر والأماني .

لقد كتمت هذا السر في حنايا ضلوعي وفضلت أن أطويه داخل نفسي ، ولكني أصبحت لا أكل وأسهر خارج المنزل حتي لفت ذلك أنظار أهلي فاجتمعوا بي عدة مرات لمعرفة السبب في سهري الطويل وعدم أكلي بعد أن ضعف جسمي وظهر نحولي .. وأنا لم أبح لمخلوق بشيء ، وها أنا أكتب لك هذه الرسالة والساعة الرابعة صباحاً بعد أن نام الجميع ، حتى لا يعرف أحد ماذا أكتب .

وهذه الرسالة الثالثة عشرة ، فقد مزقت كل الرسائل التي قبلها .. لقد وعت ثقتي بك علني أجد الحل ، راجياً من العلي القدير أن يوفقكم في حل هذه المشكلة .. بعد أن وجدت أن الكتمان زادني ألماً وتعقيداً .. وحاولت .. حاولت بشتى الوسائل أن الكتمان زادني ألماً وتعقيداً أن أسيطر على نفسي لقد رأيت صورتها في كل مكان أذهب إليه .. وحاولت أن أملأ وقت فراغي بالكتب ، ولكنني كلما قرأت كلمة أو جملة يخيل إلي أنني أسمع صوتها بين الكلمات .

أنجديني بربك .. فأنا لا أن أطيل عليك .. والله في عون العبد ما دم العبد في عون أخي.. ولك مني ألف تحية .

***

لو عدت بذكرتك إلي الوراء ، حين عرفت هذه الفتاة ، لا كتشفت إنها جاهلة تماماً بكل ما يحدث في بيتها ، بدليل إصرارها الدائم على دعوتك لزيارتهم . فإذا كانت هي تدري بما يدور وراء الستار لما ألحت كل هذا الإلحاح عليك.. ولما ألحت عليك في السؤال عن سبب كئابتك وابتعدك .فلا تتشكك فيها ولا تكشف النقاب عما رأيت للآخرين حتى لا تخدش إحساسها ، ولكن صارحها هي بما رأيت في نفس الوقت حاول إصلاح هذا المنكر ، وذلك بلوم أمها وتأنيبها على ما رأيت ، وحاول أن تستفسر منها عن هذا الغريب المجهول الذي رأيته في منزلهم . فربما كان شقيقها أو قريبها .. من يدري ؟!

بعد ذلك .. افتح قلبك كاملاً لفتاتك وأخبرها بالحقيقة فإذا كانت تريدك زوجاً ، وتريد أن تكون زوجة صادقة مخلصة .. اتكل على الله وتزوجها بسرعة وأبعدها عن بيت أسرتها المتهدم كما تقول .. هذا إذا كانت ظنونك وشكوكك في محلها .

أما إذا كانت مجرد أوهام .. فعليك بتعويض نفسك خيراً عن هذا العذاب الدامي الذي هلكت فيه ..

همسة أخيرة .. لا تتردد في الزواج من فتاتك فهي ساذجة بريئة . ولا تتركها وحيدة ضائعة في طريق مسدود، لأنك لو تخليت عنها ستدفعها دون أن تدري نحو الرذيلة والفساد وستبقي طول حياتك نادماً معذب الضمير ..!

ثمن الدلال والانحلال !

أنا شاب أحمل شهادة جامعية ، في الثامنة والعشرين من عمري . مشكلتي بدأت منذ شهرين ، وإن كان لها جذور سابقة منذ ثلاث سنوات .

كان ذلك أيام وجودي في بلدي . وبعد أن تخرجت من الجامعة .

وبدأت العمل في أحدي الشركات هناك براتب متوسط .

وفي تلك الأيام تعلقت بحب ابنة عمي .. وإن كنت منذ البداية كتمت هذا الحب ، فتاة ثرية ، مترفء ، اعتادت على مستوي الحياة الرغدة . كوجود عدد كبير من الخدم ، وعلى أن تكون سيارتهم من نفس موديل السنة .

وكنت ألاحظ تصرفاتها ودلالها بعين العجيب ، فمثلاً أثارت مشكلة كبيرة لأن السائق وقف بعيداً عن الباب بضعة أمتار ، فاشترى لها والدها سيارة صغيرة خاصة بها .

وعندما انتهت من الدراسة الثانوية ، رفضت الدخول إلى جامعة عربية ، لأن مستواها لا يليق بها . وأصرت على الذهاب إلى بلد عربي مجاور بحثاً عن علاقات أفضل تليق بها . وأثناء الدراسة فضلت العيش في سكن داخلي مع إحدى الطوائف غير المسلمة .

وحاولت إقناع والدها بخطأ هذا التصرف . فالعادات تختلف بيننا وبينهم ، ولكنه سخر مني وعجب من أفكاري ، وأضاف أن ابنته معها حق لأنها رفضت الدراسة في جامعة عربية . ثم قال ،أنا واثق من تصرفات ابنتي ! وفي خلال الدراسة استطعت أن أنسى شعوري نحوها ، ووجدت الفتاة التي اقتنعت بحبها ، وهي ابنة صديق عزيز ، وطلبت من والدي أن يتقدم لها، ولكنه أخبرني بأنه يتمني أن أتزوج واحدة من بنات عمي .

وأمام إصرار والدي ، ولثقتي بأن عمي سيرفض . وحتي أريح نفسي نهائياً وأريح والدي وأكسبه إلى جانبي .. قلت له جرب بنفسك ! وذهبنا إلى دار عمي . وبدأ والدي مقدمات الموضوع وقبل أن يكمل حديثه قاطعته البنت وقالت له :

إن الزواج يجب أن يكون متكافئاً .. أما التضحية في الحياة الزوجية .. فما هي إلا حب أفلام نراه في السينما !

فأيدها والدها تماماً على هذا الكلام ، ورفضني زوجاً لابنته !

وفي نفس الوقت ذهبت مع والدي إلى أهل البنت التي أحبها وخطبتها ، واتفقنا على كتب الكتاب بعد عام ، في بلدي وأعمل في إحدى الدول الخليجية لأحسن وضعي المادي !

وبعد شهرين من سفري ، وصلتني برقية من الوالد للحضور فوراً إلى بلدنا . فذهبت ووجدت أن كل الأمور انقلبت . فعلاقة أهلي بأهل خطيبتي ساءت .ووجدت بنت عمي قد تركت الدراسة الجامعية ، وجلست بالبيت ، وطلب مني والدي ترك عملي والعمل مع عمي في الشركة التي يملكها براتب ممتاز . كما طلب مني العدول عن الخطبة الأولى ، والزواج ببنت عمي لأنها قد ارتكبت خطأ ما أثناء الدراسة ، ويجب القبول بها لأنها ليس أمامي وقت للمناقشة .

وأخبرني أنه غير مستعد للسير معي في أي مشروع زواج غير هذا ، بينما أخبرني أهل خطيبتي بأنهم لن يعطوني ابنتهم إلا إذا ذهبت إليهم ومعي أهلي ! وتظاهرت بالموافقة أمام والدي ، وطلبت منه أن أعود لتصفية أعمالي هناك . وأنا في الواقع مصر على ألا أعود إلى بلدي . وأمامي واحد من مشروعين ، إما الهجرة إلى بلد آخر غير عربي عند صديق مقيم هناك ، وإما البقاء في الخليج والزواج من بنت لا أعرفها ولم أرها وهي تكبرني في العمر ، وأخوها صديقي !

هذه هي مشكلتي أرجو عرضها والإجابة عليها !

مع تحياتي .

***

بعد أن استعرضت رسالتك حرفاً حرفاً وكلمة كلمة .. لاحظت من خلالها عدة أشياء..

أولها أنك شاب مهذب وعلى خلق وتحترم تماماً إرادة والدك رغم أنها في بعض الأحيان تكون غافلة عن مصلحتك الذاتية .

وثانيهما .. هو أن ابنه عمك فتاة مدللة عابثة لا يهمها من الحياة الدنيا سوي مظاهر الأشياء البراقة .. مهما كانت تخفي خلفها من قبح وخداع .

وثالثها .. هو أن عملك لا ينظر إليك بعين الاعتبار . ويعتبرك من طبقة أخرى أقل .. ولذا رفضك أول مرة عندما مانت ابنته صالحة للزواج ..

وعندما تلفت لم ير لها في نظره زوجاً .. مغفلاً أكثر منك .

عزيزي ..

رجائي لك أن تلقي بجزء من سلبيتك في البحر .. وأن تتسلح ببعض من الإرادة والعزم ، وتواجه حياتك بأسلوب صلب صلد . فلا داعي للهرب إلى بلد أجنبي أو التفكير في الزواج بامرأة لم ترها ولم تعرفها ، حتى لا تحل مشكلتك بمشكلة أخرى أقصى وأصعب !

.. المطلوب منك الآن .. مواجهة صريحة وحاسمة مع والدك ، وإخبارة بأنك لن تتزوج بابنة عمك المدللة هذه مهما كانت المغريات والدوافع .

وحاول أن تتفاهم مع أهل خطيبتك الحالية لإتمام الزواج في الوقت الحالي نهائياً !

وأما عمك .. وابنته العابثة .. فدعهما يدفعان ثمن الدلال .. وما أثمره من فساد وانحلال !

ما قلته الصحف

في الجزء الأول

من “أحرف وكلمات “

كريمة شاهين

أحرفها …. وكلماتها

يكاد عنوان كتاب الزميلة كريمة شاهين (أحرف وكلمات) لا يوحي بمادته .. فالعنوان الشاعري ضم بعد ذلك غرضاً لعدد من المشاكل – معظمها مشاكل حب – وردود المؤلفة عليها ..

وهي المشاكل التي تعرضها في زاويتها الأسبوعية التي تحمل العنوان نفسه

والزميلة اعتمدت في العرض علي الرسائل – كنا توحي بذلك المادة – واعتمدت في الإجابات علي خبرتها , وهما أمران قد يبرران نفسيهما , ولكن بعض المحاذير قد تؤثر في صدقهما

فمن ناحية , يتلهى بعض القراء – عادة – بتأليف المشاكل , أو تحويل أحلام اليقظة إلي رسائل تشكو .. تحتاج إلي تجربة واسعة في هذا المجال – ومعرفة نفسية اجتماعية من أجل كشف ما هو حلم , أو مزيف .. ولذلك يلجأ أصحاب مثل هذه الزوايا التي عرض مشاكل تشكل بعض الظواهر الاجتماعية بهدف التوجيه  كما فعل مصطفي محمود في بابه القديم الذي نشه في كتاب ” مشكلة حب” قبل أن يتخذ اتجاهاً مختلفاً في الكتابة

ولكن هذا لا ينفي عن الكتاب صدق مؤلفته في خدمة من توجه إليهم به , من أصحاب المشاكل .. والذين يطلعون عليها بعد ذلك .. فتفيدهم في حياتهم بإضافة بعض التجارب إليها

“الوطن”

21/5/1984

كتاب اجتماعي

            أحرف وكلمات أو 78 مشكلة حب .

هذا النوع من الكتب مفيداً جداً .. وأكثر الكتب رواجاً لارتباطه الوثيق بأدق أسرار النفس البشرية , وكلمات هذا الكتاب هي نبض القلب سواء بالحب , أو بمشاعر أخرى مختلفة. وحروف مثل هذا النوع من الكتب هي الأوجاع السرية للإنسان , والتي يبوح بها يستريح .. ولكن إلي متى يبوح الإنسان ويستريح هذا هو السؤال ؟ والجوانب في تقديري هو : ليس البوح فقط مقصوراً للعرض علي أهل الرأي .. بمعنى أن الإنسان يبوح إلي كل من يستريح له .. بشرط ألا يفشي أسراره .. ولكن يفضل في العادة أن يبوح الإنسان عند من يتوسم فيهم الرأي والمعرفة والمشورة نظراً للتجارب والخبرات .

وصاحبة كتاب “أحرف وكلمات” من أهل الرأي والمشورة في الأمور العاطفية .. فهي صحفية .. لديها استعداد فطري للاستماع .. وليها موهبة إعطاء الرأي .. وإن كان الرأي في العادة لا يحتاج إلي موهبة بقد ما يحتاج إلي ثقافة وإطلاع ودراسة علم نفس والأخلاق , ولكن تمكن الموهبة في القدرة علي إقناع الحياري والمعذبين رأيهما أو نصيحتها … ولابد أن تساعد الثقافة الواسعة هذه الموهبة علي الإقناع .

  وصاحبة كتاب “أحرف وكلمات” هي الكاتبة الصحفية كريمة شاهين وهي مصري تخرجت من كلية الآداب قسم صحافة بجامعة القاهرة . وهي أيضا زوجة وأم لثلاث أطفال , وتعمل في صحيفة الرأي العام الكويتية … وتحرر باب أحرف وكلمات … وهذا الباب يشبه أسألوني للأستاذة الرائدة أمنية السعيد , وباب أية رأيك لأنيس منصور في مجلة الجيل التي كانت تصدر عن مؤسسة أخبار اليوم وأغلقت عام 1964 .

وهذا النوع من الكتابات ليس جديداً , ولكن مشاكله متجددة دائماً , وقد عرفنا المتخصصين في المشاكل العاطفية في الصحف المصرية مثل الدكتور مصطفي محمود في صباح الخير وسعادة حلمي وصوفي عبد الله , في مجلة حواء , وإبراهيم المصري في آخر ساعة ومأمون الشناوي في الجمهورية , وعبد الوهاب مطاوع في الأهرام , وإن كانت تناولت الموضوعات ذات الطابع الاجتماعي كما عرفنا الكثير والكثير من الكتب التي أخذت مادتها من رسائل القراء الحياري والمجاريح من أهل الهوى والغرام , وأصحاب المشكلات العائلية , مثل كتاب الدكتور مصطفي محمود الذي صدر باسم “45 مشكلة حب” , ونقد في لحظة صدوره . وكذلك كتابات إبراهيم المصري في هذا الصدد .

وأيضاً كتاب لويس جرجس عن “المرأة والحب” الذي صدر ونفذ من 17 عاماً , وهو عبارة عن دراسات في الحب , وغير كتاب يوسف الشاروني الذي يحمل هذا الاسم والذي يعتبر تلخيصاً وشرحاً لكتاب أمام العشاق منذ ألف عام وهو العالم الوزير العاشق ابن زيدون في الأندلوس , والذي حدد فيه درجات العشق .. وحديثة الألف والإيلاف .

وكتاب “أحرف وكلمات” للكاتبة الأديبة كريمة شاهين واحد من هذه السلسلة أو حلقة في هذه السلسلة .

والكتاب يتناول نحو 78 مشكلة حب أو مشكلة عاطفية أو عائلية , ويقع في نحو 182 صفحة من الحجم الكبير .

وهذه المشكلات التي تناولتها كريمة شاهين في كتابها أحرف وكلمات هي صدى لما يحدث للناس وإن كان بعض أو معظم أبطال “أحرفها وكلمتها في سن المراهقة , أو تلك السن التي تتميز بالانفجاريات العاطفية الرائعة والمروعة وهي سن السابعة عشر حتى بعد العشرين بقليل . والكتاب حافل بحكايات الحب والغرام والاغتصاب , وحب شقيقة الزوجة , وقسوة الآباء , وزواجهم بغير أمهات الأبناء .. إلي غير ذلك من حكايات كتبها أصحابها بدمع العين.

والذي يجعل هذه الكتب أكثر رواجاً هو أن الإنسان قد يجد فيها نفسه , وقد يجد في حل مشكلة غيره هو نفس الحل لمشكلة هو , هذا فضلاً عن الرغبة في معرفة أسرار الناس وإن  كان لا يعرفهم , والرغبة في معرفة أسرار الناس وإن كان لا يعفهم , والرغبة فغي معرفة حل مشاكل قد يتعرض لها الإنسان في حياته , هذا إلي جانب المتعة والتسلية عند قراءة هذه الحكايات العاطفية أو الغرامية أو العائلية والتي تظهر فيها النفس البشرية علي حقيقتها , ونرى في هذه الحكايات جوانب الشر وجوانب الخير التي تنطوي عليها النفوس التي ألهمها الله سبحان الله وتعالى فجورها وتقواها .

والكتاب هو واحة للراحة .. وكان اللذين حكوا حكاياتهم لكريمة شاهين .. قد قالوا بالنيابة عن بقية القراء الذين لهم نفس المشكلات أو من المنتظر أن يصادفوا نفس هذه المشكلات .

والقاعدة النفسية في مثل هذه الحكايات أن الأسرار التي تنطوي عليها النفوس إذا كانت مروعة أو مدمرة .. فهي تصبح كالوحوش الكاسرة تنهش الصدور والقلوب إذا طلت حبيسة فيصدر صاحبها . ومن هنا كانت القاعدة في سرد الأسرار ,إلي من يحب الإنسان ويأتمن علي أسراره , حتى تتعرض هذه الأسرار للضوء والرياح , وهذا البوح يجعل الوحوش الكاسرة كائنات أليفة أو مقلمة الأظافر , ويسهل التعايش معها . . ومن هانا يلجأ الإنسان إلي الصديق أو الخليل بشرط توفر عنصري الأمانة والثقة أو يذهب إلي الطبيب النفسي أو إلي كاتبه المفضل الذي يعتبره مستشاره النفسي الخاص والذي يحكي له .. مثلما يحكي المريض إلي طبيبه النفسي حكاياته في جلسات متأنية ومسترخية بعدها أو خلالها يكون العلاج .

وإن كان الطب النفسي يعتمد حالياً علي العقاقير أكثر من الاستماع وذلك بوصف العقاقير التي تعاد الإفرازات التي يفرزها الجسم وهو في حالة اكتئاب نفساني . ولكن تبقى القاعدة الأصلية وهي الاهتمام بالشعور وهي سيدة الموقف . لأن كلمة واحدة قد تصدر من المريض النفسي وتضئ الطرقات كلها أمام الطبيب المعالج في معرفة سبب المشكلة .. ومن هنا يكون نجاح الطبي في مقدرته علي الصبر وحسن الاستماع مع رصد كل الكلمات الصادرة عن الوعي واللاوعي وتحليلها لمعرفة أصل المشكلة .. حتى يسهل العلاج .

وكريمة شاهين استمعت جيداً .. ورصدت جيداً .. ووصفت ما تراه العلاج .. وهذا سبب نفاذ طبعات كتابها أكثر من مرة .. بالإضافة إلي ملامح وجهها المريح التي توحي بالثقة والألفة الشديدة مما جعلها محل ثقة قرائها .. ومحل ثقتنا أيضاً !!

إسماعيل النقيب

“الأخبار” القاهرية

7/3/1985

“أحرف وكلمات”

بكوره أعمال

الزميلة كريمة شاهين

صدر للزميلة كريمة كتاب “أحرف وكلمات” وهو باكورة إنتاجها في أدب الاعتراف الحديث .

يقع الكتاب في 177 صفحة من القطع المتوسط , ويشتمل علي عدة نفحات إنسانية أوغلت في النفس البشرية , فكشفت عنها ستار الخوف والوجل , وألقت عليها ظلالاً من الأمان والاطمئنان تجلي من خلال ما بثته الزميلة من معان وكلمات وعبر هي خلاصة ثمينة , أهديت للقراء مختلف ثقافتهم .

“اليقظة”

العدد 864

4/5/1984

أحرف وكلمات ….. كتاباً

صدر مؤخراً للزميلة الكاتبة المعروفة في “النهضة” كريمة شاهين , كتاباً جديد “أحرف وكلمات” وقد جمعت بين دفتيه “مختارات” مشوقة , من مشكلات بابها الأسبوعي الشهير بهذا العنوان , وحلولها الذكية الواعية لتلك المشكلات , بعدما صاغت ذلك بأسلوب سلس , وعرض مكثف , ولغة شاعرية رقيقة رقة مشاعرها كاتبة وأماً . أحب النداءات إليها – كما نقول – في التعريف بنفسها “ماما كريمة” منذ أن تولت سكرتارية تحرير مجلة “سعد” لعدة سنوات خلت , وقبل أن تتفرغ بعطائها الثر “النهضة” مجلتها الأثيرة , و “صديقتها” الوفية , وهي معها علي الدرب , منذ سنين طويلة , لا تمل معها صحبة , ولا تطبق عنها فراقاً بل تزداد معها , وفاء وعطاء , مع الأيام ….

قدمت الزميلة كريمة “إهداء” الكتاب الواقع في 179 صفحة من القطع الكبير , إلي عميد دار الرأي العام الأستاذ عبد العزيز المساعيد , كتحية تقدير وعرفان , إلي القلب الصافي , والوالد الحاني , وقد غذت “النهضة” نبتت غرستي الأولى ونمت إطلالتي
الأولى … ” !!!!

وقدم الزميل عبد الله الشيتي لهذا الكتاب , بمقدمة معبرة , من صفحتين حول خصوصية أسلوب كريمة , ورفقتها “لدرب النهضة” مع المشوار الطويل , وقال : وها هي أولي التباشير , مخضوضرة معطرة , في واحة من حروف مغموسة بدم القلب , ومداد العلم , ولذة الألم , ونحن – في ذلك كله – إنما نعيش لنحيا ….

والموت – يقول الزميل عبد الله – ليس مشكلة , إنما الحياة هي المشكلة , ومثل كريمة , من يمتلك “مفاتيحها” ويدرك حلولها , أحرفاً من حب , وكلمات من نور , والآن عزيزي القارئ “دع القلق” وابدأ الحياة مع كتاب أهم ما فيه أنه يقدم نفسه بنفسه , لتحكم له , أو عملية .. لأن شهادتي به – شخصياً – مروحة !

لقد أتحفت كريمة شاهين المكتبة العربية , والقارئ العربي , بهذا العطاء , المتميز بلونه وغايته , وهو عطاء بذلك معه جهداً كبيراً , وإخلاصاً جميلاً , وكان الكتاب بمثابة قطعة من قبلها أو أن قلبها النابض بحب الحياة والناس , قطعة منه ! وهناك كلمة تلامس شغاف القلب , تترنم بها شفتها كريمة ويصوغها قلمها الرشيق الأنيق : بالحث تخضر الصحراء , ويذوي الشقاء , شعار يعيش لهم بحلولها حالها :

–  مشاكلكم مشاكلي , أيها القراء الأعزاء وساعدتكم سعادتي .. وأحرفكم أحرفي , فأنا “أحترق” بناركم لأضيء كلمات من .. نور الشذى وبلسم شفاء !

“عين”

“النهضة”

العدد 860

28/4/1984

محطة .. “أزمة ثقة”

أزمة كريمة شاهين … أهدتني بكورة إنتاجها … كتاباً أطلقت عليه اسم”أحرف وكلمات” تناولت فيه أربعة وسبعين موضوعاً جمعتها من بين ما تتلقاه من خلال عملها الصحفي في مجلة “النهضة” وتنوعت تلك المواضيع لتشمل القصة الغربية والحكاية المؤلمة والمشكلة الاجتماعية والمأساة الدرامية والخرافة الخيالية , وأبطال هذه المواضيع هو من الشباب والشابات الذين تورطوا أو أصيبوا بصدمات نتجت عن وضعهم الاجتماعي وراحوا يبحثون عمن يشكون له الحال ويسعفهم بالحل للخروج من الأزمة التي أصابتهم .

وواضح أن الزميلة كريمة بذلت جهداً مشكوراً في الأخذ بيد صاحب كل مشكلة علي حدة , ووضعت لكل معتل الدواء الذي يناسبه .

والكتاب يختلف كثيراً في طريقة عرضه وتحليله لما أصدره المرحوم الشيخ عبد الله النوري “من غريب ما سألوني” اللهم إلا في بعض غرائب المواضيع .

الغريب في الأمر أن معظم المشاكل المطروحة في “أحرف وكلمات” تلقتها كريمة شاهين من طلبة وطالبات وجدوا في الصحافة الملاذ المناسب لعرض قضاياهم وعلقوا أمالهم في الرد الذي ينتظرون نشره عبر صفحات “النهضة” مع أن مدارس وزارة التربية عامرة بالمدرسين والمدرسات والاختصاصيين الاجتماعيين والنظار الذين يحتم عليهم واجبهم التربوي الأخذ بيد هؤلاء التلاميذ وتلمس مشاكلهم والمساهمة في أيحاد الحلول المناسبة لها . ويفرض أيضاً أن يلجأ الطالب إلي أستاذه الذي يعتبره قدوة له في علمه وعقله وحسن تصرفه ولباقته في معالجة الأمور , أما أن يلجأ الطالب إلي الصحافة فهذا يعني أن المدرسة لم تنجح في تنفيذ الخطة التربوية التي رسمت لها , حتى أن الاختصاصي الاجتماعي المعني بمشاكل التلاميذ المدرسية والأسرية فشل في مثل هذه الحالة وإلا كيف تمر هذه الأمور دون أن ينتبه لها !؟

وحتى مدرس الفصل لم يعد شروداً ذهن ذلك التلميذ اهتماماً !؟

وإذا سلمنا بأن التلميذ لم يشأ أن يلجأ لأستاذه أو للاختصاصي الاجتماعي لعرض مشكلته فإن هذا يعني شيئاً واحداً وهو معظم التلاميذ لا يولون الاختصاصيين الاجتماعيين ولا المدرسين ثقتهم . والله يحفظكم .

عبد الرحمن السعيدان

“الرأي العام”

13/5/1984

أحرف وكلمات … كريمة شاهين !!!

قررت أن أضرب رأسي يالحيط .. وأن “أنتف” شواربي وألقي بها في مهاوي الرد علي رأي الشاعر … وقد اتخذت ذلك القرار بعد أن حوصرت بعدد من المشاكل التي لا عدد لها فمن كان مثلي … متزوجاً من امرأتين وطلق أخرى … ويفكر بالزواج من امرأة رابعة يعيش في مشاكل دائمة … خوصوصاً إذا كانت “الضرتان” تعيشان تحت سقف واحد .. وفي اللحظة التي قررت فيها أن أبدأ بتنفيذ خطة ضرب الرأس في الحيط ونتف الشوارب .. وصلني كتاب الزميلة كريمة شاهين والذي يحمل عنوان “أحرف وكلمات” وكان مثل البلسم علي الجرح .. وحتى لا تغضب الزميلة كريمة وتقول أن الراجل مات قبل ما يقرأ الكتاب .. قررت أن أؤجل عملية تنفيذ الخطة إلي ما بعد قراءة الكتاب .. وأصدرت أوامري إلي نفسي بتأجيل الانتحار ..

ولأن وقتي خلال العمل لا يسمح لي بأن أحك رأسي لدرجة أنني أستعين أحياناً ببعض الزملاء ليحكوا لي رأسي فقد قررت أن أخذ الكتاب معي إلي البيت لقراءته .. وأغفلت علي باب الغرفة وأصدرت أوامري للضرتين بعدم إزعاجي .. مهما حصل . وفتحت الكتاب وهات يا قراءة .. ما أن أنهيت المقدمة ودخلت في المشكلة الأولي حتى سمعت ابنتي تصرخ .. باباً .. جزمه الرياضة انقطعت وعايزة واحدة جديدة .. ولم ألتفت لها وواظبت علي القراءة .. ما أن أنهيت قراءة المشكلة الأولى حتى سمعت “الضرة” الأولى تصرخ .. متنساش تجيب لنا زيت معاك وأنت جاي … الزيت خلص .. وهمست : حاضر .. وما أن دخلت في المشكلة الثانية حتى سمعت “الضرة” الثانية تصرخ .. متنساش تروح شبرة الخضار وتجيب لنا تفاح معاك .. التفاح خلص .. وأنت عارف العيال بيحبو التفاح قد أية .. وتوقفت لحظة .. وترحمت علي جد “الضرة” الثانية الذي كان إذا شاهد حبة التفاح يعمى عليه من شدة الفرح . المهم دخلت في المشكلة الثانية .. وما أن وصلت إلي منتصفها حتى قالت الضرة الأولي : بكره إحنا مش طابخين .. هات لنا أكل من المطعم ماما جايه تزرنا .. ولعنت اليوم الذي تزوجت فيه من امرأة لها أم .. ماذا كان سيحدث في العالم لو كان النساء بدون أمهات .. بدون حموات .. أعتقد أن حال العالم سيكون أفضل من الآن بكثير .. ما علينا .. أنهيت قراءة المشكلة الثالثة .. شعرت بأنني أريد أن أقرء المزيد من المشاكل .. أصدرت أوامري للمرة العاشرة بعدم إزعاجي لأنني أريد متابعة كتاب كريمة .. لكن الرياح لا تأتي بما تشتهي السفن .. سمعت صراخاً وأطباقاً تتحطم .. وأكواباً تتناثر . أغلقت الكتاب .. وفتحت الباب .. وشاهدت الضرة الأولي ممسكة بالضرة الثانية من شعرها ..

وهات يا ضرب .. بس يا نسوان .. أيه اللي حصل .. طبعاً ومثل كل مرة .. المشكلة تافهة جداً .. بنت الضرة الأولي لطمت بنت الضرة الثانية علي خدها .. وطيبت خاطر الضرتين علي اعتبار أنني أؤمن بالحكمة التي أطلقها صبري في مسلسل الأحباب والمصير والتي تقول : أديله مية يديلك طراوة .. وأنهيت النزاع .. وعدت إلي الغرفة لمواصلة قراءة أحرف وكلمات كريمة شاهين .. دخلت في المشكلة الثالثة .. وما أن أنهيتها حتى بدأت المشاكل في الخارج .. معلش .. أنا متعود علي كده .. وده جزائي .. محدش غاصبني أتجوز أثنين .. ما علينا .. لم أترك كتاب كريمه إلا بعد أن كنت قد أنتهيت بالكامل .. استمتعت جداً بقراءته .. لعي اعتبار أنني من النوع الذي يحب قرائة المشاكل .. لأن اللي بيشوف مشاكل غيره بتهون عليه مشكلته .. وسألت نفسي ماذا استفدت من الكتاب ؟ وقبل أن أرد علي ذلك السؤال سمعت مره أخرى صراخ الضرتين .. وخطرت ببالي فكرة  .. تركت الضرة الأولي ممسكة بشعر الضرة الثانية وركبت سيارتي وتوجهت إلي المكتبة واشتريت نسختين من كتاب كريمة شاهين .. وعدت إلي البيت فوجدت أن الضرتين ما زالت أحداهما ممسكة بشعر الأخرى .. قلت لهما : لتترك كل واحدة منكما باروكة الأخرى .. ولتأخذ هذه الهدية . وتركت الأولى شعر الثانية بعد أن سمعت بالهدية فناولتها نسخة من كتاب كريمة .. وناولت الثانية نسخة من نفس الكتاب .. ومنذ أن تسلمت كل واحدة منهما نسختها أغلقت الباب عليهما .. وهات يا قراءة .. يبدو أنهما أنسجمتا في قراءة الكتاب .. بدليل أنه لا حس ولا خبر منذ تسلمتا الكتاب ..

بصراحة كتاب كريمة أنقذني من دوشة .. الضرتين .. فمنذ أربعة أيام وحتى كتابة هذه السطور والحمد لله لم أشاهد وجه الضرة الأولي .. ولا سنان الضرة الثانية وهذا يعني أن كتاب كريمة قد أثر علي الضرتين .. لكن ماذا سيحدث عندما تنتهيان من قراءة الكتاب .. هل ستعودان إلي المشاكل رمة أخرى ام أن الكتاب سيكون بمثابة رادع لهما .. لا أدري .. ولكن من باب الاحتياط قررت أن أطلب من كريمة شاهين أن تسارع غي إصدار الجزء الثاني من كتابها أحرف وكلمات .. تحسيباً للطوارئ .. ومنعاً للمشاكل التي قد تحدث في المستقبل !!

زهير مرعي

“السياسة”

23/4/1984

مع أحرف وكلمات كريمة شاهين

كريمة شاهين زميلة أعتز بزمالتها ذلك أن الصحفي في نظري يجب أن يتمتع بعدة خصائص حتى يصلح لهذا العمل ويستطيع إن يؤدي رسالته علي الوجه الأكمل .. وكريمة بهذا المقياس قد اثبتت من خلال مشوار طويل في العمل الصحفي أنها تتمتع بكل المواصفات اللازمة للتوفيق في مهمتها لكن حدثني عن كريمة الآن يأتي بمناسبة صدور كتابها الألو أحرف وكلمات …

تقول الزميلة كريمة في همستها التي تصدرت الكتاب : « وكلمات أحرف عنوان كتابي .. هي أحرف وكلمات صادقة , لم تأت من وحي خيال , لكنها جاءت من واقع الحياة , جاءت تروي مواقف صعبه قاسية أحاطت بقلوب أصحابها فالمتهم وعذبتهم إلي الكتابة لي ..

عشت معهم – وعاشت معي رسائلهم تمكن بين حنايا قلبي , تفتش يائسة عن مخرج أمان .. عن واحة نسيان … »

هذه الرسائل التي كانت همزة وصل بين كريمة والقارئ وجسر ألفة ومحبة بينهما عز عليها أن تندثر وتنمحي  من الذاكرة بمجرد النشر في بابها الأسبوعي لذلك فكرت أن تضمها بين دفتي كتاب .. لكي يستفيد منها من غلبهم الحياء ومتعهم الخجل من الكتابة والبوح بأسرارهم , وكذلك ليري في أصحابها الأصليون تجاربهم بعد أن مر عليها الزمن .. وقفة جديدة مع الذات علي حد تعبير كريمة .

وقد يري البعض أن كتاب كريمة نوع من السهل الميسور الذي لا يكلف مؤلفه أو صاحبة الكثير من الجهد سواء في الرد علي المشاكل ووصل الحلقات بين الكاتب والقارئ أو في اختيار نوعية المشاكل التي يضمها الكتاب ..

لكن ذلك ليس صحيحاً علي الإطلاق .. ذلك أن باب المشاكل يحتاج إلي نوعية خاصة من الكتاب تتوفر لهم مؤهلات أخباراً عامة أو موضوعات ذات طبيعة عامة .. فالرد علي مشاكل القراء خاصة النفسية والعاطفية يحتاج إلي قدرة منطقية وفكرية لا تتوفر للكثيرين وأيضا قدره في الإقناع , إقناع صاحب المشكلة بالرد وبوجهة نظر الكاتبة أو الكاتب في موقفه .. وقد لا تكون وجهة النظر هذه دائماً في جانب صاحب المشكلة ومن هنا تتضح قدرة الكاتب علي الإقناع والتفسير باتخاذ موقف دون غيره .. والذي يطالع باب الكاتب علي الإقناع والتفسير باتخاذ موقف دون غيره .. والذي يطالع باب أحرف وكلمات في مجلة النهضة التي تعمل بها الكاتبة ويطالع عدد الرسائل الواردة لهذا الباب يحس بالجسر المتين الذي بنته كريمة بين قرائها وبينها وحين يطمح في التخفيف عن الآخرين بعض معاناتهم وفي نفس الوقت تكون المجلة أو الجريدة قد حققت للقارئ بل في المشاركة معه في حل مشاكله وتخفيف معاناته …وكريمة من خلال رصد أعمالها قد نجحت في تحقيق هذا الأمر .

وقد يسأل البعض , ما الفائدة من جمع المشاكل في كتاب خاصة أنه قد سبق نشرها والجواب لا شك أن هناك فائدة ذلك أن أنماط معينة من المشاكل الواقعية يعيشها الناس البعض يفحص عنها والبعض الآخر يحجم لذلك فنشر هذه الأنماط (وقد اختارتها المؤلفة بعناية) بين دفتي كتاب لا تعني أصحابها فقط ليروا أنفسهم من جديد وإنما تعني مجموعة كبيرة لا تملك الجرأة علي المصارحة .. وبذلك تكون كريمة قد أدت لقرائها خدمة أخرى مضيحة بما تعرف جيداً أنه يمكن أن يقال علي مثل هذا النوع من المؤلفات

وبعد , أحرف وكلمات عمل اجتماعي في الصميم في قالب صحفي وهذا من صميم رسالة الصحفي .. لذلك استغربت أن تلجأ كرمية إلي الأستاذ الشيتي لتقديم كتابها وهو الأديب وكان ينصفها أكثر أن تختار أحد المختصين في علم النفس ليقوم باستقراء هذه الأنماط ويقدم تحليلاً اجتماعياً لمثل هذه المشاكل ..وإن كان الأستاذ الشيتي قد أبرأ ذمته في مقدمته بالنصح.

لكن يبدو أن مقدمة أديب كالأستاذ الشيتي تعويذة خفيفة الدم يحتاجها الإنسان الصادق مثل كريمة لمباركة العمل .. بقيت كلمة .. كنت أتمني أن تقوم الزميلة بنفسها .. وهي خير من يقوم بمثل هذا العمل .. بتصنيف المشاكل واستقراء النتائج والأسباب الدافعة لها لنضع أيدينا علي جراح اجتماعية في أمس الحاجة للعلاج .

“بنت الخليج”

مجلة “أسرتي”

12/5/1984

مقدمة الطبعة الثالثة

ويبقى الحب جسراً بيننا …

أكتب لكم وابتسامتي عريضة واسعة تملأ وجهي وفرحة كبيرة غامرة تفيض بها نفسي .. فها أنا أعيش امتناني وغبطتي وسروري , وأنا أعبر شاكرة عن مدى سعادتي بذلك التقدير العميق التي غمرتموني .. وذالك التعبير العظيم الذي أحطتموني .. فما هو إلا زمن محدود للغاية والكتاب ينفذ من السوق , وكأن للحب أيدي تتلقف لهفي ما أكتب وما أطبع وما أنشر .. الحمد لله ..

وأعيش لحظات الفرح , وشعور طاغ بالسعادة يغمرني , وابتسامة عريضة واسعة تبهرني .. فها هي ما زالت تتسع وتتسع لا إرادياً حتى تملأ وجهي كله .. أتدرون لماذا ؟!!

لأنني أفكر في هذه اللحظة بمنتهي التفاؤل طبعاً .. ماذا يحدث لو أن هذه الطبعة الثالثة تلتها طبعات وطبعات وطبعات .. حتى وصلت إلي الطبعة الثلاثين مثلاً ؟!

وانهمك في تفكير ساذج سريع .. صحيح ؟! ماذا أكتب ساعتها ؟! وماذا أقول للقراء الأحباء حين يصل عدد الطبعات إلي هذا الرقم ؟! وانهمك في التفكير وأبقى أتساءل : هل سيكون من اللائق تكرار المقدمات واحدة تلو الأخرى هكذا ؟! أم أن أتوقف عن كتابة المقدمة عند الطبعة العاشرة مثلاً ؟! وألا أكتفي بالثالثة ؟! وإلا… ؟! وإلا…. ؟! وإلا…. ؟!

وفجأة تنقلب ابتسامتي ضحكة صادقة تسخر من تفاؤلي وسذاجتي الزائدة عن الحد وأسأل نفسي ضاحكة ” “أية ده ؟! أنا ساذجة وإلا إيه!” .

وسرعان ما تعود إلي حكمتي . أقرر برزانة ورصانة : حقاً لكل حادث حديث !

وبعد أن أتخلص من تلك الرزانة الثقيلة والرصانة الغريبة عن طبيعتي .. وبعد أن أتحرر من ذاك التكلف البعيد عن نفسي .. أعود وأقول بعد أن عادت إلي وجهي إبتسانتي , وكف قلبي عن انشغاله وعادت إلي فرحته وغبطته :

أترككم في رعاية الله أحبائي ..وإلي لقاء آخر قريب نعيش خلاله الحب جسراً دائم الاتصال بيننا …                                                       كريمة شاهين

مقدمة الطبعة الثانية

…. لكم حبي

… طبعة ثانية من كتاب “أحرف وكلمات” ….

إثر نفاض1 الطبعة الأولى في وقت قصير . وقت قياسي لم أكن أبداً أتوقعه .. إذا أنها تجربتي الأولى وكتابي الأول .

وفي الحقيقة ..

أعترف لكم بكل صدق أن أعصابي كانت مشدودة جداً . وأقول لكم بكل صراحة أني كنت في قمة القلق والتوتر والانفعال وأنا أتسم من المطبعة آلاف الكتب التي أخذت أنظر إلي أكوامها المتراصة أمامي في توجس ورهبة , والتي أستمرت واقفة حيالها . وأنا أهمس لنفسي نادمة: لقد تسرعت دوماً كعادتي .. كيف جرؤت أن أحدد كل هذا العدد الكبير ؟! كان يجب أن أجس نبض السوق بكمية محدودة . ثم أطبع ما أشاء فيما بعد , فالسوق يفيض بشتى المطبوعات .. فهل يقدر “أحرف وكلمات” أن يتسلل بينها .. وأن يصمد أمام المنافسة ؟

وقبل أن أسترسل في المزيد من اللوم للذاتي , وقبل أن أمضي قدماً في العتب علي شخصي إذ بصوت متفائل يقاطعني , صوت آتِ من أعماق أعماقي يطمئنني ويقول لي واثقاً : رصيد الحب في قلوب قرائك كبير يا كريمه .. وهم أبداً لن يخذلوك .. فلا تخافي .

وأنبذ الخوف بعيداً عن نفسي وأتوكل علي الله , وأبتسم لنفسي مطمئنة قائلة : “خليّها علي الله “.

ويجئ النجاح كبير الذي يثلج صدري ويسعد قلبي وأتابع عن كثب توزيع الكتاب وإخفاءه من المكتبات نسخه تلو الأخرى … وتنفذ الطبعة الأولى من الكتاب بأسرع مما أتوقع! .

فعلاً .. هذا هو الحب ..

الحب الصادق التعبير . الحب المليء بالتشجيع الكبير المتصل . الحب النابع من قلوب لم تعرف غير الصدق طريقاً في حياتها . ولم تأخذ سوى الحب أسلوباً في سلوكها ..

فها هي الزميلة العزيزة منال المساعيد أول من أهديتها كتابي . وأول من شجعتني وأثني علي جهدي المتواصل .. ها هي أراها تتأجج حماسة واهتماماً وتقوم بحملة دعائية واسعة بين الأهل والصديقات .

وهؤلاء هم الزملاء في مجالات الإعلام المختلفة يستقبلون خبر نتاجي الأول بتقدير وترحيب لا أنساه لهم أبداً .

وهؤلاء هم القراء الأحباء يملئون نفسي فرحاً ومرحاً وهم يتصلون بدار “الرأي العام” ليل ونهار متسائلين عن كيفية الحصول علي الكتاب , مهنئين بصدوره معبرين عن شعورهم برسائل وبرقيات أجمعها وأحفظها وأضمها بين ضلوعي , فهي حبيبة غالية عزيزة علي نفسي . أكنّها ذخراً موحياً مشعاً , كلما أحسست حاجة ملحة إلي الحب عشت في أحرفها وكلماتها , فأشعر أني شًحت من جديد بمشاعر شتى تفيض شوقاً وامتناناً .. وإذا بي أمضي قدماً بزاد لا ينضب يدفعني إلي الأمام .

حقاً .. إنه الحب.. الحب الذي أحسسته ولمسته في كل من حولي .. رأيته في عيونهم . سمعته في أصواتهم .. لمحته في كتاباتهم .

إلي هؤلاء الأحباء أعلن امتناني وعرفاني, وشكري وتقديري.. ذاك الشكر وذاك التقدير الذي لا يعرف حدوداً للمكان, ولا يرتبط بأوقات الزمان .. فالحب لا يعرف الجمود ولا يعترف بالقيود . إنه الصدق حين يتحدث وحين ينبع كلمات تنبثق من القلب فينساب بكل تمكن واقتدار .. إلي القلب .

… أتمنى من كل قلبي أن نحوز هذه الطبعة الثانية إعجابكم .. وحتى لقاء قريب في الجزء الثاني من كتاب “أحرف وكلمات” أكرر شري وامتناني وحبي .

كريمة شاهين


المحتوى

إهداء ………………………………………………………………….. 5
ما قلته الصحف في الجزء الأول من (أحرف وكلمات)……………………….. 7
مقدمة الطبعة الثالثة ……………………………………………………… 27
مقدمة الطبعة الثانية ……………………………………………………… 29
مقدمة الطبعة الأولى …………………………………………………….. 32
همسه ………………………………………………………………….. 35
أجمل طريق ……………………………………………………………. 37
المتعة والعذاب ………………………………………………………….. 41
حرب الأعصاب…………………………………………………………. 44
الأرملة حبيبتي ………………………………………………………….. 47
صداقة الذئب والحمل ……………………………………………………. 49
شهامة شاب ……………………………………………………………. 52
الزهرة الغارقة ………………………………………………………….. 54
الشبح ………………………………………………………………….. 56
حدث في إجازة صيف …………………………………………………… 60
دوامة العناد …………………………………………………………….. 64
تعرضت للاغتصاب ثلاث مرات ………………………………………….. 67
إغراء …………………………………………………………………. 70
الخادمة ………………………………………………………………… 73
إدمان ………………………………………………………………….. 76
الحجاب اللحظة الأخيرة ………………………………………………….. 79
صورتي معه …………………………………………………………… 2
هل أتزوج حبيبتي ؟ ……………………………………………………… 86
دائرة الإنتثام ……………………………………………………………. 89
العقدة النفسية …………………………………………………………… 92
دلع البنات ……………………………………………………………… 94
سيل من الإهانات ……………………………………………………….. 96
لكل وجود كبوة …………………………………………………………. 99
دراكولا ………………………………………………………………… 102
الميراث الملعون ………………………………………………………… 105
الحرباء ………………………………………………………………… 108
الرجوع للحق ………………………………………………………….. 112
الطريق المسدود ………………………………………………………… 114
فتاة تغتصب شاباً ……………………………………………………….. 116
كوابيس الكراهية ……………………………………………………….. 118
المجهولة ………………………………………………………………. 112
بحر الحرام …………………………………………………………….. 125
القارب التائه ……………………………………………………………. 127
السائق وإغراء الخطيئة ………………………………………………….. 130
عيون الحب …………………………………………………………….. 132
عقبات الطريق …………………………………………………………. 135
هل أترك زوجي لها …………………………………………………….. 137
محافظة ولكن !! ………………………………………………………… 139
مراهقة ناضجة جداً ……………………………………………………… 142
الهمس المسموم …………………………………………………………. 144
الوردة الذابلة ……………………………………………………………. 146
مأساة ………………………………………………………………….. 149
المتهم بريء ……………………………………………………………. 151
الحب والوهم …………………………………………………………… 154
الشقيقة الكبرى ………………………………………………………….. 156
المرأة الرقطاء ………………………………………………………….. 158
ملهاة ………………………………………………………………… 161
الدامية المكسورة ………………………………………………………… 164
وجبة طعام …………………………………………………………….. 168
عاشق العذاب الدائم ……………………………………………………… 170
الطائشة والأربعون صعلوكاً ………………………………………………. 175
روح .. لا جسد …………………………………………………………. 178
دلعنفسي ………………………………………………………………. 181
النبع ………………………………………………………………….. 183
طريق الأمان …………………………………………………………… 186
عذب العذاب ……………………………………………………………. 189
الشوارع الخلفية …………………………………………………………. 192
فارس الأحلام …………………………………………………………… 195
حبيبي يحتقرني …………………………………………………………. 199
العذراء الحامل ! ………………………………………………………… 201
حبيبتي تأمروني باغتصابها ………………………………………………. 204
الفخ …………………………………………………………………… 206
الصياد والفريسة ………………………………………………………… 209
الشبكة …………………………………………………………………. 212
العنكبوت ………………………………………………………………. 215
الهاوية …………………………………………………………………. 218
القدر المر ……………………………………………………………… 220
اللص ………………………………………………………………….. 223
الصورة والأصل ………………………………………………………… 226
نعيم وجحيم …………………………………………………………….. 230
تعشق تعذيب الآخرين ……………………………………………………. 232
هل أطلق زوجتي ……………………………………………………….. 234
أريد أن أكون شيئاً ………………………………………………………. 236
الرسالة الثالثة عشر ……………………………………………………… 238
ثمن الدلال والانحلال ……………………………………………………. 241

 

 

أحرف وكلمات

أحرف وكلمات

 

كريمة شاهين

 

 

 

 

 

 

 

الكتاب الأول


 

 

إهداء

إلى تلك الساحة الرحبَة

الحافلة بالمحبة والمودة والإخاء

إلى تلك الباحة النضرة الباهرة ،

العامرة بالعلم والثقافة

والمعرفة والعطاء .

إلى …. مجلة اليقظة

رئيساً وزملاء وقراء

أهدى كتابى

كريمة شاهين

 


عبر كتاب ” حكايا حب ” نعيش معاً أحداثاً واقعية مرت
ببعضنا فأسعدتهم ،وأفرحتهم ، وآلمتهم .. ورغم ذلك ،             نراهم لا يستطيعون
أن يسلوا ، أو ينسوا ,أو حتى .. يتناسوا ، فكل شئ فى الدنيا يهون أمام سطوة الحب ، وسلطان الهوى ، وتسلط الغرام .

ومع الحب .. وحكاياه ، وذكراه ، ونجواه ، نعيش معاً أعظم لحظات .. وأمتع ساعات ، بين ضفتى كتاب ، هو واقع رائع نابع من عمق قلوبنا ، قائم من نسج رهيف مشاعرنا وحانى إحساسنا .

مع كتاب ” حكايا حب ” نقرأ معاً أحلى وأعذب وأعمق .. ما سطر الحب .

 

 

 

كريمة شاهين


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة :

حتماً .. فى حياة كل منا حكاية ما .. حرك أحداثها .. الحب !

حكاية .. قد تُشقي ذكراها , أوتُشجي نجواها , لكنها , تحيا بداخلنا أبدا .. تهفو إليها الروح , يخفق لها الفؤاد , يحنو عليها الوجدان .. مدي الحياة , فهي تبقي ترقد هناك في الأعماق , حيث تبث فينا ذكري الحب والفرح والحنين .. والأنين , فلا يملك المرأ منها فكاكا , ولا يستطيع الإنسان عنها بعادا .

نعم .. لا يقدر العاشق أن يسلوا ذكري حبة , ولا أن ينسي رحيق هواه , مهما حاول أن يتحمل وأن يتصبر , وأن يتجاهل وأن يتناسى فالحب لغة فتنعم القلب ضياء , تغمر النفس نورا تبهج الروح فرحا نادراً , أسطوريا , خياليا .

الحب .. يحيل المحب قلبا كبيرا , خافقاً , نابضاً , راجفاً , راجياً , لا يستطيع الا أن يحب ويحب ويحب .

الحب .. يجعل العاشق عينا واسعة والهة تدور حول المحبوب فلا تري غيره .. ولا تنظر سواه , و.. ذكري الحب .. تلتحم والحنايا , تلتئم والجوارح , فتبيت تمكن في مأمن بعيد , لا يعرفه العواذل .. ولا تطالعه عيون الرقباء .

 

وفي الحب يقول الشاعر :

لي حبيب خياله نصب عيني

واسمه في جوارحي مكنون

أن تذكرته فكلي قلوب

أو تأملته فكلي عيون

قال لي عاذلي : أتسلو هواه ؟

قلت: مالا يكون كيف يكون .

يا عاذلي أمضي عني ودعني

لا تهون علي مالا – يهون

  وهكذا .. لا نستطيع أن نسهين بالحب , ولا أن نهون من أمره في حياتنا , فهو تلك العاطفة الجياشة الحادة الجارفة اللاهفه التي تفيض نحو من نحب , فتدفعنا إلي التعلق وبه , وتمني البقاء , طول العمر , إلي جواره , والتمتع بالدينا إلى جانبه .. ومعه .. وبه.حقا.. الحب عاطفة تحفل بالسمو والنبل والطهر والصفاء والنقاء .

والحب .. أولا .. وآخراً .. هو العطاء .. بل .. قمة العطاء .

الطبعة الأولي

يناير 1990

 

الحقيبة الحمراء

حياة الحياة عشتها معه , وأنا أنعم بحبة الطاغي لي , الذي انتقل تلقائيا إلي قلبي .. فملأني حتي فاض في كياني , وما لبث أن تملكني كلي , إلى أن لا حياة لي الا معه , فتحديث أهلي من أجله .. واصريت علي الزواج منه , رغم الرفض القاطع من جانب عائلتي , لكون أنه امرأة أوروبية .

تزوجنا .. فأنارت الفرحة داخلي , فسألت نفسي أيمكن أن تحوي الدنيا كل هذا الحب .. وكل هذا الفرح ؟!! وخفت من عين الناس , خشيت نظرات الحساد , فقد كنت بكل ساعة تمر من عمري , كما لو كنت أعيش في دنيا الأحلام وعوالم الخيال .

ومضي تقريبا العام الأول من عمر زوجنا , والأهل والأصدقاء يشعرون بمدي سعادتنا , ويحسون بحقيقة فرحتنا , تلك التي كان ينقصها وصول ((القادم السعيد)) حتى ظن زوجي أنني عاقر , وغير قادرة على الإنجاب , إلي أن حملت ,وبدأت تظهر علي جسدي بوادر الحمل ..

وهنا .. انقلب زوجي فجأة رجلا آخرا , صار ينفر مني , ما يطيق يطالعني . قام يتهرب من البيت , وكل شوية يصرخ في وجهي ويقول : ما اشتهي أشوف واحدة حامل , وما أقدر أعيش مع امرأة حامل , فرحت لبيت أهلي وعشت عندهم إلى أن وضعت ابني .

وفي هذه الفترة , فترة الحمل والنفاس , لم يأت عندي لا مرة واحدة كان يتصل بالتلفون ليطمئن علي , وكنت أنا مطمئنة علية لأنني أرسلت له الخادمة الآسيوية لترعي شؤونه , ولتنظم البيت أثناء غيابي عنه .

وبعد فترة انقضاء مدة النفاس أخذت أبنتي ورجعت إلي بيتي , وبعد فترة بسيطة سافر , وتركني وحدي , عاد بعد شهر , وسرعان ما اكتشفت إصابتي بمرض جنسي خطير , كاد يؤدي إلى استئصال الرحم , لولا عناية الله وحرصي على صحتي , وسفري إلى لندن حيث باشرت العلاج وبقيت في المستشفي حوالي أسبوعين إلى أن تحسنت حالتي والحمد لله .

وعقب ما رجعت من لندن , أثر رحلة العلاج , وبقي هو هناك عدة أسابيع , كنت أفكر فيه خلالها ليل نهار , وأعانني من بعادة عني , فأنا أحبة بجنون , وما أعرف معني للحياة من غيره ..وبعد عودته من السفر , اكتشفت بينما كان يستحم , أنه قد نسي حقيبة سفره الصغيرة مفتوحة , كانت هذه أول مرة أراها بجواري مفتوحة , فهو يحرص دوما على قفلها بعناية , وأنا أيضا لا أعرف أرقامها .. ودفعني الفضول إلى فتحها , والاطلاع على محتويتها ..!! ويا لينتي ما فعلت , كل الأشياء أخذت تدور أمامي , أفكاري صارت مشوشة , أطرافي قامت ترتجف , وكاد أن يغمي علي , وأنا أقلب بين يدي عشرات من الصور التي تجمع بينه وبين فتيات كثيرات للأسف بعضهن صديقاتي , ومنهن خادمتي .. وعدد كبير من الأوربيات …!!

صرخت وبكيت وارتميت على الفراش وحولي عشرات الصور الناطقة بالخيالة , لكنة تجاهل هذا الدليل الدامغ وقال في ضيق وعصبية هذه أشياء قديمة من الماضي ولا داعي للكلام بها ..

فسكت , ابتلعت دموعي , ووضعت الألم في صدري , ولم أناقش كذبة .. لأني عندما أعدت النظر إلى الصور اكتشفت أنها حديثة لأنه كان يلبس الساعة الجديدة التي أهديتها له مؤخرا , ولم استمر في النقاش على استمرار حياتي معه من أجل ولدي .. ولأنى ما زلت أحبه , أحبه ..

وبعد هذه الحادثة الكارثة , أصبحت ذكرى محتويات الحقيبة وما تحمله من صور فاضحة تشى بما كان يفعل زوجى خلال تلك الليالي الماجنة .. أصبحت نقطة تحول عنيقه فى حياتى .. تحول نحو الشكوك والغيرة والقلق .. والبعاد .

ابتعد كل منا عن الآخر , رغم الحب الكبير الذى يسكن قلبى فقد أصبح زوجى يتجاهلى , كأنة يعاقبنى على جرأتى فى تفتيش حقيبة الخاصة , أو على وقاحتى فى مناقشة فيما تحوى .. من صور غير لائقة سببت له الإحراج أمامى !!

واحتجت إلى فترة راحة من هذا الإرهاق النفسى , فسافرت إلى القاهرة مع أهلى فى الصيف و وبقيت معهم حوالى عشرة أيام , عدت بعدها إلى بيتي فجأة الباب ودخلت , فذا بمربية أبنى , الذى لم يسافر معى لأن أباه أبقاه رغما عنى ليؤنسه , إذا بمربية أبنى تنظر نحوى وتصرخ وتبكى !!

انفجر خوفى فركضت نحو غرفة أبنى كالمجنونة , وأنا أتصور أنه صار فيه شئ و فوجدته نائما فى فراشة كالملاك الطاهر و فدخلت غرفة نومي لأفاجأ بزوجى نائما والى جواره الخادمة المسؤوله عن نطاق البيت !!!

وبصراحة و فوجئت بنفسي وأنا أضحك وأضحك من هول الصدمة , فأخذت حقائبي ورحت إلى بيت أهلى , ولكنة للأسف منعنى أن آخذ أبنى ..

وحاولت المستحيل كى يرسل لى أبنى , فرفض , واكتشفت فيما بعد أنه سفره إلى لندن عند جده المقيم هناك , فرفعت قضية طلاق وحضانة , وحكمت لى المحكمة بالحضانة و فسافرت مرتين إلى لندن لآخذه , لكنهم لم يعطونى إياه , ولم يدعونى حتى أراه .. فرديت حسيرة كسيرة حزينة .

والحين .. صار لى حوالى سنة ما شفت ولدى , وقلبى لم يعد قادرا على تحمل آلام فراقه , وان كنت أحاول أن تماسك على أمل أن يرق لى قلب زوجى , ويرحم أمومتى , ويسمح لى أن أبنى , فأنا أموت فراقه ,أن كنت أحاول أن أتماسك على أمل أن يرق لى قلب زوجى , ويرحم أمومتى , ويسمح لى أن أرى أبنى , فأنا أموت لفراقه كل يوم ألف مرة .

ولم يعد يخفى احساسى بالحزن على أحد , فما أن ينظر إلى وجهى اى إنسان , إلا ويشعر بحالى , ويحس بمأساتى , ويعطف على , إلا زوجى الذى يأبى أن يرق قلبه لى , رغم أنه يعرف مدى حبى له , وغيرتى عليه , ويدرك مدى تعلقى بولدى .

أما هو و فهو فى هذا الوقت , يعيش كما يريد , يستمتع بكامل حريته فى علاقاته الغرامية المتعددة .

ومن وقت لآخر , يحرص على إرسال صورة أبنى لى , وهو يكتب على ظهر الصورة ((حرة فيك)) كى يغيظنى ويقتلنى من الحسرة والكمد على فراق وليدى حبيبى .. الذى لم يكن سعيدا بوجوده منذ جملت فيه .. فهو لم يكون يرغب فى أن يصبح أبا أبدا ..

ومع الشعور العميق بالقهر والظلم والمهانة , ابقى أعيش أتعس أيام عمرى , وحرمانى من أبنى يكاد يقتلنى .. ولا أدرى متى يرق قلب زوجى لى و الذى يرفض أن يطلقنى رغم أننى تنازلت له عن كل شئ , حتى السيارة تنازلت له عنها , الا أنه أخذ كل ما يريده و وبقى على ما هو عليه , هجر وفراق .. دون طلاق .

وأقع فى دوامة مشاعر غربية أسلم نفسى يائسة حائرة لمحورها , فلا أمل يومض فى حياتى .. ولا فرح يبرق فى عمرى …

واستسلم بكامل ارادتى إلى الغرق فى تيار أحزانى , بعد أن مات الفرح فى نفسى , وضاع الأمان من دربى .. وبقيت وحدية ممزقة تعيسة , لا يبقى على حياتى , ولا يحول بينى وبين الهلاك فى إن يجرفنى إلى القاع شلال والأحزان .. سوى بريق أمل خافت , توقظه فى حنايا روحى .. أحاسيس أمومتى الجريحة الحزينة … فى أننى يوما ما , سوف التقى أبنى … مهما باعدت بيننا الظروف و وحالت بيننا الأيام .. والأحزان .

 

 

 

 

 

 

 

 

إنى .. استحق عقوبة الإعدام

 

 عشت شهورا طويلة مشتتا ضعيفا بين عقلى وقلبى .. كان الصراع بين المنصب والعاطفة , عنيفا عاتيا , ولم أكن قويا بدرجة كافية تجعلنى قادرا على اتخاذ القرار الذى أراده قلبى … واليكم حكايتى .

كنت ضابطا فى الجيش عندما أرسلت ضمن بعثة عسكرية إلى أحدى الدول الأوروبية, حيث كنت أتلقى تدريبا خاصا على معدات حديثة متطورة تتعلق بسلاح الطيران الذى انتمى إليه .. والذى تنصب احلامى كلها علية , فمنذ كنت طفلا صغيرا , وأنا أتمنى وانتظر اليوم الذى أبح فيه طيارا محاربا مقاتلا .

و.. تمضى الأيام , والأحلام تتحقق والحمد لله , حلما تلو الآخر , إلى أن وجدتني أخطو بلباسى العسكرى وكأننى واحد من القادة الكبار هؤلاء العسكريين الذين غيروا بفطنتهم وفراستهم وحكمة قراراتهم .. وجه التاريخ .

حقيقة .. أستهوانى المنظر , أعجبنى الاختيار , فحمدت الله إلف مرة أن هدانى إلى طريق الصواب , ذاك الطريق المضئ الذى أجد نفسى فيه , يوما بعد يوما .

ونظرا لاخلاصى ونبوغى وتفوقى , وقع على الاختيار للسفر ضمن تلك العثة العسكرية الخاصة ..وسافرت . وهنالك وكما هى طبيعتى الصادقة المخلصة انهمكت فى الدراسة , وتفرغت للتدريب , وكنت مثالا يحتذى للضباط المنتظم الملتزم .

وذات ليلة من تلك الليالى الأوروبية البادرة و فى نهاية عطلة الأسبوع بالذات , ذهبنا جميعنا , مجموعة من الضباط إلى أحد الملاهى الليلية لتناول طعام العشاء , ولنشاهد بعض البرامج الترفيهية المعروضة فى هذا الملهى الشهير .

وكم كانت السهرة رائعة , فالمكان دافئ , والازدحام واضح والحضور ذو مستوى راق , والجو العام يوحى بالبهجة والحيوية والحياة .. وهنا رأيتها , آية من الجمال الخارق الذى لم أر له مثيلا على وجه الأرض من قبل .. كانت تجلس قبالتى تبتسم لى , وكأنها واحدة من بنات الأساطير , التى لا يمكن أن يوجد لها مثيل إلا فى الخيال .

لم أصدق عينى .. ولم اشعر بنفسى , إلا وأنا أنهض ادعوها لمراقصتي ولم تمانع , بل رحبت بى , ونهضت على الفور , كأنها كانت تنتظر دعوتى لها منذ رأتنى .

تعارفنا .. وبدأنا نتبادل اللقاءات بين وقت وآخر , كلما سنحت لى الظروف , وكلما لاحت لى الفرص .. وأحبتها … بصراحة , لم أكن أتوقع أن أحبها كل هذا الحب .. ولكن هذا ما حدث فعلا , ربما لأنها هى التى أحبتى أكثر , وأسعرتنى بذلك أكثر فانتقل حبها إلى قلبى تلقائيا .

وبدأت مدة البعثة تقل يوما بعد الآخر , وبدأت تحذيرات أمها من غدرى بها , وتركى لها تزداد لحظة بعد لحظة ..وهى , لا تعبأ بكلام أمها , بل اختلفت معها فى النهاية , وهى تؤكد لها أننى لن أتركها , ولن أتخلى عنها خاصة بعد أن بدأت تتحرك بين أحسائها ثمرة حبى لها .

ووقعت فريسة الصراع بين العقل والقلب , حاولت بكل السبل أن أجعلها تجهض نفسها وأن تؤجل عملية الإنجاب لما بعد الزواج , كى يأتى الطفل شرعيا ابن حلال , لكنها لم تعبأ بذلك , رفضت , وكأنها لا تريد أن تفهم حجتى , أو تدرك منطقى , وصممت على الاحتفاظ بالطفل , وأصرت على ذلك . فشعرت بها وكأنها تريد أن تحاصرنى بحبها , وأن ترغمنى على تنفيذ إرادتها بالزواج منها , رغم أننى أخبرتها أن تلك التصرف سيؤدى إلى أقالتى من الجيش ,وتسريحى من الخدمة , لأنه يمنع على العسكرين الزواج من أجنبيات .

ودون أن أقصد ما فعلت , وجدتنى أكتم عنها خبر مغادرتى لبلدها , ولقيتنى أسافر دون ودعها … تركتها وحيدة تنكوا بدموعها , وتحترق بثمرة غدرى فى أحشائها !!

هربت منها .. دون أم أمكنها من معرفة طريقى , دون أن أدع لها بادرة أم توحى لها باحتمال رجوعى .. وتركتها … وأنا واثق من حبها وإخلاصها , كما كنت واثقا من أن طفلى منها .. كان كل تفكيرى منصبا على مستقبلى العسكرى , مركزاً فى طموحى الشخصى !!

وسرعان ما مضت السنوات عجلى , فتزوجت وأنجبت , وارتقيت فى منصبى , ونسيت أو تناسيت ما حدث لى فى مطلع شبابى و ولم أهتم كثيرا بما كان من أمر تلك العلاقة العاطفية العميقة العابرة وتصورت أنها حتما لا بد وان تكون قد تخلصت من ذاك الجنين , وبذلك تكون قد أسدلت الستار على قصة حب فاشل فاسد .

ولكن .. تشاء الظروف أن أعود إلى ذاك البلد الأوروبي نفسه , ليس كضباط صغير هذه المرة , وإنما كرئيس مسئول عن مجموعة من الضباط تحت التدريب .

دخلت البلد . فدخلت قلبى الرهبة والوحشة إذ خطر ببالى فجأة أن شيئا غريبا رهيبا ينتظرنى هنا , هكذا .. دون مقدمات , دهمنى شعور غريب بالذنب , فأحسست وكأننى مجرم كان هاربا من العدالة … وعاد إلى ساحة المحكمة , ليتلقى حكم القضاء , فى اليوم التالى , فور توفر الوقت الكافي لى , توجهت إلى عنوان حبيبتى السابقة , لا ستطلع واجفا أخبارها , بعد سنوات طوال من الهجر والقطيعة والغياب !!

وقفت أدق جرس الباب , وقات قلبى تكاد تصم أذنى , فأتانى صوت غريب البرات يسأل عمن بالباب ؟ فنطقت بأسمى واجفاً , مترقبا  ماذا يكون رد الفعل لدى السامعين .. ومضت الدقائق كأنها السنوات , قبل أن أسمع ذاك الأزيز المعهود الذى يدل على فتح الباب .

وما هى الا لحظات .. حتى أرى أمامى صبيا يافعا يشبهنى إلى حد كبير , يأتى فجأة صامتا .. كان يطالعنى وكأننى مخلوق غريب هابط من كوكب آخر .. دققت فيه , كان قطعة منى , وكأننى أنا ذاتى عدت إلى صباى من جديد !!

يرجف قلبى فى صدري , لا يريد عقلى أن يصدق ما يرى ..لا.. مستحيل ,,وفجأة أحس الخزى والعار يلفنى وكأننى مجرم مذنب يستحق على الفور تنفيذ عقوبة الإعدام .

وتأتى هى .. حبيبتى السابقة .. تخطو نحوى باسمة , وكأنها تلتقى بأحد الزملاء فى العمل , وتطلب من أبنها (هانز) أن يغادر المكان بضع دقائق , كى نتحدث بمفردنا .. على راحتنا , ومن ثم .. تركت لدموعها العنان ..

دون إن أنطق , فقد أنحبس صوتى فى حلقى , وأشير نحوه متسائلا .. تفهم قصدى , تجيبنى بهزة من رأسها , دون كلمات .. و أفهم أن هذا الصبى الأوروبى (هانز) هو أبنى أنا .. من صلبى أنا .. كان الموقف عصبيا علينا كرنا , فلم يستطع احدنا أن ينطق حتى بكلمة واحدة .

وتأتى بضع كلمات معدودة باردة محدودة لتسقط على سمعى كأنها كرات من الثلج المتدحرج فوق هامتى … تركتنى وأنا حامل فى شهرى الخامس .. كان من المستحيل تنفيذ رغبة أمى فى أجهاضى , و تحملت شهور الحمل والوحدة بصبر وأمل فى أن ترجع لى يوما ما .. كنت أنتظرك مع كل مساء . كنت اذهب إلى ذاك الملهى الليلى على أراك هناك وكما حدث لنا أول مرة .. لكنك لم تأت ابد !

وعندما تزوجت , لم يمانع زوجى فى تبنى الطفل ومنحة أسمة وتربيته على أنه أبنه رغم بشرته السمراء , وشعره الأسود .. وأحببناه جميعا , ما عدا أمى التى لم تكن تحب أن تراه لأنه يذكرها ب وبغدرك وهجرك .

لكن .. وقبل أن تموت أمى , وهى فى فراش المرض , أخبرتنى أنك سوف تعود ذات يوم , وأنه من الأفضل أن لا أخبر ابنك بهذا السر الذى وبيننا .. كى لا أسبب له أزمة نفسية , وكى يشب أوروبيا , دون أن يعرف جذوره العربية .

ويدخل علينا زوجها محييا حائر النظرات وهو يحمل بين يديه صينية فوقها أكواب الشاى , يجلس , مؤكدا لى أنه يعامل (هانز) كأنه أبنه تماما , وأنه يحبه وكأنه قطعة منه , ويرجونى أن لا أقلق عليه لأنه يربو بين أيدى أمينة .

تنظر نحوه حبيبتى السابقة فى امتنان وكأنها تشكره على تدخله فى إنهاء هذا الموقف الشاق على نفوسنا جميعا . انصرف واجما , حزينا , ذليلا .. فها قد رأيت قبح فعلتى , وطيش شبابى , وقد تجسد أمامى صبيا ممسوخا عربى المظهر , شرقى السمات أوروبي الاسم والواجدان واللسان !

يا الهى .. ماذا فعلت لا ستحق كل هذا العقاب آه .. يا للعذاب ! الرحمة يا ربى بعبدك .. الرحمة الرحمة !

ينشق قلبى , يتمزق قطعا وأنا أعود فى اليوم التالى , لا لمح أبنى من جديد , وهو ينزل من سيارة والدة المستعار , وابتسامة سعادة واسعة ترتسم على وجهه , وهو يرطن بلسان ذلك البلد .. وكأنه واحد من أبنائه دون أن يكون لى أى حق فى أخذه أو المطالبة به .. أو استرداده .

يربط لسانى .. ينخرس صوتى , تنسلخ روحى .. تسيل دموعى , وأنا أدير ظهرى عائدا إلى مقر أقامتى ,حيث أجرى اتصالا هاتفيا نع الوطن أطلب فيه السماح لى بالعودة فى أقرب وقت .. كى أفسر أسباب استقالتى !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سر البصل .. فى شهر العسل !

 

يكاد أن ينقضى شعر العسل , وأنا منذ تم زفافى إلى زوجى أنام فى فراشى الوثير بمفردى , بينما يرقد هو فوق الأريكة الحريرية المريحة التى تحتل ركنا فى غرفة نومنا الواسعة .

هذه الليلة أيضا .. كسابقتها .. أخذت أتقلب كأننى أشوى على جمر الحيرة وهواجس متناقصة تجتاحنى , وخواطر مثيره تعترينى .. تقص مضجعى .. تعذبنى .. تشقينى ..!

وها هى دقات الساعة الذهبية الأثرية تعلن الخامسة صباحاً .. أسمع حركة عقاربها تتسلل إلى أذنى عبر الصمت من القاعة الواسعة .. إلى مخدع نومى , حيث أشغل نفسى بتأمل الغرفة الواسعة الفاخرة , وبتذكر كيف كانت قبل أن ينتهى مهندس الديكور منذ وضع آخر لمساته فوقها ..!

آه.. أين تلك الفرحة التى كنت قبل أن أراها تقترب من الكمال يوما بعد يوم .. أين راح ذاك الانبهار .. وذاك الشوق وكيف غدت تلك الأحلام .. مجرد أوهام !!

أحس برودة القطب الجنوبى تسري فى اطرافى المرتعشة رغم الحرارة التى تشع من ثنايا الفراش الوثير .. أنظر فى أسى إلى جسد زوجى المسجى أمامى , أطالع فى حسرة قامته الممدودة أتمعن راغبة فى ملامحه .. شعره .. شنبه الكث .. ولا أدرى لماذا توقفت عيناى عند شعيرات شنبه التى تحدد بوضوح خطوط شفتيه الغليظتين الممتلئتين فتوه ورجولة وفحولة .

واحترت .. بعدما تذكرت .. نعم .. تذكرت كيف كان يقبلنى فى شوق ولهف وجنون حتى كاد فى مرة أن يدمى شفتى .. كنت يومها ذاهبة لزيارتهم , فتعطلت سيارتى فى الطريق , وانتظرت بعض الوقت حتى وقفت لى سيارة ساعدنى صاحبها على استبدال الإطار المثقوب .. كان الجو حارا , والشمس لا هبة , والعرق غزيراً و وكنت فى حاله يرثى لها من الإعياء والإجهاد وعدم الترتيب .

وعندما دخلت بيتهم , كاد أن يجن لمنظرى , صحبنى إلى مطبخ الدور الثانى بقوة , وأخذ1 يقبلنى بتوحش وأنا ما أدرى كيف أتصرف معه , ولا كيف أبعده عنى , بعد أن أخذ الحرج منى مل مأخذ , صحيح كنا زوجين وقتها , فقد كان ذلك بعد عقد القران بخمسة أيام .. لكن لابد من الانتظار لحين حفل الزفاف ..!

آه .. ما السر فى هذا التحول المفاجئ أذن ؟ أننى منذ زففت إلية وأنا أتعطر بأغلى العطور الفرنسية وارتدى افخر الثياب الحريرية .. لكن .. لم يحدث بيننا حوار حقيق يشئ بالحب الجارف الساكن قلوبنا .. آه .. ماذا حدث ؟!

وذات يوم خانق , ثقيل على القلب , كئيب على النفس قررت أن أحكى لأمى تفاصيل تلك الليلة الطويلة الظائمه .. لكننى تراجعت فى اللحظة الأخيرة , وأن كنت فشلت فى أن أخفى أحساسى الجارف بالضيق والألم …!

وبدأت اشك فى أنوثتى . ترى ماذا ينفره منى ؟! .. وماذا يبعده عنى ؟! أنه يدخل البيت والشوق إلى يطل من عينية الولهتين عنه .. كأنة لا يريدنى إلى جواره !!

ولم أجد حكمة أعظم من الصمت , وابتسامة المجاملة , وأنا أواسي نفسى بأن الحب أعظم وأسمى واشمل من مجرد قبل وأحضان .. حقا .. القبل والأحضان هى لغة الحب .. وأنا لا أحب الحب الأخرس .. لكننى أحب زوجى .. وهذا يكفينى .. إلى حين .

ومع الوقت تحولت إلى كتلة من الاهتمام المشتعل والمشاعر الجياشة لا رضاء هذا الرجل الذى تزوجت , فقد أعجبت بأخلاقه وأسلوب تعامله الراقى معى , كما أعجبت بطباعة وطيبته وشهامته .. وجسدت له من خلال المعايشة والعشرة أن الإنسان وحدة هو الأساس .. بل هو جوهر الوجود .. وبادلنى نفس التقدير .. أكد لى أنه يعشق براءتى ونقائي , ويقدر أنى أنسانسة نقية طاهرة لا تعرف الخبث الذى يعشش فى صدور الكثيرين هذه الأيام .

وذات ليلة أتانى وقد تهلل وجهه بالشوق بالحب .. شعرت فيها برغباته الحادة المكبوتة فى تقبيلى , لكنة ما أن بقى إلى جواري بضع دقائق .. حتى نهض مبتعدا .. كأنه يفر من موقف صعب مخزى محبط .. ولأول مرة منذ التقينا , وتلاقينا , تبدل حبى له .. شفقة علية .

وساد الصمت لحظات طوال .. وأنا أحنو بقلبى عليه .. أنظر إليه , أبصره غارقا فى تعاسة عاتية أمام التلفزيون .. لم يستطع أن يخفى أحساسة المفاجئ الجارف بالخزى والخجل منى .. و.. بما من نفسه !

أجول بعين خيالى فى تلك الفيلا الفاخرة التى أبهرت الناس بأثاثها الثمين الأنيق وديكوراتها الجميلة .. ترتد عينى إلى غرفة النوم ذات السرير الضخم المذهب وكأنة مخدع الإمبراطورة المهجورة .. أضحك لتلك القفشة غير المقصودة .. أعود أدور ببصري فى أرجاء الغرفة الفاخرة الرحبة .. أنظر إلى الكنبة فى حسرة .. وأتنهد .

أبحث عن زجاجة عطرى الفرنسى النفاذ أنثر رذاذه حول جسدى الساخن عله يخفض من حدة حرارته .. اسكب بعضا منه على فراشى الخاوى استنشقه فى وله وشوق وشغف .. و.. أنام .

ولا أدرى كيف أحسست أن تلك الحركة ضايقت زوجى , الذى خرج من الغرفة مندفعا مبتعدا كالسهم فاندهشت لذلك , نهضت من فراشى , وجدته جالسا فى الشرفة ينتفض مرتجفا .. حاولت أن أتجاذب معه أطراف الحديث .. لكنة بقى صامتا كأنه لا يشعر ولا يرغب فى وجودى ..!!

لم أجد ما أقوله .. ولم يجد ما يفعله , فعدت أدراجى أجرجر أذيال الحيرة وأثواب الخيبة وأنا لا أكاد أرى أمامى .. أوشك أن اصطدام بالمقاعد حولى .

أرتمى فوق فراشى وقد ضاقت الدنيا فى عينى وأنا أحسس انقباضا فى صدرى , وبرودة القطب الجنوبى تسرى فى اطرافى المرتعشة رغم الحرارة التى تشع من ثنايا الفراش الوثير .

استيقظ من خواطرى المحمومة ومن نومى المتقطع على الصوت زوجى وهو يرتدى ملابسة خارجا . أجلس على السرير . أحييه تحية الصباح , يرد على وهو ينظر ناحية باب الغرفة , يخرج فى استكانة وهدوء , أفتح زجاجة عطرى أنثر رذاذها المنعش فوق جسدى المحموم وكأنى أطفئ نارا تضطرم داخلى .. أغمض عيونى .. أحاول مرة أخرى أن أنام .

و.. انهض بعد حوالى ثلاث ساعات من النوم العميق , لا أعرف كيف نمتهم بكل هذا العمق , ولا كيف جعلونى أحس كل هذا النشاط .. وتطرأ ببالى فكرة استحسن تنفيذها , فارتدى جلبابا واسعا واغطى شعرى بمنديل ملون . وادخل إلى المطبخ لا طهوا بنفسى طعما شهيا مفضلا عند زوجى .

أنهمك فى تقشير البصل وتقطيع الخضار وقص اللحم وغسل الأرز , فأنا أحرص أن أثبت لزوجى أننى فعلت كل ذلك وحدي .. من أجله وحدة , فأتصل بأمى اخبرها بذلك واطلب منها إرسال السائق دون أن تبعث معه طعام الغذاء .. واحرص على أن يوصل الخادمة إلى بيت اهلى كى يتأكد زوجى أننى طهوت هذه الأصناف دون مساعدة من أحد.

لكن .. دون توقع , أسمع صوت اقدام زوجى فى البيت , والمحه يدخل والإرهاق باد على وجهه . أهمهم لنفسى رجع مبكرا لأنه تعبان ويريد أن ينام عقب سهر ليلة البارحة.

أحس أسفا عظيما لأننى لم أنته من طهوا الطعام فى الوقت الملائم , فهو لا بد جائع ويريد أن يأكل ويرتاح .. ابقى أقلب فى القدور , أغرق فى العمل , أستغرق فى عمل السلطة , ولا أهتم مثل كل يوم بالتزين والتجميل والتعطر قبل أن يرجع زوجى .. فالمهم هو أعداد الطعام .. وكالمذهول رايته واقفا أمامى .. وفى لحظة أحتوانى بذراعية القويتين معتصرا جسدى الطري .. وقبلاته المنهمرة كالسيل تتدفق على وجهى وفمى وعنقى , وأنفاسه اللافحة تكاد تحرق جلدى ..

وسرت الحرارة الدافقة داخلي , فجعلتني أنسى حرصى من اتساخ ملابسى وقذارة مظهرى الذى يدنينى من مرتبة الخادمات .. آه .. أننى لم أتعطر اليوم بعطورى الفرنسية النفاذة .. وها هى رائحة العرق والبصل تفوح من أنحاء جسمى كله .. ورغم ذلك يجذبنى إليه , يشدنى نحوه يقبلنى بعنف و وعشق وتوحش وتوهج !

وشعرت بكل رجولته تحتوينى .. تحتضنى .. كالعاصفة الصاخبة العاتية حرك زوجى مخزون حبى وشوقى ورغبتى .فملأ آبار حرمانى .. وروى صحارى ظمأى .

ولأول مرة أرى زوجى فى ضوء جديد .. ضوء غامض مبهم .. لم استطع تحيده بالضبط .. هل يريدنى امرأة غير معطرة ؟ امرأة تفوح منها رائحة الثوم والبصل وأبخرة الطعام ؟ امرأة ترتدي المنديل والجلباب القطنى ولا تلبس الحرير والدانتيل الفرنسى ؟

آه .. هل هى عقدة نفسية ؟! أم هى نوع من الاعتياد على نمط معين من النساء ؟! أكانت لزوجى تجاربه الخاصة مع هذه النوعية فقط ؟! لذلك يستهويه جو المطبخ .. ويثيره ويحرك كوامن غريزته رث الثياب ؟!

آه .. الآن أذكر يوم كاد أن يفترسنى عندما ذهبت إليهم وأنا أتصيب عرقاً عندما ثقب إطار سيارتى وأفرغ من الهواء ؟! حقا .. ماذا أفعل أذن ؟! هل أنسى أناقتى وعطورى .. وأرتدى ثياب الخادمات وأكتسب رائحة أجسادهن المنقوعة فى أوانى الطهو المترعة بالبصل واللحم والثوم وأبخره الطعام .. كى أمتع زوجى وأثير فى رغبته ؟!

أم أتزين وأتعطر وأتأنق , وأتصبر على بعاده عنى .. واجتنابه لى ؟! أنا فعلا حائرة .. وما زلت .. باحثة عن حل .. أو جواب !

 

 

 

 

 

 

 

 

حكاية زوج مغترب ..

 

حكايتي ؟! أرويها كما حدثت , بلا نقص أو زيادة , وبلا تغير أو تعديل , وكل ما أرجوه أن يسمعنى أحد و أن يشعر بى أحد , بعد الذكرى ممكن عذابى , وموطن ألمى .. ومرسى شقائى .

 أنا شاب فى الثلاثينات , ما زلت وسيم الطلعة , أنيق الملبس , أتقن فن الحديث , أجيد أدارة العمال و أعيش فى أوروبا منذ سنوات عشر , تابعت خلالها دراستى , ومارست عملى فى التجارة حيث تدر على ربحا هائلا والحمد لله .

شاءت الظروف أن أقترن بامرأة أوروبية شعرت معها بالحب الحقيقى , خاصة حين كانت تكلمنى بصراحة عن مشاعرها تجاهى , وعما يرغبها فى , أو ينفرها منى حتى فى أدق وأرق العلاقات الإنسانية .

انبهرت بصراحتها الواضحة , وقدرت صدقها الكبير فى القول والفعل .. وأغدقت عليها فى كل شئ , المال , الحب , الرعاية , الثقة , الاحترام .. ومن ثم تركت لها الحبل على الغارب فثقتى الكبيرة بها لم تغرب عن سماء حياتى معها لحظة واحدة .

استمر بنا الحال .. ورزقنا الله ثلاثة أطفال , هم قرة عينى وفرحة قلبى , خاصة الابنة الحلوة التى كانت نسخة لا تختلف عن وجه أمى الحبيبة .

واتسعت دائرة أعمالى , واتسع معها الوقت الذى يأخذنى بعيدا عن محيط أسرتى , أصبحت لا أنام ألا وأنا أخاطب عميلا هنا أو عميلا هناك .. وأصبحت لا أصحو ألا على رنين التليفون لأحدد تلك الصفقة أو لأؤكد ذاك العقد .

وفى غمرة الانشغال , عن النفس , وعن الأسرة , بل وعن الحياة بأسرها , سقطت فجأة صريع مرض غريب , أصبت بنوع من الألم القاتل فى رأس كلما تعرضت لأى انفعال حاد !

وكان من دواعى العلاج , للخلاص من هذا الصداع اللعين أن أحفف نسبة التوتر فى حياتى , وأن أقلل حجم مسؤولياتي , وأن أقلص بعض أعمالى .. وأن الجأ إلى الراحة , واطلب الاسترخاء .

وعدت إلى الوراء , رجعت كما كنت قبيل سنوات .. حرصت على أن أغير نمط حياتى .. وأن أرفه عن أسرتى , وأرضى ذاتى , بالسفر من أجل المتعة لا العمل , وبالراحة طلبا للهدوء والسكينة .

ولكن .. بعد مرور قليل وقت .. اكتشفت أن زوجتى لم تعد تطيق بقائى بالبيت مدة طويلة وشعرت بأنها تفضل أن أعانى بعض المرض وأكون بعيدا عنها , عن أن أكون صحيحا سليما قريبا منها ! ولم تكن خبرتى بنفسية النساء قليلة , فاقامتى فى أوروبا جعلتنى قادرا على تفسير تصرفاتهن تفسيرا صائبا دائما !!

وفهمت ماذا تعنى تلك التصرفات اللعينة .. فقد اعتادت تلك الزوجة التى تحسب

نفسها ذكية , اعتادت على أن أكون مجرد بنك بالنسبة لها ليس أكثر , إذا كانت تنفق على نفسها ببذخ لا يتماشى مع طبيعة المرأة الأوروبية وكانت تحيط نفسها بمظاهر ثراء وترف لا تعرف كيف تتقنه إلا المرأة العربية .

وتعجبت مما أرى .. كيف كنت أعمى طوال ذاك الوقت وكيف أبصرت هكذا فجأة ؟! وفتشت عن السبب .. وسرعان ما عرفت السبب .. كنا الرجل الآخر , أو العشيق , هو السبب فى كل ذلك , فقد كانت زوجتى الأوروبية واحدة من هواة الثلاثى .

العجيب , الزوج .. الزوجة .. والعشيق !

وسطعت الحقيقة قاسية كشمس صيف حارة لا هبة , ألهبت حرارتها أعصابي , وأحرقت نارها كل أفكاري .

.. وكدت أن اقتلها , لولا أنني استعذت بالله العظيم على رد هذا الشيطان , وطرد تلك الشيطانه من حياتي إلى الأبد !

وعدت إلى العمل من جديد , أغرقت نفسي في تياره كغريق يبحث عن طوق نجاة , وما لبث أن عادت إلى صحتي كاملة , واختفي عن راسي ذاك الصداع القاتل الذمي كاد يصرعني !!

وبعد العلاج , وبعد التحاليل , وبعد أعادة ديكور البيت و اكتشفت أنني كنت ضحية تكاد أن تموت أمل ومرضا و بعد أن اكتشفت فى مخازن سرية بالمطبخ وغرفة المربية زجاجات صغيرة غربية كانت تخفى بعناية بالغة , وكانت تحوي أنواعا من المخدرات والسموم القاتلة !!

فقد كانت تلك المرأة , التى كانت فى يوم ما زوجتي , تدسها لي فى طعامي وشاربي بطريقة جهنمية , كي تغتال صحتي وعافيتي يوما بعد يوم .

والآن هل أذكر ما يعذبني ويشقني ويتعبني .. أنه ليس المال الوفير الذى استولت علية زوجتي , فالقانون هنا يمنحها نصف ثروتي , لا .. ليس المال والله .. وإنما هم أطفالي الثلاثة الصغار الذين حكم لها القانون بحضانتهم , والذين أحرص كل أسبوع على رؤيتهم , فهم صاروا عاجزين عن نطق اللغة العربية , كما أن أبني الكبير صارحني مؤخرا بأنه صار يشكوا صداعا قاتلا , تشبه أوصافه ذاك الصداع اللعين الذى كنت أعانية !!

وهنا .. جن جنوني .. أصبحت أهذى كالمحموم .. هل يمكن أن تقتل أم فلذة كبدها ؟!!

هذا هو سؤالي الذى يسلبني ذاتى , ويحرق اعصابى , ويقهر قلبى , فهل يمكن أن يسمعنى أحد وأن يشعر بى أحد .. وأن يجبيبنى أحد ؟!

 

 

 

 

لست جبلا من جليد

 

بعد سنوات الوحدة والوحشة والقلق .. قابلته , أحسست بقوة حب حارق .. يجرفنى نحوه كما ينجذب  الحديد بالاحتياج الحاد إلى الرجل , اثر تلك السنوات الطوال من الوحدة والوحشة والقلق .. والفراغ والعناء .

ولقد كان على أن أختار بين رغبة أبنائي .. وبين العيش مع الرجل الذى أحب , بعد وفاة زوجي بعدة سنوات .

نعم .. امرأة أرملة أنا , فى الأربعينات من عمري وإن كنت أبدو أصغر بكثير , فما زلت جذابة نضرة رشيقة أنيقة .. والأهم من ذلك كله أن لدي قلبا شابا يحب ويهوي ويعشق .

فى بداية حياتى , تزوجت من ذاك الرجل أحبني واسعدنى وسقانى الفرح بكل المعانى .. كان زوجى الراحل , رحمة الله , رجلا ناجحا فى حياته , تحسدها كل النساء .

أنجبت منه ولدان التى ظللها الحب , وأحاطها العطاء .. والرخاء والهناء .

لكن , لا يمكن أن تستقر الدنيا على حال , فقد أنتقل زوجى فجأة إلى جوار ربه , أثر ذبحة قلبية لم تمهله سوى ساعات .. اختطفه الموت من بيننا .. وتركنا وحدنا نواجه أعاصير الحياة .

وكان رحمة الله , شغوفا بي , قلقا على مستقبلى , فكتب بأسمى الكثير من أمواله , التى كان يكرر على أسماع الجميع أنها انهالت عليه بعد زواجه منى .. وكان يلقبني بقدم السعد .

كان فى كل مناسبة يعرف الجميع أنني أم الخير , وأنه لأول وجودي بجواره لما أتاه كل هذا المال شعرت خوفا فظيعا بعد وفاته من مواجهة الحياة وحدي و فقد أنتبنى الرعب من أنني لن استطيع تقبل واقع الحياة الجديد هذا .. فقد كانت حياتي مع الزوج ذات مذاق خاص مختلف . ولعلي أكون صريحة معكم عندما أقول لكل بكل صدق أنه لا توجد امرأة يمكن أن تعيش بلا زوج وإلا لكانت جبلا من جليد .. !!

حقا .. الإحساس بالانتماء إلى الرجل شعور رائع يبدد القلق , يزيل المخاوف , يقضي على الخوف .. يبد توقعات الأخطار .. !!

وبكل هذه المشاعر المتضاربة المتطاحنه عشت سنوات طوال , عانيت خلالها الوحدة والوحشة والقلق .. حتى كبر الأبناء , وأصبحوا شبابا , وتزوجت أبنتي .. وبدأت تستولى على حياتى ساعات الملل والرتابة والفراغ .

وفى أحد الأيام التقيتة , قابلته .. رجلا مكتملا ناضجا , جذابا , نابضا .. فلم أشعر إلا وأنا أنجذب إليه , أخطو نحوه .. أقترب منه .. وأحببته .. أحببته .. بكل ما فى قلبى المرهق المثقل من مشاعر دفينة كامنة تترجم الإحساس الملح بالحاجة إلى وجود الرجل فى حياتى بعد طول غياب .                                                                                                                  

فجأة .. امتلأ فراغي العاطفى بعد طول خواء , نبضت أيام عمرى , خفقت أيامى بكل معانى السعادة والرغبة فى واد الوحدة … والحرمان . وقررت أن أنتمي إليه فعلا .. أن أحمل أسمه, أن أصبح زوجته , بعد أن أبدى الرغبة الحقة فى الاقتران بى .

وبدأت أجس نبض أبنائى , فقوبلت بالرفض البارد القاطع الحاسم .. فانحبس الفرح فى أوتار صوتي .. كاد أن يتوه الحلم الجميل من واقع عمرى .. وحزنت , جزنت على نفسى , كرهت ثرائى , وددت لو كنت فقيرة وهو الغنى .. كى لا يتهمونه بالمطمع فى أموالى .

لذلك .. قررت أن أتزوجه , وأن أضعهم أمام الأمر الواقع .. وليكن ما يكون , فهو رجل مثقف , يشغل منصبا حساسا له مكانه كبيرة فى المجتمع , وليس من ذاك النوع من الرجال الذي يوقع بالمرأة من أجل مالها .. مهما كان هذا المال .

نعم .. بقدر ما كنت واثقة من صدق مشاعري نحوه , بقدر ما كنت واثقة من صدق مشاعره وحبه لى وتعلقه بى .. وقررنا أن نضع الجميع أمام الأمر الواقع , وكم كنت سعيدة بقرارى , فخورة باختيارى .

وتزوجنا .. عشنا معا أروع حكاية حب , ويمكن أن يعيشها اثنان ناضجان , فهل هى المراهقة الثانية كما يقولون ؟! أم هو الاختيار الناجح المبنى على عمق الفكر وسعة العقل .. وحنكة التجربة وخبرة الأيام ؟! لست أدرى ..

لكن للأسف .. لم تدم فرحتنا طويلا , فقد فوجئنا , بعاصفة رعناء عاتية تصر وتصمم أن تقتلع حبنا من جذوره .. فقد كانت تجربتى العاطفية موضع اتهام منذ البداية !!

واكتشفت أشياء كثيرة مؤسفة محبطة , وسمعت أقوالا عديدة باطلة بدت لى بشعة رهيبة وهم يوجهون الاتهام الدامغ إلى هذا الرجل الذى أحبنى , بأنه أحب أموالى , وطمع فى ثرائى ..!

تلقينا الطعنات تلو الطعنات فاقترح على أن أتنازل لهم عن كافة أموالهم التى ورثوها عن أبيهم والتى أتولى أنا إدارتها على أن يتركونى فى حالة .. ويدعونى لهنأ بحياتى مع الرجل الذى .. أحب .

لكنهم لم يفعلوا .. تحكمت فيهم الأنانية وحكموا على حبى بالموت صمموا على طلاقى منه .. اجتمعوا كلهم أبنائى وأخواتى .. وتكتلوا ضدى وهدفهم الوحيد أن أعود إليهم , أرملة حزينة وحيدة , تبقى تعيش العمر كله على ذكرى زوجها الراحل .. راضية بمصيرها , قانعة بحياتها .

واحترت بين أن أختار أبنائى , أو اخسرهم على الأبد , إذا صممت على اختيار الزوج , واختلطت داخلى مشاعر الإحساس بالذنب .. والحق, كنت بحاجة إلى متسع من الوقت للتفكير .. وابتعدت عن الجميع , انعزلت وحدى لفترة .. عشت فيها عذابات الحب .. كنت أنتظر مكالمته ببالغ الشوق , وإذا غاب عنى ولم يتصل أشعر بالموت والوحشة والفناء .

كنت أفكر بعمق وتبصر , فقد كنت أعرف أن الإنسان إذا غير أسلوب حياته فهذا يعنى أنه يمكن أن يغير حياته نفسها .. وتصورت حياتى بدون أبنائى فجن جنونى , نهشتنى ظنونى و حاصرتنى أوهامى .. وضعفت !

ضعفت وأنا أتخيل نفسى وقد أصبحت امرأة مسنة منبودة , تخلى عنها الجميع بعد أن تخلت هى عن الجميع .. وساءلت نفسى .. ما الذى يضمن لى استمرار هذا الحب ؟! أليس من الجائز أن يكون كلامهم صحيحا ؟! أليس من الممكن أن يتركنى بعد وقت بعد وقت قصير من الزمان ؟! خاصة وأننى لست امرأة شابة فى مقتبل العمر مازلت ؟! وأطاحت بقوتى الظنون , فطاش صوابى وأنا أتصور نفسى وقد خسرت أبنائى , فترددت .. بعد أن استرجعت اتهاماتهم له بأنه بمثل على من أجل مصلحته , وبأنه لا يمكن أن يكون محبا لى , وبأننى امرأة طيبة وساذجة كى تصدق هذا الكلام الناعم الأملس الذى ينقصه الليل !!

كانوا يعتبرونه مذنبا خطرا مخادعا يمكن أن يتركنى فى اى لحظة .. أن يتخلى عنى فى اى لحظة .. وفعلا افلحوا فى أن يزرعوا فى نفسى الخوف والربية .. فزعزعوا ثقتى فى نفسى .. وفيه .. بل .. وفى الحياة نفسها ! وأحس بضعفى , لمس ترددى , شعر بعجزى .. فصارحنى بأفكاره , ولم أستطع أن أملك إنكارا , اعترفت له بكل مخاوفى .. وكم كانت الصدمة قاسية عنيفة عليه .. وبدون مساومات أو ترجى أنصاع أمام إلحاحى ورغبتى .. وطلقنى .

و … رجعت أعيش تعيسة مع هؤلاء الأبناء الأنانيين الذين استكثروا السعادة على أمهم فاشتروا تعاستها بأموالهم .. وفضلوا أن تبقى وحيدة , تعانى الوحشة وتقاسي الفراغ على أن تبقى فى عصمة رجل يشعرها بأنوثتها ويشبع احتياجاتها كامرأة ناضجة نابضة القلب ناضرة المشاعر .

وها أنا الآن .. أبقى أردد هذا السؤال على نفسى كل يوم آلاف المرات .. هل لو كنت امرأة فقيرة مجرد من المال .. هل كانوا قد صمموا أيضا على طلاقى والاستحواذ على حياتى والتحكم فى مصيرى ؟!

… وأظل أميل إلى الرأى الوحيد الذى أقتنع بة .. لولا المال .. ذاك المارد الجبار الذى منحهم هذه القوة وذاك السلطان .. نعم .. لولا وجود المال بهذا الكم .. لما كان لأحد أن يسأل أو يهتم .. ولكانوا تركونى وشأنى أفعل بحياتى ما أشاء , ولكنت صرت زوجة سعيدة بحياتها مع الرجل الذى تحب … وتحب .. وتحب .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أشعل الرحيق فى قلبى .. الحريق !

 

فى لحظة ضعف إنسانى مهول , وعدت أمى الراقدة منذ فترة طويلة على فراش المرض المزمن , بل وأقسمت لها , بعد أن تدهورت صحتها , وازدادت حالتها سوءاً, أقسمت لها كى أسكت دمعها , أنني سأتزوج هذا الأسبوع ..!

كان كل أملى أن أدخل السرور إلى قلبها الواهن الضعيف , أن أجعلها تذوق طعم الفرح , وهى التى تعانى أمامى .. سكرات الموت .

.. كان الظلام طاعنا فى قلبى ,بينما أضاءت  ليلة عرسى مئات اللمبات الكهربائية الملونة , لكننى كنت مطفأ العينين قهراً بسبب هذا الزواج القسرى اللعين , الذى أوقعتنى فيه رغبة أمى المريضة العجوزة , التى تأبى وترفض أن تترك ولدها , وحيدها , دون زوجة طيبة تعنى بأمره و وتسهر على راحته .

تسهر على راحته ؟! آه يا أمى لو تدرين كيف تبدت راحتى بعد هذه الزيجة القهرية .. آه لو تفهمين أين راحت راحتى بعد أن اقترنت بامرأة لا أعرف كيف كان ماضيها , ولا أقدر أن أعرف كيف سيكون مستقبلها .. فقد تم الزواج بسرعة وكأنة سلق بيض !

يا لسوء الحظ .. يا لسواده المهبب الذى أسقطنى بين براثن الشك وأنياب الحيرة ومخالب الغيرة , بعد أن اقترنت بامرأة جميلة , فاقترنت فى اللحظة نفسها , بكل مشاعر الخوف والقلق والترقب والانتظار !

انتظار ماذا ؟! انتظار الخيانة طبعا .. انتظار الغدر والطعن فى الظهر . انتظار تلك اللحظة الآتية التى سأصبح فيها واحدا من هؤلاء الأزواج المظلومين المخدوعين , الين ابترهم الله بزوجات غير فاضلات , كهؤلاء اللاتى كان لى معهن صولات .. وجولات وحكايات !

.. يخيم الصمت يا أمى , أذرف الدمع على فراقك , فى الجنة الخلد أنت يأ غلى الأحباب .. أعود إلى بيتى بعد أن شيعتك إلى مثواك الأخير , وقد شيعت معك الراحة .. أيضا , إلى مثواها الأخير ..!

نعم يا أمى .. فمن هو هذا الشخص الذى سأستطيع أن استأمنه بعدك على امرأتي أثناء غيابى فى عملى ؟! من هو هذا الإنسان الذى سيدخل الطمأنينة إلى قلبى , ويحكى لى عن كل شئ فعلت زوجتى أثناء غيابى ؟! من هو هذا البنى آدم الذى سأستطيع أن أصدق كلامه لى .. دون أن يداخلنى الشك والحذر فى روايته .. ودون أن يخالجنى الارتياب فى صدق حكايته ؟!

آه يا أمى .. سامحك الله , ورحمك , وأدخلك فسيح جناته .. كم مرة يا أمى قلت لك أننى لا أريد أن أتزوج , ولا أريد أن ارتبط بأي امرأة كانت .. لكنك كنت تسمعين كلامى بأذن .. وتخرجينه فى الحال من الإذن الأخرى .. ولم يهدأ لك بال , ولم يرتاح لك قلب .. الا بعد أن أوجعتنى قلبي بهذا الزواج اللعين الذى لا أحب .. ولا أريد .

حقا .. كيف كان ممكنا لى أن تحكى لك مغامراتي , وصولاتى , وجولاتى مع نساء مستهترات , كن يخن أزوجهن معى بمنتهى السهولة .. فهل من المحتمل أن يحدث لى ما حدث لهؤلاء الأزواج ؟!

أنني أطوى ضلوعى على خوفى وأنا أرى زوجتى بعين خيالى وهى ولأتأكد هل هو حقيقة .. أم مجرد خيال ؟

آه .. أن مثل هذه الأفكار قد أوصلتني إلى حافة الجنون , ودون أحساس بالذنب كنت أقسو على زوجتى لأزرع هيبتى فى نفسها , كى لا تفكر ولو لحظة فى الكذب على , فالكذب هو أول درجة فى سلم الخيانة .. وكان صدقها معى هو طوق النجاة لى .. ولها.

طبعا .. كان من الممكن أن أكون زوجا أفضل مما أنا عليه , لو إننى لا أمتلك ماضيا قذراً ملوثاًً حافلا بالخطايا .. ماضياً شائناً , سمم الحاضر .. وافسد المستقبل بآثاره وأفعاله .. تلك التى لا أستطيع أن أمحوها من ذاكراتي أبدا .. فأنا لا أعرف كيف . أنسى تلك الصور الرهيبة الفاجرة , التى كانت جزءاً من عالمى الخاص , منذ كنت طالبا شابا يستأجر شقة مفروشة لحين الانتهاء من دراسته بالجامعة , والتى استغرقت خمس سنوات !!

خمس سنوات من التحلل والفجور والانحراف , بقيت للآن طيفا يعشش داخلى , لا بد أ، يمضى إلى حال سبيله أبدا , فها أنا ما زلت أسترجع ذاك الإحساس الذى كان يلازمني , عبر ذكرياتى البعيدة .. ويأبى أن يفارقنى حتى الآن .

آه .. يالة من خوف مقيم التصق بأعماقى , فألصق معه قلة الراحة , وعدم الاطمئنان , وسوء الظن .. والشك , الشك بكل انواعة وأصنافه وألوانه ! وجاء ذلك اليوم الذى كنت أتوقع . وأترقب . وأنتظر ..جاء عندما عدت إلى بيتى فى ميعاد غير ميعادى المعروف , لم يكن ذلك صدفة و أنما كان رجوعا متعمدا , مع سبق الإصرار .. والترصد !

دخلت البيت , فوجدت كل شئ هادئاَ , مرتباً , نظيفاً , فزوجتى ست بيت من الدرجة الأولى , لكننى رأيت فى مطفأة صغيرة بجوار الكنبة عقب سيجارة .. ليست من هذا الصنف الذى أدخن !!

آه .. كيف دخل هذا العقب الغريب بيتى ؟! أن زوجتى لا تدخن .. بل .. هى تتظاهر أمامى بأنها تكره رائحة الدخان ولا تطيقها .. فمن هو صاحب هذه السيجارة أذن ؟! ومن هو الذى دخنها هنا .. فى بيتى .. فى عقر دارى ؟!

وعلى الفور تنتشر رائحة الخيانة حول أنفى الحساس , ذاك الأنف المدرب على مثل هذه الأمور , فيفور دمى , يغلى فى عروقى ثائرا , وكأن جن انطلق من سجنه , بعد طول اسر وظل يهمس ويوسوس فى أذنى بخيانة زوجتى .. وهذا هو الدليل المادى الملموس واقع موجود فى يدي .. لا يمكن تجاهله … ويستحيل انكارة .

واسمع نفسى أقول دون وعى و بصوت مسموع , أنت عملت إيه بعدما خرجت أنا للشغل ؟! اتصلت بك على فكرة كذا مرة وما رديتى على التليفون .. خير .. أنت كنت فين؟!

تضحك زوجتى فى وجهى , تقول فى بساطة وهى تقترب منى , ورائحة عطر نفاذ تخترق انفى المدرب الحساس , فتلوي معدتى وتمغض أمعائى .. وتربك فكرى , وترجف قلبى … فأتساءل .. لماذا تتعطر هكذا وأنا بعيد عنها ؟ولمن كان كل هذا العطر المسكوب فوق جسدها المنكوب ؟! ومن هو هذا (الشٌمام) الذى أستنشق كل هذا العبق وهذا الأريج .. وهذا الرحيق .. الذى أشعل داخلى الحريق ؟!

أتحامل على نفسى , اسمعني أعيد دون وعى , نفس السؤال , بصوت مسموع , وأن جاء أعلى هذه المرة .. فياتينى الرد الذى قتلني وهلكنى :

  • أبدا .. كنت فى الحمام .. عبأت البانيو ماء سخن وقعدت فيه ساعة .. كنت محتاجة للراحة بعد أجازة الأسبوع اللى تعبنى سهراتها وكثرة ضيوفها .. وكثرة شقاوتك أنت كمان .

تقول ذلك وهى تضحك وتغمز لى بعينها , بينما يتأجج الحريق داخلى اشتعالا بسبب هذا الرحيق النفاذ الذى يعبق حولها . يصرخ فى خاطري سؤال خبيث .. آه .. كانت الست الهانم تستحم أذن ..حلو حلو .. وماذا حدث بعد هذا الحمام الساخن اللطيف المريح .. آه .. ماذا حدث ؟!

أسمع نفسى أقول دون وعى , بصوت عال مسموع : وماذا فعلت بعد ذلك يا حبيبى؟!

تدنو منى وهى ما تزال ترتدي قميص النوم المثير الشفاف , تقول فى ميوعه ودلال: حسيت بتعب وخدر خفيف فدخلت غرفة النوم .. ونمت .

أصرخ فى هلع : نمتى ؟! لوحدك .. وإلا كان معاكى حد ؟ تضحك فى دلع وتقول بغنج : لا ياحبيبى .. كان معايا واحد باحبه جدا .. وواحشنى جدا .. كان معايا طيفك أنت ياروح قلبى .

أرد فى هستيريا وقد أطاش كلامها صوابى : لكن أنا كنت فى الشغل .. يبقى مين بقى اللي كان معاكى ده ؟! هاه .. قولي.. أتكلمى .. أعترفى..

آه .. هى تعترف بالخيانة أذن . قال !! أنا برضه يدخل عقلى الكلام الفاضى ده ؟! حلوة حكاية طيفى دي .. ياسلام ..هى فاكرانى أهبل .. وإلا عبيط ؟! لا .. ده أنا صاحي قوى .. ده أنا مفتح قوى ..

أخطف نظرة خفية من المطفأ , فيحرق منظر العقب المحترق مخزون صبري .. فتنفجر ثورتى عارمة وأنا ما أزال اكرر سؤالى بصوت عال وأنا اصرخ كالمجنون : مين اللي كان معاكى هنا ؟! قولى .. أتكلمى .. من هو طيفى ده ؟! أعترفى أحسن لك ..

تنتظر نحوي بعينين مذعورتين عاجزتين , وقد غاب عنهما الدلع وأخنتفى منهما الغنج والدلال , تقول فى ذهول تام بصوت خائف مرتجف: كنت لوحدى .. قلت لك كنت لوحدى .

تدخل وجهها فى كفيها , تسكب بين أصابعها دموعها , تتهالك منهارة على المقعد , تغرق فى بكاء محرق ممض .. ألمح على عنقها المرمرى الناصع البياض خطوطا داكنة حمراء انقض فوقها أطالعها فى عمق .. فتصدمنى رائحة الصابون المعطر , وملمس قميصها الناعم الأملس الشفاف , والشهقات المتتابعة , والزفرات المتقطعة , والدموع المنحدرة كالشلال على وجهها ورقبتها وصدرها ..

وهنا يتكثف بخار الشك فى عقلى , يندفع خارجا من أنفى المدرب الحساس الذى يتشمم هذا الزخم الأنثوي كله .. باحثاً عن شئ آخر .. فأسأل وأنا أرفع رأسها نحوى فأرى فى عينيها حزنا يغيم على الوجه كله .. اسأل ملتاعا عن تلك العلامات الحمراء فى رقبتها !!

تجيبنى بكلمات حائرة لكنها مريرة ساخرة , وقد اختفى منها الحزن تماما و وحل محلة شعور آخر يشبه الضيق والقرف : ده مكان الليفة التى دعكت بها رقبتى وأنا باستحمى ياخويا ..

لا أناقش هذه النقطة , وأعود اسأل : فى حد دخل البيت وأنا فى الشغل ؟! تعود تقول بنفس الضيق والقرف ونفاد الصبر من هذه الغيرة المحمومة المجنونة التى جننتها بها منذ تزوجتها : قلت لك مفيش حد دخل البيت خالص .

آه .. أنها تنكر .. أنها تكذب .. أذن .. هى تخون , أجمد لحظات وأنا أطالع بنظرة جانبية خاطفة عقب السيجارة المطفأ أمامى و والذى يشعل بمنظرة كل ظنونى أتأمله . أتمعن فى موقعه من المطفأة وأنا أتخيل الجلسة كيف كانت .. !

أمشط المكان بعيونى , أفتش كل جزء فيه بحثا عن اثر آخر يؤكد ظنونى .أمشى بخطوات جنائزية حاملا المطفأة بين يدى .. أضعها أمام عينيها .. سائلا : مين اللي دخن السيجارة دى ؟!

ترتبك . تتعثر فى ردها . تغرز فى عقب السيجارة نظرها . ترفع نحوي
بصرها , تقول لى فى تخاذل بصوت متضرع مستسلم وأنا وأقف كجلاد رافعا سيفه فوق عنقها : أنا .

  • أنت بتشربى سجاير ؟! أصرخ فى عشرات الصور التى نقشها الشك على جدران الوهم والظن فى اعماقى : لا .. أنت مش بتشربى سجاير !!

فى مذلة تعترف : لا باشرب .. بس كنت خايفه أقول لك ..

 أحتال كى أصل إلى الحقيقة .. وفين هى علبه السجاير اللى أخذتى السيجارة دى منها ؟!

تتهالك عند قدمى , تبكى فى أسى . تكافح لا ثبات برقتها بضراوة , تنحنى تمد يدها تحت المقعد الكبير الثقيل تسحب فى يأس علبة السجائر .. تسلمها لى فى أذنى ضربات متلاحقة , أحسنى أرتجف انفعالات وأنا لا أرى بها غير أربع سجائر فقط !! هى ليست بريئة كطفلة أذن . هى امرأة .. امرأة مثل بقية النساء .. هى كاذبة كواحدة من هؤلاء الخائنات .. لم تكن أول سيجارة تدخنها .. وإنما سبقتها من قبل عشرات .. بل مئات .. من يدرى ..من يدرى !!

آه .. هى تستهين بذكائي وتستغفلنى وتدخن من ورائى .. آه .. إن الكذب هو أول درجة فى سلم الخيانة .. ,أكيد هى طلعت السلم كله .. درجة .. درجة .. من زمان !!

أهرب إلى الشارع كالهارب من الحريق , أركض كالمجنون نحو مكان أعرفه جيداً , ولطالما راودتنى نفسي للذهاب إلية .

وما هى إلا بضع ساعات حتى ارجع إليها حاملا كارتون سجائر من صنف ذلك العقب المحترق .. أقدمه لها باسما .. هادئا .. وادعاً .. ومعه مظروف لطيف بداخله .. ورقة طلاق بائن .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كيف أغتالنى جمالى ؟

 

بصعوبة ومشقة , أقوم من مقعدى الوثير أجرجر ساقين ثقيلتين .. لكننى ما البث أن أعجز عن الوقوف , أكاد أن أسقط , أعود أجلس التقط أنفاس لاهثات متقطعات .. أقبع فى قلب مقعدى ذاك الذى أحب , كأننى أهرب إليه من نفسي .. لكنها , للأسف , سرعان ما تبدأ تتساقط أحجار الذكريات .. محترقات كجمر يشعل الأحداث .. يكوى الأجداث !

آه ..أنه الواقع المقرف الذى أعيشة الآن وحدى .. آه .. أنها الحقيقة الجارحة تهوى إلى فؤادى كأنها صاروخ .. فتتناثر قطع الذكرى حولى .. تجرحنى .. تحطمنى .. تسحقنى .. وكانى أنطرح فى حجر ليل عارم الظلام , سادر السواد و بعد إن ضاع كل شئ , ولم يعد يبقى لى شئ سوى الخمود والهمود والندم والوحدة والخواء .

إليكم حكايتى , تلك التى عشت مع الحب والمال والمغمورة والخيانة .. والمؤامرة . كنت فتاة فانته الحسن , لافتة بجمالها الأنظار , لم يكن أحد يرانى إلا ويتمنانى , بعد أن يسقط فى الحال صريع غرامي .. قتيل هيامى .

وبدون مبالغة , بعد أن تكرر هذا المشهد عدة مرات , وتكرر نفس الموقف عدة مرات و فهمت حقائق كثيرة وعرفت وقائع كثيرة جعلتنى أدراك قيمة نفسى و واقدر أهمية ذاتى وفلم أعد أعبأ بأحد , ولم أعد اعنى بإنسان .

فجأة .. تملكتنى أنانية طاغية و سلبتنى الإحساس بالناس , أبعدتنى عن الشعور بمشكلهم , أو الشفقة على مشاعرهم .. فعشت لنفسى .. لنفسى فقط , تصورت روحى وكأننى بجعة أسطورية بارعة الجمال و ذات ريش ملون نادر بديع .. يركض وراءها الصيادون , ويلهث خلفها الراغبون .

وذات مساء .. دعيت إلى حفل عيد ميلاد زميلة فى الجامعة , زميلة ثرية كانت تتيه بمالها على الجميع و فهى بين فترة وأخرى تأتى بسيارة مختلفة , من هذا النوع من السيارات الغالى الثمن , وأما عن الثياب والأناقة , فقد كانت أقرب ما تكون إلى عارضات الأزياء , اللاتى يعملن فى أشهر دور الأزياء فى عواصم الأناقة فى العالم .

وبكل الاهتمام , حرصت أن أبدو فى قمة جمالى , فانتقيت ثوبا ذهبيا مرصعا , واخترت الحلى الثمينة التى تليق وتتماشى معه , ورسمت بعناية ماكياج وجهى , وتركت شعري الطويل منسدلا مهدلا فوق ظهرى , فكان أطارا طبيعيا خلابا أحاط بجمالى فأكده بى الأنظار من كل اتجاه .. كنت أشبه بالشمس الساطعة التى أشرقت أشعتها الذهبية فبددت بوجودها الظلمات ..

بد برهة .. أعود إلى نفسى أستجمع اسلحتى , فأسير إلى جوار صديقتى الداعية وقد سلطت أضوائى على عيون الحاضرين بحيث لا يرون أحدا سواى .. وأكدت لى الابتسامات اللزجة الساذجة صدق حدسى ومدى توقعى !

لم يكن لطموحى حدود تعوق تمدده , ولم أكن أتوقع أن أتغير على هذه الدرجة , فقد نظرت أمامى .. وإذ بعينى تستقران , تتسلطان على عينى والد صديقتى , ذاك المليونير المشهور الواسع الثراء ..!

وضعت يدي فى يده , سلمت عليه وأنا أدنو منه حتى أكاد أن التصق به و كى أراه بوضوح .. بل .. كى اجعله يرانى بوضوح ..

وأحسست به يتلهف على بقاء يدي فى يده , وعلى وجودى بالقرب منه .. وابتسمت .

وكأن ابتسامتى له سحبت مقاومته لى , فاذ به يبادلنى حديثا منفردا , وجبينه يتصبب عرقا , وكأنه يبذل مجهودا مضاعفا لا حتمال الوهج المشع من جسدى .. الذي يكاد يشعل النار فيه بدنه , رغم قوة التكييف وبرودة المكان !

انصرفت عنه متبعده , وكأنى ناديتة .. ولم أعد أشعر بأحد غيره .. وكان رجال الحفل كلهم قد تحولوا إلى شخص واحد .. هو .. هذا .. الرجل !

وفى اليوم التالى , كان بداخلى شعور غريب يشدنى على البقاء فى البيت , يجعلنى لا أشغل  التليفون بكالماتى الخاصة العادية التافهة .. وصدق أحساسى .. أتانى صوته يحادثنى وكأنه عاشق متيم غارق فى هواى من زمان !

.. حقيقة .. لم يكن لطموحى حدودا تعوق تمدده , ولم يكن لأحلامى أفق تقف عنده , تستدير معه .. بل كانت تحلق نحو الفضاء كأنها سفينة فضائيه ستبقى تبحر إلى الأبدية !

أعجبنى صوته الناضج و استهوانى اسلوبة السامى فى الكلام , أذهلنى أحترامة العظيم لنفسه , ابهرنى تقديره البالغ لى , ومعاملته الخاصة المتميزة وكأننى ملكة تمسك بيدها الصولجان !

وأحببته و بسرعة أحببته , تعلقت به كما لو كان هو ضالتى التى أبحث عنها منذ خلقت .. وأثر فى كيانى شده تعلقه هو بى .. كأنه عثر على نصفه الآخر الذى يتمناه الآخر وينشده .. منذ نظرت عيناه نساء هذه الدنيا !

وتزوجنا .. دون معارضة تذكر , فصديقتى ابنته , لم تعارض وان كانت قد فوجئت , الا أنها وافقت تلبية لرغبة أبيها , خاصة وان أمها منفصلة عنه منذ عدة  سنوات , أما اهلى فقد باركوا هذا الزواج , وان أعترض أخى الأكبر بسبب فارق السن الكبير , لكن .. لم يصغ لصوته احد وسط ضجة الإعداد والترتيب لعقد القران .

عشت معه شهور عسل طويلة , لذيذة , وأن كانت تنغصها أحيانا كثيرة غيرته الشديدة , حتى تعبت اعصابى وقررت أن تبعد عن هذا الجو المحموم , وصممت أن أصارحه بنيتى فى الابتعاد والانفصال !

وعلى عكس توقعى , وافق فى الحال على طلاقى منه وكأننى ذبحت رجولته وطعنت كرامته حين أخبرته برغبتى فى الانفصال عنه .. وطلقنى .. وسط دموع ذهولى وعجبنى ودهشتنى!!

وأفقدتنى الصدمة المروعة توازنى .. كيف يحدث هذا لى ؟! كيف يقبل فكرة طلاقى منه هكذا بسهولة .. دون توسل وتودد .. ورجاء؟!

بل .. لماذا فعل هذا بى ؟! لماذا لم يكلمنى ؟! لماذا لم يناقشنى ويحاول أن يفهمنى ليعرف سبب سخطى وسر نفوزى ؟! آه .. لم يكن حبا أذن .. وإنما كانت مجرد نزوة عابرة !

وفى محاولة يائسة منى لتغطية خجلى مما حدث , اندفعت وراء مغامرة عاطفية عاجلة , أعدتها لى صديقة سابقة و عندما عرفتنى بابن عم صديقها …!

وبصوت هامس رجوتها أن تساعدنى على نسيان مأساة طلاقى التى قتلت طموحى وجرحت أنوثتى , وجعلتنى أعتقد أن الناس تشمت فيها اصابنى , بسبب غروري واعتزازي البالغ بجمالى , وكبريائي .. وترفعى .

وفكرت كثيرا فى موقفى الجديد بين الناس , فأنا أعرف أن المطلقة تحيطها الأقاويل و فما بالك لو كانت شابة جميلة تختصها فى طلاقها المفاجئ ؟!!

ولم استهن بهمس الناس , حرصت أن أتعلم الحكمة من هذا الدرس القاسى , كما تعلمت أن الملم أشلاء كرامتى المبعثرة وأنوثتى المهدرة , تلك التى مزقتها شظايا طلاقى ..نعم .. كانت الأزمة قاسية جداً على نفسيتى , خاصة وأننى تصورت أنه من المستحيل أن يستغنى عنى , وان يعيش يوماً واحداً بدونى .

وانغمست مع صديقتى فى تيار النسيان وكنت أريد أن اداوي جرحى النازف , وأن امسح ما حدث من الماضى و أن أبعده عن الحاضر .. وأن أفقد ذاكراتى .

وتجاهلت ما كان .. واعتدت هذا التجاهل , إلى أن جاءتنى صديقتى السابقة و تخبرنى أن أباها يحبنى ويريدنى ويتمنانى زوجة له من جديد , لأنه لم يتحمل حياته وحدة .. بعد أن عاش الحب معى , وذاق العشق معى ..!

ووافقت .. نعم .. وافقت كى أسترد كرامتى , وكى أعيد اعتبار أنوثتى .. وكى اخرس السنة حول سمعتى .. ورجعت .. بعد أن صممت على الثأر مما اصابنى , والانتقام .. لما .. اصابنى !

والتقينا .. كأننا غرباء لا نعرف كيف نبدأ الحوار .. عجزنا فعلا عن تبادل اللوم أو العتاب ..!

وانسابت بنا الحياة تقليدية , مملة , روتينية , بطئيه , خانقة , ما لبث أن عدت إلى علاقتى السابقة بصديقتى القديمة .. وبابن عم صديقتها , دفعنى على ذلك الجفاء العاطفى بينى وبين زوجى , والتباعد المعنوي , الذى فصلنا عن بعضنا البعض وأن بقينا زوجين .. فوق الورق فقط !

لم يعد النوم يعرف طريقا إلى عيونى , تعلمت السهاد , أدمنت ألرق , بعد أن قتلنى الزهق فزهدت فى كل شئ حتى فى استكمال دراستى .. وغاب عنى الطموح .. بعد أن ضاع منى الأمل .. وتاه الحب .

ولم يعد لدى شئ يستهوينى أو يثيرنى أو يحرك رغبتى فى فعل أي شئ .. ولم يساعدنى زوجى على أن أحبه , أو أن أكرهه , فقط تباعد عنى بقلبه , وكأنه ندم , للمرة الثانية , على اقترانه بى !

وطالت بى الأمسيات , وامتدت بى الليالى , ولم يكن يسلينى أغلب وقتى , سوى صديقتى التى تربطنى بها علاقة ما , لا ادري كنهها , ففتحت لها أبواب بيتى .. وقلبى .. وأأتمنها على كل أسرارى !!

وحدث أن سافرت مع أهلى فى سفرة صيف طويلة , لم يصحينى زوجى خلالها , فقد كان متباعدا عنى بعواطفه , متشاغلاا بأعماله .. فبقى هو , وسافرت أنا .. على أن تلحق بى صديقتى , بعد فترة قصيرة .

ولحق بى ابن عم صديقها ذاك الشاب العاطفى الذى لا يكف عن بث حبه لى , ونقل مشاعره تجاهى .. ولم تأت هى ..!

وانتهت الأجازة .. عدت إلى بيتى وكأننى أدخل بيتاً آخر جديداً , كان كل شئ فيه مختلف , حتى رائحته اختلفت .. حتى نباتات الحديقة تغيرت .. الله ؟! ما هذا ؟! من الذى فعل هذا ؟! ما سبب كل هذا التغيير والتبديل ؟!

ونظرت بعمق إلى زوجى ,كان يبدو أكثر شبابا وإشراقا , كان متألقا تشع من عينيه إشعاعات السعادة والبهجة والحيوية .. ولم أر وجهه جميلا , ولا ابتسامه جميلة مثلما رايته فى هذا اليوم ..!

وتعلق قلبى بين الحياة والموت , وأنا أستقبل صديقتى , التى جاءت تخبرنى بكل وقاحة أنها تحب زوجى أكثر مما أحبه أنا , وأن على أن أتركه لها فى هدوء ودون شوشرة , وإلا فضحيتى , وكشفت علاقتى العاطفية .. خاصة وأنها تملك من الصور الكثير ومن الأدلة الكثير !!

آه .. كيف لى أن أبكى ؟! خيانة الزوج أم غدر الصديقة ؟! آه .. كأننى تعلقت بين السماء والأرض , كأننى صرت أمشى رأسا على عقب …!!

وبصوت يشبه حشرجة الموت , وافقتها على كل طلباتها , وخرجت من بيتى .. ومن حياته , ومن حياتها , خاسرة كل شئ .. حتى أبن عم صديقها كرهته حتى الموت , ظننته تآمر على وأوقع بى فى غرامة من أجل تحقيق مطامعها وتنفيذ أغراضها ..!!

وعدت إلى نفسى .. لا أعرف أين أسير وكأننى أخطو عمياء نحو أفق مجهول , أمشى مسلوبة مأخوذة ساهمة شاردة , لا أعرف ماذا يصدر عنى .. أهو صوت بكائى , أم أنين خداعى ؟!

ولم أعد أملك غير دمع جائش , يسيل من تلقاء ذاته , قد يؤنس وحدتى وأنا أقبع حزينة فى غرفتى .. حيث الهواء مخنوق , مخلوط بالعطور والبخور والدخان !!

وأظل أسائل نفسى .. هل تحطمت أدراتى ؟! بعد أن تحطم طموحي ؟! وهل لم أعد قادرة على هزيمة افشل داخلى بعد أن ذقت خيبة الأمل في حياتي ؟!

وابقي أفكر .. تري .. مسؤولية من كانت ؟! هل هي مسؤولية ذاتي التى زين لها الغرور أن الجمال هو كل شئ .. هو الآمر الناهي ..هو القادر على كسر القيود وسحق الحواجز وهدم السدود ؟

أم هى مسؤولية أهلي الذين أعمي عيونهم بريق المال ورحيق الثراء , فألقوا بى بين أحضان رجل أكبر من ابي .. أملا في حياة أفضل وطمعا فى مكاسب أحسن ؟!

..وبين فترات الحيرة والتساؤل .. أحس بنفسي وقد كرهت حريتى , وكرهت جمالى , وكرهت زماني.. إذ لم يعد يلازمنى شئ غير الندم والوحدة والخواء .. حيث أظل أعانى الفراغ .. فراغ الروح والقلب ..والواجدان !

وبين وقت وآخر .. أحس دموعى تؤنس وحدتى , تخفف لوعتى , تحاول أن تخرجنى من أزمتى .. تلك التى طالت وأمتدت … وتعقمت .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


ذبحتني ليلة الجمعة

 

أحببت فتاه من أقاربى حباً لا يوصف , وبادلتنى هى نفس الشعور , وكبرنا وكبر حبنا معنا , فقد عرف حبها طريقاً إلى قلبى منذ كان عمرى خمس عشرة سنة , إلى أن صرت الحين أقترب من العشرين .

كنت اذهب إلى منزلهم ليل نهار , كى أراها وأكلمها , فأنا لا أطيق أن يمضى يوما واحدا عليٌ دون أن أشاهدها وأحادثها .. وصار حبنا أعمق وأعمق , إلى أن جاءت اللحظة التى صارحتها فيها بأني سوف اكلم أهلى كى يخطبوها لى , فوافقت على أن يكون ذلك بعد أن تكمل دراستها , فاحترمت أردأتها وأجلت فتح الموضوع مع الأهل , فلا أحد يعلم ما بينى وبينها سوى الله سبحانه وتعالى .

وبعد فترة بسيطة , قررت أن ابدأ فى البحث عن عمل , فهى مازال أمامها بعض الوقت و وأنا قد انتهيت من دراستى , فوجدت عملا جيدا , ولكن فى مكان يبعد عن الأهل والأصدقاء وعن حبيبة قلبى , لكننى كنت احضر لأراهم كل خميس وجمعة , وعلى الأخص .. كى أرى حبينتى .

عشت وأنا أعد الأيام , وأفكر متى سيجمعنى الزمان مع حبيبتى فى يوم واحد , ومتى سأستقر معها ونكون أسرة وننجب أطفالا … كان تفكيرى بها لا ينقطع ليل نهار , فهى فتاة وجدت فيها الأخلاق العالية والتربية الحسنة , وكل معانى الأدب , كان أكثر ما يصبرنى فى البعد عنها , أننى كنت أعلم أنها هى الأخرى تحبنى مثلما أحبها , وربما أكثر.. لذلك تصبرت , وتحملت , بانتظار أن تنتهى قريبا من استكمال دراستها .. ويتحقق الحلم ويتجسد الأمل .

وفى يوم من الأيام , وصلنى خبر أن أبى سوف يتزوج , فتعجبت مما سمعت , فالوالدة بخير والحمد لله , وليس بينهما مشاكل تذكر , أو مواقف تدعو إلى مثل هذا الزواج , فرجعت إلى بيت الأسرة بسرعة لكى أري تلك المرأة التى سوف تدخل حياة أمى و وتقطع طريق السعادة بينها وبين ابى واخوانى …!

وكم كان وقع المفاجأة عنيفا على نفسى , وكم كان وقع الخبر أليما قاتلا موجعا مدمراً , حين عرفت أن تلك التى سوف تفسد حياة أمى وأبى واخوانى .. ليست سوى حبيبتى !

جن جنونى , احترت ماذا أفعل إزاء هذا الموقف الرهيب ؟! بل من الذى يقدر أن يوقفنى عند حدى ويمنعنى من ارتكاب جريمة , أو إعلان فضيحة تطيح بكل شئ .. وحاولت بكل السبل أن أمنع هذا الزواج غير المتكافئ , لم اترك طريقة إلا وسلكتها , لم ادع خطة إلا ونفذتها …

ولكننى لم اقدر أن أبوح بسر الحب بينى وبين حبيبتى , خفت عليها أن افضحها ,خشيت عليها من الأذى , خاصة وأن أهلها موافقون على هذا الزواج , كما أنى علمت أن البنت لا ذنب لها فى هذا الموضوع , فقد اجبروها على ذلك و إذ أن العادات والتقاليد عندنا لا تسمح للبنت باختيار زوجها , وإنما أهلها هم الذين يختارون لها .

وفقدت أعصابى و أخذت أسب والعن هذا النصيب , وفكرت فى عدم البقاء بالبيت , فأنا أكره أن يرانى احد وأنا حزين , وأغلقت الأبواب على نفسى , وليس معى سوى الإحزان .. والذكريات .

ولم أقدر على الاستمرار , كلمتها , طلبت منها أن أراها , توسلت إليها أن تدعنى أقابلها ولو لآخر مرة , فالرغبة فيها تعرى شوقى غليها , أنى ابصرها بقلبى حتى لو كان بينى وبينها آلاف الأميال .

ورايتها .. رأيتها وقد شاب الحزن وجهها .. ولم يعد ذاك الوجه الحلو الصبوح و الذى كان يبدو لى كالبدر من بعيد .. وإنما رأيت فى عينيها نظرة حزينة منكسرة تلوح من تحت جفنيها , نظرة تختلف كثيرا عن تلك النظرة التى كانت تواجهنى بها , تلقانى بها قبل أن أسافر .

وهالنى ما رأيت من الحزن والأسى و خفف عنى حزنها , وأزال ما بى من الشكوك حولها , فقد خيل الحب لى أنها قد غدرت بى , وأنها قد سعدت بالزواج من ابى .. بدلا منى , لأنه أكثر ثراء , وأغرز مالا , وأعظم مركزا .. وأرفع مقاما بين القوم , وأعلى مكانة .

ولكن .. تبددت أوهامى , وتناثرت ظنونى بعد أن قابلتها , أيقنت أنها مغصوبة على هذا الزواج , وأنها مثلى مظلومة بهذا المصير المؤسف المظلم الذى وصلت إليه أحلامنا … والذى تناثرت عنده آمالنا , وتلاشت حياله تخيلات حبنا , وتصورات عمرنا , وطموحات شبابنا .

و.. ودعتها وقلبى يتقطع , وتمنيت لها السعادة مع أبى و والتعاسة كلها تنزف داخل نفسي و ومضيت عنها ورغبة عنيفة فى تدمير الذات تتعملق فى عقلى .. ذاك الذى كاد أن يصيبه البله والجنون , مما يحدث ومما يكون !!!

وما لبث أن تسكن تلك الرغبة فى تدمير , تتقلص إلى أن تصير رغبة عاجزة مجهضة , وارحل عائدا إلى مقر عملى , والحزن يصحبنى .. يرتحل معى ..ولم أحادثها ثانية , تركتها دون أن ينبس أحدنا بكلمة , فكلانا مطحون , عاجز , مذلول .. مقهور!!

وجاء يوم الخميس التعيس .. حلت ليلة الجمعة الحزينة .. تلك الليلة التى شعرت خلالها أننى ذبيحة معلقة من عقبيها فوق الأفق حين كانت تزف حبينتى إلى … والدى !

 

 

 

 

 

 


كان ذلك للتسلية .. وقتل الوقت !

 

كان يدفعنى شئ غامض .. شئ يمكن أن يكون حلما .. أو كابوسا, خيالا .. او سرابا , شئ غريب كان يجعلنى أمشى بسرعة , أتحرك بسرعة و أفكر بسرعة .. فأخطئ بسرعة !

كان يحثنى أحساس داخلى عنيف أننى أندفع نحو بلوغ حقيقة واضحة , أكثر وضوحاً من تلك الحقائق التافهة إلى فهمتها خلال رحلة أحزانى .. كان كل أملى أن أفهم حقيقة نفسه أن أهتدى إلى من يفهمنى وهكذا كان .

.. من يرانى يقدرنى كفتاة مثقفة ، تتمتع بقدر كبير من الجمال والذكاء والبساطة .. من يرانى يقول على الفور : هذه الفتاه سوف يكون لها مستقبل زاهر باهر , ولكنى لم أبال .. ولم أهتم ..

فقد كان للاندفاع والطيش خلال فترة المراهقة أثره السيئ على مستقبل حياتى , لأنى كنت ضائعة فى هذه الحياة , لم أجد من يفهمنى أو يواجهنى عندما بلغت مرحلة المراهقة ,, فتركت لنفسى قيادتى , وجعلتها هى التى توجهنى حيث شاءت عواطفى الجياشة , ومشاعرى المتدفقة … الطائشة !

كنت متباهية بجمالى , كنت دوما أريد أن أظهره وأبرزه , معتقدة أن ذلك سيجعلنى مغرية وساحرة ومؤثرة , لذلك .. للسف لم أصن هذا الجمال , شاركتنى فى ذلك و بل وشجعتنى أبنه خالتى , التى كانت فى سنى , والتى تتمتع بقدر جمالى ..

بصراحة نحن كنا نتباهى حين نسمع كلمة أعجاب أو غزل من أحد الشباب الذين كانوا يطاردونا .. كنا نفتخر بأنفسنا لما نمشى فى السوق وشباب كثير يمشون وراءنا منجذبين نحونا , لا يدرون عن أنفسهم ولا يحسون بروحهم من قوة جمالنا وتأثير حسننا ..

كنا نمشى وكأننا نطير من الفرحة , ونحن نرى ونسمع ونحس بمدي تأثير على الآخرين .. ولا أنكر أننى تكلمت فى الهاتف , ولم أكن أعلم أن وراء هذا الشئ تعاسة العمر كله .. وشقاء العمر كله ..فهل تنجلى هذه الغمة ؟! .. لا ادري .

المهم أستمرينا على هذا المنوال , أنا وابنه خالتى , كانت هوايتنا الإيقاع بالشباب فى أحدى الألعاب الرياضية , أو كأننا نتنافس على تمثيل أحد الأفلام السينائية …

ولم نكن ندرك مدى تأثير هذه التصرفات الطائشة على مستقبلنا , كنا نتحرك برعونة واندفاع دون تروي أو تعقل , وكأن الدنيا كلها صارت بين أيدينا , أو كأننا لن نتعرض لأى عقاب أو ندم يؤذينا ..

لكن .. رغم هذا الطيش كله , لم أهمل دروسي و بقيت كما أنا طالبة متفوقة , مما منحنى مزيدا من ثقة أهلى , لنهم كانوا يعتقدون أن البنية الشاطرة تصير ذكية وفاهمة مصلحتها وعارفة الصح من الغلط , لذلك لم يشغلوا بالهم كثيرا بتصرفاتى الخاصة .. ومنحوتى الكثير من الحرية .

وذات يوم أتت فيه بنت خالتى لزيارتى , رأت شابا وسيما يسكن فى منطقتنا , فقالت لى : لماذا لا نتحدث معه ؟ واضح من عيونه أنه يحبك , وفى الحقيقة لم اهتم كثيرا بكلمتها و ولم الق بالا إلى قولها الذى لم يترك أثرا فى نفسى ..ولكن .. كان .. ذلك ..إلى .. حين !

نعم ..زين لى غرورى أن أقلد صديقاتى الطائشات , واعتقدت أن البنت فى مثل
سنى لازم يكون عندها صديق تكلمه ويكلمها …ليس شرطا أن تأتى هذه المعرفة عن
حب , وليس مهما أن يكون دافعها التفكير فى الزواج .. وإنما كان ذلك لمجرد التسلية .. وقتل والوقت !

المهم .. أننى الآن أعترف , كم كان تفكيرى هذا سطحيا , ساذجا , تافها , عندما قررت أن أقلد صديقاتى .. لذلك بدأت أخطط لا بدأ معرفتى بة .. كى يكون لى صديقات خاصا و أتكلم معه … وعنه !

وحدث أن ذهبنا إلى السوق أنا وبنت خالتى , فقامت هى بالاتصال به ليوصلنا على المنزل دون أن يعلم بنا أحد , ويا ليتنى لم أوافقها .. فلم أكن أعلم بأنى سأدفع ثمن غلطتى .. حياتى كلها !!

وجاء .. أوصلنا إلى البيت , ولم يحدث بيننا أى شئ , يشهد الله أنه لم يسمع منى كلمة حب واحدة , ولم يكن بيننا أى تصرف غير عادى قد أخجل يوماً منه .

وبعد فترة , تمت خطبتى إلى ابن عمى , رغم علاقتى به و فأنا لم تربطنى به صلة حب , لذلك لم أمانع فى موضوع الخطبة , لأن قلبى كان خاليا لم يدخله احد بعد , ولم يكن متعلقا بأحد بعد .. أيضا , لم أر مانعا فى أن أترك علاقتى بهذا الشاب كما هى بعد خطوبتى , فقط لمجرد التسلية .. وقتل الوقت !

وتمضى بى الأيام بطيئة , رتيبة , متثاقلة , لا مشاعر حب تدخل قلبى , ولا مواقف أثاره تقتحم حياتى .. إلى أن ذهبت إلى السوق أنا وابنه خالتى .. ورايته , ويا ليتنى ما رايته … رأيت من الهمنى أعظم ما فى الحياة من حب وخير وعطاء وأمل .

وأحببته .. لأول مرة فى حياتى أعرف ماذا يعنى الحب .. وماذا تعنى السمعة الطيبة , والمسؤولية والالتزام , والتقيد بعادات المجتمع وتقاليده .. والحفاظ على الاسم نقيا من الخطاء .

ودفعنى هذا الحب العظيم لأن اسبق عمرى , بعد أن عبر لى عن تعلقه , وشغفة بى و فقد استطاع أن يعرف طريق منزلنا , ويتبعنى ,ويتصل بى .. ويحكى لى عن حبه وتقديره .. واحترامه .

وبعد أن حادثته , وجدت فيه كل الصفات التى تتمناها اى فتاة من شاب ذى رجولة وكرامة .. وعرف غيوم اليأس التى كانت تخيم فوق سماء حبنا .. لكننا لم نملك شيئا حيالها .. كان الحب عظيما , كبيرا نبيلا .. فوق تحملنا , وفوق احتمالنا .

.. وسألنى الدقة .. منذ وعيت ذاكرتى على هذه الدنيا .. حتى هذه اللحظة التى يسألنى بها .. وحكيت له كل شئ , أخبرته عن كل شئ فعلته قبل أن أعرفه , ما عدا علاقتى بهذا الشاب الذى يسكن منطقتنا .. أنكرت نهائيا كل شئ عنه , لأننى كنت أريد أن أنسى ماضيي كله ..ذاك الماضى الأرعن السخيف الذى صرت أخجل منه بعدما كبرت وفهمت .

وعشت حاضرى كله وأنا أحلم معه بمستقبلى .. أصبح هو كل شئ فى حياتى , بل أصبح كل حياتى .. وطلب أن افسخ خطبتى كى نتزوج , فقد بتنا لا نستطيع عن بعضنا فراقا .

وبدأت محاولاتى لفسخ الخطبة , امتدت حتى استهلكت سنتين من عمرى دون جدوى , فابن عمى لا يريد أن يتركنى , وأنا مستمرة مع حبيبى على أمل اللقاء الموعود .. وبقينا على هذا الحال , وحبى له قائم , باق , ومستمر .. فى جميع الأحوال .

وفى يوم من الأيام , أو شكت أن أتخلص من ابن عمى , وأخذنا أنا وحبيبى نرسم الصورة النهائية لمستقبلنا , ونضع أدق التفاصيل لما سوف نقوم به من ترتيبات تمهد لانسياب الأمور بالطريقة المثلى التى ترضينا وترضى أهلينا ..فى ذلك اليوم رأيت من الأفضل أن أخبر حبيبى بقصة علاقتى السابقة , تلك التى أخفيتها عنه , والتى تخص ذاك الشاب من منطقتنا ..

.. ويا ليتنى ما فعلتها , يا ليت كان أنقص لسانى وانخرس صوتى قبل أن أبوح له بها .. يا ليتنى مت قبل أن أتكلم له عنها .. لقد سكت , لم ينطق بحرف , وطلب منى بحسم أن أتركة وأن أنساه .. وأن لا أحاول مرة ثانية أن أذكر أسمه على لسانى .. وأنقطع عنى .. اختفى مرة واحدة من حياتى .

هكذا .. وجدتنى أفترق عنه , فجأة وجدتنى أغرق , أموت , أهلك , فأنا أحبه أكثر من روحى , ولا أتصور أن أعيش يوما واحدا من عمرى من غيره ,.. فكيف أقضى رحلة وحيدة …إلا من حريق العذاب والبعاد والعناد ؟!

وفقدت الحس بكل شئ حولى , لم أعد أرى إلا ابتسامه وحنانه يحملها كلماته تلك التى كانت دوما إليه , مهما كان زعلى منه , ومهما كان غضبى منه .. فقد كان حبى له عظيما , كبيرا , عملاقا .

والآن .. تمزقت الروابط بيننا حبيبى , فتمزق معها نياط قلبى وتقطعت لها أوصال حياتى .. فأنا لا أحيا إلا فى الماضى العميق الذى عشته معك بكل درة فى كيانى .. فصدرك هو مرتع ذكرياتى العذبة , وزمانك هو المركز الذى لا يريد أن يبارحه فؤاداي حيث أعتاد أن ينعم بإخلاصك .. وعنايتك .. ورعايتك .

الآن حبيبى .. لا واسمع إلا أصداء الصمت تحيط بى , تستحقى , تقتلنى .. تثير فى روحى ضراوة الندم والجنون والعذاب .. والعتاب فهل تسامحنى حبيبى ؟!

أننى أخط إليك أعترافى هذا , بل أعتذارى هذا , ولا أرى حرجاً أن يقرأه العالم كله معك .. فأنا أحبك , كنت .. وما زلت.. فهل تغفر لى ذلتى ؟! وهل تسامح هفوة طيش وتعفو عن غلطتى ؟!

أنا فى انتظارك حبيبى , وكلى أمل أن نبدأ معا صفحة ناصعة جديدة , وصدقنى . ش

سوف أعطيك كل شئ دون أن أنتظر مقابل منك , فقط .. أدعو أن أعيش معك فى بيت واحد , أن أكون معك فى مكان واحد .. أن أحيا إلى جانبك عمرى .. أن أهنأ فى ظلك بلحظات وساعات حياتى كلها .

حبيبى .. أننى خائفة .. تائبة , نادمة , حقا .. أخاف أن تنقضى حياتى فى البعيد عنك .. أخشى أن تنقضى حياتى قبل أن تبدأ معك .. ياحياتى .. فهل تسامحنى .. وتغفر لى .. وتعفو عن غلطة حياتى .. وتدعنى أعيش معك حياتى وعمرى .. ياحياتى .. يا عمرى ؟!

 

 

 

سحقا لهذا الحب !

 

حكايتى مع الحب بدأت ذات مساء باهر عذب النسمات , عندما دعيت إلى حفل ساهر أقامة صديق حميم لأخى الأكبر , بمناسبة خطبته لإحدى بنات عائلته .

هناك .. فى بيتهم العامر .. رأيتها , سمراء فاتنة يتهدل شعرها الأفخم وكأنه قطع الليل تتناثر فوق عنقها الشامخ الجميل , أو كأنه شلال من الضوء الأسود يضفى الحسن الباهر .. إلى بهائها , ويضيف الروعة إلى تناسق قوامها , وملاحة وجهها .

هى فاتنتى ذات جمال طاغ متكبر , فيه عنف وجبروت , تنحنى له أقوى القلوب , وأشدها مقاومة لأى أغراء .. ولم يكن غريباً , أو مستغرباً أن يقع قلبى فى هواها منذ اللحظة الأولى !

أنا .. ذاك الشاب الرياضي المشهور , الذى أعتاد أن تقع الفتيات فى غرامة , والذى تعود أن يتلقى مكالمات الإعجاب من الكثيرات , وأن يصد عن نفسه العديد من تلميحات الإعجاب والاعراء !

منذ ذاك المساء عذب النسمات , ودعت قلبى , بعد أن أودعته إل الأبد عند أقدام حبيبتى .. تلك السمراء الفاتنة ذات الجمال المتكبر المتجبر ..

واعترفت غير مصدق بأننى وقعت أخيراً أسير غرامها , وسقطت حقاً حبيس حبها .. لم أعارض نفسى , ولم أناهض مشاعرى أو أقاوم غرامى بها .. فاستسلمت لعشقها وبدأت أفكر كيف أبثها اشواقى التى تضخمت فى صدرى , ولم أعد أملك لها دواء أو شفاء منذ تلك الليلة الليلاء , أنسل الهدوء من نفسي , تسربت الراحة من روحى , صرت أئن حباً كالجريح , وأتوجع عشقاً كالسجين , وكأننى صرت أتقلب على الجمر من شدة الشوق , ولهف الحنين .

ويتأكد لدى أننى عاجز حيال قوة الحب وسحره , ومع الوقت ,أوقن أننى أنقاد إليه دون وعى أو شعور .. وأقرر أن اقتحم قلاع عواطفها , وأن أنقل إليها بعضاً مما أعانى وأشعر ..

بدأت أتصالى بها , وكم كان ذهولى وسرورى أن أجد لديها بعضاً مما عندى , فقد أبدت لى هى أيضاً إعجابها بى , لم تخف عنى شيئاً مما تحمله نحوى , ولم تنكر أنها كانت تتوقع أن اتصل بها , وان أتعرف عليها

بعد فترة قصيرة من المكالمات تلاقينا , فاشتدت وطأة الحب علينا , ولم نلبث أن شعرنا مع الوقت أن الحب قد نضج واستوى وصار عشقاً وغراماً , وتيقنت من أنها تلك الحبيبة التى لا أستطيع أن أبدت سعادتها وفرحتها بما سمعت وعرفت .

وما أن يتنفس الصبح تاركاً وراءه قطع الظلام تتساقط وتتوارى , وما أن ينبثق أول شعاع منه , حتى أنهض من فراشى أذهب إلى أمى أوقظها , كى أخبرها برغبتى فى الزواج فقد ضاق صدرى , وفاض عشقتى , وغاض صبرى , ولم أعد أقوى على الانتظار ..

ترحب أمى بالخبر وتبدأ تأخذ منى كافة المعلومات , فأخبرها بكل شئ , أسمها , عائلتها .. أصف لها شكلها أعبر لها كيف أحبها .. وأحبها وأحبها .

وتتجاوب أمى معى , تطمئننى أنها ستقوم باللازم , وتدعو الله لى أن يتم كل شئ على خير بإذن الله .. وتبدأ فى الحال ترتب الأمور , وأولها كان أخبار أبى بكل ما وصلها من أخبار .

ألتقى حبيبى .. أخبرها بما كان وما صار , فتكاد تطير فرحاً , وتبدأ مرحلة أخرى جديدة من حياتنا , مرحلة الأمل والفرج .. والانتظار .

ودون أدنى عقبات , تتم إجراءات الخطبة , فالعائلتان ذات مستوى واحد , والأهل كانوا متفهمين , سعيدين بنا والحمد لله , ولم يحدث ما يكدر صفونا أو يخدش هناءنا ..

بعد الخطبة صارت الفرصة أوسع أمامنا لنخرج وحدنا , ولنلتقى فى الفنادق .. الأماكن العامة , إذ لم يعد هناك ما يقلقنا أو يخيفنا , فلم نخف حبنا واصحبنا نجوب معاً كل الأماكن لنقضى معاً أسعد اللحظات والساعات .

وبين الناس . بدأت ألاحظ حركات غريبة تصدر من حبيبتى , خطيبتى , التى تحمل أسمى حول أصبعها , فقد لا حظت أنها تطيل النظر نحو الشباب الآخرين , كما لا حظت      أنها تحب لفت الأنظار إليها بأى طريقة كانت !

ولكن الحب أعمى كما يقولون , فقد كانت مدلهاً فى عشقها , فلم أبصر عيوبها , لذلك لم أشك فى حركاتها الطائشة , ولم أفسرها تفسيراً سيئاً , كنت حسن الظن بها , وبالتالى , لم أخضعها لمراقبتى , رغم كثرة اعتذارها عن مقابلتى .

تمضى الأيام وتعلقى بها يشتد ويزداد , ميلى نحوها يتعمق فى حنايا روحى ووجدانى , فلم أفطن إلى ما بمها من عيوب مخجلة , ولم أنتبه إلى ما حل بها عندما تغيرت نحوى تغيراً تاماً واضحاً محسوساً .

وشاءت الصدفة , أن أضطر للسفر فى مهمة عاجلة تتعلق بالرياضة , فودعتها , وكلى حزن على ذاك الفراق الاجبارى الذى كان يخفف من حدته انتظارى لذلك اليوم الموعود الذى توهمت فيه أن الله سيقضى ما يريد وستصبح حبيبتى .. زوجتى .

سافرت .. ولم تنقطع اتصالاتى بها , كنت أخابرها عدة مرات فى اليوم الواحد , وعندما لا حظت ازدياد فترات غيابها عن البيت لم أشك لحظة فى عدم وفائها , وكنت أقبل أعذارها دون أن يعرف الظن طريقاً إلى قلبى أو عقلى .

وكلما مرت الأيام .. وأنا فى الخارج بعيداً عنها , كلما أشتد شوقى إليها , واهتاج حنينى إلى رؤية عينيها , ورحت أرجو أن ينقضى الوقت سريعاً كى أعود إليها ..

ثم .. عدت إليها , فلمست منها تغيراً كبيراً , ولاحظت فى تعاملها معى بروداً كاد أن يجمد اوصالى , كما لاحظت أن طريقة أمى فى الكلام عنها قد تغيرت , وأن معاملة اسرتى عند حضورها إلى بيتنا قد تبدلت .. فتعجبت .. وتساءلت , ولم يخف أخى الأكبر الحقيقة المرة عنى , صارحنى  بخيانتها وبأنه سمع من أصدقائه بعض التعليقات والتلميحات عن علاقتها بأحد الشباب , التى انكشفت لهم أثناء سفري .

لم اصدق نفسى , كدت أسقط على الأرض مغشياً من هول الصدمة القاسية , صرت أهذى وقد فقدت كل قواى , وأشرفت على الموت , بعد أن سمعت منها , هى نفسها , اعترافها بذلك لى علناً وعدم إخفائها اتهاماً واحداً مما واجهتها به .

ورقدت مريضاً بعشق فتاه أحببتها فخانتنى , وأمسى اليأس يحز فى نفسى كأنه مبرد يفرى كبدى , يقطع كيانى , يمزق أملى , يبدد احلامى , فلم أكن أتوقع أن تجرح شعورى بتلك الصورة ولم أكن أتوقع أن تهدر حبى بهذه الاستهانة !

وعرفت بتفاصيل خيانتها , التى كانت تنتقل فى الوسط المحيط بى , حتى وصلت على فتزلزل كيانى وعقلى , كانوا جميعهم يعلمون بذلك , ويكتمون رحمة بى , وشفقة على , إلى أن رأيت أمى تجلس تبكى وتنوح , وهى لا تكاد تملك نفسها من شدة جزعها .. بينما كانت تترجانى أن اقطع صلتى بها .

وأحرجت أمام أمى أحراجاً شديداً , فأدله الخيانة واضحة , وعلى رأسها اعترافها .. ولم أستطع سوى الموافقة على رأيها , وتركت لها هى مهمة أخبار أهلها برغبتى فى الانفصال عنها .

حقاً .. كانت الصدمة عنيفة مروعة .. حين حلت بى بالذات , عندما أفصحت لى برغبتها فى فراقى , لأنها (اكتشفت) أنها لم تكن تحبنى الحب الكافى لإقناعها بأن ترتبط بى مدى حياتها !

.. كان هذا آخر ما كنت أتوقع أن أسمع منها , لقد رفضتنى بعد أن ولعتنى وخانتنى .. ولم تكن ندرى أن رفضها لى , وخيانتها لى , كان قتلا لى !!

.. سحقاً لهذا الحب !

أثقلت كاهلى الخيانة , حرقت قلبى النهاية , تلك التى لم أكن أتخيل أن تحدث لنا فى يوم من الأيام ..!

والحين .. أجد نفسى ضعيفاً وأهناً , غير قادر على الخلاص من سحابة الحزن السوداء , تلك التى تخيم على نفسى , فتصبغ روحى , وتلون وجهى , وتغطى عينى .. فلم أعد أقوى عليها الأنظار , خاصة عينى أمى .. دون جدوى .

وفى الأخير .. صرت أحاول أن أتعايش مع يأسى , وأن أعتاد حزتى , وأن أرضى بما قسم الله لى , لكننى أفشل فى نسيان حبى لها , وحنينى إليها .. وتعلقى بها .. بالذات عندما يأتى الليل , تعود تطاردنى ذكريات حبى .. فتوجعنى خفقات قلبى .. ذاك القلب الطيب العاشق الذى كنت أودعه آمناً , مطمئناًً , ساكناً بين يديها فكان أن طعنته , عمداً بطيشها , واندفاعها .. وغدرها !!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأسف .. انتقمت من نفسى أولا !

 

بعد طول تردد وحيرة أجد نفسى مندفعة إلى كتابة حكايتى , لننى أصبحت أكره حياتى و بعد أن تعقدت الأمور , وسارت من سئ إلى أسوأ ..

كانت بداية المأساة عندما طلق والدى أمى , وأنا عمرى عشر سنوات , بعد ذلك تزوج والدى من امرأة طيبة القلب , حنون , تحب الأطفال , لذلك أشفقت علينا وأخذت تعتنى بنا كأننا أبنائها .

ولكن .. كانت جدتى لأبى تكرهنا , ولا تطيق رؤيتنا , لأنها من البداية كانت تكره والدتى , ولا تحمل وجودها فى البيت أمامها , وهكذا .. تكررت المأساة , وأفلحت جدتى فى تطليق زوجة أبى , تلك المرأة الطيبة , لأنها كانت تعاملنا برحمة ومحبة !

وعدنا من جديد إلى سيطرة جدتى , وقسوة أبى وسطوته .. وعشنا أسوأ وأحلك الأيام , إلى أن مضت الأيام والسنوات , تقدم العمر بى , حتى بلغت الثامنة عشر , وهنا تقدم لى شاب متواضع الحال , وافق عليه ابى على الفور لأنه نال أعجاب جدتى .

انتقلت إلى بيت زوجى , عشت معه على الحلوة والمرة لمدة سنة حتى رزقنا بطفل والحمد لله , ولكن .. بعد ولادة أبنى كثرت علينا الديون وأصبح الناس يطالبون بمها , وكل منهم يحدد وقتا للسداد ويأتى يوم بد يوم لطلب الديون .. ولم يرحمنا أحد منهم , ولم يقبل مخلوق توسلاتنا للصبر والانتظار .

وأمام تلك المعركة الخاسرة و قرر زوجى أن يسافر للعمل خارج الوطن العربى , ليزيد من دخل الأسرة , وبقيت وحيدة مع أبنى , لا سند لى فى الحياة , ولا مال , فقط , كنت أدمع ليلا ونهارا وأدعو الله أن يرجع زوجى بالسلامة .

وما لبث أن تحولت دموعى إلى نشج ونحيب وصرخات بعد أن بت أتقطع حسرة على غياب زوجى الذى طال وطال , حتى أصبحت أحس الضعف وقلة الحيلة كلما نظرت إلى طفلى أو .. إلى نفسى . فكيف أواجه كل هذه الضغوط المرهقة وحدى ؟! وأنا امرأة شابة جميلة , بدون رجل يحمينى أو زوج يصد الطامعين عنى ؟!

وازدادت النقمة داخلى على ظروفى القاسية , صرت لا أطيق سيرة المال , بل صرت أكره المال الذى كان سببا فى فراقى لزوجى .. أليس هذا هو الشئ الوحيد الذى مزق شملنا .. وقطع حبال وصالنا ؟!

وبعد ثلاثة شهور من سفره , وصلتنى رسالة قصيرة منه , يسأل فيها عن أحوالى ويبشرنى بخير سيطرأ على أحواله , وبعدها نسينى مرة واحدة , وأنشغل عنى , حتى أصبحت اصرخ فى منامى وصحوى كلما تذكرته .

وكان السبب .. الناس !! نعم .. كان السبب الذى جعلنى أصرخ فزعا ورعبا وهماً , هم هؤلاء الناس القساة الذين لا يرحمون .

وبدأت أتوسل للجميع أن يساعدونى حتى لا أتسول كى أربى أبنى , حاولت أقناعهم بأن لا مال لدى حتى للمأكل والمشرب .. ولكن دون فائدة .

وكانت مرحلة الرعب فى حياتى تبدأ مع مطلع الشهر , عندما يطرق بابى صاحب البيت مطالبا بالإيجار , وهو يقف أمامى يصرخ فى وجهى ويقول : لو كان أحد غيرك لمات من الخجل والقهر .. أما أنت ؟! فأمسكت رأسى وطلبت منه يسكت وراحت الدموع تنهمر من عينى لا شعوريا .

بعدها وجدت نفسى على فراشى أكتب رسالة إلى زوجى أقول له فيها أن يعود حالا , وأقسمت له أننى لا أريد المال , لا أريد شيئا , فقط أريد صحبته , أريده هو , احتاجه بجانبى , فأنا لا استطيع مواجهه هذا الزمن الصعب وحدى .

ولم يأتنى الرد .. فتملكنى اليأس , ولم يعد باستطاعتى أن افعل شيئا سوى البكاء ليلا ونهارا , خاصة بعد أن تأكدت من إهماله احتياجى إليه , ورغبتى فيه .

وجاء مطلع شهر آخر , وطرق بابى صاحب البيت مطالبا بالإيجار , لكنه لم يقف أمامى صارخا هذه المرة , بل جلس قبالتى باسما ساكنا وكأنه يدخر لى مفاجأة ما , وبدلا من أن يفتح فمه مطالبا بالإيجار , إذ به يمد يده بالكثير من المال ,وهو ينظر نحوى بطريقة لزجة مقززة أثارت القشعريرة فى بدنى , والنفور والكراهية فى نفسى .

وطردته .. طردته من بيتى , وأنا ادري الناس بما يمكن أن يرتكب ضدى من فظائع , لكننى لم أستطع أن أمنع نفسى من ذلك , كان كالوحش الجائع الذى يريد أن يفترس الحمل الضعيف الهزيل .. الواقف وحيداً تائهاً بعيدا عن راعى القطيع .

وحملت أغراضى التى احتجت , ومضيت مبتعدة عن البيت , اتجهت إلى بيت أبى , والخوف من جدتى على نفسى وعلى ولدى يخنق قلبى ويقبض صدرى .. كان لابد
من الذهاب إليهم رغم علمى مسبقا بسوء معاملتهم .. إلا أنه لم يعج أمامى اختيار آخر لأحمى نفسى .

دخلت البيت .. وهنا تفجر الموقف عنيفا عصبيا , أنصب الغضب كله على صغيرى , لو تحرك ضربوه , لو بكى ضربوه , لو أمسك شيئا ضربوه .. هذا بالإضافة إلى أنهم جميعهم قد اشتركوا فى كرهه ومقته , وسبه بسبب أو بدون طوال النهار !!

واستحلت حياتى جحيما لا يطاق , بعد أن أصبح الجميع يعاملونى كخادمة , أغسل ,اكنس وأنظف و أعمل كل شئ , ورغم كل هذا لم تحبنى جدتى , ولم يرض عنى والدى , حتى صار المنزل لا يطاق من كثرة المشاكل التى وقعت على رأسى .

وخيرا .. قررت أن لا أكلم أحدا , وأن لا أتحدث مع احد وصارلى أكثر من شهرين وأنا فى حالى لا احتك بأحد , ولا أطيق العيش مع هؤلاء الناس , أبى وزوجته الجديدة , تلك الشابة الغيورة وجدتى , تلك العجوز القاسية .. وأبنى الصغير .

وبينما كنت أعانى عذابات أيامى وبعد أن أصبحت أتمنى الموت اليوم قبل الغد , وبعد أن جعلتنى الظروف القاسية أعيش منعزلة عن العالم والناس , ولا أحب أن أجتمع مع أحد من أفراد أسرتى بالذات , بعد هذا المرار كله .. وهذا الشقاء كله .. عاد زوجى , وفى حوزته بعض المال .

وكم كان فرحى بعودته كبيرا , وكم كان تعلقى برجوعه عظيما .. وكن كان إطمئنانى إلى وجودى بجانبه رائعا .. وجميلا , وابتسمت لى الدنيا .. أكثر , فأكثر , وأنا أبصر أبنى وهو يزداد تعلقا بوالدة يوما بعد يوم . إلى أن صار يفضل صحبته على , ويفرح بدخوله البيت ويرقص فرحا عندما يخرج معه .

ولكن .. للأسف .. ما لبث أن نفد المال الذى جمعه زوجى من العمل فى الغربة , وما لبث أن بدأ يتأهب للسفر إلى الخارج من جديد !!

جن جنونى .. هذه المرة هددته بكل شئ خطر ببالى , وهددته بكل ما يمكن أن يخيف الرجل ويثير نخوته ويحرك رجولته .. ولم أتركة مع أبنى وحيدة عاجزة فى مواجهه هذه العنيفة القاسية .

ورغما عنى أحسست قلبى يحدثنى أن زوجى يخبئ عنى أمرا فها هو فى تلك الفترة الأخيرة يكثر  من زياراته لوالدى .. وها هو يتفاهم معه بهدوء وصوت خفيض . ما يلبث أن ينخفض أكثر وأكثر كلما اقتربت منهما ..!!

ويزداد تعجبى , وأنا أشعر بزوجى يزيد من عطفه على , ويحسن من معاملته لى , وكأنه يريد أن يعوضنى عن عذابات الأيام الآتية , فحاولت مصارحته , واصريت على ذلك , لكنه كان يتهرب منى , ويبعد عينية عن وجهى , ويتنهد كما لو كان يزفر من صدره نارا يعجز أن يجعلها تنطفئ .

وصدق حسى .. جاء المساء , وبدل أن ينفتح الباب ليدخل منه زوجى , كان الداخل هو أبى الذى أمرني أن أجمع حاجياتى لأذهب أعيش معه .. بعد أن سافر زوجى صباح هذا اليوم .. دون أن يودعنى !!!

كان زوجى يعلم تمام العلم أننى لا أريده أن يسافر , وكان يعرف كل المعرفة أننى لا أطيق أن تطرق هذه الفكرة رأسه .. لذلك كانت صدمتى فيه مروعة .. بل .. مفجعة !

ومع ذلك .. اسعفتنى سرعة بديهيى فى أنفاذ نفسى وابنى مما ينتظرنى فى بيت أبى , وأنا أري نفسى كالكرة الضائعة تتقاذفنى أهواء ونزوات , جدتى وزوجة أبى !!

لذلك .. على الفور , أخبرت ابى كاذبة أن زوجى أعلمنى بكل شئ , وأنه أخبرنى بأنه سوف يرسل لى مبلغا كبيرا من المال فور وصوله , وانه موافق على بقائى هنا فى بيته لحين رجوعه , كى أعرف كيف أرعى أبنه .. وكيف أصون نفسى !!

وانطلقت الحيلة على ابى , فخرج راضيا على أن يعاود الاطمئنان على بين وقت وآخر ولم أر مانعا من قبول أخى الصغير ليقيم معى هنا .. حتى يعود زوجى .

وبكل الحب الذى تحول إلى حقد .. وبكل الضعف الذى أنقلب إلى قوة .. أخذت أفكر كيف أرتب أمور حياتى , لا نتقم أولا .. من غدر زوجى , ومن فقرى .. ومن قسوة أسرتى .. ومن ظلم ظروفى .. فانتظرت ببالغ الضيق والصبر .. مطلع أول الشهر!!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

.. وبدأت تياراً من التحدي

 

وأنا على حافة الثلاثين , أحس فجأة أحساسا طاغيا يجسد سنوات العمر أمامى , يجرف الصبر والانتظار من أيامى , فالشوق يشتد بى إلى الابوه , والرغبة فى أن أرى طفلا من صلبى يحبو أمامى تكاد أن تخبلنى وتفقدنى السيطرة على نفسى والتحكم فى ذاتى .

أنظر على نفسى , أرانى رجلا مكتمل الرجولة , وسيم الطلعة كما يقولون , مثقف , ثرى , اشغل منصبا رئيسياً فى أحدى الشركات الكبيرة التى تمتلكها والدتى .

وحسب تقديرات والدتى , فانا عريس لقطة , تتمنانى أحلى الصبايا , لكننى لا أريد , بل لا استطيع أن أتزوج , ليس بسبب عجز جسدى , فأنا حسب تقديرات الطب رجل مكتمل الرجولة , لا لكن .. آه .. ويا لها من لكن !!

.. مشكلتى تبدأ منذ صباي المبكر , عندما تعلق قلبى بفتاه من منطقتنا , أحبتنى بكل ما فيها من حياة , وجعلت من سنوات مراهقتى , سنوات نضج ورجولة مبكرة , فتعلمت الصدق فى القول والفعل معها , وتعودت الإخلاص فى الحب .. فخصصت كل وقتى ومشاعرى لها .. وحدها .

عشنا , وكل منا , يحتفظ فى حجرته بمفكرة نسجل فيها مذكرات حبنا , ونشطب فيها اليوم الذى يمضى دون رجعة , فى فرحة , فذلك يبشرنا باقتراب الموعد الوعد .. ذاك الموعد الذى نتوج فيه حبنا بالزواج .. ويتحقق الوعد .

تتعاقب الليالى المقمرة , ويتسع صدر الليل لسماع أشعارى وليناقشنى فى عشقى .. وكيف انقل للحبيبة أفكارى .. كيف أخرجها من رأسى .. وكيف أدخلها عقلها ؟! .. وكيف أزيد الحب فى قلبها .. وكيف أجعلها مثلى تسهر تسامر النجوم , تحادث الريح .. تداعب النسيم .. وتبسم للقمر ؟

ولم يستمر الحال بى هكذا طويلا .. فالحبيبة تبدي لى من الحب ما يفوق توقعى وتصوري , والقلب يزداد هدوءا واطمئنانا وحبا وعشقا وانبهاراً . آخر شغل سالى

وذات ليلة ساهرة تسألنى: هل ستتزوج واحدة غيرى؟!

وأجدنى أقس لها أننى لن أتوج غيرها، وأننى لن لن أكون زوجا لامرأة سواها.

وبعد أيام قلائل اتصل بحبيبتى أحدد لها موعدا بعد الظهر، وأذهب انتظرها ، وتأتينى مسرعة فرحة بوجودى ، وتعبر الطريق وعينيها فى عينى ، لا تبصران شيئا سواى ، وإذ بسيارة غادرة تصدمها .. فتسقط على الأرض أمامى تتضرج فى دمائها ، تنزف على الطريق نضارة عمرها ، اقفز إليها ، أحضنها بقلبى ، أبكيها بدمى ، أضمها إلى صدرى ملتاعا داعيا أن تبقى حية من أجل حبنا .

ويأتى الناس يحاولن تخليصها من بين يدى ، يقولون لى ( ماتت ) اصرخ أكذب غير مصدق ، أتشبث بها ، أرفض أن أصدق ما أسمع ، لا .. لم أعد أسمع .. تغيم الدنيا فى نظرى ، أراهم كالأشباح ينقلونها بعيدا عنى ، وأسقط على الأرض أتلوى أتمدد بلا حراك فى بحيرة دمائها .

ليتهم يعرفون أن الحياة قد فارقتنى أنا قبلها .. ليتهم يعرفون أننى صرت الميت لا هى .. آه .. أى نذر رهيبة تلك تنقض على ذاتى التعسة الضائعة . أى معاول هدم تلك تدك كيانى الواهى الباهت آه .. ما هذا النذير الجلى الذى اسمع ؟! وهل ما أرى حقيقة أم وهما لن يبقيه الزمن طويلا ؟!

ياه .. ما ألعن تلك اللحظات ، وما أقساها ، لن أنسى وعدى لك أبدا حبيبتى ، لن تكون لى أسرة سعيدة بدونك ، ولن أكون أبا مثاليا لأولاد غيرك .. سأحفظ عهدى لك ما حييت .

ويبقى يصفعنى سؤالها لى ، كلما اشتد بى الشوق إلى الأبوة وكلما غلبتنى الرغبة فى أن أرى طفلا من صلبى يجبو أمامى ، يبقى يصفعنى سؤالها:

– هلى ستتزوج واحد غيره؟!

أف، يا لها من ذكريات دامية لا تمحى من النفس ، أننى رغم الشنب الذى يكاد يغطى فمى لا أقوى على كبح عنان دموعى كلما جاشت تلك اللحظة فى خاطرى ، ليتنى استمع هزيمة ذلك الفزع والحزن والهلع الذى عشش داخلى منذ تلك اللحظة المشؤومة .

ومنذ ذلك الوقت ، وكلمة الزواج ، أو ( العريس ) تعنى لى ( العفريت ) فأخذنى أهرب كأننى لدغت من ألف عقرب ، ولا حظ الجميع وأولهم والدتى تغير وجهى وتبدل حالى ، كلما فتح لى أحدهم موضوع الزواج أمامى .

.. وأخذت أعيش الدنيا بالعرض ، عمل وانهماك فى النهار ، وسهر وطرب فى الليل ، وكانت لى بين كل فترة وأخرى امرأة تتعلق بى ، تظننى وهما أحبها ، وكان بعضهن يفكرن فى أمكانية اقترانى بهن .. لكن .. هيهات ، سرعان ما كنت أبدد أحلامهن وأمحو هذا الوهم عن أذهانهن.

وتتكرر أيام عمرى ، متشابهة ، متطابقة ، لا فرق بين اليوم والأمس والغد ، فالبرنامج معروف ، والنشاط محدد .. ولا جديد تحت الشمس كما يقولون .

إلى أن دعيت ذات مساء إلى سهرة خاصة بمناسبة وصول أحد الأصدقاء من البلد الذى يعمل به ، فهو دبلوماسى يقصى أغلب الوقت فى الخارج .. وكانت السهرة ، كالعادة ، رتيبة  ، متكررة .. إلى أن ومصل هذا الصديق الذى أعدت الحفلة اختفاء به ..

وكانت هى معه ، حبيبتى .. بلحمها .. ودمها ، ونظرات عيونها ، لم أصدق نفسى ، سقط كوب العصير من يدى ، وسقطت أنا على المقعد بلا حراك .. ولاحظت هى مدى ذهولى ودهشتى ، وانفعالى وجنونى .. وابتسمت .

نأديت على الصديق الداعى إلى الحفل ، سألته مبهورا مهبولا من هذه؟! من تكون ؟! فقال لى هى صديقة فلان ، وهى من نفس البلدة التى يعمل بها ، وقد جاءت معه فى زيارة قصيرة لتشاهد وطنه وتتعرف على أهله فهو ينوى الزواج منها قريبا .

– آه .. أذن هى ليست زوجته بعد ؟! حسنا .. لم تضع منهى الفرصة أذن ؟

كنت أحادث نفسى بصوت مسموع ، فاذ يصديقى يجاوبنى:

– أى فرصة ؟! قلت لك هو يحبها ويموت عليها ، وسيتزوجها قريبا .. وهى كمان تحبه .. ما فى داى تتعب نفسك لأن الموضوع منتهى تقريبا ؟

– ما فى داعى اتعب نفسى ؟! ماذا يقول ؟! مسكين والله .. هو لا يعرف قصتى مع هذه المرأة .. لا يعرف أنها حبيبتى التى عشت عمرى كله أتحسر على موتها .. الله بعثها لى مرة ثانية .. كيف ما أتعب نفسى لأجلها ؟!.

أسرح فى عينها الواسعتين الجملتين، أحضنها عمرى .. وأبدأ أسأل عن كل شئ له صلة بها .. أسمها .. عمرها .. جنسيتها .. أهلها .. حتى حالتها المادية فى بلدها .. كل شئ .. كل شئ عنها يهمنى أكثر من أى شئ آخر فى الدنيا .

وأعود أحادث نفسى : لا .. الموضوع لم ينته بعد ، فهى حتى هذه اللحظة
ليست زوجته .. أذن .. الفرصة مازالت متاحة أمامى أنا .. هى يجب أن تكون لى
أنا .. وحدى أنا .

لن استسلم . مستحيل أن تهزمنى الحياة مرتين ، مستحيل .. مستحيل .. وأبدأ دؤوبا .. تيارا من التحدى .

. تمتد السهرة الرائعة حتى الصباح ، وصديقى  الداعى يرقبنى من بعيد ، فهو يخشى أن تحدث أى مشكلة فى بيته ، أتسبب أنا دون قصد بها .. كما يخشى أن يجرح تهورى شعور الصديق العائد إلى الوطن فى عطلة قصيرة .

لكنى كنت حذرا ، كنت غريقا يتعلق ضوء انبثق فى ليل الحزن الحالك السواد ، كنت تائها فى صحارى الجوع والعطش فاهتديت إلى واحة ظليلة تحفل بطيب الثمر .. وعذب الماء .. وحانى الظلال.

كنت .. كنت .. كنت ، وأصبحت ، أصبحت ، أصبحت ، لا .. لن أفقد فرصة عمرى ، لن أضيع حياتى مرتين ، أقترب فى تؤدة وتهذيب منهما ، وأتجاهلها هى ، عمدا أتجاهلها ، وأركز نظراتى عليه هو ، وابتدئ معه حديثا وديا ، يشاركنا فيه صديقى الداعى ، بعد أن قدمنى إليه ، وبعد أن هددنى بعد التمادى فى النظر إليها ، أو التقرب منها ، حتى لا ألفت نظر صديقه الدبلوماسى أو أضايقه .. أو أكدره .

أطمئن صديقى ، أؤكد له أننى لن أكون أحمقا أو طائشا ، وأذكره بتاريخى الطويل فى دنيا النساء ، وأقول له واثقا :دعنى أتصرف .. وما راح تشوف ألا الخير .

.. يستمر الحوار شيقا بيننا ، ولا تنتهى الجلسة إلا وأنا ألزم عليهم أن تكون سهرة لغد عندى ، ولا يهدأ لى بال إلا وأنا أشدد عليه بضرورة أحضار ( زوجته ) معه ، فاذ به يجبيبنى باسما : لا .. نحن لم نتزوج بعد .. لكنها ستأتى معى بالتأكيد .

.. ألتقط أنفاسى فى سعادة ، لأول مرة منذ سنوات طوال ، ولأول مرة أيضا أحس أننى استمتعت بالسهرة ، وأننى حظيت بصحبة امرأة ، ولو عن بعد ، هى حبيبتى الحبيبة ، المفصلة عندى الأثيرة ، الأميرة فى قلبى .. حقا هى المرأة الوحيدة التى أحب ، إلا أننى أنهض مبكرا وجسمى يمتلئ حيوية وصحة نشاطا ، أذهب إلى مكتبى مستبشرا متفائلا ، وأبدأ أصدر أوامرى من أول النهار .. استعدادا لسهرة الليلة التى أريدها سهرة لا مثيل لها ، ولو حتى فى ليالى الملك الشهير شهر بار .

انتهى من إصدار كافة أوامرى ، تلك التى أريد بها جعل سهرة الليلة لا مثيل لها ، حتى ولو فى ليالى الملك الشهير شهريار ، ويبدأ الحين يخامرنى شعور عميق بارتياح ، يعقبه شعور أعمق بالرضا عن النفس .. فلأول مرة منذ وعبت مسؤولياتى كشاب ناضج يدير بين يديه ثروة طائلة .. لأول مرة أحس سعادة عظيمة تغمرنى لكونى ثريا واسع الثراء .

.. كنت طول عمرى أعيش دون تركيز كبير على هذه النعمة التى حبانى الله بها ، كنت لا أدقق كثيرا فى حجم الثروة التى أمتلك ، أو كم المال الذى انفق ، فالخير كثيرا فى حجم الثروة التى الأوحد هو أن أوفق فى إدارة العمل بالطريقة المثلى ، كى أحظى دوما بثقة أمى التى أحب والتى أحرص على رضاها عنى على الدوام .

أما اليوم .. فلأول مرة استمرئ لذة الإحساس المتمع بالثراء ، ولأول مرة أريد أن أباهى بمدى ثرائى .. ولأول مرة ( أتعمد ) أن أظهر هذا الثراء الواسع الذى أمتلك ، لذلك اخترت ذاك القصر الكبير المبنى حديثا ليكون المقرة لسهرة الليلة .

عند حوالى الضحى ، لم أطق صبرا على تكملة الدوام ، خرجت من مكتبى متجها إلى تلك المنطقة البعيدة التى يقع القصر بها ، تفقدت كل شئ بنفسى ، دخلت القاعات الأنيقة واحدة واحدة .

ويالدهشتى .. ما هذا ؟! كأنى أرى هذا القصر المطل على البحر للمرة الأولى فى حياتى ؟! عجيب أمر نفسى تلك .. ألم أقم به حفلا ساهراً منذ أقل من شهر هنا ؟!

كيف لم الحظ إذن فخامة قاعاته الواسعة المتداخلة ؟! كيف لم انتبه إلى  دقة تنسيق الحديقة وروعة اختيار أنواع الورود والزهور وحسن توزيع ألوانها ؟! كيف لم التفت إلى إبهار نقوش الجدران العاجية المذهبة ؟! كيف .. كيف ؟!

وعلى غير عادتى وجدتنى اتصل أنا شخصيا ، أحادث مدير الفندق الذى نتعامل دوما معه ، لأؤكد له أن لدى الليلة ضيوفا دبلوماسيين على درجة كبيرة من الأهمية ، خاصة وأنهم يزورون البلاد ( للمرة الأولى ) ورجوته رجاء خاصا أن يقدم لى أفضل ما عنده من أطعمة بالفندق ، وأن ينتقى على ذوقه الخاص كل ما لذ وطاب من أصناف .

وعندما سألنى كم شخصا سيحضرون الليلة ، وجدتنى دون تردد أجيبه : سبعون شخصا . فى حين أننى كنت أعرف أننا لن نزيد عن العشرين بحال من الأحوال .

كنت .. أريد أن أباهى بثرائى ، فقد كان هناك أحساسا لاذعا بالمنافسة يحرق كبدى ، وشعورا عنيفا بالمغيرة يكون قلبى .. فهذه المرأة يجب أن تكون لى أنا .. وحدى أنا .. دونا عن جميع الرجال .

ودون أن أتابع باقى التفاصيل ، لا أعرف كيف وجدتنى أعود إلى البيت ، أرفض تناول أى طعام ، فالشبع يملأ معدتى الخاوية ، والتوتر يشحن أعصابى المشدودة بكم غير قليل من القلق وبقدر كبير من الانفعال ، أرقد على الفراش فى محاولة يائسة لاستجلاب النوم استعدادا لسهرة الليلة الحاسمة التى انتظرها على نار ، والتى احتاج معها إلى أعصاب من فولاذ ، ويبدو أن النوم قد أشفق على ، فرحمنى من العناء والعصبية ، وأراحنى من حوالى ساعتين انتظار حتى يأتى المساء الموعود .. وأعتقد أننى كنت مرهقا جدا ، لذلك نمت دون أن أدرى عن نفسى شيئا!

وقبل أن انهض من فراشى بدأت اتصالاتى بالأصدقاء وأولهم صديقى صاحب دعوة الليلة الماضية ، لأطمئن منه على حضور صديقة الدبلوماسى .. وحبيبتى .

يؤكد لى صديقى فى خبث : يا أخى قلت لك لا تحاول معها .. هى تحبه وما راح تلتفت لك مهما عملت وأحسن لك تريح نفسك وتترك هذا الموضوع كله .

آه .. كيف يقول لى ذلك ؟! ألا يدرى أن كلامه هذا بمثابة الخنجر ينغرز من جديد فى جرح الجرح؟!

آه .. ليته يعرف كم يبلغ هذا السعار المجنون المتأجج داخلى ..ليته يعرف كيف يشتعل فى أعماقى فيلهب ذاتى كلها .. ليته يعرف كيف أحبها .

أجيبه فى حسم دون رغبة فى مزيد من نقاش أو حوار :

–  هاه .. ياللا أنا بأسبقكم .. وبانتظاركم كلكم الليلة .. أنت تعرف العنوان .. ياليتك تروح تجيبهم معك .. أخاف يضيعون المكان .

يطمئننى ضاحكا أنه قد أتفق معها على أن يمرهما ، وسوف يحضرهما بسيارته .

أخرج .. أسبقهم .. أسابق المساء ، أعيد تنسيق كل شئ حسب رغبتى .. فالليلة أريدها لا مثيل لها من قبل .. حتى البخور أخذته من أمى ، اختارته لى من أندر وأور الأنواع .

وأبقى انتظر .. وانتظر . وأخيرا .. أخيرا .. أتت كما يأتى الفجر الزاهر من عمق الليل ، وقبل أن أبهرها بمظاهر ثرائى الواضح ، بهرتنى هى بأمارات جمالها الفاضح ، فهى ذات جمال ناعم نافذ نافر ، نابع من أعماق النفس ، عاكس تكوين
الكائن البديع الوديع .. ذاك الذى اعتدت أن أحب منذ صباى الباكر .. وحتى هذه
اللحظة الحالية.

لم أعلق بشئ ، لم أطل النظر إليها ، نظرة عميقة عابرة واحدة نقلت صورتها إلى قلبى ، حملتها كما هى إلى عمق أعماقى .. وتجاهلتها . تعمدت فعلا أن أتجاهلها .

التفت بكاملى إلى باقى المدعوين ، أخص صديقنا الدبلوماسى بكل اهتمامى ، فأنا أريد أن أوثق صلتى به قبل أن يغادر الوطن عائدا إلى مقر عمله بعد أيام معدودات .

وكما لو كنت خبيرا بالنفس البشرية ، كدت أعرف ما يتموج من مشاعر تحت جلدها، وما يتلون من انفعالات فى نفسها ، كدت أوقن أنها هى الأخرى تضيق بتجاهلى لها لكننى لم أستطع تصديق ذلك .. فكيف الوصول أذن إلى قبلها ؟!

تنقضى الليلة الساهرة ، تماما كما رسمت لها ، وكما تمنيت أن تكون فى كل لحظة إبهار ، وفى كل ساعة حدث يثبت مدى ما أمتلك من مال .

كانت الأحاديث شيقة ممتعة ، والنوادر الضاحكة تتلو بعضها ، والمواقف اللطيفة تتداعى على التساوى بين الحضور إلى أن بدأ بعضهم يحس الخدر والرغبة فى النعاس .

.. وأعود إلى البيت ، وحيدا ، دونها ، أعود تعسا شقيا دونها ، فهذه المرأة الحبيبة تشدنى ملامحها المملوحة الحسناء إلى نفس لحظة الحادث الدامى بسلاسل فوق سلاسل الزمان ، أنها تسحبنى إلى الماضى بلا رحمة ، ترجعنى دون شفقة .. إلى نفس الشعور بالجزع والحزن آلاف المرات!

أحس رأسى يكاد يتحطم .. أحس قلبى ينسحق تحت ضغط قفضى الصدرى .. أحسنى أنزف دما لا دمعا ، أسائل نفسى ملتاعا :

– غاب ذاك الضوء الوهج .. كيف غاب .. وكيف يرجع لى الآن بعد الغياب ؟!

دون شعور اسمعنى أصرخ كيف أتحمل فراقها مرتين ؟! مرة حين ماتت فى حضنى .. ومرة حين خرجت من بيتى تمسك يد صديقها؟!

كيف أسترجع حبيبتى ؟! كيف أنالها .. لا .. كيف أستعيدها .. تلك المرأة التى تكاد تفقدنى عقلى وتسلبنى رشدى ؟!

أعلن الرغبة فى التحدى ، أقرر العزيمة على انتصار .. سوف أمعن سيرا فى هذا المضمار .

وأبدأ استعد للسفر إلى لندن ، تلك المدينة ، المدينة لى بالكثير ، فمكتب شركتنا الكائن هناك بالغ النفوذ ، وسهراتى الكثيرة هناك طبعت لى تاريخا حافلا بالكرم مدموغا بالسخاء ، وأتاحت لى شهرة عريضة تزيد حقيقة عن حجمى وتفوق فى الواقع اسمى .

لذلك .. أقرر أن تكون لندن هى الحلبة التالية لذلك الصراع المصيرى الحاسم وهذا السجال الخالد بينى وبين منافسى .. ومن أجل استعادة حبيبتى .

لم أقرر موعد السفر إلا بعد أن عرفت متى سيذهبان إلى لندن لقضاء الأيام القليلة الباقية من العطلة ، قبل الرجوع إلى البلد الذى يعمل به ، فتعللت بأن لى ارتباطات عمل هامة هناك فى هذا الوقت بالذات .

وكم كنت سعيدا وأنا أدعو جماعة الأصدقاء إلى إجازة قصيرة نقضيها معها هناك فى ضيافتى ، وذلك كى يأتى لقائى بهما طبيعيا عاديا ، ضمن المجموعة كلها ، كى لا أثير شكوك صديقها أو أحرك ريبته فى نواياى نحوها .

كنت فى أعماقى أرجف خوفا من فكرة زواج صديقنا الدبلوماسى من حبيبتى الحسناء ، كنت أشعر أن دخوله القفص الذهبى يعنى دخولى القفص الحديدى ، كنت واثقا أن زواجه منها سوف يقضى على مرة واحدة ، ويسجننى داخل أسوار سنين العذاب والأسى والإحزان .

لهذا .. من أجل عينيها البديعتين قررت أن أناضل حتى لا أفقد حبيتى التى انتزعها منى الموت مرة .. وكى لا أفقدها مرتين .

وكان لى ما أردت ، وصلنا جميعنا إلى لندن ، ورغبة عنيفة فى أن لا ابتعد عن حبيبتى تعتزينى ، تسيطر على نفسى ، ورغبة أعنف فى معرفة ما ستؤدى إليه هذه المنافسة السرية غير المعلنة ، تستبد ببعض الأصدقاء المقربين منى ، الذين كانوا يرقبون عن قرب ما يدور دون تدخل أحد منهم ، فقد كان أغلبهم يعتقد أن صديقنا الدبلوماسى لا يرغب فى الزواج من هذه الفتاة ، وأن كان لا يريد مصارحتها بذلك كى لا يفقدها وهو حتما يتسلى بها ، ويقضى وقتا ممتعا معها ليس إلا ..

وتشهد ليلى لندن الملونة ، الدافئة .. بل الساخنة ، صراعا حاميا ، وسهرات ومسامرات لا مثيل لها فى الأحلام  ، ففى كل ليلة نمضى جميعنا سهرة حتى الصباح .. وكل ليلة تختلف عن سابقتها .

نعم .. تعمدت أن أصنع كل ليلة أسطورة مبهرة تمر أمام عينى حبيبتى ، وكأن الصدفة وحدها هى التى صنعتها . كل ذلك ، كى ألفت نظرها نحوى ، فأنا أعرف أن أضواء الشهرة تخطف العيون وتزيغ الأبصار فى كل الأوقات.. كما أعرف أن للشهرة مرايا سحرية تضخم الأشياء وتضاعف من وطأتها على الإحساس !

وكما عرفت كيف أثبت ثرائى ، هنا وهناك ، عرفت أيضا كيف أبرهن مدى شهرتى ، كشاب سخى كريم ينفق المال دون مراجعة أو حساب .

ولم أنس أن أوصى مدراء هذه الملاهى الليلية ، شبة الأصدقاء ، بإعداد مظاهرة من أجمل الفتيات كى يأتين لى ، يسلمن على ، يناديننى باسمى ، يتوددن إلى ، وكأن كل واحدة منهن تتمنى أن تفقد نصف عمرها من أجل ليلة واحدة تقضيها . بين أحضانى .

تمر الأيام مسرعة .. وملامح الحبيبة المملوحة ترتسم فى نفسى مفاتنها ، فتثير شعورى وتحرك شجونى وتكاد أن تزيح عنى حزنى وهمومى .

تمر الأيام مسرعة .. تلك الأيام ذات الليال الشجية المؤثرة ، التى كاد الإرهاق يقتلنى خلالها ، فلا نوم ولا طعام ، ولا راحة فكر ، ولا هدوء بال ، ومع ذلك أحرص أن أبدو عبقريا ، حكيم الفكر ، واسع الثقافة ، ناضج الحوار كى لا تظننى أنسانا مسطحا ، تافه الشخصية .. فارغ العقل لا يعرف غير أنفاق المال . فأبدأ استثمر موهبتى التى أنعم الله بها على خير استثمار ، فأنا أجيد فن الحوار ، بفضل تعليمى العالى وقراءاتى المتنوعة ، كما أن لى صوتا عميقا ناضجا ، نابضا بالرجولة ، موحيا .. مؤثرا .

وتأتى الليلة الأخيرة .. آه ياللاسى .. باللاسف .. سيغادران لندن فى صباح الغد . وتبدأ السهرة فى الملهى الليلى الذى اختارته هى وحددته هى ، وتأتى ( بالصدفة ) جلستها إلى جوارى .

آه.. يا لوعة المشتاق فى قربه وفى بعده .. أنظر إليها غصبا عنى ، ولهفة المشتاق تنادينى رغما عنى أن أسابق الزمان وأمتلك الزمام .. وأنال المنال .

يا فرحة المشتاق حين يصادفه اللقاء المدبر واللقاء الآتى بلا تدبير .

ولأول مرة أحادثها وجها لوجه .. لأول مرة أناظرها عينا لعين .. وعينا المشتاق فيهما ( صورة ) من يحب ..

ترى .. هل ترى صورتها محفورة فى قلبى .. مستورة جفونى ؟! ترى ..هل ترى صورتها يكشفها لها عشقى .. يعريها لها شغفى ولعى .. جنونى ؟!

.. تمتد السهرة .. وقبيل الانصراف بقليل ، حين بدأ قلبى ينزف الحسرة
حزنا على اقتراب رحيلها .. إذ بها تميل نحوى ، تقول لى خبرا بدى بطريقتها البسيطة عاديا عابرا ..

خبرا .. زلزل كيانى كله ، رج قلبى من أعماقه ، وكاد وقع المفاجأة الخاطفة المباغتة أن يصعقنى ، أن يفضحنى .. نعم .. كاد هذا الخبر أن يسقط الصبر والتجلد والتحمل والتماسك عن نفسى  الخائرة الحائرة .

أنظر إليها سارحا فى عمق عينها ، وطنين حاد يدوى فى راسى ، أهمس لنفسى .. لن استغرب منها أى مفاجأة ، لن اتحدى ، لن أعاند .. لا .. لن تكونى لغزا يحيرنى منذ اللحظة الأولى حبيبتى .

يملأ الخبر خاطرى .. يتسكع الإحساس بالدهشة بين قلبى وعينى .. أسائل نفسى : ترى .. هل هى تناورنى ؟! أم تراها بدأت هى الأخرى تيارا من التحدى ؟!

آه .. لا تغضبى منى حبيبتى .. فأنت من حقك أن تناوى .. ومن حقك أيضا أن تواجهى .. أن تحاورى .. فماذا تريدين حبيبتى ؟! ولماذا قلت لى ما قلت ؟!

لك ما تريدين أيتها الحبيبة حتى لا أجعل نشوة الفرح تطغى على نفسى .. تغمرها ، فترتسم رغما عنى على ملامح وجهى فيلمحها الجالسون حولى .

..  أبقى صامتا عاجزا عن الرد على سؤالها ، أهمس لنفسى غير مصدق قولها .. أتساءل حائرا:

– أمعقول .. ما تقول ؟!

هى تقول بكل بساطة أنها ستتخلف فى لندن بضعة أيام تبقى فيها مع والدتها التى ستصل غدا لإجراء بعض فحوص طبية !

آه بالفرحة المشتاق .. هى لن ترحل غدا أذن . حمداً لله .. حمداً لله .

هى تسألنى بنفسها : هل ستبقى هنا .. أم أنك ستسافر غدا أيضا ؟!

بم أجيب ؟! ماذا أجيب ؟! هل أقول لها أنا لم آت هنا إلا من أجلك أنت وحدك حبيبتى ؟! بم أجيب ؟! هل أقول لها أننى لم أترك كل مسؤولياتى وأعمالى إلا لأكون قريبا منك .. أنت .. أنت وحدك يا حبيبتى ؟!

آثر الصمت .. وكان للصمت ألف لسان ، وبعد أن تمالكت نفسى ، خبرتها أننى سأبقى هنا حوالى عشرة أيام كى أنهى بعض الصفقات الهامة للشركة .

تبتسم .. فتبتسم الدنيا كلها فى ناظرى . لم أر ابتسامة أجمل من تلك التى ترسمها شفتاك المكتنزتان حبيبتى .. ولم أر نظرة .. أجمل من نظرة عينيك العذبتين حبيبتى .

.. تنتهى السهرة كأبدع ما تكون فالفرحة فى القلب غامرة ، والغصة فى الروح غائرة ، ولوعة الفراق بائدة .. حمدا لله .

يخبرنى صديقنا الدبلوماسى أنه مضطر للسفر فى الصباح لأن أجازته قد انتهت ولابد من العودة سريعا إلى العمل لانجاز أعمال كثيرة مكدسة فى انتظاره ، وهو سعيد بتركها هنا لتكون فى رفقة والدتها المريضة التى ستصل عصر الغد ، كى لا تعطله عن أتمام المطلوب منه فور رجوعه .

يخفق قلبى لوقع هذا الخبر الحلو ( العادى ) كل الخفق ، افرح فرحا ينسينى حزنى المضنى العتيق ، وأفكر .. كيف يمكننى أن ألقاها ؟! أكاد أسأل أين ستقيم بعد سفر الصديق .. لكننى أدارى لهفتى عليها .. وأصمت .

أكاد أعاتب قلبى ، أهمس له شفقا : أرجوك لا تكشف أمرى ، لا تفضح فرحتى ، أطمئنه واعداً : أحببتك قلبى قبل أن تحب من أهوى .. فكيف لن أعرف مكان حبيبتى؟!

تأخذنى أشواقى نحوها ، أحس أننى منجذبا مثل الكوكب إلى نجمى الأثير .. فتتبدد حيرتى .. وتزهر نشوتى .. وتحلو سهرتى ..

يحين وقت الوداع . نفترق حبيبتى ، يفضل قلبى صحبتك أنت حبيبتى . هو معذور لاشك .. فهو يعلم بحالى .. ويريد أن يخفف عنى ما جرى لى .

.. تغيبين عنى حبيبتى ، يبتلعك ازدحام المدينة الغربية الغريبة .. تضيعين منى حبيبتى .. لكننى لا أنهزم ، مستحيل أن أفقدك مرتين لا .. لن أفقدك مرتين ..

وبعد فترة انتظار طاغ رهيب ، أستطيع بطرقى الخاصة أن أعرف أين تسكن ، وبطرقى الخاصة أيضا ، اقدر أعرف كل شئ ، متى تصحو ؟! متى تخرج ؟! أين تذهب ؟! متى تعود ؟! .. بل متى تنام ؟!

خصصت لها من يراقبها بكل دقة ، دون أن تشعر ، إلى أن جاء يوم انتظرت فيه خروجها من الشقة التى تقيم بها ، وفور طلوعها من الباب نزلت من السيارة التى كنت انتظر بها ، وسرت على الرصيف بحيث التقى بها ( صدفة ) مدبرة .. وجها لوجه .

كان ذلك بعد ثلاثة أيام من سفر صديقها ، صبرتها على نار وتحملتها على أحر من الجمر ، فقد كنت أجهل مشاعرها  نحوى ، ولا أعرف ردة الفعل عندها تجاهى ، وتصافحنا … سألتها عن الصحة والحال والأحوال .. وكيف حال الوالدة ؟! ومتى السفر ؟! فقالت : الوالدة بخير والحمد لله .. وسنسافر بعد أيام قليلة فور أن أنتهى من مشترياتى وبعد أن تسترد الوالدة صحتها .

أسلم عليها ، أعطيها رقم تليفونى الخاص فى شقتى بالمادى فير ، أؤكد عليها أن لا تتردد فى الاتصال بى إذا احتاجت أى شئ ، أكرر أن لا داعى أبدا أن تتردد فى الاتصال بى ، بالذات فى غياب الصديق فنحن هنا كلنا تحت أمرها .

أتركها .. وأمشى .. أمشى يا وعدى .. يا أملى .. يمحو حزنى أن أسمع صوتك حبيبتى ، تتحول الطرق حدائق غناء .. يصبح الخريف ربيعا .. تمسى الثلوج ورودا بيضاء تزين الأشجار الجرداء .

وأمضى .. أمضى يا وعدى وأنا أسائل نفسى يا  بعد قلبى .. لماذا تتساقط كلماتك حبيبتى فى أعماقى .. ولا تعرف شفتاى غير هدير الصمت ؟! فهل تأتينى كلمة واحدة منك تشجعنى على الاقتراب منك .. لأعود أشدو بعاطفتى وأحلامى .. وعشقى النافذ من مسام جلدى .. حتى نخاع عظامى ؟!

آه حبيبتى .. هل تخابريننى حبيبتى ؟! هل تحتاجين احدى خدماتى ؟! روحى لك ( فدوه ) أقدمها لك .. بس سمعينى صوتك حبيبتى .. أرجوك .. اطلبينى عبدا تجدينى عندا عند قدميك .. رهن أشارتك .. أطلبينى .. أأمرينى ..

ها أنذا أكاد أصارح الدنيا كلها بأنى لك وحدك ، حبيبا لك وحدك .. أكاد أسجن نفسى بانتظار مكالمتك . سأظل أنتظر إلى أن تبارحنى قوة الصبر ، وتفارقنى قدرة الاحتمال .. فأتراجع .

لا .. لن أجعلها تشعر أننى ( أخطط ) لها ، سأترك الأمور تسير على طبيعتها ، وسأجعل جهاز التسجيل الآلى يجيب من يخابرنى ، فعسى أن تترك لى رقمها حين تتصل ولا تجدنى ، كى لا أحرج نفسى بسؤالها عن رقم هاتفها .

أخرج من الشقة هاربا ، كى لا يقتلنى ثقل الانتظار ، فالجدران تكاد تطبق على صدرى تخنقنى ، أخرج أرقب أجواء رمادية مريرة المذاق ، أخرج أجول طرقات مدينة كثيبة يأسرها الضباب .. أحس حينها أننى صرت فريسة سهلة للقلق والزهق والغرق فى شلال الضياع .

أعود مع الليل .. ألمح لمبة الجهاز الحمراء الضئيلة مضيئة تنبئنى بوجود مكالمات لى ، فإذ بهذا الاحمرار ينتقل إلى بدنى كله ، أحسنى شعلة من الوهج تترقب فى وجل .. انهمار الأصوات .

أدير الجهاز واجفا ، فأسمع تسجيلا بصوتك الهامس حبيبتى . اسمع أعذب الكلمات ، أعود ألمس الجهاز بأصبعى فى حذر شديد ، أعيد سماع صوتك مرة ثانية وثالثة .. وتاسعة عشر !.

أنت أذن تحادثيننى .. أنت أيضا تعانين الملل والزهق .. وتريدين الخروج للسهر معى الليلة .. يا فرحة قلبى .. ويا هناء أيامى . لكن .. لماذا لم تتركين الرقم ؟! لماذا لم تحددى ساعة معينة للاتصال بى ثانية ؟!

وأبقى انتظر .. فرحا متهللا مترقباً سماع صوتك واقتراب لقائك .. وأتساءل .. كيف سأقدر أن أدارى فرحتى باللقاء ؟!

ويرن التليفون .. هى .. هى تتكلم ، وأكاد أسمع سؤال تشوبه رنة عتاب .. كان تليفونك مشغولا مدة طويلة .. مع من كنت تتكلم ؟!

آه .. لو تعرفين حبيبتى .. كنت أتكلم مع صوتك ، كنت أدخل كل حرف من كلماتك فى أعماق قلبى ، كنت أستعيد شريط صوتك حبيبتى .. آه .. لو تعرفين كم أنا مشتاق إليك .. مشتاق أنا على مدار الساعة حبيبتى .. قلبى يخفق لك الحب ليل نهار حبيبتى ..

أتكلم معها بطريقة عادية ، أجيبها بصوت أحاول أن أجعلها هادئاً رزيناً كى لا يشى بفرحتى أو يكشف سعادتى :

– لا لا .. لست مرتبطا بأى موعد الليلة .. مجرد سهرة عادية على العشاء مع بعض الأصدقاء .. حسنا .. وهو كذلك سأمر عليك قبل الواحدة .

أضع السماعة مكانها . وكأن أمى تضعنى من جديد . كأننى أولد فعلا من جديد . حقا .. أنستنى همساتك الحلوة حبيبتى وحشة الوحدة وضراوة الانتظار ..

استرجع كلماتك الناعمة الملساء :

– أرجوك .. لا تدع واحدة من صديقاتك الليلة .. فأنا أحب أن أسهر معك وحدى .

آه .. معقول ؟! هل يأتى الخريف رغم الربيع .. وتتعرى الأشجار من أوراقها ؟! سنوات وأنا محروم منها .. وها هى تسوقها الأيام لى .. بعد ساعات معدودات ستكون معى فى سيارتى .. لا .. لن أدعها تهجرنى .. لن أدعها تغادرنى .. لن أدعها تضيع منى .. فأخيرا .. أخير .. وجدتها .

وأبدأ على الفور ( ترتيبات ) خاصة مبهرة ، فأتابع اتصالاتى ( الفنية ) بعدد من المساعدين وشبة الأصدقاء للإعداد لسهرة كون فى ذروة المفاجأة ، تتجاوز أحداثها توقعات الخيال .

انتهى من إعداد كل شئ كما يروق لى ، وكما يناسب مزاجى تماما ، أبدأ بعد ذلك انتقى أفخر الثياب .. ثم أخرج إلى لقاء الحبيبة حسب الموعد المحدد . فأذهب إلى العنوان الذى أعطته لى بعد منتصف الليل بأربعين دقيقة ، أطلب من السائق أن يقف أمام الباب ، أخابرها من السيارة أننى موجود تحت فى انتظارها .

اقبع فى المقعد الخلفى ، انتظر نزولها من برجها العالى ، أنتظر حضورها بجمالها العاتى .. أحاول جاهدا أن أتمالك أعصابى ، تحسبا لتلك اللحظة الحاسمة ، أبدأ أشحن عيونى وكل حواسى بأسلحة خفية سرية لمقاومة سحرها ، كى لا أبدو ضعيفا واهنا أمامها ..

و .. تأتى تبتسم ، تحى ، تسلم ، تجلس بجوارى .. أسأل متماسكا هادئا :

  • أين تحبين تسهرين ؟!

تقول فى دعة ودلال :

  • أى مكان يعجبك .. اختار لى أنت .

كنت أتوقع هذه الإجابة بالضبط ، لذلك رتبت مع مدير الملهى العربى الليلى ، صديقى ، برنامجا ( خاصا ) يحوى عدة مفاجآت ، أردت أن تعرف من خلالها مه من تجلس .. ومع من تسهر .

أخبر السائق باسم المكان ، فيهتدى على الفور إلى العنوان ، فهو سائقى الماهر المدرب على كل روحاتى وغدواتى وسهراتى ، تنطلق بنا السيارة تشق الهواء البارد إلى ذاك المكان الذى حددته مسبقا ، والذى رتبت به كل شئ مقدما ، كى أعرف عنها كل كل ما أريد معرفته .. بطريقتى الخاصة أيضا ..

وكانت توجد فى هذا الوقت فى لندن امرأة عربية مشهورة بمعرفة الطالع ، كان يتردد على مقرها فى بلدها الجبلى كبار الشخصيات وبعض الزعماء السياسيين لمعرفة طالعهم ، ونتائج انتخاباتهم ، وللوقوف على بع    المعلومات التى يحتاجونها للوصول إلى حقائق هامة ، وكان معروفا عن هذه المرأة شهرتها بمهارتها ولطف شخصيتها ، فأرسلت لها من يتفق معها على الحضور إلى هذا الملهى خلال ساعات معدودات ، وذلك بعد أن خابرتنى حبيبتى مباشرة وجعلت للعرافة حرية تحديد المبلغ الذى تريد .. شرط أن تأتى وتبقى معنا .. إلى أن نأذن لها بالانصراف .

.. ندخل الملهى .. يأتى المدير مهللا مرحبا ، يقول لى على مسمع من حبيبتى :

  • أهلا أستاذنا .. مرحبا مرحبا .. يسعد هالمساء .. حزر من هنا ؟! فاطمة البصارة .. سهرانة الليلة معنا .. تحب تشوف لكم البخت والطالع ؟!

أنظر نحو حبيبة قلبى باسما متسائلا ، فتهز رأسها وتقول فى فرح حقيقى :

  • يا ريت .. موجودة هى هنا الآن فعلا ؟!

وفى لحظات .. ندلف إلى قاعة سرية خاصة بكبار الساهرين من مشاهير الشخصيات ، تحضر إلينا العرافة .. أتركها تجلس مع حبيبتى ، لتفتح لها قلبها .. وتخبرها بكل شئ عن حياتها .

ويأتى دورى ، على انفراد ، لا لترى لى بختى ، أو لتكشف لى طالعى ، وإنما لتحكى لى ماذا قالت لها حبيبتى ، وماذا تعرف عنها ، مم تشكو ، ماذا تتمنى .. وماذا تريد .

أنقدها فوق أجرها بسخاء ، أأمر أحد العاملين بالملهى باصطحابها إلى سيارتى كى يوصلها السائق إلى الفندق الذى تقيم به ، أودعها شاكرا لها حسن صنيعها .

تبدأ السهرة . وينضم إلى طاولتنا بعض الأصدقاء وصديقاتهن المزورات ، اللاتى تم توصيتهن مسبقا بمغازلتى من تحت لتحت ، وبإبداء محاولاتهن اليائسة للوصول إلى قلبى أنا .. دونا عن أصدقائهن .

أحسن نشوة خفية ، وأنا أشعر غيرة غير مرئية تشتعل فى نفس حبيبة قلبى ، وهى تلمح محاولات الحسان الساهرات المستمرة للتعرف على والتقرب منى .

آه يا قمرى لو تعرفين .. لو يسعنى لقول للدنيا كلها .. هذا حبى .. وهذه حبيبتى .. فأنت لو تغيبين عنى ستبحث عنك نبضات القلب ، وتفش عليك خفقات الروح .. وتسرى لك همسات الشفاه .

وما تلبث أن تضيق حبيبتى بالوضع القائم ، تتعلل بصداع طارئ مباغت ، تطلب منى أن أوصلها للبيت ، وأن أعود إلى تكملة السهرة إذا حبيت .. لا أعترض على رغبتها ، أنهض على الفور لاصطحابها .

أعد الأصدقاء بعودة سريعة ، مؤكدا عليهم أن ينتظرونى ، طالبا منهم ألا يبرحوا المكان .

وفى السيارة ، تخبرنى أن معدتها تؤلمها ، وأن رأسها ثقيل تكاد لا تشعر به ، وأنها تعانى من تعب مفاجئ ربما كان بسبب إكثارها من الطعام والشراب .

أوصلها إلى البيت ، وأوصل قلبى معها ، أودعه عندها .. أودعها ، أرنو إليها عاشقا ، خافقا ، نابضا ، فقد استحال جسدى كله قلبا كبيرا والها يأبى إلا أن يحتويها ويعانقها ويضمها ..

أقاوم نفسى بمشقة ، أجذب روحى بصعوبة ، ابتعد عنها بشرعة حتى لا أسقط فمى فوق شفتيها المكتنزتين أقبلها بشوق عمرى كله أدير وجهى إلى الأمام ببطء وأطلب من السائق الرجوع بى إلى نفس المكان ..

أعود إلى تكملة السهرة مع الأصدقاء ، الذين يصابون بدهشة حقيقية لرؤيتى أمامهم ، فقد كانوا يتوقعون منى أنا العاشق الولهان ، أشياء أخرى ، خاصة وأنها قد أبدت إعجابها بى بطريقة مكشوفة لم تخف على عين أحد .

و.. أعود إلى الشقة الواسعة ، وحيدا كئيبا مثقلا ، شاعرا بخدر خفيف يسرى فى بدنى .. معانيا من رغبة عنيفة فى وجودك معى حبيبتى ، هنا .. بجانبى ، تذيبين ثلوج وحشتى .. تبددين بحضورك الرائع برودة وحدتى .

أخلع ثيابى متباطئا ، ألقى بها هنا وهناك .. فليست عندى رغبة فى تعليقها أو ترتيبها ، أذهب إلى المطبخ أملأ معدتى العطشى بعدة جرعات من الماء ، ارجع إلى غرفة نومى ، أرتمى على فراشى راجيا أن .

أنام .. وطيفك الشهى الندى يملأ بفيض بهائه حبيبتى .. أرجاء المكان .

يرن جرس التليفون ، أكاد ولا أرفع السماعة ، فهذا بالتأكيد واحد من الأصدقاء يريد أن يتابع معى بعض القفشات والنكات ، لكن .. لا .. هاجسا ما مفاجئا يراودنى .. ربما تكونين أنت حبيبتى .. أحساس غامض مباغت يندفع داخلى عنوة يشعرنى أنك أنت التى تتصلين تطلبين .

أسمع صوتك حبيبتى .. اسمع صوتك عاتبا لائما :

– تأخرت .. السهرة كانت حلوة ؟! هل يوجد أحد  عندك ؟! لم يأتنى نوم .. عندى صداع .. سآتى بعد دقائق لأكمل السهرة معك .

أضع السماعة مكانها فى صمت وذهول واستسلام . أقعد بضع دقائق التقط أنفاسى اللاهثة المتقطعة .. أنتبه لنفسى أثر وقع هذه المفاجأة المدهشة ، أثب فرحا أقفز من فراشى أطالع الغرفة بنظرات زائعه ، فهى فى حالة فوضى واضحة ، أحاول بسرعة ترتيبها ، أبصر شكلى فى المرآة ، أرتدى على الفور ملابس السهرة كاملة ، حتى الجورب والحذاء وربطة العنق ، أرض رذاذا من عطرى المفضل فوق ملابسى ..

أخرج إلى غرفة المعيشة انتقى شريطا لإحدى أغانى أم كلثوم ، أدير جهاز التسجيل .. وقبل أن أتمكن من استعادة رباطة جأشى ، وتهدئة انفعالى .. والتقاط أنفاسى .. أسمع دقات رقيقة تقرع الباب .

دقات رقيقة خافتة تكاد أن تبتلعها دقات قلبى المدوية الهادرة الصارخة .. قلبى ذاك المولع العاشق المشتاق ..

تدخل حبيبتى يسبقها عطرها العبق الفواح فيملأ شذاه أنفى ورئتى .. يسرى فى دمى .. يتسلل إلى قلبى وعقلى .. حتى يستقر فى عمق النخاع ..

.. أقف صامتا مبهورا مسدوها .. أطلعها مأخوذا بعينين عاشقين والهتين ، أقفل الباب خلفها ، أحكم إغلاقه بالمزلاج كأننى أخشى .

خروجها وهروبها .. أنظر نحوها مبهوتا وأنا لا أصدق أنها جاءتنى .. حتى عقر دارى .. بنفسها .. وأنها الآن .. هنا .. معى .. أنا .. وحدها !

آه .. بالروعة السهر والطرب مع الأحباب ، آه .. يالروعة اللقاء بعد طول الشوق وطول الغياب ، أن أشواق الدنيا كلها لا تطفئها ليلة عشق بطولها .. فكيف أطفئ شوقى إليك حبيبتى ؟! كيف أجعل قلبى يكف عن الأنين لبعادك عنه حبيبتى طول
هذه السنين ؟!

آه .. كيف أقترب منك حبيبتى ؟! كيف أدخلك واحتى الصغيرة التى نبتت فيها شجيرات الصبر والأسى والانتظار ؟! كيف أجعلك تزيلين مرارة الصبار .. تنزعين أشواك الانتظار ؟!

فهل تكونين أنت حبيبتى ؟! هل تحققين معى هذا الانتصار ؟! لا لست جسور
إلى هذا الحد حبيبتى .. فانتظرى ، انتظرى حتى تواتينى شجاعتى ، وتوافينى جرأتى ، فأدنو منك .. أطفى بك نار حرمانى ولهيب أشواقى وحريق لهفتى .

تدخل ، تخطو ، تسأل :

ضايقتك ؟! كنت ستنام الآن ؟!

أجيب بصراحة مشوبة بشئ من الحرج :

  • لا.. ليس النوم سهلا إلى هذا الحد .. أحيانا كثيرة أٍهر حتى الصباح .

تضحك ، تجلس على الكنبة ، تضع ساقا على ساق ، وعيناها تجولان تفحصان محتويات المكان ، تقول :

  • ذوقك حلو .. الشقة شيك جدا .

أشكرها على إطرائها حسن ذوقى ، أغمغم واعدا :

  • لما تشوفيها كلها أكيد ستعجبك أكثر .

تعود تسأل فى دهشة :

  • كيف وجدت هذه الشقة الواسعة فى المادى فير ؟! الشقق الكبيرة هذه ناردة جدا فى لندن .. اشتريتها من زمان ؟!

أقول فى تواضع يشوية بعض افتخار :

  • فى الحقيقة أنا تعبت عليها كثير .. هى فى الأصل كانت شقتين منفصلتين .. وبعدين فتحناهم على بعض فطلعت شقة كبير صعب تلاقى مثلها .. بالذات فى هذه المنطقة .

تستدير نحوى بكل جسدها ، تقول فى ألفة ودلال :

  • الشقة دافئة جدا .. تسمح لى أقلع البالطو ؟!

ودون أن تنتظر منى ردا ، تنهض ، تقف ، تنزع معطف الفراء ، وتبقى تتألق أمامى بفستانها الحريرى الأحمر النارى العارى الأكتاف ، فتبدو لعينى كأنها حورية حوراء هاربة من قصص ألف ليلة وليلة ، وكأننى أنا العاشق الولهان الذى خطف رداء الريش ، كى لا ترجع تطير إلى بلدها ، بنت ملك الجان !

أقف أمامها مبهورا بحسنها ، مأخوذا من جمالها ، أحمل المعطف .

الثقيل عنها ، أضعه فى وفق على المقابل ، أعود أجلس بجانبها .. وعقلى يخلط بن الماضى والحاضر ، يمزج بين صور غريبة متلاحمة ، تتوارد ، تتساقط على ذهنى المشوش فتصيبنى بما يشبه  الدوخة أو الدوار !!

أبقى صامتا واجما واجفا ، أنظر إليها ذاهلا غارقا فى قاع الذكريات ، وكأننى ملاح ضائع فى بحار الأحزان ، تعبث به العواصف ، تلهو به الأنواء فيتوه عن ناظريه .. مرفأ الأمان .

أسرح وحدى .. يرجعنى حنينى لذكرى حبيبتى ، أحاول أن أتخايل على حيرتى ، كيف أبدأ معها ؟! أبحث داخلى عن الشعور بالشجاعة ، أعود أنظر فى شوق إليها ، أحسها تحمل سهاما ثاقبة كثيرة العدد تصوبها نحوى ، أشعر بها ترسل أشواقا حارة خارقة تجتاح دربى ، هى تطيل النظر إلى ، تتعمد أن تقترب منى أكثر ، أنفاسها الحارة تلفح وجهى بلهيبها .. أحادث نفسى ممنيا روحى بسعادة آتية : آه .. ياليلة موصولة العشق حتى الصباح .. ها هى حبيبتى قابلتى تزورنى كأنها تعتذر بحضورها عن ليالى الفراق .. لكننى .. مازلت أسمع صوتا حائرا مسائلا : هل أنت حبيبتى ؟!

أم أنك فقط مجرد صورة منها .. لكنك تختلفين عنها ؟!

.. أدنومنها ، آخذها فى صدرى أحتويها بروحى ، أعانقها بقلبى .. افقد القدرة على النطق والكلام والحوار ، أرغب عن كل شئ حولى سواها .. ناسيا بأسرها .. عداها .. أضمها بين ذراعى بفرح الناجى من الغرق ، أربت عى ظهرها فى حب وحنان .. شاكرا مقدرا حضورها لأنها لم تدعنى الليلة فريسة للوحدة ، ونهبا لألم الذكرى وتوحش الحزن ووحشة القلق وضراوة الانتظار .

لكن .. ما .. هذا … ؟! أين هى عنى ؟! لماذا لا تنفعل معى ؟! أين إحساسها منى ؟! وما هو شعورها بى ؟! آه .. إنها تحلق بأفكارها فى موقع آخر ، روحها تحوم حول شخص آخر .. هى لذلك لا تتجاوب معى ، لا تتأثر بى ، أن صدرها يضيق بأنفسها ، وها هى تنهيدة حارة حارقة تتصاعد ، أحار فى تفسيرها ، هل هى تزفر لهيب الشوق .. أم هى تنفث أنين الندم ؟!

أمسك وجهها بكلتى يدى ، أتأمل والها ملاحة ملامحة ملامحها ، أحرك رآها نحو ضوء اللمبة الخافتة الملاصقة للكنبة ، أغوص بقلبى فى عمق عينها العذبتين ، أحوم بروحى فى نفسها .. باحثا عن روح حبيبتى الرحلة فى حنايا روحا .. لكنى أعجز عن العثور على أثرها !!

أسألها مستفسرا عما ألم بها ، تعتدل فى جلستها ، تفتح حقيبة يدها تخرج علبة سجائرها ، تشعل سيجارة بسرعة وعصبية دون

أن تعطينى فرصة لإشعالها ، تقول فى صوت خفيض :

  • أبدا .. ما فى شئ .
  • شكلك غير طبيعى .. أخاف يكون تصرفى ضايقك .
  • لا .. أبدا .. أنا كنت متضايقة من الأول .. تذكرت كلام المرأة اللى شافت لى البخت .. تصور .. قالت لى حاجات كثيرة صح .. والليلة بس عرفت أنى كنت عايشه فى وهم وخداع .

تبرق فى عينى نظرة انتصار ، أداريها على الفور بالانحناء لالتقاط كوب المشروب ، أقول متغابيا فى مكرودهاء :

  • هى شاطرة على أى حال .. كبار المشاهير يروحون لها يأخذون رأيها .. حتى السياسيين ما يقدروا يستغنوا عنها تلاقيهم يسألونها عن نتائج الانتخابات وعن بعض الخلافات .. وحتى فى ناس كثير من خارج بلدها يسافرون لها مخصوص بعدما يسألوا عنها ويستدلوا على عنوانها .

وهنا .. ينطلق فجأة سؤال يخترق رأسى كالسهم المارق فالتفت نحوها أسألها :

  • أنت كيف عرفتى عنوانى ؟! كيف حصلتى عليه ؟!

وإذ بها تضحك وتضحك .. تجيب وهى تمسح عينها بظهر كفها :

  • الآن بس افتكرت تسأل ؟! لا .. هذه حكاية طويلة .. لا أعرف كيف أبدأها من الأول .. وألا من الآخر ؟!

أتعجب من عدم إجابتها ، لا تعجبنى طريقة مراوغتها ، أنظر إليها وكلى رغبة فى سماع ردها ، أقول :

  • خبرينى الأول .. كيف عرفتى العنوان .. وبعدين أحكى لى الحكاية من الأول للأخر.

تقول ضاحكة :

  • أخذته من صاحبك أبو صالح .

يرتج على الموقف ، يصعب على سماع ذلك ، دون أن أبحث عن
التفاصيل أسأل:

  • متى ؟!
  • الليلة .. ونحن سهراني أعطانى إياه .. وقال لى أنك بتحبنى بس محرج تصارحنى .

آه .. لن أحرج منك حبيبتى ، فصراحتك تبهرنى ، تشعرنى أنى أمام امرأة تعرف كيف تواجه الموقف ، كيف تناور الشخص .. كيف تحرك الحدث .

أريح نظراتى على ملامحها .. أفطن إلى نوع نظرة العين .. إنها تختلف عن نظراتك أنت حبيتى ، كنت أرى فى عينيك أشياء أخرى ، كان يعجبنى لمعانهما ، كان يأسرنى بريقهما .. كانت نظرتهما تشيع الدفء من حولى دون أن ألمسك .

أشيح ببطء بوجهى عنها ، أنظر بأسى فى اتجاه آخر ، وأنل لأحس بعض أشياء تنطفئ ، وبعض مشاعر تتبدد .. آه .. با له من موقف غامض لم أكن أتوقعه !

أسائل نفسى لائما معاتبا : كيف أصبح أنا الفريسة .. وتصير هى الصياد ؟! كم أمقيت هذا الوضع المقلوب المغلوط .. كيف يحدث ذلك لى وأنا الذى كنت إطارها بإصرار منذ اللحظة التى رأيتها فيها ؟! كيف تسمح لنفسها أن تفكر فى اصطيادى وأسرى واسقاطى ؟! كيف تخفى شباكها فى عينيها .. كيف تدارى فخاخها بين أهدابها ؟!

آه.. كيف تدخل غابتى ، تقتحم عرينى ، تمتهن وحدتى ، تمتحن أرادتى ؟!

أعود أنظر إليها نظرة هارب كاد يقع فى الأسر ، أعود أدقق فى عينيها بطريقة طبيب يحاول تشخيص الداء ، أهمس لنفسى فى صمت وأناة واقتناع .. حقا .. أنت تختلفين .. تختلفين كثيرا عنها . لا .. لست أنت حبيبتى . فالاختلاف واضح فى رنوة العين ، فى نبرة الصوت ، فى طريقة الحوار ، واللهجة والتفكير .

أرجع أؤكد لذاتى : هى توأمها فى جاذبية جمالها ، فى تكوين جسدها ، فى بريق حسنها ، لكنها ليست هى فى روحها ، فى إحساسها ، فى إشعاع سحرها ونقاء قلبها وصفاء حسها .

.. وقبل أن أسبح فى بحار سرحان وأحزان ، إذ بها تحرك دفة سفينتى نحوها .. تشدنى إلى مرفأها ، تدفعنى نحو برها ، تنظر صوبى فى إغراء وإغواء ، تقول بانطلاق:

  • سأحكى لك الحكاية من الأول .. أنا عارفة إنك معجب بى من أول ما شفتنى .. لاحظت دهشتك لما التقت عيوننا .. من ساعتها لم تفتنى حركة يجيبك : لا .. لن أتزوج غيرك حبيبتى .. ولن أكون زوجا لامرأة أخرى سواك :. آه .. أيتها الراحلة بلا عودة .. لا .. لم يمتد بى النسيان .. مستحيل أن أخون عهدى لك .. مستحيل أن أنساك .

اتخذ قرار قاطعا حاسما لا أحتاج معه إلى تبرير أو ؟أعذار .. لا تعنينى الأسباب ( هى .. ليست .. حبيبتى ) فهناك شئ هام ينقضنا ، هناك شئ هام يفرقنا .. تنافر الروح . اختلاف المشاعر . غياب الإحساس .

يتحرر الكوكب من جاذبية نجمة الأثير .. ينطلق فى الفضاء الرحب مرتحلا ، يحلق مبتعدا .. ممعنا فى البعاد على هواه .. خارجا من نطاق أسره .. وحدود منفاه .

يطبق الصمت على الإنحاء .. تخفت الأضواء .. تظلم الأجواء .. تموت اللحظة .. يتوقف الزمن عن الدوران !.


وكان كما هو .. عاشقاً

فى قاعة الفندق الكبير ، حيث كانت تتلألأ أنوار الثريا البلورية الفاخرة ، وتسبح حولها سحب الدخان المتراقصة .. رأيته . تحت آلاف الحزم الضوئية الملونة.. لمحته .. فعكس البريق البلورى البديع نظرات عيوننا التى اتصلت .. وكأن لا أحد فى القاعة المزدحمة الواسعة .. غبرنا !

.. لم يختلف كثيراً عما كان ، عندما عرفته قبل ثلاث سنوات هو .. كما هو ، وسيماً ، أنيقاً ، هادئاً ، صامتاً ، وأثقاً .. عاشقاً!

كانت طبيعة عملى فى إدارة العلاقات العامة تتيح لى أن التق الكثير من الرجال ، إلا أننى بمجرد أن التقت عيناى بعينيه ، عبر أول نظرة ، منذ سنوات ثلاث ، شعرت قلبى يخفق بسدة .. كأنه يغرق مستسلماً مستسيغاً فى بحيرتى عسل ، داكن عميق القرار.

قاومت .. فلم أكن ارغب فى الانسياق وراء تلك الخفقات .. تعمدت أن أتجاهلها .. وأن أتابع عملى الذى أحب بكل ما عرف عنى من دقة وخبرة ومهارة .

ولكن .. هذا الاجتماع السنوى الأخير لمدراء فروع الشركة فى الخارج ، جاء فى وقت صعب من حياتى ، جاء بعد سنتين تعيستين من زواجى وجاء هو معه .. لأجله ؟! لأجلى ؟! لست أدرى .

استغرق الاجتماع اليوم وقتاً طويلاً ، وعلى خلاف العادة ، لم أشعر أن هناك شيئاً ما ينتظرنى ، رغم حلول الليل وأفول المساء ، لم أهتم بمتابعة مسؤولياتى الأخرى خارج دائرة العمل ، وبقيت كلى هنا ، قلباً وقالباً ، عقلا وعاطفة ، لا أرى ولا أشعر .. إلا ذاك الرجل الناضج الصامت الذى يتكلم بعينيه العسليتين .. أبلغ كلام .

وأعيش فى عوالم حب .. عطرة .. عبرت حياتى منذ زمان أذكر كيف كان أول لقاء لنا هنا ، فى نفس القاعة ، أذكر جيداً كيف حاول محاولات عدة عاقلة ، نمت عن ذكاء أكيد ، ومراس كبير ، وخبرة سابقة ، نعم ، أستطاع ببساطة شديدة تشئ بفهم ونضج ومران أن يعرف اسمى وعنوانى .. ورقم هاتفى !

وأذكر.. ما لت أذكر ، كيف انتهى ذاك الاجتماع القديم ، وها أنا أقف عند باب القاعة مودعة ، فقد كان مسافراً عائداً إلى مقر عمله فى الخارج ، صباح اليوم التالى ، وكم كانت مفاجأتى مذهلة حين خبرنى أنه مضطر أن يذهب الآن بعيداً عنى ، لأنه لا يقوى على الوقوف طويلا أمامى ن ولا يقدر على النظر طويلا .. إلى عيونى !

وأعود إلى البيت فى تلك الليلة الحالمة ، وأنا لا أملك إلا أن أفكر فيه ، أعيد كل كلمة ، استرجع كل نظرة ، وأبيت وخدر خافت أحسه يشدنى نحوه .. يجذبنى إليه !.

.. وما ألبث أن أفيق إلى نفسى ، لا .. ليس هذا هو الرجل الذى إليه انتمى ، فهناك ما زال الآخر قابع فى قاع حياتى ، رابض فى مفترق طريق عمرى ، حقاً .. أنا مخطوبة ، ولن أنسى أننى على وشك الزواج خلال شهور قليلة من أبن عمى .. رغماً عنى .

و.. أنزع ملابسى فى تكاسل ، ألقى بها على المقعد فى فتور أقف أمام المرآة الواسعة فى غرفة نومى ، أنظر إلى جسدى .. كأننى أراه للمرة الأولى !

اسندح على الفراش فى استرخاء ، أحاول أن أبقى قوية ، أكافح كى أتماسك ولا ارفع سماعة الهاتف لاحادثة ، بعد أن أعطانى رقم غرفته فى الفندق الذى يقطنه ، وهنا .. أوقن أنه لم يأت من أجل الاجتماع .. وإنما جاء من أجلى أنا فقط ، ليرانى ويسمعنى ويبثنى شوقه وعشه .. كما أعتاد دوماً أن يفعل .. منذ ثلاث سنوات سابقات ، وحتى لا أدعه يشل أرادتى  ويحتل مساحة أكبر من تفكيرى ، اسحب الغطاء فوقى لأنام .. ويا ليتنى أقدر أنام !

أنهض، أذهب إلى الشركة فى الصباح الباكر ، بعيون حمراء ورأس مثقل ، وبدن مرهق ، ونفس حائرة خائرة ، وروح هامدة واهنة ، أجلس ناعسة لا أدرى عن نفسه شيئاً ، لا أعرف كم مضى من وقت.. قبل أن تدخل إلى مكتبى .. سلة ورود حمراء ، دون بطاقة ، دون اسم ، دون عنوان ، وعلى الفور أعرف المرسل .. أنه هو ، أنه يعرف أننى أعشق الورود الحمراء.

يخفق قلبى من جديد .. أتساءل .. أما زال يذكر ذاك الحب القديم الحبيب حين كنت أعمل معه فى مقر الشركة الرئيسى ؟! ترى .. هل ما زال يذكر ما كان بيننا من ولع وعشق وهوس وغرام وهيام ؟! .

أنظر إلى الورود الحمراء .. أحس اللون الأحمر يتسلل صهداً لاهباً إلى وجهى ، دون شعور أجذبى أدبى الرقم ، أطلب من عامل الفندق أن يصلنى بغرفته .. وينساب إلى قلبى صوته هادثاً دافئاً ، يتسلل إلى روحى مخترقاً مسام جسمى هامساً واثقاً ، جاعلا جلدى يحترق بنيران الرغبة فى سماع المزيد ، تاركاً نفسى تنكوى فى أتون الشوق إلى سماع المزيد والمزيد والمزيد .

.. ها هى تبراته الهادرة الهادئة المهيمنة تحتوينى ، تعتصرنى ، تضمنى ، تلحف ، تلح ، ترجو أن أقابله لأمر هام ، بعد أن أجل سفره خصيصاً ليرانى .

دون المزيد من المقاومة والرفض ، دون المزيد من الرجاء والإلحاح ، أذهب ، أتناول معه طعام الغداء ، فأشبع بلا غذاء. ابقى صامتة طوال الوقت ، حائرة أغلب الوقت ، عاجزة كل الوقت .. وأوقن أن هذا الرجل الرائع يخضع ارداتى ، يخطف قلبى ، يخدر عقلى ، يسحب روحى ، يسحق مقاومتى ، يسلب احساسى من كل شئ .. عداه .. يجذبنى نحوه دون حوار .. يشدنى إليه دون نقاش !

كان فى الأربعينات ، زوجاً لأخرى ، وأباً لآخرين ومع ذلك كنت أحس أننى خلقت له ، وبدونه لا أستطيع أن أعيش . كيف ؟! لماذا ؟! لست أدرى .

استمرت علاقتنا سنة بأكملها ، كان يأتينى كثيراً ، يختلق الأسباب ليحضر يرانى ، فقط ليرانى ، كنت أقدر مشاعره ، احترم إحساسه ، فقد كان ولعه بى غير عادياً ، أذكر أننى قرأت كثيراً عن المراهقة الأربعينية ، إلا أننى لم أتوقعها بمثل هذا العنف ، وتلك الضراوة ، وهذا الجنون ، وذاك العنفوان والاندفاع!

.. وكبرت قصة حبنا ، اتسعت الإشاعات حولنا ، حتى وصل رذاذها إلى زوجته التى تغار عليه من ظلها ، وتخاف عليه من خيالها .. وكان لا بد من اتخاذ القرار .. قرار زواجى من ابن عمى فى أقرب وقت ، كى أخرس ألسنة الناس .. وكى أقوى عل مقاومة هذا الإحساس .. الإحساس الحارق الملح بالاحتياج إلى الاحتواء والانتماء ، والانزواء بعيداً عن أعين العالم .. بين حنايا روحه وضلوع قلبه .

وأقيم حفل عرسى فى نفس الفندق الذى التقينا فيه ، كان هذا اختيارى أنا ، قرارى أنا ، أن يكون الفرح فى نفس القاعة التى رأيته فيها أول مرة ، وأن يتم الزفاف فى نفس التاريخ الذى عرفته فيه أول مرة .. كنت أعزى نفسى ، أغرر بها ، أضحك عليها ، ربما كنت أتوهم أننى سأزف إليه هو ، سأكون عروساً له هو !

ولم أغفل إرسال بطاقة دعوة إليه ، كنت أتحدى روحى فى اتخاذ قرار عنادى حتى النهاية .. قرار فرارى ، قرار انسحابى .. قرار هروبى ، فلم أكن لأقبل بناء سعادتى على تعاسة أسرته ، ولم أكن لأقبل أن أصبح الزوجة الثانية فى حياة الرجل الأول فى حياتى .

وحضر الفرح .. جاء يخطو نحو صامتاً ساهماً ، يقترب منى صامداً باسماً ، ساخراً ، ساخطاً .. مهنئاً ، وأنا أتوارى فى ردائى الأبيض ، أتدارى بين ورودى الحمراء ، التى أحاطتنى بإطار كبير مهول عملاق .

وفى جناحى فى الفندق .. أبقيت سلة وروده الحمراء ، لم أخرجها إلى الممر مع باقى السلال ، كنت أشعر أنه معى ، طالما وروده الحمراء تبقى معى ، تبيت إلى جوارى طوال الليل .

ومضى كل منا إلى طريقه ، سافر هو إلى مقر عمله الجديد ، وسافرت أنا إلى مستقبلى ، حرصت أن أصبح زوجة ناجحة ، كما أنا موظفة ناجحة .. ولكن  .. تعبر الساعات ، والليالى والشهور والأيام ، وترحل السنة الأولى من زواجى ، تعقبها السنة الثانية ، والفراق العقلى يصبح السيد ، والانفصال العاطفى يمسى السلطان .

أسقط تحت سيف الرتابة والملل ، أقع تحت رحايه الفتور والوحدة والضجر ، أعانى معاملة زوجى ، ذاك الشاب الخيالى الأهوج الأرعن ، الكثير الحركة ، الكثير الكلام ، الكثير الانفعال .. الكثير العلاقات الغرامية العابرة !

ومع الوقت .. يجتاحنى الاحتياج للاحتواء ، أحس الشوق الحارق للانتماء لرجولة حقيقية ، وليس لمجرد شنب واسم فى شهادة ميلاد ..

ومع الوقت .. ينمو داخلى الإلحاح الملح إلى الذوبان بين ذراعى رجل ، رجل ناضج ، رجل قادر على السيطرة ، قادر على الالتفاف .. قادر على الاندماج والحنو والحنان و .. الاحتواء .

وذات مساء مشحون بالتوتر والضيق والملل والقلق ، يتشاجر معى زوجى لسبب تافه بسيط كما هى عادته ، وما يلبث أن يأتى يصالحنى باستماتة وسخافة .. أيضاً ، كما هى عادته ، ورغبة منه فى إسعادى واستعادة بسمتى وبهجة ليلتى ، يخبرنى أننا سنسافر قريباً فى عطلة قصيرة إلى عاصمة أوربية شهيرة ، أختارها لى بنفسه ، كى يرضينى ويفرحنى ، لأنه حتما كان يشعر بمدى اهتمامى بمتابعة كل أخبارها !!

وتشاء الصدفة البحتة أن نطير إلى الخارج ، أن نقضى هناك .. فى تلك
العاصمة الرائعة ، أيام العطلة وليالها ، تلك التى جاءت مزيجاً غريباً نادراً من الكرة والحب ، الملل والشوق ، النفور والغرام ، التعاسة والسعادة .. والرغبة المتناقضة فى الانفصال .. والاقتران !

.. وأعود إلى الوطن بعدها ، أقدم طلبين عاجلين ، أحدهما طلب طلاقى ، والآخر طلب نقلى إلى تلك العاصمة نفسها ، حيث يعمل حبيبى .. مديراً إقليمياً لفرع شركتنا هناك .


أخاف أن تلمحها النجوم !

اسمحوا لى أن  أقول لكم أن الحقيقة الرهيبة التى تبلبل ذهن الرجل وتشتت تفكيره ، وتدفع به إلى حافة الجنون ، هى عندما يبدأ يشك فى سلوك زوجته .. ويبدأ يظن أنها تخونه مع رجل آخر .

هذه التجربة المريرة القاسية ، عشتها من أولها لآخرها ، فعذبتنى وطحنتنى ، جعلتنى أسير سوار من الشك كان يحيط بقلبى ، فيفقدنى أى اهتمام ، بأى شئ فى الدنيا ، سوى التثبيت والتأكد من أخلاص زوجتى .. وخيانتها .

أصبح كل هدفى أن أتأكد وأن أقبض على زوجتى متلبسة بالجرم المشهود ، فكل الدلائل تشى بعدم أخلاصها ، لكنها تتظاهر أمامى بالسذاجة والطيبة والعفوية .. لكن .. كل هذا لم يعد يجدى .. فأنا ارتاب فى سلوكها .. ولن أهدأ حتى احسم هذا الموقف القاسى المقرف المقزز .

كانت الحكاية فى البداية ، أننى أحببت فتاة رائعة الجمال ، تولع قلبى بها ، لكنها للأسف كانت مخطوبة إلى شخص آخر ، إلا أن حبى الكبير لها ، وملاحقتى الطويلة لها وولعى العظيم بها ، جعلها تتردد بينى وبين خطيبها .. وسرعان ما قررت أختيارى أنا .. وتزوجتنى أنا .

لكن .. بعد الزواج بفترة قصيرة ، لاحظت أن زوجتى بدأت تكثر من زيارتها لأمها ، وأنا أعلم أن خطيبها السابق يسكن فى نفس المنطقة ، وأنه جارهم !

فى البداية لم اهتم ، لم يدخلنى الشك فى شئ ولكن بعد التكرار المستمر صرت أسألها ماذا فعلت ؟ ومن كان هناك ؟ إلى أن قالت لى فى مرة أنها رأته وأنه أوصلها إلى البيت لان سيارتها لم تشتغل !

قامت ثورتى ، وقلت لها كيف تسمحين لنفسك أن تركبين معه سيارته ؟ ولماذا لم تتصلى بى ؟! واتهمتها صراحة بأنها على علاقة معه ، فنظرت نحوى بغضب شديد وقالت تؤنبنى: كيف تسمح لنفسك بالتفكير فى مثل هذا الشئ ؟! وكيف تتهمنى بهذا التهمة ؟! أنا لو كنت أريده ما تركته عشانك أنت .

وانفجرت غاضبا فى وجهها قائلا : ولأنك تركتيه عشانى .. أخاف بكر تتركينى عشانه .. هاه .. ضميرك أنبك ؟! صعب عليك ؟!

فخرجت من الغرفة باكية ولم ترد ، وبقينا متخاصمين لمدة يومين ، عقلى يأخذنى ويجيبنى ، وسؤال فى قلبى يحيرنى .. هل أتعرفت لى بأنه هو الذى أوصلها للبيت لأنها صادقة ؟! أم لأنها خافت أن أكون شفتهما ولذلك سألتها ؟!

 وأنحرقت بنار الشك ، صرت أنكوى بها دون أن أقوى على مقاومة طنونى ومحاربة أفكارى .. فى أن زوجتى حبيبتى خائنة .. أو .. على وشك أن تكون خائنة ..

وبدأت أحس أن نفسيتى من الداخل تتمزق ، وأننى لم أعد أقدر أن أنام ليلة بأكملها ، فمنذ الساعة الثانية صباحا ينتابنى الأرق ، بعد أن تستولى على فكرة الخيانة ، ويتعذر على استعادة النوم ، وينشغل رأسى بالتفكير فيما ينتظرنى من أحداث الغد .. وهل ستخوننى فيه أم لا .. ؟

فاستيقظ فى الصباح مرهقا تعبا ، وقد بقيت يقظا ساعات طويلة فى الليل ، أنظر إلى زوجتى الراقدة بجوارى ، وأتخيلها وهى تحلم برجل آخر ، وأتصورها وهى تحب رجلا آخر ، وترتمى بين أحضان رجل آخر، تقبل رجل آخر .. و .. و..

ولم يعد عندى وقت أستريح فيه ، فحتى طعامى صرت آكله خطفا ، ونومى
لم يعد نوما ، وصار التفكير فى الخيانة يلازمنى خلال الليل وأثناء النهار ، أحس
الجميع حولى أننى أصبحت قلقا متوتر الأعصاب ، مرهقا ، ولم أعد راضيا عن
حياتى ، التى بدت لى قاسية عنيقة ، وسيف الخيانة مسلط على صدرى ثقيلا ، حادا ، مرعبا  .. مفزعا ..

وانعكس هذا التوتر العقلى المستمر على عضلات جسمى الذى غزاه أنحول والهزال ، فأصابنى الأرق ، وعجزت عن النوم الطبيعى ، ولجأت إلى الحبوب المهدئة والمنومة .

وشعرت زوجتى بحالتى العصبية ، وتأكدت أننى شارفت على الانهيار العصبى بسبب حبى العظيم لها ، وبسبب غيرتى المدمرة عليها ، فبدأت تمارس معى نوعا مغايرا تماما من السلوك .. وأخذت تهتم بعلاجى من هذه الحالة الانفعالية العنيفة .

طلبت منى أن أخرج معها إلى مكان هادئ بعيد عن أى إنسان نعرفه ، وجلسنا سويا ، تكلنا معاً بوضوح  فقالت لى أنها تحبنى وأنها مستحيل أن تتعلق بإنسان آخر ، وأنها إذا كانت تركت خطيبها من أجلى ، فلأنها اكتشفت فى صفات كثيرة تعجبها ، وتقنعها بأننى الإنسان الوحيد الذى يسعدها ويرضيها ويقنعها أن تهبه حياتها .. وأن تشاركه عمرها ، ثم أخبرتنى أن خطيبها السابق قد تقدم لخظبة بنت عمه .

ولا أقدر أن أنكر ، أن كلامها هذا أثلج قلبى ، وأدخل الطمأنينة إلى نفسى ، وعمق مشاعر حبى لها .. فانا أحبها أكثر من أى شئ فى الدنيا ، فهى زوجتى وحبيبتى .. وحياتى كلها .

وبعد عدة أيام ، قاطعت زوجتى فيها الخروج من البيت ، جاءتنى ذات ليلة لتخلصنى نهائيا من مخاوفى وصارحتنى بكل حنان أنها تحبنى , وتريدنى أ أطمئن إليها , وأقسمت لى أنها لا تفكر فى أى رجل عداى أنا , وطلبت منى ألا أخاف عليها أو أنزعج , ولا داعى لتجسيم الأمور , بسبب موقف عابر راح وانتهى .. لن يتكرر أبدا .. واعتذرت عن خطاها .

وكانت الكلمة السحرية التى قضت على ما كان مخزونا فى نفسى من تعاسة , والتى بددت آخر نوبات الأرق والقلق , هى الكلمة التى همست بها زوجتى فى أذنى “أنا حامل” وعلمتنى أنها تأكدت من ذلك صباح اليوم .

ولم تسعنى الدنيا من الفرحة , نظرت إليها وشعور عميق بالحب والطمأنينة يسرى فى نفسى وما لبث أن احتضنتها بكامل ذراعى وأنا أربت بيدى على شعرها وظهرها بحنان بالغ وراحة كاملة تفيض فى كيانى كله .. وتأنيب ضمير طاغ يعذبنى وأنا أحس دموعها غزيرة ساخنة تنساب على صدرى من عينيها الجمليتين الحبيبتين .

قبلتها فى حنان وصممت , فلم اقو على نطق كلمة واحدة إزاء هذا الحب الهائل ، والكبرياء  الجريمة ، والعطاء العظيم .. حملتها بين ذراعى وأرقدتها على الفراش ، وغطيتها وكأنى أخاف عليها أن يمسها النسيم وأن يراها الضوء .. وأن تلمحها النجوم.


قفص من فولاذ

عندما تجد المرأة نفسها فى فراغ عاطفى .. ترى ماذا يمكنها أن تفعل ؟! هل تبحث عن سعادتها خارج بيتها .. أم تتعلق بوظيفة تعوضها عن ضياعها .. أم تفكر فى فى خيانة زوجها .. أم تصر على طلب طلاقها ؟!

.. لم يعجبنى واحد من هذه الحلول العويصة ، فأنا لا أستطيع أن أعثر على سعادتى خارج جدران بيتى ، كما أننى لست مؤهلة علمياً لأستطيع الحصول على الوظيفة الملائمة التى ترضى طموحى .. كذلك .. أنا أحب زوجى جداً .. ولا أقوى على مجرد التفكير فى خيانته .. أو فراقه .. فكيف أطلب الطلاق ؟!

كان الحل الوحيد والسهل أمامى ، أن أعود إلى متابعة دراستى ، تلك التى قطعتها بسبب زواجى المبكر .

وقد كان .. انتسبت إلى احدى الكليات النظرية ، وبدأت أوجه كل فراغى العاطفى نحو العلم .. كى أنهل منه ، أروى عطشى واشبع طموحى .

و.. تمضى الأوقات سريعة عابرة ، فالز من يتسلل من بين أصابعى كالماء ، واليوم الذى يعبر دون أن ادرس به أحسه يوما ضائعاً مفقوداً ، على أن أعوضه فى اليوم الذى يليه ، كى لا تفوتنى فرصة النجاح التى انتظرتها بشغف وتحد وإصرار.

ونجحت والحمد لله وحصلت على شهادة الليسانس فى الأدب ، تخصص لغة عربية ، وفرحت .. فرحت بروحى وبمقدرتى على تحقيق ذاتى ، وبدأت أشعر بالأمان ، وبأننى استطيع فعلا أن أفعل شيئاً خارقاً مؤثراً فى حياتى .. وصممت على متابعة المسيرة العلمية .. حتى القمة !

ودون أن إدارى ، وجدتنى أمضى نحو تحقيق الأحلام بكل الاهتمام ، دون أن أدرى .. أنسقت خلف الطموح بكل ما املك من إدارة .. وبدأت أسعى حثيثاً نحو الحصول على الدكتوراه .. بعد أن أفلحت فى نيل الماجستير .

والعجيب .. ذاك الموقف المساند والمشجع الذى أستمر من جانب زوجى , كأنه يريد أن يشبع وقت فراغى , وأن يشغلنى عن نفسى بالعلم .. وبالشهادات العلمية .. كان يمنحنى الاهتمام ,ويحرص على تشجيعى .. وتخفيف المسؤوليات عنى كى يتيح لى الوقت الكافى لصنع هذا النجاح .. ولكننى للسف لم اقدر له هذا العطاء .

وفى غمرة انهماكى بتحقيق ذاتى ، تجاهلت حياتى ، تناسيت احتياجات
زوجى كرجل يريد المرأة بجانبه ، تخفف عنه متاعبه ، تشاركه مشاكله .. تبادله أفكاره ، تناقشه آراءه.

نسيت كل ذلك ، أو أتناسيت ، لست واثقة من ذلك ، فكل الذى أعرفه أننى انشغلت بنفسى وحدها عن كل ما هولى ، حتى أطفالى الأربعة لم أعد أشعر بهم .. بل .. لم أعد أحس بفيض أمومتى نحوهم ، أخذتنى الدراسة منهم ، وأبعدنى الطموح عنهم !!

كل ما كنت أفكر فيه بعمق وجدية ، هو أننى لم أكن أريد أن أصبح صورة مكررة لأمى ربه البيت المطيعة المسالمة ، التى لا تستطيع أن ترفض أو تطلب .. أو تعترض ، فقد كان أبى هو الرجل القادر دوماً على صنع القرار ، وفرض أرادته ورغبته على الجميع ، دون أن يناقشه فى قوله احد ، أو يجادله فى رأيه إنسان !

نشأت وهذه الصورة القائمة تطل برأسها من أعماقى فتبهت كل ما حولها من صورة جميلة مشرقة ملونة ، فأرانى أبصر الكون حولى رمادى الظلال ، ممسوخ الأشكال ، غائب البريق ، غابر اللمعان !

كان الشئ الوحيد المضئ فى وجدانى وفكرى هو ( أنا ) أن أحقق ذاتى أنا ، كى استطيع أن أصنع بنفسى قراراتى أنا ، فبدأت أتصرف بطريقة أقرب ما تكون إلى التسلط والسيطرة .. أخذت أملى أوامرى ، وأنفذ رغباتى ، دون أن ارجع لزوجى ، ودون أن أفكر فى أخد رأيه .. أو استئذانه !

وبالتدريج ازداد احساسى بالابتعاد عن زوجى ، أصبح كل منا يرتع فى عالمه الخاص ، بعد أن أصبح لى عملى ولى دخلى ، ولى أهتماماتى التى نادراً ما تلتقى أو تتقابل مع اهتماماته هو .. حتى الكلام السهل البسيط الذى كان يدور فى السابق بيننا ، صار عملة صعبة ، يشق علينا العثور عليها ، أو إيجادها ..

وذات مرة .. حادث نفسى .. هل كانت شهادتى العلمية هذه نوعاً من الكماليات .. أم الرفاهية ؟! وهل كنت فى حاجة لها بالأنانية ؟!

والغريب.. أننى لاحظت نفوز زوجى الذى تزايد نحو ، أصبح واضحاً لكل من يرانا ، أن لا انسجام يلفنا ، ولا حنان يحيطنا ، ولا مودة تضمنا ، كلانا كان يستمتع بنفسه وحياته .. بعيداً عن الآخر !!

.. وبدأت أعيد ترتيب أوراق حياتى ، بعد أن غادرنى الإحساس بالاطمئنان والإحساس بالأمان .. ذاك الذى يوفره الحب .. بعد أن غاب عن حياتى .. الحب .

وفهمت أننى كى ابقى أعيش تحت كنف رجل .. يجب أن أكون بعيدة عن التسلط والسيطرة على تصرفاته ، وأن أتنازل عن بعض طموحاتى ، وأن أتخلص من السلبية فى معظم عاداتى .. وأيضاً .. عشق الذات .. والأنانية .

و .. حاولت .. وحاولت ، دون أن يخامرنى الإحساس بالذنب ، ودون
أن يراودنى الشعور بالتقصير فى حق زواجى أو أولادى .. كان أكثر ما يسعدنى هو سماعى ذاك النداء العزيز والغالى الذى أصبح يسبق اسمى ( يا دكتورة ) وبدت كلمة
( يا دكتورة ) هذه وكأنها تغمرنى بمشاعر كثيفة تحمل معانى الرضا عن النفس ، والتطلع إلى المزيد من الطموح ، ذاك الذى يفجر داخلى فكرة الاستقلال عن الزوج تماماً بكل احتياجاتى ومشاكلى التى اعتبرتها شيئاً شخصياً .. يخصنى أنا .. وحدى أنا !!

ونمت تلك الفكرة الأخيرة داخلى ، تأصلت وتشعبت فى أعماقى ، فأصبح لكل منا وجهة نظر مختلفة لكن .. ما لبث أن ظهرت المشاكل بيننا .. أصبحنا نبتعد عن السعادة .. وعن المشاركة .. وعن الصدق .

وتسلل هذا الوضع ليصل إلى أدق تصرفاتنا .. حتى أنه بدى وأضحاً فى لحظات الحب ، فى سويعات التقارب والاندماج والانصهار .. نعم .. لم يعد شيئاً من ذاك التآلف القديم باقياً بيننا .. بعد .. أن .. غاب الحب عن حياتنا .

وتملكنى الخوف .. لم أعد أطيق العيش مع أقل قدر من القلق ، بت أخشى من هجر الزوج ، وفقدان الرجل ، لذلك دون أن أشعر سعيت إلى سجنه داخل ..  قفص من فولاذ !

وأحس بنفسه يختنق .. رفض هذا الجو الخالى من أكسيد الحياة إذ يبدو أنه ظل يعانى مدة طويلة من ذاك المناخ الملوث المسموم ، حيث كنت أخطف الأسماع بلقبى العلمى ، وأبهر الأنظار بجمالى الأنثوى ، فقد حبانى الله ، كماً نادراً من الجمال سواء كان جمال العقل .. أم جمال الجسد .

ولكن .. للأسف ، لم استطع رغم ذلك سد ذاك الفراغ العاطفى الذى عانيت منه مدة طويلة وحين كان زوجى مشغولا عنى بعمله ، متباعداً عنى بعواطفه ، لدرجة جعلتنى أسأل نفسى .. ترى .. هل أسأت حقاً الاختيار ؟! وهل كان حقاً هو الزوج المناسب لى ؟!

وكما قلت لكم ، فى البداية ، أننى اتجهت إلى التحصيل العلمى لأننى لا أريد أن أسقط فى قاع الخيانة ، لأننى كنت أتوق إلى الإحساس بالاطمئنان والإحساس بالأمان ذاك الذى يوفره لى العلم.. بدلا عن .. الحب !

.. وتعلمت أن أخفى رغبتى الدفينة فى التسلط ، خوفاً من التلاشى والضياع ، كما تعلمت أن أتحكم فى رغباتى .. لكننى .. للأسف لم استطع أن أرضى رغباته ..

وسريعاً ما أنهار إحساسى بنفسى وبالتالى انهارت حياتى الزوجية ، لأننى لم أعد اهتم باحتياجاته ، ففقد هو نفسه الإحساس بالأمان بجانبى ، فقد كنت أعتمد عليه فى أرضائى .. حتى قضيت عليه !

ثم .. جاءت اللحظة الحرجة .. لحظة الفراق القاسى بكل معانية الموجعة ، ولم أشأ أن أظهر ضعفى ، أو أبدى ألمى ، وعزبت نفسى بأننى استطيع أن أعيش بمفردى .. بدون رجل .. لأننى أحب عملى ، هذا العمل الذى احتل مكان الحب فى حياتى .. وأغتال الحب فى قلبى ، بعد أن اقتلع الاستقرار من عمرى .

آه . كم كان الاحتيار ، منذ البداية ، صعباً ، فلو كنت فكرت جيداً لما فرطت فى زوجى ،ولما اهلمت أولادى .. وتنكرت لبيتى .. آه .. ليتنى ما نسقت وراء تلك الأحلام الطموحة ، وجريت خلف تلك الآمال العريضة الواسعة .

بصراحة .. كل هذا النجاح الأدبى الكبير ، لا يوازى لحظة مذلة وهوان ، مزقت قلبى بأنيابها وأنا أسمع ( أنت طالق ) تخترق جدران كرامتى .. تهدر كيان أنوثتى !!

آه يا لتلك للحظة الحرجة الجريحة الكسيحة المحبطة .. وأنا أسمع خبر اقتران زوجى بتلك المرأة الأخرى ، التى تقل عنى علماً وفكراً .. وجمالا .. وفتنة !!

حينئذ .. تكشفت لى حقيقة وحيدة رهيبة مفزعة .. مفادها .. أننى أدخلت نفسى بكامل إرادتى ، فى ذلك الشئ الأسود البشع .. حيث وأدت سعادتى ، وأسرت حريتى .. داخل قفص من فولاذ .


حين تكشفت الحقيقة القبيحة

أصبت بالسأم والضجر من حياتى ، بعد تلك الحالة الصحية اللعينة العنيفة التى تعرضت لها ، والتى قوضت أركان سعادتى الأسرية إلى الأبد ..!

تزوجت بعد حب كاد يحرق فؤادى بناره ، يكوى روحى بلهيبه تزوجت فتاة من عائلة تربط ببيننا وبينهم صلة نسب ، ولكثرة ما سمعته عنها من حسن خلق واستقامة تصرف ، وجدتنى أفكر فيها بطريقة إيجابية .. كى تكون زوجة لى تنير بوفائها وإخلاصها درب حياتى .

.. لن يمض وقت طويل إلا والحب يشتعل والشوق يزدهر ، مما جعلنى أسارع فى الارتباط بها ، مزيلا مبددا أى عوائق تعترض مشروع زواجنا .

عشنا السعادة بكل ما تعنى من فرح وبهجة ومسرة ، ولم تسعنا الدنيا من فرط والاستقرار والهدوء .. وزاد من سعادتنا أن رزقنا الله بأننى الحبيب طارق ، الذى أكد صلات المحبة وعمق بيننا المودة .

لم نعان والحمد لله مثل بعض الأزواج من علة سوء تفاهم ، وندرة الحوار ، وإنما كنا قادرين على نقل أفكارنا وشرح مشاعرنا لبعضنا بنفس القوة والصراحة والوضوح .

ولم اشغل بالى بأى شئ يقلقنى أو يزعجنى ، فأنا لم أشكو يوما من أخلاق زوجتى ، ولم اشك لحظة فى صدق حبها ، لذلك أحرزت نجاحا ساحقا فى
عملى ، وحصلت على عدة وكالات جديدة للشركة ، أدت إلى تحقيق الكثير من
الأرباح . وضحكت لى الدنيا وهى تمنحنى ما أتمنى وأشتهى ، بعد أن رزقنى الله بطفلى الثانى خالد .

ولكن .. ليس كل ما يتمنى المرء يدركه ، فقد أتى أبنى خالد لى هذه الدنيا ، وهو يحمل مرضا عويصا يصعب علاجه إلا بجراحه دقيقة بعد أن يبلغ الثالثة من العمر ، كى يحتمل قلبه الصغير إجراء مثل هذه العملية ..

ومنذ علمت زوجتى بتشخيص حالته الصحية ، ومنذ أن عرفت نتائج التقارير الطبية ، حتى تحولت إلى إنسانة عسرة الطباع سريعة الغضب ، وكان انفعالاتها الشديدة وخوفها العظيم على رضيعها قد جعلا منها طفلة صغيرة تحتاج إلى الأمان والاطمئنان ..

وفقدت بدورى راحة البال والشعور بالاستقرار بعد أن صارت زوجتى كثيرة الوساوس والشكوى والشكوك .. وبعد أن صار الحزن والقلق مرتسما على وجهها ، وزنة الخوف أشعرها فى كلامها .. أنصب كل اهتمامها على وليدها ، أما أنا فقد أهملتنى تماما، وكأنى لم أعد زوجها !!

وتشاغلت عن المشاكل فى بيتى بالانهماك فى العمل ، كى أتجنب أى احتكاك قد يؤدى إلى خلق المشاكل بيننا ، رأفة بها ، ورحمة بنفسى ، بعد أن غاليت الكثير ، ولم أعد أحتمل المزيد ..

وتصادف أن جاء موعد أحد المعارض الدولية فى أحدى دول شرق آسيا ، لنفس المنتج الذى تتعامل به شركتنا ، فسافرت لحضور هذا المعرض ، بغية الاطلاع على أحدث ما توصل إليه العلم من تطور واختراعات ..

أمضيت هناك عدة أيام ، كادت تنسينى متاعبى ، وتلقى بعيدا عنى بهمومى وأحزانى ..

وذات ليلة من تلك الليالى الساهرة التى قد تحدث فى مثل هذه السفرات النائية ، تعرضت لموقف غلبنى فيه الشيطان ، وارتكبت خطيئة الخيانة ..!!

.. وانسل الليل منزويا بردائه الأسود ، وأطل النهار بشمسه الصفراء التى صبغت الكون بلون الأسف والندم على ما فعلت ، فالخيانة ليست من طبعى ، والانسياق وراء النساء ليس من شيمى .. وحبى لزوجتى لا استطيع تجاهله وإنكاره .

لكنه الموقف الذى أدى إلى هذا السقوط والصدفة وحدها التى خلقت هذا الوقوع إلى قاع الرذيلة ، بكل ما يحوى من تدن وقذارة وقرف وإسفاف !

آه .. ياللاسف ، يا ليتنى ردعت نفسى ، وصددتها عن الهوى ومنعتها من التردى فى هذه الهوة الهاوية .. آه .. يا لتنى .. يا لتنى .

ولا أنسى ما فعلت بعد أن عدت إلى بيتى ، لأجد زوجتى على نفس الحال الذى تركتها عليه ، حزينة ، باكية ، دامعة ، قلبها ومشاعرها مع وليدها المريض .. فهالنى أمرها ، وأشقانى بؤسها وحاولت أخراجها من دائرة الإحزان ، فأخذت أتقرب منها ، أحنو عليها ، أغمرها بحبى وحنانى ، أرويها بشوقى وغرامى ، أنسيها بعض من أحزانها ، فأنا مازلت أحبها أحبها .

وأعود أنشغل بعملى ، وتنشغل هى برعاية طفلها ، إلى أن جاءتنى ذات ليلة والغضب يكاد يصرخ فى وجهها .. وواجهتنى .. واجهتنى بخيانتى لها ، وألقت فى وجهى بحقيقة مرضها الجديد الذى أصبتها به ونقلته إليها !!

كان الموقف المخجل أقوى مما أحتمل ، فالدليل دامغ ، والبرهان موجود ، والمرض واضح وآثاره الجلدية القبيحة المتقيحة ظاهرة على جلدها فى أماكن حساسة من جسدها .. والثورة المجنونة بادية فى ملامح وجهها !!

وأسقط فى يدى ، فأنا أيضا أصبت بالمرض قبلها ، وكنت أعالج منه فى السر ، كما كنت أدعو الله ليل نهار أن لا أكون قد نقلته لها فى فترة الكمون ، أى قبل أن تظهر أعراضه على الجسد .. لكننى للأسف الشديد كنت قد نقلت إليها الأذى دون أن أدرى ، أو أقصد إيذاءها والأضرار بها ، فقد كنت لحظة التقائى بها ، لا أعرف بما أصبت به .

واستغرقت فترة العلاج الطويل ردحا من الزمن ، وكما من العلاج ، وقدرا
من الإرهاق النفسى والقلق لا يستهان به ، إلى أن شفينا تماما من آثاره الجسيمة ، وأن بقيت ، إلى الآن آثاره النفسية !

فقد كانت النتيجة أن عافتنى زوجتى تماما وصارت تتجنبنى كالأجرب ، وكلما دنوت منها أحس برجفة فى بدنها ، وتهرب مبتعدة عنى ، فهى بقدر تفانيها فى الحب تمادت فى الثورة عندما وثقت من خيانتى لها ..

فى الواقع .. انعدمت ثقتها بى ، غاب عن عينيها التلهف والتطلع إلى وجودى فى حياتها ، بل ، على العكس ، أمست أسعد بغيابى عن دنياها ، وابتعادى عن قربها .

وفى جحيم هذا القلق وهذا التهديد ، لم تعد تجد متعتها فى الحياة معى بعد أن فقدت نعيم الطمأنينة والهدوء والوفاء والإخلاص ، وبعد أن صارت تتبرم بقربى ، وتفزع من فكرة لمسى لها ..!

وكلما حاولت اللجو إليها ، أو الدنو منها ترفضنى بخشونة وتبعدنى بعنف ، حتى اقتنعت بسوء أخلاقها ، وتجهم طباعها فهى لم تغفر لى أبدا وقوعى فى الخيانة ، ولم تسامحنى على نقلى هذا المرض اللعين إليها ..

وأخيراً .. لم أجد أمامى سوى هذا الحل ، أن اقنع بنصيبى ، وأن أكفر عن ذنبى بأن أخيرها بين البقاء معى كزوجة تلتزم بكافة واجباتها نحو زوجها ، أو أن تسمح لى بالزواج من غيرها . ومنحتها مهلة طويلة للتفكير ، كنت أحاول التودد إليها خلالها .. لكنها .. عجزت عن التحكم فى عواطفها أو السيطرة على انفعالاتها ، فكشفت تصرفاتها عن مدى نفورها وحنقها .. بل واحتقارها ، وأصرت على موقفها .. وطلبت طلاقها .

وهنا .. تأكدت بأن تلك الغلطة الصحية اللعينة العنيفة التى تعرضت لها ، قد قوضت أركان سعادتى إلى الأبد ، فلو لم أكن خنت زوجتى ، لما حدثت تلك المحنة .. ولما وقعت تلك الكارثة !

وكان المنظر الأكثر إيلاما لى ، هو ذاك الشقاء والضيق والكرب ، الذى لم يعد يخفى منظره على أحد ، والذى أصبح جزءا من مقومات شخصية زوجتى ، التى فاض بها الكيل ، والتى أشعر بها أحيانا محرجة أمام نفسها ، وهى تصارع بداخلها أفكار الخيانة والحب والزواج .. والهجر .. والطلاق !!

والآن .. لم يعد شئ يثير البهجة فى نفسى ، بعد أن فرطت فى المرأة الوحيدة التى أحببت ، وتزوجت .. فلم تعد تملأ عينى امرأة أخرى بعدها ..

للأسف .. ندمى على سوء تصرفى لا حدود له ، وحسرتى على ضياعها لا يعلم إلا الله بها .. إذ لم يعد لى خير بقربها .. ولا سعادة لى فى بعادها .

وبين فترة وأخرى أراها بصورة خاطفة ، وأنا التقى بولدى الحبيبين ، الذين تفرغت لرعايتهما ، والعناية بهما ، ورهنت عمرها من أجلها .

حقا .. حين تكشفت الحقيقة القبيحة لم يعد لى عيش إلا مع آلامى الجريحة .


أحببتها .. لكننى كنت جباناً !

لم أكن قد عرفت الحب من قبل حتى رايتها وعرفتها ، وأحببتها بكل ذرة فى كيانى ، وكل خفقة فى قلبى ، وكل نبضة فى عروقى ، وبطريقة الصدفة البحتة تعرفت بشقيقها ، وبحكم الصداقة أصبحت أدخل بيتهما .

احترمنى الجميع وأحبونى ، وأنا بدورى صنت بيتهم فلم أسمح لنفسى بان أخاطب ابنتهم بأسلوب يتعدى الكلام الطبيعى .

ومرت الأيام والأشهر ، وفى كل يوم ازداد تعلقا بتلك الفتاة حتى أصبحت لا أستطيع الابتعاد عنها .. ولكن للأسف كان حبا من طرف واحد .

نعم .. أحببتها حبا جما صامتا حارقا كاد يخنقى ، بل كاد يقتلنى من فرط الحرمان والمعاناة .. لكننى كنت جبانا ، فلم أستطع أن أشعرها بحبى ، ولم أقو أن أبوح لها بإحساسى .. فبقدر ما كنت قريبا منها .. كنت بعيداً عنها !

كنت فقيرا ، وكانت هى الفتاة الغنية التى تستطيع الحصول على أى شئ تريده بمجرد إشارة من يدها ، فوالدها رجل ثرى صاحب أملاك وعقارات ، وهذا ما جعلنى أصمت وأتوارى وراء رداء فقرى وعجزى حيال مالها وثرائها ..

وفى بعض الأحيان كنت أسمع منها كلاما له معان كثيرة ، منها إنها تحبنى ، ولكنى لم أقبل على نفسى ولا على كرامتى أن أعيش غارقا فى بحور الأوهام ، لذلك قررت تفاديا للعذاب الذى يطحننى ويبدد قواى ويهدر طاقتى أن أبتعد عنها ، وأن أسافر للدراسة فى الخارج ، وحمدت الله على قبولى ببعثة دراسية .

ورحلت . وأنا أعتقد أننى سأنساها لو ابتعدت ، ولكن وجدتنى ازداد تعلقا وشغفا بها ، فانخرطت بالأصدقاء لأنسى بينهم ما أنا به ، دون جدوى ، إذ ازداد اللهيب فى قلبى ، أخذ يحرق روحى وإحساسى كلما تذكرت ملامح وجهها ، وأيقنت بينى وبين نفسى أن لا فكاك من أسر حبها .. فاستسلمت .

.. واعترفت لقريبها ، أبن خالتها ، الذى تعرفت عليها هنا من جملة الأصدقاء ، وشرحت له مشكلتى ، فاقترح على أن أرسل رسالة لها أشرح بها كل شئ ، فأخبرته بجهلى بعنونها الخاص وبخوفى أن تقع الرسالة بيد أحد من أشقائها فيضرها ذلك ، فكتبت الرسالة .. وشرحت لها حقيقة مشاعرى .

وبعثت الرسالة وأنا أمنى النفس بأشياء كثيرة ، وأحلام جميلة ، خاصة بعد أن أصبحت طالبا الهندسة فى أميركا ، وأمامى مستقبل باسم يبشر بالخير والرخاء .. وبعد أيام وصلنى الرد ، وكنت خائفا أن أفتح الرسالة ، ولكنى بعد طول تردد فتحتها .. ويالتيتنى ما فتحتها !!

.. نعتنى الشقيق المثقف بأنفه الأسماء ، وأخذ ينبهنى للعادات والتقاليد والقيم و … ( الطبقية ) تلك الكلمة التى قرأتها وقلبى يدمى وعينى تدمع .. ولم أجد ما أستطيع الإجابة عليه به .. سوى أن أعيد إليه رسالته .. دون حرف واحد منى .

وبقيت وحدى أجترع الحسرات وأدعو الله فى سرى ليل نهار أن يقدرنى ويقوينى كى أنساها .

وبعد مدة حضرت خالتها إلى هنا لزيارة ابنها ، واتصلت بى تدعونى لمقابلتها ، وذهبت لأجدها تطلب منى أن أبتعد عن ابنة أختها ، ولم أعرف أين أبتعد أكثر من هذا ، وأخذت تنبهنى للفارق الشاسع الذى بيننا من جهة المادة ، وطلبت منى أن أعدها بذلك ، فلم أجد بدا من وعدها .

وجاءت عطلة الصيف .. وحاولت عدم الرجوع إلى الوطن حتى لا أراها ، وسافرت إلى بلدان كثيرة وكلنى ما إن وصلت حتى وجدت المفاجأة  بانتظارى فقد علمت أنها تزوجت من أحد أصدقائى الدارسين معى ، وعرفت أنها سترجع معنا إلى أميركا حيث أدرس !

ووجدت نفسى وقد عاد كل شئ كما كان ، العذاب ، السهر ، الحرمان ، الرغبة الحادة الملحة فى رؤيتها وسماعها والبقاء بجوارها ، ولم أجد حلا لخلاصى من كل هذا الضغط العصبى الطاحن سوى الزواج ، فتزوجت فتاة على قسط وافر من الجمال ، واصطحبتها لتقيم فى الخارج معى ، علها تساعدنى على الشفاء ممن هذا الداء المستعصى الذى اسمه ( الحب ) .

ولكنى لم أستطع الكف عن حبها ، وأحسست بنفسى وقد زاد العذاب وتأجج الحرمان ، فلم أقدر على الاستمرار فى هذه المأساة ، إذ أننى عجزت عن الحياة مع زوجتى ، والتفاهم بيننا أصبح معدوما ، والمشاكل صارت تحدث بالعشرات كل يوم لأتفه الأسباب !

وأرجعت زوجتى إلى أهلها وهى حامل ، وبقيت هنا وحدى فى الغربة أقاسى الأمرين ، وأعانى العذابين .. عذاب الدراسة ومسؤوليتها ، وعذاب قربها منى بكل شوقى إليها وحرمانى منها ، وخوفى عليها .. حتى أصبحت على وشك الجنون من كثرة التفكير فيها ، والشوق المتقد لنظرة من عينيها .

والحين .. لم يعد أمامى سوى مخرج واحد للخلاص من هذا العذاب الذى يكاد يذهب بعقلى ، لقد قررت الانتقال إلى ولاية أخرى لأخلص من هذه الصدفة القاتلة التى ساقتها إلى حتى هنا ..نعم .. سأنتقل إلى جامعة أخرى كى أرحم نفسى من عذابها ، وأصون عقلى الذى سأفقده بسبب فقدها .. كل هذا بسبب فقرى .. وثرائها !


الطرقة العنيفة .. على القلب

عندما نضجت وبدت علامات أنوثتى ، سارع أهلى بتزويجى لأول طارق تقدم طالبا يدى، خوفا على من مصير ضائع ، كالذى حدث لخالتى الصغيرة التى أصبحت سيرتها مضغة فى الأفواه ، بعد قصة حب فاشل ، علم بها الجميع .

تزوجت رجلا كبيرا فى العمر بالنسبة لى ، وشابا فى قمة الرجولة بالنسبة لأهلى ، لم تكن بيننا مساحة كافية للعاطفية ، وإنما كانت علاقة شرعية يتحكم هو دائما فى كل شئ يتعلق بها .. وكان يرهقنى إرهاقا فظيعا ، فأرغمته على طلاقى بعد خمسة أشهر .

عدت إلى بيت أهلى ، ولم أخبرهم فى البداية أننى حامل كى لا يرفضوا فكرة رجوعى إليهم ، ولكنهم ما لبثوا أن اكتشفوا ذلك ، فقاموا من جانبهم بمفاوضات صلح استمرت فترة طويلة ، عدت بعدها فى النهاية إلى زوجى ، ذاك الرجل الذى يتصور أن أفعاله وحدها ، خاصة علاقته الشرعية بزوجته هى التعبير الكبير عن الحب والإعزاز.

كان الخطأ الوحيد الذى لم يعرفه زوجى أننى إنسانة عاطفية اشتاق سماع الكلمة الحلوة ، فهى عندى توازى كنوز الدنيا كلها ، وهى عندى تساوى ألف قبلة ، وألف ترضية ، للأسف .. لم يعرف زوجى أن فى أعماقى كائنا خائفا ، يفتقد الثقة بالنفس ، ويحتاج التأكيد بأنه مازال محبوبا ومرغوبا .

بعد شهور .. وضعت طفلتى ، وانشغلت بها عن كل شئ ، كانت حدثا جديداً فى حياتى ، أخذتنى من كل شئ حولى ، أخرجتنى من دوائر الملل ، ومشاعر الوحدة والوحشة والفراغ .

واعتدت حياتى ، تعودت أن أعيش دون عواطف ، بلا أى انفعالات ، فزوجى رجل قليل الكلام ، كثير الأفعال ، يغدق على الوفير من المال ، ويرهق جسدى بالكثير من مطالب رجولته .

واستسلمت لسيطرة شخصيته الطاغية على شخصيتى الضعيفة الواهنة وعرفت أن المطلوب من الزوجة هو السكن والطمأنينة ، وتوفير الراحة والهدوء لزوجها ، كى يستطيع أن يعمل دون مشاكل ، وبلا إزعاج أو منغصات أو مضايقات .

وكبرت ابنتى .. دخلت الروضة وكبرت مشاريع زوجى واتسعت أعماله ، وتعددت سفراته ، وزادت مشاغله ، وأصبحت أجد نفسى وحيدة أغلب ساعات النهار .. والليل ، فوحيدتى تنام مبكرة ، وزوجى دائم الترحال والغياب والابتعاد .

وفى هذه الفترة الطارئة المتغيرة من حياتى ، أحسست أن لا قيمة لى عنده ، فأنا مجرد وعاء لا أكثر ومستحيل أن أصبح إنسانا بالنسبة له فى يوم من الأيام .

وبدأت أطالع الناس من حولى ، ولاحظت ، وبالدهشتى أن هناك عيونا كثيرة تكاد تلتهم علامات أنوثتى الناضجة ، وعرفت أن الدنيا مليئة بالكثير .. وأن الظروف ليست كلها تخضع لمبدأ الصدفة ، بل تعلمت ، أننا بإمكاننا أن نصنع بعضا منها .. بإرادتنا .

 .. وكلمة فى التليفون ، لم أشعر أننى ارتكب خطأ فى حق أحد بل كنت أشعر أننى أمارس حرية الاختيار فى سن النضج ، كنت أظن أننى بمجرد بلوغى الحادية والعشرين ، أن صوت العقل صار يطغى على الانفعالات العاطفية داخلى .

فكان الحب .. والشوق ، وكان القرار نابعا من الأعماق دون أدنى ضغوط خارجية ، كنت أوقن أن مثل هذا الاختيار الناضج لن يعرف الندم فى يوم من الأيام ، وأن مثل هذا الحب الهادئ مستحيل أن يكون مجرد نزوة .. أو مغامرة .

وعاد زوجى بعد طول غياب ، لم أقو على مخاطبته وجها لوجه ، وإنما تركت المنزل ورحت عند صديقتى الحميمة .. وتركت لها مهمة أخباره برغبتى فى الطلاق ، فقال لها أنه لن يرفض ، شرط أن يسمع ذلك منى شخصيا ، وأن ارجع إلى البيت لنتفاهم على كل شئ .

وعدت ، ولم يعطنى فرصة لوصف التفاصيل ، فقد كان نافد الصبر كعادته ، لا يحب الكلام الكثير ، سواء كان من ناحيتى أو من ناحيته .. وانفصلنا ، شرط أن أتنازل له عن ابنتى .. وقبلت الشرط .

طلقتنى .. ولن استطيع أن أنسى تلك الغصة التى عصرت قلبى وأنا أسمع ( أنت طالق ) كانت كالطرقة العنيفة على القلب .

وعشت فى بيت أهلى ، الذين أصابهم غضب عائل عارم ، عانيت العذاب الكثير كى أحتمى منه وأحتمله ، وأتصبر عليه ، إلى أن مرت العاصفة بسلام .. وهدأت الأحوال..

وبدأت أفيق إلى نفسى ، وأعود إلى لقاء حبيبى ، الذى ركزت عليه كل حواسى وكل تفكيرى .. ومرت الأيام .. وعرفت من تصرفاته وأفعاله وتهربه ، أنه كان يتلهى بى  ، يتسلى بحبى الجارف له ، بل ويستفيد منه ، بعد أن أثر على بكلامه المعسول ولسانه الحلو .. وسلب من مالى الكثير ، فقد كان زوجى رجلا واسع الثراء يعطينى المال بلا حساب ..

 أما الحين بعد أن خسرت كل شئ ، وعدت إلى أهلى المتوسطى الحال ، لم يعد عندى المال الكاف لأعطية له .. هرب بعيدا عنى ، بعد أن قال لى أن أهله يرفضون فكرة زواجه منى ، لأننى تركت زوجى ورميت ابنتى ، وأن المرأة التى تفعل ذلك مرة ، لابد وأن تكرر الفعلة نفسها مرات ومرات .

كدت أفقد عقلى وأنا أسمع منه هذا الكلام ، فهو نفسه الذى كان يلح على ، ويتوسل إلى ، كى أتطلق من زوجى لأنه يتمنانى أن أصير زوجة له ، هو نفسه الذى كان يقول لى أنه يحلم أن أنجب له بنتا أو صبيا شرط أن يكون شبيهى  وأن يحمل نفس ملامح وجهى الذى يحبه ويعشقه .

هو نفسه !! هو نفسه !! .. هو نفسه !!

بالمصيبتى .. اكتشفت أخيرا أن من الممكن أن يتظاهر الرجل بالحب دون أن يتورط بالزواج .. واكتشفت أن هناك فارقا كبيرا بين الحبيبة والزوجة .. الحبيبة هى الصورة الحلوة التى يباهى بها الرجل عيون الرجال الآخرين .. أما الزوجة فهى الأصل الطيب الذى يفاخر به الزوج ويختاره وعاء لاحتضان صغاره .. وليس وعاء لإفراغ رجولته كما كنت أعتقد .. وأتهم !

آه .. يامصيبتى فى رجلى .. كنت أشكة إفراطه فى الاتصال بى .. وها أنا صرت أشكو اشتياقى إليه وحرمانى منه ! عجيبة .. نفس الأشياء التى كنت أكرهها وأتذمر منها .. هى نفسها التى أحس أننى أحبها وأشتاقها .. وأحتاجها .

ولكن .. كيف يمكننى الرجوع إليه ؟! وهل إذا صارحته بحبى الكبير له وبأننى سأكون له نعم الزوجة ، وسأكون لابنتى نعم الأم .. هل يسامحنى ؟! وهل يعيدنى إلى عصمته ؟ وهل يقبلنى لأكون مرة أخرى زوجته ؟!

هذه الأسئلة صارت هى وحدها محور حياتى ، خاصة وأن شوقى إليه فى ازدياد وازدياد ، ولهفتى فى الرجوع إليه .. للارتواء من حبه الصادق العميق الكبير فى ازدياد وازدياد .


ساندرا

  ودعت غيوم أوروبا ، نظرت حزينا إلى ضباب أجوائها ، وأنا أدخل باب الطائرة ، عائدا مع أبى بعد سنوات طوال عشناها فى الخارج معا، حيث كان أبى يدرس من أجل الحصول على الدكتوراه .

كانت النقلة كبيرة ، وأن  لم تكن مفاجئة ، فكلنا كنا نعرف أن أبى يوشك أن ينتهى من مناقشة الرسالة قريبا ، وأننا بصدد عودتنا إلى الوطن بعد قليل ، حيث يتقلد أبى منصبا أكاديميا كبيرا ، كان يحلم به .. ويتمناه من زمان .

أعود .. فأبدأ أحاول المستحيل لأتأقلم مع الجو الجديد ، أبذل مخلصا كل الجهد كى لا أعيش منفصلا عن واقعى ، كشاب مسلم عربى ، يجب أن يتبع تعاليم دينه ، ويجب أن يساير عادات مجتمعه ، فألتحق بناد لأمارس رياضة التنس التى أحب ، وأن لم أستطع ممارسة رياضة الجولف التى أهوى ، واستغنيت عن هوايات أخرى كثيرة ، حذفتها من حياتى .. منذ رجوعى إلى الوطن .

ونبذل جميعنا جهدا كبيرا مماثلاً ، بعد أن ألتم شمل الأسرة ، أثر طول فراق ، وبعد أن جمعنا بيت واحد ، بعد طول تشتت واغتراب ، فها هى والدتى تأتى من بيت أهلها ، مصطحبة أختى الصغرى سلوى ، وها هو والدى ، وأنا ، نعود من الخارج ، لنبدأ نتعايش مع بعضنا البعض ، من أجل خلق أسرة سعيدة مستقرة .. مضى على تباعد أفرادها سنوات وسنوات .

فى البداية ، نحس عدم الألفة بيننا البعض ، فلكل منا عالمه الخاص ، والدى مشغول بمتابعة دراساته ، وأمى قلبها مازال معلقا ببيت أهلها ، وأختى سلوى كأنها تستغرب حياتها مع أخيها وأبيها ، بعد طول غيابهما عنها ، فصارت تستحى من وجودنا ، وتكاد تعاملنا كما لو كنا غرباء .

وأنا عن نفسى ، جاهدت كى أعتاد أسلوب الحياة المنغلق هنا ، بعد أن عشت تلك السنين فى الخارج ، حيث الحياة المنفتحة على آخرها ، وحيث يتوفر الكثير من ألوان المتع والتسلية التى لا حصر لها .

ومع الوقت ، لاحظت أشياء كثيرة ، لاحظت النفور الظاهر بين أمى وأبى ، فهما يتعاملان كمعارف أو غرباء ، كما لاحظت بينهما التفاوت الثقافى والعقلى ، ذاك الذى أدى إلى الانفصال العاطفى .. أيضا لاحظت عزلة سلوى عن الأسرة ، ورغبتها الدائمة فى الهرب من المشاكل ، بالتسلل إلى غرفتها ، والاحتماء الدائم بها من هذه الأجواء المشحونة بالعداء .

وما تلبث أن تزداد الخلافات وتشتد بين أمى وأبى ، فى البداية لم نكن نعرف بالتحديد ما السبب ، لكن .. فيما بعد ، عرفنا أن والدى غير مقتنع بطريقة أمى فى ممارسة الحياة ، فهى فى نظرة امرأة متخلفة ، تقليدية ، غير عصرية ، لن تتغير نحو الأفضل ، ولن تصل إليها أبدا آثار التحضر والتمدن .

وفهمنا كل شئ .ز فهمنا السر فى تمرد أبى على طريقة أمى ، واتهامها بعدم العناية بتطوير نفسها ، وعرفنا السبب فى نفوره وابتعاده عنها .. وأدركنا تفاهة الأعذار وراء تكرار السفرات إلى الخارج بحجة متابعة الرسالة !!

عرفنا كل شئ ، عرفنا إن السر يمكن فى المرأة الغربية وليس فى الشهادة العلمية .. كان قلب أبى قد تعلق بمساعدة له فى الدراسة فأحس بالتقارب العقلى معها ، وتمتع وإياها باللقاء الذهنى والعلمى والعاطفى !

والشئ العجيب الذى آثار حيرتى وذهولى ، أن أمى لم تحزن على غيابة ، ولم تأسف على فراقه فقد كانت طول عمرها تشكو من غرابة طباعه ، وتعانى من التفاوت العلمى بينهما ، الذى يشعرها بالقلة والضآلة تجاهه ، لذلك كانت تفضل أن تبتعد عنه ، وأن تقضى أغلب أوقاتها مع أمها فى بيت أهلها .. لهذا اصطحبت أختى سلوى منذ صغرها ، ورجعت بها إلى بلدنا .

وتم الانفصال .. دون منغصات فقد كانت مشاعرهما ، كلاهما متفقة على ضرورة هذا الانفصال الرسمى ، بعد أن باعد بينهما الانفصال العاطفى ، منذ بدايات السفر إلى الخارج طلبا للدكتوراه !

ولم يمض وقت طويل ، إلا وعاد والدى ، وفى صحبته امرأة فاتنة شقراء ، بديعة كالدمية ، حلوة كواحدة من هؤلاء النساء اللاتى يظهرن على صفحات الجرائد وأغلفة المجلات !

وعلى الفور .. ينقلب حال البيت ، تصبح ساندرا هى كل شئ فى حياة أبى ، وما تلبث أن تصبح كل شئ فى حياتنا جميعنا ، فهى ذكية جدا ، دمثة جدا ، لبقة جدا ، تعرف كيف تفاجئنا باحتياجاتنا الدقيقة ، دون أن نطلبها ، بل دون أن نعبر عنها .. وكم كانت رائعة وهى تعدينى أروع مضارب التنس ، وتزودنى دوما بأخبار أشهر اللاعبين فى تلك اللعبة التى أحب .. والتى تحب .

ولكن .. رغم كثرة المحاولات ، لم تفلح ساندرا فى دخول قلب أختى سلوى ، لم تستطع أن تؤثر عليها بعذب كلامها ، وحلو حديثها وبقيت سلوى تمقتها ، تعافها ، فازدادت وطالت فترة العزلة فى غرفتها ووضع للجميع رغبتها فى انفرادها بنفسها وانطوائها .

وظل أبى يحاول جاهدا التوفيق بينهما دون جدوى ، وحاولت أنا من جانبى كثيرا دون فائدة .. فاستسلمنا أخيرا للأمر الواقع .. وتركنا الأمور على علاتها ، وترقبنا أن يأتى اليوم الذى تعتاد فيه سلوى وجود ساندرا بيننا .

يتلهى كل منا فى حياته ، أنا فى العمل صباحا ، وفى النادى مساء وأبى مشغول بوظيفته الجديدة ، وبمسئوليته الحديثة ، واتصالاته بالأصدقاء القدامى ، وبجلساته معهم ، وبالأجواء والمشغوليات التى استغرقته تماما ..

وسلوى كعادتها ، تنهمك فى دراستها الجامعية ، فهى طالبة متفوقة فى علومها الاجتماعية ، لا وقت لديها لأى شئ آخر يعطلها عن النجاح بامتياز طوال سنوات الدراسة .

كلنا كنا مشغولين عن بعضنا البعض ، حتى أننا كدنا ننسى وجود ساندرا كامرأة غربية غريبة عن عاداتنا وتقاليدنا العربية .. إلا أختى سلوى .. كانت تضع عينيها عليها دائماً ، وكأنها نسر يوشك أن ينقض يصيب فريسته .. فى مقتل !

ولم ننتبه إلى كثرة خروج ساندرا من البيت بالأخير ، ولم نلحظ كثافة اتصالاتها برفاقها الأجانب ، وتبادل الزيارات معهم ، وغزاره الاختلاط بهم .. فهى أما عندهم ، أو هم عندها يقضون معها أوقات طويلة فى الحوار والضحك ومشاهدة أفلام الفيديو التى تصلها ، دون أن تمر على الرقابة ، من بلدها البعيد .

ولكن … لم يفت هذه كله على سلوى ، فقد ظلت ترقب وترصد تصرفات ساندرا، وتتابع كافة تحركاتها ، تعرف من دخل إلى البيت ، ومتى خرج وكأنها قد تحولت إلى مخبر سرى فى قصة بوليسية مثيرة .

وبقيت هكذا سلوى … لا تكف لحظة عن الشك فى تصرفات ساندرا ، ولا تتوقف ولو يوما واحدا عن اتهامها بخيانة أى ، فقد كانت تعتبرها شيطانا رجيماً ، تشكل فى هيئة أنثى كالأفعى تنفث السم فى حديثها وتفح الخطر فيمن حولها .

وأنا عن نفسى ، أعترف أنه قد ضاق صدرى من كثرة شكوك سلوى وظنونها ، حتى أننى ملك من سماع كلامها ، وقلت لها لا تخبرينى بشئ بعد الآن ، إلا إذا كان عندك دليل واحد ضدها .. وتركتها ومشيت .

وجاء يوم ، ونادتنى سلوى فور دخولى البيت ، لأصعد إلى غرفتها فى الطابق الثالث ، تلك الغرفة التى اختارتها بالذات بعيدا تماما عن جناح ساندرا وأبى والتى كانت تتيح لها مراقبة الفيلا من البابين ، الأمامى واخلفى ، فهى غرفة متسعة تطل على الحديقة وتشرف على مداخل البيت ، وكأنها برج مراقبة فى قلعة قديمة ، مهددة أبدأ بالاقتحام .. من الأعداء .

نزل الخبر على قلبى كالصاعقة ، ورقد فوق صدرى ثقيلا كالحديد ، فارتميت على المقعد أمامها وأنا أكاد أكذب قولها .. وطلبت منها أن تمنحنى الفرصة لأتأكد بنفسى مما سمعت ، خاصة أن غرفتى فى الطابق الثانى ، ولا تبعد كثيرا عن جناح والدى ..!

وأبدأ فى الحال أراقب ساندرا بدورى ، لأتثبت من صحة اتهام سلوى ، فأضع أداة تنصت فى جهاز التليفون الرئيسى ، فأنا من هواة التكنولوجيا وأتقن حل ألغازها بحكم دراستى لهندسة الكهرباء ، كما أعرف كيف أتعامل مع تلك الأجهزة الكهربائية الحديثة .. وحينذاك سمعت وعرفت الأهوال !!!

إنها لا تحب أبى ، وإنما تحب أمواله التى يجعلها تنفق منها كما تشاء ، وتحب الحياة معنا حيث الشمس حامية ساطعة والشطآن ناعمة ساحرة ، فيحلو لها أن تمارس رياضتها المفضلة فى السابحة والتزلج على الماء .

تحز فى نفسى الحقيقة الرهيبة الجارحة كحد السكين ، وأحار ماذا أفعل ؟! هل أخبر سلوى بما سمعت ، هل أحكى لها ما عرفت لأشركها معى فى محاولة الإطاحة بتلك المرأة العربيدة الفاجرة ؟ أم أحاول أما وحدى إزاحتها من بيتنا وتخليصنا من شر وجودها بيننا ؟!

يستقر قرارى على الرأى الأخير ، أصمم أن أخوض تلك المعركة الضاربة وحدى ، حتى أصل إلى الدليل المادى على خيانتها ، ذاك الذى يسقط تلك الأفعى بين براثنى ، وحينذاك استطيع أن القى بها .. بعيدا عنا .. جميعنا .

كان اتهام سلوى صحيحا أذان ، وكان إخبارها لى بأنها قد رأتها تخرج ليلا فى صحبة ذلك الرجل الأجنبى الحامل نفس جنسيتها ، بعد نوم أبى ، سليما 100% هى خائنة أذن .. وتستحق العقوبة جزاء خيانتها ، وجزاء أساءتها لذلك الإنسان الذى أحبها .. وتزوجها .

مسكين أبى .. مازال مخدوعا فى مسلكها ، موهوما أنها تحبه وتخلص له .. آه .. يا لها من ممثلة موهوبة ماكرة !!

وأبدأ على الفور تنفيذ خطتى ، أبدأ أتودد إليها ، محاولا جذب انتباهها نحوى ، كى تطمئن لى ، وتصحبنى إلى قاع الخيانة ، كى أعود ومعى الدليل على قمة الخديعة ، أقدمه لأبى الذى لا يصدق أى شئ سئ يقال فى حقها ودائما يدافع عنها أمام سلوى ، ويقف عاشقا فى صفها !!

لا فائدة أذن من الكلام أو الاتهام بدون دليل مادى ملموس ، فأبى عنيد ، لا يقتنع بسهولة ، وأى كلمة قد تقال له ، سوف يعزوها إلى أمى ، وسوف يتهمها بأنها هى التى تقف وراء هذه الاتهامات الظالمة ، وتلك الإدعاءات الكاذبة !

وظل اسمع المزيد من مكالماتها ، وأعرف أنها ترتكب الخطيئة فى حفلاتها الماجنة .

وهنا .. أصمم على تسجيل أحدى مكالماتها ، ومن ثم تقديم الشريط إلى والدى ، ليسمع بأذنه صوتها وهى تسرد على أصدقائها ذكريات مجونها .

وأعد لتلك المهمة جهازا دقيقا ، أنوى تشغيله فى الصباح الباكر ، بينما تكون هى نائمة ، قبيل أن أغادر البيت إلى مقر عملى بقليل ، وأنام سعيدا قرير العين بما نويت أن أفعل لأكشف سترها ، وأفضح سرها !

أثبت الجهاز ، أخفيه فى غرفتى وأمضى مرتاحا هانئا باقتراب نهايتها ، ولكن .. يالدهشتى ، مضت أيام منذ ثبتت الجهاز فى التليفون ، دون أن تتحدث عن تلك الأشياء الماجنة .. يا لحظ السئ ، أننى منذ بدأت التسجيل لها ، لم أعد أسمع ما يشينها ، بل على العكس .. ها هى تتحدث عن أبى كأنه وحده . الحبيب الغالى على قلبها .. سبحان الله مقلب القلوب !

ترى .. ماذا حدث لها ؟! هل عشقت والدى هكذا فجأة بعد أن كانت تسبه وتلعنه ؟! عل أقلعت عن أعمالها الفاسقة فجأة .. بعد أن كانت تبدو سعيدة مستمتعة بها ؟! هل تابت هكذا فجأة .. أم تراها ارتابت فى أمرى ؟! لا أعرف .. لا أعرف !

وبعد أن مضت عدة أيام ، أتتنى باسمة ذات خميس ، وهو يوم عطلة فى الشركة الكبيرة التى أعمل بها ، دخلت غرفتى وأنا مازلت نائما ، قبلتنى فى رأسى ، وطلبت منى أن أستعد للخروج معها ، لأسهر مع شلتها فى حفلة الليلة ، ولأعيش معهم ليلة من أجمل ليالى العمر .

أنتفض فى فراشى ، أبتعد عنها فى وجل ، أنظر نحوها فى ذعر ، تفهم سر رعبى ، تطمئننى قائلة أن والدى قد خرج اليوم مبكرا ، لأنه سيسافر لمدة يومين .

أفرح بهذه التطورات فى خطتى ، فها هى الحفلة الساهرة الماجنة سوف تقام الليلة ، وهى لا تريد أن تذهب وحدها ، وتريدنى أن أذهب معها .. يا الله .. الحمد لله .. هذا ما أريد بالضبط .. وهذا ما أتمنى بالضبط .

أخرج ليلا أسهر معها ، دون أن أخبر سلوى بشئ عن خطتى ، خوفا أن يفسد تدخلها ما أريد أن أفعل ، أدس فى جيبى كاميرا صغيرة على شكل ولاعة السجائر لأتمكن من تصويرها وهى ترتع وتتردى فى هاوية ابتذالها .

أدخل إلى الحفل الصاخب .. أفاجئ بالترحيب الحار الكبير بحضورى ، وكأن الجميع فرحين بوجودى الجديد بينهم ، أجلس متوترا مستعدا لأداء مهمتى كأحسن ما يكون .

وسرعان ما تحرك الموسيقى الصارخة مشاعرى ، فأنهض أرقص معهم ، مقنعا نفسى بأن هذا الجزء هام لإنجاح مهمتى الحساسة ، و .. لا مانع أيضا ممن تناول هذا المشروب كى أبدو كأننى مبتهج بالفعل لوجودى بينهم .

وما هى إلا ساعتان أو ثلاث ، إلا وأحس خدرا شديدا .. آه .. ما هذا ؟! ربما من جزاء ارقص العنيف الكثير .. أو ربما بسبب هذا المشروب الذى احتسيت منه كمية كبيرة دون أن أحس .. أم .. بسبب .. ماذا .. لست أدرى ؟! .. لست أدرى .

آه .. لكن  .. ما بالى أشعر كأننى لست أنا ؟! آه .. رأسى يتمايل .. يتساقط .. لا لا .. أنه يتراقص .. يتطاير .. لا .. أين أنا .. أفتش عن ساندرا .. أجدها هنا بجوارى ، تراقص أحدهم أمامى ، فأجذ بها من ذراعها بعنف وخشونة لكن .. ما هذا .. ماذا تفعل بى ؟!

أنها تحاصرنى .. أنها .. أنها !!

… ولا أعرف كيف رجعت إلى البيت ، ولا كيف وجدت نفسى نائماً فى فراشى داخل غرفتى ، فأنا لم أشعر بشئ على الإطلاق ، كأننى كنت غائباً عن الدنيا ، ضائعاً فى عالم آخر لا أعرف منتهاه .. أصحو مقتولا من التعب ، مرهقاً حتى الموت .. أحاول أن أتذكر ما حدث ليلة البارحة ..!!

و .. أذكر التفاصيل .. تدهم ذاكرتى شيئاً فشيئاً .. فاقعد كسيراً حسيراً ، أحس نفسى حزيناً تعيساً ، أحاول أن أصحو ، أن استجمع قواى المنهكة .. دون جدوى !

وأظل ذليلا أفكر .. كيف سيطرت على ؟! طوعت أرادتى إلى هذا الحد المزرى ؟! كيف جعلتنى أنسى نفسى .. وافسد خطتى ؟ كيف .. كيف .. كيف ؟!

ويجن جنونى ، لا يهدأ غضبى ، وهذا الصداع الملعون يبقى يطحن راسى دون هوادة ، حتى كدت أشعر أننى على وشك الانفجار غيظاً وقهراً وخزياً وعاراً..!!

كيف أخون أبى ؟! كيف فى شرفة وأنا الذى حرصت أن أًول شرفه وأن أفضح خيانتها واكشف أسرارها ..! كيف !! كيف ؟!

وما تلبث أن تأتينى إلى غرفتى .. وما ألبث أن أعرف منها الجواب .. وافهم منها كل الأسباب ..

تدخل غرفتى بعد الظهر وهى فى قمة زينتها وقمة جمالها ، فلا أرى منها سوى قاع قبحها وسوء فعالها ، أحاول أن أنهض لأدفع بها خارج الغرفة ، خوفاً من أن تكون قد أتت لتكرر خطأها ، أهم بأن أضر بها .. فإذ بها ترفع أمام وجهى صوراً لى ولها ونحن ..!!

ينخرس لسانى ، ينعقد قولى ، بعدها أعجز عن النظر نحوها ، أبقى متحجراً متصلباً ، فاغراً كالأبله ، ممسكاً الصور الفاضحة بيد مرتجفة خائرة ، أسمعها بنفس ذاهلة تائهة تقول ساخرة ضاحكة : أنت شاب ذكى ، لكنك لست أكثر ذكاء منى .. أنت تحب التكنولوجيا وأنا أحبها أكثر منك .. لقد سبقتك وسجلت مكالمات أختك مع أمها قبل أن تفكر أنت فى تسجيل مكالماتى الخاصة .. ثم أخذت شرائط التسجيل إلى أصدقاء لى يعرفون اللغة العربية فترجموها لى .. وبعد أن فهمت مشاعركم نحوى .. عرفت من ثرثرة سلوى مع أمك الاتفاق الذى تم بينك وبينها .

تعود تنظر نحوى فى شماتة ، تجلس على المقعد ، تقول فى هدوء دون انفعال :

  • تعرف .. أنا من طبعى الحذر .. ومن عادتى أن احتاط لكل شئ مقدماً .. وأن لا أترك أى فرصة للظروف قد تعرضنى للوقوع فى الخطأ .. لذلك .. سبقتك أنا وأوقعت بك على الفور بمجرد أن اكتشفت أداة التصنت فى تليفون غرفتك ..

ربما لم أكن لاشك فيك أبدأ .. لكنك لم تكن ذكياً بالقدر الكافى الذى يبعدك عن دائرة شكوكى .

والآن .. أنا عندى فيلم فيديو ن يثبت خيانتك لوالدك بالصوت والصورة .. كما أن عندى عشرات من الصور التى تثبت تورطك .. وفى يدك عينة منها الآن .. ما رأيك ؟! هل تخبر والدك بذلك ؟! أم أنك تفضل الصمت ؟!

والآن .. دعنا نعقد معا هذا الاتفاق إذا أردت أن تعيش أختك سلوى فى سلام وحتى لا يحدث لها ما حدث لك .. أنا أحذرك أن تفتح فمك بكلمة واحدة عما حدث إلى المال .

هاه .. اتفقنا ؟! أعتقد أنك بما يكفى لأن توافق على هذا الاقتراح اللطيف .

ترمقنى بنظرة باردة كأنها سمكة ميتة مثلجة ن تنقض فجأة على يدى تخطف الصور ن تقول وهى تغادر الغرفة .

تلفت نحوى وظهرها إلى الباب تقول بصوت كالفحيح وأن كان يحفل بالأغراء :

  • إذا أثبت أنك شاب طيب النوايا .. أعدك بأننى سوف أخذك معى كثيراً إلى تلك الحفلات .. أظن أن الحفلة أعجبتك .. أليس كذلك ؟!

تتوارى عن أنظارى ن وأبقى فى حالة يرثى لها ن أعانى الغيظ والقهر والإحباط والقرف ن وبعد دقائق .. تدخل سلوى إلى غرفتى وهى تنظر نحوى فى شك ولوم وعتاب ، ما يلبث أن يتحول قلق وخوف وعذاب وهى تحدق فى وجهى دهشة تسألنى جزعة عما أصابنى .. وعما حل بى !

لا أستطيع رداً ن أجلس على حافة الفراش ورأسى بين يدى ، وأنفجر رغماً عنى فى بكاء لا أستطيع منعه ولا أقدر على إيقافه ن تفزع سلوى ن تربت على ظهرى ، تملس على رأسى وهى تقرأ آيات من القرآن الكريم تسكن بها روعى .

أبقى حائرة لا أقوى على سرد تفاصيل ما حدث لى مع زوجة أبى لأختى الصغيرة ، فالخجل من الحادث يعجزنى عن التعليق عليه .

تشعر سلوى بمصيبتى ، تفهم بذكائها الفطرى ما كان ، بعد أن أكدت لها صدق ظنونها فى سوء سلوكها .. تذهب تغلق باب الغرفة بالمفتاح ، تقول لى وهى حائرة : سامحنى يا خالد .. سامحنى .. الشك فيك كاد يقتلنى ، خصوصاً بعد ما لاحظت توددك لساندرا وحسيت بالتفاهم اللى صار بينكم .. بصراحة .. أنا شكيت فيك لما شفتها تدخل كثيراً غرفتك فخفت عليك منها .

.. تنحنى سلوى تحت السرير ، تسحب جهاز تسجيل من النوع الحديث الذى يشتغل بالرموت كونترول ، تقول لى أنها اضطرت أن تضعه تحت فراشى الليلة الماضية ، بعد أن رأتنى خارجاً مع ساندرا لما دخلت غرفتك تركت الباب مفتوحا وإلا لصعب على تشغيل الجهاز من الممر خارج غرفتك .

تعيد سلوى تشغيل الشريط ، أسمع صوت ساندرا العربيد وهى تحاول تمرير اتفاقها اللعين معى ، أنقض على الشريط أخطفه من يد سلوى ، التى تنظم نحوى فى تعجب واستغراب بينما أنظر أنا إليها بكل التقدير والمحبة والإعزاز .. الإعجاب .

حمداً لله .. أخيراً وقع فى يدى دليل سقوطك يا ساندرا . لم يفلح حذرك الدائم إذن فى تخليصك من هذه الورطة التى انغمست بها .. حمداً لله .. لكل ظالم نهاي !

أرتدى بسرعة ملابسى ، بعد أن تصعد سلوى إلى غرفتها لتبدل ثيابها ، آخذ أختى والشريط معى ، إلى بيت جدى ، أطلب من أمى أن لا تترك سلوى تغيب عن عينها ، وأن لا ترجعها إلى بيت أبى إلا بعد أن أقول لها متى يكون ذلك .

أنتظر رجوع خالى الشاب من الدوام ، أحكى له كل شئ بصراحة ، آخذ رأيه كيف أخبر أبى بخيانة زوجته ، فأنا مستحى من نفسى لأننى شاركتها فيها ، وأن كان فى نيتى تصوير خيانتها هى مع أصحابها .. وأسأله هل أطلع أمى على هذا الأمر .. أم من الأفضل أن نبقيه سراً بين الرجال ؟!

يتولى خالى مسؤولية إبلاغ أبى ، يفسر له كل شئ ، ويوضح له مدى الخطر الذى يتهدد ابنته ، وحيدته .. ولكن .. يا لها من مفاجأة كانت عنيفة الوقع علينا .. عندما أخبرنا والدى أنه كان يشك فى سلوكها ، وأنه كاد يموت من حسرة الألم ، وهو يراها تتودد إلى وتحاول أن تتقرب منى .!

وكم كانت فرحة والدى ببرائتى من ظنونه ، وكم كانت سعادته عندما علم بحسن نيتى وبرغبتى فى كشف خيانتها وتقديم دليل غدرها .. بعد أن سمع بنفسه الشريط وتعرف على لغتها .. وصوتها .. وفهم هدفها .. فكانت نهايتها .. وطلاقها .. بعد أن جردها من كل مالها .. وأعادها مفلسة كما جاءت .. إلى بلادها .


ثم أتت .. المفاجأة الثالثة

أحببت امرأة مطلقة تكبرنى بعامين ، أحببتها حبا ملك على حياتى ، بعد أن تعرفت عليها عن طريق بنت عمتى .. كان ذلك منذ ثلاث سنوات .

تعلقت بها ، وصرت لا أقوى على العيش بدونها ، فهى تشبهنى فى أشياء كثيرة ، طباعها ، أخلاقها ، تصرفاتها ، كل هذا .. جعلنى أتعلق بها أكثر وأكثر .. وأنا ما ادرى عن نفسى شيئاً ، كأنى إنسان مسلوب الإرادة أمام رغباتها ، لا استطيع رفضا لأمرها .. لأنها حبيبتى وسيدتى .. فهى التى تأمر وأنا أطيع وأنفذ ما تتفوه به شفتاها ، أو تنطق به عيناها ..

استمر الحب عنيفا على نفسى ، ورغبتى فى الزواج منها تسيطر على كل حواسى ، ففكرت فى الاقتران بها فعلا .. ولكن .. ظروفى المادية حالت دون ذلك ، لأننى مازلت شاباً صغيرا فى مطلع العشرينات كما أننى أتكفل بالإنفاق على أهلى ، وأعبائى المادية ثقيلة ترهق كاهلى .

وفى يوم من الأيام ، سمعتنى أم حبيبتى وأنا أكلمها عبر الهاتف .. فسألتها مع من تتكلمين ؟!

فاعترفت لها .. بكل شئ ، فطلبت منها أن تكلمنى ، كى تعرف ماذا أريد من ابنتها ، وفعلا كلمتنى ، وسألتنى أسئلة كثيرة ، وبعد نقاش طويل أقفلت السماعة ، وأنا لا أعرف ما إذا كانت غاضبة منى ، أم راضية على ؟!

وفى اليوم التالى ، اتصلت بى حبيتى ، وطلبت منى أن أتقدم لها لاحظيها ، فسألتها مدهوشا كيف أتقدم وأنت أدرى الناس بظروفى ؟! وأوضاعى ؟! فقالت المهم تظهر حسن نيتك ، وتوضح لأمى أنك جاد ، وأنك تريد أن تبنى معى علاقة شريفة ، وليست علاقة غرام يثير الشكوك حول سمعتى .

فسكت ، لم أدر ماذا أقول ، وقلت لها أعطينى فرصة يوم واحد أشوف حل لهذه المشكلة التى أنا فهيا ، فرضيت على مضض ، وطلبت منى أن أتصل بها فى الصباح لأخبرها ماذا قررت أن أفعل .

وكانت المفاجأة .. عندما اتصلت هى بى فى منتصف الليل ، وكلمتنى بصوت غريب ،وقالت أنها تريد أن تقابلنى الآن عند باب بيتهم الخلفى ، ففزعت من الفكرة ، وقلت لها اصبى حتى يطلع النهار ، عشان ما نرتكب شئ غلط نندم عليه ، لكن .. للأسف أمام إصرارها وإلحاحها ، ضعفت مقاومتى ولم أملك إلا الاستجابة لطلبها .. والذهاب للقائها ..

وهناك .. حصلت المفاجأة الأخرى .. فإذا بها تقترب منى بسرعة وتمد لى يدها وبها مبلغ كبير من المال أعطته لى ، وقالت تعال ومعك هذه الفلوس وقدمها لى كأنها مهرى ، حتى لا يرفضك أهلى .. فرفضت هذا الموقف الجارح لكرامتى ، الذى شعرته كالطعنة تنغرس فى عمق رجولتى .. ولأول مرة أعصى طلبها .. ولأول مرة أرفض الانصياع لأمرها .. وانصرفت غاضبا من قولها وفعلها .

ورجعت .. رجعت ، والدنيا فى عينى سوداء معتمة ، وارتميت فى غرفتى وإحساس حاد عنيف بالمذلة والمهانة يطحن قلبى ، يحطم معنوياتى ، يهدر رجولتى ، وعندما طلع نور النهار ، اتصلت بها ، وسألتها من أين لها كل هذا المال ؟! وكيف حصلت عليه دون علم أهلها ؟! فكان ردها كالصاعقة تسقط على رأسى ، عندما أخبرتنى أنها باعت كل ذهبها ، لتدبر مهرها ..!

وبقيت تبكى وتبكى ، وترجو وتتوسل أن أقبل هذا المبلغ منها ، كى نحل مشكلتنا أمام الأهل والناس ونتزوج .. فوافقت تحت تأثير الحب ، والعاطفة ، والرغبة العارمة فى زواجها ، وفى أن تصبح حبيبتى ، امرأتى التى تشاركنى حياتى .. وأفراحى وأحزانى .

أخذت المبلغ ، وتقدمت لها ، ووافق أهلها فى بداية الأمر ، وهم يظنون أننى شاب مقتدر ، استطيع أن أتكفل بأعباء الأسرة ،وبأننى على قدر وافر من الثراء .

وعشنا معا ، أجمل أيام حياتنا ، فالحب الكبير بيننا ، والتفاهم الأكبر ، لم يدع أى نوع من الخلاف ، أو الاختلاف فى الرأى يحدث لنا .. كانت السعادة التى ذقناها أروع وأبدع مما يمكن أن يتخيل إنسان .. وكنا ننتظر الانتهاء من إجراءات الزواج .. حتى يتوج حبنا باللقاء الكبير ، ذاك الذى يظلله الحب الأكبر .

ولكن .. دوام الحال من المحال ، فبعد حوالى شهر من خطبتى لها ، فوجئت أن أهلها يرفضونى ، ويطلبون منى عدم التعرض لأبنتهم ثانية ، وإلا قتلونى .. فسألت حبيبتى عن السبب ؟ فقالت لى أن أمها اكتشفت الحقيقة ، وعرفت سر اختفاء الذهب ، وفهمت كل شئ بعد أن اعترفت لها حبيبتى .. بكل شئ .

وانكفأت على نفسى حزينا حسيرا ، وشعرت أننى أضأل من بعوضة ، وأصغر من نملة .. وندمت على أننى طاوعتها فى طلبها ، ونفذت أمرها . فقد أصبحت لصا دون أن أسرق ، وصرت خائنا دون أن أخون .

تحسرت على حالى ، وانقهرت على نفسى وأنا أرى نظرات الكراهية والاستهزاء فى عيون الناس من حولى ، وهو يطالعونى وكأنى محتال أو نصاب ، غرر بامرأة وأستولى على مالها !!

وفى هذه الفترة ، تقدم لها أبن خالتها ، فاتصلت بى تعلمنى بذلك ، وتطلب منى أن أهرب معها ، لكننى رفضت هذا العرض المشين بشدة ، بحيث لم أترك لها أى مجال للتفاهم ، أو أعادة الطلب أو الإلحاح .

وكانت نتيجة هذا الرفض القاطع ، أن تزوجت حبيبتى بابن خالتها ، وسافرت معه ، بعد أن أعطتنى رقم هاتف استطيع أن أتصل بها من خلاله ، ولم تكف طوال الوقت ، أن تؤكد لى أنها تحبنى أكثر من زوجها ، وأنها لن تنسى أيامنا الحلوة التى عشناها معا ، والتى أمضيناها معا .. وصارت الآن مجرد ذكرى .. غالية . ذكرى عزيزة .

وصرت أعيش على الذكرى التى تحرق القلب ، وتكوى الروح ، فالشوق إليها يلهب إحساسى ويشعل مشاعرى ، والحب لها يجعل كل ما حولى لا معنى له ، ولا قيمة .. وذكرياتى معها تقف دوما عند نقطة واحدة .. هى ( طردى ) من حياتها بطريقة مهينة ، تؤكد داخلى المذاق المر للمذلة والانكسار والهوان .. عندما فهمنى أهلها بطريقة مغلوطة ، وعاملونى وكأنى واحد من طريدي العدالة ….!

و … أتت المفاجأة الثالثة ، عندما رجعت حبيبتى إلى ديار أهلها ، وهى غاضبة من زوجها ، رافضة لحياتها .. واتصلت بى تقول أنها لن ترجع له ، لأنه رجل فاشل ، يتعاطى المخدرات ، ولا يقيم للحياة وزنا ولا يهمه شئ فى الدنيا ، سوى السهرات !

ولم تكف عن الإلحاح ، بأن أحاول أن أتقدم لها .. من جديد ، لكن .. بعد هذا الموقف المشين الذى أوقعتنى به ، وورطتنى فيه ، لم أعد أقوى على مجرد التفكير فى الاقتراب من بيتهم ..

ورغم لحب الحارق الذى أحسه نحوها ، ورغم الشوق الجارف الذى أشعره حيالها ، إلا أننى انوى هجرها وتركها ، فقد أيقنت أن لا حياة لى معها ، وأننى حتما .. لابد أن أحيا بدونها .

لذلك .. أعلنت لأمى موافقتى على الزواج من بنت عمى ، فهى تتفهم ظروفى المادية ، فكلانا من عائلة واحدة ، ليس بيننا غنى أو فقير .. وليس بيننا مواقف مخزية .. ستبقى تفرز مخلفاتها حولنا .. طوال حياتنا .


ترى .. إلى متى سأبقى أحبه ؟!

أنا فتاة خليجية ، أحببت شابا من بلد خليجى آخر ، أحببته بكل معنى الحب ، هو يكبرنى بسنتين فقط ، وأن كان يبدو أكبر منى بكثير .

تعرفت عليه بطريقة غير مباشرة ، ففى يوم ذهبت مع عائلتى إلى إحدى الحدائق العامة ، وإذ بمجموعة من الشباب الذين يمشون خارج الحديقة يكررون بصوت مرتفع رقم هاتف كانت أرقامه متشابهة وأخذوا يلقون داخل الحديقة بعض الأوراق الصغيرة التى كتبوا عليها الرقم .

ولم أكن فى حاجة لأن ألتقط إحدى هذه الأوراق ، فقد كان الرقم سهلا ، وكنت قد حفظته فى سرى بدون صعوبة ، وعندما رجعنا إلى البيت ، وجدت الهاتف فى مكانه المنعزل ، ولا أحد عنده ، فرفعت السماعة ، وأدرت الرقم ، وإذ بشاب يرد على ، دون أن تبدو عليه أى فكرة عمن أكون ، فهو لم يكن مع هؤلاء الشباب الذين رأيتهم فى الحديقة ، لكنه أخبرنى أنهم أصدقاؤه وإن لم يخبروه عما فعلوا برقمه !!

المهم .. استمرت العلاقة بينى وبينه حوالى ثلاثة أشهر، لم أره خلالها ولم يرنى ، كنا فقط نكتفى بتبادل الآراء والأفكار بيننا ، وكان كل منا حريص على أن تستمر علاقته بالآخر ، عبر تلك المكالمات الطويلة ، التى كانت تمنحنا ارتياحا نفسيا وإشباعا عاطفيا .. وكأنها لقاءات نتنفس خلالها ما يخترن من مشاعر .

بعد هذه المدة ، التى بدت لى قصيرة ، وإن بدت له طويلة ، طلب منى أن يرانى ولو حتى من بعيد ، فوافقت بعد إلحاح ، وأعطيته موعدا فى نفس الحديقة التى اعتادت عائلتنا أن تذهب إليها فى عطلة نهاية الأسبوع ..

رأيته .. وأعجبنى ، واستمرت علاقتنا عبر الهاتف ، كما استمرت لقاءاتنا فى الحديقة ، دون أن يكلمنى أو أكلمه ، ومضى على هذا الحال فترة من الوقت ، ولا أحد يعلم عن علاقتى بهذا الشاب غير بنت خالى ، فهى الوحيدة التى تعلم عن كل شئ يحدث بيننا ، وعن وعن أى تطور يصيب علاقتنا ، فكانت لى بمثابة المرشد الذى يهدى سفينة حبى إلى شاطئ الأمان .

ودون عناد أو مكابرة أو إدعاء أو كبرياء ، أحببته ، أحببته حبا لا يوصف ، فقد كنت أخاف أن أقول أو أفعل شيئا يغضبه ، كنت أحرص ألا أجرح مشاعره رغم صغر سنى ، فقد عرفته وأنا فى الرابعة عشرة ، وهو فى السادسة عشرة..

نعم .. فهو الإنسان الوحيد الذى كلمت وأحببت فى حياتى .. لم يجعلنى حبه فتاة رعناء طائشة رغم سنوات المراهقة وعدم الخبرة وقلة الإدراك ، وإنما حملنى قدرا أكبر من المسؤولية ، والاهتمام بالذات ، والخوف على الاسم والسمعة الطيبة قبل كل شئ ، ودون أحاسيس أو رغبات .

ويوما بعد يوم ، بدأ حبه يكبر فى قلبى ، لكنى كنت ناضجة أفكر بعقلى قبل قلبى ، كنت أحرص أشد الحرص أن لا أجعل أحداً من أهلى يشك بى ، فقد كنت حريصة على سمعتى وعلى تصرفاتى وعلى الرغم أننى أكلمه كثيرا ، فلا يفوت يوم دون أن أكلمه ، وكانت مكالماتنا تستمر وتطول ، ولا تحسب بالدقائق .. وإنما بالساعات .

كنت حذرة ، لا أريد أن يكشف مخلوق مكلماتى الهاتفية ، تلك التى أجريها فى النصف الثانى من الليل .. وهكذا .. بقيت عند كل من يعرفنى ، مثالا طيبا للفتاة العاقل التى يضرب بأخلاقها المثل !

مضت الأيام تتلوها الشهور ، حتى صار عمر هذه العلاقة العاطفية الهاتفية سنتين ، حينئذ طلب منى صورتى ، فترددت كثيرا فى إعطائها له ، فهذا هو طبعى ، لا أتسرع فى أى تصرف ، كى لا أندم عليه فيما بعد .. لذلك ، رغم الإلحاح منه والترجى ، إلا أننى لم أعطها له حتى الآن ..

بعد ذلك ، بعد أن تكرر رفضى ولم أعطه صورتى ، طلب أن يرانى ، ولكن ليس مثل كل مرة أمام باب بيتنا أو فى مكان عام .. بل طلب منى أن يرانى فى بيتنا .. بعد أن ينام أهلى وكل م فى البيت ..!!

ترددت كعادتى ، وفكرت فى طلبه الصعب هذا ، وإن كان هو مصرا على أنه لم يطلب شيئا صعبا ، مثل أن أذهب معه فى السيارة ، فهو كما يقول يخاف أن يرانى أحد معه فتكون مصيبة على راسى .. لكننى لم أوافق ترددت كثيرا، لكننى وافقت بعد إلحاح شديد ، فقد خشيت أن أفقده .

وطلبت منه أن يمهلنى بعض الوقت حتى نذهب إلى بيتنا الجديد فى منطقة أخرى لا يعرفنا فيها أحد ، كما أن البيت الجديد فيلا كبيرة ، متعددة المداخل والأبواب مما سيسهل عملية دخوله وخروجه دون أن يراه أحد .

وانتقلنا إلى البيت الجديد ، لكننى لم أنفذ وعدى له ، فقد كانت الفكرة تخيفنى ، لأنى أنفر من تلك المقابلة المرعبة ، التى جعلتنى أتوقع حدوث أشياء مخجلة خلالها ..

وأجلت الوعد لحين انتهاء الامتحانات ، فأنا متفوقة فى دراستى وأحب العلم والثقافة وأقرأ بشغف الكثير من الكتب ، بعكس حبيبى ، فهو فاشل فى دراسته ، خرج من المدرسة ، ولم يتابع تعليمه ، رغم أننى كثيراً ما نصحته وأوصيته بأن يدرس ويجتهد كى يصبح خريجا جامعيا مرموقا .. لكنه لم يصغ لى ، ولم يأخذ نصائحى مأخذ الجد أو الاهتمام .

أما أنا أفكى لا أنفذ وعدى انقطعت عن الاتصال به بعض الوقت وأخبرت بنت خالى بما يريد ، فاستنكرت هذه الجرأة ، وحذرتنى بأننى سوف أخسر كل شئ ، شرفى سمعتى ، دراستى ، وإذا حدث وأهلى عرفوا ، سوف تقع فضيحة ، وسوف يحرمونى من إكمال تعليمى ، وسوف أتحسس فى البيت ، ولن أحظى بتلك الثقة التى أتمتع بها الآن ، وسوف أخسر خسارة كبيرة لا تقدر .. ولا تعوض .

وكأن بنت خالى بكلامها الناصح هذا ، قد أيقظتنى من حلم تائه بعيد ، فاستعدت سيطرتى على نفسى ، وأعدت التفكير فيما يطلب منى .. ويا لهول ما كان يطلب منى !!! بل كيف وافقته على ذلك ؟! بل كيف سمحت له وسمعت له وهو يطلب منى ذلك ؟!

أنا تلك الفتاة العقلة التى يحسدنى كل الناس على رجاحة عقلى واتزانى ..!! كيف ؟! كيف ؟!

وفى اليوم التالى اتصلت به وأخبرته برفضى لتلك الفكرة السخيفة ، وأنبته ولمته كيف يطلب منى ذلك ؟! وهل يقبل أو يرضى أن تفعل أخته نفس الشئ ؟! وماذا يكون موقفه لو رأى شابا غريبا يخرج من غرفة أخته فى آخر الليل ؟! وماذا سيفعل معها لو أن ذلك قد حدث ؟!

ولم ينطق بكلمة واحدة ، فأنهيت المكالمة عاتبة لائمة ، ولم أعد اكلمه بعدها .. وانقطعت الأخبار بيننا .. ولكن .. لم ينقطع الحب من قلوبنا ، فى قلبى أنا على الأقل ، فهو أول حب عرفته ، وأول شاب أتعرف عليه ، لذلك أحببته بعمق وإخلاص .. ومازلت.

ولكن .. تبقى حقيقة مشاعره نحوى محور تفكيرى ، ومركز اهتمامى .. ترى هل كان يحبنى حقا ؟!

وإذا كان بالفعل يحبنى .. فيكف يطلب منى مثل هذا اللقاء ؟! لماذا لم يفكر فى مستقبلى ؟! لماذا لم يهتم بما يمكن أن يحدث لى ؟! لماذا لم يخف على ويخشى أن يصيبنى ضرر ؟! وتنسال دموعى مدرارا ، دموعا حزينة حارقة تكوى فؤادى قطراتها.. لا أدرى كيف أوقفها ، أو كيف أمنع انهمارها .

.. وتمضى الأيام ، وأنا لا أتصل به ، وأن كنت لا أنسى رقم هاتفة ، وحاولت أن اصرف نفسى عن التفكير به ، فجعلت همى دراستى ، وانشغلت بها حتى أنهيت الثانوية العامة وحصلت على مجموع كبير يدخلنى أحسن كلية ، مما أفرح نفسى ، وخفف من ألمى وحزنى .

وبعد مدة طويلة ، اتصلت به لأعرف أخباره ، فعلمت أنه هو وأهله تركوا هذا المنزل وذهبوا إلى بيت آخر فى منطقة أخرى .. وفرحت ، لكن ليس من قلبى ، فلم أعد أعرف أين ذهب ..

وبالصدفة وحدها ، عرفت رقم هاتفه الجديد ، فاتصلت ، دون أن أتكلم ، فقط أسمع صوته وأغلق السماعة ، وهذا ما اعتدت أن أفعل فى هذه الأيام ، التى تفيض فيها إنهاء الذكريات .

.. وتظل الحديقة هى المكان الوحيد الذى أراه فيه فى كل مناسبة ، مثل العيد الوطنى ، أو الأعياد الأخرى .. ويأتى عيد بعد عيد ، وأنا أراه فقط من بعيد .. وأتذكر الأيام الحلوة التى مضت معه ، وأنا ألمح نظرات عيونه تحيط بى من كل جانب .. آه .. كانت أجمل أيام حياتى ، لا أنساها أبدا ، فكلما رأيته أحن إليه ، واشتاق لكلامه .. وأعود أذكر كل شئ .. كل شئ !

أما هو .. فعندما يرانى ، أحسه يحاول لفت أنتباهى بمروره من جانبى ، أو الوقوف فى طريقى ، ولا يخرج من الحديقة أبدأ إلا بعد خروجى منها ، فهو يتعمد أن يقف بسيارته بجانب سيارتنا ، أو يظل واقفا بالقرب من باب الحديقة ، إلى أن يرانا ، ثم يحاول أن يقترب منى ..

وهكذا .. استمرت الذكريات نابضة فى قلبى ، فى حين بقى الكثير من الحب يسكن أعماقى ، طوال تلك السنوات .. وإلى الآن ، يظل يطوف فى داخلى هذا السؤال .. إلى متى سأبقى أحبه ؟! وهل سيبقى حبه إحساسا محفورا فى روحى ، مكنونا فى وجدانى مدى الحياة ؟!

وأنا منذ كنت صبية صغيرة فى الرابعة عشر من عمرها وأنا أعيش الحب معه .. وها أنا أصبحت طالبة جامعية فى أحسن كلية وأكملت عامى الثامن عشر .. ومع ذلك مازال قلبى ينبض مشاعرا أذكر كيف كانت بداياتها .. وروحى مازالت تخفق لمرآه ، كأننى كنت أحادثه بالأمس !

فماذا أفعل بقلبى .. وهل سيبقى حبه مكتوبا على فأعجز عن التصرف بحياتى .. أم أننى سأقدر على التخلص من تلك الأحاسيس الحالية الحالمة ، التى تتجسم حين أزور الحديقة .. فتتجسد الذكريات ، بالذات .. حين أراه أمامى .. ترى .. إلى متى .. سأبقى أحبه ؟!


جراح الحب

الله يرحمك يا أمى .. طيب الله ثراك .. كنت تصرخين فى وجهى وأنت تبكين ، لكننى لم أسمع ، ولم أر .. كنت تحذرين وتخوفين من هذا المصير ، لكننى لم أعبأ ، ولم أهتم !!

آه .. يا للهم يا أمى الذى يملأ قلبى ، ويا للحسرة التى تفيض بها نفسى  ، رحمك الله يا أبى وطيب ثراك .

.. كنت رجلا راشداً عاقلا عندما تزوجتها ! رغم ثورة أمى وصراخها وبكائها ، ورغم استنكار أهلى واستبشاع أصدقائى ، ونفور معارفى .. ودهشة الجميع وعدم تصديقهم !!

كنت رجلا راشداً عاقلا .. ولم أكن شاباً غريراً طائشاً .. عندما تزوجتها !! كيف فعلت ذلك ؟! لست أدرى ؟! يقولون سحرت لى ، سرت لى سحر وسقتنى إياه .. لذلك عجزت عن رفض طلبها ، وانصعت كالأعمى أمام إغرائها .. وتزوجتها !!

كنا شلة رجال نسهر فى احدى الأماكن الخاصة بالتسلية والمتعة ، عندما دخلت علينا هى ضمن مجموعة من النساء ، أتين خصيصاً لتسليتنا وقضاء الليل بيننا ، وجاءت جلستها إلى جوار صديق لى ، بدا عليه أنه يعرفها من وقت سابق ..

كانت كلمه دون كلفة ، وتضحك وتعبث معه دون حياء ، وكأن لا أحد فى المجلس معهما ، وما لبثت أن قامت ورقصت كالغزال وأخذت تتمايل وتتثنى وكأنها واحدة من بنات الجان !

وتعجبت .. تعجبت من ليونتها وطراوتها ورشاقتها وطلاوتها .. سمراء .. هيفاء القامة .. عيناها عسليتان .. شعرها أسود فاحم .. حتى ظننتها أحدى بنات ديرتنا ..

سألت عنها ، فعرفت أن أمها أوربية ، وأن والدها عربى من قطر شقيق .. ورغماً عن أنفى شغفت بها ، فكلمت صديقى همساً بشأنها ، فضحك حتى كاد أن يستلقى على قفاه ، وقال لى يا ليت تأخذها عنى وتفكنى منها يا معود .. والله أنا مليت منها وما أريدها مرة واحدة .

ضحك قلبى وانفرجت أسارير وجهى ، وأنا أسمعه يخاطبها بشأنى ، يمدحنى عندما ، ويثنى على مكانتى العالية بين الناس والمجتمع .. ولم ينس أن يشير إلى ثرائى ، وإمكانياتى المادية المغرية .

ولم تنته السهرة ، إلا وهى معى أنا ، تجلس معى أنا ، تؤنسنى وتسعدنى وتظهر لى من فنون العشق الشئ الكثير .. فتعلقت بها ، وشغفت بها  .. بل .. وعشقتها فكنت أذهب لأراها وأعود بعدها إلى أهلى ، لا نصرف بعد ذلك إلى متابعة شؤون عملى .

مضت فترة من الوقت ، وأنا أتعجب من نفسى ، فكل يوم أحبها أكثر ، وكلما مضى الوقت علينا ، أحس الحاجة إليها تلح على أكثر وأكثر .. إلى أن تأكدت وتيقنت أنى مغرم صبابة ، وأنى صرت واحداً من صرعى هواها .. وهم كثر ، وأنى لا استسيغ طعم الدنيا ، ولا الحياة . سواها !

 وحتى هذا الحد ، والجميع يعتبرون الأمر عادياً ، ويظنون أننى أخذها إلى فترة قصيرة ، لكن بعد فترة من الوقت ، عرف الموضوع واشتهر سر علاقتى بها للجميع ، وأشتد التصاقى بها ، فقد أحببتها من كل قلبى ، وكنت آخذها معى إلى كل مكان أروح له ، ولم أدعها لحظة واحدة تغيب عن عينى ، أجرت لها شقة ، وفرشتها بأفخر الأثاث ، وفكيت لها سيارة أحدث طراز .. وأغدقت عليها من مالى بلا حساب .

والعجيب أنها أطاعتنى ، أخلصت لى .. وشعرت حقاً أنها أحبتنى ، أحبتنى بكل جوارحها ، فجن جنونى بها ، ولم أعد أحس بنفسى إلا معها .. ومن خلالها .

وتعجب من شأنى الأصدقاء ، المقربون منهم بالذات ، ضحكوا من أخلاصى لها ، وصمموا على تجربة هذا الإخلاص بدعوتى إلى بعض السهرات الخاصة ، حيث توجد أجمل البنات ، وكن يوصين بعضهن لاغرائى .. لكن .. لا حياة لمن تنادى ، فقلبى لم يعد ملكى .. وحواسى كلها ، أصبحت ملك يمنها .. هى .. وحدها ، فكنت أعتذر عن تكملة السهرة معهم ، وأركض إليها .. لأمضى الليل عندها .

وفى الوقت نفسه ، استمرت المحاولات معها ، كان البعض يحاول الوصول إليها ، يمعن فى إغرائها ، فغصبت منهم وقاطعتهم .. وبقيت لها وحدها ، عبداً ذليلاً عاشقاً ، وقلباً ميتماً خافقاً ، يتغنى ليل نهار بكلمات حبها .

ولم يعد أمرى سراً خافياً على أحد ، فهم الكل أننى أحبها ، فاعتبروها نزوة عابرة ، ما تلبث أن تنتهى كسابقتها ، وتروح لحال شأنها ، لتأتى واحدة أخرى جديدة تحل محلها ..

لكن .. الموضوع طال ، وأنا كما أنا ، لا أملها ، ولا أعافها ، بل أزداد يوماً بعد يوم حباً لها ، وشغفاً بها ، وعطفاً عليها .. وتذنياً فى هوة هواها ، وسقوطاً تحت سطوة سلطانها !!

فأنطلقت الإشاعات ، قالوا سحرته ، سقته السحر مع الشراب لا .. بل دسته له تحت الفراش ، لا .. لا .. بل وضعته له فى الطعام ، ووصلتنى هذه الهمسات .. فكنت أضحك لها ، وأسخر منها ، وأقول الله .. ما ألذ هذا السحر الذى يجعلنى فى الدنيا أسعد إنسان ..

ويموج الليل .. ويدور النهار ، والكل أصبح يعاملها كأميرة متوجة على عرش قلبى ، أصبح احترامها فرضاً على الجميع ، فهى قد صارت جزءاً غالبا من نفسى ، وأى خدش لشعورها ، هو جرح لكرامتى ، وأى كلمة تؤذيها أو تطالها ، لا بد من مؤاخذة فاعلها ، ومحاسبته بشأنها .. فكفوا جميعهم عن التعرض لها ، كى لا يتعرضوا هم لغضبى ، وكى يتقوا بذلك ثورتى وأذيتى !!

لكنها .. تلك الجميلة الذكية ، لمست إلى أى مدى تمكنها منى ، عرفت بحاستها كأنثى لعوب مدربة على صنوف الهوى ، وصروف الغرام .. عرفت كيف تزين لى فكرة الزواج منها !

ولا أدرى فى أى لحظة ساحرة غابرة وافقتها ، ولا أدرى فى أى وقت قاتم أيدتها ، لكننى ، ودون أن أشعر بنفسى وعدتها .. بالزواج !

وتسرب الخبر كشعاع الضئيل ، وسرعان ما أصبح وهجاً باهراً كالشمس يعمى من يحدق فيه ، كالانفجار يصم من يسمع به .. قار الكل بلا استثناء .. صرخ الجميع دون تحديد .. أنسيت من تكون هذه ؟! أنت مجنون .. فقدت عقلك ؟! هذه كانت رفيقة صديقك فلان .. هذه كانت صديقة علان .. هذه كانت .. كانت .. وكانت !!

ووصل الخبر إلى أسماع أمى ، فبكت واسترحمت وحذرت ، انقلبت فرحتها بفكرة زواجى منها حزناً قاتلاً ، وهى التى كانت طوال عمرها تلح على أن أتزوج .

كانت رحمها الله ، تحلم باليوم الذى أتزوج فيه ، وكانت تدعو الله أن ترانى مع زوجتى وبين أولادى ، كى يرتاح قلبها ، وتطمئن على قبل أن تموت ، فقد تزوج جميع إخوتى ، ما عداى أنا أكبرهم ، لكننى كنت راغباً عن الزواج ، رافضاً له ، نافراً منه ..

حاولت أمى المستحيل لمنعى من تلك المصاهرة الملعونة ، فالفتاة لا أهل لها هنا ، وغير معروف أصلها .. بل أن ماضيها الشائن الملوث مشهور ، غير خاف على أحد ، وأجتهدت أمى فى إنتقاء أجمل بنات العائلة والمعارف والجيران .. لكننى كنت أرفض وأرفض ، وأصر على موقفى ، ولا أتزحزح عن كلمتى قيد شعرة ..

وحددت موعد الزواج ، ومنعاً للإحراج ، اخترت أن يكون ذلك فى بلدها هى ، بعيداً عن ناسى وأصدقائى ومعارفى ، كى لا أسبب لها احراجاً فى حالة أهلى عن حضور الفرح .

رحب أهلها بى ، أشعرونى أننى ملك متوج على عروش قلوبهم أظهروا لى الفرح بوجودى بينهم آلاف المرات فى كل اللحظات ..

وتزوجنا .. فى حفل أسطورى لم تشهده واحدة من بنات جنسها من قبل ، ولم تعرفه بلدها منذ قديم الزمان .. رأى الناس كلهم ، كيف دخل السعد عندهم ، وكيف كتب لواحدة من بناتهم ، حياة الأميرات .. بل الملكات !

وطرنا بعدها إلى العالم الخارجى ، لأريها الدنيا وهى معى ، ولأقدم لها كل ما تتمنى وتشتهى ، بعد أن صارت حليلتى ، بعد أن كانت خليلتى .

.. ولم تكن أيامنا معاً .. كتلك الأيام العادية التى يعرفها البشر ، بل كانت أياماً غريبة ، سعيدة ، خيالية ، لم يهنأ بها ، ولم يعشها من قبل .. إنسان .

وبالتليفون تابعت إنهاء ديكور الفيلا ، تلك التى اخترتها فى منطقة بعيدة هادئة ، فجاءت قطعة من الفن ، وآية من الإبداع ، وعدنا .. نعيش بها أسعد الأيام .

ولم يساورنى الشك أبداً فى سلوكها ، كنت واثقاً من مشاعرها ، واثقاً من .. عشقها .

كان فقط الشئ الوحيد الذى يعكر صفو حياتى ، هو بكاء أمى وعويلها ، وغضبها على ، ومقاطعتها لى ، لكننى لم أقبل هذا الوضع ، وأخذت أحاول أن أرضيها ، وأن أنال تأييدها ، خاصة وأن زوجتى الآن صارت ( حامل ) ولازم تستقر الأمور كى تضع مولودها الأول فى سلام وأمان .

ولم تسر الأمور على هواى ، صدقاً يقولون ، تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ، فقد اشتغل غضب أمى حين علمت بحمل زوجتى وهى التى ظلت تتمنانى أطلقها ، كما ظلت تقترح على هذه البنية الزينة ذات الأصل الطيب ، أو تلك البنية الخلوقة المتدينة ذات الأخلاق الحسنة ، والسمعة النظيفة النقية ، لتكون إما صالحة تربى أولادى على الدين والأخلاق ..

وأشتدت الهوة اتساعاً بيننا ، فضاق صدرى لموقف أمى المتزمت ، وصرت أقلل من زياراتى لها ، تلك التى تصيبنى بالأسى والألم والمعاناة ، ففى كل زيارة كانت أمى تترحم على أبى ، وتقول لى باكية لو كان أبوك حى يرزق ما كان صار اللى صار .. بس أنت كبير أخوتك ، وما فى أحد قادر عليك .. الله لا يسامحك .

ينغرز دعاء أمى على كالسهم المسموم فى قلبى المهموم ، وأتركها وأنا لا أعرف كيف أرضيها أو أصلحها ، ,أمضى عنها ذاهباً إلى زوجتى حبيبتى أحمل إليها سلامات وتحيات وهمية .. لا أساس لها من الصحة .

وفى السر ، بدأ أخوتى الأصغر منى ، وزوجاتهم يزوروننى من وقت لآخر ، كى لا يحرجونى ، وكى لا يغضبونى أو يثيرونى بمقاطعتهم لبيتى ، وتجاهلهم لزوجتى ، خاصة وأنها كانت تتعرض لمشكلة صحية ، فالجنين غير مستقر لأنه مقلوب فى رحمها ، وحالتها غير مطمئنة .

إلى أن جاء يوم ، تعرضت زوجتى فيه لنزيف حاد يهدد حياة الجنين ، وربما حياتها ، فنقلتها على الفور إلى مستشفى الولادة ، وقلبى ينزف ويرجف ، فحبها ما زال يملأ قلبى .. وروحى ووجدانى .

وعلمت الأسرة بما أصابها ، فسارع أخوتى وزوجاتهم إلى زيارتها ، ورحت إلى أمى أطلب رضاها ، واستجدى دعواتها .. لكنها كعادتها صدتنى ، بل .. صدمتنى .. فبدلا من أن تدعى لها .. أخذت تدعى عليها ، فخرجت من عندها غاضباً ثائراً ، مصمما على مقاطعتها إلى أن يلين قلبها .. وإلى أن تقبل بها .

وللأسف … عرفت أمى من احد أحفادها ، فانطلقت شرارة ثورتها ، وأعلنتها حربا ضارية على الجميع ، أولهم زوجتى ، وآخرهم اصغر أخوتى ، فهى كانت تتصور أن كلهم مقاطعين مثلها .

وتأزمت حالة زوجتى الصحية ، اقتربت من مرحلة الخطر ، فالنزيف لا يتوقف ، وأصبحت أقرب إلى الموت إلى الحياة ، أصلى واركع لله داعيا أن ينقذ حياتها ، ضارعا للعلى القدير أن يمد فى عمرها .

وفى اللحظة ذاتها ، تدخل على أخى الصغير واجفا ، يخبرنى أن أنى نقولها إلى المستشفى بسبب تعرضها لازمة حادة فى القلب .

أنظر إلى زوجتى التى تموت أمام عينى وأنا أمامها عاجزاً عن إنقاذها .. وأطلب من أخى أن يذهب إلى أمى لحين تزول مرحلة الخطر عن زوجتى ، فهى تمسك بيدى واهنة ، وأصابعها الباردة ، تبدو لى كأنها تستمد الدفء والحياة من كفى الساخن الملتهب .. فكيف لى أن أتركها ، وهى تفتح عينيها المتعبتين ، وتنظر نحو تبتسم لى .. وكأنها تطالعنى تودعنى .. قبيل أن تودع حياتها ..

ابقى معها ، وروحى جزعة فزعة لمنظرها الشاحب التائه الضعيف .. وكل خلية فى جسدى تدعو الله أن يمد فى عمرها ..

ويأتى طبيب ثالث إلى الغرفة ، وما يلبث أن يطلب منى مغادرتها .. لأنهم يريدون نقل زوجتى إلى غرفة العمليات .. ويدخلونها الغرفة ، وابقى جالسا على بابها ، حزينا خائفا على مصيرها .. فى حين يأتينى أخى يطلب ذهابى إلى أمى التى تحتضر وتطلب حضورى إليها ..

وأسقط أتمزق حائرا بين البقاء هنا إلى جواز زوجتى التى تكاد أن تودع الدنيا ، وبين أمى التى توشك أن تفارق الحياة .

أنظر إلى أخى ودمعى أحسه حجرا يمزق عينى الذاهلتين وأقول له راجيا .

أرجوك يا أخى .. خلى زوجتك هنا مع ليلى ليطمئن قلبى عليها .. وأنا سأروح معك بالسيارة لآنى ما أقدر أسوق وأنا بهذه الحالة .

نمضى إلى أمى ، وأنا فى ذهول لا أرى طريقا ، ولا أنظر ناسا ، ولا أشعر بروحى إلا وأنا واقف أمامها باكيا متوسلا أن ترضى عنى ، وأن تغفر لى .. وأن تسامحنى .. ارتمى فوق صدرها كطفل صغير مذنب .. أشعر بيدها الحنون تربت كتفى ، وأحس بكاءها المكتوم تنفثه أنفاسها اللاهثة المتقطعة .. الواهنة .

لم تنطق أمى كلمة واحدة ، كانت اضعف من أن تلفظ حرفاً .. كان الموت يخيم بسحاباته السود فوق رؤوسنا ، وكان الحزن والأسى يسكنان عمق قلوبنا ، فجميع الموجودين هنا يعرفون قصتى معها ، ويفهمون سر أزمتها .. وسبب مرضها ..

.. تمر الدقائق رتيبة بطيئة ثقيلة ، تقطع بصعوبة ومشقة رحى زماننا .. نقف خلالها فاقدى القوة والإرادة والحركة .. وما تلبث أن تلفظ أمى أخر أنفاسها .

أبصر ضراوة الموت ، أقع أقدامها ، أرجوها أن لا تفارقنى قبل أن تسامحنى ، أدعوها أن لا ترحل عنى وهى غاضبة منى .. أتماها لو كانت قد غفرت لى قبل أن تقابل وجه ربها ..

آه .. يا للحسرة .. يا للأسى والندم ، لكن .. لا حيلة لابن أدم حيال الحياة والموت ، فكل شئ مقدر ومكتوب ، ولكل أجل حساب .

تنتهى مراسم الدفن وتشييع الجثمان إلى مثواه الأخير ، ولا تنتهى أحزانى حتى هذه اللحظة ، وأنا ، بعد كل هذه السنوات ، أجلس أخط هذا الاعتراف الخطير .. الاعتراف بخطأ الأختيار بدافع الحب الذى يعمى القلب ، فيحطم الحياة .. ويهدر المصير.

المهم .. عدت إلى المستشفى لا تابع حالة زوجتى الصحية ، بعد العودة من المقبرة ، فوجدت الخطر قد زال عنها .. ورأيت لأول مرة وجه طفلتى الجميلة ، فأطلقت عليها اسم والدتى تيمنا بها .. سميتها ( نوال ) .

ومضت بضعة أيام عدنا بعدها ثلاثتنا إلى البيت ، والفرحة تغمر كيان زوجتى بصغيرتها الوديعة .. والحب يسكن قلبينا ، يبقى لدينا وديعة عزيزة غالية ، نحرص عليها ، نحفظها .. نصونها ، فقد كان كل منا يزداد التصاق بالأخر يوما بعد يوم .. والعشق يتعمق فى نفوسنا شيئا فشيئا ، كما لو كنا فى مرحلة الغرام الأولى مازلنا .

كنت أعجب من نفسى ، ومن هذا الحب الغريب ، المتجدد ، المستمر ، الذى ينمو ويكبر داخلى ، والدهشة منه مازلت أراها بوضوح فى عيون الناس حولى ، بالذات هؤلاء الأصدقاء المقربين ، الذين يعرفون طباعى جيداً .. والذين يتوقعون انتكاسة هذه المشاعر، وانتهاء هذا الزواج غير المتكافئ فى نظرهم .

كانوا جميعهم ، بلا استثناء ، ينتظرون فى كل يوم سماع نبأ طلاقنا .. كانوا يتراهنون على فراقنا كأنه أمر واقع لا محالة ، لأنهم كانوا يعتبرون علاقتى بليلى
( نزوة ) وأن أخذت الشكل الرسمى لبعض الوقت ، لكنها سرعان ما تتلاشى
وتنتهى ويعود كل منا ، هى وأنا إلى سابق عهده .. وماضى تاريخه العاطفى ، الماجن ، العابث !

لكن .. يبدو أن تعلقى بليلى كان تعلقا من نوع أخر ، لم يعرفوه ، ولم يفهموه .. ولم يألفوه .. إذ استمرت بنا الحياة ، ونحن ننعم بالحب ، ونهنأ بالقرب .. قربنا من بعضنا ، ذاك الذى ساعدنا ، وعاونا على عبور مواقف كثيرة محرجة ، وأزمات عديدة ، لا يسلم منها الأمر ولا تخلو منها حياة زوجان اثنان .. قاسيا من نفس ظروفنا .. وأوضاعنا .

ومع الوقت ، وبفعل الزمن ، خفتت موجات التحدى والاستنكار ، والدهشة والعجب .. بل وتلاشت علامات الاستغراب فى سلوك الناس المحيطين بنا .

مع الوقت ، اعتادوا علينا كزوجين عاشقين ، وتقبلوا وأن كان بصعوبة بالغة ، وضعنا الاجتماعى الجديد ، ربما كان ذلك فى الظاهر فقط ، لكن .. لا يعلم ما فى الصدور إلا الله .

ويبدو أن تأثير بعض تلك المواقف الرافضة لزيجتنا كان عنيفا على ليلى ، إذ كان يبدو عليها الحرج والألم من وضعها المنبوذ هذا فى المجتمع ، فقد كانت تحس وكأنها كائن شاذ غريب ، لا يعرف لغة مخالطيه ، لو فرض وجمعتها الظروف فى مناسبة اجتماعية كبيرة ببعض نساء عائلتنا ، والعلائلات القريبة .

ويبدو أن ليلى تعقدت من تكرار مثل هذه المواقف ، فأخذت تحتلق شتى الأعذار لعدم الذهاب إلى تلك المناسبات ، أما أنا فلم أهتم ، فأعراف المجتمع الرجالى تختلف تماما عن مجتمعات الحريم .. والرجل عيبه جيبه كما يقولون ، فانصرفت إلى إدارة أعمالى ، وعينى على زوجتى وابنتى لا تبارحهما ، وقلبى معلق بهما .. لا يفارقهما .

وسعدت بحياتى معهما ، فزوجتى ليلى شيطانه ، ذكية ، لم تترك لى الفرصة كى أطالع امرأة غيرها ، ولم تفلت لى العنان لأفكر فى أخرى .. كانت تصر بلطف ومودة على مشاركتى جلساتى وسفراتى ، وروحاتى ، وغدواتى ، كأنها ظلى .. أو خيالى ، حتى صارت جزءا هاما ، وأساسيا فى حياتى .

أصبح الحب ممزوجا بالاعتياد ، صرت لا أستطيع عنها بعادا ، بل قمت أعتمد عليها فى أمور كثيرة تتعلق بالعمل ، فقد ساعدتنى فى الإدارة وبسبب إتقانها عدة لغات أوروبية ، كان لها مردودها الطيب فى تحسين سير العمل ، وفى تيسير سبل الاتصال بالكثير من الشركات الأجنبية والعلمية .

وتمضى الأيام سعيدة ، هانئة ، مستقرة ، وتبدأ بشائر الحمل الثانى تظهر على ليلى .. ثم يأتى محمد بعد ثلاث سنوات من ولادة أخته نوال ، خرج إلى الدنيا بسرعة ، بعد أن تعرضت أمه لمشاكل صحية أدت إلى تعسر ولادتها .. فكان لابد من أجراء جراحة قيصرية ليتسنى إنقاذ حياتها .. وحياة الجنين .

وتنهال التهانى على ، بعد أن رزقنى الله ( محمد ) وأصبح الجميع ينادونى
( أبو محمد ) .. كانت فرحتى به كبيرة وخيل إلى أن المشاكل قد خرجت إلى الابد من حياتنا ، وأنها لن تعد أبدا إليه .. وأن الله قد رضى عنا ، بأن منحنا هذا الابن الحبيب الغالى .

لكنها .. تلك الغصة المرة التى تجرح القلب وتدمى الروح ، ها هى تظل برأسها الشقى من أعماق أعماقى ، ها هى تسائلنى تحاسبنى .. وهل يعنى ذلك أنك قد نلت رضاء أمك ؟! وهل يدل ذلك على أنك قد فزت بدعائها ؟!

آه يا قلبى .. ما هذا الوجيب الذى اسمع ؟! أسترجع لحظة وفاة أمى ، رحمها الله ، استعيد مواقفها الأخيرة معى ، فيخفق قلبى جزعا ، وروحى ترف قلقا ورهبة وخوفا .. كلما تخيلتها وقد فارقت هذه الدنيا وهى غاضبة على .. غير راضية عنى .. لكننى ما البث أن أطرد هذه الوساوس كما لو كانت أطارد عفريتا أسود !!

وتطول الأيام على ، وليلى مازلت مريضة ، تعانى الألم بسبب الجرح القطعى الغائر فى بطنها وتعجز عن حمل أبنها ، كما عجزت عن أرضاعه من ثديها كما فعلت مع أبنتها نوال ، فتسلمه أغلب الوقت للمربية كى تتاح لها الفرصة الكافية للراحة والشفاء.

ويتغير الجوفى البيت بسبب رقدة ليلى التى طالت فى الفراش ، فقد تعرض الجرح للتلوث ، وأدى ذلك إلى مضاعفات أجلت التئامه وأخرت براه ، فازدادت الأمها النفسية والبدنية ، وهى ترى جسدها وقد أزداد اتساعا .

ومع العلاج المكثف الذى تطلب ذهابها إلى المستشفى عدة مرات ، تماثلت ليلى للشفاء ، وبدأت تسترد صحتها ، وعافيتها ، وأن حرصت على أن تبدو لكل من يراها ، كما لو كانت فى أحسن حال ، فهى من النوع القادرة على أخفاء الآلام ، وكتمان الشكوى ، وتبسيط الأمور ، وتقليل الكلام .

وفى هذه الأيام المملة الباردة ، التى غابت عنى فيها ابتسامة ليلى واشراقتها .. شعرت بالجنين يشدنى إلى ذاك الماضى البعيد .. وشعرت بالرغبة فى العودة إلى تلك السهرات تتملك كل حواسى .

فاتصلت بأحد هؤلاء الأصدقاء القدامى ، الذى يجيد ترتيب مثل هذه السهرات .. أخبره بأننى أريد قضاء الليلة معهم !!

أذهب إلى نفس المكان ، أجد الشلة القديمة فى انتظارى ، أدخل عليهم ، أقابل بحفاوة وحرارة كما لو كنت ناجياً من حادثة غرق ، أو خارجاً من حالة مرض ميئوس شفائه !!

و .. أعود إلى أحضان الماضى العابث ، أمنى نفسى بشتى المتع التى ابتعدت عنها مدة طويلة .. آه .. كيف طقت عنها صبراً كل هذه الأوقات ؟!

أجلس فى نشوة واسترخاء أتناول بعض المشويات ، وموسيقى عذبة شجية الإيقاع تنساب إلى سمعى فتسعدنى وتطربنى ، أبتسم ممتناً لصديق أنتقى هذا الشريط خصيصاً من أجلى .. اللى .. أما زال يذكر ، رغم تلك السنوات شغفى بهذه الألحان ؟!

أنظر إلى أصناف الطعام الممدودة أمامى .. فأتعجب .. أما زال يذكر نوع الطعام والشراب الذى أحب ؟! أما زال يذكر كل ما تهفو إليه نفسى .. ويميل له مزاجى .. وينال إعجابى ؟!

عجيب !! يبدو أنهم لم ينسوا خصالى رغم هذا البعاد .. لذلك لم يهملوا شيئاً من متطلبات مزاجى الخاص !! آه .. هم يذكرون الأشياء الأخرى إذن . آه .. هم يذكرون ماضى زوجتى أيضاً .. هم حتماً لم يسنوا أفعالها وتصرفات طيشها فى عنفوان شبابها .. هنا .. فى .. هذا .. المكان !

وعند الوصول إلى هذه النقطة المظلمة من التفكير الداكن السواد ، يعتبرينى ضيق شديد يضنينى ، ينفرنى من كل ما حولى .. المكان الناس .. الأشياء .

أبقى أتحامل على نفسى ، أتحايل عليها لأكمل السهرة جاهداً إلا أدع الجماعة يلحظون ضيقاً فى سلوكى ربما تعكسه مشاعرى الداخلية بطريقة لا إرادية .

.. وتبدأ تتجمع داخلى سحب ملل تصبغ المكان بألوان السخف والضيق والزهق ، أتلفت حولى فاحصاً .. أسائل نفسى ذاهلا ، أين هى تلك المتعة التى كانت تغمرنى وتبهرنى عندما كنت أسهر هنا ، فى هذا المكان بالذات ؟!

أين ذاك الانفعال ؟! أين ذاك الإحساس ؟! ذاك الابتهاج ؟! وأين وأين وأين ؟!

لا شئ .. لا شئ الآن يهزنى .. لا شئ على الإطلاق .

يدهمنى ملل فظيع يدفعنى أن أبرح المكان ، أنهض فجأة أسلم متعللا بالتعب ، متعذراً بالنعاس والرغبة فى النوم .. أخرج مسرعاً .. إليها .. عائداً .

أخطو داخل البيت ، اصعد الدرج ، أفتح غرفة النوم ، أرى ليلى فى كامل زينتها جالسة تقرأ قصة بوليسية إنجليزية ، ونوال نائمة فى حجرها ، ومحمد راقداً فى فراشها .

تشعر ليلى بوجودى ـ تلتفت نحوى باسمة ، وكأنها تفهم دوافعى الذاتية نحو هذا التصرف المباغت ، أتكلم معها أسأل عن أحوالها ، تجيبنى مطمئنة أنها بخير ، أحسها تتجنب الخلاف وتحاول معالجة الموقف برزانة وتفهم وهدوء .

أنظر إليها .. ألمح الألم أسير عينيها ، أبصر العذاب مع العتاب يقتتل فى مقلتيها ، تتجاهل الموقف بترفع وأناقة تصرف .. تسألنى مداعبة عن أحوالى .. وعما إذا كنت قضيت وقتاً ممتعاً مع الأصدقاء .. وعما إذا كنت جائعاً راغباً فى تناول العشاء ؟!

أشفق عليها ، أحس فجأة عطفاً هائلا ينبع من قلبى يحنو عليها .. يزيد تصرفها هذا الأنيق المترفع من تقديرى لها ، وهى العليمة ببواطن مثل هذه السهرات ، فرغم ذاك العذاب أسير عينيها ، إلا أنها تتحكم فى مشاعرها لدرجة تلجم معاناتها ، تمسك عن الغلط لسانها .. فلا تطلق كلمة عتاب واحدة ، مما خلق عندى المزيد من الحب تجاهلها .

تسترد ليلى عافيتها بعد أن يبرأ جرحها الذى تلوث بسبب تسرعها فى مغادرة المستشفى ، وإصرارها على الرجوع إلى البيت فى وقت مبكر لا يتلاءم وحالتها الصحية .. لتبقى بجوارى .. لأنها لا تقوى على بعادى وفراقى !! صدق والله تحبنى .. ضحت بصحتها عشانى .

تعود ليلى إلى سابق عهدها ، وباهر جمالها ، فتبدو فى عينى حورية خالية حضرت لى من عوالم بعيدة سحرية . تتألق الفتنة فى عيونها العسلية .. تزداد أنوثة وجاذبية وجمالا بعد أن طال شعرها وألتف عودها فى ليونة وطراوة ورشاقة وطلاوة .

وها هى نوال أبنتى قد كبرت وصارت صبية حسناء مثل أمها ، ومحمد أصبح مسروراً بدخوله المدرسة مع أخته ، أما خالد فها هو يخطو نحو عامة الثانى .. وها هى الصغيرة سلوى قد خرجت إلى الدنيا صورة طبق الأصل من أمى رحمها الله .

يمضى الزمان بنا ، تدور بنا الأيام والليالى والشهور والسنوات ، وذات مساء .. خرج الجميع مدعوين إلى حفل عيد ميلاد .. وأبقى فى البيت وحدى وقتاً طويلا أجلس فيه مع نفسى .. أسترجع شريط ذكرياتى .. فأدرك بغتة إلى أى مدى احتفظت ليلى بحبى وعشقى لها طوال حياتى معها ، التى استمرت بنا وكأننا ما زلنا محبين عاشقين !!

نعم .. فى صمت وهدوء .. اختفت الشلة الأولى القديمة من خريطة زمانى ، فى حين حلت محلها مجموعة جديدة من المعارف والأصدقاء ، أغلبهم ذوى زوجات
أجنبيات !!

فجأة تنبهت إلى نفسى ، بعد سنوات طوال من الزواج السعيد المستقر ، الخالى تقريباً من المشاكل والمنغصات .. لأكتشف فجأة أننى وأسرتى فى جانب .. وأن باقى أفراد عائلتى كلهم فى جانب آخر !!

كيف ابتعدنا عنهم ؟! كيف انعزلنا عنهم .. بل .. كيف انقطعنا هكذا عنهم ؟! لا أدرى .. لا أدى !!

فى هذه اللحظة وحدها .. وفى هذا الوقت المتأخر ، بدأت ألاحظ كيف أن نوال ابنتى صارت لا تخالط ولا تعاشر ولا تصادق إلا بنات أجنبيات الوجدان ، وأن كن عربيات الأسماء !!

وهنا .. يتفجر قلقى عنيفاً على مصير ابنتى .. فها هى تتكلم أغلب الوقت بالانجليزية ، مع أمها ، مع مربيتها ، مع زميلاتها فى تلك المدرسة الأوربية . حقاً .. نادراً ما أسمعها تتحدث بلغتها العربية !!

ويصيبنى خوف مفاجئ خشية أن تشب ابنتى متأثرة بمشاعر وأفكار وتصرفات البنات ( المتفرنجات ) المحيطات .. بها .. صديقاتها وزميلاتها !

أناقش الأمر مع ليلى ، أنقل إليها مخاوفى ، أقترح عليها أن نحول نوال
إلى مدرسة حكومية عربية ، تقوى نشأتها الدينية ، وتنمى فى وجدانها جذورها العربية ، فكان أن أرجأت ليلى البت فى هذا الموضوع لحين مناقشة نوال بشأنه ، وأخذ رأيها وموافقتها أولا.

.. ترفض نوال أن تفارق صديقات طفولتها وصباها ، ترفض أن تترك مدرستها وتنتقل إلى مدرسة أخرى لا تعرف بها أحداً ، وقالت أنها تحب صديقاتها ومتعلقة بهم ، كما أنها تتلقى دروساً فى الدين وفى اللغة العربية .

وبلطف أمها المعهود وبدلالها المشهود وذوقها المعروف .. شرحت لى أن لا داعى لهذا الانتقال ، كى لا تتعطل نوال عن التخرج من المدرسة فى ميعادها المحدد ، نظراً لأنها أصغر سناً من زميلاتها فى المدارس الحكومية ، اللاتى يدرسن فى نفس مرحلتها المتوسطة .

ولكن بعد فترة من الوقت ، وبعد أن تأكدت من ضعف مستواها العلمى فى اللغة العربية ، صممت أن أنقل ( محمد ) إلى مدرسة حكومية كى لا يلقى نفس المصير ، وكى يشب بين أترابه خليجياً خالصاً ، عربى الضمير والقلب والوجدان .

.. وتلفنا عجلة الزمان تقطع معنا وبنا ، السنون والليالى والأيام ، وحياتنا يشوبها تغيير طفيف غير محسوس فكل منا قد صار مشغولا عن الأخر بنفسه وبأحواله الخاصة .. وأن بقى حب ليلى فى قلبى كما هو ، أن لم يكن قد أزداد عن قبل .

بالتدريج .. تفرغت تماماً لإدارة أعمالى ، التى اتسعت ونمت والحمد لله ، فاحتاجت منى مزيداً من الوقت والجهد والاهتمام ، خاصة بعد أن انصرفت عنى ليلى .. والتفتت كلية إلى نفسها ..!

فعلا بعد أن تخطت ليلى منتصف الثلاثين ، تغيرت نفسيتها كثيراً ، صارت أكثر قلقاً على جمالها ، وأكثر خوفاً على ( بشرتها ) وقوامها .. فانصرفت إلى ممارسة الرياضة ، ومتابعة معاهد التجميل التى استهلكت معظم وقتها .. وإن ظلت فى عينى أنا جميلة جذابة فاتنة ساحرة كما هى .. لم تتغير ولم تترك السنوات أثراً ما فى كيانها .

.. وتأثرت نوال بأسلوب أمها فى الاهتمام الزائد بنفسها ، ورعاية جمالها ، فقامت بتقليدها ، خاصة وأنها كانت سمينة بعض الشئ مثل عماتها ، وتبدو أكبر كثيراً من عمرها ، فقامت تعتنى بجمالها ورشاقة قوامها ، خاصة وأنها صارت صبية حسناء فى عمر المراهقة ، وأكثر ما يهما مظهرها وشكلها .

وذات يوم جمعة .. وبينما كنا نجلس جميعنا نتناول طعاماً ( صحياً ) على الغذاء ، أحسست أن هناك شيئاً غير طبيعى يدبر حولى فى الخفاء ، وشعرت كما لو أنهم يريدون أخبارى بشئ يعرفونه جميعهم .. ما عداى أنا !

كان الجو فى البيت مختلفاً اليوم عن باقى الأيام فانفعال ليلى وأضح ، ذاك الانفعال البديع الذى يبرق فى العينين ، ويظهر فى حركات اليدين .. انفعال معروف لدى ، ألمحه على الفور فى ملامحها ، وأستشفه فى الحال وأن كتمت عنى كلماتها .. انفعال مألوف يبدو عندما تريد ليلى أن تنقل خبراً هاماً .. أو عندما تريد أن تطلب منى شيئاً كبيراً .

وصدق حدسى وإحساسى .. فاذ بليلى تنظر نحو نوال نظرة ذات معنى ومغزى ، كأنها أشارة البدء للانطلاق نحو الهدف .. فتدنو نوال منى ، وليلى تنظر نحوها تساندها .. وتشجعها .

وغذ بها تقول شيئاً جعل ( محمد ) يقفز من مكانة كمن لدغته أفعى ، ويكف عن تناول الطعام غاضباً معترضاً تائراً !!!

تتدخل ليلى محاولة تهدئة الموقف ، موضحة وجهة نظرها ، مؤيدة نوال فى طلبها ، فتقول وابتسامة لطيفة حبيبة ترتسم على وجهها : المنطقة هذه فعلا ازدحمت وصارت جدا مزعجة .. ونحن نحتاج للسكن فى منطقة جديدة هادئة .. والله نوال عندها حق فى طلبها هذا ..

يعترض محمد على رأيها ، يعارض الفكرة ثائرا مقاطعا ، فهم لا يريد أن يبتعد عن أصدقائه هنا فى المنطقة أو فى المدرسة ، لأنهم أصحابة منذ الصغر ولا يريد أن يقطع صلته بهم .

أؤجل البت فى الموضوع إلى حين ، حرصا على شعور محمد ، ولكن .. أمام إلحاح نوال المتصل المستمر ، لم أر مانعا من شراء قسيمة أرض كبيرة تطل على البحر فى منطقة حديثة نائية ، تتميز بالأناقة والهدوء ، وقريبة فى الوقت نفسه من المدرس الأوروبية التى يدرس بها خالد وسلوى .

كانت وجهة نظر ليلى مقنعة إلى حد ما ، فهى ترى أن نضع الصغار فى المدرسة الأوروبية طوال المرحلة الابتدائية كى يتقنوا اللغة الانجليزية ثم ننقل خالد إلى متوسطة حكومية ، فيما تستمر سلوى فى نفس مدرستها ، لتتلقى تعليمها الأوروبى مثل نوال أختها .

لم أمانع فى ذلك ، تحسبا من تكرار الخطأ الذى وقعت فيه ، عندما تسرعت ونقلت محمد إلى مدرسة حكومية قبل أن يتمكن من اللغة الانجليزية ، مما جعله يفشل حتى اليوم فى تعلم أصولها ، وأن أجاد التحدث بها ، لذلك شعر بنقص ثقافى مقارنة بأخته وأمه ، اللتين تتقنانها ، وتتكلمان أغلب الوقت بها .

.. يمضى الوقت سريعاً ، وليلى زوجتى حبيبتى لم تنته بعد من إدخال بعض التعديلات الفنية على التصميم الداخلى للفيلا .. فطلبت إنشاء حمام سباحة كبير مغطى ، كما طلبت قاعة ( جمبنزيوم ) واسعة تضم كل أدوات الرياضة ، على أن يلحق بها غرفة للسونا ، وأخرى للبخار .

وكى أريح دماغى من متابعة التفاصيل وكى أريح قلبها ، طلبت من مهندس الديكور أن ينفذ لها ما تشاء دون مراجعتى وأخذ رايى فى تلك الإضافات .

وأخيرا .. ينتهى تشييد الفيلا ، لتخرج قطعة فنية باهرة يستحيل أن تتكرر .. ننتقل للسكن بها ، بعد أن أضافت ليلى لها لمساتها الأنيقة المحببة المميزة ، فزادتها أناقة وندرة وجمالا .

كنا جميعنا سعداء بهذه السكنى الجديدة .. إلا محمد الذى كان يبدو عليه الضيق والنفور من هذه المنطقة النائية التى انتقل إليها غصبا عليه .. كان حزينا واجما لأنه ابتعد عن أصدقائه ، وفارق زملاءه .. ودخل مدرسة أخرى ، لا يعرف بها إنسان .

أحاول قدر الإمكان أن أهون الموقف عليه ، أقول له مشجعا أنه يقدر يروح لهم المنطقة القديمة ، كما أنهم يقدروا يزوروه بالبيت فى أى وقت يشاء .. يسكت محمد على مضض ، وأن بدى عليه الضيق والنفور والغضب .

و .. يتحول البيت الجديد تدريجياً إلى شئ أشبه ما يكون بالنادى الصحى ، ففى عطلة نهاية الأسبوع تتوافد صديقات ابنتى نوال ، اللاتى أصبحن صبايا يافعات ، حسناوات مثلها .. أى والله .. فعلا جميلات .. !

يأتين بملابس الرياضة فيمارسن شتى الألعاب ، ثم يؤدين تلك التمارين العنيفة الراقصة ( الاروبيك ) المصحوبة بنغمات الموسيقى الصاخبة ، التى تكاد تزلزل جدران السرداب .. وفى النهاية يتقافزن ضاحكات منتعشات إلى حمام السابحة .. كأنهن حوريات هاربات من أساطير وحكايات ألف ليلة وليلة !

كان خالد سعيداً للغاية بهذا التجميع ( البناتى ) الكبير ، فهو طالع شقى ، شيطان ، مولع بحب الموسيقى والرقص والرياضة ، وكان كثيرا ما يشاركهن تلك الهوايات ، وعادة كان يزودهن ويتبادل معهن أحدث الشرائط لأشهر المطربين العالميين .

كانت طباع خالد على النقيض من محمد ، فهو يتشبه بشباب أوروبا ، ويميل إلى تقليدهم فى زيهم وقصة شعرهم .. بل وفى طريقة حياتهم وسلوكهم وتصرفاتهم .. كما أنه يهوى مغازلة البنات ولفت أنظارهن .. رغم صغر سنة وحداثة عمره !

وفى الحقيقة .. أقول .. أننى منحت أهل بيتى وأولهم زوجتى ، الكثير من الحرية للذهاب إلى النادى الذى اشتركنا به منذ سكنا فى هذه المنطقة ، أو لزيارة الصديقات ، أو للتنزه مع الصغار ، لأنى بعد عدة تجارب واختبارات جاءت فى البداية ، تأكدت من وفاء ليلى وإخلاصها .. فقد لقنتها أمها الأوروبية أصول الإخلاص للرجل .. بعد الزواج ، أما قبل الزواج ، فهى حرة تفعل بنفسها ما تشاء .. وهكذا كان !!

لكن .. فى الآونة الأخيرة ، بعد أن شب محمد وكبر ، ونمت رجولته ، وظهر شنبه كثيفا يكاد يغطى فمه .. لاحظت فى هذه الفترة أنه لم يعد يبتسم كعادته ، نادراً ما يضحك .. أصبح حزينا كئيباً منطويا ، لا يشاركنا الطعام ، ولا يجلس معنا .. بل صار يتجنبنا ويتعهد أن يبتعد عنا .. وأخذ يكثر من الخروج ، ويطيل الغياب خارج البيت !

كنت أعرف أن أبنى يمر بفترة الطيش ويعيش مرحلة المراهقة فانتابنى
القلق عليه .. فهذا هو وقت الوقوع فى الخطأ .. وهذا هو سن التعرض للشرود والانحراف ..!!

لذلك .. حرصت أن أضع عينى عليه ، أن أتقرب منه ، أن أتودد إليه ، خاصة وأن هناك فجوة جفاء حادة ، وهوة خلاف عميقة تفصل بينه وبين والدته منذ صغره ، فهو عنيد الرأى ، قاسى القول ، صلب القرار .. لا يلين ولا ينعطف أمام أى تهديد أو أغراء .

كنت أعزو هذا الجفاء من ناحية أمه ربما لأنها قاست كثيرا بسبب ما عانت منه أثناء وبعد ولادته ، ولأنه طفلها الوحيد الذى لم يرضع من ثديها ، ولم يشرب حليبها وحنانها ، دوناً عن أخوته .. كان هذا رأيى أنا الشخصى ، وأن كنت لم أبح به سواء له .. أو لها .

وبسبب درايتى بخفايا الحياة وأمور الشباب ، كنت أعرف أن أكثر ما يفسد الشباب ويؤدى إلى انحرافهم هم رفاق السوء ، فأردت أن أتأكد من أخلاق أصدقاء أبنى ، فسألت عنهم وعن أحوالهم ، وكيف وأين يقضون أوقاتهم ، فعرفت كل شئ عنهم ، ووجدتهم من هؤلاء الشباب العاقل المتدين .. حقا .. أن الطيور على أشكالها تقع .

وبديهى .. كان لابد وأن تبدأ مشاكل من نوع غريب ، وأن تنشب خلافات لاختلاف النشأة والطباع .. فهذا أبنى محمد قد شب متدينا والحمد لله ، وأصبح شابا شديد التقوى عميق الإيمان ، مهتديا بهدية ، ملتزما بتعاليم دينه ، محترما تقاليد وأعراف مجتمعه .

وهذه ابنتى نوال قد شبت فتاة متحررة ( متفرنجة ) ، ضعيفة الإيمان ، ضئيلة التقوى ، لا تلقى بالا لكلام الناس ، ولا تفكر كثيراً فى التزام بعادات المجتمع وتقاليده .

وهكذا .. ظهرت الخلافات الحادة بينهما ، أصبح محمد يرفض هذا الوضع المغلوط الذى تسير عليه أخته نوال ، أصبح يرفضه جملة وتفصيلا ، ولا يقبل أن يعارض رأيه فيه .

فناقشت هذا الأمر عدة مرات مع ليلى بحثا عن حل يقطع هذه المشاكل من جذورها ، خشية استمرارها وتحسبا لمضاعفتها .. فكانت تضحك فى مرح وتهون الأمر على ، قائلة أن هذه أمور عادية بين أشقاء فى مثل هذا العمر ، فلا تهتم لهما ، ولا تشغل بالك بهما ، ودعهما يحلان مشاكلهما بنفسيهما دون تدخلك ، حتى لا تكبر الأمور وتتعقد المشاكل أكثر ..

وما تلبث أن تأخذنى إلى عالم آخر ، وردى الألوان ، ممتع اللحظات ، شيق الأوقات ، حيث تأخذنى فى أحضان قلبها .. فتغمرنى بحبها .. وهواها .. وجنونها ومجونها .. !

كانت ليلى امرأة فريدة نادرة غير متكررة .. كانت تعرف كيف تحرك مفاتيح شخصيتى .. وكيف تعبث بأوتار مزاجى ، فتجعله دوما يميل نحوها ، يتجه إليها .. يتعلق أكثر وأكثر بها ، فلا أقوى أن أعيش حزنا واسى وعذابا .. تفزعنى .. تحرقنى .. تذبحنى من الوريد .. إلى الوريد .

أتفرس به .. أحسه يتمزق .. يتألم .. يتقطع . وكأن قلبه يدمع قبل عينيه .. أعاود سؤالى وأنا أقف كالعاجز أمامه لا استطيع أن أفعل شيئا حياله .. خير يا محمد .. فى شئ مضايقك ؟! قول .. تكلم .. تكلم يا محمد .. صارحنى .. أنا أبوك .

أعاود سؤالى على محمد ، وأنا أقف كالعاجز أمامه لا أستطيع أن أفعل شيئاً حياله .. خير يا محمد .. فى شئ مضايقك ؟ قول .. تكلم .. تكلم ..

يحاول أن يجيبنى ، أن يشرح لى ما به من معاناة .. يتحشرج صوته ، تحوشه نوبة بكاء حادة حامية .. أتركه ينفث عن أحزانه وقلبى يتقطع من أجله ، لا يعرف أيبكى معه ، أم يبكى عليه !

أجلسة على الفراش بجوارى وذراعى فوق كتفه تضمه إلى صدرى ، تدخله فى قلبى ، وصوتى لا يكف عن إعادة السؤال بإصرار وإلحاح .

وفى النهاية .. يتعرف لى محمد بحقيقة أحزانه ، يقول أنه متضايق من نفسه ، ومن كل شئ حوله ، بعد أن بدأ يسمع كلاماً سيئاً عن سلوك أخته فى النادى ، وعن تسيبها واختلاطها الدائم بالشباب هناك !

يخبرنى محمد بأنه خانقها عدة مرات بسبب تصرفاتها الطائشة هذه ، وأنه حذرتها من الاحتكاك بالشباب ومخالطتهم وإلا أخبرنى بذلك ، إلا أنها ردت رجعت وكررت نفس الأخطاء .

يتابع حديثة اليائس بصعوبة ، يعلمنى أنه حائر لا يعرف كيف يتصرف معها ، بعد أن تردد فى أخبارى خوفاً من زيادة المشاكل وتحسباً لموقف أمه التى لا ترى أن نوال غلطانة فى تصرفاتها !

يقول لى يائساً أنه كره حياته فى هذا البيت بعد أن أخفق فى تقويم أخته ، وفشل فى تعديل سلوكها ، وبعد أن عجز عن أقناع أمه بمنع نوال من الاختلاط بالشباب فى النادى ، لأنها تعتبر أن هذا تصرف طبيعى طالما هى تختلط بشلة كبيرة أغلبهم كانوا زملاءها فى المدرسة ، ولا يختص وأحداً منهم باهتمام زائد أو علاقة خاصة .

ويحكى لى محمد بمشقة كيف أصبح يحس الخزى والحرج كلما التقى معارفه من الشباب ، ولمحهم يتهامسون ويتغامزون عليه ، ويسمعهم يلمحون له عن سيرة أخته الطائشة العابثة ، ويتعرضون لسلوكها الأخرق فى النادى ، وكيف يقبل وهو أخوها ترك الحبل لها على الغارب هكذا ؟!

يشتعل غضب محمد .. يتفجر ناراً حارقة من عينيه ، يقول مقهوراً من معايرتهم الدائمة له .. أنهم يقولون أنها .. أنها .. يتعثر اللفظ فى فمه . يصمت . لا يفصح ، وأن كانت نظرات عينيه تفضح ما يخفيه داخل نفسه .. يعود يتكلم وصوته ينضح هما وحزناً . يقول فى خزى وحسرة .. حتى أمى نفسها ما سلمت من لسانهم !

.. كان محمداً منهاراً تعساً ، وكأن العالم يتساقط قطعاً من جمر فوق رأسه وقلبه .. فيسحق جسده .. وتهدر رجولته .. وتهان كرامته .

ينحرق قلبى حزناً على مرأى أبنى الشاب يبكى أمامى ، أحس عذابه كالطعنة الدامية فى وجدان رجولته المبكرة ، أعانى التعثر والانخذال أمامه وأنا أسمعه يشكو .. لكننى أعجز عن دمل جراحه .. وبرأ آلامه .

أكاد أموت هلعاً وأنا أفكر .. ماذا سمع أبنى عن ماضى أمه ؟! آه .. ماذا تراه عرف عن ذاك الماضى البعيد .. الشائن الشائه المشين ؟!

أتساءل فزعاً .. هل قام أصدقاؤه بنبش الماضى أمامه ؟! ترى هل سمع أحدهم شيئاً من أهله عن تاريخ ليلى العابث ؟! فأخبره به ؟! آه .. لابد وأن أبنى قد عرف .. لابد وأنه عرف كل شئ عن الماضى العابث الغامض المظلم !!

ينسحق قلبى أسى وجزعاً وحزناً لما يمكن أن يتعرض له أبنى الشاب بين رفاقه .. آه يا ولدى .. آه يا كبدى .. هل تتجرع المذلة يا بعد قلبى وحيداً ؟!

إن دمعك يا ولدى يغوص فى نفسى أحجاراً من نار فيسحقها .. يفتتها .. يحرقها.

تتقلنى دموع أبنى الشاب الفتى إلى دموع حبيبة كانت تحذرنى من هذا اليوم الأسود ، ومن هذه اللحظة الأسود سواداً ، لكننى للأسف لم افهم .. ولم أتعظ . ولم ارتدع.

آه يا أمى .. ألف رحمة تروح لك .. وألف حسرة على أبنك العاق الذى قهر قلبك وأحزن نفسك وتركك تموتين غاضبة عليه .. آه يا أمى .. يا ليتك سامحتنى قبل وفاتك .. آه .. هل يفيد البكاء .. وهل تنفع الدموع .. وهل يجدى الندم ؟!

أنظر ملتاعاً فى فى عينى أبنى الدامعتين ، أبصر وميضاً غامضاً يشع منهما ، وكأن فى أعماقه نيران لا تنظفئ فأحرقت فى ناظريه معالم الحياة وشوهت فى مقلتيه مباهج الدنيا .. والناس .. والأشياء .

يا إلهى .. أرحمنى .. فها هو أبنى يدفع وحيداً ثمن غلطتى .. ها هو يدفع وحيداً ضريبة الحب .. وها هو يتألم وحيداً .. من .. جراح الحب !!

آه .. يا ليتنى لم أتزوج خضراء الدمن تلك ، يا ليتنى أخذت بتحذير الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام عندما نهانا عن زواج المرأة الحسناء فى المنبت السوء .. لكننى لم أتعظ . لم أتعظ .

آخذه وأخرج فى جولة بالسيارة ، كى لا يعرف أحد بما يدور بيننا ، ولا نعود إلى البيت إلا وقد تعاهدنا على أن يصارحنى بكل ما يضايقه أو يغضبه .. نتفق ، كلانا ، على أن يبقى هذا الموقف سراً خاصاً بنا ، لا يبوح به أحدنا .

أبقى أكلمه بحماس حول هذا الموضوع ، أؤكد له أننى كفيل بإيجاد
الحل ، وإيقاف هذه المهزلة على الفور .. لكنه يجيبنى بفتور اليائس وحسرة المهزوم .. أن شاء الله .

ومنذ تلك اللحظة الحادة الحارقة ، التى شعرت فيها أن ابنى يعرف الكثير عن ماضى أمه ، وأنا أحس ندماً هائلاً على اقترانى بها .. ولا أكف عن لوم نفسى وتقريعها لأننى لم أنتق الزوجة الصالحة ذات الماضى الناصع والأصل الطيب الكريم ، أتساءل .. لماذا اندفعت بأنانية وراء الحب وحده فلم أفكر إلا فى نفسى ونسيت مصير أبنائى ومستقبل بناتى ؟ ؟! لماذا .. لماذا .. لماذا ؟!

منذ تلك اللحظة الحادة الحارقة .. قمت أطبق قوانيناً صارمة لم تعرفها الأسرة من قبل ، ولم تتوقعها أبداً من قبل .. كان أولها وأهمها منع الذهاب إلى النادى وإلغاء الاشتراك به ، وعدم خروج نوال من البيت لوحدها تحت أى سبب من الأسباب ، وإجبارها هى وأمها على ارتداء الزى الاسمى المحتشم .

 ولم تجد توسلات ليلى ، ولم تنفع وساطتها فى تخفيف هذا الحكم الصادر على نوال ، تلك البنية الشابة الطائشة التى تحمل اسم أمى وهى أبعد ما تكون عن التشبه بها ..

.. كانت نوال أجنبية الوجدان لاشك ، فهى رغم إجبارها على ارتداء الحجاب خارج البيت ، إلا أنها كانت تتجول داخله بالشورت والبلوزة بدون أكمام !

حقا .. أن العرق دساس ، يا ليتنى تخيرت الزوجة الصالحة لنطفتى ، يا ليتنى أتبعت تعاليم الدين الحنيف وسمعت نصيحة الرسول عليه الصلاة والسلام بالظفر بالمرأة ذات الدين ..

آه .. أسائل نفسى حائراً .. ترى .. هل علمت ليلى أبنتها مبادئ الدين وغرست فيها القيم والأخلاق ؟! أم أن فاقد الشئ لا يعطيه ؟!

إذن .. هل يعنى ذلك أن أبنتى نوال قد شبت على مبدأ الإخلاص والوفاء بعد الزواج فقط .. أما قبل الزواج فهى حرة تفعل بنفسها ما تشاء ؟!

وهنا .. تغلى الدماء فى عروقى ، تفعل الوساوس والهواجس فعلها فى رأسى ، فتصور لى أن أبنتى قد افلت زمامها .. وربما أهدر شرفها .. فأندفع كالمجنون رغماً عنى أفتش غرفتها ، أقلب أغراضها ، أنقب أوراقها ، محاولا كشف أسرارها لمعالجة اعوجاجها .

وكما توقعت .. أعثر على نوتة تليفونات كبيرة الحجم ، أطالع فى تشكك صفحاتها ، أفاجأ بأرقام وأسماء شباب لا حسر لهم . فيجن جنونى ، يشتعل غضبى .. وابقى أنتظر بفارغ الصبر رجوع نوال من الجامعة وقد شحتت بآلام حيوان ضارى جريح .. حيوان هائج ثائر ظامئ أن ينشب مخالبه بمن تسبب فى جرحه .. وأذاه ، ليروى عطشه من دماه .

أسمع صوت سيارتها فأنزل وثباً لمقابلتها ، يثيرنى منظرها المستهتر وهى تنزع الحجاب عن رأسها قبل أن تدخل البيت فينسدل شعرها الناعم الطويل على أكتافها ، وهى تصعد الدرج الخارجى ما زالت ، وكأنها تستخف ولا تهتم بأعين الناس تسقط عليها وهى بدون حجاب !!

أقف أمامها ممسكاً النوتة فى يدى ، تضطرب من شكلى المتوتر المتأزم .. أسألها تفسيراً عاجلاً مقنعاً لاحتفاظها بأرقام هؤلاء الشباب لديها .. تنظر نحوى مبهوتة تسألنى فى دهشة .. أين وجدتها ؟! أجيبها ساخراً ساخطاً فى درج المكتب فى غرفتك يا …

تحتد لسماعى أسبها ، تقول غاضبة ولماذا أخذتها دون علمى ؟! لماذا لم تسألنى إذا كنت أوافق أنك تقرأها وإلا لأ .. تصرخ فى عصبية ظاهرة .. هذه التصرفات الغريبة أنا مليت منها .. ولا أقبلها ولا أرضاها .. كفانى أنك خليتنى ( جيكرة ) بين زميلاتى .

ودون أن أشعر بنفسى تتجمع قوتى فى كفى … ألطمها بعنف على وجهها ، أضربها بقسوة لأول مرة فى حياتها .. تنهار باكية صارخة شاكية أنها صارت تفعل أشياء كثير غير مقتنعة بها ولا راضية عنها .. بس عشان أسكت وأكف عن الخناق معها.

تأتى أمها مهرولة عند سماع صوتها ، يندفع أخوتها من كل صوب نحوها منزعجين من صراخها .. تبصر محمد واقفاً أمامها ، تصرخ فى وجهه وهى لا تنقطع عن بكائها وعويلها .. أنت السبب فى كل هذه المصائب اللى تقع على راسى .. أنت السبب .

تتابع اتهاماتها لأخيها بصوت صارخ ، تقول فى عصبية واضحة .. أنا أدرى أنك أنت اللى شكيتنى لأبوى وخليته يحجبنى ويمنعنى عن أصحابى .. وعن النادى .. أنت اللى خرجت حياتى.. كله منك أنت يا وجه المصائب .

يذهل محمد .. لا يستطيع أن ينطق حرفاً ، باغتته مفاجأة الهجوم فأخرسته ، فهو شاب مرهف المشاعر مفرط الحساسية ، أنظر نحوه فى جزع .. أراه يزداد شحوباً واصفراراً وهو يرى أخته منهارة تبكى ، أحسه يهتز لوقع كلامها الجارح وهو يسمع اتهامها القاسى له بالوقيعة والفتنة والإفساد بين أبيها وبينها .

 يقف محمد منفعلا ضائقاً عاجزا عن مواجهة ثائرتها ، فهو إنسان صادق لا يقدر أن يلفظ كذباً ، كما لا يستطيع أن يدعى إنكاراً ..

أشعر به وقد أنعدم شعوره نهائياً بالراحة والاستقرار ، وقد تكثفت تعاسته وكأنها زادت النار المتقدة داخله .. توهجاً واشتعالا..

يسكت .. يطرق برأسه إلى الأرض . يستدر خارجاً محنياً صامتاً .. يغلق خلفه باب البيت الخارجى .. أسمع صوت تشغيل محرك السيارة .. يختفى محمد بسرعة عن أنظارى .. قبل أن أتمكن من اللحاق به .. وإعادته .

يتباطأ الليل .. يتمدد .. يتمطى .. يتكاسل .. يتثاقل ، وكأنه لا يريد أن يطلع له نهار ، ولا أن يظهر له نور ، ولا أن تشرق له شمس .

أنظر إلى الساعة كل فترة وأخرى فأظنها قد كفت عن الدوران ، فالثوانى تتعابث ، والدقائق تتلاعب .. والساعات تتماوت !!

وحتى بزوغ أولى خيوط الفجر ، أبقى مسهداً مؤرقاً ، معذباً .. محمد لم يرجع حتى هذه اللحظة ، ونوال لم تكف عن النحيب والبكاء .. وليلى لم تأت إلى غرفتها، بقيت بجوار أبنتها تخفف عنها صدمتها .

أما خالد فقد دخل غرفته ، وهو حتماً وضع سماعات جهاز التسجيل فوق أذنيه ، وغاب مع موسيقاه عن مشاكل البيت ومن فيه .. وسلوى .. لم تتركنى أبداً أعانى محنتى ولم تدعنى ساعة واحدة بمفردى .. كانت المسكينة حائرة بينى وبين أمها وأختها ، فهى تبقى عندى فترة ، ثم تنهض لتذهب إليهما تسرى عنهما وتسليهما .. ثم تعود إلى .. وهكذا بقيت الليل بطوله بدون راحة أو نوم .

آه .. حمداً لله يا سلوى أنك حنون ودود مثل أمى رحمها الله أخذت عنها شكلها وطبعها ، وكل صفاتها ، حفظك الله يا بنيتى من السوء وأطال فى عمرك وأبقاك ..

أشكرك ربى كثيراً أن هدانى إلى حسن تربيتها منذ صغرها ، فقد نقلتها إلى مدرسة حكومية وهى طفلة صغير ، ووثقت صلتها ببنات عائلتها وعشيرتها ، فكبرت وهى تحب أهل أبيها ، وترتبط بهم وتحترم عاداتهم وتقاليدهم .

أغفو قليلا .. لا أشعر كيف نمت من شدة الإرهاق والتعب ، أصحو ، أنظر فى الساعة ، تنبئنى عقار بها بأننى قد نمت حوالى أربع ساعات كانت كافية لمنحى الراحة التى أريد وأحتاج .

أنهض بعدها .. أفتح غرفة محمد لعلى أراه بها .. فربما يكون قد رجع خلال هذه الفترة التى نمتها .. لكن .. يصدمنى منظر فراشه الخالى وغرفته الخاوية .. يتوجع قلبى .. يتوجس خيفة .. لكننى استعيذ بالله من الشيطان الرحيم .

أذهب إلى المكتب وكلى أمل بأن محمد لابد وأن يكون سهراناً فى بيت أحد الأصدقاء .. وسوف يعود اليوم بالتأكيد على الغداء .

وفى هذه اللحظة .. يقفز إلى ذهنى شكله الواجم المتجهم وهو يقف أمامنا محرجاً محبطاً بسبب اتهام أخته الجارح له .. أذكر كيف كانت نظراته نحوى عاتبة لائمة ، تتنقل بيننا حائرة .. مسائلة !!

آه .. هو حتماً تصور أننى قد خنت عهده ، ونقضت معه وعدى وأفضيت بما دار بيننا فى ذاك المساء .. لذلك عرفت بالخبر .. أخته نوال !

آه .. يا للقهر .. يا للخزى .. أنا لم أخن عهدك يا محمد ولم أنقض وعدى لك يا ولدى ، لكنها أختك الشيطانه هذه هى التى فطنت لذلك وحدها ..

سوف ألقاك اليوم يا ولدى ، وسوف أشرح لك موقفى وأفهمك كل شئ بصراحة ، لتعرف أننى لم أبح لمخلوق فى البيت بشئ مما دار بيننا من أسرار .

لكن .. فى ذلك اليوم الذى لم تشرق له الشمس .. أذهب إلى المكتب لأشغل نفسى بالعمل عن التفكير والقلق .. إذ بأخى يدخل على فجأة دون توقع أو انتظار .

أنظر إليه مستطلعاً مستفسراً مرحباً ، فأحس به منزعجاً مرتبكاً مضطرباً ، يطلب منى وعرق بارد يتصبب من وجهة أن أنهض معه الحين عشان نروح البيت !

أطالعه جازعاً ، وأعياً ، مدركاً أن مصيبة كبيرة قد حلت بأحد من أهل بيتى .. أسأله ملتاعاً قل لى يا عبد الله نوال سوت فى روحها شئ ؟! أنتحرت ؟! ماتت ؟!

يأخذنى فى حضنه وهو ينتحب ، يزداد ضمه لى يقول نوال بخير يا خوى ما فيها شئ .. يرتج بدنى ، أسأله متوسلا .. من مات فيهم يا عبد الله .. قل لى يا خوى الله يخليك من مات فيهم ؟!

يرتفع نحيبه ، يقول من بين دموعه بصوت حزين : البقية فى حياتك .. فى محمد.

يصرخ قلبى لا .. لا .. كذب هذا الخبر .. محمد حى .. محمد ما مات .. لا .. لا .. ترتجف روحى ترفض أن تصدق ما سمعت أدنى .. لا .. لا .. محمد ما مات ؟! كيف تقول ما ؟! يأتينى صوته ذاهلا معزياً .. حادث سيارة .. هذا عمره يا أخى .. تصبى يا خوى .. هذه إرادة الله .

أمشى مخزوناً مطحوناً مكلوماً أحمل جثمان ولدى الشاب إلى مثواه الأخير .. أدعو الله أن يدخله فسيح جناته وأن يمنحنى الصبر والسلوان ، متمنياً لو كانت منيتى سبقت منيته لكان ذلك أرحم بكثير .. بكثير .. بكثير !!

تنهمر الذكريات فوق كتفى المنهار .. تتوالى .. تتابع .. أذكر كيف حملت نعش والدتى .. وكيف كنت أبكيها وإحساس بالذنب حارقاً يكوى قلبى حزناً .. عليها أسأل نفسى هالعاً .. أماتت أمى غاضبة على ؟! أينتقم اللهمنى بسبب ذاك الأذى الذى سببته لها ؟! آه .. هل سيكتب على العذاب باقى ما عشت من حياتى ؟!

حارقاً يكوى قلبى حزناً .. عليها حزناً عليها .. أسأل نفسى هالعاً .. أماتت أمى غاضبة على ؟! آه .. هل سيكتب على العذاب باقى ما عشت من حياتى ؟!

آه .. يا قلبى المحزون المكلوم الذى لم يعد يطيق المزيد من الأحزان .. آه يا عمرى المأفون الذى أضعتك هدراً .. حين أطعت قلبى الأنانى المجنون وتزوجت هذه الليلى .. فى تلك الليلة السوداء التى ضاع منها القمر .. وغاب عنها الضياء .

آه .. ياليتنى لا عشت ولا تزوجت ولا شفت مثل هذا اليوم الأسود المشؤوم .. آه .. هل سأى أياما أخرى أشد سواداً .. وأكثر حلكة .. بسبب غضبك على يا أمى .. وعقوفى لك ؟! يا لتيتنى أخذت برأيك وسمعت نصيحتك .. يا ليت .. يا ليت .

.. يدهمنى حزن حارق ، كاو ، عنيف ، أسقط صريع نوبة قلبية حادة ، عاتية لا ترحم ، أخل غرفة الإنعاش وأنا على شفا الموت .. أتجاوز الأزمة بصعوبة .. أتماثل للشفاء ببطء شديد ، وكأن الرغبة فى الحياة قد غابت عنى بعد وفاة أبنى وهو شاب فى شرخ الشباب مازال .. رحمه الله وتغمده فسيح جناته .

أحتاج فترة نقاهة وراحة ، أبقى ارقب خلالها تصرفات أهل بيتى فيزداد حزنى ويتعمق المى ، فهاهى نوال المرهفة المدللة ، لم تحتمل هذا التحول العنيف فى تصرفاتى ، ولم تطق هذا التناقض المفاجئ فى تعاملى معها ..

ها هى نوال تسقط صريعة المرض ، وقد بدت عليها علامات الاضطراب النفسى ، فهى تحس أنها هى وحدها .. السبب المباشر فى موت أخيها .. فأخذت عقدة الإحساس بالذنب تعصف بها وتؤذيها ..

وها هو خالد باق على حاله كما هو ، عابث ، طائش ، لا يهمه فى الدنيا سوى الموسيقى والرقص وتقليد شباب الغرب ومغازلة البنات ، وعدم الاهتمام بأحد آخر غير نفسه وبس .

أما ليلى .. فقد أختبأت فى حجرها ، ظلت معظم الوقت حبيسة دارها ، وقد تكثف إحساسها بفقدان الثقة فى نفسها ، بعد أن أحست بتبدد حبى لها .

حقاً أحبتنى ليلى .. لمنها أحبت فينى الرجل ثم الزوج ، ثم الأب .. كانت تريدنى أن أبقى رائق المزاج ، لا يعكر صفوى شئ ، حتى تنال منى كل ما تريد ، كى أشبع لها كافة احتياجاتها المادية والجسدية والمعنوية ..!!

كانت ليلى تفهم طبعى جيداً ، وكانت رغبتها فى مستعرة دوماً لا تنطفئ أبداً ، وكانت تعرف عنى إذا غضبت أو تعكرت لا أسمع لها طلباً ، ولا ألبى لها حاجة كانت .. وما كانت أكثر طلباتها .. وكثرة احتياجاتها .. ورغباتها !

وهكذا .. لهذا .. حجبت عنى ليلى مشاكل أبنائى كى لا يخلقوا حاجزاً من النكد بينى وبينها .. فأعمتنى عن رؤية الحقيقة واضحة فى وقتها ، ومنعتنى من التدخل فى الوقت المناسب لأحسم المشاكل منذ بداياتها ..!!

وبكل أسف ، أعترف ، أننى أنسقت وراء تخدير ليلى لحواسى كلها ، استسلمت لها مستمتعا بذاك العالم الوردى الحالم الخيالى الذى عشته معها .. غارقاً فى عشقها .. شارباً .. حتى الثمالة .. من أنهار حبها .

وبعد أنهيار الدنيا من حولى .. تعرفت على الفاعل الحقيقى .. فكان هو .. هذا .. الحب الإنانى الأحمق الأرعن ، الذى جعل منى عبداً خاضعا .. أمام إرادتها .

الآن .. فهمت كل شئ .. فلعنت كل شئ .. وكرهت كل شئ .. ما عدا سلوى التى قامت بأمور البيت ، وأخذت المسؤولية على عاتقها .. فظلت هى النقطة الوحيدة المضية فى ظلام حياتى .. بنقائها وتقواها وصفائها .

وهكذا .. صارت تمضى بنا الحياة ، شائكة ، نائخة ، وليلى أصبحت كئيبة ، حزينة ، باكية بعد أن نفرت منها ، وكأنى أحملها وحدها جريمة زواجها منى . واقترانها بى ، لذلك هى تترقب بين يوم وآخر خبر طلاقها .. أو زواجى من غيرها .

وابقى أعيش مع الأمل فى شفاء نوال ، وهداية خالد ورجوعه إلى تقوى الله وطريقة حياة الشباب الأسوياء .

ولا يبقى يؤنس وحدتى ، ويخفف عنى همى ، ويلطف من شقائى وبلوتى إلا وجود الحبيبة سلوى بجانبى .. كأن الله أراد أن يجعل منها سلوى لى تشد أزرى وتأخذ بيدى خلال درب حياتى الذى أصبح ( ضرب ) حياتى .. بعد أن غاب عنها الحب .. وبقيت وحدها .. الجراح .


.. ولم يتركنى وراء السراب

بيدى .. قتلت قلبى ، وبيدى .. حطمت حياتى ، وبيدى دمرت نفسى .. وإليكم حكايتى .

منذ سنتين أحببت شخصا يكبرنى بأربع سنوات ، كنت حينذاك تحت العشرين بقليل .. وكان حبا لا يوصف بمعايير يعرفها البشر ، ولا بمقاييس يسمع عنها الناس .

للأسف .. صور لى عقلى الصغير أننى يجب أن أفعل بعض تصرفات طائشة ، كى تثور غيرته على ، ويتفجر حبى مالئا قلبه .. ومع أنى لم أكن مراهقة ، إلا أننى تصرفت بطيش ورعونة ، ما زلت نادمة عليهما حتى هذه اللحظة .. بل .. وحتى آخر لحظة فى عمرى .

كنت .. من فرط حبى له ، أريد أن يتولع بى أكثر ، ويتعلق بى أكثر ، كى يطفئ جمر الشوق إليه ، ويخمد نار عذاب حبى له ، فكنت أحرص على أن أسرد عليه حكايات وهمية عن مغازلات الشبان لى ، وأختلق له قصصا غير حقيقية لم تحصل ، وأرفع سماعة التليفون بالساعات لكى يشك فينى .. ويغار على .

ولغبائى .. تصورت أن هذا السلوك سيدفعه للتمسك بى أكثر ، وسيحبنى أكثر وأكثر ، عندما يشعر أننى مرغوبة أكثر ، وأن كل الشباب يتلهفون على معرفتى ، ويتمنو أن تكون لى علاقة معهم ..

وبدأت شكوكه تحصرنى ، وأسئلته الكثيرة تلاحقنى ، ومراقبته لى تطاردنى ليل نهار .. ففاضت فرحتى ، وبلغت سعادتى الداخلية حدها وأنا رآه يدور حولى كالمجنون ، ولا يريدنى أن أغيب عن عينه ساعة واحدة .

وبدأ يخاف على من أى شاب تحوم حوله الشكوك ، أو أن الفت النظر إليه ، كى أتلذذ بمنظره والغيرة تنهشه . والشك يعذبه .. فيزداد حبى فى قلبه ، ويرتاح لذلك قلبى المعنى بحبه ، والمعذب بهواه .. هكذا كان اعتقادى الغبى ، وهكذا كان تفكيرى الاجوف الأخرق !

وفى النهاية .. أصبح الموضوع  حقيقيا ، فقد أتصل بى شخص فعلا يريد التعرف على والزواج منى ، وفى الحال أخبرته بذلك ، فأنا لا أخفى عنه همسة تدور فى حياتى ، فطلب منى أن أماطل هذا الشخص ، وأسجل له أشرطة كى نعرف من هو .. وكان فى قمة الغضب والعصبية والضيق مما يحدث .

كل ذلك .. ولم أهتم بإيقاف هذا الآخر عند حده ، بل استمريت فى الاتصال ، وأصبحت أكلمه مجرد كلام عادى لتضيع الوقت ، ولشغل الخط ، كى يجده مشغولا حبيبى عندما يتصل بى .. فينشغل عقلة غيرة .. ويشتعل قلبه حبا.

وأنفجر البركان .. نفد صبر حبيبى ، أطلق غضبه عارما مدمرا حارقا ، وأخذ يهددنى ويتوعدنى لو كلمت هذا الآخر مرة ثانية ولكنى لم اهتم بقطع صلتى به ، فهى عبارة عن حديث عادى عبر الهاتف ، وتماديت فى ذلك ، كى تثور غيرة حبيبى أكثر وكى يفرح قلبى بهذا الانفعال أكثر وأكثر .

وشرحت لحبيبى أنه الإنسان الوحيد فى قلبى ، ولن أفكر فى غيره مطلقا ، وأن حبنا أكبر من هذه التفاهات التى تحصل ، والتى لا يمكن أن تؤثر على عمق علاقتنا .. ولكن ، كان قد فات الوقت ، خرج الموقف من يدى دون أن اشعر ، فقد أصبح حبيبى يشك حتى فى خيالة ، وصار يظلمنى فى أشياء كثيرة لا أفعلها ، بل ولا يمكن حتى اقدر أفكر فى أن أفعلها !

وبمفهومه الشخصى ، وقراره الفردى ، أعلن يأسه منى ، رغم أننى أحبه حبا لا يوصف ، ولا أقصد فى يوم من الأيام أن أفقده أو أخسره ، بل أفقد عمرى فدءة له ، واخسر حياتى فداء له .

وبعد أن قاطعنى فترة قصيرة ، قرأ الفاتحة على إنسانة أخرى ، فجن جنونى ، وتقطع قلبى ، واستسلمت وأنهيت صلتى بالآخر .. لكن .. دون فائدة فقد انصرف عنى دون رجعة ، تركنى وراح للأخرى .. إلى الأبد .

وبدونه .. أصبحت حياتى جحيماً لا يطاق ، ولكن بعد حوالى الشهر سمعت من صديقة لى أنه يسأل عنى ، ويريد الاطمئنان على وعلى أحبارى ، فتشجعت واتصلت به فورا . ورأيته .. وأنا على عهدى القديم من الحب والعشق ، ولكنه للأسف كان يتظاهر بأنى لم أعد أعنى له إلا الصديقة فقط ، نعم .. الصديقة وليس الحبيبة .

ورفضت .. رفضت أن ينحدر هذا الحب الكبير إلى حدود الصداقة فقط ، وما صدقت أن هذا القلب الكبير صار عاجزا عن احتوائى ، قاصرا عن ضمى ، فحاولت معه وأعلنت له حبى عدة مرات ، وبالفعل .. ظهر حبه مع الأيام ، حبه الكبير ، ذاك الذى لم يمت أبدأ .

وأزداد تعلقنا ببعض ، تولعنا ببعض أكثر ،  ولكن هذه المرة ، كانت بدون الأمل فى زواجنا ، لأنه لا يقدر أن يفسخ خطوبته ، ولا يقدر أن يتركنى .. صدقينى لم أدع طريقة لم استعملها معه .. كى يلين ويعود إلى الواقع الذى كنا نعيشه فى منتهى الحب والسعادة .

ولم أفلح فى أحياء الماضى كله ، كان الواقع أصلب وأقصى وأعند ، وما زال ورائى ، حتى أقنعنى بأن ارتبط بالشخص المتقدم لى ، لأنه أثبت لى أن لا فائدة منه ، وأخبرنى أنه لا يريد أن يقف بطريقى لأنه يحبنى ويخاف على مستقبلى ، ولا يريد أن يتركنى أركض العمر كله وراء السراب .

وعدت للاتصال بالأخر .. وتمت خطبتى إليه ، ففرح لى وأطمأن على ، وتمنى لى السعادة فى حياتى ، ولكنى لم أفرح ، ولم أطمئن ، لأنى أعرف وأحس أننى بدونه لن أعرف للسعادة طعما ، ولن أحس للفرح وجودا .

ورجعت إليه ، أحاول فيه ، أعالج فيه ، وأقسم له بأن نبدأ معاً حياة جديدة مليئة بالحب والإخلاص .. لكن كم عناده كان أكبر من أقناعى له ، وبركان شكه كان أكبر من ثقته بى .. !  

وقيت فى نقطة الصفر ، لا حول لى ولا قوة ، لا أستطيع ترك حبيبى يتزوج غيرى ، ويتركنى بعد أن كنت أتحكم فى مشاعره ، وأحرك أوتار قلبه .. وأخذت أقنعه أننى سأكون له نعم الزوجة ومستعدة أن أتحمل أى شئ لكى نتزوج ، وينصلح كل شئ .. فليس هناك فى الحب مستحيل ، والموت بالنسبة لى أرحم من بعدى عنه ، وترجيته ، واعترفت له بخطأى فى حقه ، وترحمته ، وتوسلت إليه .. ولكنه قال لى فات الأوان .

وبين دموع عينيه .. رأيت الحسرة تتمزق حزنا على ، وحلف لى أنه يحبنى ، لكنه لا يستطيع أن يعاشرنى كزوجة ، بعد أن أفقدته الثقة بى نهائيا .. فتركنى لوحدتى ، وندمى ، وحزنى .. وحسرتى .


ثم سرت أحلم أحلامها ..

أتيت من قريتى لإتمام تعليمى فى المدينة ، وهنا .. تعرفت عليها وأحببتها ، تبادلنا الرسائل التى تعلمت كتابتها منها ، والتى علمت من خلالها أنها تحبنى حبا لا حدود له ، وكذلك أنا .

تعرفت على أهلها ، وعرفونى وذلك بحكم الجيرة ، وأعجبوا بأخلاقى وتدينى ، وأنا أيضا أعجبت بهم ، وأزداد إعجابى بعد أن أشعرونى أننى فرد من هذه الأسرة الكريمة ، أذهب إليهم متى شئت وأجلس معهم فى حدود الأدب والأخلاق .

ويوم بعد يوم أزداد حبى للفتاة ، وكذلك هى ، فطلبت يدها من والدتها على أن أعلن الخطبة لوالدها وأطلبها منه بعد تخرجى ، لأنه يعرف بالحب الذى بينى وبين أبنته بطريق غير مباشر .

وبعد فترة من الوقت ، وبينما أنا منهمك بكل قواى فى إنهاء تعليمى ، بدأت ألاحظ أشياء غريبة كثيرة تحدث حولى ، فقد تنبهت مؤخرا لتصرفات شقيقة حبيبتى الكبرى نحوى ، وما لبثت أن تأكدت أنها هى الأخرى تحبنى ، خاصة وأن كلماتها أصبحت أكثر حرارة وأكثر غزلا ، وكأنها هى المحبوبة وليست أختها !

وأعلنت رغبتى فى الاقتران بفتاتى ، فأجابتنى الأم بأن هذا النسب يسعدها ، وبدأت تكلمنى بكلام غريب ، وكأنها توحى لى بالاقتران بابنتها الكبرى بدلا من الصغرى ، ثم بدأت تملى شروطها وهو أن تبقى أبنتها عندها فى المدينة ولا تعيش معى فى القرية ، لأنها صغيرة ، أما الكبيرة فهى التى تستطيع الاعتماد على نفسها وتدبير أمر حياتها دون الاحتياج لمساعدتها .

لم أوافق على هذا الشرط ، وتوسلت إليها أن تعيد النظر به ، فأنا أحب أبنتها وهى تحبنى ، ولا يجب أن تضع أى عقبة فى طريق زواجنا ، لكنها أصرت ، وبدأت تتوسل هى إلى وتقول أنها لا تستطيع أن تفارق أبنتها الصغرى مهما كانت الأسباب .

حاولت كثيرا إقناعها ولكن بدون جدوى ، ولم أفكر فى اللجوء إلى والدها ، لأنه لا حول له ولا قوة ، فهو لا يستطيع أن يعارض زوجته فى شئ ، ولم أوافق على هذا الشرط المجحف .. وبصراحة بدأت المخاوف تدهم نفسى وتقلقنى من عواقب هذا الزواج.

وبعد أن يئست تماما من إقناعها صارحتها بأننى سوف أصرف نظر عن هذا الزواج وأتزوج من أخرى ، ولكن الأم لم تهتم وبقيت مصرة على شرطها ، وأزدادات تلميحا برغبتها فى تزويجى من أبنتها الكبرى التى تحبنى هى الأخرى فى حين أننى لا أطيق حتى مجرد النظر إلى رقعة وجهها .

ورجعت إلى قريتى .. وخطبت بعد مدة فتاة من هناك ، وتزوجت والحمد لله وعشت سعيدا جدا مع زوجتى التى أحبها وتحبنى أكثر من أى شئ فى حياتها .. واستمر هذا الحب منذ تزوجت ، حتى الآن ، أى منذ حوالى ست سنوات .

وسبب عذابى ، الذى يدفعنى إلى كتابة هذا الاعتراف ، هو أن محبوبتى القديمة التى مضى على انتهاء علاقتى بها حوالى ست سنوات ، والتى جاءها أكثر من خاطب حسب ما سمعت ، مازالت ترفض فكرة الزواج بكل إصرار ، وتقول أن عندها أمل أن أرجع إليها وأتزوجها !

والآن .. هى تقترب من الثلاثين ، وتعمل مدرسة ، وتشغل نفسها بعملها ، وتملأ قلبها بيائس حبها ، وتصر على العيش فى ماضى زمانها وعذب أحلامها ، فهى ترفض الحاضر بكل تطوراته ، وتبقى تعيش الماضى بكل تصوراته ..

ورغم أنه لم يكن بيننا سوى حب طاهر شريف ، ولم أتسبب لحظة فى خدش حيائها ، أو الإساءة إلى إحساسها ، إلا أن ضميرى يعذبنى بسببها ، فأنا أعتقد أن لى دخلا فى صنع مأساتها ، وفى تدمير حياتها .

لذلك .. أرسلت إليها أعرفها بأننى لا أستطيع أن أتزوجها ، وأخبرتها أننى سعيد فى حياتى ، وأننى أحب زوجتى وهى كذلك تحبنى ، ولكن للأسف كلامى هذا لم يزدها إلا رغبة بى ، وإصرارا على انتظارى !

.. فأرسلت صديقا مخلصا لوالدتها ليقنعها بتزويجها ، ولكن لا جدوى ، علما بأن الكبرى تزوجت وأنجبت منذ أربع سنوات .

والآن .. أنا أعيش محتارا ، وأشعر بعذاب ضمير ليس له قرار ، وإحساسى بالذنب تجاه هذه الفتاة يشقينى ويرهقنى ، وأيضا حبى لزوجتى يرضينى ويقنعنى بأن لا أدمر حياتى ، ولا أعبث بسعادتى ، رغم عدم إنجابها طوال تلك المدة من عمر زواجنا .

ومما زاد الطين بلة أن فتاتى الأولى أرسلت رسالة تخبرنى بأن والدتها قد تنازلت عن شرطها الأول رحمة بها وبحبها الصادق لى .. ولكن .. ترى هل جاءت هذه الموافقة متأخرة .. أم تراها جاءت فى وقتها ؟!

فمنذ وصلتنى هذه الرسالة وأنا فى حالة لا يعلم إلا الله بها ، بالذات بعد أن أكدت لى فحوص الأطباء الأخيرة استحالة الإنجاب من زوجتى بسبب ضمور شديد فى رحمها .. فهل أرحم نفسى وأتزوج من غيرها .. وعسى الله يرزقنى أطفالا يحملون أسمى فى هذه الدنيا ويصلون ذكرى ؟!

وأكثر ما يثير عجبى فى هذه اللحظة .. أننى لم أعد اقوى على شغل نفسى بشئ غير ذكرها ، وصرت أملأ قلبى ، دون إرادة منى – بكل حبها !

ووجدتنى – رغما عنى – أرفض الحاضر بكل تطوراته .. وأعيش الماضى بكل تصوراته وأحلامه وأحيا المستقبل بكل .. مسراته ومبهجاته !


اعترافات .. المرأة الأخرى 

منذ سنوات تعرفت فى مجال عملى بأحد الزملاء ، كنت جديدة فى العمل مازلت ، وبحكم الاحتكاك المستمر ، والحاجة الدائمة الملحة إلى توجيهاته وإرشاداته ، توطدت العلاقة بيننا ، وتطورت لتخرج عن نطاق الزمالة .. لتصبح أقرب ما تكون إلى الصداقة.

.. وفتح لى قلبه ، باح لى بكثير من أسرار حياته الخاصة ، أخذ يحكى لى عن نوعية العلاقة العجيبة التى تجمع بينه وبين زوجته ، وكيف أصبحت الحياة معها أقرب ما تكون إلى الحياة قرب خط النار !!

وحين حاولت أن أعرف ماذا يعنى بتلك العبارة ، قال لى : هذا يعنى أنه يعيش حالة توتر دائم ، وقلق مقيم ، وقرف مستمر ، فهى لا تكف عن حرق دمه ، وتكدير صفائه دون سبب مقنع ، وكأنها تنتقم منه فى اليوم الواحد ألف مرة لأنه تجرأ وتزوجها ، فهو أبن عمها ولأنه كان هو وأهله سببا فى تغيير مجرى حياتها ..

يستطرد حديثة وهو يلوم نفسه على هذا القرار القاتل الذى أتخذه أرضاء لأبيه ، فجر بذلك على نفسه كل هذا الويل .. يقول :

  • أظنها تعقدت منى ، لأن أهلها عاملوها بقسوة وأجبروها أن تتزوجنى ، بعد أن باعدوا بينها وبين من تحب .. هذا للأسف الشئ الذى علمته فيما بعد .. بعد فوات الأوان ، وبعد أن أنجبت منها أبنى الأول .

وبكل المودة والإخلاص حرصت على أن أهدى أعصابه ، وأن أخفف عنه الآمة النفسية التى تسببها له زوجته المتمردة ، التى كرهته فى عيشته ، فكنت أقترح عليه حولا عدة لمشكلته المزمنة معها .. فظل يحاول أرضائها بكل الطرق الممكنة التى ذكرتها له .. ولكن .. لم يتحسن الوضع للأسف !

ودون أن أدرى ، وجدتنى أحزن عليه ، أرثو لحاله ، فهو شاب وسيم ، ذو تعليم عال ، له وظيفة مرموقة ذات مستقبل مشرق ، وفوق هذا كله فهو ذو شخصية قوية براقة مؤثرة ، محبوبة ومرغوبة من قبل الجميع ، إلى جانب أنه مستقر ماديا ، لا يعانى من أى مشاكل مالية على الإطلاق .

ومع الوقت ، لاحظت أنه ممتلئ حزنا ، مشتتا من الداخل ، حقا .. ليس سهلا أن يفقد الرجل راحته فى بيته ، وأن لا يهنا له نوم ، ولا يستقر له مقام فى داره .. فأخذت أتقرب منه ، أحاول التخفيف عنه ، فأعطيته كل شئ حرمته منه زوجته ، وهو سعة الصدر ، حسن الإصغاء ، الحنان التفهم ، التقدير ، تبادل الحوار ، النصيحة وسداد الرأى والاحترام .. وأخيرا .. الحب .

نعم .. أحببته ، بعد أن ظل يحاول مستميتا أن يستولى على قبلى أن يجعلنى أبادله حبا بحب ، كنت أشعر بعينيه تتبعانى حيثما أذهب ، كأنه لا يستطيع أن يعيش بعيدا عنى ، أو يهدأ له حال دون أن يرانى .. لأننى صرت فعلا فتاة أحلامه !!

بعدها .. عشت غارقة فى أحلامى ، بث مسهدة استرجع ذكريات أيامى ، أعيد مستمتعة تلك الألفاظ الرقيقة الطروب التى بقيت تنساب فى مسمعى كجدول حنون رقراق .. كان حبيبى يتغزل فى جمال وجهى وملامحه وملامحى ، وخضرة عيونى وصفرة شعرى ، فكان يشبهنى بحورية مسحورة هاربة من قصور ألف ليلة وليلة .. حتى صار معى نبعا دفاقا من الغزل الرقيق الذى لا ينضب !

ولم أستطع أن أتخيل كيف أثرت فيه هذه العوامل ، بعد أن عاملته الحنان
وجعلته يطمئن إلى وكأنه طفل صغير خائف مذعور يحتاج ويرتاح إلى الحنان بدلا من العناد ، إلى الأمان ، بدلا من الخوف ، إلى السكينة بدلا من الثورة ، إلى النوم بدلا من السهاد ، إلى الكلام بدلا من الصمت ، إلى التفاهم بدلا من الشقاق .. إلى الحب .. بدلا من الكره !!!

حمدا لله ، ارتقى فى السلم الوظيفى وانتقل من نجاح إلى آخر ، وضحكته لا تفارق شفتيه ، وفرحته لا تبارح قلبه ، تضئ فى عينيه ، فانعكس نجاحه وراحة باله على تصرفاته فى بيته ، وأصبح أكثر هدوء وتحملا وتقبلا لعصبية زوجته .. كما أزداد حنانا وعطفا وحنوا على أولاده .

وفى الحقيقة ، جعلته يحاول أن يقترب من زوجته ، أن يقضى على جذور الخلاقات فيما بينهما ، لكنها زوجته تظل سابحة فى أحلامها الخاصة ، تبقى نعامله دوما بنفور وضيق وملل .. ولا تفلح محاولاته اليائسة فى أن يجتذبها نحوه ، فهى لم تعر مشاعره أى اهتمام ، ولم تخشى لحظة ، أو تفكر وهلة فى أنه قد يطلقها ، لأنها واثقة أن ذلك لن يحدث أبدا ، لكونها ابنة عمه كبير العائلة .. ولأنها أم أولاده ، هؤلاء الصغار الأبرياء الذين يحبهم ويعشقهم أكثر من نفسه .

وشعرت بكم من الأسى يتراكم داخله ، فهى فى واد وهو فى آخر ، كلاهما منفصل تماما عن الآخر بعقله ، بقلبه ، بأفكاره ، بمشاعره .. بأحلامه بخياله .. بأمنياته . كانا يعيشان منفصلين .. وأن كانا يرقدان تحت سقف واحد !!

ورغم ذلك الاحتياج الواضح إلى ، لم أحس يوما واحدا أنه يستغلنى فهو لم يحاول ولو مرة أن يكمل بى ما ينقصه فى زوجته ، بل أراد أن يشكرنى ( عمليا ) بأن عرض على الزواج .. ورغم الحب الحارق الساكن فى قلبى إلا أن الحياء والخجل منعانى عن إجابة هذا الطلب ، أو تلبية ذاك الرجاء .. وأرجأت الرد إلى وقت آخر .

كنت أريد أن أعرفه أكثر . أن أفهمه أكثر وأكثر ، فمشاكل الزواج الثانى لا تعد ولا تحصى ، والفتاة إن لم تكن واثقة أن فتى أحلامها المتزوج يحبها أكثر، من روحه ، فذلك يعنى أنها تلقى بنفسها فى أتون معركة حاسمة .. خاسرة !

وكى أقترب منه أكثر وأكثر كما كان دوما يطلب منى ، لنتعرف على بعض ولنزيل ذاك الإحساس السخيف بالغربة بيننا ، وجدتنى أكثر من خروجى معه حتى صرنا نلتقى حوالى 5 أيام فى الأسبوع هذا غير رؤيتى له أثناء العمل كل يوم .

وفى الواقع لم أسعر أننى أخذته من أسرته ، لأنه حتى لو لم أخرج معه يظل يقود سيارته على غير هدى فى الشوارع إلى أن يستجمع نفسه ليقدر لقضاء حاجياتها .. ويالكثرة خروجها !

ومع كل هذا ، فهو غير مقصر مع أولاده بأى شئ ، وهو مستعد أن يضحى بكل شئ فى الدنيا لأجلهم ، لأنه يحمد الله كثيرا أن رزقه بهم .

ولم يستمر هذا الحال طويلا بيننا ، فأنا لم أكن مقتنعة تماما لفكرة الزواج منه ، كما كنت مصممة على معرفة نفسيه وسبر أغوار شخصيته، تلك الشخصية الغامضة الغريبة التى كانت أحيانا تحيرنى .. وتبهرنى .. وتشغلنى .

وبدأت ألاحظ أنه يتخبط فى كلامه معى ، فتارة يروى لى موقفا أو موضوعا ، ثم بعد فترة من الوقت ، يلغى كل ما قاله لى ، ويعيد روايته بطريقة مضادة مختلفة ، فكنت أستوقفه عند بعض النقاط أستوضحه إياها .. فكان يتعلل بعذر واحد لا يتبدل .. هو .. كلمة نسيت !

وحدث بعد ذلك موقفا رهيبا ، عندما وقعت فى يد زوجته صورا بريئة تجمعنا أنا وهو ، ورسائل حب نقية طاهرة تبادلناها .. لماذا فعلت ؟! زعلت .. صرخت لكنها لم تبك ولم تثور .. بل .. ولم تهتم ، وعادت بعدها لتمارس حياتها الاجتماعية المخملية بطريقة جدا عادية ، دون أن تبذل جهدا ، أو تفعل شيئا لتحسين نفسها أو بيتها !!

وفى نفس الوقت ، أدهشنى موقف حبيبى جدا ، فلقد كان يبدو منزعجا ، مهزوزا ، قلقا وكأنه يتوقع أن تنقلب الدنيا فوق رأسه بين دقيقة وأخرى ..!!

كنت أسمعه يلوم نفسه على إهماله وحمق تصرفه الذى أوقع الصور والخطابات فى يد زوجته ، وكأنه يندب سوء حظه ، أو كأنما ينتظر الويل والثبور وعظائم الأمور !

.. وزاد هذا الموقف المؤسف المخجل من حزنى على حبيبى ، فقررت أن أتركه ، ليس إكراماً لعيون زوجته ، لا . فهى عابثة لاهية تتمادى فى غيها ولهوها ، وإنما لأجله هو ، فقد لمست مدى صعفه وخوائه .. وهزاله النفسى .. والعاطفى !!

فى سويعات معدودات ، تحطم الحب تحت سمعى وبصرى حطاما ، أنهار الجبل الشامخ أمامى ترابا ، فى لحظات خاطفات ، استحالت الذكريات عهنا .. تناثرت المشاعر فى حنايا روحى .. رمادا رمادا !

ودون تردد ، أعلنته بالرفض ، فارتبك وأضطرب ، ظل ينظر نحوى نظرة عميقة فاحصة ، كأنه يريد أن يقرأ ما فى قلبى تجاهه ، أن يفهم ما فى عقلى نحوه .. فكان قرارى القاطع ( أنا لا أستطيع الارتباط بك لأنك لا يقدر أن تمنحنى الإحساس الحيوى الهام .. بالأمان ) .

وجاءت النهاية .. دامعة حنونة .. دامية .. فقد بدت لى وكأنها مشهد تمثيلى خيالى مأساوى .. لحب كان .. عظيما عنيفا .. بديعاً .. عتيا ..!!


كان كسراب .. مستحيل لقياه

تحت سماء ملبدة بالغيوم ، وبين تيارات هواء بارد يثلج القلب ويحمد الأطراف ، عشت عاما دراسيا كاملا فى الخارج .. وكانت هذه هى المرة الأولى التى أبتعد فيها عن دفء أسرتى ، وحنان أهلى ، وجو وطنى .

نشأت فى بيئة متدينة ، تعلمت على يد أمى أصول الدين وأخذت عنها الطاعة والإيمان وجميع المبادئ والأخلاق الحميدة ، ولم أتعرف على أى شاب ، ولم تكن لى علاقات مع الجنس الأخر حتى هذه السنة .. وإلى أن سافرت ، وكانت تصحبنى صديقة عزيزة ، تصادف أن تخصصت فى نفس الفرع الذى اخترته ، فزاد هذا من عمق الصلات بيننا ، وجعلها قريبة إلى قلبى ، أكثر من بقية الزميلات ، وكان لهذه الصديقة أخ يكبرها بثلاث سنوات ، مقيم فى الخارج ، يتلقى تعليمه هناك ، وأن أختلف تخصصه عنا.

 وقاربت الغربة بيننا جميعنا ، أصبح يدعو أخته لتناول الطعام ، أو ليطوف بها يعرفها معالم المدينة الجميلة التى نعيش بها ، وكان من الطبيعى أن أكون أنا رقم ثلاثة ، وإذ كان لا يخرجان بدونى ، ولا يعجبهما أى شئ من غيرى .

واستمرت الصلة عادية فى بدايتها ، إلى أن بدأت ألاحظ منه اهتماما خاصة منصبا على فى أغلب الأحيان ، ولم يخف إعجابه الزائد بى ، فتأثرت به ، وبعد أن فكرت بعقلى فى كلامه ، وبعد أن وجدته إنسانا محترما متدينا إلى أبعد الحدود .. أطلقت لنفسى فى حبه العنان .

وعرفت معانى الحب لأول مرة فى حياتى ، جربت عذابه ، وذقت لوعته ، وفهمت ماذا يعنى السهد ، ألأرق ، القلق ، كما فهمت أشياء لم أكن أعرفها عن النفس الإنسانية فالحب يبقى فى حياة الرجل جزءا فى حين يتعملق فى حياة المرأة ليصبح الكل !

ونمت علاقتنا ، وأحببته حبا صادقا يفوق الوصف ، وعرف أغلب الزملاء بقصتنا ، وبدأوا يتعاملون معنا كما لو كنا خطيبين على وشك الزواج ، إلا صديقتى ، أخته ، التى أحسست منها تغيرا كبيراً ما كانت تتعمد إحراجى أمام أخيها ، وفى بعض الأوقات شعرت كما لو أنها تتمنى انتهاء صلتى به !

وحرت فى أمرى ، وسألت نفسى .. ماذا جد عليها ؟! هل ترانى أخطأت فى حقها ؟! ولماذا أصبحت تكرهنى بعد أن كانت تحبنى ؟!

هل أوقع أحد بينى وبينها ؟! أم تراها تغار منى لأننى ( سأنخطب ) قبلها ؟!

ولم أصل إلى حل ، ولم أهتد إلى نتيجة ، فتجاهلت الموقف ، وأهملت الموضوع ، وانصرفت لمتابعة دراستى ، وانشغلت بالعناية بحبى دون أن أفكر فى مناقشة شيقة حبيبى ، لمعرفة الأسباب التى أدت إلى تغير مشاعرها ناحيتى .

وكانت هذه هى الغلطة الأكبر التى ارتكبت فى حياتى ، فكما يقولون معظم النار من مستصغر الشرر ، تمددت النيران غيرتها تجاهى وصارت لهبا عاتيا يعصف بالحب فى قلب شقيقها .. إذ بدأت تنفث فى أذنيه كلاما مسموما باطلا .

وأيضا لم أهتم ، اعتمدت على حبه الكبير لى ، واستندت إلى إحساسه الصادق بى ، ولم ألق اعتبارا لأى شئ آخر سوى أن يتوج هذا الحب بالزواج ، خاصة بعد أن عرف الجميع حكايتنا ، وأصبح الكل يتوقع النهاية السعيدة لقصتنا .

ولكن .. جاءت القشة التى قصمت ظهر البعير ، حين ظهرت نتائج امتحانات الدور النهائى ، وكنت أنا ضمن الناجحات .. وهى من بين الراسبات ، وعندنا كلنا إلى الوطن ، فلم تتصل بى ، لأهن ولا أخوها !

وجاء وقع المفاجأة على قلبى صاعقا ، قاتلا ، فحاولت مرات كثيرة أن أتصل به أنا ، أن أعثر عليه أنا ، لكنه ، كان السراب .. مستحيل لقياه ، وسقطت سريعة الحزن والحيرة والأسى ، ولم أيأس ، فتشت عن كل الطرق والسبل لأعرف سر تغيره من ناحيتى ، ولأفهم سبب ابتعاده عنى ، وصلتنى الأخبار من بعض الصديقات ، وتأكدت أن صديقتى أخته ، هى التى فعلت بى كل ذلك ، إذ تكلمت فى حقى كلاما كاذبا ، وقذفتنى بتهمة الخيانة ، وقدمتنى إلى أخيها فى ثوب مكلل بالخطايا ، مطرز بالذنوب .

وجن جنونى .. مستحيل أن يذبح الحب بهذه البساطة ، مستحيل أن يقتل العهد بهذه السهولة ، ولا .. لن أستسلم ، وسأستعيده مهما كان ، وسأمحى هذا الاعتقاد الخاطئ من ذهنه وسأبدده من عقله .

وعلمت كل ما بوسعى لمقابلته ، وقابلته ، وجلسنا وكأننا غرباء ، أنا وحدى أتكلم ، أبكى ، وهو يسمع ولا ينطق ، وخرجت من عنده منهارة الأعصاب ، لا أطبق أن أكلم أحدا ، أو أرى أحدا ، أو أسمع أحدا .

والحين .. أحس بالخجل من نفسى ، ولا أظننى سأقوى على النظر فى عيون زملاء الدراسة ، لذلك عزمت أمرى على متابعة دراستى هنا فى جامعة وطنى ، وقررت أن لا أمر بتجربة مريرة مثل هذه ، كما قررت أن لا أزوق مرارة الغربة وبرودة البعاد بعد ذلك .


ولم أدعها تجنى ثمار خبثها !

بين كومة من الصور الممزقة والأفلام التى تحولت إلى شرائح رفيعة مقصوصة ، جلست أتنفس الصعداء بعد أن حطمت تلك الكاميرا اللعينة التى كادت تحيل حياتى عذابا متصلا ، وجحيما مقيما !

وهذه هى حكايتى من البداية . عانيت كثيرا وأنا فى مقتبل حياتى ، شعرت أن الدنيا قد ضاقت بى ، وأنها لن تقبلنى بعد ذلك كإنسان نقى شريف ، بعد أن صرت أسيراً لفترة طويلة لأهواء خادمة ماهرة مدربة ، مدربة على كل شئ ، على إجادة أعمال المنزل .. وإجادة أ‘مال الابتزاز !

بدأت مشكلتى عندما أحضر أهلى خادمة تلقت قدرا عاليا من التعليم ، والخبرة الفنية السابقة فى عالم التصوير ، عندما كانت تعمل فى هذا المجال فى بلدها البعيد الواقع فى جنوب شرق آسيا .

ولأنى كنت شابا تحت العشرين ، وعلى قدر واضح من الوسامة ، بدأت هذه الخادمة اللعوب تغرينى بشتى الطرق ، ولكنى حرصت على أن أتحاشاها وأتجنبها ، وأبتعد دوما عن طريقها ومجلسها . وغرفتها .

ويبدو أن هذا التصرف من جانبى قد أثار حفيظتها ونقمتها ، لذلك خططت للإيقاع بى ، وقد أفلحت للأسف الشديد فى ذلك ، وسنحت لها الفرصة عندما خرج أهلى لزيارة أقاربى ، تلبية لدعوة على الغداء ، وتصادف أننى ساعتها كنت موجودا فى البيت ، وكانت الخادمة موجودة أيضاً ، فقد رفضت الخروج مع الأهل .

وفى اليوم التالى .. كانت تقدم لى مفاجأة مذهلة أطاشت عتلى ، وأوجعت قلبى ، وأحزنت نفسى .. كانت ترينى مجموعة من الصور الفاضحة التى تجمع بينى وبينها بطريقة توحى لمن يراها أن هناك علاقة قذرة لا أخلاقية بيننا !

اسقط فى يدى ، وأنا أنظر إليها مذعورا مذهولا متسائلا عما يمكن أن تفعل بى وهى تمتلك هذا الكم من الصور ؟! وفكرت .. هل أستطيع أن أحصل على هذه الصور القذرة الفاضحة .. وكيف يمكننى ذلك ؟

لكننى اكتشفت كم كنت وأهما ، عندما أرتنى عددا آخر هائلا منها .. أخذت تهددنى به بين وقت وآخر لترغمنى على تلبية رغبتها فى الحرام ، ولكنى كنت آتى لها بشتى الأعذار ، وأقول لها أنى مشغول ، وأقنعها أن تؤجل هذا إلى وقت آخر .

لذلك فكرت فى طريقة تريحنى منها ، خاصة وأن أقامتها طويلة ، وأهلى عقولهم متحجرة وتفكيرها محدود ، فهم من الناس البسطاء غير المتعلمين .

نعم .. لذلك فكرت فى خطة للإيقاع بها ، نفذتها بحنكة ومهارة بمساعدة أحد الأصدقاء المخلصين لى ، الذين تربط أسرتهم وأعلى صلات قديمة من الصداقة والمودة .

ففى اليوم المتفق عليه ، شقلب صديقى نظام غرفته رأساً على عقب ، وأفتعل مشكلة فى بيته مع خادمتهم ، ثم أوحى لوالدته أن خادمتنا فاهمة وشاطرة ، وقادرة على إعادة تنظيم الغرفة هذه فى لحظات ، وجعلها تتصل تطلب من أمى إرسالها لهم ليخلصوا بمساعدتها من هذه المشكلة الطارئة التى أوقعهم صديقى بها .

راحت لهم الخادمة ، واتفقت مع صديقى أن لا يسمح لأهله بإعادتها إلا بعد أن أنتهى من مهمتى ، وأن أتصل به أخبره بذلك .. وتسللت إلى غرفتها ، وأغلقت الباب خلفى ، وبدأت عملية تفتيش وتنقيب حتى الأعماق ، ولم يقف الدولاب المغلق بالمفتاح عقبة فى طريقى ، فقد كنت أتوقع ذلك ، ولهذا أحضرت معى ( طفاشة ) من الصلب القوى التى تفتح اعتى الأبواب المغلقة .

وهنا .. فى هذه اللحظة الحارقة للأعصاب ، كدت أقع من طولى ، وأنا أقف أطالع بعيون جاحظة هذا المخزون الملعون من الابتزاز !! ولكنى بعون الله تمالكت أعصابى ، وسيطرت على نفسى وأفرغت محتويات هذا الدولاب الردئ بكل ما فيه من انحطاط وقذارة فى كيس زبالة ، حملته بحرص وخفة إلى غرفتى .. ولم أنس بالطبع أن آخذ الكاميرا أيضا ، أداة الجريمة المهينة اللعينة .

وفى خلال دقائق معدودة ، كنت ارتجف فيها من شدة القهر والغيظ والانفعال ، حطمت الكاميرا ، ومزقت الصور ، وأجهزت على الأفلام ، واتصلت بصديقى ليسمح بإعادتها إلى البيت ..

وبقيت أنتظرها وفى حوزتى الكثير من الصور الفاضحة التى التقطتها لى ، ولأناس آخرين كان من بينهم المصور الذى يحمض ويطبع لها أقلامها ، وكدت افقد عقلى وأنا أدقق فى صورهم ، إذ كنت أفضل أن أموت ، فقط لأعرف ما إذا كانوا سقطوا طويلا ضحايا لابتزازها ، ولأعرف أيضا ، كيف أوقعتهم تلك الشيطانه تحت سيطرتها !

ولم أدعها تهنأ طويلا بثمار خبثها ، وإنما هددتها بتقديمها إلى الشرطة لو لم تسارع فى الحال بطلب السماح لأهلى بتسفيرها ، وإلغاء أقامتها ، ولم أغفل ختم جواز سفرها بالختم الأحمر ضمانا لعدم رجوعها إلى الديرة مرة ثانية .

.. وجاء الانتصار على الشر كبيراً ، ولم أنس حتى الآن ، كيف رأيت نظرات الذل والخوف تتفشى فيها ، وتكاد مع الرعب أن تعمى عينيها ، هاتين الضيقتين النحيستين.

وأكثر ما يعدنى الآن ، ويملأ بالسعادة قلبى ، هو دعاء أمى لى ، إذ أن فرحتها بى لا تسعها الدنيا ، لأنها تظن أن الله قد هدانى ، ورد لى عقلى ، لأنى وافقت على البقاء إلى جوارها ، بعد أن رفضت فكرة السفر ثانية بعيداً عن .. عيونها وأحضانها .

 


وحدى .. دونا عن جميع النساء !

فى كل صيف .. منذ سنوات أربع ، أعتدت أن أرى شابا وسيما يحاول التقرب منى ليتكلم معى أو ليتعرف على ، لكنى لم أكن أعطية أية أهمية .

منذ عدة أسابيع رأيته كالعادة صدفة فى أحد الفنادق ، عندما كنت أجلس مع بنات قريباتى وتظاهر بأنه يعطى رقم غرفته لأحد أصدقائه وقالها بصوت مسموع .. ولا أدرى لماذا اتصلت به بعد بعدها ، ربما كنت أريد أن أعرف منه لماذا هو مصر على مطاردتى!

المهم .. اتصلت به ، فكلمنى بلهجة عتاب ، مالبثت أن تحولت إلى طريقة استفزازية ، وصار يتهمنى بالغرور والترفع وبأننى سلبية وزئبقية ، وأننى باردة جدا فى أسلوب الحديث ، وأننى أقرب ما أكون إلى التمثال منى إلى الإنسان !

صبرت عليه ، خاصة وأن كلامه معى كان بطريقة لم أكن أتوقعها ، لكنى فى النهاية فهمت أنه يريد أن يطيح من ثقتى فى نفسى ، وليس من غرورى كما قال لى .

وبدأت أهتم به ، فهو من بنى وطنى ، وإن كنا نقضى الصيف جميعنا كل سنة فى هذا البلد ، ولاحظت أن له صديقة تسكن فى نفس الفندق على حسابه ، وعندما سألته عن مدى علاقته بها ، قال هى فقط للديسكو وللجلوس فى الكافتيريا أما غير ذلك فلا شئ بينهم ، وليست زوجته فى السر كما قالت لى بعض صديقاتى .

وفكرت أنه ربما يكون صادقا فى كلامه ، لأنه يوميا يحادثنى بعد السهرة حتى الصباح ، فلا أطن أن هناك وقتا لديه لأن تأتى إليه أو يذهب إليها ، ولكننى عندما أرها معه ، وما أكثر ما أرهما معاً ، أحسها تغار منى ، وتصدر حركات متعمدة غير لائقة ، وكأنها تحاول أن تشعرنى أنه صديقها ، بل حبيبها وحدها ، وليس هناك على الأرض إناث أخرى غيرها .

وبدأت أتضايق ، رغم عدم وجود أى صلة بينى وبينه ، ولكنى لم أستطع الاستمرار فى التغاضى عنه ، وتجرأت وكلمته ، لأنه عندما يرانى فى أى مكان يأتى ويجلس بالقرب منى ، بحيث يصبح وجهه لوجهى ، كأنه لا يرى غيرى فى المكان ، حتى وإن كانت هى بجانبه .

 ولفتت تصرفاته هذه نظرى ، ونظر جميع من معى ، صديقاتى ، قريباتى ، كلهن لاحظن عليه هذه التصرفات التى توحى باهتمامه بى .. واخترت ، فكلامه معى يختلف تماما عن تصرفاته أمامى ، وتعجبت عندما شعرت أنه صار يعاند ، فأنى لا أبالغ إذا قلت أنه خلال الساعتين لا يتكلم سوى كلمة أو كلمتين ، وإذا طلت منه أن يتكلم يتعلل بأن كلامه لا يعجبنى .

وتمضى الأيام بنا محملة بالاهتمام من ناحيتى ، وببعض التجاهل من ناحيته ، فى أحاديثنا فقط ، لكن بقى تصرفه كما هو ، وحرصه على إبداء تعلقه برؤيتى كما هو ، إلى أن جاءت ليلة اتهمنى فيها بالبرود ، وبأن كلامى أنا لم يعد يعجبه .. وسألنى ليلتها بعصبية واضحة أنت تريدين الوصول إلى ماذا ؟!

بعد هذه الليلة غادر الفندق ، وأقفل عائدا إلى البلاد ، فأحسست بالندم على موقفى السخيف منه ، واتصلت به أعاتبه لأنه لم يتصل بى ، فقال أنه مريض ببرد حاد ، وفعلا صوته كان متغيرا وتعبان ، وأصحابه كانوا متجمعين عنده ، فلم أطل بالحديث معه ، وقال لى بعدها أنه سيتصل بى .. لكنه يفعل .

وبدأت استرجع جميع أحاديثنا ، وشعرت أننى فعلا كنت جافة أكثر من اللازم معه ، كما شعرت أنه كان حنونا زيادة عن اللازم معى ، رغم غموضه أغلب الأحيان .. وغلبتنى مشاعرى ، جعلتنى أضع صورته دوما فى ذاكرتى ، ولا أكف عن التفكير به فى كل اللحظات .

وأخذت أعاتب نفسى .. أسائلها .. كيف أنساق خلف هذا الشعور وذاك التفكير ، وأنا أعرف عنه ما أعرف ، وفى نفس الوقت ، وأنا أعرف نفسى حق المعرفة ، ولا أبخسها قدرها ، فأنا حريصة كل الحرص على سمعتى ، وأعبر أسم عائلتى أمانة فى رقبتى يجب أن أصونها وأحافظ عليها..

وهكذا .. لم تكن لى تجارب غرامية سابقة ، كنت أخشى أن تشوب أسمى شائبة ، ولا أدرى كيف أعطيته أسمى بالكامل دون تردد ، عندما طلبه منى قبل سفره ، مع أنى لا أعترف بشئ اسمه الحب ، ولا أقتنع بكلام الحب ، حتى وإن كنت بدأت أحس فى نفسى وصممت أن أصون قلبى وأحفظ كرامتى وأن لا أتصل به مهما كان مدى شوقى إليه ، ومهما كان حنينى إليه.

وعبر الوقت ثقيلا رنيبا ، وأنا أنتظر أن يتصل بى ، وعندما لم يفعل كنت أعيش مع الندم ساعات طوال ، لأنى حسبت أن ما فعلته خطأ ، وما كان على أن أتصل به ، أو أعطيه أسمى ورقمى ، أو حتى أهتم به منذ البداية ..

لكن .. جاءت المفاجأة الحلوة التى لم أكن أبدا أتوقعها ، عندما أتصل بى بعد الغياب ، يستأذننى فى تحديد موعد للحضور مع أهله كى يطلب يدى !! كانت المفاجأة مفرحة مبهجة مباغتة ، فلم تسعفنى الكلمات بالرد الملائم فى الحال ، لكنه عرف بصعوبة منى أنه يستطيع الحضور إلينا فى أى وقت يشاء ..

وتم ترتيب كل شئ بسرعة كبيرة ، فالعائلات متقاربة المستوى والاتفاق كان سائدا والحمد لله ، والرغبة فى تذليل أى عقاب كانت سمة واضحة فى تصرفات الجميع .

وطرنا لقضاء شهر العسل ، ليس فى تلك العاصمة التى جمعتنا أول مرة ، وإنما حرصت أن اختار بلدا جديدا نراه معاً لأول مرة ، كى أضمن أن لا علاقات عاطفية سابقة كانت له .. هناك .

وعلمت نفسى أن لا أسأله عن ماضية ، دربت روحى أن تنسى اسم وشكل تلك الصديقة التى كانت تصحبه ، كى لا أنغص روعة حياتى  بما لا يستحق أن يذكر .

وبالعشرة والمعاملة عرف حبيبى أنه كان يظلمنى الظلم كله ، عندما كان يتهمنى بالبرود ، وفهم بنفسه أننى إنسانة عاطفية ، عميقة الفكر ، طيبة القلب ، متينة الأخلاق ، نقية السمعة ، ليست لى مغامرات أو اندفاعات طائشة سابقة ..

وكان أجمل شئ ، أأنى عرفت من زوجى حبيبى ، أن كلمة برود هذه كانت أشبه بالبارود ، الذى أراد أن يشغله فى نفسى ، كى يضعنى فى مرحلة اختيار أخيرة ، إذا سقطت فيها ، كان سيختفى إلى الأبد من حياتى .. كزوج ، يبحث عن فتاة فاضلة تصون نفسها ، وتحفظ عهدها ، وترعى الله فى كل أفعالها .

والأجمل فى اعترافات زوجى ، أقصد فى اختبارات زوجى ، أن تلك الكلمة كانت هى المفتاح السحرى الذى فشل معى ، ولم يتح له تكوين علاقة عابرى ككل مرة .. وإنما فتح باب سحريا نورانيا أدخلنا منه إلى عالم الأسرة الرائع الملئ بالحب والعطاء والحافل بالتقدير والمسؤولية .

وكانت فرحة بى لا تقدم عندما تظهر بشائر الأمومة على جسدى .. ورزقنا الله طفلا جميلاً ، أسبغ على حياتنا الكثير من الفرح السعادة ، التى تجلت فى أحلى صورها على سلوك زوجى ، الذى يؤكد باستمرار أنه عاقل ، ناضج ، يقدر معنى الأبوة ، ويفهم احتياجاتى كزوجة عاشقة ، وأم حنون .. وصديقة مخلصة .

وكانت أولى احتياجاتى النفسية التى وفرها لى زوجى دون أن أسأله ، هى عدم تعريضى للشعور بالغيرة أو القلق من الرجوع إلى علاقته السابقة ، بل كان يثبت لى باستمرار أنه يحبنى أنا .. وحدى أنا .. دونا عن جميع النساء .


رحيـل ..

حكايتى ليست حكاية حب وعشق أو رواية غرام يمكن أن تتكرر من آن لآخر .. لكنها حكاية امرأة أحبت رجلا أكثر من روحها ، إلى درجة أنها قد اقتنعت أن تتركه من فرط حبها له .. وأن ترحل بعيدا عنه ، رغم تعلقها الكبير به .. أليس هناك قولا يعنى .. أن من الحب ما قتل ؟

أنا واحدة من هؤلاء العاشقات ، اللاتى شعرن أن الحب قد يقتل .. لذلك ، فضلت أن أحيا وحبى فى قلبى يعذبنى ويشقينى .. بدلا من أن أموت هما وحسرة .. وأنا أعيش معذبة ، مع حبيبى الذى صرت أنظر إليه ، كأنه إنسان لا مثيل له على وجه هذه الأرض .. لدرجة أننى فضلت سعادته على راحتى ، وقبلت أن أشقى فى بعاده ، لمصحلته ، على أن أهنأ بقر به .. لأنعم بحبه .

وإليك حكايتى .. منذ ولدت ، وأنا أنعم والحمد لله بثراء العاطفة ، وغنى النفس ، ورقة القلب ، فقد تربيت على الحب وسط أسرة لا تعرف شيئا غيره ، فوالدى رحمة الله ، أسبغ علينا كنوز العاطفة منذ كنا صغارا ، بعد أن تزوج أمى التى عاش يحبها ويحترمها طوال حياته .

ورغم وفرة المال الذى توفره تجارة والدى الرابحة ، إلا أن المال لم يكن سلاحا ضدنا ، وإنما كان وسيلة للتمتع بكل ما فى الحياة من وسائل الراحة والرفاهية والسعادة والهناء .

عشت بين أحضان أسرتى ، كفتاة مدللة ، تطلب فتنول كل ما تتمنى دون عناء فعلمنى ذلك العطاء دون حساب .. عطاء العاطفة .. والمال .. والاهتمام .

والتقيت به ، وأنا فتاة مراهقة ، فأحببته ، منحته الإحساس بأنه الرجل الوحيد فى هذه الدنيا ، إذ مع الحب ، لم أعد أشعر بأى رجل آخر فى الدنيا غيره .

وتنوعت ألوان الحب بيننا ، لم يكن ذلك الحب النمطى التقليدى المعروف ، وإنما كان حبا فريدا مميزا ، كان حبا حاداً ، حارقا ، ولكن .. عاقلا ، فقد بقى محددا بإطار ثابت النظرة ، ثابت الاتجاه ، لا يحيد عن واقع المجتمع الذى نعيشه ، بالإضافة إلى واقعنا النفسى المبنى على التقدير والاحترام .. فخلت علاقتنا من التقلبات العاطفية المعروفة ، وعشنا وفى أعماقنا يتعمق الحب ، ويتأصل ، بعيدا عن التأثر بأى مشاكل خارجية قد تحيط بنا .. أو تؤثر فينا .

وأكد لنا ، كلانا ، ذاك العطاء العاطفى المتبادل ، أن العلاقة التى تربط بيننا ، هى علاقة سامية لابد وأن تربط بيننا بالزواج ، مهما كانت تتحكم بنا ، مواقف وأحداث خارجية قد تفرق بيننا ، أو قد تغير أو تعدل من صمود هذا الحب .

وتزوجنا .. بعد مقاومة عنيفة ضارية قوبلنا بها من أسرة حبيبى ، تلك التى ترفض أن تعترف بواقعية هذا الحب ، وتريده أن يبقى ضمن إطار اللهو والعبث ، دون أن يرتفع إلى مستوى الزواج وتكوين الأسرة .

قامت قيامة عائلته ن فنحن فى نظرهم ن دونهم من الناحية الاجتماعية ، وأن كنا لا نقل عنهم ثراء وغنى ، ولم يخضع حبيبى لتهديداتهم ، رفض كل وسائل الوعيد والأعزاء ، وقاوم رفضهم بكل ضراوة .. وأخيرا تزوجنا ..

وكانت الأزمة النفسية والمالية التى تعرض لها حبيبى فوق طاقته ، بعد أن حرمته الأسرة من عطفها ، وبعد أن جرده والده من جميع حقوقه المالية ، وتجاهله ، كأنه لم يعد ابنا له .

وبالحب الصافى الخالص ، تجاوزنا المحنة ، فقد منحنى أهلى الوفير من المال ، الذى قدمته لزوجى ممزوجا بالعاطفة الجياشة التى وصلت حد العشق والوله ، وبذلك نجونا من الخوض فى بحار الندم ، والعناد ، والكراهية .. ونعمنا بالحب الممزوج بالمشاركة اليومية فى الآمال والآلام والأحلام .. والإحباط …

عشنا سنوات معدودة ، دون أن ينعم الله علينا بطفل صغير ينمى تيار العلاقة الوجدانية المتصل بيننا .. وبدأنا معا ، مرحلة طويلة من الصبر والآمل والانتظار .

لكن ..فجأة ، حدثت متغيرات ، فقد توفى والد زوجى ، وهنا ، بدأت مواقف أسرته فى التبدل ، فبدأوا اتصالاتهم به ، ليشرف بنفسه على إدارة أعمال والده ، وعلى الاهتمام بأخوته الصغار ، بصفته الابن الأكبر لهم ، والابن المفضل لوالدته ، التى لم تقطع اتصالها السرى به ، طوال وجود والده على قيد الحياة ..

وبدأت أحس التغيير نحو الأسوأ يدب فى علاقتنا ، بعد أن صارت أسرته تعتمد عليه فى أعمال كثيرة لا يستطيع غيره القيام بها ..

وهنا .. صرت أحس بالصراع الكامن فى قلب زوجى حبيبى ، صراعه من أجل تحقيق ذاته كابن بار بأمه وبأخوته ، وصراعه من أجل أثبات نفسه كزوج عاشق مخلص محب ..

وفى هذه المرحلة .. أصبح الحب هو الملاذ الوحيد ، والأمل الأكيد للخلاص من تلك المحنة .. فأسبغت عليه الكثير ، ومنحنى هو الكثير لكن .. لا .. لقد بقى هناك شئ كامن ، ينبض كالألم فى عمق الجرح .. بقى هناك شئ ساكن ، ما لبث أن بدأ يتحرك ، لينشئ سدا عاليا عازلا .. بيننا !

لقد تغيرت شخصية حبيبى ، أصبح المال الوافر فى يده يمنحه الكثير من السلطة ، والجاذبية ، والقوة ، والإحساس الكبير بالنفس .. وعلى العكس من ناحيتى ، أصبح عدم اعتماد حبيبى المادى على يخلق فى نفسى شعورا بالنقص ، وانعداما فى الإحساس  بقيمة الذات ..

دون أن ادرى .. بدأت اشك فى عمق حبه لى ، وفى مدى تقديره لوفائى وإخلاصى .. وعلى مدى الزمن ، تيقنت أنه أفضل منى بكثير ، فهو بكل ما يتمتع من وسامة ، وشباب ، ومال واسم عائلة براق ، جدير بأن يحظى بزوجة تماثله .. وتناسبه فى كل هذه الصفات ..

أما أنا .. فقد كان لى دور ما فى حياته .. ما لبث أن أنتهى .. وأنتهى .. وصارحته بمخاوفى ، فصرخ فى وجهى معاتباً ، وأكد لى أن أن حبه باق كبير كما هو ، وأنه لن ينسى الجميل الذى قدمته له ، عندما وقفت إلى جانبه خلال أزمته المعنوية والمادية التى تعرض لها ، وأقسم لى أنه يحبنى مازال ، وأن حبه لى لم ينقص درجة واحدة .. ولا حتى نصف درجة .

وعلى الرغم من موقفة الكبير هذا إلا أن كلمة ( الجميل ) هذه قد حزت فى نفسى ، ألمتنى ، جعلتنى أؤمن أنه لا يعيش معى الآن إلا كنوع من رد الجميل .. ليس إلا !

وسرعان ما ضاعت السعادة من حياتى ، وأنا أقتنع بهذه أفكرة يوماً بعد يوم ، خاصة وأنا أراه منهمكا فى تحقيق اسم ومكانة لنفسه ، بصفته الابن الأكبر لرجل من رجالات المجتمع اللامعين .

وبدأت تزحف الأفكار المحبطة السوداء إلى عمق قلبى ، لتبقى ترتع فيه تسلبنى الراحة والهناء .. والاستقراء ، وصرت مع الوقت أخضع واستسلم لها .. حتى انهزمت .. وحتى صارحته برغبتى فى الانفصال عنه ..!!

وصعق .. كاد أن يجن وهو يسمع كلامى هذا .. وكان لا يكف عن السؤال ونظرات تشى باتهامى بالخيانة تطل من عينيه العاشقين .. وسؤالات حزينة حائرة .. تحاول تستفسر عن السبب فى هذه الرغبة القاتلة ؟!

ولم أحر جوابا .. آثرت أن يشك أن هناك أحداً آخر يأخذنى منه ، على أن أبقى زوجة مخلصة وفية ، صارت تعانى الواحدة طوال الوقت ، وعذاب الغيرة والإحساس بالنقص ، خاصة وأننى تأكدت أننى عقيم ، غير قادرة على منحه ذاك الطفل الذى يحلم به ويتمنى .. وينتظر ..

كانت هذه هى محاولتى الأخيرة فى الانتصار على نفسى ، وفى عبور تلك المرحلة القلقة المعذبة المضطر به ، لكن .. لم تقف الإحداث عند هذا القدر ، فلقد نمت بذور الشك التى زرعتها فى نفسه ، بعد أن غذتها رغبة أمه فى تزويجه من بنت خالته ، الشابة الجامعية الجميلة ، التى تموت فيه حبا ، منذ كانا صغارا ..

وتصلنى الهمسات كالطعنات ، تخترق قلبى العاشق ، فتزداد بذلك الهوة بيننا اتساعا ، وما تلبث الحياة أن تأخذ طابعا جديداً ، فالأمر ليس مجرد حب بين زوجين عاشقين ، وإنما تطور لصبح رفضاً لأوضاع قائمة لا يقبلها الزوج .. ولا أقبلها أنا كزوجة ..

نعم .. تحول الحب ليصبح ساحة مواجهة تهدد بقطيعة أبدية تمتزج مشاعر متضاربة فيها الكثير من الرجولة والأنوثة المطعونة فى الصميم ، كما فيها الكرامة الجريمة .. الباحثة عن معنى الاعتزاز بالنفس ، الرافضى لشكوك الخيانة ، والمستنكرة لإحساس النقص والقلة ، وعدم القدرة على الإنجاب .. والعطاء .

ونلتقى .. ليس لقاء مناجاة وتطارح العشق والغرام ، بل هو لقاء الفراق ، وأودعه بينى وبين نفسى ، لا أعلمه بنيتى فى هجرة .. فأنا لا أطيق ، حتى هذه اللحظة ، أن أرى نظرات الألم فى عينيه العذبتين اللتين أحب وأحب .. حتى الآن .. أكثر من روحى ، آلاف المرات .

وارحل عن بيته ، أترك كل شئ ورائى يذكرنى به ، وأرجع إلى بيت أهلى ، وحبه فى قلبى باق كبيرا عملاقا ، لا أقوى على مقاومته .. فأنا أحبه ما زلت ، بكل ذرة فى كيانى ، بكل نبضة فى قلبى .. وخفقة فى روحى .. لذلك تركته .. هجرته .. ولهذا السبب وحده .. عنه .. رحلت !!


.. كيف تتكسر الأصداف؟

بدا الطريق طويلا شاقاً وأنا أنظر إلى الشاليه المضئ من بعيد .. أحسست قلقاً خفيفاً والظلام قد بدأ يسدل أستاره ، بينما يصل إلى مسامعى صوت أمواج وادعة ترتطم بصخور الشاطئ الهادئ .

كانت نسمات سبتمبر الباسمة .. الناعمة ، تنسينى هموماً وأحزاناً ضاق قلبى بدفنها ، وحزنت نفسى بسببها كل هذه السنين والليالى .. والأيام .

مشيت منتشية مستمتعة بالهدوء والوحدة والتلاقى مع الطبيعة فى أروع أوقاتها .. لم يمنعنى من الاستمرار سوى بعض خوف على وحيدتى وفاء أن تمل من طول انتظارى .. ولم يردعنى غير هذا الظلام الهابط ثقيلا كثيفاً .

عدت أدراجى .. ولم أكد أدور حول المنطقة جولتى الأخيرة .. حتى توقفت مبهوتة أتطلع فى ذهول وانبهار إلى ذاك الشاب الوسيم الذى وقف قبالتى فجأة كأن الأرض انشقت وأخرجته ، والذى رمقنى بعينين واسعتين حانيتين وهو يقول لى محذراً :

  • حرام عليك تمشين وحدك فى الظلام بهذه المنطقة .. أنت ما تدرين أن الشرطة تطارد لصاً هارباً مختبئاً هنا ؟!

لا أدرى كيف أنحبس خوفى على نفسى ، وأنطلق راكضاً نحو أبنتى ، فشكرته بسرعة ، وعدت لا الوى على شئ إلى الشاليه ، كى أطمئن على وحيدتى ، وكى أبدد بوجودى فى الداخل بقايا القلق .. والخوف .. والدهشة .. والإعجاب !

فى اليوم التالى .. وبعد وصول أفراد العائلة ، وخاصة بناتها ، لم أعد مشغولة الفكر بوحدة وفاء ، لذلك أمعنت مشياً أملا فى تخفيف وزنى وشد عضلاتى ، فأنا عاشقة للرياضة ، محبة للحركة ، لا أطبق الركود ، ولا أحمل السكون وأفكر دوماً فى الرشاقة ، وفى أيسر السبل لتحقيقها والوصول إليها !!

فى اليوم التالى ، لم أدر عن نفسى شيئاًَ وأنا أسير منتشية ، وحواسى كلها تشاركنى هذا الانتشاء بصوت البحر الحافل بالحياة ، وبرمال الشاطئ الحانية الوادعة ، وبنسمات المساء الباسمة الناعمة ..

كان كل شئ حولى يؤجج داخلى مشاعر كثيفة كثيرة .. غامضة .. وكان هناك أمل واهن يعابثنى ..فى أن التقى ثانية هذا الشاب البديع الذى قابلت بالأمس !

وتعجبت من نفسى ، ما لى أفكر فيه هكذا ؟! ولماذا انتظره بكل هذا الشغف ؟! ألم تكن سوى دقائق معدودة تلك التى وقفتها أمامه حين كان يحذرنى بلوم عن تواجدى فى هذه المنطقة ليلاً ؟!

ودفعنى العناد يحدوه الأمل ، فى أن أطرق المنطقة نفسها ، وتحت جنح الظلام أيضاً على وجودى بها يخرجه من مكمنه .. وضحكت بينى وبين نفسى وأنا أقول .. أليس من الجائز أن يكون هو نفسه اللص الذى تطارده الشرطة هنا ؟!

وصدق حدثى .. فما هى إلا بضع دقائق .. وإذ به يقف شامخاً باسماً عاتباً وهو يوجه لى تحية المساء !

وتكررت اللقاءات .. وشعرت بإعجابى به يتزايد ، ربما ساعد على ذلك ، ذاك الجو الشاعرى الذى كنت ألقاه فيه .. حيث تلتقى المياه بالصخور ، وحيث يلتقى البحر بالشاطئ .. وحيث يلتقى المساء .. بالليل !!

وذات مساء.. شعرت بالتعب من كثرة المشى ، فطلبت أن نستريح قليلا ، فجلست على صخرة مرتفعة ، بينما استلقى على الأرض ، توسد ذراعيه وهو يطلع إلى الفضاء الممتد أمامه .

أخذت أتفحصه فى خجل وحذر ، وأطالع ملامحه التى شفت عن الشجاعة والصرامة والحزم .. كنت مستمتعة بجلستى هذه ، كأننى جالسة فى مدينة مسحورة ذات شطآن خيالية ، وأزمان خالية منة الهموم والأحزان، وإنسان لا يعرف سوى المحبة والسعادة .. والعطاء .

اعتدل فى جلسته فجأة .. حدق فى عيونى .. ثم قفز نحوى وسألنى فى حدة : أنت للحين .. ما لكمتينى عن نفسك .. ما قلتى لى من أنت ؟! ولا حكيتى لى شئ عن ظروفك .. اقدر أعرف متى راح تبوحين لى بأسرارك ؟!

لم أراد ، لم استطع ، بل خفق قلبى بشدة وأنا أتأمل وجهه عن قرب ، والهواء يداعب شعره الأملس الغزير ، وما لبث أن نهض وافقاً ، ونظر إلى ساعته فى اهتمام ، وقال لى فى هدوء ، وعينيه تتألقان فى عزم وتصميم :

  • أن شاء الله المرة الثانية أسمع منك كل شئ ..

هززت راسى موافقة ، ومشيت إلى جواره وكأنى أملك الدنيا كلها ، وقد خيل إلى وسط الظلال الممتدة مع خفوت ضوء الأفق ودخول الليل أننى أسير فى حماية أحد الأبطال الأساطير .. هؤلاء الأبطال خارقى القوة القادرين على فعل المعجزات ..!

حدقت فيه بمزيد من القلق .. والترقب ، والانفعال ، وجسدى يرتجف فى توتر حتى عبر جسده حاجز الظلام ، بعد أن أطمأن إلى دخولى الشاليه .

لم يثر رجوعى فى هذا الوقت فضول أحد من الأهل ، بالكل يعلم ولعى برياضة المشى ، والجميع يعرفون أننى امقت الركود ولا أطيق الخمول والكسل والاسترخاء .

هكذا أنا .. طبيعتى فوارة نشطة ، ثائرة ، متسرعة أحياناً فى آرائى ، سريعة دائماً فى تصرفاتى .. وقراراتى ، لكننى أهتدى بحاستى السادسة إلى التمييز ما بين الصواب .. والخطأ . حمداً لله .

لم أذق طعم النوم لحظة واحدة طيلة تلك الليلة ، فلقد شعرت بخفق فؤادى ، ذاك الجزء الغالى من جسدى ، الذى كنت ظننته قد كف عن الوجيب والخفقان .. منذ زمان وزمان .

أسهد ، أسهر مع نجوم السماء ، وأنا جالسة لوحدى ، لا أنيس لى سوى شريط ذكرياتى ، ذاك الزاخر بصنوف السعادة والتعاسة والشقاء ، حقاً .. كان كم السعادة ضئيلاً نادراً فى حياتى ، قياساً بما تجرعت من هموم وأحزان .. منذ غاب زوجى الفقيد عن حياتى وتركنى مع وحيدتى وفاء .. عندما كانت طفلة صغيرة لا تتعدى التاسعة من عمرها .

ومعها ، ولها ، وبها ، عشت حياتى كلها ، أسبغت عليها الحب ، والحنان ، كى أصبح لها أباً وأماً ، كى لا أجعلها تشعر معاناة اليتم ، وكى لا تحس عذابات غياب الأب عن حياتها ، خاصة وأنها كانت متعلقة به ، عاشقة له ، فقد كان يدللها كثيراً ، يعطف عليها كثيراً ، يتعلق بها كثيراً .

كان رحمة الله ، يقول لى أنه يشعر أنه سوف يفارقها قريباً ، وأنه لن يعيش حتى يراها عروساً تزف ليلة فرحها ، كان هذا الهاجس يؤرقه ويعذبه ويجعله يغدق عليها من الحب الكثير ، ليعوضها فراقه المرتقب .. وكأنه كان يحس دبيب الموت يسعى إليه مخترقاً جسده الواهن الضعيف ، الذى هذه المرض ، وهدمه طول السقام .

نعم .. لقد ظلمنى بهذه الزيجة الجائرة حين استسلم وأطاع غرائزه ، وصمم أن ينال هذه الفتاة الجميلة الحسناء ، لتكون زوجة له ، رغم فارق العمر الذى يتجاوز الثلاثين عاماً ..!

لم أكن أعرف بماذا أجيب ، ولا كيف أعبر عن الامى لذلك الظلم الفادح الذى سقط على عاتقى بسبب تعنت أهلى فى تزويجى وإصرار أبى على اقترانى بهذا الرجل الذى يوازنه فى العمر ، دون أدنى تقدير أو اعتبار لمشاعرى .. وأحاسيسى .

مضت حياتى معه ، كما لو كنت أعيش فى مطعم فاخر يقدم أغلى الأطعمة وأندرها .. لكن .. بلا ملح أو توابل .. أو مقبلات !

وضاق صدرى ذرعاً بهذا الأسى الذى أعيش ، وذاك السخف الذى أعانى ، وذاك الألم الذى أجتر .. كلما نظرت إلى حالى ، وتطلعت إلى زوجى .. ودققت فى مصير حياتى .

كان كل شئ حولى ينذر بالجفاف ، والعطش والضيق والخواء ، نعم .. كان كل شئ حولى يوحى بالوحدة والزهق والوحشة ، فلا عواطف ، ولا مشاعر ، ولا أحاسيس ، ولا ترفيه ولا بهجة ولا فرح ولا انفعال ..!

كانت الحياة حولى جامدة هامدة ، كأننى جسد بلا روح ، أو كائن زجاجى .. بلا حياة . كنت أشبه بالشئ البللورى الذى تنعكس عليه الأضواء ، فتخرج من جسده ألواناً شتى متفرقة متناثرة ، مبعثرة ،.. بلا أصداء فقط .. مجرد أشعة ملونة زاهية .. لكن .. صماء .. خرساء !

لذلك .. لم أذق طعم النوم لحظة واحدة طيلة تلك الليلة ، فقد شعرت بخفق فؤادى ، ذاك الجزء الغالى من جسدى ، الذى كنت ظننته قد كف عن الوجيب والخفقات .. منذ زمان وزمان !

نعم أحسست بمشاعرى كلها تتحرك ، تفور ، تثور ، كأننى قد تحولت فجأة بركاناً ثائراً هائلاً ، بعد أن ظل لفترة خائراً ، خامداً ، هامداً ..

هكذا .. بين ليلة وضحاها ، حولنى الحب شيئاً آخر .. شيئاً ينبض حباً ، يخفق عشقاً ، يزخر حياة ، بسرعة مذهلة خارقة .. لم أعد أشعر إلا به .. لم أعد أحيا إلا له .. كأنه أصبح محور حياتى ، ومركز فكرى ، ونور عمرى ، وكأننى أسمع نفسى أقول له :

إذا كنت فى فكرى وقلبى ومقلتى

                           فأى مكان من مكانك الطف

فعلا .. أصبح كل شئ فى حياتى ، صرت أنام على صوته أصحو على نبراته ، لم يعد يهنأ لى طعام إلا معه ، ولا استسيغ شراباً إلا برفقته .

وكان أن ظهر الحب على تصرفاتى ، فأحس الجميع بى والدهشة تملأ عيونهم .. وكان أولهم أبنتى وفاء التى اتسعت عيناها فى دهشة بالغة وهى تبصر ما حدث لى من تغيرات !!

وما لبث أن اعتراها ضيق عميق جعلها تعاملنى بعصبية لا تخلو من أنانية ، وهى تختلق لى آلاف الحجج ومئات الأعذار كى أبقى معها معظم الوقت ، وكى لا أغيب عنها أغلب الوقت وكأنها تريد أن تخضعنى لمراقبة متصلة دائمة ، ومستمرة !

وبدأت شكوك وفاء تحيط بى ، كأنها أصبحت تخاف على حب أمها أن يأخذ اتجاها آخر .. بعيداً عنها !

نعم .. برزت تلك الحقيقة فى ذهنى ، لكنى لم أتراجع حين اكتشفت ذلك ، فقد كان الحب حارقاً جارفاً لا اقوى على كبح نيرانه , ولا على صد تياره .. حتى حين عرفت تلك الحقيقة المذهلة المرعبة !!

حين ذهبت إلى الشاطئ ذات يوم فجأة .. ورأيت ما رأيت !! .. فوقفت أنظر دون أن أرى … وأشرد دون أن أفكر .. كنت فى شبه غيبوبة .. كنت أعجز عن إدراك ما حولى .. كنت أحس تضاؤلا وهوانا وحسرة واسى وخزيا وحزنا .. وحبا !!!

مشاعر كثيرة معقدة اضطرمت داخلى , جعلت فى جوفى ثورة طاغية , وفى كيانى رعدة طاعنة .. شلت حركتى .. قتلت حريتى .. فقبعت فى ركنى البعيد المنزوى أتابع ما يدور على الشاطئ .. هناك أمامى !

ساد الصمت .. وفى النفس لوعة , وفى القلب نار , عيناي تلتقط منظرهما رغم بعد المسافة بينهما وبينى .. إلا أننى أستطيع أن أراهما بوضوح تام كأنهما جالسان إلى جانبى ..!

رحت أتأملهما .. كانا منهمكين بكل تفكيرهما ومشاعرهما فى التعبير عن حبهما .. وفى التدبير لحبهما , كى يعلن ويعرف ويشهر ..!

مر الوقت وئيدا وبطيئا , رغم أن ما كان يجرى أمامى مفاجئا متتابعا سريعا قاسيا و حتى أننى عجزت عن أن ألاحقة بفكر سليم مدرك ..

وافقت من صدمتى , مشيت ذاهلة عن كل ما حولى إلا من مرارة هزيمة , وحرقة حون يتسرب , يتشعب , حتى يمتد إلى كيانى كله .. مشيت ذاهلة محمومة وجوفى أتون من نار , وأفكار سود تكثف السواد يثقب أذنى , وهدير موج كصراخ ثكلى يخرم صدرى , ودموع كماء النار تسقط تحرق الرمال تحت أقدامى ..

أدنو مضطربة منهما , حبيبى .. وابنتى , تلك الشابة اليافعة , كانا كلاهما , غارقان فى بحار حبهما العميقة الغريقة الجارفة .. أدنو تعبث بى أنواء عواطفى قدمى , وقلبى يقع يلفظ أنفاسه , نازفاً على الأرض آخر قطرات حياته

أدنو مضطربة منهما , حبيبى .. وابنتى , وروحى تكاد تفر من نفسى .. وعقلى يكاد يهرب من راسى , رافضا أن يشهد هذا الموقف البشع .. الذى تجسم لى بكل قساوتة .. وبشاعته .. وعنفه .. وضراوته !

نعم .. غنها اللحظة اللعنة .. التى تقتفى أثر الملعون مدى الحياة تكتسحنى مشاعر حارقة ساحقة , هوان الدنيا كلها يلفنى , وأنا أتقدم خافضة الرأس نحوهما , تسألهما عيونى الولهى عن سر تواجدهما معا .. فى هذا المكان بالذات .. وفى هذا الوقت بالتحديد .. دون علمى أو معرفتى بكيفية تدبير هذا اللقاء ؟!

ولم يسعفنى جواب .. ساد الصمت كثيفاً ثقيلاً ، ورغم أنى كثيراً ما آخذ الأمور بسرعة ، إلا أننى أتوقع كل الاحتمالات ، حتى البعيد منها .. إلى أن جاءت تلك اللحظة الملعونة الدامية ، حين ذهبت إلى الشاطئ بغتة ، حيث أعتدنا أن نلتقى .. ورأيت ذلك المشهد المؤلم !!

.. ذاك المشهد الذى جعلنى أتهاوى فى ألم وذهول وأرتجف فى أسى وجنون ، وخلجات وجهى ترتعش بمشاعر هى مزيج من الغضب والدهشة والعجب .. فأين ذهب ذلك الحب ؟! وكيف هزأت به الخيانة وأحتقره الغدر ؟!

أدنو مضطربة منهما ، حبيبى .. وابنتى ، وصتا يشبه أصدفا تتكسر ، يطرقع تحت أقدامى ، أخالنى سمعت بينها صوت قلبى وهو يتفجر . يتحكم . يتناثر . يتبعثر . تحمل صرختى المكتومة كل توترى ولوعتى وفزعى وذعرى ..

ألجم عن السؤال لسانى ، فلا أنطق أسأل . كيف جاء هنا ؟! كان الموقف رهيبا ، مخيف ، قاسيا .. قاتلا . وكانت الانفعالات خارجة عن إرادتى ، لكن .. لا .. لن أستسلم لها ، لن أترك لنفسى أن تعبث بى .. أن تفعل بى ماتشاء .. سوف أقاوم .. سوف أقاوم ، وسوف أقضى بداخلى ، على العواصف والأعاصير والأنواء !!

أقف أنظر فى عتب نحوه ، ينعقد حاجباه فى حاجباه فى حنق ، يتشاغل بغلق أزرار صدره العارى ، يتطلع فى سخط إلى سيارتى ، يتمتم بكلمات حانقة مبهمة .. لكنه سرعان ما يسيطر على نفسه فى مهارة مذهلة ، يقترب منى يقول وهو يبتسم : سوف أشرح لك كل شئ فيما بعد .. عندما نكون وحدنا .. فلا تفهمى الأمور خطأ .. أجوك .

تلهث ابنتى فى انفعال وهى تنقل بصرها بيننا ، يشخب وجهها فى فزع وقلق ، تلتصق به وقد ارتسمت على وجهها بسمة انتصار خبيثة ، تمضى تقول فخورة بفوزها : نحن نحب بعضنا وبصراحة سوف نتزوج فى أقرب وقت ولن يفرقنا أى شئ كان .

أصمت لحظة لأمنع نفسى من الانفجار باكية ، أستطرد فى يأس وقد أغرورقت عيناى بالدموع وأنا أغمغم فى همس ، وقد أثار إصرارها المذهل كل تعجبى : ومتى بدأ هذا الحب ؟!

تتألق عيناها فى تحد وصرامة ، تمسك ذراعه فى قوة وعيناها تلمع ببريق مخيف ، تأتى كلماتها بصوت رقيق هادئ ، وإن كان قاطعا ، حاملا خلف رقته شراسة لا حدود لها ، وأنانية لا مثيل لها ، تجلت فى شفتيها الحمراوين المضومتين .. أسمعها تقول ساخرة : منذ رأيتكما على الشاطئ .. وحدكما .

لم أفهم قصدها .. لم أعرف ماذا تريد أن تقول ، فهى لا تتعامل بوضوح مع الآخرين ، تميل دوما إلى الغموض ، ولم يكن هذا موقفا جديدا فى علاقتنا ، فقد أعتدت عدم فهمها منذ كانت طفلة صغيرة .. مدللة .. مرفهة ، تأخذ كل ما تريد وتنال كل ما تتمنى وتشتهى ، فلا أحد يقدر أن يرد لها طلبا أو يعصى لها أمرا ..

كان الكل يحبها لفرط جمالها وإشراقها ، وكان الكل يدللها ويدلعها فهى الابنة الوحيدة لذلك الرجل الواسع الثراء ، المشهور بسطوته ونفوذه وقوته ..

وفجأة .. تهمس فى أذنه ، تأخذ تتحرك مبتعدة معه فى خفة مدهشة ، وكأن الحب جعلها فى وزن  الريشة ، بينما كنت أتهاوى أنا فى ألم وذهول ، وقد سمرنى الموقف بالأرض تسميرا ، فلم أستطع أن أفعل شيئا سوى الانتظار .. لم أقو على اللحاق بهما ، كما لم أستطع البقاء وحدى فى مكانى على الشاطئ الهادئ المنعزل الكئيب.

ويعود العذاب مع الشوق يراودنى .. عندما رأيتهما يبتعدان .. يغيبان .. حتى ابتعلتهما طيات الطريق المتعرج الممتد .

وعاد قلبى يخفق لوقع خطواته المنتظمة القوية ، ترافقها خطوات أبنتى الخفيفة ، الطائرة ، كريشة تمرح مع نسمات المساء العابثة الباسمة .. وأحس لبعاده عنى وضياعه منى ، وحشة عنيفة موحشة مقبضه .

.. يخفق قلبى فى أسى ، يزداد طعم المرارة فى حلقى .. أحس خناجر مسمومة تمزق روحى ، تجرح نفسى .. فتنزف منى الحسرة والخيبة والمعاناة .. آه يا لها من مأساة !

أخيراً أقرر أن أدفن الحب فى أعماق أعماقى ، أتلظى بناره فى صمت ، يتحول كيانى رمادا .. دون أن أنطق أو أبوح ، لا .. لن أعيش الحب ، بعد أن شهدت عيناى .. مصرع الحب !!

لكن .. المصيبة .. مصيبتى أنا .. تكمن فى أنى أراه أمامى دائماً ، فهل لو كان وداعا ما بعده لقاء ، لكنت تصبرت ولأملت أن يجر النسيان أذياله على الحب .. آه .. كيف لى أن أراك أمامى .. وأنت بعيد عن آمالى .. يا من كنت أحلى أحلامى !!

ثم .. يسدل الليل أستاره .. تنساب خطاى فى الطريق الهادئ الطويل .. أمشى . أزفر . أنفث دخان مشاعر ملتهبة جائشة تلتهم صدرى ، تفترس صبرى .. بالله كفى .. كيف لى أن أعيش هذا الهوان ؟!

آه .. أنا أحبه حبا جارفاً .. أهواه من كل قلبى  . لكن .. هذا الحب لم يعد حقا لى بعدما حدث .. نعم . على أن أطوى هذا الحب .. فلن يجدى الحزن ولا العويل ولا الاستسلام للأوهام .. سوف اقبر هذا الحب ، كما تقبر الأم الثكلى فلذة كبدها ..

آه .. كيف لى أن أتصرف ؟! ماذا يمكننى أن أفعل .. فلسوف ألقى حبى دائما .. وسيزيد الحرمان ناره اشتعالا .. وسأعيش فى السعير .. كيف سأقدر .. كيف سأتحمل ؟!

أمضى منهارة شاردة ، أسوق سيارتى إلى البيت عائدة منقبضة الصدر متوترة الأعصاب ، تنفجر فى أعماقى براكين الحزن ، تتقطع روحى بيأس مرير يتسرب إليها .. فيسممها ..

أدخل بيتى خائرة القوى متهالكة ، معدومة الإدارة لا حول لى ولا قوة .. ألمح وفاء جالسة أمام التلفزيون فيشتد خفقان قلبى ، وقد استحالت نفسى اشد سوادا من الليل البهيم ، بعد أن قبع ثقل كبير على صدرى .. وجف حلقى ، وزاغ بصرى وأنا أقف التقط أنفاسى المتقطعة ..

أنظر نحوها صامتة صامدة .. هممت أن أتكلم .. ولكن .. ماتت .. الكلمات .. وسمعت وفاء تتكلم بصوت قادم من أعماق بعيدة نائية .. نظرت نحوها وقد زاد فى حيرتى البشر المتألق فى وجهها .. وأن قرأت فى عينيها شيئا غامضا غريبا .. شيئا لم أعرفه .. وإن أنقبض له قلبى ..

و .. فهمت كل شئ . وضحت الأمور أمام ذهنى المشوش المضطرب ، عرفت إنها لا تحب هذا الرجل ذاك الحب الذى توقعت أو تخيلت ، كل ما فى الأمر أنها تريده لها وحدها .. لا تريد أن تتركه لى أنا ، لأنها لا ترغب فى أن يستمر هذا الحب بيننا .. هى تريده زوجا لها وتصر على ذلك ، وتستخدم لتيسير ذلك كل إرادتها .. كل ما فى الأمر أنه أعجبها .. أثار اهتمامها .. بعدما ابدى اهتمامه بى .. وتعلقه بى !

كانت تتكلم فى انشراح وهى تهز كتفيها فى استخفاف .. وتعجبت كيف استطاعت وهى لا تحبه مثلى أن تدير رأسه وأن تسلبه حبه وأن تجعله يمضى تحت إرادتها وكأنه مسحور ؟! أتكون أخذته على حين غرة ؟! هذا الوحش الكامن فى أعماقه .. كيف أخرجته منها ؟!

نعم .. إنه لم يقو على الصمود أمام الأغراء ، لم يتحمل طويلا هجمات الجمال والشباب .. فاستسلم صاغرا صريعا .. ممتثلا لرغبتها .. طائعا إرادتها ، ملبيا دعوتها فى أن يصبح زوجا لها .. وشريكاً لحياتها .

وشردت أفكر .. كانت ليلة لم أنم خلالها .. شحنتنى أعماقى بمشاعر ترهقنى وتشعل نارى ، وتحرق روحى .. وتهدر كل أحلامى ، وتهد جبال الأمانى ، وتبيد تلال الآمال .. آه .. يا لوعة فراق الأحباء .

وهكذا .. تكسرت أصداف الفرح داخلى ، تحولت شظايا تمزق وجدانى .. تسيل دماء أيامى .. فبقيت أقلب فى فراشى وأنا أتلوى كالأفعى وقد بلغت ثورة نفسى غايتها .. وإن رحت أحاول أن أو حى إلى روحى بالاستسلام لما حدث ..!

نعم .. وجب على أن أستسلم لأمر الواقع كى يتزوج حبيبى أبنتى بعد أن ضحى بحبى .. ربما .. لأنه ضعيف أمامها فى لحظة فحق عليه أن يدفع ثمن ضعفه .. وخطئه .. فى حقى .. وحقها !!

آه .. أننى حقا حزينة .. حزينة .. أكاد أن ألفظ أنفاسى وقد امتزجت دموعى بسواد الليل وبياض وسادتى .. أحاول أن أنام كى أقتل الليل أملا أن ألقاه فى الغد لأعرف كيف حدث ذلك ؟! أحاول أن أخمد السؤال الخائف المرتعش داخلى .. أحسنى أتساءل ثانية بنفس الصوت الحائر الحزين المتهدج .. كيف حدث ذلك ؟!

أواسى نفسى ، أجاهد لراب الصدع .. أتناسى أن أبنتى .. غدرت بى ، سلبتنى حبى .. ألقتنى بيدها ، عن قصد ، فى جحيم العذاب .. ومع ذلك لا أستطيع أن أطوى قلبى على مقتها .. إنها أبنتى .. أنها وحيدتى .. سأصفح عنها .. وأنسى ما فات .

آه .. يا له من صراع يحوى الضنى والعذاب .. لكن .. فى التضحية وقهر النفس لذة قد تفوق كثيرا من اللذات .

وهنا .. أشعر ببعض من الراحة والرضى عن الذات .. أبدأ انعس .. أنام .. بانتظار لقائى معه فى الغد .. ليحكى لى ما حدث .. كيف كان .. وماذا .. سوف .. يكون .

أصحو وكلى شيق وترقب وقلق ، وأبقى أنتظر اتصاله بى .. ترى .. هل سيأتى .. أم سيضل الطريق ؟ أضيق ذرعا بانتظارى . يتعطل تفكيرى ، تغرق فى الهوان روحى ، ونيران الغيرة والحيرة تندلع داخلى ..

تروح تمور مشاعرى .. تثور وتغور عند سماع صوته ، لا أدرى ماذا يعترينى .. لا أفهم ماذا يصيبنى عندما أراه .. حين ألقاه بعد هذا الغياب الذى طال ؟!

أستعد لهذا اللقاء وفى جوفى ينبعث خوف وفزع ، ومن نفسى ينسل شوق وحب … ما تلبث أن تؤده بقية من كبرياء ثارت فى وجه هذا الإحساس الحارق الحاد .. المتخاذل ، وأعلنت راية العصيان .. وأبقى حائرة أترجح بين ضعفى وكبريائى ، بين أنوثتى وأمومتى ، بين احتياجى ووحدتى ..

آه .. يا للفراغ ويا للملل .. يا للوحشة .. ويا للشوق .. لا .. لم يشقنى شئ غيرها .. قسوة الوحدة .. وذاك الفراغ الممض الثقيل .. وذاك التفكير الدائم المتصل فى تلك المفاجأة غير المتوقعة على الإطلاق .. التى جعلت من أبنتى .. غريمتى !

أذهب إلى نفسى الشاطئ لأراه .. حيث قابلته أول مرة .. بعدها ، لا أعرف كيف استطاع أن يحرك مشاعرى ، وأن يثير شجونى ، وأن ينجح فى بث الحب داخلى .. ذاك الشعور الرائع ، الذى عشت أفتقر إليه معظم سنوات عمرى .. آه .. صرت لا أعرف شيئا ولا أفهم شيئا .. كل ما حدث إننى أحببته حبا جارفا .. قاتلا !..

.. بدا السكون المريب رهيبا .. ذاك السكون الذى يطوى البركان الثائر فى كيانى .. حتى خشيت أن يسمع خفق قلبى ذاك الذى دوى بين ضلوعى دويا قوياً .. وأنا أنظر إليه دون أن أنطق .. وأنا أرنو نحوه فى صمت .. راسى .. واستياء .

آه .. ما أظنه سيضيع وقته ليجلس معى جلسة شاعرية ، إنه ما أن رآنى حتى أريد وجهه ، رحت ارمقه فى دهشة .. وإذ به يلوذ بالصمت ، ويلوح فى وجهه ضيق ، وما لبث أن قال فى تبجح :

  • إسمعى .. أنت لازم تكونى واقعية .. ولازم تكونى صريحة مع نفسك .. أنا كان على أن أصارحك بكل شئ فى وقته لكن وفاء صممت أن أسكت وأن أترك لها الأمر فى يدها هى على أساس إنها تتصرف معك وتشرح لك الموضوع . وكيف بدأنا نتعلق ببعض ونحب بعض .

أظل صامتة برهة ، أبقى أقاوم الانفعالات الفظيعة التى ثارت فى جوفى ، أحاول أن أهدئ نفسى التى اضطربت وانقلبت وكأن بحرا هائجا قد عصفت به الرياح العربيدة العابثة الرعناء قد أنصب فى قلبى وأخذ يموج فى أعماقى ، أحس قوة طاغية تسرى فى عروقى فأتقدم كالإعصار أصلاح فى وجهه :

  • خائن .. كذاب .. غدار .

لم يحتمل ثورتى ، فر إلى الطريق يتلفت فى ريبة ورهبة ، وتركنى وأنا أتمزق غيظا والدمع يفر من عينى آه .. يا له من خسيس حقير .. آه يا للنذالة .

ارتمى أجلس ، ألتقط أنفاسى المقطعة والأرض تميد تحتى ، والدنيا تدور بى ، أسترجع كلماته القاسية القاتلة ، أحسها لطمات هائلة تهوى على وجهى .. طعنات مسمومة تسدد إلى صدرى ، وإذ بظلال شكوى وظنون ثقيلة كريهة تجثم على قلبى فتكاد تزهق أنفاسه .. وأنفاسى .

إنه خائن إذن . إنه غادر إذن . عبث بى ، استهان بمشاعرى ، جعلنى أزداد له حبا ، بينما زاد هو غبطة وطغيانا .. آه .. كيف كنت مخدوعة فيه إلى هذا الحد ؟! كيف كنت ساذجة إلى هذا المدى .. كيف كنت أحس فى قلبه قلق الحب .. وكيف كنت أرى فى عينيه وجدا وعشقا وغراما؟!

ترى .. هل كان يمثل الحب .. أم كان يجبنى فعلا .. أم مازال يجبنى بالفعل ؟! آه .. كيف لى أن أعرف حقيقة مشاعره .. كيف أستطيع أن أسبر أغواره ؟! يا له من إنسان غامض محاط بالأسرار والأستار ، فلا يقدر أحد أن يدرك كنه ما يحمل من أفكار !!

تتقاصر نفسى ، تتضاءل روحى ، ينتشر الأسى فى جوفى ، يجف حلقى ، تسيل دموعى .. أقرر أن أهرب منه ، أن أفر من حبه .. أنتشل قلبى من فيض مشاعرى .. أعقد العزم على ذلك ، كى أدع ابنتى تهنأ بحبيبها ، تسعد مع رجلها .. ذاك الذى اختارت أن يكون زوجها .

آه .. كيف لى أن أتصرف ؟! ماذا يمكننى أن أفعل .. فلسوف ألقى حبى دائما .. وسيزيد الحرمان ناره اشتعالا .. وسأعيش فى السعير .. كيف سأقدر .. كيف سأحتمل ؟! لا أدرى .. لا أدرى ..

ابقى أسترجع ذكرى مشاعرى ، وكل خلجة فى روحى تحن إليه ، لكننى لن أبوح بمكنون صدرى لأحد ، نعم .. لن أئن .. ولن أتألم ، سأمحو أحزانى .. وأمسح آلامى .. وبعون الله سوف أقدر على النسيان .

وتمر الأحداث بعد ذلك كثيرة ، متحركة ، فها هى وفاء تستعد للارتباط به ، وهى تبدو سعيدة منتشية وكأنها تحقق انتصارا مزعوما فى معركة وهمية خاسرة .. وأحاول بكل ما أوتيت من قوة أن أكبت معاناتى ، أن أدفن أحزانى .. وأن أساعدها فى تحقيق أحلامها .. طالما هذه هى رغبتها .. وهذا هو اختيارها !

والعجيب .. بل الأعجب ، إننى كنت ألحظة بطرف خفى ، وهو يتصرف بسعادة ، كأنه لم يفكر فى أمرى وهلة ، أو لم يحس بالأسى لى لحظة .. ياللعجب .. كيف يفعل هذا بى .. وهو أبعد ما يكون عن التأثر .. والانفعال ؟!

أطرده من تفكيرى ، أعمل على أن أقلعة من قلبى ، وأبدأ أتقرب إلى وفاء ، كى أساعدها فى قضاء متطلبات الزواج القادم ، والخطبة الآتية .

ومع الوقت أحس بها تزداد صمتا وغموضا وفتورا .. وكأن الأمر أصبح مرهقا بالنسبة لها ، أو كأنه أصبح لا يعنيها ، بعد أن فقد أهميته ، وبهتت بهجته !

أحيانا كثيرة كنت ، أنظر فى عينيها ، فتزوغ بنظراتها منى وكأنها تحس تأنيبا فى الضمير .. أو كأنها ارتكبت خطأ فى حقى .. لكن .. الغريب فى الموضوع أنها كانت تحرص كل الحرص على أن تصور للجميع سعادتها وفرحتها ، وخاصة لى أنا ..

لكن .. بقلب ألم كنت أشعر بتعاستها ، وليس بسعادتها ، كنت أحس كما لو كان هناك شرخ أو جرح مخفى بداخلها .. فماذا كان السبب يا ترى ، هل كانت هى دموعى الخفية المتسللة التى آلمتها ؟! أم كانت سعادته الزاهرة الواضحة التى أفضت راحتا ؟! لا أدرى .. لا أدرى .

وذات مساء .. اجتمعنا بالبيت جميعنا نناقش بعض الأمور المالية المتعلقة بتكاليف الفرح ، فنهضت وفاء لتحضر ورقة وقلما لتسجل بعض الآراء والاقتراحات .. فاذ به يحاول أن يقترب منى وكأنة يود أن يتعذر عما بدر منه تجاهى . وإذ بى أنتفض وكأن أفعى لدغتنى .. ورمقته بنظرة نارية أوقفته عند حده ..

بعدها .. دخلت غرفتى كى أطلق لدموعى عنانها ، فقد أوقد النار فى جوفى بتصرفه الأحمق هذا وكأنه ألقى القذى أمام عينى برعونته واستخفافه وطيشه بمشاعرى .. ومشاعر أبنتى .. وحيدتى !!

آه .. بدى لى كأنه جلاد قاس يهوى على بسياطه فى تتابع .. دون هوادة .. دون رحمة .. آه .. باللعنة .. ياللكارثة .. ياللمأساة !

بعدها .. بعد هذا التصرف الأهوج .. راحت مشاعرى تمور وتفور .. وقد زحفت الرهبة نحوها .. فبدلتها مقتا وهوانا وكراهية وذلا .. آه .. ياللقرف .. ياللقلق .. ياللعذاب !

ومضت الأيام كالسنين .. كالدهور .. وأنا حائرة ، خائرة ، أحاول أن أتماسك ، أن أتصلب ، أن أقاوم هذا الانهيار الهادر بداخلى .. وأن كنت أحرص جاهدة أن لا تلحظ وفاء شيئا من هذا الضعف أو التخاذل .. أ, التعب والإعياء .

ومضى كل شئ كما رتبت وفاء .. تماما كما شاءت وخططت ، إلى أن تحدد اليوم الذى سيتم فيه خطبتها إليه .. لكنها حضرت إلى فى غرفتى ذات صباح وطلبت منى أن أرتدى ثيابى شخصا سوف يحضر إلينا الآن .

أسألها فى دهشة صادقة : ومن هذا الذى سوف يأتى إلينا مبكرا هكذا؟!

تنظر نحوى نظرة غريبة ، ونقول فى غموض :

  • سوف تعرفين كل شئ الحين لما تشوفين بنفسك من سيزورنا فى هذه الساعة .

أقف أرتدى ثيابى ، أصفف شعرى ، وراسى يكاد ينفجر من طريقة وفاء فى التعامل معى .. ومع الناس ، فهى منذ ولدت ، وهى تميل دوما إلى الغموض ، وعدم الوضوح ، وقليلا ما كانت تفصح عن مشاعرها أو تعلن بصراحة أفكارها وآراءها آه .. يا لهى .. حتى الآن لم أستطع أن أفهم أبنتى الوحيدة .. آه .. يا لها من ابنة مدللة مرفهة .

تأتى تستعجلنى وفاء .. وانفعال واضح ألمحه يلمع فى عينيها ، بريق سأطلع يشع من مقلتيها .. ثم تعود مسرعة إلى غرفتها ، وكأنها نسيت شيئا ما ..

يدق جرس الباب . يفتح الباب .. فيدق قلبى فى شدة ، يتحرك قلقى وأنا ألمح كل هؤلاء القادمين فى هذا الوقت من النهار ..!!

أنظر نحو وفاء فى غضب وحنق وقد شعرت أنها تخطط لشئ مريب .. أفكر فى العودة إلى غرفتى .. لكنى لا أستطيع الحركة فقد تسمرت فى مكانى وكأن قدمى التصقا إلى الأبد بالأرض وأنا أراه واقفاً أمامى بكل وسامته وشبابه ورجولته ، وهو يطالعنى بعينين واسعتين حانيتين .. حالمتين !

أنظر إليه فى شوق مكتوم مدفون مكبوت ، أنتبه للداخلين معه، أفيق إلى نفسى ، تجول مقلتاى بينهم .. يخفق قلبى بسدة .. أتوجس خيفة .. أبحث عن وفاء فى قلق ، راجية أن ينتهى هذا اليوم المريب على خير !

تخرج وفاء من غرفتها وقد بدت أكثر شباباً وإشراقاً بتسريحة شعرها المنسدل ، وبنطلونها الجينز الأجرب اللون ، تقبل باسمة ترحب بالجميع فى مرح ، تلتفت نحوى تستعجلنى كى نذهب جميعا إلى الشاليه ، لأنها أعدت طعاماً شهياً على الغداء .. شرط أن نذهب لتناوله هناك .. فالجو رائع ، والوقت مناسب للتمتع بيوم حافل .. حافل .

أدقق النظر فى عينيها .. يزعجنى ذاك الانفعال الواضح والبريق الساطع الذى يشع من مقلتيها ، أفكر فى توجس .. ترى .. ماذا عساها تدبر ؟! آه .. أننى فى حيرة من أمرى .. يا ربى .. ما أقسى أن تقف أم فى مثل هذا الموقف الكريه ، الثقيل على النفس والروح والقلب !! يا رب .. أرحمنى من هذا الضنى . وهذا العذاب .. فالى متى أحتمل .. وأنى لى هذا الاحتمال؟!

وفى خلال دقائق ، استطعت أن آلم بالموقف .. أن استشف تلك الرغبة الدفينة الكامنة فى قلب وفاء لإحداث نوعاً من المواقف الطارئة ذات التأثير الفعال فى الآخرين ..

وحيال إلحاح الجميع ، وهو من بينهم ، لم أر مانعاً من الموافقة على الذهاب إلى الشاليه لقضاء اليوم على شاطئ البحر ، وتناول طعام الغذاء هناك .

نذهب وأفكارى تصطخب داخلى ، وعواطفى تتصارع فى صدرى .. فها هى غيرة ضارية تنهشنى وأنا أراهما معاً يروحان ، ويجيئان فوق الرمال ، وها هو ضيق ثقيل يضع يده الضخمة فوق أنفاسى فيكاد يكتمها آه .. يا له من عذاب .. يا له من شقاء .

يكاد النهار أن ينقضى .. تبدأ تميل الشمس نحو المغيب .. بينما تزداد خفة ونعومة نسمات المساء .. والبحر راقد عند خط الأفق فى سكون كأنه مغطى بلوح من الماس الأزرق النادر الفائق اللمعان .

وما تلبث أن تتناثر أضواء هنا وهناك ، فتبعث فى المكان سحراً يحرك المشاعر ، يلهب الخيال .. يثير النشوة والعاطفة .. والشوق والحنان.

أجلس وحدى فوق صخرة نائية .. أرقب من فوقها هذا المنظر الخلاب ، ومشاعر حزن تتضخم ، وأحاسيس وجد تتضاءل .. تتباعد .. تتناءى .

ومع الهدوء السابغ على المكان ، ومع الوحدة السادرة على نفسى .. استسلم لدموعى دون أن أدرى ، وفجأة أحس يداً حانية تحط على ظهرى ، التفت فى خوف خلفى ، ألمح وجه وفاء وقد دمعت عيناها اللتان ازدادتا بريقاً واتساعاً .. وإذ بها ترتمى فى حضنى تنتحب وتجهش بالبكاء .

أضمها بقوة الأم الواثبة المتحفزة للدفاع عن ضناها ، عن فلذة كبدها ، أحسس بيدى على رأسها ، كأنى أريد أن أمسح عنها تلك الخيالات البغيضة التى أتوقع أن تحيط بها .. أحاول أن أطفئ بحبى وحنانى ذاك البركات الثائر فى أعماقها .

أرهف حواسى ، أشحذ عقلى ومخاوف تؤرق قلبى وألسنى ثورة تندلع فى نفسى ، وأنا أرى وفاء تنتحب وتنشج وصدرها ينخفض ويعلو ، بينما تحاول عاجزة لم شتات نفسها المتناثرة .. المبعثرة .. المهدرة .

وهنا .. تومض فى عقلى فكرة بغيضة مقيتة مرعبة .. ترى .. ماذا حدث لها ؟! هل أصابها بضرر ذاك الأحمق المحتال ؟! هل فعل بها شيئاً أذاها ؟! هل لعب بعواطفها ؟! هل .. هل .. هل ؟!

آه .. أرهقتنى أفكارى .. قست على مشاعرى ، كاد احتمالى يتصدع وينهار وهى فى حضنى لا تكف عن العويل والبكاء .. آه يا حبيبى .. ماذا أصابك يا قلب قلبى ، أكاد أصرخ وأولول  حزناً على أبنتى .. بينما تنسدل على عينى ستائر صفراء من المقت والكراهية تجاه ذاك الشخص الأنانى الغادر الذى استطاع أن ينال وطره منها .. كما أستطاع أن يمثل ويدعى على أنا .. أمها .. ذات الخبرة والتجربة مع الحياة !

آه .. يا لى من أم تستحق أقسى أنواع العقاب . آه .. كيف أسمح لهذا المدعى الأفاق أن يتسلل إلى أبنتى فى عقر دارها .. كيف أتحت له الفرصة ليقتنص الفريسة الآمنة ؟! كيف هيأت له الظروف ليعيث فساداً فى بيتى .. وليضع بذور الشقاق فى أرضى ؟! آه .. يا لى من أم .. يا لى من أم!!

أكلمها فى حنان لأطمئن نفسها وأسكن ثورتها الهائجة فى صدرها ، بينما تضغط تصوراتى البشعة على راسى ضغطاً قاسياً وأنا أسمعها تشهق وتزفر فى صوت مسموع ، بينما يرتفع صدرها وينخفض دون توقف أو انقطاع .. أضمها فى أسى وقوة وأنا أبكى معها وأتمزق غيظاً وحنقاً بسبب ذلك العجز الذى يكبلنى ويعوقنى عن مساعدتها .. آه .. ماذا أفعل لها ؟ ماذا أفعل لها ؟!

تسكت ، تطالعنى فى حب ، تقول بصوت لاهث متألم مس شغاف قلبى :

  • أمى : تدرين أنى أحبك وعشت طول عمرى أحبك .. بس .. أنا من هذا النوع من الناس اللى ما يعرف يعبر عن مشاعره .. حتى لو حبيت أعبر ما أقدر ..

يرق قلبى ، يزداد أنفعا لى ، تنهمر دموعى ، يرتجف بدنى وأنا ألمح عينها الحمراوتين وقد أصبحتا فى لون الدم .. ترتاح روحى لسماع كلمات الحب ، تسترسل تقول :

  • سامحينى يا أمى على هذا العذاب اللى سببته لك .. كان قصدى أساعدك وأخلصك من هذا الكذاب اللى ما يعرف قلبه الحبة .. واللى قدر يمثل عليك ويصور لك أنه يحبك ..

أنا لما شفتك معه .. فهمت كل شئ .. وقلت لنفسى لازم أتصرف بسرعة قبل ما يجى اليوم اللى تعلنين فيه رغبتك فى زواجه .. كان أهم شئ عندى أنى أثبت لك أنه غشاش وأنه نصاب وأنه يدور مصلحته وبس .

تميد بى الأرض حسرة وخزياً وخجلاً ، أشاركها الحديث وأنا ابتسم ، وأن كدت أبكى .. لو لا بقايا كبرياء منعتنى وصدتنى .. وافهم من وفاء كل الأشياء . تخبرنى عنا حدث بصراحة ، وكيف كان يؤلمها أن تحس تعلقى به ، وأن ترى دموعى تسيل لأجله ، بينما تشعر لا مبالاته .. وهى لا تكاد تحصى عدد .. ابتساماته !!

كان الوضع عصبياً ورهيباً .. لقد كنت سريعة الانقياد وراء هذا المدعى المحتال ، الذى استغل ظروفى الأسرية ، واستثمر أوضاعى العاطفية .. فأوهمنى بالحب .. حتى يطيح بى الحب ، ويجعلنى تلك الفريسة السهلة .. الثرية .. بل .. الواسعة الثراء التى يعرف كيف يقتنصها ويستغلها ، ولكن .. تستطرد وفاء ، تتابع حديثها المؤلم ، وفى صوتها رنة عطف .. وإشفاق ، تقول :

  • ولكن .. قدرت أقنعه يا أمى أننى الوريثة الوحيدة لأموال أبى ، المالكة لكل عقاراته .. وكان هذا هو الطعم الذى أسال لعابه ، وجعله يحول اهتمامه نحوى ، ويبدى تعلقه بى .. وهكذا كانت البداية ..!

أبقى أسمع .. أفهم .. أتماسك ، ابتسم ، أحاول ألا أقع مغشياً على ، وحقائق كالطرقات تدق على راسى ، ووقائع كالخبطات ترتطم بكيانى فتهزه هزاً وكأن زلازل الدنيا كلها قد تركزت فى مكانى .. هنا .. تحت أقدامى .

وفى الحال تتكشف أمامى الحقيقة البشعة .. أدرك أننى كنت ضحية دجال يحترف الاتجار بالعاطفة ، ولو لا الدور الفعال الذى قامت به وفاء ، لكان قد لعب بى لعبته .. , أصبح زوجاً لى ، كواحد من هؤلاء الأزواج المرتزقة ، الساعين عبثاً وراء الثراء !!

أحدق فى البحر .. سارحة فيما حدث .. كيف حدث .. وكيف كان ؟! أحس جرحاً غائراً دامياً مازال ينزف داخلى .. أشعر رهبة من مواجهة الحياة حولى ، بعد أن أبصرت ما حسبته صواباً .. كيف كان سراباً .. سراباً !

تبتسم وفاء فى وجهى ، تضمنى فى حنان بالغ ، أقبلها بحب الدنيا .. نبقى ننظر معاً نحو آثار أقدام كانت غائرة فى الرمال .. وما لبثت أن خففت آثارها أمواج الشطآن ..

كانت تلك الآثار تتجه نحو البعيد .. تحمل معها .. نحو الأبعد .. وغداً أراد أن يعبث بمشاعر أم .. وأبنتها .. لكنه لقى جزاءه .. بعد أن طردته وفاء شر طردة أمام الجميع .. هؤلاء المدعوين لقضاء يوم بطوله معنا فى الشاليه .. حيث البحر تنسحب أمواجه على الشاطئ اللا نهائى .. مخلفة وراءها آلاف الأصداف ، تلك التى لم تطأها الأقدام .. ولم تحطمها الصدمات .. ولم تكسرها الأحداث .. والنكبات ! .

 

أحرف وكلمات

Featuredأحرف وكلمات

 

 

 

 

كريمة شاهين

أحرف وكلمات

 


بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

يؤكد أكثر علماء النفس والاجتماع على أن المشكلة الاجتماعية تأتى في مقدمة هموم الإنسان وهى بعد هموم الغرائز الفطرية من مأكل وأمن وعليه فإنها مصدر أساسي من مصادر الكآبة النفسية وعامل فقال من عوامل الإعاقة الإنتاجية ولقد أهتم الباحثون بالمشكلة الاجتماعية واعتبروها الطريق السريع للسقوط الاجتماعي وعدم الانتماء والتقوقع والانتحار البطئ .

وأخذت الدول المتقدمة على عاتقها الاهتمام بالمراكز الاجتماعية العامة علها تجد حلا جذريا لهذه المشكلة فأوجدت المؤسسات الاجتماعية العامة والفروع الخاصة لتتبع المشكلة وملاحقتها أولا بأول ووأدها فى مهدها أو شل فاعليتها والحد من خطورة انتشارها . كما قامت كثير من المعاهد المتخصصة والجامعات على الاهتمام البالغ فى تطوير المراكز الاجتماعية ودعمها بالكفاءات الخاصة والخدمات الفعالة لرفع كفاءتها وقدرتها على القيام الفعال .

ولقد أتت مثل هذه الاهتمامات كلها فى المجتمعات الحديثة وساعد على ذلك حل كثير من المعضلات مما ترتب عليه زيادة فى الإنتاج وتقدم إلى الأمام وما الفرق الذي نشاهده بين الدول المتقدمة والدول النامية إلا مؤشر أساسي على قدرة المجتمعات المتقدمة على التعامل مع المشكلة الاجتماعية وإيجاد الحلول المناسبة وتعتبر الكتابة أحد الأساليب والأدوات الفعالة فى تمهيد الطريق للتعامل مع المشكلة الاجتماعية وعليه تبنت تلك المؤسسات والمعاهد مبدأ الكتابة المتخصصة للتعامل مع المشاكل الآتية التي يتعرض لها الأفراد والرد عليها بأسلوب علمي متخصص وثبت من الدراسات أيضا أن هذا الأسلوب له أثره  المباشر فى تحجيم وحصر المشكلة إضافة إلى تلك الحلول المقترحة التي غالبا ما تساهم بشكل فعال فى معالجة بعض المشاكل وما تقوم به الأخت الفاضلة كريمة شاهين فى زاويتها ” أحرف وكلمات” إلا أسلوب ناجح من أساليب العلاج الاجتماعى ولقد قمت بمراجعة أكثر ما كتبته بهذا الخصوص وتبين أنها قامت بدور اجتماعي هام لمساهمتها الفعالة فى تحليل المشكلة الاجتماعية وعرضها ثم إيجاد الحلول لها ولقد أعجبت حقا بتلك الحلول التي تنسجم مع ديننا وتقاليدنا وواقعنا الاجتماعي وهو منحى مهم فى التعامل مع المشكلة ولا شك أنه يساعد بشكل مؤثر فى تخفيف تلك المشكلة ولقد كان لأسلوبها الشيق والمحدد والواضح أثره المباشر أيضا على تلك النفوس القلقة . وإنني على ثقة من أن الاستمرار فى هذا الاتجاه من شأنه أن يسهم فى حل كثير من المشاكل ويطور المفهوم السليم للتعامل مع المشكلة الذي أصبح ضروريا فى خضم هذه الأمواج المتلاطمة عبر هذا البحر الاجتماعى الهائج و إنني أدعو كافة المهتمين والمتخصصين فى العلوم الإنسانية بشكل علم والدراسات الاجتماعية بشكل خاص إلى الإطلاع على هذا الكتاب للوقوف عن كثب على ما يدور حولنا من مشاكل اجتماعية لتحقيق الفهم والتبصر الاجتماعي المطلوب .

د . محمد صالح المهينى

لو كان الحب هو الحب ..؟!

       أمسك القلم برهة وهواجس الحيرة تعصف بى .. فأنا قليلة الحيلة “الحديث الرسمي ” والأسلوب المنمق ” الذي تستلزمه وتتطلبه مقدمات الكتب !

       كم أشعر أنني مقيدة عند كتابة ” المقدمة ” لست أدرى كيف أفسر ذاك الشعور الثقيل , ولست أفهم لماذا أحس وكأنني مضغوطة داخل ” قالب ” محدد يتحتم علىّ ألا أحيد عنه , أو كأنني ” محبوسة ” داخل ” إطار” معين يملئ علىّ ألا أخرج منه ؟!

       ولكن بما أن طبيعتي تنفر من هذه القوالب , وتفرّ من تلك الأطر , ما أنا أحلق بعيدا عنها , وأكتب ببساطة وعفوية دون تعمد أو تكلف .. وأقول :

       إنني سعيدة جدا بلقائى معكم من جديد عبر ( الجزء الثاني ) من كتاب ” أحرف وكلمات ” وأعلن بمنتهى الصدق أنني عشت الفرحة كلها , ولم تسعني الدنيا كلها وأنا أرى ” الجزء الأول ” يخرج إلى النور ويلقى منكم التشجيع الكبير .. والإقبال الكثير مما أدى إلى طباعته مرة أخرى فى وقت زمن قصير …

حقاً ..

       إنه الحب الذي يربط بيني وبينكم .. حمداً لله .. ألا يقولون أنه بين القلب والقلب رسول ؟! … والآن

       لن أخفى عنكم سرا يتعلق بكتابي هذا الموجود بين أيديكم فى تلك اللحظة , عندما أصرح أنه جاء ” مصادفة ” أثر النجاح الباهر الذي لاقاه شقيقه الأول , مما شجعني وحدا بي إلى التفكير جديا فى إصدار كتاب آخر يحوى مجموعة مشاكل جديدة , وإن كان يحمل نفس العنوان .. ذاك الذي أحب وأتفاءل .

وقد يتساءل البعض عن السر فى هذا التفكير , والسبب وراء هذا الإصدار ..؟!

إنها مشاكل أتت من الحياة , وانبثقت من الواقع الذي يبدو أحيانا , وكأنه يتصارع مع الخيال .

هذه المشاكل تلتقي هنا وتتركز بمثابة خلاصة تجارب ذاتية . ونتاج مواقف حية , أحيانا ما تتشابه فى ظروف المجتمعات المتقاربة العادات والتقاليد  .. وبالتالي نرى كثيرا ما تتكرر نوعية المشاكل , وإن اختلفت طريقة مواجهتها وتضاربت أساليب معالجتها … وهنا يصبح للتجربة قيمة , وللخبرة فائدة ومعنى , فليس من المفروض أن يمر كل من بنفس الظروف الخاصة الحرجة , كى يخرج بنفس النتيجة أو أخرى تقاربها .. ليس من الضروري على الإطلاق أن يعايش الحدث ذاته . وأن يحرق أعصابه , ويبيد راحة قلبه  , ويشتت هدوء نفسه .. ولكن .. بالقراءة الذكية . القراءة الواعية المتبصرة يمكنه أن يستوعب . ويستفيد من نتاج تجارب الآخرين .. ” فالسعيد من اتعظ بغيره , والتعيس من اتعظ بنفسه” واعتقد أن نشر هذه المشاكل يفيد فى إضافة المزيد من الخبرة والمراس . ويوضح كيف يمكن تجنب الخوض فى الموقف الصعب والقاسي والحزين دون مشاق التعرض الذاتي عبر ” التجربة الشخصية ” .

وأقتنع بمنطق هذه الرأي .. وأنا ألمس الصدى الكبير الذي انطلق مواكبا الجزء الأول من ( أحرف وكلمات ) .. جاء الصدى كبيرا وجاء انفعالي عظيما , وأنا أسمع النقاش يدور . يحتدم بين مصدق ومكذب لما احتوى من مشاكل . هي بعينها مواقف صعبة وقاسية واجهها بعض الناس فى لحظة ضعف عبرت حياتهم .

.. لا يمكن أن أنسى ذلك ” السؤال ” المكرر المعاد . ذاك الذي سمعت من كل قارئ يمسك بين يديه الكتاب ” المشاكل هذه كلها حقيقة ؟! ” .

وأقسم وأؤكد أنها فعلا مشاكل حقيقية مائة فى المائة , فالحياة تحفل بالكثير الكثير الذي يقف الخيال أمامه عاجزا واهنا معترفا بالقلة والضآلة .

وهنا .. أهمس جذلة أنني حرصت على إضافة بعض من ( همس الحب ) الذي ينبثق ويزدهر من حدائق الشعر , وضممته إلى صفحات هذا الكتاب كي  يضفى عليه بعض الطراوة ويضيف إليه بعض الحلاوة . فيصبح حافلا بواحات ظليلة وارفة يرتاح فيها القلب ويسكن , إثر لهاث مع الألم الطويل عاشه عبر مواقف حية نابضة تتوهج بالتجربة وتنطفئ بالخبرة . فلو كان الحب هو “الحب ” .. لغاب عنا العديد من تلك المشاكل .

فمع الحب .. تحلو الحياة . وبالحب ترتاح النفوس وتهدأ . وتمسى أقدر على المعيشة فى سلام مع الذات . مع الحب .. تتألق الحياة . وبالحب تبدأ الحياة . وتبسم الدنيا وتحفل بالخير و السكينة والمودة .

ومع الحب .. تنبض الحياة بالحياة . وبالحب تذوى المشاكل وتتضاءل الصعاب وتتلاشى الشدة . حقا .. إن لله محبة .

عصابة الأربعة !!

أنا فتاة أدرس فى الثانوية تعرفت على شاب كلن زميلا لأخي وكان يحضر عندنا فى المنزل مرات عديدة مما جعلني أحبه وأنظر إليه طوال الوقت من الباب  خفية دون أن يراني أخي , وهو أيضا أحبني لأني كنت أكلمه عندما يخرج أخي ليشترى بعض اللوازم له ولزميله , ولا يوجد فى البيت غيري فأمي مريضة فى الدور الثاني وأبى يذهب إلى عمله , وأيضا حدثته بالهاتف وقد تقابلت معه خارج المنزل مرات عديدة وكنت أخرج معه فى السيارة إلى أن أتى ذلك اليوم الذي لا أنساه مدى حياتي عندما اتصل بى فى الصباح ووعدته بان أخرج معه بعد العصر ويا ليتني ما خرجت .. خرجت وذهبنا إلى منزلهم وكان لا يوجد فيه أحد وجلسنا نتكلم وفجأة لعب بعقله الشيطان وحصل ما حصل , لقد سلبني عذريتي وزينة شبابي , ولكمن لم يكفه هذا بل كان يخفى فى البيت ثلاثة من زملائه لا أعرفهم وبرضاه هو دون رضا منى أيضا فعلوا مثل ما فعل بى فقد كنت فى غير كامل قواي الجسدية , خفت أن أصيح وعندما طلبت منه أن يأتي و يخطبنى قال لي كيف تريدينني أن أخطبك ونحن أربعة شركاء ؟ هل تريدين أن نتزوجك نحن الأربعة ؟ ومن يومها فكرت فى الانتحار بسكين المطبخ أو المرور أمام سيارة مسرعة ولكن كانت كلها تفشل لا أدرى لماذا ؟ وأخيرا فكرت أن أرسل لأخبرك بما حدث لى ولأقول لك أن زميلة لي وصفت لي خطة للانتحار لا تفشل أبدا وذلك لان الخطاب كثروا على المنزل ولكني كنت أرفضهم أو هم ينسحبون لان الأربعة كانوا يقولون لهم الحادثة وأتمنى من الله أن لا تقع فتاة فى مثل مأساتي هذه .

ملاحظة :

عندما سألته لماذا فعلت هذا ولماذا أيضا بزملائك قال لي : إن لهم جمائل على وأردت أن أرد لهم بعض هذه الجمائل . المعذرة لطول الرسالة أنا لا أخاف من كتابة أسمى كاملا لانى سوف أصبح تحت التراب بعد لحظات أرجو أن تنشرى الرسالة كاملة والاسم كذلك .

عزيزتي ..

أكتب إليك و قلبي يحترق , وكل أمنيتي أن تكوني ما زلت على قيد الحياة , وها هو ردى إليك يخبرك كم حاولت أن أتفادى الوقوع تحت السيطرة هذه الفكرة .. فكرة انتحارك لا قدر الله  .

طبعا عزيزتي باستنكار شديد المرارة قرأت رسالتك البسيطة العفوية رسالة تحكى قصة فتاة بريشة طاهرة شعر قلبها يوما بالحب الرقيق النظيف , فانصاعت له , وتمادت فيه دون أن تشعر بخطر الموت الدامي يتربص بها ..

كان يمكن لهذا لحب أن يتطور ويتقدم لك هذا الشاب خاطبا , لكنه كان من نوعية رديئة , نوعية سفلى من حثالة البشر , فحطم فتاة مسكينة بريئة ساذجة لا تفهم فى أمور الدنيا شيئا !!

بل لم يكتفي بنفسه , لكنه مساق إليها ثلاثة وحوض آدمية أخرى أخذت تنهش وتنهش فريستها الدامية الممزقة العاجزة تماما عن الدفاع عن نفسها  .

عزيزتي ..

لا تيأسي من رحمي الله .. فالله شديد العقاب , وثقي أن هؤلاء الأربعة “العصابة ” لن يفلتوا من طائلة القانون وسوف يسقطون يوما لينالوا أقصى عذاب يليق بأفعالهم الشوهاء إن لم يتوبوا ويصلحوا أنفسهم ويستغفروا ربهم ..

عزيزتي ..

لا تندبي حظك حتى الموت .. وفكري فى أمك المريضة العاجزة التي هي فى أمس الحاجة إليك فكرى فى أبيك الرجل المحترم الذي يفخر بك ويعتز , وفكري فى أخيك الذي يجهل ما حدث لك ولن علم ما كان سكت على فعلة صديقه الخائن الخبيث , الذي فتح له بيته على الآخر … وهذا خطأ أحسبه عليه  ..

فكرى فى هؤلاء .. ثم أعيدي اختيار القرار .. حياة أو موت ؟ وكم أتمنى لك الحياة فأنت بريئة لا تستحقين هذه الميتة المنتحرة , التي ستفجر فضيحة كبيره لأهلك , فى الدينا .. وعذابا مقيما لك فى الآخرة .. فكرى عزيزتي أرجوك .. واصرفي نظرك تماما عن الزواج فى هذا الفترة وانكبي على دراستك ومع الوقت ربما تحدث أشياء أو مفاجآت لا تتوقعينها الآن , فقد يصحو ضمير هؤلاء الأربعة ويتقدم لك أحدهم مصلحا ما فعلوا بك , متندما كيف أجرموا إلى هذا الحد فى حق عذراء بريئة , عذراء نقية لا تستحق عقابا شنيعا كهذا عندما اخضر قلبها .. وأحس يوما بنبض الحب ..!!!!

 

 

حطام الأحلام

أنا شاب وسيم من أسرة عريقة وغنية جدا . فى  إحدى سفراتي تعرفت على صديق من بلد والدتي وصرنا نتقابل فى كل يوم وتوثقت عرى الصداقة بيننا وأصبحنا الكاد نفترق وفى أحد الأيام أدخلني إلى بيته فى عرفني على أهله ورأيتها , ويا ليتني لم أرها , وبدأ قلبي يخفق . أحببتها بصدق وبادلتني الشعور نفسه بحب طاهر , نقى من كل غاية . وأخذت أعد الدقائق والساعات على أمل بان أجتمع بها , قد كنت فى آخر مرحلة تعليمية فأخذت أدرس بجد ونشاط وفى بالى هدف واحد ونجحت بتفوق وصممت على أن أكون نفسي دون الاعتماد على مال أو مركز أبى وذهبت إلى بلادها وأسست مكتبا ونجحت فيه وعندها أخذت فى تأسيس عش الزوجية الذي سيجمعنا وأخبرت أخاها بقصة حبنا وعزمي على الزواج منها ورحب بالفكرة ووافق فسافرت لأخبر والدي ووافقوا على زواجنا ولم تسعني الدنيا من الفرحة  .. ومن هنا تبدأ اللحظات المرّة فى حياتي .. فى أحد الأيام وأنا داخل إلى مكتب والدي أصابني إغماء وحالة إعياء شديدة ولم أتمالك نفسي واستيقظت وإذا بى فى المستشفى , سألت والدي عما أصابني فطمأنني عن حالتي ولاحظت بعد ذلك زيادة فى العطف والرعاية من أهلي , وفى أحد الأيام اكتشفت الحقيقة بالصدفة , وصعقت من وقع الخبر لم أتألم على نفسي بمقدار ألمي على حبيبتي . فقد كتب علينا القدر الفراق بعدما كمنت على وشك الزواج منها , وهذا قضاء الله وأنا مؤمن ولا اعتراض لي على مشيئته وقد كتب على هذا ولا مفر منه فقد علمت أنني مصاب بمرض لا شفاء منه إلا من عند الله وأصبحت أيامي معدودة فى هذه الدنيا ولم انطو على نفسي بل صممت على ممارسة حياتي الطبيعية , فذهبت إلى بلادها وأصبحت أذهب إلى مكتبي بصورة طبيعية وأخذت أبتعد عن حبيبتي بلباقة وبعثت لها رسالة وأفهمتها بأني لم اشعر بأي عاطفة نحوها وبأننا يجب أن نفترق ولكنها كانت تحبني بشكل قوى جدا ولم تقبل فراقنا وصرت أهملها وهى متعلقة بى . ولا تدرين كم هذا يحز فى نفسي من ألم وعذاب شديدين وأصبح كل تفكيري منحصرا بها ولا يعلم أحدا إلا الله مقدار حبي لها ولماذا أفعل هذا كله ؟ لأجلها كي لا أربط حياتها بحياة إنسان منته وأسبب لها التعاسة هي فى بداية عمرها وأحطمها .. فالحب تضحية قبل كل شئ . وحضر أخوها ذات يوم إلى مكتبي ولكنني أقدر شعوره , فلم يدر بحقيقة مرضى مخلوق سوى أهلي وخم يعتقدون بأني لا أعرف الحقيقة وتكررت سفراتي إلى الخارج للعلاج ولكن كل التقارير تؤكد بأنه لا علاج لهذا المرض فقد يوجد مسكنات وعند عودتي من إحدى سفراتي من الخارج سمعت بأنها حاولت الانتحار وبأنها بحالة خطرة وفى المستشفى ولا تدرين كم بلغ بى التأثر , فوق عذابي الجسدي أضافت لي عذابي النفسي وذهبت إلى المستشفى كي أراها فمنعني أخوها ولم أستطع أن أشرح له قصتي فأنا لا أريد أن يشفق على احد وتدهورت صحتي بعدها بشكل ملحوظ ودخلت المستشفى وأنا أكتب لك بعد أن يئست من كل الحلول ولا اعرف كيف أتصرف بعد أن حاولت بكل وسيلة ممكنة بأن أجعلها تكف عن حبي وتفكر فى مستقبلها , فالحياة أمامها طويلة وتستطيع أن تكمل بدوني . لا تقولي لي أخبرها بالحقيقة فأنا لن أقدر وعذرا على طول الرسالة .

أخي العزيز

فى كلمات رسالتك صدق كثير . صدق مؤثر محزن . فأنا الآن أمام نهايتين أليمتين لشاب وشابة فى ربيع العمر ومقتبل الحياة . كلاهما مصارع  الموت فوق الأسرّة البيضاء    !

حقا .. الموت علينا حق والموت قضاء الله وقدره , فلا يجب أن تشعر بالخجل أو الحرج منه , فليس هناك الإنسان الخالد السليم الصحيح ..

أنا أعلم أنك تتعذب , وأدرى أنك تتألم , ربما بقدر يفوق الوصف  فعذابك مزدوج لك ولها . لأنك قد أحببتها بصدق .. فأشفق عليها وارحمها من الموت بسببك ومن أجلك .

كن صادقا معها .. فلا عذر لمداراة الواقع مهما كانت حساسيته , ولا تتصور أن تكتمك حقيقة مرضك تضحية ! بالعكس .. بل هو الظلم بعينه , لأنك تهدم فتاتك التي أحببت , تتسبب فى جعلها تموت حزنا وحسرة من جراء حب صادق الشعور , أمين المضمون تظنه هـي ويا  للأسف حبا كاذبا غادرا خسيسا فلماذا ؟! تظلمها وتظلم نفسك زورا و بهتانا ؟!

أخي …

لن ينجو من الموت إنسان , ولو كان فى آخر الدنيا .. هو قادم , وكل نفس ذائقته لا محالة . فلنعش بصدق . ولنمت بصدق . فالرجولة فى الصدق والصراحة والإحساس بالمسؤولية ومواجهة الواقع بكل قسوته وصعوبته .

فكن رجلا قويا قادرا حتى وأنت تصارع ضراوة الضعف والمرض .. وصارحها أخبرها بشجاعة بكل شئ .. أخبرها بالحقيقة مهما كانت مريرة قاسية فهي الأخرى جديرة بالشفقة والرحمة واعمل أنك بذلك ستنقذ حياتها , وستنقذ نفسك من نصف عذاباتك وسيرتاح قالبك وتهدأ روحك .. صدقني .

وتأكد أنك لو نظرت إلى عذابها فسيهون عليك عذابك , ولن تحس بمأساتك وحدها ,.. عندما تحس بهول آلامها التي هانت معها حياتها . من أجلك .

دعها تعيش معك .. إلى جانبك , دعها تمضى معك لحظات زمانك الحافلة بالحب , المشحونة بالحنان .. دعها تجاورك وأنت فى حاجة لها لتمنحك حب الدنيا كله ..

ومن يدرى يا أخي .. ألم يقولوا : بالحب تخضر الصحراء ؟! من يدرى .. فقد يمن الله عليك بالشفاء وهذا ما أتمناه لك من أعماق قلبي فلا تيأس أبدا من رحمة الله فهو الرحيم الرءوف العطوف .. والله معك .

 

إغراء !

أنا شابة فى الثالثة والعشرين من العمر تخرجت من الجامعة وتوظفت فى إحدى الشركات مشكلتي أن كل شخص أكلمه فى الشركة يتصور بأني أحبه ويبدأ يغازلني ويظهر لي حبه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حتى أن بعضهم يرسل لي رسائل تحمل كلام حب أو أبيات شعر لعاشق أضناه السهر والعذاب وهؤلاء الأشخاص من أنواع مختلفة منهم أعلى من درجتي الوظيفية ومنهم أقل وكذل بينهم متزوجون وبينهم عزاب ولا أدرى ماذا أفعل وبأي طريقة أتعامل معهم حيث أنهم جميعا فى مخيلتي دائما وأطيافهم تطاردني . وفى كل لحظة بأتي أحدهم فى خيالي وأفكر فيهم وهم قد شغلوا حياتي ولا أدرى أيهم أحب و أيهم اختار فأرى نفسي تارة أمير إلى أحدهم وتارة أميل إلى الآخر وكلها بطرق خاصة لا يشعر بها أحد كما أ، كل واحد فيهم لا يعلم بالثاني .. وهكذا .

وعندما أراجع نفسي وتصرفاتي أرى بأني أتعامل مع الجميع بطريقة واحدة حيث أنني دائما طبيعية فى كلامي ومعاملتي , كما أن جمالي متوسط وملبسي اعتيادي فيه شئ من الذوق والأناقة وأرى نفسي لا أقوم بالإغراء التصرفات الأخرى التي أريد أن أثير بها الرجال حولي فماذا افعل وكيف أتصرف فإني أتعذب كثير لأن الأشياء التي تحصل حولي ليس لي فيها أي ذنب سوى أنني هادئة وذكية وحاصلة على ثقة الجميع واحترام وتقدير الجميع وهذا ما يجعلهم ينجذبون إلى فهل هذه الصفات تجلب المتاعب لأصحابها ؟؟

أرجو أن تدليني على طريقة أتصرف بها هل أتزوج شخص إن تقدم لي بشرط أن يكون من خارج الشركة لكي هؤلاء أشخاص وقد أصبحت امرأة متزوجة عندها لا يكلموني أم هل لديك حل آخر ؟؟

عزيزتي

مشكلتك تذكرني بقول أحد فلاسفة الإغريق حينما تكلم مخاطباً حواء : ” أنت الباب الذي يقود إلي الشيطان .أنت التي فتحت الطريق إلي تلك الشجرة المحرمة . أنت أول من عصي أمر الله . أنت التي أغريت الرجل حين عجز الشيطان عن أن يغريه ” وفي العشرين قال زكي مبارك : ” المرأة تملك أصول الشهوات . والمرآة في جميع أحوالها مصدر فساد ولها مداخل إلي الفتنة يعجز عنها إبليس”.

أنا لا أقصدك تماماً بهذه المقتطفات ذات المعاني القاسية على المرآة : ولكني أقصد طريقك سلوكك الغربية في العمل !! إذ يستحيل أن تكوني جادة حازمة صارمة مع الزملاء ، ولا أقول كئيبة عابسة .. ثم تلقين كل هذا الولع والهيام !!

مستحيل عزيزتي ، مستحيل ، وأنت نفسك تقولين ” جمعهم في مخيلتي دائماً وأطيافهم تطاردني .. وأفكر فيهم وهم قد شغلوا حياتي “.

ومن هنا بدأت مشكلتك .. فأنت حائرة تتساءلين ، لا أدري أيهم أحب وإيهم أختار ؟ فضلت أن تختاريهم كلهم وأن تحبيهم كلهم ، وأن تغريهم كلهم .. والشاطر هو الذي يسبق الآخرين .. أليس كذلك ؟؟

أنت تنكرين وتنفين أنك لا تقومين بحركات الإغراء ، ولا التصرفات الأخرى التي تريدين أن تثيري بها الرجال من حولك .. ولكن الحقيقة هي أنك تفعلين ذلك عمداً ، ومع سبق الإصرار.. والترصد !

لماذا ؟!

لأنك يا فتاتي الذكية الهادئة فاتك أن تعرفي أنك بلا شعور واع تبحثين عن “زوج ” ولذا استقطبت كل هؤلاء المتزوج منهم والأعزب ، على أمل أن يتقدم واحد منهم زوجا لك .. وهذا ما تنشدين وتتمنين .. وتنتظرين !

ولكن .. بأسلوبك هذا يقطر إثارة وفتنة وإغراء ، لن تجدي حولك سوي العذاب والوحدة والشيطان ، الذي أخشي أن يجرفك إلي تيار أكثر عمقا ، تغرق فيه سمعتك وسنوات شبابك . فغيري من نفسك حتى يغير الله ويبدل أحوالك إلي الأفضل والأحسن.

 

همسة حب

جنتي

جنتي كوخ وصحراء وورد                  وحبيب هو لي رب وعبد

وصبـاح شـاعـري حالم                     أتغني فيه بالحب وأشـدو

وأرد القيد عـن حـريتي                             كاذب مـن قال إن الحب قيد

وأري الصحـراء ملكي وأنا                  وحبيبـي بالأمـان نستبــد

يـا لعينيـه ويـا لي منهما                     فيهما دفء وإشراق وسعد

وأري الرمل قصورا ، وأنا                  بذراها في جلال الملك أبدو

وأري الصبار أحلي زينتي                  فهو لي تاج وخلخال وعقد

وأرش الحنظل المر مني                          فإذا الحنظل في كفي شهد

وأري القفر رياضا غضة                   أنا فيها ظبية تلهو وتعدو

*********

يا حبيبي ، هذه أحلامنا                          آه لو يصدق للأحلام وعد

د. سعاد عبد الله المبارك الصباح

عين الشيطان

مشكلتي تقص مضجعي حيرة وقلقاً وهي تدفعني للجنون ، فأنا شاب في الثانية والثلاثين من عمري من ذوي الدخل المحدود ، فتحت عيني على هذه الدنيا لأجد نفسي مسؤولاً عن عائلة ، والدتي وأخواتي الخمسة ، بعد أن توفي والدي ولم يترك لنا من حطام الدنيا شيئاً وأنا أعمل منذ عشرين سنة ومع ذلك لم أستطع أن أوفر أي مبلغ يمكنني من الزواج والاستقرار بعد هذا التعب الطويل نظراً لضخامة مسؤولياتي ولا أخفي عليك يا أختاه أني أعاني من فراغ عاطفي لا يطاق ومع هذا لم أرتكب الفاحشة في حياتي لأني رجل مؤمن أخاف الله.

ولكني لم أعد أحتمل فأنا بشر ولكل شيء نهاية . فهناك امرأة شابة تسكن في نفس الحي الذي أسكنه تراودني عن نفسي وكدت أضعف أمامها في كثير من الأوقات ولكني كنت أتمكن من كبح جماح عاطفتي في الوقت المناسب. وفي نفس الوقت لي جار عجوز ، بخيل أقصي درجات البخل ، يعيش كما تعيش البهائم والحيوانات ، بيت خال من أي أثاث يذكر اللهم إلا من خزنة حديدية كبيرة مليئة بالمال كنت أراه دائما وهو يضع فيها النقود بكميات كبيرة . المهم أني أراقبه منذ زمن لأن نافذتي مواجهة لنافذة بيته وقد تمكنت بواسطة المنظار المكبر من معرفة أرقام الخزانة وأنا أفكر الآن بسرقته ، نعم أفكر بالسرقة فما فائدة هذه الأموال وهي تابعة في مكانها لا يستفيد منها أحد اللهم إلا هذا العجوز اللعين الذي يأتي لخزنها والفرجة عليها صباحا ومساء وأنا والكثير من الشباب لا نستطيع أن نؤمن عيشنا إلا بكل مشقة وتعب ؟!

أنا واثق أنني بهذا المال سأكمل نصف ديني وسأساعد الكثير من الشباب الذين تتشابه ظروفهم وظروفي غير مباشر.

أختي الفاضلة : إن كان لديك حل لمشكلتي أرجو أن تسعفيني به فأمامي حلان لا ثالث لهما فإما أن اسرق وإما أن أنقاد وراء تلك المرأة لأطفئ نيران عاطفتي فأي الحلين أختار؟

أنجديني بربك قبل أن أبيع نفسي للشيطان.

اسمع يا أخي

لن أنصت لكلامك ، ولن أدخل زاويتك الضيقة التي تحاول أن تحصرني بها .

إن أمامك عدة طرق للخلاص من مشكلتك وليس طريقان لا ثالث لهما كما تعتقد .. بالطبع لن أوافقك على موضوع سرقة العجوز البخيل ، أو على إنشاء علاقة محرمة بالمرأة الشابة .. فكلاهما حرام ، وأنت مؤمن وتدرك ذلك جيدا .. فهل تخدع نفسك ؟! أم تبحث عن تبرير لمنطقك هذا ؟!

” أنا سأغلط .. لكن .. الظروف .. القدر .. ليس بيدي ما أفعله .. سأساعد المحتاجين أمثالي من الشبان ” ……. الخ !!

لا يا أخي لا .. أنت لست أرسين لوبين ، ذلك اللص الشريف الذي يسرق الأغنياء بهدف “نبيل ” ألا وهو مساعد الفقراء …!!

أترك الملك للمالك ، ودع الخلق للخالق ، وتعال معي إلي الطريق الواسع النظيف بعيدا عن زاويتك الحادة المسننة.

والآن أبدأ فورا البحث عن فتاة شريفة في نفس مستواك المادي فتاة تقبل أن تعيش مع أخواتك وترضي أن تشارككم حياتكم ومن يستطيع أن يطعم خمسة أفواه يستطيع أن يطعم ستة أو سبعة .

فاتكل على الله وابحث عن تلك الفتاة بإصرار وسوف تجدها ، فكل من يبحث عن شيء بإصرار سوف يجده حتى ولو كان إبرة في كومة قش ..

ملحوظة : لا تنس أن تكسر المنظار ، عين الشيطان هذا ، قبل أن يفقدك البصر والبصيرة .. حفظك الله..

تنازل !

أنا طالبة في الثانوي ، أحببت أبن عمي وقد بادلني نفس الشعور وتقدم طالبا يدي من أب فوافق الجميع.

وقد كنت ألاحظ على أختي كلما رأت خطيبي ، تغيراً واضطرابا كما كنت ألاحظ أنها تميل نحوه فأزعجني هذا الأمر وحاولت مصارحة خطيبي ولكنني لم أستطع لأنه كان يعتبرها أختاً له . وعندما أحسست أنها تحبه قررت فوراً التضحية فأخبرت والدي بأنني لا أريد خطيبي بحجة أنني أعتبره كأخي وقد تعجب لهذا الرفض وأعطاني مهلة للتفكير سنة كاملة وقد كنت أحبه حبا لا يوصف وفي خلال هذه السنة عادت المياه إلي مجاريها وعدت لحبيبي ولكنني لاحظت نفس الشعور والاضطراب من أختي فرثيت لحالها وقلت لها أنني أعتبره كأخ لي فلو أنه خطبك قبل أن يخطبني فهل ستوافقين فردت من غير أن تفكر طبعا سأوافق .. فشجعتني على هذا الرفض وطلبت مني أن أكتب له رسالة أبين له فيها أنني لا أريده ففعلت وقد أملتني الرسالة وأوصلتها هي له ولم أجعل أختي تشعر بأنني أحبه بل العكس وكنت أكتم هذا الأمر سراً بيني وبين نفسي ، فانزعج هو لهذا الرفض وحاول محادثتي ولكنني لم أعطه أي فرصة وانتهت المدة المحدودة وكان ردي الرفض وبعد أسبوع تقريبا خطبني ابن عمتي فلم أكن أحبه أبداً لأنني أحب خطيبي السابق فأخبرني والدي بذلك وقال لي إن رفضت ابن عمتك سأزوجك من شخص لا تعرفين عنه شيئا أي مجهول الشخصية

وبالطبع وافقت على ابن عمتي لسببين

  • لاعتقادي بأنني سوف أنسي خطيبي السابق ولكن كان العكس.
  • خوفا من والدي وتهديداته لي.

وتمت الخطبة الرسمية بيني وبين ابن عمتي وقد كتب الكتاب مع أنني كنت لا أحبه أبداً .

وبعد شهر تقريبا تمت خطبة أختي لخطيبي السابق . فأصبحت لا أطيق شيئاً من هذه الدنيا وأصبحت دائمة التفكير والسرحان وقد حاولت مراراً الانتحار ، بربك دليني على الطريق الصواب

وأرجو أن تردي على رسالتي في أقرب وقت لأنني في أنتظار ردك على نار وشكراً

انتهي الموضوع .. وأسدل استار !! فأنت قدمت التضحية عن طيب خاطر دون إجبار من أحد . ومعني كلمة تضحية أن يقدم الإنسان الشيء تطوعاً.

وهذا النوع من البشر .. أمثالك ، عنده عطاء غير عادي ، عطاء فوق مستوي البشر.

وأنت .. بعد أن أديت هذه التضحية الجسيمة ، وبعد أن خضت هذا الموقف الكبير ، الذي ربما جاء أكبر منك .. لن يمكنك التقهقر والانسحاب الآن .. فقد فات الأوان .. فابن عمك خطيبك لم يتركك بل أنت التي تركته ، هو لم يخنك ولم يهجرك ، بل أنت التي فعلت ذلك من نفسك .. وبنفسك !! أما أختك فهي على خطأ فلم يكن يجدر بها أن تنظر إلي خطيب أختها أبداً ، مهما كان الموقف سواء كانت تحبه أم لا ، هي غلطانه 100%… وللأسف أنت أعطيتها الفرصة لتمارس غلطها فيحقك وحق ابن عمك .. وحق نفسها فهي لن تنجو من عذابات الغيرة والندم ، وتأنيب الضمير.

واليوم .. عليك أن تقبلي الأمر الواقع ، مهما كانت شدته وقسوته ولا تظلمي ابن عمتك زوجك الحالي فليس من السهل أن تحكمي على مدي صلاحيته زوجا لك عبر مدة قليلة لا تتجاوز شهراً واحداً!

حاولي الآن الهرب من مشاعر الغيرة الجوفاء ، والحسرة الكاذبة على الخطيب السابق . كفي فوراً عن رثاء النفس فلو كنت تحبيه حباً صادقا لما تخليت عنه أبداً . او تنازلت عنه بحال من الأحوال .. فهو أولا وقبل كل شيء إنسان . وليس شيكا أو كمبيالة يصلح للتنازل أو التحويل !!

أرجوك…

إنسي ما كان .. وانظري إلي مستقبل مشرق أمامك ، وعيشي راضية مع زوج يحبك ، بعون الله سوف تحبينه بالعشرة والزمن….

وأرجو أن تحرصي قدر الإمكان على عدم الالتقاء بزوج أختك الحالي ، خطيبك السابق حتى لا تشعلي النار الكامنة تحت الرماد .. وخشية أن توقظي ماضيا عملاقا جباراً، لو صحا من سباته لفتك بكم جميعا ولحطمكم واحداً تلو الآخر…..

أرجوك ابتعدي عنهما … وعيشي حياتك التي اخترتها لنفسك بكامل رغبتك فلم يغصبك أحد ، ولم يضطرك مخلوق لهذا التنازل الشاذ المهين

الغطاء

تزوجت من طفلة عملاها حين الزواج 12 سنة وعشنا في مشاكل ، ومرت السنون وكبرت ، ولي منها الآن 3 أولاد وبنت والمصيبة أنني لا أحب هذه المرأة ولكني أحترمها واعطف عليها ، فهي قبيحة ، ليس فيها أي نوع من الجمال ، وأمية لا تقرأ ولا تكتب ، وأنا عشت وزرت أقطاراً كثيرة وعرفت الكثير من البنات الحلوات ، والبعض منهن ، عرضن على الزواج وبما أني الآن مسافر وهارب من زوجتي المذكورة وأولادها ، فكرت في الزواج ، ولكن أتردد وأقول ما ذنب زوجتي وأولادها ثم ما ذنبي أنا ، فأنا لم أخترها بل أهلي أصحاب العقلية القبلية هم الذين اختاروها لي مع العلم أنه بإمكاني أن أعيل الأولي والثانية في حالة الزواج ، ولكني خائف أن أترك وأنسي الأطفال الأبرياء إذا تزوجت ، إنني أريد زوجة على الأقل تجيد القراءة والكتابة وجميلة ، وأحيطك علما بأن الأهل غير موافقين على زواجي من أخري لأن والدي يحبانها وهي تحترمهما وأيضاً مشهورة بأدبها ومحسودة من الناس لأني أعطيها بدون حساب عشرات الألوف وأرسل لها الثياب بالدرزن وكأنها أميرة ولكن ينقصها الجمال وأولادي لا يشبهونني بل يشبهونها وحتى الآن لم أسمع منها كلمة أحبك ولا أعرف هل تغار إذا خنتها مع امرأة جميلة ؟

فكلما رجعت من سهرة تشم ثيابي وتتكلم بأسلوب قاس وأسكت حرصاً مني على الأولاد ثم أقدر مشاعرها وأعرف أنني غلطت في حقها ولكن الذنب ذنبها فهي لا تسمعني الكلمة الحلوة بالرغم من أني أجاملها وأظهر لها المحبة أمام الجميع وجوابها السكوت . السكوت دائماً.

لم تحاول أن تشعرني بأنها تحبني ولا تحاول إثارتي بأي شكل من الأشكال وهي لا تحب التبذير فهي تحافظ على النقود وتتصرف بحكمة وتعاتبني عندما أبذر الفلوس ، فما هي النصيحة ؟! احكمي بالإنصاف هل أحرم شبابي وهل إذا تزوجت أظلم المسكينة ؟!

بل أنت تحب هذه المرأة .. ورسالتك هذه تعتبر رسالة مديح لزوجتك وليس ذما فهي في نظرك سيدة محترمة .. تحظي بحب أهلك .. مشهورة بأدبها بين الجميع محسودة من كل البنات على حبك لها وعطائك لها !

تتصرف بحكمة .. مدبرة تكره التبذير .. لا تحاول بشكل من الأشكال إثارتك !!

وأنت .. تبقي تجاملها وتظهر لها المحبة أمام الجميع ، وهي تسكت !!!

أنت في أعماق نفسك تحبها ، بل تعشقها ، وكل ما تتمناه أن تثير غيرتها .. أن تشعل نارها بامرأة جميلة تحرك فيها شعور الحب الجارف نحوك ، كي تنطق أو تعبر عما تحمله من حب لك.

أنت تبحث عن شيء تكشف به الغطاء عن أتون الحب الملتهب واخترت أن يكون هذا الشيء امرأة أخري.

زوجتك تحبك وتحبك .. وتحرص على بيتك ومالك وأولادك .. وتصونك في نفسها وبيتها ، ولن تحس بالحب إلا في قلبها .

فابق عليها معززة مكرمة ، ولا تشمت فيها حسادها . واسمع عزيزي قول الشاعر :

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى                 ما الحب إلا للحبيب الأول

اللعبة

أنا فتاة متزوجة عمري 25 سنة ، تزوجت من رجل يكبرني بسبع عشرة سنة ، قبل زواجي منه كنت على علاقة حب مع شاب من نفس جيلي جاء ليخطبني فلم يوافق أهلي لأنهم عرفوا أننا على علاقة حب ثم جاء زوجي الحالي ليطلب يدي واتضح لنا بعد عقد القرآن أنه متزوج وله أولاد . في أيام الخطبة كان يحبني حباً كثيرا ولم يدم هذا الحب طويلا فبعد أشهر من الزواج أصبح كلامه معي قليلا لا يهتم إلا بتجارته ولا يتواجد في البيت إلا نادراً وحين يعود في المساء يتعشي وينام ، أصبت بصدمة من جراء تصرفاته هذه ، حتى الكلمة الحلوة افتقدتها منه وصرت أرجوه عندما نكون مع بعض أن يسمعني كلمة حبيبتي ولو مجاملة فيقول لي هذا كلام مراهقين ، صدقيني يا أخت كريمة لم أفكر في بداية الأمر أن أخوانة فكرت كثيراً في حياتي معه خاصة أنني أصبحت حاملاً منه . كثيرا من الأوقات كان خيالي يسرح إلي البعيد وأتذكر كلمات حبيبي الأول الذي لم يكن يبخل على بكلام الحب والعطف والحنان ، وفي حياتي الآن مع زوجي الذي حرمني حتى الكلمة الحلوة ، وبعد أن وضعت مولودي الأول ، أصبح كل اهتمام زوجي بالمولود وأنا شبه موجودة في البيت . عندها فكرت في أن أخونه خاصة وعندي في البت جهاز الهاتف . حملت سماعة الهاتف واتصلت بحبيبي الأول ففوجئت بأنه غادر البلاد ليلة عرسي ولم يعد لها ، صرت أبحث عن أصدقاء صديقاتي وأتل بهم ليسمعوني الكلام الحلو الذي اشتقت طويلا لسماعة ولم يبخلوا علي في الكلام . المهم أنني استمريت لغاية الآن في تصرفاتي هذه أنتقل من شاب إلي شاب وأقضي معظم وقتي على التليفون وطلبت منه الطلاق عدة مرات ولم يوافق على الطلاق وكان يقول لي اعتبرك مربية لطفلي وكان كلامه هذا يجرحني ويحثني على الاستمرار في علاقاتي مع الشباب .

يمكنك يا أخت كريمة أن تتصوري أنني لنفسي من زوجي بهذه التصرفات وأنا الآن صرت أمارس هذه اللعبة ولا يمكنني الابتعاد عنها إذ أصبحت هوايتي وسلوتي الوحيدة ، علماً بأنني حملت وأنجبت طفلي الثاني ولغاية الآن أقسم لك أنني لا أستطيع الابتعاد عن تصرفاتي هذه فإن روح الانتقام في دمي تسري وأريد أن أنتقم من كل الرجال هذه هي مشكلتي فاحكمي فيها وأرجو أن يكون حكمك عادلاً.

عزيزتي ..

أنت تمارسين لعبة خطرة ، هي لعبة النار ، التي ستشب يوماً فتحرق وتدمر كل شيء .. فلا تستمرئي الاستمرار ، وكفاك ما كان ، وأرجعي قبل فوات الأوان..

مشكلتك هي الإحساس بالغيظ الحبيس من جنس الرجال ، فأبوك حرمك حبيبك ، وزوجك خدعك ، أخفي زواجه وإنجابه حتى عقد القران ، وحبيبك غادر البلاد ولم يعد ، فراراً من عذابات الهجر والغدر والفراق ..

هذه المواقف الثلاثة .. مع كل ما فيها من أحاسيس تضج بمرارة الظلم، وقسوة العذاب دمغت روحك بالضني ، وحفرت نفسك بمعول الأسى…

لا تستسلمي .. ولا تأتي حججاً واهية باحثة عن كلمات حب من فم زوج متعب غائب طوال النهار ، عائداً طالباً الراحة والهدوء ، لا شاكيا تباريح الهوى وقسوة الغرام …

حاولي أن تتخلصي من عقدتك .. ومع الوقت سوف تستغربين ما تفعلين ، سوف تعتادين أسلوب حياتك ، وتكيفين نفسك تبعاً لظروفك الحالية .. وتعودين أما حنوناً .. زوجة مخلصة وفية.

طاقة !

أنا شاب من عائلة مرموقة ومعروفة .. أحببت فتاة تصغرني بثلاث سنوات هي ابنة عمي، أحببتها حب الجنون ، وكانت تبادلني نفس الشعور ، كنا نتقابل كثيراً بعيد عن البيت وهذا ما كان له الأثر الأكبر لكي أبوح لها بكل ما يجول بخلدي ، وقد تعاهدنا على الزواج وكنا نحلم بالمستقبل والسعادة ، وذات يوم قررت الزواج منها فذهبت إلي عمي وخطبتها وكانت فترة الخطوبة من أحلي وأمتع الأوقات ، حيث زادت مكانتها بقلبي وحبي لها ، وما أن اقترب موعد الزواج حتى بدأت أعد الثواني والدقائق التي بعدها سوف نجتمع تحت سقف واحد وليلة الدخلة حدث ما لم يكن في الحسبان ، حيث اكتشفت أنها ليست عذراء وعندما سألتها عن ذلك لم تجب بل أجابت دموعها العزيزة .. ولم أستطع أن أفيق من هول الكارثة . ولا أن أتجاهل الموقف بل ألححت على أن تبوح لي بالحقيقة ولكنها بعد بكاء طويل أخبرتني أنها كانت على علاقة مع شخص آخر خذلها وأقسمت أنه لم يكن برضاها وعندما سألتها عن عدم إخباري بهذه الحقائق قبل الزواج قالت أن حبها لي قد أعماها عن حقيقتها المؤلمة .. وأن حبي لها سوف يزيل ذلك الكابوس المظلم ، ولكني لم أستطع أن أقف مكتوف الأيدي وصممت على إخبار عمي بذلك ولكنني ترددت ، لأن سمعة عمي من سمعتي وأخاف عليه أن يموت من هول الكارثة ، بالله عليك إنني لا أدري ماذا أفعل .ز لقد حاولت مراراً أن أقتل الشخص المعتدي ولكنني أتراجع ..

أرجوك أن لا تهملي رسالتي لأنني أنتظر الرد عليها بفارغ الصبر ..

أنت تحب بنت عمك كل الحب . وهي تبادلك الحب نفسه منذ ثلاث سنوات .. ولأجل الحب .. ولأجل صلة القرابة يجب أن تصفح عنها .. فعارها عارك ، وعيبها يعيبك ..

صحيح هي أخطأت بإخفاء الأمر عليك .. وكان من حقك عليها أن تخبرك صراحة بكل شيء قبل الزواج ، كي تتيح لك حرية الاختيار ، حتى لا تشعر أن في الأمر خدعة أو نوعا من التوريط أو الإجبار ..

وتأكد يا عزيزي أنك لو عرفت حقيقة الأمر في وقت مبكر كنت حتما ستستر عليها ، فالله قد أمرنا بالستر ، وأنت ابن عمها وتخاف أن يمس سمعتها سوء ، لأن شرفها هو شرفك وكرامتها هي كرامتك..

حاول أن تنسي ما كان وابذل قصارى جهدك لتجاهل هذا الموقف رغم قسوته ، فإن لم تستطع فلتنفصلا في صمت وهدوء ، وأيضاً لك عذر في ذلك ، فلكل إنسان طاقة محددة ، وكما يقال للصبر حدود .. ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها..

سرقة !!!

لا أدري كيف أبدأ مشكلتي فهي كالجمرة على قلبي ، لا أدري ماذا أفعل .. وأعدك بأن أعمل بما تقولين . أحببت شاباً حبا جنونياً وأنا متأكدة أنه يحبني ، وكنا متفقين على الزواج والآن كل أهلي تقريباً عرفوا بعلاقتي معه وأنه كان يحبني وأنا أحبه ، وبعد مضي سنة على حبنا أخذ يطلب مني مطالب غريبة بأن أحضر له بعض النقود ، وقال لي بأنه محتاج ويريد مني مبلغاً من المال ، وسألته لماذا يريده قال لأنه يريد أن يسافر وأنا كنت أخجل أن أرده فقلت له أن شاء الله ولكني تحيرت فما باليد حيلة غير أن أبيع عقداً ثميناً كان عندي وفعلا بعت العقد ولم يكمل النقود التي طلبها مني . حاولت ومددت يدي إلي مال والدتي وسرقت منها ما يكمل النقود وأعطيته ، وبعد أيام طلب مني مبلغا آخر ومددت يدي إلي مال أمي مرة أخري وأخذت المبلغ الذي يريده وانتهي الأمر ، ومنذ أيام طلب مني بعض الملابس ودبرت المبلغ واشتريت له هذه الملابس التي يريدها من فلوس أمي وانتهي الأمر ولكن منذ أيام طلب مني طلباً غريبا يريد العقد الذي ألبسه ، العقد ( ذهب) كانت الوالدة قد اشترته لي ، لا أدري يدون شعور عندما طلبه مني أعطيته والآن الوالدة اكتشفت أمر الملابس التي بعثتها له والمال الذي سرقته منها ، فقط بقي أن تعرف أنني بعت ذهبي وأعطيته عقدي . وهو إلي الآن لا يعرف بأن أهلي عرفوا بعلاقتنا . أخاف أن أقول له فيتركني بحكم أن أهلي يقربون إلي أهله ونسيت أن أقول لك بأنه شاب متدين ومن عائلة ليست فقيرة وأريد أن أخبرك بأن الوالدة جاءت تهددني وتقول أنها ستخبر والدي بأمره ، وتقول لأمه كي تتصرف مع أبنها . لا أدري ماذا أفعل . لا تقولي لي اتركيه لأنني لا أستطيع ، وفي نفس الوقت أريد أن أرضي أمي وأسكت ألسنة أخواتي في المنزل لأنني أصبحت شاذة بينهم ، قولي لي أرجوك يا أخت كريمة ماذا أفعل وأنا لا أستطيع أن أتركه ولا أستطيع أن أكمل معه لأنه لن يقدر أن يتزوجني إلا بعد 5 سنوات تقريبا ولا أستطيع أن أري أهلي يعاملونني بهذه الطريقة ولا أريد أن تذهب أمي إلي أمه لكي تعمل لي فضيحة بين الأهل ، وكيف أمي منذ أيام طلبت مني العقد الذي أعطيته له فقد قالت بأنها تريده . لا أدري كيف أقول له أن والدتي تريد العقد ، صدقيني يا أخت كريمة ضحيت بكل شي بمالي بوقتي بسمعتي بنفسي من أجله ولم أقصر معه .. ولكن لا يوجد باليد حيلة..

أرجوك أعطيني الحل المناسب لهذه المشكلة ولهذه الاستفسارات إنني أنتظرك على أحر من الجمر لكي تردي على وسامحني على خطي لأنني لا أستطيع الكتابة لأن يدي صارت ترتجف من شدة خوفي من المستقبل..

فعلا أنت لم تقصري معه .. لكنك قصرت مع نفسك جدا ، فمددت يدك إلي مال أمك وسلبتها ممتلكاتها دون إذن وأعطيتها لمن لا يستحق !!

يا للهول !!

فتاة في مثل سنك متعلمة مثلك تسرق أمها !! هذا عمل فظيع يا فتاتي ، وأتمني أن تندمي عليه ، لأنك تعلمين عقاب السارق ، هو قطع اليد ، فحذار تكراره مرة أخري .. طبعا .. الآن .. أعتقد أنك فهمت أن ذلك الشاب يستغلك بطريقة واضحة كالشمس ، فيسخرك لتلبية رغباته ، يخسرك براءتك وكرامتك .. واحترامك لنفسه..

وهذه أشياء لن تعوضيها كنوز الدنيا كلها .. أنت مازلت تنوين الانتظار خمس سنوات أخري على أمل أن يتزوج بعد انقضائها .. لكن .. هل سألت نفسك كم سرقة أخري .. تنوين ارتكابها لإرضائه ؟! وهل سألت عن المصير المظلم الذي ينتظرك عقب ذلك !!

وإذا كان هذا الشاب المحترم يدفعك لسرقة المال لجلب المال له ، بعد إلحاحه عليك ، فيا تري من ستسرقين إثر افتضاح أمرك بين أفراد أسرتك !!

أعقلي يا فتاتي .. وعودي إلي عقلك ، وابتعدي عن هذا المستغل السفيه قبل أن ينفذ صبر أمك ويحدث ما لا تحمد عقباه..

 

شيء !

أنا رجل أبلغ من العمر حوالي أربعين عاماً ، متزوج ولي أربعة أطفال أحب زوجتي وهي كذلك تحبني ولم أبخل عليها بأي شيء مطلقا ولا علي أولادي .. وأحمد الله أننا نعيش في راحة كاملة ، إنني بنيت لهم بيتاً كبيراً ولا ينقصهم أي شيء من متطلبات الحياة، ولكن فجأة ومنذ خمس سنين ماضية تغيرت زوجتي من جهتي وأصبحت ترفض مجامعتي وتقول بأن صحتها لم تعد تسمع بذلك . عرضت هذا الموضوع على أقرب الناس إليها وهي أمها ولكنها لم تستجب لكلام أمهما .. وأصرت على رأيها وأنا كرجل أحتاج لإشباع هذه الرغبة الغريزية بصورة مستمرة ، وإذا لم أمارسها أصبح مريضاً ، وأنا لم أتعود استعمال القوة مع زوجتي ، وأميل إلي السياسة ولكنها لا تستجيب لي وقد مرت الأيام والشهور والسنون وأنا أعاني من هذه المشكلة المرهقة حتى تركتها وسافرت إلي الخارج كي تعرف بأن للزوج واجباً كبيراً عليها وعدت إلي أولادي بعد غياب عدة شهور ، ولكن بعد هذه المدة الطويلة لم أر أي تغير في سلوك زوجت حول هذا الموضوع فعدت وسافرت إلي الخارج بعد قضائي شهرين معها وأنا في أشد الزعل والحيرة والقلق..

أختي الكريمة / كريمة شاهين

أرجو من حضرتك أن تساعديني ” ماذا أفعل مع زوجتي علماً أن لي أولادا كبار ” وليس في نيتي زواج آخر _ كيف أتصرف إذا استمرت على هذه الحالة – مدة أخري ؟!

والله الموفق..

في مشكلتك نقطة حيوية أثارت اهتمامي .. وهي انقطاع زوجتك المفاجئ عنك ، بعد هذه السنين الطويلة من المعاشرة الزوجية !!!

فإذا افترضنا أنه لا يوجد سلوك إلا وراءه دافع، لأدركنا إذن أن وراء تصرف زوجتك هذا سبباً معيناً ، سبباً مؤكدا يدفعها لرفضك كرجل وليس كزوج .. فما هو هذا السبب يا تري ؟!

هل هو سبب عضوي نابع من مشكلة صحية تؤثر على مقدرتها الجسمانية ؟! فيجعلها ترضي بك زوجاً ، ولا تقوي عليك رجلاً ؟! أم هو سبب آخر ؟!

بالطبع لن أقول أنها امرأة مطحونة تعاني من طبيعة العصر التي تجعل المرأة مرهقة بسبب أعباء العمل سواء داخل البيت أو خارجه ، وبالتالي تقل رغبتها الجنسية ، وقد تصاب بالبرود الجنسي .. لن أقول ذلك لأنك توفر لها كل شيء ، فيبدو والحمد لله أنك ميسور الحال ، لا تبخل عليها بشيء .. إذن .. نعود لنتساءل مرة أخري .. ما هو السبب يا تري ؟!

من تحليلي لرسالتك لاحظت أنك رجل ذو غريزة متميزة تحتاج لإشباع دائم ومستمر . ويبدو أنك كثيرا ما تفاجئ زوجتك بهذه الرغبة المتأججة في أوقات قد تكون هي غير مهيأة نفسياً لها ، أو غير مستعدة جسمانياً لها …

أيضاً ربما تكون قد أغضبتها دون أن تدرك ، أو زعلتها دون أن تشعر .. وبعد ذلك تأتي تطلب منها أن تلبي رغبتك متي شئت وبلا سابق تمهيد ؟!

لذا يجب أن تسأل نفسك : ما هو السبب يا تري ؟!

وقبل ذلك يجب أن تعرف أن المرأة إنسان ذو إحساس ومشاعر ، قبل أن تكون حيواناً ذو رغبات وغرائز ..

يجب أن تلتفت إلي قلبها قبل أن تنظر إلي جسدها . جب أن تهتم بحالتها النفسية / كما تهتم بحالتها الجسدية !

عاملها بمحبة وعطف ومودة ، عاملها بلين وشفقة ورحمة ، ولا تفرغها من إنسانيتها وتحولها إلي شيء أو أداة…. شيء لإمتاعك . وأداة لخدمة شهوات ورغباتك !

ولا تنس أبداً قول الرسول الكريم : ” لا ترتموا على زوجاتكم كالبهائم “. وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم.

 

كارتون !!!

إليك هذه المشكلة من واقع أليم أعيشه أرجو نشرها على كل الملأ ليعرفوا مأساتي ويغيثوني قبل أن ألجأ إلي الانتحار ..

إنني فتاة تجاوزت الثامنة عشرة من عمري ، تعلمت حتى الصف الثاني ثانوي ، متوسطة الجمال ، أعيش في عائلة متوسطة الحال وإنني خائفة وخجولة فإليك حكايتي كما أعانيها وأنا أمامك .. أنا فتاة ضائعة بين أمواج الحرمان والألم .. والعذاب هل هذا ممكن أن يحدث ؟؟! وما هو ؟؟! رجل كبير .. يناهز الخمسين من عمره .. متزوج .. وله أبناء ” بنين وبنات ” ولكن ما الغريب في هذا ؟! إن هذا الرجل الذي يسمونه من ذوي الخبرة الطويلة في الحياة .. ولكن هذا الرجل .. أو بالأحري زوج أمي فعل ما لا يمكن تصديقه على الرغم من أنه متزوج ، لكنه لم يكتف بزوجته وأم أبنائه ، هل تعلمين إلي ماذا لجأ هذا الرجل ليشبع شهوته ؟؟ لقد لجأ إلي شيء لا تصدقينه ، لقد اغتصب الطفلة البريئة ، لا إنها لم تكن طفلة، بل غبية .. غبية جدا ولكن كيف سمحت له بمثل هذا العمل الفظيع ؟ ألم تقاومه ؟؟

عزيزتي :

إنك لا تعلمين الرجال .. إن لهم طريقتهم بالسيطرة على المرأة .. والفتاة .. والآن بعد أن انتهي كل شيء .. ونفذذ رغبته وأشبع شهوته .. فماذا تفعل هذه الفتاة المسكينة ؟ بعد أن فقدت أعز ما لديها .. وهي في ريعان شبابها !! ماذا تفعل ؟ أتصبر على ما تراه في الدنيا من خيانة ؟ فعلا هذا ما فعلت أصبحت إنسانة أخري .. أو بالأحري حيوانه .. إنسانة ميتة .. لا تحس ولا تشعر بشيء لديها سوي دموعها وأحزانها تساعدها على ما بها .

ولا يفوتني أن أحكي عن معاملة زوج والدتي الآن فأنا مهما أخالف أو أرتكب من أخطاء لا يردعني فكأن هذا مكافأة على ما بيني وبينه فما رأيك في هذه الحياة البشعة التي أعيشها ؟! وهل تستحق أن أستمر ؟! أم أن الخلاص منها أفضل ؟! لك تحياتي …

أنا في رأيي لا وألف لا للانتحار . لأن كل الأديان السماوية ترفض قتل النفس نهائياً .. فبالانتحار تخسرين دنياك وأخرتك . فمهما فعل الإنسان ومهما بلغت ذنوبه ، فإن رحمة الله واسعة إذا تاب وأقلع عنها توبة نصوحا لا رجعة فيها .

المهم….

أن تكوني جادة رافضة لهذه الحياة البشعة الشنيعة ، وأعتقد أن كتابتك لي وطريقة تفكيرك الجديدة الثائرة هذه ، تعتبر ظاهرة صحية ، لأن بداية العلاج هو الإحساس بالمرض والاعتراف به ، ومن ثم اللجوء إلي الطبيب بحثاً عن الشفاء ..

وحمداً لله أنك صحوت من غفوتك الآن ، بدأت تطلبين الحياة الطبيعية الكريمة غير الملوثة بالدنس والخيانة ….. و…. …. !

واعلمي أن المجرم ضعيف دائماً وخائف أبداً ، مهما كانت سلطته وقوته الظاهرة ، فهي سلطة هشة . وقوة كارتونية من السهل عليك الوقوف أمامها بقوة صادقة حقيقة مهما كلف الأمر ، لأن الحق معك ، والصح إلي جانبك ..

فهددي هذا الوحش بفضح أمره ، وارفضي نهائيا الانصياع لرغباته البشعة الدنسة التي لم ترحم طفولتك ولا صباك . ارفضي . ارفضي حتى لو أدي بك الأمر إلي قبولك الضرب أو الموت دفاعاً عن عرضك وشرفك.

ثم … رغم الخوف والخجل لماذا لا تلجأين إلي أمك ؟ لتحميك من هذا الوحش المسمي زوجها ؟!

استنجدي بها وتأكدي أنها ستقف إلي جانبك وأبداً لن تخذلك ، فأنت ضحية الطلاق ، وضحية انعدام العناية من والدتك نفسها ، التي كان يجب أن تسهر على راحتك وعنايتك .. وليس تركك طفلة صغيرة مهملة مما أدي إلي حدوث ما حدث . من اغتصاب مبكر متكرر لنفسك وجيدك !!

وها هي كبرت الطفلة بعدما فقدت نقاء النفس ، وسلامة الجسد … كبرت ونضجت فقرفت وندمت وتمردت على ما يفعل بها ، ويرتكب في حقها من موبقات ..

الجأي إليها فوراً يا صغيرتي فهي كفيلة بتعويضك عما عانيت وقاسيت . وهي قادرة على حمايتك مما تعانين وتقاسين .. كان الله في عونك …..

 

 

همسة حب

نداء القلب

أحبك لكنني موجع                               فهل أنت يا هرجري تسمع

صددت فأدميت مني الفؤاد                        ولم تهدأ النفس والأضلع

ولم أر بعدك ما يستطاب                         ولم أر بعدك ما ينفع

ولا الليل ليلي إذا ما أطل                         ولا الصبح صبحي متي يطلع

وما الروض إلا هشيم كئيب                       بهجرك في ناظرك مفزع

وإن غرد الطير فوق الغصون                     عجبت له صادحا يسجع

وهيهات أنشد غير النحيب                        وإن خفي الحزن والأدمع

لك الشعر وحدك كيف الغناء                      لغيرك لا جاد لي مطلع

عبدتك يا كل شيء لدي                          لعينيك يا فتنتي أركع

فلا عيش دونك إن الحياة                         عذاب إذا أنت لا ترجع

لقد أصبح الفكر رهن الشرود                      كثير التشتت لا يجمع

وأصبح قلبي كطفل ينوح                          تحير في الدرب ما يصنع

يطوف ويطلب من ضيعوه                        فهل يحمد العيش من ضيعوا

وهل يستلذون طعم المنام                         ويهنأ في نومهم مضجع؟

أحمد السقاف

عزوبي

تبدأ مشكلتي منذ شهر تقريباً عندما كنت أسكن عند إحدى العائلات ” سكن عزابي ” لأنني كنت خاطباً وأحب خطيبتي ، وكان جميع الجيران يحترمونني لأنني لم أثقل على أحد منهم، وكان لصاحب البيت الذي اسكنه ابنة في التاسعة عشرة من العمر تدرس في إحدى الكليات وفي يوم طلب مني والدها أن أدرسها لأنني جامعي ، ولم أرفض الطلب وقمت بذلك ومكثت أدرسها حوالي خمسة شهور ، ولم أعرها أي انتباه ، وكنت جديا معها وكان شقيقها الكبير يدخل وأنا أدرسها ثم يغلق الباب ويخرج لأنهم يثقون مني كل الثقة . وكان كل يوم أنها طلبت أن أشرح لها درسا ولم أعلم أنه لا يوجد أحد من أهلها في البيت ، وحتى لو علمت لأخذت الأمر ببساطة ، وقرعت الباب ففتحته لي ودخلت إلي غرفة الضيافة وأخذت الكتاب أقلب صفحاته بحثاً عن الدرس المطلوب ، وما هي إلا لحظات وإذا بها تدخل الغرفة وفي يدها فنجان من القهوة وترتدي الملابس الشفافة الفاضحة لجسمها فأدرت وجهي وطلبت منها أن تستر نفسها وكنت أكلمها كلام الأخ لأخته ولكن دون جدوى وأخذت تعانقني ، وما كان مني إلا أن صفعتها على وجهها وهممت بالخروج ولكن كانت صيحتها أسرع من خروجي ثم إنها خلعت ثيابها فتجمع الجيران وهي تبكي وتقول لقد عملها السافل وأقسمت لهم أنني شريف ولا أستطيع عمل ذلك فقسم منهم صدقني والآخر كذبني ، وطلبت منهم أن يعرضوها على دكتور اختصاصي حتى تثبت براءتي وكانت الطامة الكبري والدكتور يقول أن الفتاة ليست عذراء فشاع الخبر بين أهلي وأهل خطيبتي وبين جيراني وكلهم بين مكذب ومصدق وحاولت جاداً أن أقنع خطيبتي بالأمر ولكن كانت إرادة والدها أقوي من ذلك وطلب مني أن أطلقها وأصبحت لا تطيقني إذا اقتربت منها صارت تكرهني أكثر من نفيها وفعلا طلقتها ولكني أحبها من كل قلبي وإنهم يريدون مني أن أتزوج الفتاة فكيف أتزوج فتاة لا أحبها وأكرهها أشد الكرة لأنها غدرت بي وشوهت سمعتي وجعلت مني إنساناً عالة على المجتمع لا أطيق نفسي.

بربك إرشديني إلي الطريق الصواب وأرجو أن تجدي الحل المناسب لمشكلتي فقد فكرت كثيراً في الانتحار ولكني لأنني مؤمن بالله عدلت عن ذلك وأرجو أن تكون مشكلتي عبرة لكل شاب تخدعه الظروف المحيطة به … بربك أنقذيني وقولي لي ماذا أفعل ؟!

أتعرف يا عزيزي أن مشكلتك برغم تركيبتها العجيبة إلا أنني أحسست أنك صادق فعلاً.

لست أدري لماذا .. لا تسلني .. فهو إحساس داخلي أعجز أحياناً عن تبريره .. لذلك أقول لك أيا كان الوضع ، ومهما كانت قسوة الظروف عليك ، إياك أن تتزوج إنسانة بهذا السلوك؟!

إنسانة مجردة من إنسانية معدومة الأخلاق ……إنهـا سيئة للغاية لا كرامة لها ولا حياء … فكيف فقدت عذريتها ؟! وفي أي ظروف كانت؟؟!

وإذا كانت لديها القدرة على المكر والدهاء والخبث إلي هذا الحد ، سوداء .. والله عندي السجن أهون وأرحم مائه مرة من زواجك منها …

ثم إنك ما دمت متأكدا من نفسك ، فلماذا لا ترفع عليها دعوى ؟! لماذا لا تطالب بإعادة الفحص الشرعي عليها من جديد ؟! فالطب الشرعي قادر على سرد جميع التفاصيل .. وقادر على تحديد أدق البيانات .. ففتاة خليعة إلي هذا الحد المؤكد أنها فقدت عذريتها من زمان !! رما منذ عدة سنوات وقبل مجيئك للسكن عند أهلها …

فحذار أن ترمي نفسك في النار ، حذار أن تحطم مستقبلك وتقبل بهذه اللئيمة ، المليئة بالغش والغدر زوجاً لك ، ولا تتصور أنها قد أحبتك أو عرفت معني الحب السامي لحظة في حياتها …

فامرأة هذه صفاتها هي أخت للشيطان ، هي امرأة مخادعة تجيد تمثيل دورها تماماً ، ولكن صدقني .. أمثال هذه الخدع الخسيسة سرعان ما تنكشف ويسقط القناع .. قناع العفة الزائفة ..

فأين هي من حياء العذاري ورقة الفتيات وخجل البنات ؟

أين هي من الأب والصدق والإيمان ؟!

إنها أبعد ما تكون عن هذه الصفات.لأنها إنسانة بلا قلب ولا ضمير .. فلا تقبل بها زوجة مهما تكالبت عليك الظروف .. لأنها لن تكون أمينة عليك ولا علي أطفالها .. وأما خطيبتك التي كانت ضيقة الأفق ، وصدقت الهول الذي سقطت فيه ، فعندما تعلن براءتك تأكد أنها ستعود إليك إذا كانت حقاً تحبك .. إذا لم تعد فيكفيها الندم الذي ستعاني منه طويلاً . وأنت لا تضعف ، ولا تخف ، ولا تتخاذل ، ودافع عن نفسك بكل قوة وبسالة ، ويكفي أن الحق معك .. والله معك .

حقا .. ” إن كيدهن عظيم ” صدق الله العظيم.

خريف .. وربيع

أنا طالبة جامعية ، باختصار شديد ودون مقدمات أحببت دكتوري ، وهو أكبر من أبي وهو أيضاً يبادلني نفس الشعور . أهملت دراستي وصحتي تنهار يوما بعد يوم.

إنني محتارة .. من ذلك الشعور الذي يراودني في كل لحظة من لحظات حياتي وفي كل موقف حتى أن اسمه أردده كاغنية وهو أجمل لحن أعزفه على أوتار قلبي الجريح المعذب المتيم بحبه . في محاضرته أسرح في عينيه والكل ينظر إلي مندهشا باستغراب لهذه النظرات وكأنه لا يوجد أحد في المحاضرة سوانا أنا وهو.

عزيزتي ، هو رجل تعدي الخمسين ، وأنا مازلت في العشرين من عمري فكيف يجتمع الخريف مع الربيع .. أنقذيني فإن قلبي معذب وأعصابي منهارة وجسدي نحيل وعقلي توقف عن التفكير ، أنا لا أنشد العاطفة فأبي وأمي يمنحاني كل حب وليس لدي أي مشاكل في محيط الأسرة ، أقول هذا كي لا تظني أنني محرومة عاطفياً كما أنني لست مراهقة وأقول هذا الكلام بكل قواي القلبية والعقلية ، أرجو ألا يكون ردك أن نفترق فهذا أكبر المستحيلات لأن الفراق سهل قوله ولكن صعب تنفيذه ، فالحب الصامت الصادق لابد أن أصرخ وأقولها لأهلي لأنني أحبه وأريده بأعلى صوت وكلي ثقة بأن هذا الحب هو عنصر وجودي ، فكيف أهدم وجودي لكي أنساه وأبتعد عنه ؟ مستحيل مستحيل.

أرجوكي أنقذيني فأنا أكتب إليك هذه لرسالة وقلبي يتمزق وينزف دما ودموعاً.

أنت فعلاً عزيزتي لا تنشدين العاطفة . ولكنه تنشدين المشاكل . فهذا الدكتور العظيم الذي تعدي الخمسين لا بد أنه متزوج وله عدة أبناء .. أليس كذلك ؟!

أيضاً .. لنفرض أنني وافقتك على فكرة الزواج .. فهل تتخيلين منظرك بعد عشر سنوات وأنت في الثلاثين قمة الأنوثة .. وهو فوق الستين .. في طريق الشيخوخة ؟! أن الطبيعة نفسها ترفض أن يجتمع الخريف والربيع معاً .. فكيف تفعلين ذلك أنت ؟!

أنك ستنسين الحب حينئذ ، ولن تشعري إلا بطعم المرارة والألم والندم . حينما ترين هذه الشخصية العظيمة التي بهرتك وقد تحولت كتلة من الغيرة العمياء والتسلط الأصم اللذين سينسجمان معاً قيدا رهيباً يخنق حريتك ويزهق أنفاس حياتك ؟!

أما هذا الإطار اللامع المبهر الذي يحيط تلك الشخصية بهالة من العظمة داخل المدرج فهو نفسه الذي سيحيطها بهالة من الكآبة والضيق داخل البيت .. أثر ظهور الاختلاف الغائر بين شخصيتين وعقليتين يفصلهما بعد زمني عمقه ثلاثون سنة ؟!

معذرة لرجائك ، فردي لك هو أن تفترقي عن هذه التخيلات العاطفية الجامعة .. وأملي أن تحتفظي لمشاعرك بكرامتها فلا تفضحيها أكثر من ذلك بين الزملاء والزميلات!

 

 

 

شراهة !!

مشكلتي تبدأ بزواج والدي من فتاة أوروبية تصغره بسنوات عديدة .

مرت الأيام تلو الأيام وهذه الفتاة تعيش بيننا ، وبصفتي الكبير من بين سنة أولاد وأختين بدأت أهتم بها وبدأت تهتم هي بدورها بي ، كان اهتمامي بها ولا زال اهتماماً بمنزلة الأم . طبعا بصفتها امرأة أبي ولكني لاحظت أن اهتمامها بي قد تعدي حدوده هذا الاهتمام بحيث أصبح بطريقة الإغراء المعتمد كالجلوس أمامي مع كشف الساقين أو الظهور بملابس شفافه للغاية تكشف عن مفاتها .

وذات يوم حدث ما لم أتوقع حدوثه . حدث أمر ولا أدري ماذا أفعل أو أقول ،حدث أن دخلت غرفتي هذه المرأة الأوروبية زوجة أبي بملابس خفيفة جداً وارودتني حتي كان ما كان وأصبحت تأتي دائماً ، وعندما أرفض تهددني وتتوعدني بأن تقول لوالدي كل ما حصل وأنا محتار .

أرشديني جزاك الله ألف خير ..

عزيزي ..

لا أظن أنه من الممكن الآن .. وبعد وضوح موقف زوجة أبيك منك ، أن تقدر على الاستمرار في هذا الوضع المشين . فهي بمجيئها إليك وإلحاحها عليك تحلم بالمتادي في هذا الوضع حتى آخره .. وأخره مجهول يا عزيزي .. مجهول .. ولا يمكن لأحد بحال من الأحوال أن يعلم بالتحديد ماهية هذا المجهول البشع الشنيع .. شهوة هذه المرأة فيك لن تبرد ولن تفتر ، وستحاول أن تفقدك إرادتك في الرفض برغبتها غير المحدودة والمستمرة.. والشرهة ! وعليه .. يجب أن تتحرر منها ، أن تقوم بفعل يردعها ، يخيفها ، أن تجد أحداً تخبره بهذا السر ليساعدك في تعريف أبيك بسلوكها اللعين ، كي يتخذ موقفاً حاسماً يخلصكم منها جميعكم .. وقبل أن تنجب من أشقاء شياطين يسومون التعاسة والعذاب والشقاء .. مدي الحياة !.

 

الجريمة الناقصة

كنت فتاة عادية أميل إلي الزواج من أحد أقاربي ، ولكن في يوم من الأيام تقدم لخطبتي أبن عمي ، وكان بينه وبين والدي خلافات قديمة تلاشت مع الأيام ولكنها تجددت عند تقدمه لخطبتي إلي حد أن هدد والدي بالقوة فتوسط بعض الأقارب حتى وافق والدي .. فلم أجد بدا من الموافقة ليس رغبة فيه وإنما قطعاً للنزاع .. وكان والدي قد استغل ابن أخيه ففرض عليه مهراً لم يفرض على أي مسلم ، ولكنه دبر المبلغ وسلمه لوالدي .. وحدد موعد الزواج .. وزف العريس .. فبت معه هذه الليلة المرة ، وفي الصباح فوجئت بما هو أمر ، إنها الصدمة العنيفة والشقاء الذي سيرافق حياتي كلها ، فقد قام زوجي وارتدي ملابسه وأخرج من جيبه من المال وبرفقته ورقة طلاقي .. بعد أن أفقدني عذريتي وقال لي بكل برود سلمي لي على عمي وأعطية هذا المبلغ وقولي له بأنني أشتري كشف عاره بأكثر من ذلك كله ، وأنت يا بنت العم سامحيني .. لأن والدك الذي رباني وعشت تحت سقف بيته علمني هذا الحقد والانتقام .. أما أنا فإنني سأخرج من هذا البيت ولن أعود إليه وسأسعى في الأرض لأسدد ديوني .

وأنا ما هو ذنبي لأكون ضحية الانتقام وماذا سيقول عني الناس .. لقد ظلموني وتكلموا عني أبشع الكلام فلا أحد يصدقني حتى أهلي في البيت .. لم يصدقوني ، غير والدي ، وبأي شيء أثبت لهم براءاتي ؟ ثم إنني أمضيت مدة ثلاث سنوات ولم يتقدم لي أحد ..

عزيزتي لقد نفذ صبري وأفكر بأشياء لا تخطر على بال . إنني التجأ إلي الله إليك لتجدي لي حلاً ولن أنسي لك هذا المعروف ما دمت حية .

عزيزتي ..

لم تخلق بعد الجريمة الكاملة ، فمهما أجاد المجرم واتقن ، إلا أنه ينسي ويسهو عن جزء ما ، يكون هو مفتاح الجريمة الذي يقود إلي كشفها ..

ومفتاح مشكلتك هو ” التاريخ ” .. نعم تاريخ زواجك وتاريخ طلاقك الذي كان معداً مسبقاً ، بحث وضعت قسيمة لطلاق في يدك صباح اليوم الثاني لزفافك !!

والدك .. الطرف الأخر في الجريمة ، المسؤول الأول والجاني الأكبر ، عليه أن يتحرك فوراً ودون إبطاء ليدعو رجال العائلات المحيطة بك ، حاملا بيد قسيمة الزواج ، وباليد الأخرى قسيمة الطلاق.

عليه أن يتكلم ، وأن يوضح معترفاً ما كان بينه وبين أبن أخيه من حقد وكراهية وعناد ، عليه أن يشرح كيف حاول رفضه زوجاً لك ، وكيف استمات في تعجيزه بذاك المهر الكافر الذي لم يفرض على مسلم من قبل .. وكيف قبل ذاك العناد والتحدي بهدف واحد هو الانتقام من عمه في شخص ابنه عمه !!

بعد ذلك .. أدعوك أن ترفعي رأسك ، وأن تبذلي جهدك لإزاحة حمل الظلم الثقيل هذا عن نفسك ، وأن لا تستسلمي بتخاذل وهوان ، لواقع يلصقك بقاع الخطيئة ، ويدمغك بخاتم الرذيلة ..!!

قاومي الإحساس بالخطيئة ، فأنت كنت عذراء بريئة تحلم بزواج من تحب ، فأصبحت مطلقة مهينة ، تتجرع عذابات مرة لا شأن لها بها .. ولا ذنب !!

لا تفكري في شيء الآن .. سوي تبرئه نفسك ، وحتما ستجدين أذناً صاغية بين الزحام تلتقط رنة الصدق في صوتك ، وتلمح حقيقة البراءة في عينيك . وكان الله في عونك.

عذاب شاب عازب!

أنا شاب مسلم مؤمن ، على خلق والحمد لله . اجتماعي محبوب من الجميع . هذه هي صفاتي التي لم أبالغ فيها والحمد لله على هذه الثقة من الناس.

في المجال الذي أعيش فيه توجد فتيات جميلات ، ونساء عديدات منذ صغري وأنا أتجاهل الاحتكاك بهن وأتغاضى عن النظر إليهن حتى لا أنخرط في انحرافات أنا في غني عنها . توجد أكثر من واحدة كلهن شباب وفتنة يحاولن إغرائي بكل ما تملك المرأة من وسائل إثارة وإغراء ، حتى أن إحداهن قالت لي إنني أحسد الإنسانة التي ستتزوجها .. و.. وغيرها من أشياء أخجل من ذكرها أو البوح بها ..

ومع كل هذا لم أضعف أو أتهاوي أمام كل هذه العوامل المشجعة على الانحرافات ، فأنا أتقي الله فيما أفعل واخشي غضبه.

سافرت إلي الخارج وهناك تكررت لمأساة وزادت الإغراءات ، أمام طبيعة المجتمع تعددت العلاقات مع البنات لكن كلها علاقات بريئة تخلو من النزوات الطائشة ، المهم أنني لم أخطئ مع أي واحدة منهن لأنني متمسك بالعقيدة وأؤمن بالحكمة القائلة ” أفعل ما شئت كما تدين تدان “.

اعذريني أخت كريمة لطول رسالتي وصدق صراحتي لأختي وعزيزتي فأنا أتعرض لضغوط لا يتحملها شاب أعزب في مثل عمري ، فأنا شاب مكتمل الرجولة لكن ظروفي العائلية لا تسمح لي بالزواج في الوقت الحاضر .. فكيف أستطيع مقاومة تلك الإغراءات التي تحيط بي من كل جانب ؟!

كيف أقاوم الرغبة في داخلي نحو الجنس الآخر وأنا أري أمامي أفلام الغزل والحب المكشوف دون حساب ؟! كيف أطفئ النار التي تنقد في داخلي وتحرق أعماقي وتلك الصور الخليعة منتشرة في الأسواق بلا حساب ؟!

أرجوك يا أخت كريمة تحمليني ، هذه هي أول رسالة أكتبها وأبوح بكل ما يجول في نفسي إليك أنت ، وذلك لثقتي الكبيرة بك .. وأعذريني لأنني صريح مع نفسي وبالتالي مع الآخرين .

ماذا أفعل وكيف أتحمل هذه الإغراءات في كل وقت وفي أي مكان ، والبنات يبرزن مفاتن أجسادهن في البنطلون الضيق والثياب التي تبرز تفاصيل الجسد والعطر الفواح الذي يملأ أنوف الشباب ويثير غرائزهم ويشعل عواطفهم ؟!

إنني أنتظر جوابك أخت كريمة لأنه البلسم الوحيد لجراحي .

مع وافر شكري وتقديري واحترامي .

” أنا شاب مسلم مؤمن على خلق والحمد لله ” هذه أول عبارة كتبتها لي في رسالتك ، وطبعاً يا أخي أنت تلم أن الشباب المسلم المؤمن يجب عليه يمنع نفسه من الحرام وارتكاب الفاحشة ، وهذا ما فعلته أنت طوال حياتك وما حرصت عليه طول عمرك والحمد لله .. وهذا يعني أنك شاب تخشي الله ، ويرهب عقابه ، وعليه ، لابد أن تحاول أن تعتصم بالله ، وأن تكبح جماح نفسك قدر الإمكان ، وأن تسمو بغرائزك قدر المستطاع .. فتجنب النظر إلي الصور الخليعة والبنطلونات الضيقة ..

فالمسلم الحق هو الذي يغض البصر ، ولا ينظر بشهوة إلي المؤثرات التي تثير الغرائز وتحرك الرغبات ..

أيضاً يجب أن تعمل على إعلاء وتسامي هذه الغرائز والرغبات عن طريق ممارسة الرياضة .. كرة القدم مثلاً كي تستنفذ طاقتك الزائدة .. أو أن تزيد من ساعات عملك إذا أمكن هذا .. وأن توجه اهتمامك لقراءة القرآن الكريم والكتب الدينية والصوم مما يعصمك عن الوقوع في الخطأ .. وبهذا تشغل نفسك عن التفكير ف مثل هذه الأشياء ، لأن كل شيء ينبع من العقل ، فهو الذي يصدر الأوامر للجسم .. في كل الاتجاهات .

فإذا شغلت وقت فراغك ، سوف ترتاح ‘ فالفراغ هو آفة الشباب ، وهو مصدر كل المصائب والبلايا.

وحاول يا أخي أن تحافظ على تمسكك بالدين ، ولتحاول الزواج بأسرع ما يمكن ، وبأي شكل كان .. فليس هناك متنفس للغرائز إلا عن طريق الزواج ..

حفظك الله .

العذراء .. والخمر الأسود !

أنا فتاة جميلة ، توفي والدي وأخ يصغرني واثنتان من أخواتي في حادث سيارة ، ولم يبق من أسرتي سوي أنا وأخي الذي يكبرني بثماني سنوات ..

تزج أخي من ابنة خالتي وأنجبت منها طفلا هو في العام الأول من عمره . وفي إحدى الليالي ذهبت زوجته وطفلها إلي بيت أهلها ، وبقيت في المنزل وحدي ، عندما انتصف الليل سمعت أصواتاً عالية وضجة فخرجت من حجرتي ، ويا ليتني ما خرجت ، فلمحت أخي ومعه شلة من الشباب الضائعين يشربون الخمر ، وهم فاقدوا الشعور فعدت إلي غرفتي أحاول أن أنام .

وبعد فترة  من الوقت فتح باب الغرفة ، وإذا بواحد من هؤلاء الشباب الفاسدين يتهجم على ، فحاولت أن أصرخ ، أن أستغيث بأخي ولكنني لم أفلح ، عملت المستحيل لأدافع عن نفسي وما قدرت ..

فقدت عذريتي ، فقدت شرفي ، في نفس اللحظة التي كان أخي فاقدا فيها وعيه ، سلبني صديقه أعز ما أملك ..

بعد ذلك تقدم ابن عمي ليخطبني وهو الذي أحبه حباً جنونياً ، وكذلك هو ، فرفضته ولم يصدق عندما سمع الخبر ، أغمي عليه ، وقال أنا سوف أنتحر لو تزوجت غيري ، فقلت له لن أتزوج مدي حياتي.

أخي يحاول أن يعرف سبب رفضي لابن عمي ، حبيبي ، وهو يضربني بشدة كل يوم ليعرف السبب ويسألني هل هناك رجل آخر في حياتي ؟! فقلت له أنا لا أحب سوي ابن عمي ، فيعود يسألني ولماذا لا تتزوجينه ؟! فأسكت ولا أعرف بماذا أجيب غير الدموع .

وسألتني زوجته فأخبرتها بالحقيقة لأنني أثق بها ، فأخبرت زوجها ” أخي ” الذي صمم أن ينتقم بقتل صديقه الجاني .

أنا أموت في كل لحظة حزناً على نفس الضائعة ، وعلى ابن عمي حبيبي الذي يتعذب من المرض والحسرة كل لحظة .. وعلى أخي الذي سيصبح قاتلا يدخل السجن في أية لحظة وهو عائلنا الوحيد..

حياتي أصبحت جحيما لا تطاق ، فأنا لا أفعل شيئاً سوي البكاء والخوف والحزن ولا أعرف كيف أعيش وكل هذا العذاب يحيط بي .

أخبريني يا أخت كريمة ماذا أفعل قبل أن أصير مجنونة أو عمياء جزاك الله كل الخير .

بكل الحزن والأسى أمسك القلم لأجيب على رسالتك الحزينة الدامية ، فالصدمة عنيفة قاسية، والموقف مرعب فظيع..

عزيزتي .. مشكلتك المتشعبة الأطراف لن تكفيها الكتابة على الورق ، فهي تحتاج إلي بحث ومواجهة ونقاش ..

عليكم باللجوء إلي شيخ وقور ، رجل مسن فقيه في أمور الدين كي يهدئ من روع أخيك ، عندما يسمع كلام ربنا ويهتدي بالله ، فينزع من رأسه فكرة قتل صديقه ، قبل أن تتمكن من نفسه وتسيطر عليه ..

بعدها .. يبحث الأمر في هدوء بدون خجل ، بدون مماطلة ولتعلمي أنه من حق ابن عمك عليك باسم الحب الطاهر النقي الذي يجمع بينكما أن يعلم بكل ما حدث .. وبكل شيء مهما واجهت في ذلك من الصعوبة والحياء والخجل .. لكنه يجب أن يعرف بأسرع ما يمكن، وقبل أن يدمره الرفض والهجر والمرض.

بعد ذلك .. عليه أن يختار ، بعد أن يختبر نفسه ، يري هل يستطيع قلبه أن يسامح وأن يغفر أم سيمتلئ حقدا وغيره وكراهية ؟!

رغم صعوبة الموقف صارحيه بمنتهي الصدق والأمانة ، قولي له أنك  تحبيه كل الحب ، لذلك لا تستطيعين ولا تريدين أن تبدأي حياتك معه على الغش والخداع .. ودعيه يقرر وأنا متأكدة أنه لن يتركك ، ولن يفكر في أن يعاقبك لأنك ضحية بريئة ، مظلومة ، لا ذنب لها ولا يد فيما حدث .. وأنا على يقين بأنه سيسامح ما دام قلبه يعرف الحب .. فهو حتماً سيختار طريق الحب ..

ثم ليتفق الاثنان أخوك وابن عمك ، على طريقة التي يعالجان بها موضوع الصديق الخائن ، هل يقدمانه للعدالة ليأخذ جزاءه إذا ما توفر الدليل الكافي ؟! أم يتركانه لعدالة السماء تقتص منه حفاظاً على السمعة ، وتكتماً لها حدث بسبب الخمر الأسود اللعين ، وطيش الشباب الأهوج المهين ؟!

وليكن ذلك تحت رعاية ذاك الشيخ الوقور ، الذي تضعون في يده الأمنية هذه المشكلة العويصة ، شيء مفروغ منه أن لن يبوح بهذا السر لأي محلوق .. والله معك

 

البحث عن التعاسة

أنا زوج وأب لأربعة أولاد أمضيت فترة من حياتي الزوجية على أحسن ما يرام ونتيجة لظروف الحياة ولأسباب كثيرة وجدت نفسي على حب شديد مع شقيقة زوجتي ، حاولت إخفاء هذا الشيء مدة طويلة لأنني كنت في حساب شديد مع نفسي وضميري لأنه شيء مستحيل الحدوث ولا يقدر أي إنسان الأفصاح عنه وبعد فترة من العذاب والألم لم أجد وسيلة إلا أن أواجهها بالحقيقة فكان الجواب منها بالاستغراب لهذا الكلام أو هذا الحب ، وبعد فترة ، ونتيجة الاختلاط والصفات الحميدة من جميع المستويات والتي تتفوق بها عن زوجتي أعتقد أنها هي السبب في هذا الحب التعيس.

في آخر لحظة عرفت أنها تحبني وتخفي الحقيقة عني مثلما كنت أخفيها في السابق.

ونتيجة لهذا العذاب المستمر قررت السفر بعيدا عن أولادي وزوجتي وبعيدا عن محبوبتي . سافرت لمدة سنة كاملة ورجعت في إجازة وحاولت نسيان هذا الحب ولكن عبثا ، كان رجوعي باعثا على تجدد الحب بيننا أقوي من السنين الماضي ، والذي يعذبني ويعذبها أن هذا الحب من نوع المستحيل لا سيما أن شقيقتها على ذمتي ، وها أن أكتب رسالتي هذه بعد سفري ثانية عن أولادي وزوجتي والعمل خارج بلدي مع أنني كنت أعمل في بلدي وقرب أولادي .

إنني أتعذب من هذا الحب اللعين حتى أنني دخلت المستشفي من كثرة القلق والتفكير.

إنني خائف على نفسي وعلى ضياع أولادي إذا استمر الوضع على هذه الحال إنني أعرف أن حل المشكلة هو في زواجها .

وهي من جانبها قد رفضت من تقدم لها لأنه غير مناسب . إنني أري أن الوقت يسير من سيء إلي أسوأ بعد أن أصبح عمرها 28 سنة ، ارجوكم حل هذه المشكلة التي يستعصي على حلها ولو أنني قدرت على عمل شيء لما كتبت إليكم لا سيما أنني أخجل من نفسي.

ألا تعرف يا عزيزي السر في عدم القبول أو السبب في رفض الخطاب الذين يتقدمون لها من زمان وحتى بلغ عمرها 28 سنة ؟! أنت يا سيدي الفاضل .. يا زوج أختها لأنك قد ملأت رأسها بصورتك .. وحشوت وجدانها بحبك ..

أنك تعذبها وتسممها بمشاعر خبيثة إذا نمت وترعرعت لن تطرح إلا التعاسة والألم والضياع.

وسيكون أول التعساء المتألمين هم أبناؤك الأربعة ، الذي ستذهلهم الصدمة عندما يرون خالتهم وأباهم .. يمزقان حياة أمهم أحب الناس إلي قلوبهم !

أعقل يا أخي .. ودعك من هذه الشهوة التي تنهش أعصابك ، وتكاد تحطم عقلك ، وركز تفكيرك على أسرتك ، وحاول أن تراسل زوجتك وتخبرها فيها بضرور السعي جدياً ، لتزويج أختها أو أن تجد لها طريقة للحاق بك حيث تعيش وتعمل دون أن تصطحب أختها معها .. وحتى لا يتكرر المشهد المعاد الممل

وصدقني .. ستخف حدة هذه المشاعر إذا عرفت كيف تتحكم في نفسك .. ولا تنس يا عزيزي أنك رجل .. والرجل يعرف بقدرته على ضبط النفس وأتحكم في نفسه ، واستخدام إرادته.

 

التوبة

أسطر مشكلتي بعدما يئست من إيجاد حل لها ولا أطيل عليك يا أختي فمشكلتي تتلخص بأنني منذ خمس سنوات سافرت للدراسة للخارج وبعد فترة أصبحت غارقة في الحياة الأوروبية بكل معانيها حتى أنني صرت وكأنني إحدى هؤلاء الأوروبيات فأصبحت من هؤلاء المدنين على الخمر والمخدرات بسبب الغربة والجهل والوحدة التي عانيت منها.

أختي كريمة صدقيني أنني في بعض الأحيان كنت أنهار من أجل الحصول على المخدرات ولكن بعدما رجعت إلي بلدي صدمت بالواقع لأنني أصبحت غريبة على بنات جنسي وعلى مجتمعي رغم أنني احب هذا المجتمع الذي أشعرني بمدي فداحة خطئي ، فقد أحببت أحد شبابه وكانت نيته شريفه ويريد الزواج مني . بالله عليك كيف أتخلص من هذه المشكلة التي لا تغتفر من المجتمع . وحبيبي . أرجوك لا تطلبي مني مصارحته أو مصارحة أهلي لأن أهلي يثقون بي ثقة عمياء وأنا لا أريد أن أحطم حياة أهلي بمصارحتهم أو مصارحته لأنه يحبني كثيراً .. فماذا أفعل ؟!

عزيزتي ..

أنت بعذابك الحالي وبإحساسك النادم الذي جسم لك فداحة خطئك .

تبحثين عن حقيقة نفسك أثر تلك الصدمة النفسية التي تعرضت لها حينما اصطدم ماضيك بحاضرك مجتمعك الطيب الحنون .. فنشب هذا الصراع الذي يدفعك إلي الإحساس بالانهيار أو الرغبة في الانتحار.

جان بول سارتر يقول : أفعالنا هي نحن .

وبول تليش يقول : أن الإنسان لا يصبح إنساناً حقيقة إلا في لحظة اتخاذ قرار بالفعل.

وأنا عزيزتي المعذبة .. أصدقك بكل جوارحي ، وأعيش معك مشكلتك بكل خلجات نفسي .. ولهذا .. دعيني أطمئنك بأنك عدت الآن إنسانة جديدة تتخذ قراراً جديداً عظيماً.

الشاب الذي يريدك زوجة له .. قد أصبحت جديرة بهذه الثقة حقاً . وعليك أن تسدلي ستاراً حديديا على ما فعلت ، واحذفي تلك الفترة السوداء من حياتك . ولا تبوحي بها لمخلوق حتى أنت نفسك ..

وحمداً لله أن ربنا سترك ، ولا داعي أن تسيئي إلي سمعتك أبداً ، فالمصارحة في مثل هذه الأمور وخيمة العواقب ، لأن الرجل الشرقي لا يغفر لزوجته ماضيها . ولا ينسي لها نزواتها .. مهما أدعي المدينة ، ومهما تستر برداء العصرية..

إنه مهما تساهل في البداية ، وتظاهر بتبسيط الأمور .. وتقبل الأمر الواقع بدافع من الحب ، إلا أنه سرعان ما يتبدل ويتغير حين يقل تأثير الحب ويضعف .. ويتلاشي.

حينذاك ينكشف الغطاء . ويظهر المستور .. وتنكشف الأخطاء .. وتبدأ المعايرة والمهاترة .. وأسوأ الألفاظ !

جحيم وحرمان !

أنهيت تعليمي الجامعي ، وعملت بإحدى الشركات الكبرى وهناك تعرفت على فتاتين في آن واحد وفي ظروف واحدة ، أحببت واحدة منهما حباً لا حد له . وأحسست منها بذلك فطلبت يدها وكانت المفاجأة ، أنها مخطوبة بل ومكتوب كتابها وعلمت أنها هي وصديقتها لا يفارقان بعضهما على الإطلاق بل أنهما جارتان أيضاً ففكرت في أر كي لا أترك حبيبتي دون أن أراها في أى لحظة . فتوجهت إلي الثانية وخطبتها وكتبت كتابي عليها . وهنا حدثت صدمة كبيرة للأولي أي التي أحبها ومخطوبة فدخلت المستشفي وعندما ذهبت لزيارتها صارحتني بكل شيء وبحبها لي .. وصارحتها أنا أيضاً وقلت أن السبب الذي جعلني أخطب هذه هي أنت وحتى أراك . وبعد ذلك تعاهدنا على المقابلات خار المنزل دون علم خطيبها ودون علم خطيبتي وازدادت المقابلات وكل يوم يشتعل ذلك الحب . والعكس كل يوم عن يوم تكره هي خطيبها وتعترف لي بذلك وأنا أيضاً أكره خطيبتي وأعترف لحبيبتي أيضاً بذلك . وكل يوم عن الثاني يضيق النطاق بي وبحبيبتي . وقد قررت عدم الزواج من خطيبتي وهي قررت عدم الزواج من خطيبها . وخفت أن يعلم أحد بذلك كله فتركت وطني وسافرت إلي الخارج وكل يوم أتصل بحبيبتي وهي تتصل بي وتقول أرجع ..

فماذا أفعل ؟ دليني يا أختي كريمة .

أنت يا من أحببت وتولعت .. فتسرعت وتهورت .. وتورطت !

ماذا أقول لك ؟! لا أقول شيئا .. فلا سلطان على القلوب !

ولكن .. أتعرف أن أسوأ نقطة في المشكلة هي أن الفتاتين تربطهما علاقة صداقة متينة وأكيدة ، مما يزيد الموقف حرجاً وتعقيداً ؟! وأيضاً حبيبتك مرتبطة برجل يحبها ويقدرها ويريدها زوجة وأما لأطفاله !!

أري أن استمرار العلاقة على هذا المنوال ، سوف تؤدي إلي موقف رهيب . موقف فظيع . وعندما يكتشف الاثنان أنهما كانا يعيشان في وهم وخداع ، هما خطيب فتاتك وخطيبتك ، اللذان تستهتران بمشاعرهما  ، وتشوهان أخلامهما ..

الحل ..!! ؟

المواجهة .. المواجهة الصريحة الشاملة ، رغم ما فيها من حرج وخجل ، فهو أهون ألف مرة من الوهم بوصمة العار والخيانة والخداع !!

عليك أن تميط اللثام عن تلك الأمور ، وأن تحدد موقفك في نقاط صريحة واضحة .. ولكن قبل أن تقدم على أي تصرف ، انتظر بعض الوقت حتى تنتهي فتاتك من حل مشكلتها بنفسها ، وبعد أن تحصل على الطلاق فعلاً ، يبدأ دورك أنت .. فتقوم بفسخ خطبتك من تلك الإنسانة التي لا تحبها ، والتي اتخذتها ستاراً تتخفي وراءه بحبك ، وتكمن خلفه بحقيقة مشاعرك ..

فخطيبتك لا شك ضحية بريئة لتسرعك وسوء تصرفك ، هي حتما لا تستحق ما حدث لها ، أو ما سوف يحدث لها لو استمر هذا الوضع الملتوي المعوج ..! ؟!

أتركها .. دعها تبكي الآن قليلا ، بدلا من أن تبكي بعد ذلك كثيراً عندما تري بعينيها الدامعتين تعلق زوجها وهيامه بأعز صديقة لها .. فالحب لا يخفي يا عزيزي ، دائماً يكون المتفرج هو الأقدر على سبر غور هذا الغرام وكشف ذاك الهيام ..

وحينذاك سوف تجعل من زوجتك بؤرة مسمومة للشك القاتل ، والغيرة المجنونة ، التي ستحيلها وحشا جريحا ضارياً لا يملك أمام طعنات الخيانة سوي لعق الدم النازف ممزوجا بالأسي والحزن والمرار .. ولكن إلي حين .. فبعد ذلك قد يصبح هذا الدم النازف دمك أنت ، فما أدراك بغيرة امرأة عروس ، جريحة القلب ، كسيرة النفس ، امرأة مرفوضة .. امرأة ملفوظة ، امرأة مجروحة .. تري كيف زوجها وصديقتها يغدران بقلبها .. ويلهوان ويعبثان !!

حذار .. حذار من هذا التورط ، ومن هذا التهور ، تحرر حالا من هذه القيود النارية التي لن تجرك إلا إلي الجحيم . جحيم حياة مع من لا تحب ولا تريد ولا ترغب .. وحيم حرمان ممن تعشق وتهوى وتتمني ..

وبعد ذلك ..

وعندما يتحرر كلاكما من هذه القيود الثقيلة التي تجذبه إلي الوراء ، وتقعده على حافة الهاوية ، هاوية الغدر والخيانة ، تستطيع أن تسافر وحبيبة قلبك معك ، لتعيشا الحياة الحلوة التي يحلم كل منكما أن يحياها في كنف الآخر ..

أدعو الله أن يهون حدة الصدمة على من لا ذنب لهما في هذا الموقف الشائك الشائن ، هذين البريئين التعيسين ..

كما أدعو الله أن يوفقكما إلي ما فيه راحة القلب ، وهدوء الضمير ، بعيداً عن بؤرة العذاب والشك والغيرة ، وبعيداً عن هاوية الحرمان والخيانة والشقاء ..


همسة حب

سواقي الحب

تثاءب الحب أم جفت سواقية                      أم أننا لم نعد نحيا أغانية

كأننا في عباب زاخر أبداً                                لم نعرف اليم حتى في شواطيه

قد تاه منا على الأنواء زورقنا                            وضاع مجدافنا يا فتنتي فيه

هذا الفراق الذي عانيت لوحته                            لم يخمد الشوق بل أمسي يرويه

فلا تظني بأني قد صددت ما                            صدي عن المنهل الريان يشقيه

بل الشقاء لبعد عن موارده                               ويحي وما أثقل الأيام تزجيه

حتى لقلب يري في الحب موئله                          ويبتغي من سناه ما يحاكيه

حسناء والليل ساج دون موعده                           والحب كالنور يسري في دياجيه

لا تجعلي مشعلي تخبو ذبالته                            ورددي أنني أحيا لياليه

وداعبيني بلحن كنت أعزفه                              عند التقائي بذات الحسن والتيه

لينعم القلب خفقاً في جوانحه                             وتسبح الروح نشوي في معانية

فأسكت الشوق في أقداحنا نغماً                           ينساب من حولنا زهوراً نغنيه

إني مللت بحق الود فرقتنا                               ما أعذب الوصل في اسمي تجليه

يعقوب عبد العزيز لراشد

من أنا ؟!

بدأت مشكلتي منذ عدة سنوات

هو قريب لي .. أحببته بكل كياني وعقلي حباً صامتاً لم أملك أن أزيله أ و أن أدفعه فدفنته في قلبي إلي أن ساعدتنا الظروف وتصارحنا بحبنا وطلب يدي فرفض والدي بحجة عدم التكافؤ العلمي بيننا فصدم عندها ولجأ إلي أمال تضر بصحته وترك الدراسة وترك كل شيء فنصحته أن يهتم بمستقبله وشيئاً فشيئاً عاد بعد عام من الضياع ليكمل تعليمه بناء على طلبي حتى يثبت وجوده وأن يكون جديراً بأجمل البنات .. وتحول هذا الحب من أمل يلوح في الأفق إلي أمل ميئوس منه . تزوجت بعدها من رجل كفء وتحت ضغط من والدي ، شاءت الظروف أن يكون مقر زوجي هو نفس المنطقة التي يقطنها حبيبي .. وبحكم الظروف أصبحت أراه ويراني عند أهله وأقاربنا مراراً وتكراراً .. وكان لهذا كله أثر في تجديد العاطفة التي نمت وتعمقت جذورها بعيداً .. وبعيداً جداً .. في قلبينا وأنجبت طفلين وأملت أن يصبح فيما عزاء لي عنه .. ولكن لم يغير ذلك في الأمر شيئاً وحاولنا دفن عواطفنا ولكن دون جدوى .. وابتعدت فساءت صحتي فلم أقدر .. دعوت الله كثيراً .. صليت وصلي .. وكان آخر ما فكرت فيه أن يتزوج لعل الزواج يبعدنا فتزوج من فتاة جميلة ولكنه وهو الآن متزوج .. لم يوفق معها فهي لا تلبي طلباته وتعانده كثيراً ..

أنا الآن أعيش حياة كلها تناقض ، حياة كلها زيف وخداع لزوجي الطيب الذي حاولت كثيراً أن أحبه .. أن يدخل قلبي فلم أفلح ، بسطت حسناته ، نظرت إليه .. فازددت احتقاراً لنفسي فأنا أخوانة بعواطفي .. قلبي يملكه إنسان آخر .. منذ دخلت عليه حتى الآن .. أتساءل كثيراً ماذا وجد في وأمامه الكثير من الفتيات ممن هم أصغر وأجمل .. كنت أردد أمامه مدفوعة باليأس والحب معاً .. لأدخل في قلبه اليأس هو الآخر .. بأنه لن يجني من امرأة مثلي لو جمعنا القدر غير الذبول والأمراض مستقبلاً ، فيرد أنه يريد الجوهر لا المظهر ويريد الصح لا الغلط .. وها أنا بعد أن سردت لك مشكلتي فقد قررت أن أطلب الطلاق لأنه رغم صعوبته فهو راحة لي في نفسي وضميري .. وأترك السبيل لزوجي ليجد الإنسانة التي تستأهل حبه وطيبته .. حتى لو قضيت بقية عمري بلا زواج فهل أنا مخطئة ؟!

وصدقيني أنا إن فعلت هذا فهو من أجل زوجي لا من أجل قريبي فأنا أرفض أن أهدم بيت أنا من أشار ببنائه ولأبعد عن قريبي فأريح نفسي وأريح غيري وأستريح . كان هذا بعد أن فشلت كل محاولاتنا في النسيان ..

بربك هل أنا إنسانة غير طبيعية فأنا في قراره نفسي بت أجهل من أنا ؟!

أنت امرأة مشحونة بالعطر والحب والتأمل .. أنت شعاع من الضوء يرتعش ، يرتجف ، يترنح .. لكنه ينير ولا يحرق ، يضيء ولا يظلم ..

أنت ثمرة شهية ناضجة في بساتين التفاح والدراق .. والعطور ، أنت زهرة جميلة ندية في رياض الربيع الدائم الاخضرار .. أنت قلب نابض . يحس ، يشعر ، يذوب ، قلب يفكر بالهجرة إلي الشواطئ المهجورة المجهولة خوفاً من لحظة ضعف .. وهلعاً من ساعة استسلام ..

ولكن سيدتي لن تستسلمي

فمن تحمل هذا القلب العامر بالحب .. وهذا العقل الزاخر بالتأمل .. وهذه النفس الصافية الشفافة الغنية بالطهر والنقاء والجمال .. هي إنسانية لا تخون ولا تضعف ولا تستسلم ..

عفواً سيدتي ..

ستبقين بعض الوقت تعانين العذاب ، ستمضين ليلك ساهرة تتأملين ولادة الفجر .. تترقبين همسان النجوم ، تنصتين لسمر القمر ، تتيهين في همهمة السحر ، لكن ستظلين، تصبغين الكون من حولك بلون أبيض عاجي كلون قلبك الصافي النقي ، وسترين الدنيا عبر بريق وردي هو بريق عينيك الجميلتين اللتين لن تريا إلا السعادة والهناء بعون الله.

فلا وألف لا لطلاقك من هذا الزوج المحب الوفي ، لا وألف لا لضياع زمانك كامرأة مطلقة مطحونة تتنازعها الرغبة بين طفليها وبين رجل تحب وتعشق.

فأنت أسمي من ذلك .. أنت أعظم من ذلك .. أنت أرفع من ذلك .. فابتعدي سيدتي بعينيك الجميلتين عن عيني من يهوى قلبك .. اجتنبي رؤياه إليه .. واتركيه يلم شتات ذاته ، ويمضي راحلاً يركب حياته .. بزوجته ، بأطفاله . فبعادك عنه ، وغيابك عن ناظرك سيخفف من حبه لك ورغبته فيك .. فإذا غاب المؤثر فسوف يزول الأثر .. وبتوالي الزمن .. سوف تخبو جدوة الحب القديم ..

وحينذاك

سوف تمضي بك الحياة هادئة محتملة . وحتما ستخبين زوجك .. وهو الرجل الطيب الحنون .. المهذب المحب .. الأب والوالد لطفليك !!

والله معك.

أحب ابنة صديقي

دخلت بيت أسرة طيبة ، واعتبرت أفرادها أهلاً لي .. وبعد أن تداخلت أكثر مع هذه الأسرة ، أسرة صديقي الذي يكبرني سناً ، بدأت أهتم بابنته ، التي أكبرها بسنوات عديدة، فلقد وجدت نفسي أفكر فيها بطريقة غير عادية .. حتى اقتنعت بها تماما .ز ولكن لم يكن الوقت مناسباً لأن أتقدم لخطبتها ، وفضلت الانتظار قليلاً ، بعد ذلك سافرت ومكثت طويلاً في الخارج لأتابع دراستي وحضر صديقي بعد ذلك بمفرده ، وعندما التقيت به .. أخبرني ضمن الأخبار العامة .. أن ابنته قد قرأت فاتحتها على ابن صديق له فصعقت لهذا الخبر ، وتمنيت لو حدثت معه دون انتظار .. قبل أن يتم أي ارتباط ولكن هذا ما حدث ، فسلمت أمري لله ، واقتنعت بأن الزواج ” قسمة ونصيب ” وفي ثاني أجارة لي ، ذهبت لزيارة أسرته .. وكلي ندم من الداخل، ولكني ذهبت عندما وجدت الفتاة ” المقصودة ” تشكو لي من تصرفات ذلك الشاب الذي يكبرها فقط بثلاثة شهور ، تشكو من تصرفاته الصبيانية وقلة خبرته في الحياة .. وأخبرتني بأنها لا ترغب في الارتباط به .. لعدم التكافؤ الذهني بينهما .. وغير ذلك .. وذات يوم .. وبعد حديث طويل .. أخبرتها بأنني كنت أفكر في الزواج منها ، فرحت جداً وبدأت تبوح لي بمشاعرها نحوي ، منذ أن رأتني أول مرة بيتهم.

ولكني أخبرتهم بأنني لا أجرؤ على خطبتها وهي على ارتباط مع آخر ، ولن أتقدم لها إلا بعد أن تنتهي الارتباط بينهما رسمياً .. وبعلم الجميع .

وفي الأسبوع التالي .. وأثناء زيارتي لهم في منزلهم .. لاحظت أنها على خلاف مع والدتها .. وعندما سألتها بعد ذلك في الهاتف .. أخبرتني بأنها صرحت لوالدتها بعدم رغبتها في الزواج من ذلك الشاب .. فسألتها الأم .. إن كان هناك أحد في حياتها .. وصارحتها الفتاة بأنها ترغب في الزواج مني أنا ..

فقالت الأم وكيف هو لم يتقدم لك ؟ .. هل ترمين بنفسك عليه ؟ وعندما أخبرتني بذلك .. ظننت أن والداتها تنتظر أن أتقدم لها ، وفعلا ذهبت إلي والدتها طالباً يدها فقالت بعد المدح الكثير كالعادة في شخصي وأخلاقي .. قالت : لقد ارتبطنا فعلا مع أهل الشاب .. ولقد أعدوا كل شيء لإتمام الخصوبة ، بعدها ذهبت أنا تاركاً كل علي ما هو عليه .. ولا أعرف ماذا حدث منها أو منهم ولا أعرف حتى ماذا أفعل وسافرت ثانية ، حيث زاد البعاد من عذابي وبقيت أعاني الألام والأحزان وحدي .. دون معين.

لذلك سطرت لك هذه السطور الطويلة .. متمنياً أن أجد الحل الأمثل لديك وأعدك مقدماً بأن أسير خلف كل حرف من كلماتك التي أنا متيقن من صوابها راجياً نشر ما يمكن اختصاره .. فربما أطلت الموضوع .. ولكن أعذريني .. وأنا آسف على أزعجك .. وشاكر لك مساعدتك التي أنا في أشد الحاجة إليها .. مع تحياتي.

بلا إبطاء ..

انهض فوراً وانقض عنك عذاب الآلام ، وداوها بالتي كانت هي الداء .

عد إلي أرض محبوبتك ، وأدخل ديار ليلي خاطباً يدها ، مخاطباً أباها بلهجة الجد والحزم .. وليكن اللقاء لقاء رجل برجل . عد حالاً لإنقاذ حبيبتك التي تهواك وتريدك ، والتي خاضت حرب العناد لأجلك ، فتخلت عن خطيبها ، ورفضت كل التحديات حولها . فلا تكن أقل منها حزما أو شهامة ، وواجه الموقف بكل حماسة وشجاعة ، ولا تدفن رأسك في الرمال كالنعامة حتى لا تخذلها وتحرجها أمام أهلها بعد أن صرحت بسرها لأمها التي من المؤكد أنها حكت لزوجها كل شيء ..

فلا تتهاون ولا تتخاذل كي لا تتسبب في إحراجها أكثر من اللازم ..

لك تحياتي.

الحجر

أنا فتاة من عائلة محافظة اجتزت المرحلة الثانوية هذا العام . عشت طفولة بريئة وكنت محبوبة من الجميع لحبي لمساعدة الغير ووحي المرحة المتفائلة، عشت هكذا إلي أن تعرفت على شاب كان صديقاً لصديقتي ويعاملها كمعاملة الأخ لأخته ، أختلي بها عدة مرات ولم يحاول استغلال ذلك . أوضح لها مراراً أنها بمثابة أخته. أحببته ، أحببت رجولته وصدقه وشهامته ومساعدته للغير ، وهو قد رأي أنني النصف المكمل له ، تعاهدنا على الصدق والإخلاص والوفاء ، سألني إن كنت أقبل به ووعدني أن يتقدم لي فهو يريدني بالطرق الشرعية وليس من وراء أهلينا ، ولكن في هذه الأثناء توفي والده ثم توفي أخوه وأصيبت والدته بصدمة شديدة وبعد فترة طلبت منه الزواج من قريبة لها فرفض وحاول إفهامها أن قلبه ملك لغيره . لم تتفهم وهددته بالغصب عليه . طلبت منه أن ينقذ طلبها ، فتزوج بمن أرادته أمه ، ولكن هذا الزواج لم يدم غير ستة شهور زوجته الطلاق بعدها لأن كل تصرفاته لم يكن يعنيها بها حتى أنه في بعض الأحيان كان يناديها باسمي ، والله يعلم أني ابتعدت عنه منذ خطبته لتلك الفتاة ، سمعت بكثرة الخلافات بينهما وجاءني فطلبت منه الرجوع لزوجته لأنه رجل مسؤول ، ولم أعلم بالطلاق إلا بعدما وقع ، ورجع إلي نادماً على كل ما حصل . عندما رأت تزوجه بمن يريد ولكن المرض كان أسبق منا إليه . أصيب بمرض خطير ، حال أن يبعدني عنه خلال مرضه خوفاً أن أندم وأن يسبب لي أي عذاب ، أراد خطبتي ولكن والدته ما زالت تمانع مع العلم أنه لا يعيبني شيء فأنا فتاة من أسرة معروفة ذات أخلاق ودين ، حاول العديد من أخوانة إقناعها لكنها تصر على ذلك وهي الآن تريد أن تزوجه لأخرى. أرجوك ماذا نفعل أمام إصرار هذه الأم على تحطيم مستقبل ولدها مرتين ؟ ولماذا ؟ هل لأننا رفضنا أن نتبادل الحب في الخفاء ولأننا أردناه بالطريقة المثلي ؟ لا أعرف . أهلي لا يعلمون شيء عن هذه القصة ، أرجوك اعطينا الحل فمشكلتنا هذه دامت ما يقارب أربع سنوات حاولت خلالها نسيانه فلم أستطع وشغلت نفسي بالقراءة والكتابة وبكل شيء فلم أنسه وخرجت إلي المجتمع فلم أنسه وهو أيضاً حاول نسياني فلم يستطع ، أما من ناحية أهلي فأنا واثقة من موافقتهم عليه ، فهو شاب مهذب على أخلاق حميدة تندر هذه الأيام.

ملاحظة :

أنا لم أخرج معه أو أتحدث إليه ولا مرة واحدة على انفراد لأني أعرف أنه ما اختلي رجل بامرأة إلا حدث شيء لا أحب أن يحصل ليقل احترامي له أو احترامه لي فنحن في سن الشباب وعواطفنا ممزقة حائزة ..

أرجوك رجاء حاراً لا تهملي هذه الرسالة لتسعدي شابين في مقتبل الحياة.

” لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين ” وقد لدغ حبيبك مرة ، ودخل زواج مظلماً كئيباً إصابة بانهيار عصبي كاد يذهب به إلي حافة الجنون !!!

إذن في هذه التجربة شيء ما يجعلنا نتعظ به !! شيء واقع دامغ ودليل وبرهان ساطع على خيبة هذه الأم الجبارة المتسلطة التي تريد أن تتحكم ، حتى المرض والجنون ، في حياة ابنها ؟! إلي هذا الحد ؟! أعوذ بالله .. فليكن حبيبك رجلاً صارماً . رافضاً هذه المرة ليتمسك برأيه واختياره مهما كانت حالة التعنت عند أمه .. فهو لا يخطئ عندما يريد الزواج من فتاة لا يعيبها شيء مثلك . فتاة عفيفة شريفة كل ما في الأمر أنها لم تأت باختبار أمه !!!

وإلي هذه الأم ومثيلاتها أقول : الزواج مرحلة هامة ، وتجربة أساسية وضرورية في حياة الإنسان .. وأهم ما يحتاج إليه الابن أو الابنة في هذه الفترة هو الترشيد والتبصير ، وليس التخويف والترهيب ، ولفرض والإلزام ..

دعي ابنك يختار يا سيدتي .. دعية يمارس حياته بإرادته وليس بإرادتك الظالمة التي حطمت سنوات شبابه وشرخت أيام عمره . وأصابته بالمرض، دعية يعيش هذه المرة حياته بحب ..  بدلا مـن أن تفقديه في مرض قـد يؤدي به لا قدر الله …

وحينذاك لن يكفيك ندم الدنيا كله .. ولن تخفف عنك أحزان العالم مجتمعة .

 

دون كيشوت

قبل ثلاث سنوات عزمت على السفر إلي أميركا للدراسة وقبل أن أسافر تعرفت على صديق طلب مني أن أسكن معه في بيته لأنه يعيش وحيداً فقبلت طلبه وسكنت وأصبحنا كالأخوين وأطلعني على جميع أسراره الخاصة فعرفت أنه على علاقة غرامية ببنت الجيران التي تذهب إلي شقته الخاصة من غير علم أهلها وتعتقد أنه يحبها وينوي الزواج منها ولكنها كانت بالنسبة له مجرد وسيلة تسلية . وأخيراً تقدم لها شخص وزوجها والدها غصباً عنها .

فاتفقت هي مع صديقي هذا أن تعذب زوجها وتحرمه من حقه لشرعي معها حتى يطلقه في أسرع وقت .. وفعلاً عذبت زوجها وتركته يعيش لوحده وحضرت إلي بيت أهلها لتكون قريبة من صديقي واتفقت معه أن يخلقوا ثمرة الحب ، ثمرة الفساد ، أن يخلقوا طفلا بالحرام عناداً لزوجها حتى يطلقها.

وفعلاً أنجبا الطفل .. طفل الحرام ؟

فلما علم زوجها بالموضوع طلقها فوراً بعد الولادة ولم يعترف بهذا الولد وطلبت هذه الفتاة من صديقي أن يتزوجها ويستر عرضها ولكنه لم يقبل الزواج منها.

وأخيراً عرفت صديقي على حقيقته وصارت مشاكل بيني وبينه بسبب الفتاة واستطعت أن أطرده من البيت والحاره وكونت مع الفتاة علاقة شريفة لمدة سنتين وبعد ذلك طلبت مني أن أتزوجها وحلفت اليمين أنها مخدوعة وأنها نادمة على ما فعلت ووعدتني أن تكون خادمة لي لو تزوجتها وسترت عليها فوافقت على شرط أن يأخذ أهلها ولدها . ولكن المشكلة أن جميع أهلها لا يدرون أن هذا الطفل غير شرعي ويعتقدون أنه من زوجها الأول ، إن جميع أهلها يحبون هذا الطفل جداً لأنهم لا يعرفون حقيقته ولو كانوا يعرفون لطردوه من البيت هو وأمه.

المشكلة الآن أني حرمت نفسي من السفر إلي الخارج من ابنة عمي الشريفة التي ترفع رأسي أمام الناس.

ولكن هذه غلطتي لأنن اندفعت وراء العاطفة !!

هذه هي مشكلتي .

أنا أحب الفتاة ومقتنع بها زوجة لي .. ولكنني أكره هذا الطفل ولا أحب أن أراه.

لا استطيع أن أعيش معها وهذا الطفل يعيش معنا في بيت واحد .

فأنا عندما أراه أكرهها وأكره حياتي معها لأني أتذكر ماضيها الأسود.

المشكلة أن هذا الطفل يعيش معي ومع أمه في بيت واحد.

وكلما أراه أندم على الزواج من أمه.

وأنا لا أستطيع أن أعيش مع هذه الفتاة في بيت واحد وعندي هذا الطفل ابن الحرام. ماذا أفعل ؟ هل أطلقها وأريح نفسي من عذاب ماضيها ومن طفل الفساد وأبعدها من حياتي علماً أني لن أستطيع أبداً أن أعيش معها طالما أن هذا الطفل يعيش معي في بيت واحد فلا أحد يريده فزوجها الأول برئ منها وأهلها لا يرغبون في رعاية الطفل وفي تنشئته عندهم ..وإذ عشت معها فهذا الطفل يعيش في قلبي ما دمت أعيش معها . ماذا أفعل وهل هذا جزاء شهامتي وتضحيتي ؟!

بعد ما كان وكان وكان .. تأتي تشكو الآن ؟! إنك عزيزي تذكرني بذاك البطل الأسطوري دون كيشوت الذي كان يحب الناس إلي درجة الوله .. فكان يبذل نفسه وزمنه من أجل حل مشاكلهم وإسعادهم .. ولكنه كان يسقط

 

 

دائماً صريع ترك المشاكل في النهاية !

أنا لن أحلل ولن أسترجع تفاصيل مشكلتك . ولكني سأدعوك لإتمام جميلك ، وتحاول حل ” المشكلة ” ذاك الطفل البريء ، الذي لم يختر قدره ، ولم ينتق والديه ، في حين أنك أنت أخترت أمه المذنبة وغفرت لها وأحببتها واقتنعت بها !!

وهذا مدعاة إذن لأن تحب ابنها وتعطف عليها ، وتعوضه عاطفة الأبوة التي يحتاجها . وتأكد أنه سيحبك لو أحببته ، وسيقدر تربيتك له عندما يشب ويكبر ويفهم .

وأعلم أن هذا الطفل الصغير هو أكثركم بؤساً وشقاء وعذاباً ، فلا أحد يريده ولا يقبله من الآن .. فما بالك عندما يدرك حقيقة نسبه ، ويعلم قصة وصوله إلي هذه الدنيا بعد بضع سنوات ؟!

فلترحم من في الأرض ليرحمك من في السماء !

همسة حب

المرفأ الأخير

قلبي الذي هام بالتطواف والسفر                   القي مجاذيفه في شطك العطر

لم يبق من أمسه الصخاب غير صدي             وذكريات زمان باهت الصور

ونجمة من حدود الأمس راعشة                    تأتي –إذا نامت الدنيا–على حذر

بحيرة الحسن لم أقصد شواطئها                    لكن أشرعتي قد ساقها قدري

رأيتها فنسجت الشوق أشرعه                      بيضاء ، تبحر للأتي من العمر

وجدت فيها خيالاتي مجسمة                      تزهو بروضة عمر مشرق نضر

نهاره ملعب للشمس تعشقه                        وليله خيمة للحب والسمر

أنا الذي عشت أيامي كأغنية               تطير من وتر شاد إلي وتر

سكبت قلبي في قيثاركم نغما                      كما وهبت لآفاق الهوي قمري

عرفت مذ لونت أقماركم أفقي                     أسرار شوقي للإيجار والسفر

يا موجة النور قلبي في مسائكم                    عطشي أزاهيره للنور فانكسري

قد أينع الشوق في الأعماق فانسكبي               يا غيمة العطر في قلبي وفي بصري

مرافئ عشقتني بت أنكرها                         وجنة فتنتني ملها نظري

بحيرة الحسن في عينيك موطنة                    قلبي الذي هام بالترحال والسفر

د: عبد الله العتيبي

عذراء .. ولكن !!

أنا فتاة مراهقة جدا أحب الحياة وأقبل عليها بكل سعادة وسرور ، ولكني لم أحتفظ بهذه السعادة طويلاً . أحببت شاباً يكبرني بثلاث سنوات حباً صادقاً عذرياً كأحلام الربيع ، دامت مدة حبنا نحو ثلاث سنوات كنا نتبادل الرسائل وأحياناً أصعد سطح منزلنا وأتكلم معه لأنه جاري وحائطنا بجانب حائطه تماماً ، ولكن شقيقة حبيبي لم توافقه على هذا الحب لأنها غارت مني لأنها أكبر من شقيقها ولم تعرف الحب بعد ، فأحبت أن تفرق بيننا ولا تسعدنا فأخبرت والدي بأمر حبنا وكان أب لا يعرف فانزعج وأخبرني بأن أبتعد عن حبيبي ، ولكني لم أستطع لأني أحبه حبا لا يوصف ، ولا أقدر أن أفارقه أبداُ ، فأرسلني أبي إلي بيت جدي كي أبتعد عن حبيبي ولا أرجع إلي بيتنا ، فتعذبت عذاباً لا يوصف وبعدها رجعت إلي البيت مرة ثانية ورآني فجأة وأنا أكلم حبيبي من نافذة غرفتي فضربني بشدة وأرجعني مرة ثانية إلي بيت جدي وبدأ يشك بي وقال لي أنني لست عذراء ، وذلك بسبب حبيبي ، وزادت شكوكه ولم يطمئن إلا عندما ذهبت إلي طبيب ليراني إن كنت عذراء أم لا ، وأخبر الطبيب أبي أني ما زلت عذراء وندها اطمأن أبي ولكنه لا يزال غير راض عن حبنا كلما ابتعدت عنه ، فرجعت شكوك أبي إليه ، وعاد يقول لي أنني لست عذراء ، أخيراً ذهب بي أبي إلي رجل يخط الرمل وطلب أبي منه أن يري لي ولكني لم أصدق هذا الرجل لأنه قال لأبي أنني لست عذراء ، ولكني كرهت أبي نعم أحسست بكره نحوه رغم أنه يقول لي أ،ه يفتش عن مصلحتي .. أي مصلحة هذه التي تزيد من همومي ؟ وأخيراً أتي أبي بامرأة تري البنات إن كن عذراوات أم لا ، وأخبرت هذه المرأة أبي أنني عذراء 100% نعم أني عذراء ولكني أزداد هموماً يوماً بعد يوم ، نعم إن همومي تزداد وأنا حالياً أفكر في الانتحار وأرجوك ساعديني على حل هذه المشكلة .

يا فتاتي المراهقة …

بالله عليك يا صغيرتي كفي عن هذا العبث مع ابن الجيران فلو كان جادا لكان تقدم لك وانتهي الموضوع ! وهذه المشاعر التي تحدث لك الآن هي عبارة عن اندفاعات فترة معينة في حياتك ، إن لم تتحكمي في نفسك خلالها .. ستخسرين أشياء كثيرة ثمينة أنت لا تقدرين قيمتها الآن ..

أولاً .. سمعتك .. والسمعة الطيبة هي التاج الخفي الذي تتحلي به كل فتاة ، فإذا فقدته ، ضاع منها جمالها وبهاؤها ..

ثانياً .. ثقة أبيك وأهلك ، فإذا هم ارتابوا بك ، تأكدي أنك سوف تتعبين جداً حتى تستردي تلك الثقة الضائعة ..

ثالثاً .. وهو شيء أثمن من ذلك كله .. عذرية نفسك وصفاء روحك ، وذلك شيء لا يعوض .. وإنما يضيع منك شيئاً فشيئاً عبر بحر هادر من المشاكل .. وعبر هذا الكشف المذل والمستمر على عذريتك .. فبالله .. اعقلي .. وعودي تلك الفتاة المطيعة المهذبة ، وارحمي أباك من عذابه ، ودعيه يعمل في سلام ، ويكد من أجل تربية أخوتك الصغار في هدوء وراحة بال .

وحينئذ .. عندما يطمئن إليك ، وتستردين ثقته بك ، سوف يكف عن الكشف عليك من وقت لآخر .. وبذلك تحلين مشكلتك ومشكلته ببراعة كمن يصيب عصفورين بحجر واحد .

المقهور

كنت أعيش في هدوء وسلام ولكن ذات يوم أتت إلينا فتاة ابنه أحد أقاربنا ، وسكنت معنا في منزلنا وكنت لا أهتم بها لأنني أميل إلي القراءة .

وفي أحد الأيام دخلت غرفتي وجلست معي تحدثني عن الحب وعن الروايات العاطفية . ومن ثم رأيتها تتصرف أمامي تصرفات غريبة وتقول لي : أنا أحبك . فلم أجبها بشيء فخرجت وهي غاضبة وبعد مضي شهرين دخلت مرة ثانية إلي غرفتي وقالت لي نفس الكلام : أنا أحبك لماذا لا تجاوبني ؟ قلت لها : أنا طالب ولا أستطيع أن أحب لأن مشوار العلم أمامي طويل ولا أفكر في مثل هذه الأشياء . فردت على تقول إن لم تحبني مثل ما أريد سأشيع خبر أنني حامل منك فذهلت من هذا الاتهام الكاذب وضربتها لأنني مؤمن ولا أريد أن تنهان كرامتي . وفي اليوم الثاني شاع الخبر في الأسرة كلها ، وكاد والدي يضربني فشرحت له الحقيقة ولكنه لم يقتنع بكلامي ، فقلت له اعراضها على طبيب اختصاصي ، واكتشف الطبيب أنها حامل في الشهر الثاني وفعلت المستحيل لكي أبرهم لهم أنني لم أرتكب مثل هذه الجريمة الشنعاء لأنني أخاف الله وأعرف حدود ديني ، وللأسف لم يصدقني أحد واتفق والدي مع والدها على أن يزوجوني إياها بأسرع ما يمكن درءا للفضيحة ، وفعلاً تم الزواج بيننا وأجبروني أيضاً على ترك الدراسة والعمل مع والدي . والآن أنا في حيرة لا أعرف ماذا أفعل . زوجوني امرأة كاذبة وخائنة وأيضاً حامل من رجل آخر وكذلك تركي للدراسة التي كانت تشغل كل اهتمامي والتي كنت أبني عليها مستقبلي ، أرجوك يا أخت كرمة غاية الرجاء أن ترشديني ماذا أفعل بعد أن أهينت كرامتي وانهارت أمام الجميع ؟ أرجوك للمرة الأخيرة يا أخت كريمة أن تجدي حلا لهذه المهزلة المستمرة حتى الآن والتي تفتك بأعصابي وتقهر نفسي خاصة إذا وقعت عيني على هذه المرأة المخادعة ، علماً بأنني لم أمسها أبداً ولا أجد في نفسي القدرة على مجرد النظر إليها لفرط كراهيتي ومقتي لها .. فماذا أفعل بها والجميع يقف معها ضدي ؟! أرجو أن ترشديني إلي طريق الصواب.

.. بعد أن قرأت رسالتك شعرت بغيظ شديد جعل الدماء تغلي في عروقي بسبب هذه المدعية الكاذبة الظالمة ، التي نسبت لك جريمة أنت برئ منها كما نسبت إليك طفلاً ليس من صلبك !!

فاصبر يا أخي واعلم أنه مهما كانت صعوبة الوضع الحالي ، فلا بد من إثبات الحقيقة لأن صوت الحق لا يخفت أبداً ولا يضيع وإن كان كامناً لوهلة بسبب الظروف المحيطة فلا بد أن يأتي يوم يظهر فيه ويعلو ويرتفع .. فاهدأ واطمئن ولا تيأس أبداً من رحمة الله الذي يمهل ولا يهمل ..

والآن ..

يجب أن تطلقها فوراً ، لأن حياتك معها قاع العذاب ، وقمة الظلم ..

شعورك بالتقزز تجاهها ، وكراهيتك ومقتك لها سيفتكان بأعصابك ويستهلكان قدرتك على الاستمرار .. ويمتصان رحيق شبابك .

طلقها فوراً ..

ولا تسكت أبداً على الظلم والجور ، ولا ترضي بالذل والهوان الذي تعيشه مع هذه المرأة المجردة من الضمير ..

ولتعلم يا أخي أن صوت الحق عال ولا يعلي عليه ، فابق على رفضك لتلك التهمة الظالمة ، وحتماً ستجد من يسمعك ويصغي إليك حتى ولو بعد حين ..

والله معك .. وهو العلي القدير ، خير نصير للمظلومين المقهورين .

فادعه يستجب لك ، فدعوة المظلوم لا يحجبها عن الله حجاب.

 

 

الدرع !

قصتي غريبة .. ولكن ها هي أسردها كاملة .. أنا في العقد الثالث من العمر ، شكلي ومظهري الخارجي يخفي عمري الحقيقي انضم إلينا في العمل شاب وسيم في العشرين من العمر ، ولكن اتضح أنه ناضج في تفكيره العميق وبعد نظره وشهامته وخلقه وخبرته ، ويتعالي الهمس من حوله ” لم لا يعيش هذا الشاب كمن هم في سنة ؟ لماذا يظهر ويتكلم كأنه في الأربعين من عمره؟ “

وما أن مضي على عمله معنا شهر ، وكنت أنا أكثر الزملاء اتصالاً به وتعاملاً معه ، ما أن مضي شهر حتى صارحني بعمق شعوه نحوي ، فأشرت إليه أني أكبره سناً وإن كان شكلي يدل على غير ذلك .

هذا وابتعدنا قليلاً ولا أعرف كيف عدنا من جديد وإن كنت بين الحين والآخر أعود إلي الابتعاد عنه بدافع العقل.

ولكن ثقاته ، سمعة اطلاعه .. كلامه .. تصرفاته .. تبهرني وتظهر إعجابي به .. وإن كنت أخفي ذلك بكل ما أستطيع .. أما هو فالحب فاض منه .. إلي أن صرت أشعر به وألمسه حقيقة واقعة.

وبعد كذا شهر سلمني رسالة معترفاً بحبه لي ، وما يكنه من مشاعر حب صادق .

وجعلني في حيرة من أمري ، ما بعدها حيرة . فقد فتح أمامي باباً لا أدري مخرجه إلي أين وطريقاً لا علم لي بنهايته.

أجل إني معجبة به كل الإعجاب ، فهو الذي استطاع أن يكسر القفل الذي وضعته على قلبي منذ زمن بعيد .

ولكن كلام الناس يجرني بعيداً عنه ” أنها استغلته وأوقعته في شباكها متناسية الفارق بينهما في العمر ” .. اقرأها على وجوههم وأحسها في تعاملهم معي ..و .. و.

وسوف يلازمني إن قبلت به .. إنها مشكلة أهله .. وأهلي كذلك ، هو يريد جواباً .. وأنا في حيرة من أمري .. أفكر كيف أعطيه كلمة وأربط نفسي به ومصيري بمصيره وبعدها يقترض لي أن أضع درعا واقياً من تلك القذائف والسهام . أو أن أنهي الموضوع نهائياً معه ، وشكي يقول لي لا يمكن أن يكون هو قـدري .. ورفيق دربي ؟ وأسـأل ما القرار ؟ .. أين المخرج؟ . إلي أين النهاية ؟

أنا في انتظار رأيك.

منذ يومين قرأت مصادفة مقالا مصوراً عن امرأة عجوز في الستينات تزوجت شاباً يافعاً في العشرينات !!

وحكت هذه المرأة المحبة حكايتها للصحافة وكيف كانت تسمع ” نصائح ” الناس بأذنها وهي تنطلق في أذن زوجها الجميل تطلب منه أن ينجو بحياته من براثن هذه العجوز !!

واستمر زواجها .. ونجح رغم غرابته وشذوذه ! فما بالك أنت يا فاتنتي ؟! يا من تعيش سنوات الأنوثة الناضجة بكل معانيها ؟!

طبعاً وافقي .. فالعمر في حياتك لا يعد بالسنوات ، وعلي رأي المثل الإنجليزي العمر يقاس بالشعور .. بالإحساس ، فهم يسألون .. ” بأي عمر تشعرين “.

عزيزتي ..

لا تضيعي ” فرص العمر ” على نفسك بأن تخسري هذا الشخص الناضج ، العميق المثقف .. الذي يسبق بعقله الكبير سنوات عمره الصغير .

وثقي .. أنك سوف تسعدين معه كثيراً ، وتهنأين معه طويلاً ، فلقاء الفكر ، لقاء العقل ، لقاء الروح .. هو أروع وأنضج وأسمي لقاء ..

وإن شاء الله تعيشين راضية مرتاحة البال ، خصوصاً إذا صنعت لنفسك درعاً واقياً من سموم الهمسات ، ووضعت في أذنيك قطناً عازلاً يرد عنك غريب التعليقات ..

طبعاً ستواجهين هذه المواقف السخيفة المستنكرة في البداية فقط ..

والتي سرعان ما تقل وتنتهي وتتلاشي  .. فالناس تعتاد بسرعة .. وتنسي بسرعة .

 

هلاك هولاكو !

قبل خمس سنوات أحببت فتاة حباً ملك قلبي وروحي .

تقدمت لطلب يدها ولكن والدها رفض طلبي ، وكررت الطلب عدة مرات ولكنه واصل بإصرار موقفه المتعصب. وبعد مضي سنتين من حبنا سافرت حبيبتي برفقة والديها للهند لعلاج والدتها المريضة.

وبعد سفرها بشهرين وصلتني برقية تخبرني أن والدها عاد للبلاد بينما بقيت هي ووالدتا هناك.

فسافرت واتفقت مع حبيبتي أن نقنع الوالدة للموافقة على زواجنا – وبعد جهد وافقت والدة الفتاة على طلبنا – وهناك وعلى الطريقة الإسلامية تزوجنا ، ومرت الأيام وبعد شهرين أعلمتني زوجتي بأنها حامل.

ومضت سبعة أشهر على زواجنا ، وإذ بكتاب يصل من والدها يخبرها أنه قادم للعودة بها مع والدتها التي تشافت من مرضها ، وأصبحنا في حيرة من أمرنا وطرقنا كل الأبواب لإيجاد حل لهذه المشكلة ولم نجد إلا حلاً واحداً وهو الإجهاض وأخبرنا الطبيب أن الطفل يمكن أن يعيش بعد الوضع .

  • وفعلاً تمت الخطة بنجاح وبقي الطفل في عيادة الطبيب ليكمل نموه.

وأتي والد زوجتي بعد وضع الطفل بأسبوع وأخذ زوجته وابنته وعادوا للبلاد بينما بقيت أنا هناك أدفع ثمن غلطتي وتعجلي .. بقيت عند الطفل حتي أكتمل ، وأخرجته وذهبت به إلي إحدى المربيات وأعطيتها مبلغاً من المال مقبل تعهدها بتربيته.

وعدت للبلاد ، وبعد مضي أربعة شهور تزوجت حبيبتي من ابن عمها الذي كان والدها يرفض طلب بسببه.

جربت حبيبتي شي الوسائل للخلاص منه ولكنها لم تفلح.

أما أنا فبقيت ذاهباً وآتيا بن الهند وبلدي ومرت الأيام وأنا أتعذب أري زوجتي ليست لي وأري طفلي ليس لي. لا أدري ماذا أفعل بعد هذه المشاكل التي تتراكم على تراكم الجبال

أنا بين مشكلتين – مشكلة حبيبتي وزوجتي التي سلبت مني ومشكلة طفلي الذي لا أستطيع أن آتي به لعدم إثبات هويته.

أطرح لك مشكلتي هذه يا أختي العزيزة أملا أن ترشديني لحل مناسب وسريع.

قرأت عن زعيم من التتار كان يشيع الرعب والفزع بين الناس .. بما عرف عنه من قسوة وجبروت كان اسمه هولاكو. أما أن أسمع عم هولاكو جديد ينشر كل هذا الرعب ، وكل هذا الفرع بينكم ، إلي درجة تخرسكم وتلهيكم هن النطق بالحق .. فهذا وأيم الحق هو عين الباطل والزو والبهتان !!

أنت يا أخي يجب أن تعلن الحقيقة بجرأة وقوة شخصية وشجاعة .. ففي الطريق يوجد طفل برئ يعيش حياة اللقطاء وأبناء السبيل .. مع أنه ابن حلال مائه في المائه فما ذنبه؟!

المعالجة الهادئة البعيدة عن الضجيج والصراخ ، هي التي يجب أن تتم فوراً ، وتأكد أن والد زوجتك لن يقتلك على أية حال .. فلماذا هذا الخوف والوجل ؟!

وحتى لو وصل الأمر إلي أقصي درجاته ، فزوجتك تعتبر مقتولة بمعاشرتها ” الحرام ” وغير الشرعية لابن عمها ، لأن زواجها به يعتبر باطلاً ، لأنك لم تطلقها حتى الأن .. فأصبحت بذلك معرضة للمقاضاة القانونية للجمع بين زوجين ..!!

تدخل بقوة وحسم ، واعلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس واعمل جهدك أن تتفاهم مع هذا الهولاكو ، وقبل أن تهلكه ابنته بالإنجاب السفاح من ابن أخيه .. وحينئذ تصبح المصيبة مصيبتين .. زواج باطل .. وابن حرام ، فيا للهول !

وأما طفلك المسكين هذا ، فيجب أن تثبت هويته ، وأن تعيده إلي وطنه وأهله ، ليربي بين عشيرته .. بدلاً من تركه شريداً يعيش بين غرباء عيشة التعساء اللقطاء !! لا حول ولا قوة إلا بالله.

 

 

 

ساهر الليل !

أنا شاب أدرس بالمرحلة الجامعية من عائلة محترمة والحالة جيدة جداً والحمد لله .. أحببت فتاة تصغرني بعامين من عائلة غنية . تدرس في المرحلة الثانوية ، تعرفت عليها صدفة منذ أربع سنوات تقريباً ولقد صارحتني في البداية بأن معرفتها لي مجرد صداقة أو إعجاب . ولكن بعد مضي أشهر أحسست بأنني أحبها من كل قلبي وعندها قررت أن أصارحها . ولكن بعد فترة قصيرة أحببتها حباً خيالياً لا أستطيع أن أصوره في كلماتي هذه.

فقررت أن أطلب يدها ، وسألتها عن رأيها فكانت تتهرب كلما أردت أن أفتحها بهذا الموضوع ولقد كان ردها بأنها تريد تكمل دراستها ، وأحياناً تقول بأننا لا نصلح لبعضنا ، ولقد حاولت مراراً أن أعرف السبب الذي يمنعها من أن توافق فلم أفلح وأخيراً ذهبت إلي أخيها الأكبر لأن والدها كان مسافراً وصارحتها بحبي لأخته وطلبت يدها منه فأجابني بأنه لا مانع لديه ولكن إي أن يأتي والدها وعلى شرط أن توافق هي ، ذهبت إلي فتاتي وأخبرتها بما قاله لي أخوها فلم ترد على إنها تحبني ولا يمكن أن تتخلي عنى وتجاهلت كلامي لها بموضوع الخطبة ومضت الأيام ونحن على هذه الحالة . وفي يوم من الأيام طلبتني بالتليفون وسألتني أسئلة غريبة : جعلتني أفكر في كل شيء لقد سألتني بأننا لو تزوجنا مثلا ووجدتني لست بعذراء ماذا تفعل عندها ؟! ؟ والسؤال الثاني أو الطلب الثاني قالت لي إنني أحبك وإذا كنت تجبني فتعال اخطب أختي الصغري فسألتها ما معني كلامها وغضبت غضباً شديداً وحاولت أن تهدئني فقالت لي أنني أريد أن أعرف هل أنت تحبني أم لا ؟! وبعد هذه الأسئلة بمدة حصل خصام بيننا فلم تعد تكلمني وحاولت أن أعرف السبب فلم أستطع ومضت مدة طويلة وأنا على هذه الحالة أحاول بشي الوسائل أن أكلمها أو أراها . أني أفكر فيها كل لحظة وكل ثانية إلي حد الجنون والوسواس . نعم لقد أصبحت كالمجنون لا أفكر إلا فيها وتركت كل شيء وانقطعت عن الدراسة بسببها وتخاصمت مع أهلي .

ولم أستطع أن أنساها بالرغم من محاولاتي العديدة وأنا مستعد بأن أضحي بكل شيء من أجلها مع العلم أن والدي يعطيني الحرية الكاملة في اختيار شريكة حياتي . والآن يا عزيزتي هل أجد عندك حلا لهذه المشكلة التي جعلتني أحطم كل شيء بنيته وجعلتني أضيع مستقبلي وأهمل دراستي وجعلتني أعيش في دوامة لا أستطيع الخروج منها ؟ ولقد فكرت مراراً بالانتحار لأرتاح من العذاب الذي أعانيه في كل ثانية وفي كل لحظة.

يا أخي .. يا سهر الليل .. هذا الحب الكبير الساكن في قلبك علاجه الوحيد الزواج من حبيبتك . عملا بالقول : وداوها بالتي كانت هي الداء . إن فتاتك تحتفظ بسر تخجل أن تخبرك به . فهي على ما أظن ليست عذراء . هذا ما فهمته من رسالتك ، وإن كان بعض الظن أثم.

فإذا كان قلبك يتسع لمثل هذه التضحية . فاخبرها أنك تقبلها كما هي . واستر عليها ، والله ستار العيوب . وانقل لها رأيك بدماثة ولباقة ، وتجنب أي إثارة أو اندفاع في الكلام حتى لا تخاف منك وتعاود الاختفاء والهروب رغم حبها الواضح لك.

وكفاك سهراً مع الليالي ،وكفاك دموعاً تذكرني بقول الشاعر :

صدغ الحبيب وحالي                      كلاهما كالليالي

وثغره في صفاء                          وأدمعي كاللألي

وأجعل من لقائكما معاً ملحمة جديدة للنجاح ، وعسي أن يوفقكما الحب إلي أسرة سعيدة تصون فيها زوجتك واسمك وشرفك ، وأن يجازيك الله خيراً على معروفك وحسن صنيعك . والله معك.

مني

أنا فتاة في التاسعة عشرة من العمر ، خطبت منذ عامين لشاب يندر أن يوجد مثيل له ، فهو مهذب ذو أخلاق عالية ومكافح وفوق هذا من عائلة عريقة ، فأحببته حباً جارفاً إنساني كل من حولي ، وكان هو أيضاً يحبني حباً جما . فكان من المفروض أن يتم زواجنا بسرعة . ولكن الأقدار هت التي تتحكم في مصير الإنسان . فقد وقع حادث أليم لخطيبي ( حادث سيارة ) ونجا من الموت بأعجوبة حيث نقلوه إلي مستشفي وبقي فيه أسبوعين تقرر بعده وجوب سفره إلي انكلترا للعلاج . وبقيت أنا في قلق وضيق .. طيلة شهرين بالتمام والكمال ثم عاد من الخارج ، ففرحت فرحاً عظيماً ، شعرت بأن أبواب القدر فتحت لي من جديد . لقد عاد سليماً معافي ولكن (بدون ساق) طلبت منه أن أكلمه ، لكن أخته أخبرتني أنه يرفض مقابلة أحد وبالذات مقابلتي .

فبكيت من كل قلبي ، بكيت حسرة وأسي . فأنا أحبه الآن أكثر من أي وقت مشي ، حاولت كثيراً أن أراه .. أو أكلمه بدون فائدة .. وظللت على هذه الحال مدة أسبوع كامل منذ عودته من الخارج .. وكانت أخباره تصلني عن طريق أخته التي كانت تحكي لي عن حالته النفسية العصبية . وزاد الطين بله أن طلب أهلي منه أن يفسخ خطوبته مني ، لأنني ابنتهم الوحيدة . ورفضت تدخلهم فيما يخصني ولكن بدون فائدة . وقبل يومين اتصل بي .. وأخبرني بأنه قرر أن يفسخ الخطوبة وأنه مكره في ذلك . لأنه يري أن في هذا مصلحة لي وضماناً لمستقبلي . وتحدثنا طويلاً ، وكان مصراً على فسخ الخطوبة ، وطلب مني أن أفكر بعقل وأن أحكم عقلي على عاطفتي . كما أنه أكد لي أنه يحبني وسوف يحبني للأبد . وهو سيكون سعيداً لو قبلت بالعيش معه شرط أن يأتي قبولي هذا عن اقتناع مائه في بالمائة وليس عن شفقة أو رحمة مني .

أرجوك .. أنا في حيرة من أمري .. أنا أحبه جداً ، وأريد أن أحيا معه للأبد .. ولكن كل من حولي يخالفونني الرأي ويقولون أن هذا شفقة ورحمة لا غير .. ارجوك ماذا أفعل؟ أنني كالغريق الذي يتعلق بقشة . أرشديني ماذا أفعل .. ولك مني جزيل الشكر.

الأخت العزيزة مني ..

قبل أن أتطرق إلي حل مشكلتك .. أحب أن أقل لك أن جسد الإنسان ما هو إلا (وعاء) للروح والنفس التي هي أهم من الجسد بكثير . فإذا كانت روح خطيبك بهذا السمو ونفسه بهذه الأخلاق .. فما بالك تترددين في إتخاذ موقف جاد لمجرد أن عضواً وأحداً نقص من جسمه ؟! .. وأثر حادث عارض لا إرادة له فيه ولا اختيار ؟!

لا يا مني .. لست أنت التي تفعل ذلك ، فهو خطيبك منذ عامين ، وكان يمكن أن يصاب بهذا الحادث القدري وهو زوجك ، فهل كنت ستتنكرين له وتطلبين الطلاق منه ؟!

ثم .. من منا نحن بني الإنسان يضمن قدره وغدة ؟ أليس من الجائز أن يصاب أحدنا فجأة بحادث مشابه ربما نخرج منه عجزة أو مشوهين ؟!!

لا يا عزيزتي .. خذي موقفاً جاداً من أهلك وأقنعيهم برأيك ، وأخبريهم بأنه لو كنت أنت التي أصابها الحادث لا قدر الله هل كان يرضيهم أن يتخلى خطيبك عنك ويزيد من مشاكلك النفسية بدلاً من أن يقف إلي جانبك يساندك بحبه وقلبه ؟!

مني .. أنت فتاة رائعة .. فعلاً تعرف كيف تحب . وكيف تختار الإنسان الذي تشاركه حياتها . ولذا أقول لك بكل قلبي : تزوجي خطيبك فليس الذي في قلبك نوعاً من الشفقة أو الرحمة فقط .. وإنما هو نوع من الحب النقي .. الحب الصافي .. الحب الطاهر البريء .. الذي يعيش عليه إنسان أشد ما يكون حاجة إليه .ز فبالله عليك لا تتخلى عنه ولا تتركه يتعذب بسببك ، ويكفيه ما ناله من عذاب . وأصري على الزواج منه .. وبسرعة .. حتى تنسيه مرارة الحادث .. بحلاوة الحب ..

ولكما مني .. أنتما الاثنان المحبان .. أطيب التمنيات بالسعادة والهناء !

 

 

همسة حب

قبلة وعينان

عيناك نبع هوي تصب كؤوسه الراح العتيق

والنجم خلف الغيم يدمي قلبه عشق البريق

وأقول للقمر الذي قد عب حتى .. لا يفيق

يا ليتنا كأسين تنسكبان فوق دو البروق

للحب صلينا بمحراب التناجي … للشروق

والشوق يشدو في حنايانا فتشتعل .. العروق

عيناك سهد نهاري الغافي على شفة القمر

جفناك رفا فارتوي بغرامك القلب المشوق

نهداك غفوتي التي ضمت وسائد من عميق

والثغر برعمي الذي نسي الربيع به الرحيق

والقبلة العذراء تحصد في دمي النبض الدفيق

والياسمين الغض أقطفه من الخد الأنيق

وشذاه رفاف يضم نعومة القد الرشيق

وقصيدتي كفراشة رقصت بأغوار الحريق

عيناك زادي حين شح الزاد واحتدم السفر

عيناك ظل وارف وغناء عصفور طليق

بجناحه الذهبي يمزج أمتي بدم الشروق

ويداك لمسة ياسمين الشجر للغصن الوريق

وإذا همست انساب غصنك من فم الغيم الرقيق

أنت الهوى المحبود في دنياي والحب العريق

وربيع وجهك لا يزال يقبل الثغر الأنيق

يحكي له أسطورة الأموال في قلبي المشوق

عيناك لحن عشه في القلب رفاف العصر

رضا الفيلي

لا لزوج أختي

أكتب لك مشكلتي هذه التي أصبحت بسببها لا أعرف طعم النوم وقلبت حياتي إلي جحيم . تقدم أحد معارفنا لخطبتي وذلك قبل عام من الآن ، وهذا الخاطب شاب محترم وخلوق ولا يوجد به ما يعيبه ، بل تتمناه كل فتاة ، ولكن أهلي رفضوا طلبه لأن أختي الكبيرة لم تتزوج ، وقالوا له إذا أردت الكبيرة فما عندنا مانع فتردد ، ولكن بضغط كبير من والده وافق أن يتزوج أختي الكبيرة ، طبعاً أختي الكبيرة لم ترفضه لأنها لم تستطع ذلك ، المهم تزوجاً ومضت الأيام وأصبحت اعتبره بالنسبة لي كأخي الكبير ، ولكن بعد أن مرت فترة بعد الزواج بدأت المشاكل تظهر بين أختي وزوجها ، وبعد مرور عام على زواجهما ، وكانا في زيارتنا ، فوجئنا بطلاقهما وذلك بطلب من أختي التي لم تنجب منه أطفالاً بعد. ولكن المفاجأة الكبيرة التي لم تكن تخطر على بالي أنني فوجئت به في اليوم الثاني على الطلاق يطلب يدي من والدي الذي وافق من غير تردد لأنه أقنعه أنه لم يكن في البداية يريد إلا أنا .

صدقيني لما علمت بالخبر أني فوجئت وصدمت صدمة كبيرة ، لأنني لم أفكر أو أتخيل أن هذا الشخص سيصبح زوجاً بعد كل هذه المدة التي انقضت ، وتعاملنا مع بعض أكثر من الأخوان . والله العظيم ماذقت النوم من كثرة ما زعلت وضاق صدري من المفاجأة المؤلمة . وأصبحت أنظر إلي الماضي لأستشف منه كل ما حدث خلال هذا العام وأحلل كل تصرفاتي مع زوج أختي ، أنه دائماً في أكثر الصور التي نصورها مع العائلة يكون إلي جنبي وأنا والله العظيم لم يخطر على بالي أي شيء ، ولم أستنكر منه أي تصرف ولم أشك في أي تصرف منه ، كذلك أختي التي لم أر منها أي نظرة غريبة لي من ناحية تعاملي مع زوجها إلا بعد الطلاق ، فقد قالت كلمة لن أنساها أبداً “الآن ارتاحوا مع بعض ” والله يوم سمعت منها هذه الكلمة أني تمنيت الموت ، لأني لم أتصور أنها تشك في إلي هذه الدرجة . صدقيني أخذت أبكي مما سمعت بعدما أصبحت طرفاً في مشكلة ليس بها أية علاقة ولم أكن أتوقع أنها ستحصل لي . أختي تشك في وزوج أختي يخطبني هل هذا معقول ؟ أنا غير مصدقة ما يحدث والله العظيم حرام . أختي التي أحبها مثل نفسي تتهمني بحب زوجها وأنا التي لم أسمع منها هذا من قبل فجأة يحدث كل هذا في لحظات ؟

المهم يا عزيزتي اتضح أنه لما يتخاصم معها كان يقول لها ” أنا أصلاً ما خطبتك أنا خطبت أختك ” والله العظيم أنا في حيرة ، أنا التي لم تمر على لحظة واحدة توقف فيها تفكيري عن الشخص هذا ، وكل تصرفاتي معه كانت تصدر بعفوية وحسن نية وبحضور كل الأهل .

أختي أرجوك ساعدديني كيف أتزوج ، مثل هذا الشخص الذي كان يفكر في أختي زوجة له ثم بعد ذلك يطلقها ويريد أن يتزوجني رغم أني لا أتخيل نفسي زوجة له أبداً . أرجوك ساعديني فأنا رافضة أن أتزوج منه رغم موافقة والدي ، أما والدتي فهي بين الرفض والإيجاب . أرجوك يا أخت كريمة أريد رأيك وبأسرع ما يمكن فأنا بانتظار جوابك على رسالتي هذه أرجوك أنقذيني من هذه الدوامة.

فلتعودي إلي النوم ملء جفنيك يا عزيزتي .. ولتعد حياتك نعيماً لا جحيماً .. كيف ذلك ؟! لأنك يجب أن ترفضي هذا الزواج.

نعم .. هذا هو الحل الوحيد لمشكلتك . فليس من المعقول أو الممكن أن تتزوجي رجلاً أنت تعتبرينه أخاً لك ، أيضاً لأنه كان زوج أختك حبيبتك التي سوف تعيش حياتها تحترق في بوتقة الغيرة والعذاب ، لو قدر لك هذا الزواج ..

وأعتقد أن من حقك الآن أن تعلني هذا الرفض ، ولا أعتقد أن والدك سوف يرغمك على ذلك ، بعد أن أرغم أختك من قبل ، وإلا سوف يخسر في كل سنة واحدة من بناته !! وكفي تدخلاً من الآباء في حياة الأبناء ، فلولا ضغط أبيك على أختك ، ولولا ضغط والد الشاب عليه ، لما اضطره إلي الزواج من فتاة لا يرغبها قلبه ولا تشتهيها نفسه ..

وبعد عملية التصحيح والوضوح هذه .. سوف تعلم شقيقتك مدي صدق مشاعرك ، وكيف أنك كنت لها أختاً نقية مخلصة ، وليست أختاً عابثة مستهترة تطمع في زوج أختها !

أيضاً .. اشرحي لوالدك بهدوء ، أنك غير قادرة على ممارسة هذا الزواج اللا إنساني ، لأنه سيفقدك أختاً حبيبة مدي الحياة .. وبذلك الرفض عزيزتي .. سوف تربحين نفسك ، كما تربحين أختك ، ومع الأيام سوف تنالين زوجاً يناسبك ، زوجاً قادراً أن يسعدك بلا مشاكل ولا خلفيات في الماضي أو المستقبل.

 

 

حبيبتي والحياة !

أنا إنسان بلا جنسية ، حالتي المادية ضعيفة جداً .. أحببت فتاة حلوة الوجه تحبني كثيراً كما أحبها ، انتهيت من المرحلة الثانوية وكان أملي كبيراً بأن أعمل وأجمع المال لكي أجعلها شريكة حياتي .. ولكن للأسف جلست سنتين بدون عمل ، ذهبت إلي جميع الوزارات لكي أعمل ، ولكن كانت الأبواب تقفل في وجهي بالرغم من أني أحمل الشهادة الميلادية الكويتية وشهادة الرابع الثانوي.

واستمر حبنا ، وكان يزيد يوما بعد يوم بالرغم من ظروفي وحالتي المادية وكانت هي تعلم كل شيء عني .

أصبحت الدنيا أمامي ستارة سوداء ، فقدت الأمل من الناحيتين ، حبيبتي والحياة السعيدة .. كنت أتمني الموت .

وكانت تقول لي ” أصبر سوف يفرجها الله علينا ” كانت تقولي لي هذه الكلمات فيعود الأمل مرة أخري .. حتي بحثت عن عمل .

ولكن عندما استلمت راتبي وجدته زهيداً جداً ورحت أفكر ليلي مع نهاري كيف سنعيش بهذا الراتب الضعيف .. فعرضت عليها حلين هما : أن نبتعد عن حبنا وكل واحد يسلك طريقه – أو أن تصبري وتنتظري خمس سنوات أخري !

وأتي أناس كثيرون في طلب يدها وكانوا أفضل حالاً مني ولكن رفضت كل من أتي إليها. ضحت بسعادتها من أجلي .. ولكن أردت أن أضحي بسعادتي من أجلها فرفضت .

هل أنا أخطأت عندما قلت لها أن نفترق ونبتعد ؟ أم ماذا أفعل ؟! فأنا أتعذب كثيراً.

أخي هذا هو الحب الحقيقي .. لأن الحب يقاس بقدر التضحيات .. وأنت ضحيت من أل سعادتها عندما اخترت أن تبتعد وتبتعد.

لأنك تعلم جيداً أنك غير قادر على إسعادها من الناحية الواقعية .. فالمسافة بينكما شاسعة .. والزواج تكافؤ قبل أي شيء .. وهو يتكون من عدة عناصر مشتركة من بينها الحب .

والحياة الزوجية لا يكفيها الحب وحده وأنت كنت في منتهي التعقل والتروي عندما بحث لها برغبتك في الابتعاد ، وذلك كي تترك لها المجال واسعاً لتمارس حياتها دون ارتباط أو تقييد …

دعها تمضي إلي مستقبل أيامها دون أن تعيقها بمشاعرك ودون أن تجعلها تنتظرك خمس سنوات أخري .. يعلم الله وحده ما يمكن أن يأتي من مواقف وأحداث .. لك كل تقديري ، وإعزازي لشعورك بذاتك وإحساسك بكرامتك .. كان الله معك ..

 

 

 

 

 

 

قاتل .. قتيل !

ترددت كثيراً قبل أن أكتب لك هذه الرسالة لما وصل إليه تفكيري من تشتت وضياع ، وعدم قدرتي على اختيار الجهة التي يمكن أن أطرح عليها مشكلتي ، وأخيراً استقر رأيي ولجأت إليك طالبة منك يد العون وأملي فيك كبير بعد الله يا أخت كريمة أن تساعديني في حل مشكلتي ، وأحب أن أوضح لك وأقول لكل جواد كبوة حسب ما يقول المثل .. أنا فتاة في الثامنة عشرة ، طالبة . أسرتي محافظة جداً ولكنني أحس أنني جلبت إليها العار.

مصيبتي أنني أحببت ابن الجيران وهو شاب معروف في المنطقة بحسن الأخلاق ويضرب به المثل، وكم مرة كنت أسمع أبي يلوم أخواتي لأنهم ليسوا مثله في تصرفاتهم وأفعالهم وكم ترددت على مسمعي مثل هذه العبارات ، وليس أهلي وحدهم الذين يشيدون بنبله ورجولته بل وكل هذا جعلني أحبه أكثر وأكثر وأثق به أكثر . أنني أحببته بكل جوارحي وبادلني نفس المشاعر ، وفي ذات يوم طلب أن أخرج معه في نزهة قصيرة وأبلغته أنني لا لن أستطيع لأن أهلي لن يسمحوا لي بذلك فقال لا تخبري أهلك بشيء وقولي أنك ذاهبة عند صديقتك أو إلي المكتبة وسوف أنتظرك في السيارة على الشارع ، وأكد لي بأن ذلك من أجل مستقبلنا نحن الاثنين ، وبعد تردد فعلت ذلك ، وترددي كان خوفاً من أهلي وليس عدم الثقة به ، بل إنني واثقة به جداً وكذلك واثقة من نفسي ، فذهبنا إلي إحدى الحدائق وجلسنا وكان كلامه موزوناً وكان يتكلم عن مستقبل بهدوء ، قال لي أنه سوف يتكلم مع والدي بشأن زواجي منه، وكان لكلامه ذاك صدي كبير في قلبي . وقمنا وركبنا السيارة ولكنه لم يتجه صوب البيت بل سار في شارع معاكس ، سألته إلي أين أنت ذاهب قال سوف يمر على بيت شقيقته المتزوجة لإحضار شيء ما ولن يتأخر فلم أعارضه ولم أسأله عن شيء ، وحين وصلنا أوقف السيارة وكلب مني أن أبقي في السيارة حتى يزور شقيقته وذهب ولم يتأخر ثم عاد وطلب مني أن أذهب معه إلي الداخل لأن شقيقته تطلب أن تراني فنزلت من السيارة ، وعند دخولي البيت شعرت بشيء غير عادي لكون البيت يبدو غير مسكون فلم أتمالك أعصابي وصرخت أين شقيقتك قال مسافرة فأسرعت إلي الباب ولكنه كان مغلقاً فأمسك بي وحاولت أن أقاوم ولكن تمكن مني وأخذ كل ما يريده بدون رحمه أو شفقة أو خوف من الله وبعد كل شيء خرجنا من البيت وكنت مكسورة الخاطر وأتقطع من البكاء طلب مني بكل بساطة أن أركب سيارته ليوصلني فرفضت أن أركب معه وانطلق بسيارته طائراً في الهواء فتمنيت من كل قلبي أن يقع له حادث ، وبعد ذلك استوقفت تاكسي وعند وصولي ، وقبل أن أدخل البيت سمعت أصواتاَ وصياحاً وفهمت من الناس أنه قد توفي في حادث ، لا أخفي القول أنني شعرت براحة جامحة وأخفيت كل ما صار لي بالرغم من أنني كنت مصرة على أن أخبر والدتي بذلك والآن الظروف التي أنا فيها لا تسمح لي بالسكوت لأنني أحس بشيء يترعرع في أحشائي . أنا حامل ولا أقدر أن أتحمل الصدمة لهذا أنا ملازمة الفراش بسبب الخوف والوحام ، وأبي وأمي مصرين أن أذهب إلي الطبيب أو سيأتون به وأنا أرفض ذلك ولكن إلي متي سأرفض وماذا أفعل ؟! إذا كان الفاعل قد مات هل أنتحر وألحق به أم أكشف فضيحتي وأجلب العار لأسرتي ؟ أم أدع الجنين الذي يزيد من انتفاخ بطني يوماً بعد يوم هو الذي يخبرهم بما حدث ؟ وقد سمعت أن هناك طرقاً لإخراجه ولكنني لا أعرفها دليني يا أخت كريمة ماذا أعمل وأملي فيك كبير.

لا وقت للتأنيب أو العتاب ، ولا للأسى أو اللوم على تفريطك في نفسك وتوريطك لأهلك بما فعلت ، فهم سوف يتحملون إثماً لذنب لم يقترفوه ، وسيدفعون ثمن مصيبة لا دخل لهما فيها .

فلو كانوا من الأهل المهملين الغارقين في شؤونهم الخاصة لهان الأمر بعض الشيء ولكنهم من الأهل الواعين الحريصين على مصلحة أبنائهم بدليل متابعة والديك لتربيتك وتربية أخواتك واختيار المثل الصالح ليكون قوة لهم…

ولكن ما خفي كان أعظم .. المهم فليرحمه الله ويغفر له ما فعله بك … فأنت القتيلة الحية، التي تتمني الموت رحمة لها مما هي فيه من معاناة وعذاب ..

والآن ..

هل تريدين أخفاء الأمر ، وترك الأيام تمضي بك إلي هوة الفضيحة وسحيق العار ؟! هل تريدين البقاء هكذا حتى يتفشى الخبر ويذيع بين الناس ومن ثم يكون أبوك آخر من يعلم وأمك آخر من تدري ؟!

لا يا عزيزتي …

أنت أخطأت بسكوتك منذ البداية ، فقد كان يجب عليك إخبار أمك فور وقوع الحادث ، أو على الأقل فور التأكد من الحمل ..

والآن …

ليس هناك مفر من مواجهة الواقع بكل مصيبته وبلواه ، وإخباره أهلك بما حل بك ، واتركي الأمر لهم كي يحلوا المشاكل بالطريقة التي يختارونها .. وابعدي عن ذهنك تماماً الانتحار فهو يجلب الفضيحة لك حية أو ميتة ، والعار لأهلك الأحياء والأموات!

وأنت يا ليتك تقدرين أن تتعرفي على المكان الذي أخذك إليه هذا الشاب وقت الحادث ، فربما يكون قد ترك هناك أثراً يبرهن على صدق كلامك ، ويثبت روايتك .. فقد يكون له أخ يقبل بك زوجة ستراً لما كان وخوفاً مما سيكون …

فأرجو أن تحاولي التذكر لتصلي إلي هذا الدليل . خاصة أن الفتي الفقيد كان صاحب سمعة طيبة بين الناس ، لذا سيصعب تصديقك في البداية الأمر ، وستلقين صعوبة في إقناع كل من حولك بواقعة حكايتك ، حاولي وحاولي .. فالحق يعلو ولا يعلي عليه ، الله معك ..

 

 

 

 

غراميات زوجتي

أنا إنسان متزوج من فتاة لها ماض ، تعرفت عليها ، تبادلنا الإعجاب ، أحببتها من كل قلبي، واستمرت علاقتنا مدة سنة ونصف .. تقدمت لها ثلاث مرات إلي أن حصلت عليها في النهاية بعد أن تجاوزت كل الصعاب التي تحول دون زواجي بها . في لحظة صراحة .. اعترفت لي بأنها كانت قبل مرتبطة بعلاقة عاطفية مع اثنين !

صدمت ، وثارت شكوكي كلها دفعة واحدة ، فتحول كياني إلي أنوار كاشفة تبحث عن مخابئ هذا الماضي اللعين ، إلي أن اكتشفت أنها كانت على علاقة بستة رجال وليس اثنين كما ادعت في اعترافها الكاذب.

فجعت بها .. أحسست أنني محاصر بقصة عذاب طويلة مليئة بالقلق والسهر والغيرة والشقاء ، أصبح ماضيها العربيد يعذبني ، كلما أغمضت عيني بت أري سلسلة من الصور تحرقني ، بت أتخيل سلسلة من التجارب تكويني ، صرت أشعر وكأن الظروف كلها تمزقني، تتحداني ..

ماضي زوجتي العابث الذي استقر في عقلي ، وثبت في ذهني ، أصبح قيوداً من نار تشدني دوماً إلي الوراء وتدفعني إلي أن أهرب بعيداً عن الأرض التي ولدت عليها ، وعن الناس الذين أعيش بينهم ..

إنني أتعذب …

أتعذب وأنا أري رفاقي يستمعون بعذاب الاحتقار ، فكل أصدقائي يعرفون ماضيها العابث اللعين ، كلهم أشعر بهم كأنهم يتغامزون على ويتساءلون .. كيف تزوجتها ؟! كل هذا العذاب يطحن رأسي ، دون أن تدري هي بي ، فأنا لم أصارحها بما عرفت ، لأنني لا أريد أن أجرح شعورها بهذا الاكتشاف الخبيث …

أنا أعترف بكل ضعفي أنني أحبها ، ولا أطيق الحياة بدونها ، فه إنسانة خفيفة الظل ، حلوة اللسان ، رقيقة المعاملة ، نظيفة ، مرتبة في بيتها ، أنيقة في ملبسها .. أهلي كذلك يحبونها كل الحب ..

المصيبة أنني بعد الزواج أصبحت أشك فيها ، صرت أقتفي أثرها في كل مكان مثل المباحث ، أخذت أطارد الماضي وأنبش فيه . لأبحث فيه عنها ..

بقيت أتابع القضية كمن يلاحق مجرماً ، اكتشفت أنهم كانوا ستة رجال بأدلة ثابتة قاطعة ، فأنا من النوع الذي ثبت الدليل قبل كل شيء.

والآن أنا متضايق جداً بيني وبين نفسي ، ولا أدري ماذا أفعل بعد أن انعدمت الثقة بيني وبينها ، فها أنا دائماً أترسم خطاها ، ها أنا دائماَ أمشي وراءها كأني ظل ، في كل لحظة أخشي الخيانة ، إذا غابت عن عيني ساعة يوسوس لي الشيطان أنها تقضي هذا الوقت مع أحد من هؤلاء الستة ، فيجن جنوني ، ولا أهدأ إلا إذا وصلت إليها ، وعرفت أين هي ، ومع من تكون ..

عذاب .. عذاب . فالزوج إنسان حساس ، والجرح ما يحس فيه إلا صاحبه .. والعذاب مستم، وأصوات شديدة تندفع في أذني ، كما تتدافع دقات طبول الحرب ، أصوات صارخة تقول لي طلقها ، طلقها ، ولكني لا أقوي على ذلك فأنا أحبها ، ولم أشعر بالملل معها رغم مرور حوالي ثمانية أشهر على الزواج . ألزمتها بالصلاة ولبس الحجاب ، فأطاعتني ونفذت ما طلبته منها ..

ومع ذلك أظل أسائل نفسي . هل أسأت الاختيار ؟! هل ما فعلته معها كان مجرد حماقة وسذاجة ؟! هل كان يجب أن أنبش في ماضيها بهذا الإصرار ؟!

… حتى الآن أكاد أغيب عن الوعي كلما رأيت السخرية في عيون الناس ، فلا أكاد أحس بمن حولي ، ولا بمن أمامي … وأعود أتطلع إلي الوراء . إلي الماضي لأحفر فيه بحثاً عما دفنته الأيام ، ووارته السنون .. إنني أخشي هذا الحاضر الذي يولد منه المستقبل .. فأنا قلق على مستقبلي معها .. وأسائل نفسي .. هل ستبقي حياتي عبارة عن قصة أليمة مليئة بالسهر واليأس والقلق والشقاء ؟!

أخشي أن أعيش معها حياة هي انتحار طويل .. دليني بالله عليك يا أخت كريمة .. ماذا أفعل وأنا أنظر إلي الناس ، ثم أنظر إلي نفسي ، فلا أري إلا كذباً ونفاقاً وامتهاناً .. فإلي متي يظل في داخلي هذا العذاب ؟!

عزيزي أيها المعذب …

أنا معك في كل ما تشعر به من لوعة وألم وعذاب ، فالإنسان بطبع ضعيف وحساس مما يجعله ضحية سهلة للغيرة والسهر والأرق والعذاب .. أنا معك في كل ذلك .. أحس بك وأقدر شعورك فعلاً .. لكنني أختلف عنك في نقطة جوهرية فاصلة .. بل ألومك فيها .. وهي تتعلق بماضي زوجتك الذي تحرجت أن تخبرك به بكل تفصيلاته المرعبة …

فكيف بالله تعطي نفسك الحق في أن تصبح بين ليلة وضحاها رجل مباحث مدرباً ذا خبرة وطول باع حتى أنك اكتشفت بكل الإصرار والتحدي المخابئ الخفية لذلك الماضي البعيد ، وكشفت بكل العناد والتصميم الأسرار المخفية لتلك المراهقة الصبية التي حرصت على سترها وحجبها عنك بعدما كبرت وفهمت ونضجت .. لماذا ؟!

ألا تعرف هذا القول المأثور ” من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر “.

أنك عزيزي تذكرني بحادثة ذاك الرجل الموسوس الذي أراد أن يضمن لنفسه زوجة نقية خالصة النقاء فذهب إلي المستشفي وانتقي طفلة رضيعة وأخذها ليربيها في بيت مغلق ألبواب كي يضمن أن لا تقع عينها على رجل آخر غيره ..

وما أن نضجت الطفلة وكبرت حتى سارع بإحضار المأذون ليعقد قرانه عليها .. لكنه لم يتوقع تلك النهاية المفاجئة .. فقد اختارت الصبية الحسناء المأذون زوجاً ورفضته !!

وأنت أيضاً .. كانت أمامك فرصة الرفض .. فلماذا لم تفتش وتبحث وتنقب عن هذا الماضي العربيد كما تقول طوال ذاك العام ونصف العام حينما كانت تربطك بها علاقة حب وهيام وغرام ؟!

لماذا نسيت طوال سنة ونصف السنة أن تسألها هذا السؤال الجارح عن ماضيها ؟!

ألانك لم تكن تمتلكها بعد ؟! وبالتالي لم تكن تمتلك ماضيها ؟! أم أن الحب كان سلطاناً عاتياً أعجزك عن التفكير ؟! وأعماك عن الرؤية ؟!

اسمعني .. لقد أخذتها بلا سؤال .. فلا داعي للخوض في هذه المواضيع المزعجة ، المثيرة للأعصاب .. كن زوجاً عادياً طبيعياً وعش حياتك بلا تهيؤات تحرق دمك ، أو تلهب دماغك .. ومع الوقت ستزول هذه التصورات كلها ، وستتعمق ثقتك بها ، مادامت قولك .. واعلم يا أخي أن الله سبحانه يقبل توبة عبده الصادق  فكيف بالعبد نفسه يرفضها ويلفظها ؟!

يا أخي .. كن شهماً شجاعاً ، أصيلاً ، كريماً ، والتجئ إلي الله طلباً لمزيد من الهداية والمغفرة ، والصبر والإيمان ، كن قدوة حسنة لها ، تقيم الصلاة ، وتلتزم بحدود الدين ..

وحينذاك سوف تهدي نفسك وترتاح وتطمئن . وثق يا عزيزي بأن بيتاً نقياً نظيفاً طاهراً تدخله الملائكة حتماً وبعون الله ستهرب منه الشياطين .. كل الشياطين.

الكلمة والتجربة

 

الحب ، يا نعومة الكلمة

ياسحرها ، ويا جمال الجمال

من قبل أن تحرقنا التجربة

إذ مضي يلفظها الآخرون

رفت على صحرائنا نسمة

وأغدقت في بالنا نعمة

وانكشفت للخيال

مربع سحرية مخصبة

ينعم في غطبتها العاشقون

نسمعها نغمة

تنساب في لين ، حريرية

فترعش الخضرة فوق التلال

ويستفيق الجمال

ويستحيل الكون أغنية

وفي الليالي الموحشات الطوال

نلمحها نجمة

تشع في الأفق الخفي البعيد

تومئ في صمت إلي عالم

ضاع جديد

تحلو المني فيه ، وتسخو الوعود

ويزهر الحلم ، ويزهو الوجود

وذات يوم تقبل التجربة

غنية ، معطاء

بنظرة تطرق أبوابنا

تطرقها بنظرة حلوة

تومض عن عينين معبودتين

وهاجتين

تطرقها بضحكة طائره

ساخنة ، بنكية بارعه

ذكية ، بلفتة من جبين

غض ، فتي زئبقي الرواء

فتنفتح الأذرع في نشوه

نعانق الحلم الذي أوغلت

رؤاه في أعماق أعماقنا

يوم ، وتعري الكلمة الناعة

من ظلها ، من سحرها الباني

يوم ، ويبدو وجهها الثاني

عبر مسافات جليديه

خلف متاهات ضبابيه

وجه كئيب الروح ، وجه حزين

مرت عليه لفحات الظنون

فأذبلت زهوته الباسمه

وأطفأت فيه شعاع اليقين

وجه شقي ، في التفاتاته

كل أسي الدنيا وثقل السنين

يوم ، وتنهار سماواتنا

وتنتهي الدنيا التي أمرعت

وأيعنت فيها خيالاتنا

يوم ، ونريد حياري الخطي

نسأل عن أشواقنا الرائعة

نبحث عن أشيائنا الضائعة

أين مضت ؟ كيف استحالت هبا ؟

أهكذا نفقد أحلامنا

أهكذا لا شيء يبقي لنا ؟

بلي ، بلي ، لا شيء يبقي لنا

لا نجم ، لا نغمة

لا ظل ، لا نسمة

ترف في صحرائنا المجدبه

بلي ، بلي ، لا شيء لكنما

يا تعسنا ، يا فقر أعمارنا

إذا انطوي العيش ولم تخترق

أرواحنا في لهب التجربة

فدوي طوقان

مشكلة!

أنا فتاة بنت عائلة كبيرة ومحترمة ، ولدت على هذه الدنيا باسم ” مشكلة ” لأنني قبل أن أكمل سنة من عمري انفصل والداي وأصبحت مشردة بين بيتين وقلبين .. قضيت طوال هذه المدة بين أمي وأبي أعاني الضياع وعدم الاستقرار .. فكل منهما ينظر ” بنت الطرف الآخر التي تسبب له التعاسة ” مرت السنون الأولي من عمري وأنا لا أفهم ماذا يجري حولي وأقنعت نفسي بأن هذا روتين اعتدته ولن أستطيع تغييره أبداً .. وعندما بدأت أفهم الحياة .. بدأت أبحث عن حب نقي صاف .. وتعرفت عليه ، بدون شعور بدأت أميل نحوه ميلا شديداً ، وكأن هناك تيار في عيني يشدني إليه .. ووجدت منه اهتماماً لم أحلم به قط .. حتى أحببته .. أحببته حباً شديداً لا أستطيع وصفه .. وقضيت معه أجمل أيام عمري .. فقد أيقنت بأن للحب معني آخر لم أكن أعلمه .. وباختصار وبعد هذه الأيام السعيدة علم أبي بهذه العلاقة ، ومنه تسربت الأنباء إلي أخوالي وأعمامي أي رجال العائلة وبدأت المشاكل ، وقابل أبي ” حبيبي ” وتفاهم معه بدون شجار على أن يقطع العلاقة بينه وبين أكبر بناته التي كانت محل ثقة في نظره . وبعد مقابلته لأبي انقطع عني دون سابق إنذار وإخبار لي ..

أرجوك .. ماذا أفعل ؟ أشعر بالهم يفترسني .. اشعر بالضيق ، كرهت أب كرهاً شديداً .. كرهت الدنيا .. كرهت نفسي .. حاولت الانتحار أكثر من مرة .. وكل محاولاتي فاشلة .. أريد الموت أريد أن أصرخ وأفجر قنابل ليعلم الجميع عن حزني المكتوم .. أريد أن تخمد الآهات وتشتعل النيران في كل مكان .. اريد أن أنتقم من هذه الدنيا التعسة .. تولدت عندي هواية الشعر الحزين .. لعلي أعبر عما في داخلي .. فأنا أحب حبيبي ولا أعلم ماذا أفعل . لا تطلبي مني نسيانه لأني لم أستطيع فهو حبي الأول والأخير .

عزيزتي مشكلة .. مع خلص تحياتي وتقديري .. إليك رجائي بألا تصنعي من حياتك كلها ” مشكلة ” بسبب انفصال والدك عن والدتك .. فأنت لست أول واحدة في الدنيا تعيش في هذا الوضع ، ولست آخر واحدة.

حكاية حبك ، وبحثك عن الحنان ، هي في الواقع بحث عن الاهتمام ليس إلا . فأنت لم تفتقدي شيئاً غيره طوال سنوات عمرك .. أما الحب والحنان فهو موجود في قلب أمك .. وقلب والدك .. الذي تصرف برقة وهدوء ودبلوماسية ، فلا تنسي أنه لم يضربك ولم يشتمك، ولم يسجنك.

كل ما في الأمر أنه بحث عن الشاب حتى اهتدي إليه. وهناك .. أقنعه كرجل أمام رجل بعدم جدوى علاقتك معه ، ويبدو أن والدك كان ناجحاً جداً في مهمته إلي درجة أصابت الشاب بالخجل والحرج من علاقته معك .. فتركك احتراماً لأبيك.

وبمنتهي الصدق .. أقول لك .. لو كان فتاك يحبك حقاً لما تركك وتخلي عنك ، وإنما كان قد أستغل هذه الفرصة ، وطلب يدك ، من والدك عندما التقي به .

والظاهر .. والعلم عند الله أن المسألة كانت مسألة حب ولعب ، لذا تراجه وهرب بعد أن رأي أمامه رجلاً محترماً وقوراً مهذباً لا يصح أن يلهو مع أبنته ، ويفسد سمعتها.

دعائي أن تمشي مرحلة أحزانك هذه ، وتعبر سريعاً من حياتك .. وأملي أن تتفوقي علي نفسك وتحلي ” مشكلتك ” بالنجاح في الدراسة وفي التعامل مع أهلك.

 

الزواية الضيقة

أنا شاب أبلغ من العمر عشرين عاماً وقد كنت منذ صغرى مشتركاً أنا وأخي في أشياء كثيرة، منها صداقة الفتيات لدرجة أننا نشترك في سيارة واحدة لذلك لم نفترق في أي لحظة من اللحظات وكانت لنا صداقات كثيرة مع فتيات كثيرات وفي مرة من المرات أثناء وجودنا في عيد ميلاد أحد أقاربنا استطعنا أن نستدرج إحدى قريباتنا وحصل ما حصل .. ولم يعلم أحد بقصتنا.

وفوجئنا قبل أيام بأن والدي يطلب مني أن أتزوج هذه الفتاة وإذا لم أقبل سوف أطرد من منزلنا وتقطع عني المصاريف وأنا شاب لم أزل في دراستي الجامعية وتجدر الإشارة إلي أم أخي في الثامنة عشرة من عمره والسؤال :-

كيف أتزوج فتاة مارست معها أنا وأخي ” الجنس ” ماذا تراني أجد عندكم من حل لمشكلتي مع العلم أنني لا أستطيع رفض طلب أهلي فلذلك أرجوكم أن تدلوني على الحل.

ماذا أقول لك ؟! هل أقول تصرف بنفس الطريقة التي اتبعتها من قبل مع قريبتك وتزوجها أنت وأخوك ؟!

طبعاً هذا لا يصح . ومن البداية كان لا يصح أن تعتدي أنت وأخوك ” جنسياً ” على إحدى قريباتك !!

أنا أحملك المسؤولية الأكبر ، لأنك أنت الأخ الأكبر ، صاحب التأثير الأقوي على أخيك الذي يتتبع خطاك ويسير على نفس منوالك عموماً .. أنت الآن محصور في زاوية ضيقة خانقة . وانا لن أعتب عليك أكثر من ذلك فكفاك إحساساً بجسامة ما فعلت وهوله ، عندما سطعت الحقيقة أمامك فأدمتك ، فأنت لا تتصور أن تصبح هذه الفتاة بالذات زوجتك ، ولكن كنت لا تعبأ فيما لو أصبحت زوجة لرجل آخر!

أنت في مأزق حرج وسخيف ، وفي موقف صعب وشائك ، لن تخرج منه إلا بمصارحة والدتك وإخبارها ” تلميحاً ” ببعض ما حدث حرصاً على سمعة الفتاة.

وأمك ستتخذ اللازم وستعرف بطريقتها كيف تقنع أبيك بغض النظر عن هذه الزيجة المستحيلة بالنسبة لك على الأقل ، ويمكنها التذرع بأنك لا تزال طالباً جامعياً وفي حاجة إلي التفرغ لإتمام دراستك .. ثم الزواج بعد التخرج.

وأتمني أن ” تتخرج ” من هذه الورطة ، وأن لا تعود إلي مثيلتها ، وأن تكف أنت وأخوك عن هذه الأفعال الصبيانية التي لا تليق بطلبة الجامعات .

شرط أن لا تكن قد سلبت الفتاة عذريتها ، سواء أنت أو أخوك . فإذا كان الاعتداء كاملاً والفتاة خسرت كل شيء فلتتحمل الموقف إذن رغم صعوبته ، ولتطلقها فيما بعد إذا كانت عيشتك معها ستسبب لك الإحراج والإحباط أمام أخيك .. وأما نفسك .

نجوم!

أبعث إليك برسالتي هذه بعد أن ضاع أملي في الحياة ، وتهدد مستقبلي بالفشل ..

أنا فتاة من عائلة متوسطة ، عمري حوالي عشرين سنة ، أحب شخصاً حباً جنونياً . شخصاً لم أراه في حياتي ولا مرة واحدة سوي في التلفزيون كل ما أعرفه عنه مجموعات من الصور والأخبار أخذتها من الصحف والمجلات ..

استمر حبي هذا طوال أربع سنوات ، وهو لا يعرف عني ، ولا يدري عني ، أصبحت أبكي بدل الدموع دماً ، وبسببه فشلت في دراستي وفي حياتي .. حاولت بكل طريقة أن أصوم عن هذا الحب وما أفكر فيه أبداً لكني لم أقدر ، أصبحت عصبية ، عاجزة عن التفاهم مع أهلي ومع صديقاتي ، لا أطيق الكلام مع أحد ، ولا أحتمل الجلوس مع أحد ..

أنا يائسة من حياتي .. في هذه الايام تقدم شاب لي ، أقسمت بيني وبين نفسي أن تكون ليلة فرحي هي ليلة موتي .. وسوف أنتحر إذا أجبرني أهلي على الزواج من أي إنسان .. فأنا لا أحب سوي هذا الشخص، الذي لا أقدر على الاتصال به ، فأنا أخشي لو قدرت واتصلت به ، علماً أنني حاولت وفشلت ، أن يأخذ عني فكرة سيئة ، علماً بأن كل من يراني ينبهر بجمالي ، وأنا ل أعرف كيف أتصرف ..

فأرجوك يا أخت كريمة أن تنقذيني من عذابي ويأسي وجنوني .

يا عزيزتي ..

حالتك هذه التي تعانين منها سمة من سمات المراهقة ، مثل اللاتي أحببن عبد الحليم حافظ حتى انتحرن من أجله عندما توفاه الله .. مثل اللاتي يحببن نجوم الكرة ونجوم السينما والمشاهير .. فأنت الأخرى تعلقت بأحد النجوم المجتمع ، الذي تألق في خيالك كنجم من نجوم السماء السابعة !

.. حبك هذا خيال ، والإنسان الذي يضعف أمام خياله ، ويترك له السيطرة عليه ، لن ينجح في حياته . مستحيل أن ينجح في أي عمل يؤديه طوال عمره .. لأنه هنا يلغي نفسه . يلغي ذاته يتخلص من شخصيته .

يتجاهل واقعتيه .. وبالتالي ينسحب في قمة الصراع واليأس من حياته كلها .. وهذا هو الانتحار الذي تفكرين فيه كعلاج لخيال مريض محموم !!

أنت يجب أن تقاومي هذا الهوس الذي يطحن عقلك ، ويذيب ذاتك ، ويمزق مشاعرك ..

يجب أن تعالجي نفسك من هذا الشعور بسرعة ، وأن تنهي هذه المراهقة في التفكير في الحال . لا تستغربي ، ولا تقولي أنك تجاوزت مرحلة المراهقة ، فالإنسان قد يكون مراهقاً في تفكيره حتى وعمره سبعون سنة .. !!

يجب أن تتصرفي بنضج وإدراك ووعي ، فالنضج الحقيقي أن يعيش الإنسان على أرض الواقع ، بلا أحلام يقظة ، وبلا أوهام تورثه الخبل والجنون ..!!

فالحب الحقيقي عزيزتي لا يقوم على الأوهام ، وإنما شرط من شروط الحب هو التبادل والاختيار ، فالحب بين إنسان وإنسانة يصبح حباً بقدر ما لديهما من قدرة على الحرية والإرادة والمسؤولية .. وهذه مقومات جميعها منعدمة لديك .. لذا نشأت مشكلتك ، ونبعت معاناتك ، أصبحت منطوية على ذاتك ، عاجزة عن التفاهم مع الناس لأنك صرت عاجزة عن التفاهم مع نفسك ..

لقد تراكم يأسك ، وتزايدت عملية الهدم داخلك ، بعد أن وصلت إلي مرحلة خطرة وحرجة ، مرحلة هدم وتدمير يقتل فيها الإنسان نفسه شيئاً فشيئاً ..

فأرجوك .. أرجوك .. قاومي هذا العجز ، ولا تستسلمي للهزيمة ، أوقفي عملية الهدم ، وابدأي بإرداتك وعزيمتك عملية البناء .. والله معك.

 

الحزن ينزف!

كنت في السابق متردداً وأخشي الكتابة لك عما أعانية حتى لا تظني أنه من نسج ” الخيال ” أو الخرافة ولكن بمتابعتي لك استطعت أن تجعليني أمسك بالقلم وأقول ما كتمته بقلبي مدة سبع سنوات وثلاثة أشهر و 17يوماً فأنا إنسان رقيق جداً ، طوح ، متحرر وصريح إلي أبعد الصراحة .. فلقد اعترفت لك بأن .. حلولك هي أكثر الحلول الواقعية .. فأرجو أن توفقي معي كما وفقتي مع غيري.

مشكلتي هي أنني من عائلة لها مكانتها الاجتماعية البارزة ، عندما وضعتني والدتي على ظهر هذه البسيطة .. كانت السعادة تقدم لي مع الوجبات الثلاث يومياً وعندما بلغت سن الثانية عشر من العمر وحصلت على الشهادة المتوسطة وأصرت والدتي ، يرحمها الله ، بأن أتزوج وأنا في هذا ” السن ” ، استسلمت للأمر الواقع وزفت إلي عروستي في تلك الليلة وكنت محتاراً ماذا أعمل ؟؟

كنت أختلي بنفسي ساعات طوالاً أفكر في دراستي ، فعلاً واصلت دراستي حتى حصلت على الثانوية العامة وكنت الأول .. وأثناء ذلك جاء أول باكورة زواجنا ” خالد ” وبعد رزقت بثلاثة أبناء خلال أربع سنوات .. وفي نشوة الفرحة بحصولي على الشهادة الثانوية العامة .. حل القضاء الذي لا راد له وانتزع أفراحي وأحلامي كلها في لحظة فتوفيت والدتي ، وبعدها سافرت للخارج لإكمال دراستي العليا مع زوجتي وأولادي وبدأت مشواري لتحصيل العلم .. واتجهت قدماً في دراستي حتى حصلت على شهادة ” الماجستير” وكنت ناوياً أن أحصل على شهادة الدكتوراه .. وفعلاً حصلت على إجازة لمدة ثلاثة أشهر ورجعنا إلي بلدنا حيث لاحظت تغييراً كبيراً على زوجتي .

لقد تحولت هذه المرأة إلي امرأة أخرى شرسة الطباع .. حادة المزاج تثور لأتفه الأسباب .. وفي خضم المعاناه ثبت لدي خيانتها وكانت الأخبار تصلني بأنها على علاقة مع ابن خالها الذي يعتبر ” ابنا لها ” لم اعتبر هذه الأقاويل صادقة إطلاقاً ولم أعرها أي اهتمام .. وعندما قمت بجمع كتب المراجع التي سوف آخذها معي إلي أميركا لتقديم رسالة الدكتوراه قالت أريد ورقة طلاقي وحاولت إقناعها بالعدول عن رأيها ولكن مع الأسف لم تعد لصوابها فنزلت إلي المحكمة وكتبت طلاقها وفي نفس ذلك اليوم ذهب ابن خالها ووالده إلي والد زوجتي وطلبوا يد مطلقتي .. انكشفت مطلقتي لوالدها فقام عليها ضرباً وهدد خالها وابنه بعدم دخولهم منزله أو الاتصال بابنته وفعلاً أخذ عليهم تعهداً من قبل السلطات.

أنا لم أسافر إلي أميركا لتقديم رسالة الدكتوراه .. ودارت الأيام ومضت السنوات فإذا بولدي ” خالد ” يبحث عن زوجة ، فعلاً تدخل القدر ، وأخذ يشير لي على بنت خال ” والدته ” رفضت ولكن لم يطاوع أمري فتزوج بابنة خال والدته .. إنني الآن أعيش في دوامة .. وانعزالية عن العالم .. وكذلك مشاعر حزن كان وما زال ينزف حتى كتابة هذه الأسطر ؟ تري من سيخفف عني وأنا أشد العذاب ؟ أنني الآن أعيش في كابوس وليس لي منطلق من أسر عثرتي إلا ببنت الحلال التي تشاركني همومي وأحزاني . أن ليلي أقضيه طويلاً مظلماً حافلاً بالذكريات .. فلقد أمنت بأنه لا أمان لبنت “بلدي ” وأن التضحية من أجلها مضيعة للوقت . تري من سيقف معي في موقفي الرهيب هذا ؟؟

الله سبحانه وتعالي هو من يقف معك يساندك في موقفك الرهيب هذا !

بل لقد وقف فعلا معك عند سلط والد زوجتك عليها ، وجعله يرفض ابن خالها زوجاً لها ، وقطع اتصاله بها نهائياً .. ورسمياً عن طريق السلطات المسؤولة ؟ أتـريد أكثر من ذلك بعد ؟! أليست هذه عدالة السماء ؟! أليس هذا قصاصاً شافياً لم تكن أنت تنتظره أو تتوقعه ؟! فما بالك لو كانت قد تزوجته وعاشت إلي جواره سعيدة هانئة .. وأنت وحيد تعس مهجور ؟! ألم تكن لتتألم ساعتها أشد الألم ؟! أتصدقني لو قلت لك أنها حتماً نادمة أشد الندم ، حزينة أعمق الحزن ، على ما فعلته بك وبأولادها .. نفسها ؟! إنها من المؤكد قد صحت إلي نفسها، وتعيش هي الأخرى نازفة للحزن والأسى والأسف .. حيث لا ينفع الندم !!

فهل تطاوعني لو قلت لك : لا تفكر في الماضي الأليم ، ولا تدع زواج خالد يحي ذكريات الحزن تلك ، دعة لحياته الخاصة ولتبدأ أنت حياتك الخاصة .. الجديدة الحلوة ؟!

من الآن .. من هذه اللحظة ، اجمع كتبك ومراجعك وسافر لتكمل رسالة الدكتوراه لا تحطم نفسك دون ذنب ، ولا تقتص من ذاتك دون سبب !!

سافر ، أرجوك سافر .. مع تغيير الناس والمجتمع .. ومع انشغالك بالدراسة التي تحب سوف تنسى الكثير من أحزانك وتعاستك ، وسوف تضيء بنور العلم لياليك المعتمة .. فأنت إنسان حساس رقيق وطموح .. ولن يرضيك غير العلم بديلاً .. بالطبع لن أنصحك بالزواج الآن ، فجرحك ما زال ينزف حزناً ، ولكني سأترك هذه المسألة لوقتها وعندما تأتي لوحدها ، فقط ثق وتأكد بأن بنات بلدك فيهن الكثيرات العفيفات الشريفات .. وليس كلهن خائنات غادرات .. لك قلبي وتحياتي.

 

 

 

بقايا رؤي

غرست غصن وردة في وهج النار

حتى إذا ما اشتد عوده

وألف الخطر

طار إلي نجوم واستقر

وصار حقل أنوار

ياغصن وردتي

قل لي .. ما الخبر

يا هل تري .. عرفت بعض أسراري ؟!

قلت لنا الخيام

إذا رأيتم القمر

قولوا له : أنديه السمر

غطت عليها سجف الظلام

ونام فيها الكأس والوتر

وماتت الأحلام !!

سلمت يا عمتنا النخلة

سلمت يا كريمة الأيادي

تمرك الشهي كان الطريق زادي

لولاه ما طابت لي الرحلة

ما أقدس الصحراء !!

حين رأت أشواقي

تفجرت ناراً على باب السماء

كشفت الغطاء ..

إذا بها .. ظل وروضة وماء !!

النادمة

أختي كريمة : أطرح عليك هذه المشكلة التي ظلمت بها إنساناً بريئاً وأنا السبب في كل شيء .. أختي أنا فتاة في السابعة عشرة من عمري تقدم لخطبتي شاب وطلب يدي فوافق والدي ، أنا في أول الأمر لم أوافق ، وبعد أن ألح على أبي وأمي وافقت وتزوجت الشاب وهنا بدأت المشكلة فاستغللت طيبة قلبه وخدعته ، وفي ليله الزفاف قلت له تحبني قال: نعم ، مستعد أعمل المستحيل لأجلك فقلت له : لو طلبت منك طلباً ، هل ستنفذه ؟ قال نعم حتى لو كلفني عمر وكل ما عندي ، فقلت أريدك أن تتركني لمدة ثلاثة أشهر لا تقرب مني لأني مازلت صغيرة على الزواج ، فوافق الإنسان ويا ليته لم يوافق على هذا الطلب الصعب.

وبعد فترة شهرين ذهبت إلي أهلي وادعيت بأن زوجي عاجز جنسياً ولا أستطيع العيش معه لأنه فوق ذلك كان يضربني ويعذبني وفعلاً نجحت وحصلت على الطلاق وبعدما علمت كل هذا ندمت على خطأي فأرجو أن تساعديني لأن ضميري يعذبني .

حمداً لله أن ضميرك قد استيقظ سريعاً وقبل أن تصحي النادمة النادبة سوء الحظ وعذابات الأيام..

سارعي بالاعتراف بالحقيقة في أقرب فرصة واتصلي به معتذرة . نادمة .

آسفة .. وإذا كنت تحبينه فعلاً ، أعلني رغبتك في العودة إليه حالاً ..

ثم اتركي له حرية الرأي .. وحرية اختيار القرار ، حتى تبرأي من ذنبه ، فإن غفر لك وسامحك وقبل بك زوجة بعد هذا الموقف المخزي المخجل الذي وضعته فيه ، قيدته أسيراً داخله .. أثر تلك المكيدة الأليمة التي دبرتها له فبذلك تكونين قد كفرت عن ذنبك ، وعشت مرتاحة الضمير ، هادئة النفس ، بعد أن محوت عنه الاتهام الباطل ، الكفيل بهدم حياته الزوجية وتحطيم سمعته كرجل سليم قادر إلي الأبد .

فأنت وحدك الشاهد الأكيد على براءته .. لأنك الجاني والقاضي معا..

فلا تحبسي نفسك داخل قفص الاتهام ، وأخرجي إلي ساحة العدالة ، واعلني الحكم بكل نزاهة .. وشرف .. وأمانة . ويكفيه ما نال من عذاب وظلم على يديك ، عندما طعنته كذباً في صميم رجولته ، وعندما أهنته عمداً في عمق كبريائه وكرامته ..

حقاً .. ومن الحب ما قتل !!!!

الصاعقة !

لا أدري من أين أبدأ رسالتي بسبب هذه المشكلة التي حيرتني وجعلتني دائم التفكير بها .

أختي كريمة ، لقد جعلت مني هذه المشكلة شبحاً لا إنساناً . أن دوامة التفكير والحيرة في هذه المشكلة التي برت لحمي وجعلت مني شبحاً كما أسلفت أبدو أمام جميع الناس تائها وخاصة معارفي . إن كثرة التفكير بهول هذه الصاعقة كان السبب فيها والدي ، صدقيني إنه والدي الذي تلفظ بكلمة وهو هائج وفي حالة غضب وهيستريا ، عندما بدأت أتناقش معه في أمور تخص العائلة ، وبالتحديد والدتي التى تزوج عليها امرأة تصغر والدتي بسنوات قليلة جداً إلا أن لها شخصية قوية جعلته كالخاتم في إصبعها إي أنه لا يتصرف هجرانه لوالدتي خمسة عشرة عاماً بالتمام ، وحرمانها خلال هذه المدة الطويلة أبسط حقوقها عليه ، ومعرفة سبب هذا الهجران ثار في وجهي غاضباً ومهدداً وقال كلمته التي لم يدر أنها سوف تكون سبب شقائي وتعاستي ما دمت حياً . أغرب عن وجهي يا لقيط فلان ابن فلان ؟! فاسودت الدنيا في وجهي وتمنيت في تلك اللحظة أن تنشق الأرض وتبلعني ولا أواجه هذا الموقف الرهيب وهذه النهاية الأليمة فبلغت مأساتي وكتمتها في جوفي ولم أبح بها لأحد ، إلا إليك لعلي أجد حلاً لها . حدث هذا كله يوم كان عمري 17 سنة وعمري الآن يقارب الرابعة والعشرين عاماً ، أي أنني أعاني من هذه المشكلة وأعيشها منذ سبع سنوات ، كما أحب أن أخبرك أن هذا الرجل الذي أنا أعتبره ولده بناء على قول أبي ، هو من نفس القرية التي نقيم فيها ، ثم لا توجد هناك أي صفة أو أي شبه بين هذا الرجل وبيني ، كما أحب أن   أخبرك، وأكون صريحاً أكثر معك أن هذا الرجل غير متزوج ، وكان دائماً يطلب من والدتي أن تعتني بمواشيه خلال غيابه القصير عندما يكون خارج قريتنا . مع أن له أقارب كثيرين في هذه القرية . أنني حائر ماذا أفعل أهرب وأترك بلدي الذي أحن إليه كثيراً . أم أنتحر وأريح نفسي من هذا العذاب المضني ، إنني أري الحل الأخير المنفذ المتنفس الوحيد إذا لم يصل ردك سريعاً مع الحل الذي أتمناه منك وأرجوه كما أفيدك أن المناقشة بين والدي وبيني لم يحضرها ولم يسمعها أحد وإلا لازداد العذاب والشقاء أكثر ولاقتربت معها نهايتي أسرع.

لن يفهم أحد مأساتك ، وحزنك ، وسبب رغبتك في الخلاص من الدنيا سوي أمك ‘ فالجأ لها، وحمدا لله أنها لا تزال على قيد الحياة ، حتى تستطيع أن تخبرك بالحقيقة مهما كانت قاسية ومريرة وأليمة.

فإذا عرفت أن مشكلتك لا أساس لها من الصحة ، وأنك ابن أبيك الذي رعاك ورباك ، ستتأكد وتهدأ وترتاح ، وتزول عن خاطرك تلك الوساوس السوداء.

وإذا اكتشفت أنك ابن الرجل الآخر ، صاحب المواشي ، فاعلم أن لا تبني في الإسلام . وقد قال سبحانه وتعالي : “ادعوهم لآبائهم ” وفي هذه الحالة ، إذا رضي والدك الحقيقي أن يعترف بك ابناً تكون المشكلة قد حلت ، وحتماً لن تنسي فضل الرجل الذي رباك صغيراً ورعاك كبيراً.

وأما لو رفض الاعتراف بك ، ولم يرض بذلك ، فمهما كانت ألآمك فإن اليأس إحدى الراحتين ، فأصبر على ألآمك وحال أن تتعايش ، ودعك من فكرة الانتحار فأنت لا ذنب لك لا حول لك ولا قوة . ولعل مأساتك هذه ، تكون درساً وعبرة لكل امرأة استسلمت في لحظة ضعف للشيطان ، فهذه اللحظة تمر وتمضي .. ولكن ذكراها وبلواها تبقي تتوالد مأساة وراء مأساة ، ليس لها علاج مدي الحياة

 

أم حائرة !!

أنا سيدة متوسطة العمر أحببت شاباً كان طالباً جامعياً وكنت أعمل بوظيفة لا بأس بها ، واتفقنا على الزواج رغم معارضة أهلي هذا الزواج لأنه كان طالباً ، ورغم ذلك تزوجنا وصرفت عليه حتى أتم تعليمه وتخرج واستمرت حياتنا تغمرها السعادة ، وأنجبنا طفلين كانا بهجة حياتنا طوال 14 سنة ، وكبر زوجي في عمله وأصبح رجل أعمال وساعدته بجهدي ومالي في شراء أراضي وعقارات دون أن أهتم بتسجيلها باسم أي منا . ومرت الأيام وزارته آنسة في مكتبه تطلب منه عملاً أو أي عمل في مكان آخر.

وتعددت اللقاءات بينهما وبدأ يتغير من ناحيتي ، وناحية أولادي وتركني وتزوجها في الوقت الذي أنجبت فيه طفلتي الصغيرة ، التي كان يتمني من الله أن يرزقه ببنت وترك البيت ليعيش مع زوجته الجديدة . وتركني مع أولادي الثلاثة دون أن يتحمل عبء مصاريفهم ، ولا حتى السؤال عنهم . فأرسلت له أن يعطيني نصيبي من ممتلكاتي لأتمكن من الإنفاق على أولادي . فرفض وقال إن كل شيء باسمه وملكه هو ، وأنا ليس لي أي شيء فيها . ورغم هذا فوجئت به يوماً يعود لي بعد مشاجرته مع زوجته الثانية التي أنجبت منا ولداً ! ليطلب الرحمة والغفران ليعود إلي أولاده بعد أن طلق الثانية بالثلاثة ، فأنا حائرة ماذا أفعل هل أعود إليه بعد كل هذا ؟؟

سيدتي .. من توقيعك لرسالتك بكلمتي ( أم حائرة ) ومن خلال أحداث حياتك التي سردتها . فهمت أنك من هذا النوع من النساء ، الذي يصنف تحت عنوان (المرأة الأم ) وبما أنك أم يا عزيزتي ، وزوجة محبة مخلصة ، أدعوك لإكمال رسالتك النبيلة رغم ذلك الحادث الأليم الذي نغض عليك صفو حياتك ، وكدر بها أيامك . فحاولي أن تتجاهلي الخوض في هذه الذكري الأليمة قدر الإمكان . حتى لا تتعمق رواسبها في نفسك وتؤذيك ، وحتى لا تتوالد منها مواقف سخيفة قاسية ، تفعل في وجدانك فعل السهام السامة المسنونة .

ولكن .. لا تزال لك كلمة عندي .. كلمة تتعلق بجزء من مشكلتك يتعلق بك أنت شخصياً ، وهو أن لا تنسي نفسك ثانية وأن تأخذي دوماً جانب الحذر خصوصاً في النواحي المالية. وبالذات بعد أن اكتشفت معدن زوجك . الذي أعتقد أنه من النوع المادي.

ولذلك .. انتبهي لأموالك يا عزيزتي ، وحاولي أن تدخري شيئاً للغد يقيك شر الحاجة . وكفاك ذلك الدرس الذي تعلمته . ولذا لن أستطرد في الحديث ولن أخبرك بالمزيد .. فقط .. تذكري أن المؤمن لا يلدغ من حجر واحد مرتين .

 

 

رصيد من الحق

أنحدر من عائلة محافظة جداً ومتوسطة الدخل ، منذ خمس سنوات تعرفت على فتاة جميلة ومتعلمة عندما كنت أعمل نائباً لوالدها المدير في أحد مشاريع التنمية . أحببتها بكل معني الكلمة وقبل نهاية المشروع تكلمت مع والدها وشرحت له حبي لها ففاجأني بأنه عالم بهذا الحب ويباركه ووعدني بأنه موافق على الزواج ولكن بعد سنة على أقل تقدير وبعد أن يتأكد بأني أودعت في حسابي مبلغاً معيناً من المال.

المهم .. ساعدني الحظ وسافرت للعمل وتخطيت المبلغ المطلوب مرة ونصفاً ، وإذا به يطلب أن أمده بالمال لعمل مشروع يؤمن به المستقبل لي ولابنته فأرسلت له شيكاً على بياض ، ومنذ شهر عدت إلي بلدي وذهبت إلي البنك فإذا بي أفاجأ بأنه سحب معظم المبلغ وترك لي الفتاة وعند ذهابي لمقابلته تنكر وعرفت أنه زوج ابنته قبل عام أي قبل أن يطلب المال الذي اشتري به عدة سيارات تجارية باسمه وقالها لي بالحرف الواحد ( والله لقد تزوجت البنت وإن كنت تريدها أستطيع أن أطلقها من زوجها ).

وعندما سألته عن أموالي ومستقبلي قال أفعل ما تريد ورفعت أمري لله بعد أن هددني بالقتل إن نطقت باسمها وبعد أسبوع انتحرت محبوبتي المتزوجة التي غشوها بأني أرسلت وقلت بأني لا أريدها زوجة لي بعد أن اكتشفت الحقيقة.

واجتمعت أسرتي وطلبوا مني أن أتناساها رفقاً بروح محبوبتي التي بنيت مسجداً على نية التكفير عن قتلها نفسها.

والآن لا أملك في رصيدي غير الحقد والكراهية على كل ما حصل بعد أن فقد محبوبتي وبعد أن فقد أموالي .. أموال عرقي وشقائي طلية 3 سنوات .. وهأنذا في طريق الجنون لا أدري ماذا أفعل ؟!

أخي العزيز ….

نحن هنا أمام تجربة مريرة . تجربة الثقة العميقة التي تفيض أماناً واطمئناناً وحباً وعطفاً على كل الأشياء .. على اليوم والمستقبل .. على الأمل والفرحة .. على البيت والزوجة !!

وإذا بها أثر الخديعة تنقلب حقداً وكرهاً ومقتاً وهذا ما يتضح من مشاعرك المطعونة والتي تعبر بها بصدق عن عنف المعاناة التي عشت وتعيش.

إن التجربة الرئيسية في الحياة الإنسان لا يمكن أن تمحي وتزول بسهولة .. وخاصة إذا كانت من هذا النوع المرعب المرير !

سأحاول تهدئتك .. وسأقول لك ابدأ من جديد .. وسافر للعمل ثانية .. وستقدر على تعويض أموالك بعون الله.

أما مشاعرك فأدعو الله أن يعوضك عنها حتى تستطيع أن تحب من جديد .. وأن تعود إليك الثقة في النفس وفي الناس من جديد..

ومهما كانت البداية جافة باهتة لا طعم لها .. فاعلم أن هذا هو الطريق الوحيد الذي يجب أن تسلك .. بدلا من القعود وحيداً عاجزاً .. لا تملك سوي رصيد من الحقد والمقت والكراهية ، أخشي أن يتوطن في ذاتك فيؤذيك ويرهقك .. لك عميق تقديري وغزير دعائي بالتوفيق والنجاح وهدوء النفس وراحة البال.

 

 

 

 

 

كمين

أقول مشكلتي وأنا في غاية الحيرة والحزن والندم .

تعرفت على شاب وبعد أن عرفته جيداً وعرفت عنه كل شيء ، ولم يكن من نفس جنسيتي تعلق بي أكثر وكل يوم يزداد حبه لي وكنت أعطف عليه لكني لم أحبه ولم أستطع أن أقول له ذلك لأنه يحبني حتى فاتحني في موضوع الزواج وقال لي أن أمه تطلب مني أن آتي إلي المنزل لتحكي معي عن موضوع الزواج ، وأنا لا أدري كيف ذهبت معه وهذه أكبر غلطة فعلتها في حياتي لأني ذهبت معه إلي المنزل وعندما دخلنا قلت له أين أمك قال لي الآن تأتي ولم تأت وأدخلني غرفته وحاولت معه أن يخرجني لكن لم أستطع وكل هذا بسبب أنه يريدني بأي شكل حتى يتزوجني فقد سبق له أن فاتحني في موضوع الزواج ولكن قلت له أن أهلي لن يرضوا عنه لأنه ليس من جنسيتي لكنه يردني له ويريد أن يأخذني بأية وسيلة وقال لي هيا نذهب إلي المحكمة كي نتزوج فقلت له لا لن أذهب من وراء أهلي وقال إذا لم ترضي ، سأفقدك عذريتك ونتزوج ونضع أهلك أمام الأمر الواقع ، فرفضت وحاول معي بكل قوة أن يسلبني عذريتي لكن الله ستر ولم يأخذ مني شيئاً وما استطاع عمل شيء ، ولكنه فعل شيئاً لم أكن أتصوره ، كان يخفي عنده كاميرا وصار يصورني وأنا مكشوفة الأرجل والملابس ، وحاولت أن أخذ منه الكاميرا لكني لم أستطع وخرجت من المنزل وأنا في غاية الندم والحزن والخوف من الذي فعله معي ، حاولت بعدما حدث أن أتصل به وأقول له أن يعطيني الصور لكنه رفض وقال لي أن عنده أشرطة مسجلة بصوتي وفعلاً سمعت الشريط وصار يهددني بالصور والأشرطة ويقول أن هذه الأشياء الوحيدة التي تربطني به ويقول كذلك إما أن ينتقم بهذه الأشياء أو نتزوج، فكيف أتزوجه وأهلي لن يرضوا به ولن يقبلوه ، وأنا صرت أكرهه ولم أعد أحبه وهو كل يوم يتصل ويهدد ويقول ” طول ما أنا حي لازم أؤذيك وأفضحك ” وعلى فكرة الصورة أنا شاهدتها لأنه وضع نسخة منها في السيارة التي توصلني للمدرسة ، وكل مرة يتصل بأهلي ويطلبني منهم وأهلي سألوني من هذا الشخص الذي يطلبك أقول لهم ما أدري ، فأنا لا أستطيع أن أصارحهم لأني أعرف طبع أهلي وشدتهم وأخاف منهم ، وحتى الآن هو يتصل ويهدد . وأنا والحمد لله تبت إلي الله وندمت . وأطلب من الله أن يسامحني على هذه الفعلة السوداء ولن أكررها أبدا ما حييت وهذه هي المرة الأولي والأخيرة . أرجوك أن تساعديني يا أخت كريمة ، على حل هذه المشكلة فأنا خائفة وما أدري كيف أتصرف ، بدأت أكره نفسي وأكره الدنيا لأني خائفة أن يفعل شيئاً ويؤذيني ،قولي لي بالله كيف أتصرف مع هذا الشخص النذل ، أرجوك الجواب بسرعة لأن هذه المشكلة بدأت تكبر وتزعجني وترعبني ، حتى صرت ما أعرف أنام ولا آكل ، وطول الوقت قاعدة أرتجف من الخوف.

ولك جزيل الشكر .

عزيزتي ….

قرأت الرسالة ، وفي الحقيقة انزعجت جداً مما جاء بها . وضايقني للغاية أن أشعر بك خائفة كل هذا الخوف الطاغي ، ترتجفين رعباً كاسحاً وقلقاً مميتاً مما يمكن أن يفعله هذا الحقير بك !!

فحمدت الله أن رسالتك وصلت إلي الآن ، ولم تبق في مكتبي سوي ساعات قليلة وعلى كل حال يجب أن تتأكدي أن الدنيا ليست فوضي ، حتى يأتي مثل هذا النذل فيلعب هكذا ببنات الناس ، فيستغلهن لإشباع أغراضه الدنيئة سواء بالزواج منها ، أو التسلق على أكتافها باستثمار عواطفها الساذجة ، ومحاولة استدرجها إلي كمين أعده لها مسبقاً ، وجهزه بأجهزة التسجيل والكاميرا .. والأفلام ليصوره في أوضاع مهينة يستغلها فيما بعد ، لأغراضه الخبيثة الشريرة !

إنني أحس بنفسي أشتعل الآن غضباً ، وأشعر بيدي تهتز من شدة الانفعال والتأثر لحالتك الصعبة ، ومشكلتك القاسية .

فاسمعيني فتاتي الصغيرة جيداً .. افتحي أذنيك ، ونفذي حالاً ما سأقوله لك حرفاً حرفاً ، دون خوف أو رهبة ، أو قلق .. أسمعي ..

أنت لا بد أن تتصرفي بحكمة وتعقل ، فقومي وادخلي على غرفة أمك ، واروي لها القصة كاملة ، واطلبي منها أن توسع صدرها وتسمعك دون ضجيج أو انفعال ، وطمئنيها أولاً على سلامة عذريتك ، وعلى أن هذا الشاب لم يسلبك شرفك ، وألف حمد لله وشكراً على ذلك.

ودعيها تخبر أخاك الأكبر ، وتطلب منه أن يكون متفهماً للأمور ، فأنت مراهقة صغيرة ، وقاصرة عن فهم كثير من أسرار الدنيا ، وبالتالي أسرتك وأمك أولاً ، يشاركونك مسؤولية ما حدث ، فلا تخافي .. أرجوك لا تخافي .

وأرجوك أرجوك أن تفعلي ما أقوله لك بكل دقة ، فأنت مهما لاقيت ، ومهما تعرضت من ضرب وشتم ، كله سيهون في مقابل راحتك النفسية ، وخلاصك من هذا التهديد والابتزاز .. وهو أخف وطأة من الصخت والوقوع فريسة للرعب والخوف ، طوال الليل والنهار..

اشرحي مشكلتك لأمك كاملة ، ودعيها تتصرف مع أخيك ، الذي سيعرف تماماً كيف يتعامل مع أمثال هؤلاء الأنذال ، وسيعرف كيف يسترد جميع الصور ، بل الفيلم ، والأشرطة وكل شيء يمتلكه ضدك ، ويهددك به .

وحتما سيعرف أخوك ماذا سيفعل ، بل أمك نفسها ستعرف كيف تتصرف ، وحتى لو لجأت إلي رجال الشرطة لنصب كمين لهذا المحتال ، ولمداهمة منزلة واستخلاص كل الأدلة التي لديه.

وبعد ذلك

وبعد أن ينال هذا المجرم عقابه ، أرجو أن تكوني أنت قد أخذت درساً نافعاً حتى لا تعطي الآمان ثانية لأي شاب مهما كان إلحاحه على حبك ، مهما أظهر أمامك مظاهر الوداعة والرزانة والشرف.

فالشاب عندما يريد الزواج من الفتاة ، جرت العادة أن يأتي هو إلي منزلها يرافقه أهله طلباً ليدها ، لا أن يأخذها هي إلي بيته لتطلب يده من أمه !!

عموماً ..

لن أطيل عليك حتى لا أطلك عن اللجوء حالاً نحو حضن أمك ، كي تحكي لها وتروي ما حدث لك عزيزتي الصغيرة ..

وأدعو الله أن يبعد عنك هذا اللص ، المخادع ، أدعو الله أن لا تخذليني ، وأن تدعي الخوف يسيطر عليك فلتتكلمي مع والدتك وتفتحي لها قلبك .

أرجوك أرجوك ..

بل أتوسل إليك أن تهبي الآن صغيرتي ، وتذهبي حالاً لأمك تحكي لها كل شيء واطمئني .. اطمئني تماماً فهي لن تؤذيك ولن تضربك .. بل ستساعدك وتنجيك من هذه الورطة ، وتخلصك بعون الله مما أنت فيه من خوف وعذاب .

قلبي معك.

لا أدري …

يا روضة أنغام الشعر                            يا ضوءاً من وهج الفكر

يا همسا من وتر حان                            يا وحي الشعر إلي الشعر

يا نسمة عطر ، يا غيما                          ينساب رخاء في قفر

يا نفخة أحلام تشدو                              تسري في الروح إذا تسري

الليل جليس في صحوي                          والوجد ندمي في سكري

يدنو أم ينأى ما أهوى                      إني من شك لا أدري

فالكأس مذاقات شتى                             من حلو شهد أو مر

لكن الساقي لا يدري                              من كرم تعصر أم تمر

إني لأنام على وهم                               وأفيق على حلم بكر

فأري أقداحي في كفي                            نشوي تتساقي من خمري

وأراني حينا لا أدري                              ما أعرف عن عطش النهر

أو أدرك أني لا أقوي                             أن أعصر عطراً من صخر

أو أحصد غرساً في بحر                         أو أغرس في ليل بدري

هذي أهوائي إذ أهوي                      أم أغلاق في سحب  العطر

وأهوم في أسني حلم                              وأعربد في حجب السحر

وأذوب بجدول أضواء                            والظلمة حولي تستشري

إني سأحاول أن أدري                            ما الدر ، وما صدف البحر

ما الليل كواكبه تسري                            حينا ، وتغيب بلا عذر

فلعل يقيني أن يبقي                              وتراً يترنم في صدري

د. خليفة الوقيان

الشياه !

أختي الكبرى خطبت لشاب غني ووسيم ومنذ الخطبة وهو يتردد على منزلنا وجميعنا نرحب به ثم أخذ في الفترة الأخير يصطحب أخاه معه وهو كذلك على درجة عالية من الأناقة والوسامة وبدأ خطيب أختي يطلب من أهلي أن تخرج أختي معه والأهل بطبعته حال لم يرق لهم أن تخرج أختي مع خطيبها لوحداهما .. ولذا أمرتني والدتي بأن ارفقهما وألازمها وذلك منعاً لحدوث شيء لا تحمد عقباه .. وذات مرة عرج بنا خطيب أختي متحججاً بإحضار شريط يجب سماعه وما أن وصلنا إلي منزلهم حتى كان أخوه باستقبالنا حيث رحب وأصر على نزولنا لشرب العصير .

ثم أرادت أختي وخطيبها الخروج وتركاني رغماً عني بالبيت ، فاستسلمت للأمر الواقع واتفقنا على أن يعودا ليأخذاني معهما إلي منزلنا حتى لا تفطن أمي إلي شيء مما حدث.

والحقيقة أنه عاملني عند ذهابهما معاملة طيبة تفيض رقة وحناناً فهو في العشرين وأنا أصغر بعامين .. وتتابعت بيننا اللقاءات حتى حصل ما تخشاه كل فتاة عذراء!

وبعد تفكير عميق أخبرت أختي في الموضوع لأنها تعلم بقصة حبنا منذ البداية وأخبرت أختي بدورها خطيبها لكي يتفاهم مع أخيه ولكنه رفض إصلاح خطئه الذي اشتركنا جميعاً في صنعه ، ومما زاد الطين بله أنني علمت فيما بعد بأني حامل .. مما دفعني إلي السفر عند ابنة خالتي .. وأخبرتها بالقصة كاملة ، فعرضت على أن تجعل زوجها يتزوجني شكلياً من أجل أن تتستر على فقط ولكنني رفضت ذلك لما فيه من مخاطرة كبيرة .. وأنا الآن في جحيم لا يطاق فإذا علم أهلي بالموضوع ما هو مصير أختي وخطيبها ؟!

فكرت كثيراً في الأنتحار ، لكنني في النهاية أتراجع عن خطوتي هذه .. وأنا الآن أبحث عن الحل وأتمني أن تستطيعي مساعدتي .

عزيزتي ..

مشكلتك نتاج خطأ مشترك أعظم ، ارتكبه جميع الأطراف المعينة . أنت وأختك وخطيبها وأخو خطيبها وأمك وأبوك .. جميعكم .. جميعكم بلا استثناء شاركتم في حدوث هذا الخطأ، ووقوع هذه الكارثة !!

وعليه .. يجب أن تتحمل جميع الأطراف المعينة نتاج ما حدث .

فلتصارحي أمك يا فتاتي ، كي تعلم أنها أسلمت القط مفتاح  “الكرار ” أي الخزين ، أو كلفت الذئب برعاية القطيع .. وبدلا من أن تفقده شاة واحد .. فقدت اثنتين !!

كان على أمك أن تدرك أن شقيق خطيبك شاب وسيم في عز الشباب ، وأن تخاف عليك أنت الأخرى .. بدلا من أن تركز كل تفكيرها في أختك .. بسبب دبلة الخطوبة ! فيا ليتها تنبهت قبل أن يحدث ما حدث !

عزيزتي ..

الوقت ليس في صالحك ، وهذا الشاب النرجسي عليه أن يعرف أن الدنيا ليست فوضي ، وأنه يجب أن يتحمل نتيجة عمله ، وأعتقد أن أخاه سيلزمه بالتصرف المناسب لو أحس ببعض الضغط والتخويف من الأهل الكبار .

كما قلت لك .. أخبري والدتك .. لأن الخطر أصبح يتهدد أختك هي الأخرى ، واخشي أن يصيبها مثل ما أصابك .. ولهذا سارعي لنجدتها ونجدة نفسك قبل أن تتفاعل الأحداث ، وتتفاقم الأمور من السيئ إلي الأسوأ …

 

 

 

صفعة !!

تزوجت بأمرأة منذ حوالي عشر سنوات وكنت في ذلك الوقت طالباً في الثانوية العامة ثم ذهبت لإكمال دراستي في الخارج وسافرت معي إلي أوروبا . ثم أنجبت الطفل الأول وأنا لا زلت صغيراً لا أعرف المسؤولية وليس لدى مصروف ، وكان أهلي المشرفون على دراستي بالخارج .

وتخرجت وأتيت إلي بلادي منذ 5 سنوات ومنذ السنة الثانية من زواجنا أدركت أني ارتكبت أكبر غلطة وهي أني تزوجت وأنا صغير ، والآن لدي أربعة أطفال .

وكل هذه السنين العشر لم أشعر بأني أحبها مع أني أقدم لها كل احترام وتقدير ولكن لا أجد عندها الحنان الكافي فهي ليست متفاهمة معي .. ومنذ أكثر من سنة تعرفت على فتاة على درجة عالية من الجمال والذكاء ، أعجبتني وأحببتها منذ أول نظرة رأيتها فيها ، وتطورت علاقتي بها وخرجت معي وكان حبنا فوق الوصف ولكن في المدة السابقة كلها لم أقل لها أنني متزوج ولدي أطفال لأن هذه نقطة سلبية وأنا لا أريدها أن تبعد عني أبداً .

ولكن منذ حوالي شهرين عرفت أني متزوج ولدي أطفال ، فغضبت وكتب لي رسالة كلها شتائم واتهام بالخداع وغير ذلك .

فكلمتها في الهاتف فردت بشيء من العصبية ولكن عندما فاتحتها في الموضوع بهدوء أعصاب فهمت وقدرت ظروفي ، وزادت علاقتي بها وأحببتها أكثر من الأول عندما وافقت على استمرار العلاقة وكلمتها في موضوع الزواج ولكن إلي الآن لم تقل لي الكلمة النهائية . وأنا أتمني أن أعيش إلي جوارها لأنها أروع إنسانة رأيتها في حياتي من كل النواحي .

هل أستمر في علاقتي بها وأتزوجها إذا وافق أهلها أم ماذا أفعل ، عاماً بأن زوجتي تعلم بأن هناك علاقة تربطني بفتاة ، وأنا حائر ماذا أفعل !؟؟

عشر سنوات زواج !! كافية طبعاً لتجعلك تزهق من زوجتك . ومن أطفالك ، ومن حياتك كلها !!

وبالتالي .. تبحث الآن عن الجديد ” المناسب ” بعد التعليم العالي في أوروبا ، وبعد النضج في الشخصية ، والارتقاء في المركز ، والتحسن المالي !! إنك تتمرد على واقعك ، وتحاول أن ترتدي ثوب الضحية ، المسكين ، التلميذ البريء المغلوب على أمره ، الذي زوجه أخوه ” غصباً عنه ” .. يا حرام !!

ولكن .. تري لو عدت ذلك التلميذ المسكين طالب الثانوية العامة الذي يذاكر ليل نهار ، المرهق ، الكادح ، المفلس الذي ينفق أهله عليه .. هل لو كنت تقدمت بحالتك السابقة إلي فتاتك الحالية التي تحظي ” بدرجة عالية من الجمال والذكاء ” .. هل كان جمالها وذكاؤها يقبلك زوجاً لها وأنت تعاني وتقاسي من ظروفك السابقة التي بدأت من خلالها السير في طريق النجاح ؟!

طبعا لا .. بل كانت سترفضك وترفضك ، لأنك لم تكن لتملأ عينها الحلوة يا عزيزي . ولم تكن لتقتنع بك زوجاً يتناسب ودرجة جمالها أو ذكائها ، الذي كان سيبحث حتماً عن الزوج ” الأفضل ” ولا شك .

فلتبق مع زوجتك الطيبة التي سهرت الليل معك ، وذاقت الفقر والعناء ، وعاشت الغربة إلي جوارك حتى أصبحت أنت الآن .. هي إذن المرآة التي لا تقدر بمال ، والتي قبلتك لذاتك .. لنفسك .. لشخصك أنت دون بريق المغريات .

وحينما جاء الوقت لترد لها الجميل ، لتكافئها .. أيكون ذلك بصفعة ؟!

لا يا أخي .. لا تلطمها .. ولا تلفظها .. هي أم أولادك .. وهي أحق الناس جميعاً بمحبتك ومودتك ، فابق عليها ، وأذكر لها كفاحها ونضالها .. ولا ترمها وفي حجرها أربعة أطفال بؤساء .. هم أبناؤك الذين سيعانون مر العذاب .. وهم يرون جزاء الوفاء الغدر .. وجزاء الإخلاص الخيانة !!

احفظ زوجتك وارعي أولادك ولا تهدم الدنيا متأثراً برغبة سرعان ما تزول ، وشهوة سرعان ما تخمد .

الأمومة والأنوثة

انا امرأة متزوجة منذ تسع سنوات ، عندي طفلان ، كان زواجي رغم إرادتي . فعشت حياتي تسع سنوات كاملة دون أن أشعر بالسعادة في يوم من الأيام ، وتحملت وصبرت من أجل أطفالي .

ولكن منذ سبع شهور تعرفت على شاب أخلاقه حميدة ، صفاته طيبة ، تبادلنا الرسائل في الأول وبعد ذلك بدأت اللقاءات . وأقسم لك لم يحدث أي شيء بيننا يغضب الله ، هذا رغم أن زوجي لم يلمسني منذ أربع سنوات.

وقد عاهدت هذا الشاب بالتضحية حتى النهاية . وفي الحقيقة أنا ما فكرت في الطلاق لأني أحب أن أضحي من أجل أطفالي ، وأستمر في حياتي حتي يأتي الفرج من عند الله سبحانه وتعالي وإن كنت أحب حبيبي حباً لا يوصف ، وبيننا تفاهم تام ، خاصة وأنا بدايات العشرين من عمري ، وزوجي مصاب بمرض السكر ، وعاجز جنسياً ، وحينما أقول له اعرض نفسك على طبيب يقول لا ، أنا ما فيني شيء.

صدقيني يا أخت كريمة أنا أتعذب ، فأنا لم أعر الحب ولا السعادة إلا مع هذا الحبيب الذي يريدني زوجة له في المستقبل.

فيا تري ما هو الحل لمشكلتي هذه التي تعذبني ، علماً بأن هذه أول مرة أرسل لك وأرجو أن لا تخيبي ظني.

فأرجو لا تهملي رسالتي ، واعطني الحل السليم ، لأني دائماً حائرة في أمور كثيرة ، وخاصة بأنني أستعمل حبوب منومة في الليل كي لا أشعر بشيء.. سأكون في انتظار الجواب العاجل ، وشكراً لك يا أخت كريمة .

أنت كأنثى شابة تعيشين التعارض بين رغبات جسدك وبين دورك المقدس كأم مطلوب منها أن ترعي أطفالها .. مهما كانت ظروف حياتها.

وهذا وضع طبيعي تعاني منه شابة في عمرك ، وزوجة لرجل عاجز جنسياً . فالطاقة الجنسية في الإنسان ، رجلا كان أو امرأة ، طاقة جبارة لا يمكن تجاهلها .. وكما قال “نيتشه” : ” أن الطاقة الجنسية في الإنسان تمتد بطبيعتها إلي أعلي قمة في نفس الإنسان وروحه وكيانه “.

ولكن .. ما رأيك لو نفست هذه الطاقة الزائدة في أعمال متعددة ، كشغل البيت ، أو مواصلة تعليمك أو ممارسة أية هواية تشغلك ؟ عموماً إن لديك ما هو أهم وأسمي وأنبل من تلك الطاقة أو الرغبة ..

لديك ” الأمومة ” بكل قداستها ، وهي أيضاً غريزة تولد مع الأنثى .. فيا تري من سينتصر في هذا الصراع ؟!

هل هي الأم ؟!

أم هي الأنثى ؟!

أنا قلبي يحدثني انك إنسانة فاضلة سامية . إنسانة مؤمنة قادرة على التحكم في رغباتها ، والسيطرة على لحظات ضعفها .. إنسانة عظيمة ترعي حرمة بيتها ، وتصون عفة نفسها ، وتتقي الله في صغارها ..

فأنت طوال السنوات الأربع الماضية .. سنوات العجز ، لم تشكي ولم تتذمري ، وصبرت وتحملت .. ومضت بك الحياة بحلوها ومرها .

إلي أن التقيت بذاك الشاب ، الذي فجر في داخلك شعوراً جارفاً بالحرمان ، لقد أثار وجوده عاصفة في سكون حياتك .. عاصفة عاتية كادت تطيح بك ، وبكن خلقك الكريم ، وطبعك الأصيل قاوما هذا الانجراف ، ووقفاً سداً منيعاً أمام هاوية الانحراف..

سيدتي ..

أنت امرأة فاضلة لا شك ، امرأة من المستحيل أن تخطيء في حق زوج عليل مريض يحتاجها جواره ويعتازها صغاره ، امرأة تكتم آلامها ، وتكبت رغباتها ، من أجل الحفاظ على أسرة أمانة في عنقها .. امرأة تتقي الله في كل أفعالها..

وما دمت أنت قد قررت التضحية من أجل ولديك ، فلا بد أن تكون التضحية في صورتها الحقيقية حفاظاً على مستقبل الطفلين يا أم الصغيرين الحبيبين ..

أتمني من الله يا أختي أن تبتعدي عن رؤية هذا الشاب الذي يلهب مشاعرك ، ويرهق أعصابك ، فالحبوب المنومة ستضرك أشد الضرر على المدي الطويل ، فحاولي أن تقلعي عنها واستبدليها باللبن الرائب والحمام الساخن ..

وفقك الله إلي سبيل الخير ..

وفي النهاية .. إن شعرت بالعجز ، والإعياء التام ، وعدم القدرة على التحمل والاستمرار ، واستحالة البقاء على هذا الحال ، فلك العذر في ذلك ولقد قال الله في كتابه الكريم (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا ) .. فاختاري الطريق الذي يهيديك إليه قلبك .. وعقلك .. واعلمي أن الله سبحانه وتعالي قال : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها )

صدق الله العظيم.

 

قشة الغريق

أنا طالب جامعي سافرت للدراسة بالخارج . أحببت فتاة جميلة قبل سفري إلي حد أني أحببت معها الحياة بحلوها وسيئاتها وتم الاتفاق بيننا على الزواج نظرا لأنها تحبني كما أحببتها وقد باحت لي بذلك عدة مرات ، ومرت الأيام حلوة صافية لا يشوبها أي حساب حتى كان يوم وصلتني رسالة لا أعلم مصدرها علمت فيها بما أصبحت عليه حبيبتي من سوء سلوك وبدخولها في جو لا يليق بمثلها من البنات حيث أصبحت من بنات الهوى ومن الساهرات في الليل – لم أصدق أول الأمر وتملكتني غيره كبيرة على فتاة أحلامي فأرسلت إلي عائلتي لأثبت من الأمر فأكدوا لي صحة ما وصلني من أخبار.

رجعت إلي وطني وما أن وصلت وسمعت بمجيئي حتى خفت لمقابلتي فملكت نفسي وكظمت غيظي واستقبلتها كعادتي فروت لي مشكلة وهي أنها تعرضت لاغتصاب جنسي من أربعة من الشبان والحمد لله نجت بأعجوبة عندما أرسل لها الله رجلاً كبيراً أنقذها ورفعت قضيتها للعدالة وبذلك شاع الخبر وسقطت سمعتها بين الناس ومشكلتي أن عائلتي رفضت رفضاً تاماً زواجي منها فاحترت في أمري وأغرقني في حزن كبير حتى كدت أفقد توازني وأتخلى عن الدراسة لأني أحبها حبا ملك على حياتي وأطلب منك أن تنصفي بالحل بين التخلي عنها وإرضاء والدي وكلاهما صعب جداً على نفسي.

الحل : 1+1=2 .. بالفعل عليك أن تختار وبشجاعة أحد الطرفين .. إما والدك الرافض لك هذه الفتاة زوجة .. وإما فتاتك  التي لن تنال معها رضا أهلك أبداً !! والاختيار صعب جداً يا عزيزي .. ويحتاج منك شجاعة خاصة جداً جداً .

والرأي هو رأي قلبك أنت ، وليس رأيي أنا .. فانظر من تحب أكثر ومن لا تطيق أن تبتعد عنه أكثر ثم اختر.

فبصراحة لن يقبل أب في الدنيا أن يتزوج ابنه من فتاة مغتصبة مفضوحة أمام كل الناس والأسوأ أن الألسنة بدأت تلوك سمعتها وتدمغها بوصمة .. بنات الليل !! فإذا كانت البنت مظلومة ، وتعرضت لاغتصاب جسدي ونفسي جعلها تفقد توازونها .. بعض الوقت .. وعادت بعد ذلك إلي طبيعتها البريئة الصافية .. فاعلم أنك المنقذ الوحيد ، والمنجد الأخير لها من حياة الضياع والبث التي سيحاول المجتمع كله أن يضعها فيها .. رغماً عنها !!

فإذا كنت شجاعاً مقداماً ، فأنقذها وانتشلها من هذا الوضع الخانق الرهيب ، فأنت لها تلك القشة التي يتعلق بها الغريق.

 

أماني أرملة !

أجبرني أهلي علي الزواج من أحد أقاربي وأنا صغيرة جداً . عشت معه أسوأ أيام حياتي . وقد توفي في حادث قضاء وقدراً.

أصبحت أرملة في سن مبكرة . كان الناس يشفقون على حالتي .. وبعد ذلك حاولت أن أنسي الماضي ، وأعيش حياتي بطريقة طبيعية ، ولكن الناس لم ينسوا ذلك ، فعندما ذهبت إلي المدرسة سمعت أسئلة تثير في نفسي الإحراج والإحساس بالنقص . مع أن الزواج لم يكن بيدي ولا الموت بيدي .

منذ وفاة زوجي لم يتقدم لخطبتي شاب ، مع أنني أحلم بأن يكون لي زوج يفهمني وأفهمه ويقدر الحياة الزوجية . وأتمني أن أعيش معه في سعادة.

أحببت شاباً في الجامعة ، وكنت أحاول إشعاره بالحب ولكنه لم يبد أي اهتمام ، بل كان يتهرب مني ، وكأ،ه يريد أن يثبت لي أنه لن ينظر لواحدة مثلي.

بعد ذلك قابلت شاباً صديقاً لأهلي وكنت معجبة به ، وكان يبادلني النظرات ، وقد بنيت عليه أمالاً كبيرة .. وبعد فترة سمعت أنه تزوج ، فحزنت وبكيت وتحطم قلبي.

ساءت صحتي ، وأدمنت المهدئات ، خاصة بعد أن تقدم شاب لخطبتي ولكنه عندما عرف أنني أرملة تحول عني وتركني.

سافرت لزيارة أقاربي في بلد آخر .. وقضيت فترة نقاهة وهدوء أخذت أنظر بعدها إلي نفسي .. تلك النظرة التي يطالعني بها المجتمع .. نظرة غريبة مستريبة متشائمة .ز حالتي تزداد سوءاً ولا أعتقد أن هناك أملاً .. فهل لديك بعض الأمل ؟!

توقيعك باسم ” حيا ” يجعلني أعتقد أنه من اسمك يجب أن تستوحي الإصرار على الحياة من جديد.

عودي فوراً إلي مدرستك ، ولا تضيعي زمانك في الرثاء لنفسك والتحسر على ما فات ، كي لا تزدادي شقاء وتعاسة . وتجاهلي تعليقات الآخرين وأسئلتهم المحرجة . وامتنعي عن إهدار نظرات عيونك الحلوة كالسيل الذي لا ينقطع . فأجمل ما في الأنثى هو الفخر والحياء .. والاحترام والكرامة لذاتها وكيانها.

إن ظروف حرمانك من الحياة الزوجية ومراهقتك هي التي تجعلك تتصورين الحب لأول شاب تلمحينه . وهذا خطأ فادح لا أريدك أن تكرري الوقوع فيه ، رحمة بقلبك وأعصابك.

تفكيرك في الزواج يجب أن يتغير فهو لا يمكن أن يحدث بإغراء من مفاتنك وحلاوة عيونك ، وإنما اتركيه بعض الوقت .. وفكري حالياً في البديل وهو الدراسة ، فهذا هو الدرب الأفضل الذي يجب أن تطرقيه هذه الأيام .

وأحب أن أطمئنك بأن نجاحك في الدراسة سيصقل عقلك ويعمق شخصيتك ، وسيجعلك رزينة هادئة .. بلا مهدئات ولا منومات ، فابتسمي .. وانظري إلي الدنيا بتفاؤل ولا تعجلي الارتباط حتى لو أتاك عشرات الخطاب ..

ويا سيدتي : ” كل فوله ولها كيال “!

 

 

هموم ..

تبدأ قصتي عندما خطبت ابنة عمي ودامت خطبتنا ستة شهور كنت خلالها من أسعد من خطبوا . عاداتنا وتقاليدنا لا تسمح بالخروج مع الخطيبة ولهذا كنت فقط أشاهدها في بيت عمي عندما أزورهم وبنيت عشنا الزوجي وأعددت كل شيء للزواج ويا ليته ما كان . ليلة الزفاف وجدت زوجتي فقدت أغلي شيء تعتز به الفتاة فقد عذريتها ، وكان وقع ذلك على نفسي كالصاعقة وحاولت أن أعمل شيئاً ولكن العار يرجع على وعلى أهلي جميعهم . بكاؤها ونحيبها جعلني أصدق بعض الشيء من روايتها . حاولت أن أعرف من يكون بحياتها ولكنها أقسمت لي أنه لا يوجد إنسان لمسها وإنما فقد عذريتها نتيجة خطأ منها . لم أصدق ولكنها أقسمت لم أدر ما افعل ، فكرت قليلاً وأنا أسمع أهلي وهم يزغردون ويغنون فرحين بزواج ابنهم الأول فكيف أقلبه من عرس إلي مأتم ؟ وأخفيت الأمر وجعلت كل شيء كما كان ، جعلت الأهل يكلمون فرحتهم علي حساب قلبي وجرحي وسترت علي ابنة عمي ومضي كل شيء . ورزقت بطفلة ثم بطفلة أخرى.

المشكلة يا أختي أنني من ليلة الزفاف وأنا معقد وجريح الفؤاد . الشك يقتلني . أشك بزوجتي حتى ولو ابتسمت مع أخي . أشك فيها حتى لو تكلمت مع أي إنسان من أهلي وأقاربي وهي تشعر بشكي نحوها ولكنها تقسم لي أنها بريئة ولم يلمسها أحد غيري . أصدقها وأقول لها بأني أحبها ولا أشك أبداً ولكن الصحيح هو العكس ، اشك فيها  بكل لحظة . إنني حزين يا أختي . إنني منذ تلك الليلة وأنا حائر لأن شكوكي تقتلني . المشكلة أنني لا أعرف طعماً للراحة من هذه الشكوك والتفكير بأشياء غامضة لا تقبلها نفسي ولا يقبلها إنسان.

انصحيني يا أختي بأي دواء بأية نصحية حتى تبعد عنى هذه الهموم .

إن قلت لي تمسك بها فأنا فاعل من أجل بناتي وقد سترت عليها حتى يستر الله سبحانه وتعالي على بناتي . ومن ستر على بنات الناس ستر الله على بناته. أريد شيئاً واحداً يا أختي كريمة هو أن تنصحيني ماذا أفعل وكيف أنجو من عذاب الشك بزوجتي التي هي فكري بالليل والنهار لك مني ألف تحية.

قلبي معك يا أخي .. فالهموم تفترسك ، والشك يعذبك طوال الأيام والليالي القاسيات.

إن ما فعلته هو الصواب ، والتصرف الأمثل والأنبل . أنك رجل ولا كل الرجال . وقد سترت على زوجتك ، ابنة عمك ، وصنتها من الفضيحة وكلام الناس ، وسيكافئك الله خير الجزاء.

حزنك العميق الذي يطحن قلبك يحزنني ويضايقني ، فأنت لو استمررت على هذا الحال ستصبح الكآبة ملازمة لك ، وستنقلب شخصيتك وتختلف تماماً

حاول أن تقنع نفسك بأن فتيات كثيرات يفقدن عذريتهن نتيجة أخطاء بسيطة يجهلن عواقبها تصيبهن أثناء الطفولة أو المراهقة . وليس شرطاً أبداً أن تفقدها بفعل رجل.

 ومن رسالتك .. شعرت بأن زوجتك امرأة فاضلة لم تأت خطأ أو ذنباً . فأنت لم تشك منها ولله الحمد ، وإنما هي مجرد شكوك سوداء وهموم صفراء تسممها الغيرة النابعة من الحب .

فاجعل من الحب نبراساً لحياتك ، وكن كريماً معها . ودوداً عطوفاً وعسي الله أن يعينك على عذابك وينجيك ويخلصك منه بعونه وتوفيقه.

 

 

همسة حب

الحب الحزين

سأروي قصة الأحلام والأوهام والحسرة

حكاية حبي المحزون والعثرة

حكاية عمري المنهار والخمره

سأروي .. قصتي المرة

سأرويها ..

بلا حرج ، وأحكيها

ففيها بعض تعزبتي

ومنها كل تجربتي

خرجت بها من الدنيا

فيا لهفتي على عمري الذي ضاع

ومات على هوي الأطماع

يا حسره !!

خالد سعود الزيد

شرك !!

عشت أيامي في صفاء ونقاء .. وشاءت الأقدار أن أقع في يدي إنسان حقير كنت أكرهه وما زلت ، فهو حبيب صديقتي ، رأني معها عدة مرات ، وكان دائماً ينظر إلي نظرات الشهوة بالرغم من أن صديقتي أجمل مني وهي تعطيه كل ما يريده ، حتى .. سافرت صديقتي للدراسة بالخارج وبقيت أنا هنا للعمل .. وأخبرتني في رسالة أنها بعثت لي بعض الأغراض مع حبيبها عندما زارها ورجتني أن آخذها منه .. وفعلاً اتصل بي وقال لي سآتي اليوم لأعطيك الأغراض وبحسن نيتي ذهبت معه ولكني وجدته يتجه إلي منزله فحاولت أن أسأله لماذا فقال أن الأغراض هناك .. ولما وصلنا قال لي اطلعي خذيهم فأنا لست بمجبر أن أحضرهم لك .. وفعلاً ذهبت وهناك حاول أن يمسكني فقاومته وأخبرته أنني صديقة حبيبته وإن ما يفعله لا يجوز .. فقال إنني منذ زمن طويل وأنا اشتهيتك فرجوته أن لا يفعل .. فأنا لا أزال عذراء ومحافظة على شرفي .. ولكنه صمم وكانت مقاومتي ضعيفة ، وباعدته ، وبعدها قال لي .. وعلي ماذا تحافظين فأنت لست عذراء .. كدت أقع من غيظي وخوفي ، ولكني تماسكت وخرجت ولحقني ليوصلني للمنزل .. وبدأ يشرح لي عن كثير من الفتيات اللواتي ليس لهن غشاء بكارة .. فأقسمت له أنني لم أغلط مع أي إنسان .. ولكني تذكرت أنني منذ كنت في الحادية عشر وقعت من على (البايسكل ) ونزل مني نقاط دو ، منذ ذلك اليوم وأنا في حيرة من أمري .. لم أذهب للطبيب لأنني أخاف أن يقول لي نفس الكلام ووقتها سأتحطهم .. فأنا رفضت كل العرسان الذين تقدموا لي بسبب الشك فلو صار يقيناً فلن أتزوج طول عمري .. مع أنني أحلم بالمنزل الجميل والأطفال .. فهل أنا حقاً فتاة بدون غشاء بكارة وهل يمكن أن أخلق هكذا .. أو إنه يضحك على حتى يأخذ ما يريده مني؟!

أرجوك ساعديني يا أخت كريمة فأنا أعرف نفسي مازلت طاهرة.

وأنا بانتظار ردك فأنت آخر أمل لي في هذه الدنيا فأرجوك ساعديني ….

اسمعي يا عزيزتي .. أنا لست مقتنعة أبداً بهذه الفكرة التي تأخذينها عن نفسك . فمحاولة الاغتصاب هذه لم تكن كاملة أو تامة بفضل مقاومتك .. وبالتالي .. كيف استطاع أن يتهمك بعدم العذرية !!

عندي قناعة بأنها تهمة أشبه بالشرك ، يريدك أن ينصبه لك ليوقعك فيه .. وها هو الآن يحاول استدراجك وإيهامك بأنك واحدة من البنات اللواتي ليس لهن غشاء بكارة !!

نصيحتي أن تذهبي إلي الطبيب للتأكيد ، والمهم أن تقطعي صلتك نهائياً بهذا النذل الذي يرتبط بصاحبتك عبر علاقة جنسية تعلمين أنت بها .. وها هو الآن يبحث عن علاقة مماثلة لديك .. أثناء غيابها!!

فإذا كنت حريصة على نفسك وسمعتك ابتعدي عنه .. وابحثي عن الحل لمشكلتك عند الطبيب!

النسب !

أنا رجل في الثامنة والثلاثين من العمر ، تزوجت وأنجبت طفلين ، كنت أشعر بأن زوجتي تخونني مع زوج أمها الشاب ولكني كنت أكبح جماح رغبتي في الانتقام خوفاً من أن أظلمها .. فإنه كان مجرد شعور بالخيانة فقط.

ومنذ أربع سنوات سافرت إلي الخارج لبعض الأعمال وعندما عدت وجدت أن زوجتي تركت المنزل وتقيم مع أمها بعد أن هجرت بيتها الذي كانت تقيم فيه مع أمي العجوز وإضافة إلي ذلك فإني سمعت الكثير من القصص عنها نحو قسوتها على الأولاد ومعاملتها لهم بأسلوب لا يمكن لأم في الدنيا أن تعامل به أولادها !

ومن خلال عتابي لها وجدت أن طريقتها معي تغيرت تماماً وأصبحت مستهترة بالحياة الزوجية القائمة بيني وبينها .. فانتهي كل شيء بالطلاق .

هذا وأني لا أشعر بأي عاطفة أبوية نحو الطفل الأخير . وأشك تماماً في نسبه إلي .

وأنا مطلق هذه المرأة منذ ثلاث سنوات وهي أيضاً طيلة هذه المدة لم تسأل مرة واحدة عن أولادها .. بل تتهرب منهم حينما أعرض عليها أن تأخذهم وأعطيها النفقة التي تريدها .. للان لم تتزوج وبالتالي أنا لا أريد إرجاعها إلي عصمتي لأنني أشك فيها تماماً.

شيء واحد يخيفني من الزواج بامرأة أخرى .. وهو أن تسيء الزوجة الجديدة معاملة أولادي الصغار باعتبارها زوجة أب بينما أكرس حياتي كلها لتربيتهم تربية حسنة وعلى مستوي رفيع . وذات الوقت أيضاً أرفض رفضاً تاماً إرجاع مطلقتي خوفاً من أن أتهور يوماً ما ألقي بنفسي وراء القضبان في لحظة  غضب أو انفعال.

فأرجوك أنقذيني من دوامة التفكير والحيرة والعذاب وساعديني في إيجاد حل لهذه المشكلة التي سيكون ضحيتها طفلات بريئان .. ليس لهما أي ذنب في الحياة.

أخي العزيز .. إذا قلت لك أن حياتك السابقة مع مطلقتك حياة منتهية تماماً . فإنا إذن لم آت بجديد ، فأنت تعلم ذلك جيداً وتؤكده أكثر من مرة عبر رسالتك .

الجديد هنا هو أنك تتلفت حولك حائراً ، تبحث عن حياة مريحة لك ولطفليك . وهذا إحساس نبيل تحمد عليه.

أعظم ما في مشكلتك أنك قد استطعت كبح جماح غضبك ، وكتم إحساسك بالندم على ما كان فيما عدا شعورك بالشك في نسب ابنك المسكين الذي يعاني من قسوة الأم وشكوك الأب .. فإلي أي مدي يستمر هذا العذاب ؟!

وإذا طلبت منك أن تكون أبا رحيماً عطوفاً .ز فهل أكون منطقية في طلبي هذا ؟!

فكرة زواجك من جديد .. وبناء حياة طبيعية عادية هي الصح الآن .. وهي الحل الوحيد السليم لوضعك الحالي . وإذا كنت قلقاً على طفلي فأن بمعاملتك الرقيقة لزوجتك الجديدة ، وبحنوك عليها وعليهما ، ستملأ حياتكم حباً وعطفاً ينعكس على أجواء البيت كله .. وخاصة إذا أحسنت اختيار الإنسانة المناسبة التي تعرف الله وترهب عقابه.

والبركة في أمك العجوز أطال الله عمرها ، فهي لن تتواني عن رعايتهما ، ولا تنسي أنه ” ما أعز الولد إلا ولد الولد “.

الصخرة !!

تبدأ مشكلتي بزواج قريب وصديق لي من فتاة جميلة ذات أخلاق عالية ، وكنت أنا بطبعي أذهب إلي بيت صديقي في المناسبات والأعياد ،  وفي أحد الأيام ذهبت إلي بيته ولم أجده ولكني وجدت زوجته ، فجلست أترقب مجيء زوجها وأخذت أتحدث معها بحسن نية وإذا بها تقترب مني أكثر وأكثر وتقول لي لماذا لم ترد على رسائلي التي بعثتها قبل زواجي ؟؟ فأخذتني الدهشة ووقفت مذعوراً مرتبكاً وقلت أي رسائل التي تتحدثين عنها ؟ ولماذا هذا الكلام في بيت زوجك ؟؟ فأخذت تبكي وقالت إنني متزوجة غصباً عني وأنا لا أريده ولا أستطيع أن أعيش معه ومع أهله إنني أتعذب كل يوم .

وفي تلك اللحظات أردت أن أخرج من المنزل ولكنها اعترضت سبيلي وأخذت تبكي وتقول إني أحبك أحبك .. وكنت أحبك قبل زواجي وأبعث لك الرسائل مع بنت خالك .. وتحدثت في الهاتف وقالت سوف تأتي بنت خالك وتخبرك بنفسها وبعد حوالي ربع ساعة طرق الباب ودخلت ابنة خالي وعندما شاهدتني ارتكبت وتغير لون وجهها وقالت لها أي رسائل التي أعطيتني إياها فزاد ارتباكها وإذا بها ترتمي على زوجة صديقي وهي تبكي وتقول لها سامحيني فأنا لم أوصل له الرسائل ولقد كذبت عليك وبعدها تحولت إلي وقالت لي بلهجة مليئة بالحزن والشقاء إني أحبك ، أحبك ، وسأظل أحبك مدي عمري فأرجوك لا تتركني ، فإن تركتني سأنتحر وأتخلص من هذا العذاب وارتمت على صدري وأخذت تبكي بكاء حزيناً حتى كدت أبكي معها .

أختي كريمة إني أكاد أموت من الهموم التي انصبت على من السماء فأنا لا أنام الليل وأصبحت دائم التفكير في تلك الفتاة التي لو تركتها ستنتحر وإذا أخذتها سأصبح خائناً لصديقي .

أختي كريمة لا تقولي اشرح له القصة من أولها إلي آخرها فأنا لا أستطيع أن أجرح شعور أعز أصدقائي إنني حائر وتعيس خصوصاً أن الفتاة تخاطبني بالهاتف كل يوم وترجوني أن لا أتركها.

فماذا أختار الصديق أو الحبيبة ؟!! إنني إنسان بعدما كنت أسعد إنسان .. ماذا حل بي ؟ أرجوك ردي على.

أتصدقني يا أخي لو قلت لك أنك لا تحب هذه الفتاة ؟! .. كيف ؟! لأنك الهش من الرثاء والعطف سرعان ما تتساقط وتتداعي .. وتمحي !!

حكايتك ذكرتني بقصة ذلك الرجل الماشي في الدرب الطويل ، لا يعلم مما حوله شيئاً ، وإذ بصخرة تسقط على رأسه تكاد تودي بحياته .. وهو في ذلك لا يعلم كيف سقطت ، ولا يدري من أين وقعت ؟!

ولذلك .. اندهشت جداً عندما ألقت عليك بنفسها كالصخرة ، وفاتحتك بحبها المتربص بك منذ زمان ، فأشفقت عليها .. لا أكثر .. لأنك في الأصل لا تحبها ، ولا تشعر بوجودها ، وإنما تحب صديقك وتعتز بعلاقتك الحميمة به . وتقدر عمق الصداقة التي تربطكما معاً .

ولهذا .. وفي مثل حالتك .. كان يجب أن تجري من أمامها ، وتهرب من وجهها فالمرأة التي تعرض وتبذل نفسها بمثل هذا الإلحاح ، جريئة إلي حد الخطورة .. وأنت نفسك غير مقتنع بها ، وتشعر في داخلك بأنها يوماً ما سوف تمارس جرأتها مع آخرين !!

لماذا ؟! لأن الزواج الواقعي عادة يصدم الكثيرات من البنات الصغيرات ، فهي ما زالت مراهقة في عوالم الخيال بقوة العاطفة الثائرة التي تتناقص والواقع الحالي .

وأنت حتى لو تأثرت بها تماماً ، وتزوجتها .. سوف تمر معك بنفس الموقف .. وستصدم بالواقعية ، وتبدأ تحلق بعواطفها المجنحة ، مع خيال آخر جامع .. خلاب ومثير !!

والصداقة هي الحب .. وإخلاصك لصديقك أهم وأبقي .. وكم يندر الإخلاص .. وأنت الإخلاص!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بلا استثناء !

التقيت بشاب من مدة 4شهور ، هو يكبرني بعشر سنوات ويتمتع بالأخلاق الحميدة ومشهور بأخلاقه الكريمة .. نحن من عائلة محافظة لا أقابله ولا يقابلني ولكن بيننا التليفون أكلمه دائماً ويكلمني ، استمرت علاقتنا شهرين بعدها درسته وفهمته تماماً وسألت وعرفت كل شيء عنه ، وجت فيه الصفات التي أريدها لفارس أحلامي .. وأنا باقي لي سنتان وأنتهي من الدراسة . وكان كل أملي من الله أن نتزوج .. ولكنني في آخر امتحانات العام الماضي علمت بأنه متزوج وله بنتان وبنته الكبيرة تبلغ من العمر 3 سنوات ، وهي مصابة بمرض شديد عسير ولا تتحرك ولا تمشي مما سبب لي ألماً كبيراً بالنسبة لوالدها ووالداتها .

وأنا صدمت صدمة عظيمة حطمتني وكسرت آمالي ، فتركته وقررت أن لا أتكلم معه بعد اليوم ولكنه أصبح يتصل بي لأن حبنا أقوي وشديد يحطم كل جدران الأسى أمامنا ، فاستمريت معه وها أنا الآن معه, مشكلتي أنني أحبه وهو يحبني بنفس القوة ، وصدقيني يا أختي لقد حاولت نسيانه بأن أحب غيره ، ولكن للأسف الشديد كل محاولاتي باءت بالفشل .. أرجوك وأرجوك ، أرشدينا إلي الطريقة توصلنا لبعض .. ومن ناحية زوجته فهو من حقه بالشرع أن يطلقها لأن الله أمر بالاستمتاع بالمرآة ، من ضمن شروط الزواج ، ولكنه لم يجد أي استمتاع معها .. لا تقولي لي أتركية فأنا من قبل حاولت وتركته لفترة طويلة ولكني يئست ولا أطيق الدنيا كلها بدونه .

مع تحياتي وشكري الكثير.

وما أدراك يا فاتنتي أنه ليس مستمتعاً مع زوجته ؟ ألم يخطر ببالك أنه قد قال لها ذات يوم كلاماً أجمل وأحلي مما يسمعك إياه الآن ؟!

رجائي .. ألا تكوني أنانية ، لا تفكر إلا في نفسها فقط ، وحتى لا تصبحي ذات يوم في مثل هذا الموقف الصعب عندما يقول عنك لأخرى .. أنه ليس مستمتعاً وسعيداً معك . ثم .. ألا يكفي زوجته هماً .. ابنتها المعوقة ؟ وزوجها المشغول عنها بك ، والرافض لها بسببك ؟ ألا تتصوري أنك عندما تتركينه سوف يعرف كيف يستمتع مع زوجته المحتاجة له .. هي وابنتاها ؟!

كم أتمني أن نبقي آدميين ، وليس وحوشاً يفترس بعضنا بعضاً .. خاصة عندما يسقط أحدنا جريحاً طريحاً !

كوني إنسانة يا فتاتي ، وانظري إلي أيامك بعين المحبة والأمل ، وحتما ستجدين من يناسبك .. ومن يبقي لك وحدك دون مخلفات أو ضحايا .. ضحايا آدمية مريضة مهيضة !!

وهذا ما أتوقعه منك .. لأنك إنسانة عرف الحب طريقاً إلي قلبها .. وترك بصماته على نفسها .. فليكن في قلبك مكان يضم هؤلاء الضحايا جميعهم .. وبلا استثناء.

زوايا وأضلاع

أنا طالب جامعي بقي لي إن شاء الله حوالي سنة واحدة وأتخرج من كلية الهندسة ، تبدأ المشكلة منذ عامين حيث أحببت فتاة تكبرني في السن قليلاً ، استمرت علاقتنا ، وقليلاً قليلا وقعت في غرام هذه الفتاة وتبادلنا جميع الأحاسيس والأشواق ، وبعد شهر تقريباً اكتشفت بأن هذه البنت أخت لزميل لي بالدراسة تربطني به معرفة بسيطة.

اتصلت بها تليفونياً وطلبت منها أن نقطع علاقتنا دون إبداء الأسباب لها . المهم الفتاة عندما سمعت كلامي هذا بأن نقطع علاقتنا خوفاً مني أن يعرف أخوها بذلك أصابها مرض وكادت تجن ، فعطفاً عدت إليها وليتني لم أعد فحاولت أن أصلح الموقف ولكن أصبح الموقف معقد قليلاً واستمرت علاقتنا من بعد ذلك عامين وقد يزيد وأحببتها يوماً عن يوم وهي كذلك لدرجة الجنون.

وقد نظرت إلي علاقتنا من عدة زوايا ووصلت إلي حل هو ” كيف لي الزواج بها وأنا إلي الآن طالب وبقي لي فترة من الوقت حتى أتخرج ثم فترة أخرى لتكوين نفسي وهي تكبرني في السن فكيف أقدر على الزواج منها في ذلك الوقت وعمرها قد يصل الثامنة والعشرين ؟ وليت الموقف يصل عند هذا الحد ولكن لها أخت أكبر منها بسنتين أصبحت أختها عثرة في طريقها وكما هو معروف في عاداتنا بأن تتزوج الكبرى ثم الصغري أو أنني أخسر مستقبلي على حسابها برغم حبي الشديد لها ضحيت بذلك وقلت لها :

” تزوجي ولا تنتظريني لأن مشواري طويل جداً وشرحت لها الموقف كاملاً ولكن لم تقتنع وقالت لي بالحرف الواحد ” سوف أنتظرك العمر كله “..

احترت معها كثيراً وحاولت إقناعها فلم ترض بكل الحلول التي قدمتها لها بالرغم أنني أقول ذلك لها لا لشيء ولكن تضحية مني ، حتى لا أظلمها معي وأظلم أختها وأظلم نفسي أيضاً ولم أجد إلي الآن حلاً لهذه  المشكلة ….؟!

كما أن الموضوع بقية فكل أسبوعين لي معها لقاء منفرد وأختلي بها ونجلس مع بعض في بيت أحد الأصدقاء ، بعيداً عن جميع الأنظار ومن كثرة هذه اللقاءات كادت أن تفقد الكثير بسببي ولكن قدرة الله أكبر من ذلك وسترت علينا رغم كثرة وجودنا مع بعض وهي تقول لي عمري وشرفي وكل ما أملك لك وحدك إن طال الزمان أو قصر ..

أنا حقيقة الآن أعترف على نفسي وأقول بأنني مجرم بمعني كلمة الإجرام لأنني أحبها وهي تحبني حباً شريفاً ولا يمكن للحب الشريف أن يخالطة شيء آخر ودائماً أنكسف من نفسي على ما أعمله رغم مبادلتها وإصرارها على ذلك.

أخيراً وأنا الآن مشغول بالدراسة وقد أكذب عليك إن قلت لك أنها هي شغلي الشاغل كل وقتي ودراستي وفراغي ومنامي وأحلامي وعندما أروح وأجيء أراها أمامي يومياً أتصل بها تليفونياً هي لا يطيب لها النوم إلا بعد سماع صوتي وتطمئن على مسيرتي اليومية أين أذهب وأروح وما هو برنامجي اليومي ؟!

كما أسلفت لك حبي لها شديد وهي أيضاً ، ولا أقدر أن أفارقها ولا أستطيع الزواج بها في الظروف المحيطة بي الآن وأضيفي إلي معلوماتك بأنها ليست من العائلة حتى تندمج مع عائلتي رغم قولها سأعيش أنا وإياك في خيمة في وسط الصحراء وسنكون سعداء.

إن كان لي عندك رجاء فهو إجابتي وأن تعطيني الإجابة الشافية وسأعمل بكل ما تقولين ومنتظر ردك على أحر من الجمر . ولك خالص تحياتي .

يا عزيزي ..

مـع اعتزازي بتوقيعك ” المـعذب الحائر : إلا أنني فعلاً لست معذباً ولست حائراً .. لماذا ؟! لأنك عزيزي قد قررت بينك وبين نفسك منذ البداية عدم انتظارها سنوات الدراسة ، ثم سنوات التخرج .. وحتي تجهز نفسك للزواج ..

ولنرجع من الأول .

نرجع لخطة البداية..

لأذكرك برغبتك في فراقها عندما عرفت بالصدفة أن أخاها طالب ، وزميلك في نفس الكلية ..وفي الحال قررت مقاطعتها .. لماذا ؟!

لأنك تعلم تماماً بما يدور داخلك ، تعلم أن نية الزواج معدومة لديك منذ عرفتها .. فلماذا عدت إليها ؟!

لماذا كل هذه المهاترات والمغالطات ؟!لماذا كل هذه اللقاءات العابثة الآثمة التي ينهي الله عنها ورسوله ؟! والتي ستجر عليكما عذاب الدنيا والآخر ؟!

لماذا لا تكون صادقاً مع نفسك ، صريحاً معها ، وتريحها  وتريح ضميرك المرهق المعذب ؟! هل سترجع وتقول لي أنك قد صارحتها ، وقد طالبتها بإنهاء هذا الوضع المهترئ المهزوز ، ولكنها هي التي رفضت وتمسكت بك ، وتعلقت بأذيالك ؟!

أنه سبب واه ، مشوه ، ولا يعطي أدني مبرر لاستمرار مثل هذه العلاقة الضعيفة الآثمة ؟! إن رد الفعل عندك هو شعور بالعطف ، بل بالندم ، وليس أبداً بالحب كما تتوهم ، ولذا استمرت المأساة سنتين أخرتيين .. المسكينة الهائمة تحبك حتى الجنون وحتى الموت .. إنك تعرف جيداً أنك تخدعها كما تدرك تماماً أنك لن تتزوجها .. ولهذا تندمت على عودتك إليها ، وعدت تنظر من جديد بمنظار الهندسة إلي علاقتك بها ، عدت تنظر من “عدة زوايا ” كما تقول .. فاكتشفت للمرة الثالثة والأخيرة أنها لا تصلح لك ..

الأولي لأنها تكبرك في السن وهو الضلع الأول . والثانية لأن أختها الكبرى لم تتزوج بعد وهو الضلع الثاني ، والثالثة لأنها لن تنسجم مع عائلتك مستقبلاً وهو الضلع الثالث .. وبذلك اكتملت معطيات النظرية الهندسية يا باشمهندس .. وهي :

” بما أن ” أضلاع المثلث متساوية ” إذن ” الزوايا متساوية والنتيجة تطابق المثلثين .مثلت الواقع بأضلاعه الرافضة الثلاثة والمتساوية تماماً مع أضلاع مثلث أنت الداخلي .. الرافض أيضاً ، لهذه الوقائع الثلاث !!

و … و .. و… !!!

أنا فتاة كويتية من أب كويتي وأم مصرية ، نزلت أمي إلي القاهرة وهي حامل بي لكي تضعني ومنذ ولادتي وأنا موجودة في القاهرة وصار عمري الأن 15 عاماً . وفي هذه المدة دخلت المدرسة الإعدادية وفي عام 1982 نزلت أبي إلي القاهرة وتقابلت معه في منزل والدتي وقال لي أنني سوف أسافر إلي الكويت وأرجع لآخذك معي لتعيشي مع أخواتك وأهلك وحتى هذا الوقت لم يتصل بي ولم يقم بالصرف على علماً بأني صرت عروساً وفي حاجة ماسة لكثير من الطلبات وقبل كل شيء أنا أدرس في المدرسة ، فبالله عليكم دلوني ماذا أفعل وجميع ما كنت أمي تمتلكه قد نفذ منها وأصبحت أعيش على الكفاف ، أكاد أتسول لأنفق على نفسي ، علماً بأن أبي كويتي غني ومتيسر الحال وأنا أعيش محرومة أعاني الفقر والضيق والعذاب ، علماً بأن عندي وعند خالي الموجود في الكويت حالياً جميع الأوراق الرسمية الدالة على أن أبي هو والدي فعلاً بحكم الشرع والقانون . فماذا أفعل؟؟

وكيف أعيش حياتي دون عطف الأب ورعايته ؟! ودون أن يكون مسؤولاً عن الأنفاق على أبنته الفقيرة المعدمة ؟! كيف أتصرف ؟!

هذه هي مأساة ..

هذه المرة .. يعلمها الكبار ويقع فيها الصغار !! عكس المثل الدارج .. يا للعجب !!

حقاً يا فتاتي .. هي مأساة وكارثة ، أن توجد بنت شابة يافعة ، تتمني أن تبتسم لها الدنيا فتتعلم ، وتعيش حياة كريمة ، تنعم فيها بحب الأم ورعاية الأب … لكن .. هذا وضعك الأليم ، لا يسعني إلا أن أنشر مشكلتك لعل أباك يقرأها فيرق قلبه لك ، ويغدو إليك يتفقد طلباتك ، ويرعي أحوالك ، فأنت ابنته من صلبه ودمة .. واطمئني فلا يمكن أن تصبح الدماء ماء .. سوف يسأل عنك أبوك بعون الله ، فهو لن يرضيه أن يتركك عرضه للفقر ، فريسة للجهل …و… و … و …!!

تذكر أن ابنتك ، شرفك ، عرضك تعيش عيشة البؤس ، العذاب والحرمان .. وأنت تعيش عيشة الترف والرفاهية والإسراف .. فهل يرضي الله ذلك ؟! وهل تقبل أنت ذلك ؟!

كن أباً كريماً شهماً ، وصن ابنتك حاملة اسمك ، واحفظ ماء وجهها واكفها شر الحاجة وذل السؤال .. وإذا كنت تنحرج من إحضارها فلا مانع من أن تتركها تعيش في بلدها مع أهل أمها الفقراء على أن تتكفل مصاريفها وتسد احتياجاتها ، حتى ولو كان مبلغاً بسيطاً بالنسبة لك ، فهو حتماً سيقيها شر العوز ، ويحميها من مرارة الفقر ،

جزاك الله ألف خير .

 

حساسية !!!

أنا مؤمن والحمد لله إيماناً كاملاً بالقدر والنصيب .. أحببت قريبتي وأحبتني حباً طاهراً.. عفيفاً .. وقد تعاهدنا معا على أن يتم زواجنا أو خطوبتنا بعد عودتي من السفر إن شاء الله .. وقد مر على حبنا 7 سنوات الآن .

وكان عهدي .. معها ووالدتها وأختها الكبرى .. لأن والدها متوفى .

وقد عاهدتهم بيني وبينهم .. أمام الله سبحانه وتعالي بأنها ستكون زوجة لي حينما عدت في إجازتي العام الماضي بعد عامين من وجودي في الخارج عرضت الموضوع على أهلي .. أي ” والدي ووالدتي ” فكانت المعرضة الشديدة منهما .. بسبب أنها مريضة .. وللعلم إني كنت أعلم بمرضها الذي كانت تعاني منه .. وهو ضيق في التنفس عند القيام بأي مجهود .. ويعتبرون هذا سبباً في منعي من الزواج منها .

رغم أن هذا المرض غير معد .. ورغم التحاليل الطبية والأشعة المرئية المصورة أن تحول إلي حب طاهر .. شريف بقصد الزواج على سنة الله ورسوله.

وبعد خيبة الأمل .. وتحطيم الأماني .. والأحلام .. التي كنا ننسجها .. طيلة ال 7 سنوات .. بسبب معارضة أهلي .. لا أستطيع أن أفعل أي شيء في سبيل تحقيق أحلامنا.. علماً بأني أكبر أخواتي.

وللعلم .. فإن أهلها وهم أقاربنا متمسكون بي ويكنون لي كل التقدير والاحترام .

وهم مستعدون أن يفعلوا من أجلي أي شيء في سبيل تحقيق أحلامنا .. حتى لو كان زواجي بدون علم أهلي لأن فتاتي مصممة على زواجها مني .. وهي مخلصة جداً في حبها لي ، أكثر من حبي لها .. وقد أرسبت لها عدة خطابات بقصد قطع علاقتنا ما دمنا لم نجد حلا لرضاء أهلي .. ولكن رغم تلك الخطابات التي أرسلها إلا أنها تأبي وترسل لي خطابات توضح لي فيها مدي وفائها .. وإخلاصها للعهد الذي بيننا.

بالله عليك .. أرشديني لأني محتار !!

حيرتك دليل على أنك صاحب قلب طيب .. قلب يحن ولا يقسو .. يداوى ولا يجرح .

لذلك لا أتخيلك تهجر فتاتك بعد سبع سنوات انتظارك .. فقط لأنها مريضة بنوع من الحساسية غير المعدية ، والتي كنت تعلم بها منذ البداية !

أنا أعرف زوجات كثيرات أصبن بهذا المرض ، ومارسن حياتهم بنجاح وسعادة ، لأنه في الواقع لا يعتبر سبباً مانعاً لعدم الاقتران بها لأنه ليس بالمرض الخطير المميت.

وأنت .. ضع نفسك مكانها ، فلو كنت أصبت بحادث أو مرض لا قدر الله .. هل كنت تقبل منها أن تتخلي عنك وتهجرك وأنت في أدني لحظات الضعف والحاجة لها ؟!

لا أيها الطيب ، كن طيباً مؤمناً تقياً كما أنت ، فالله سبحانه وتعالي يحث عباده على الوفاء بالعهد فيقول جل جلاله : ( وأوفوا العهد إذا عاهدتم ) فلا تهتز لكلمات الآخرين ولا تتأثر بآرائهم مادمت أنت لا تغضب الله في شيء . وتزوجها .. واسعد بعمرك معها ، فهي ستعوضك خيراً بحبها الكبير عن مرضها الصغير الذي قد تشفي منه بعد الزواج والاستقرار الجسدي والنفسي .. لك تحياتي.

 

الخيانة ليلة الجمعة

ترددت كثيراً قبل أن أكتب ولكن لا بد من الكتابة أو الكلام مع أي شخص لأني لو أستمريت أكتم في قلبي فسيؤدي ذلك إلي نتيجة لا أرضاها لنفسي .. أعذريني إذ أني سأكتب لك الكثير ولك أن تلقي الأوراق في سلة المهملات أو تختصري الكتابة وتعطيني إذ أن هذا الكلام المكتوب مخزون في قلبي منذ سنوات فلا أستطيع الاختصار ، كما أني سأتكلم معك بصراحة لا يمكن أن أنطقها ولا أذكرها لأحد يعرفني شخصياً حتى أمي ، لذا يجب أن تطلعي على جميع التفاصيل فليس هماك من أحي له بصراحة سواك واختاري للنشر ما يناسب .. أعذريني مرة أخري لطول الرسالة ..

تزوجت منذ سبع سنوات ، مرت السنة الأولي وكأنها شهر عسل تحققت جميع أمالي وأحلامي ثم وضعت مولودي الأول واستمرت الحياة طيبة وحملت بعد سنة أخذ خلالها زوجي بالسهر أحياناً خارج المنزل إلي الساعة الحادية عشرة ليلاً بتقطع حتى وضعت مولودي الثاني . كان خلال فترة النفاس يسهر وخاصة ليلة الجمعة حتى وقت متأخر ولما جلست معه جلسة لطيفة عاتبته بلطف ومودة على السهر وهل هناك أسباب تدعوه لذلك فذكر لي أنه أسعد إنسان وما من سبب إلا أن ينضم لمجموعة من أصحابه.

فسكت وكنت مشغولة جداً بالطفلين وكنا نبني بيتاً جديداً بتعاوننا وكان يشغلنا معاً . وبعد ذلك حملت بطفلي الثالث .. وهنا ابتدأ كل شيء بوضوح : السهر غير شريف ، شرب وفساد ونساء فاسقات ، وأهملني من الناحية العاطفية وكثر سهره خارج البيت ، ولما ناقشته حلف يميناً بأنه لم يمس امرأة غيري ! ولم أصدق وابتدأت أذاد قلقاً وبكل وضوح وعدم حياء أكتب لك ، ليلة الجمعة يستحم ويتزين ثم يخرج ولا يأتي إلا الفجر فأصابني نزيف دموي من القهر استمريت ثلاثة أشهر حتى وضعت وكانت والدتي تقول لي زوجك تأخر فأقول لها ليس معه أحد في البيت ويمكن يتسلي في الديوانية . وأنا أعلم كل العلم أين يكون وماذا يفعل وصبرت .. وصبرت ، واستمر بعد ذلك على هذا الأسلوب سنوات وسنوات كنت عندما أمل الصبر أكلمه وأناقشه بدون خناق ، بتفاهم ، أستفسر منه عما إذا كان هناك تقصير مني يدفعه إلي ذلك عندها يحلف بأنه أسعد الأزواج وأنه محسود على استقرار حياته .. الاستقرار الذي أوفره على حساب صحتي ونفسيتي وكتمي للموضوع وصبري ودعائي في كل صلاة بأن يهديه الله ويحلف ” كاذباً ” بأنه لم يمس امرأة حتى لو جلس بين نساء عاهرات مع أصدقائه فهو يجلس وحيداً واعترف لي بأن سهراته في مزارع يمارس فيها كل ما هو محرم وهو متفرج فقط ! هات من يصدق ، ولكني تظاهرت بالتصديق وأعطيته الثقة به على ألا يتردد على هذه الأماكن مرة ثانية ووعدني وصدق في وعده عشرة أيام فقط ثم عاد كما كان . ومرة من صعوبة الحالة التي تتصارع في نفسي أدخلت المستشفي لأزمة قلبية . فأنا أعيش صرراعاً دائماً بين زوج أحبه وأخلص له وأحاول الاحتفاظ به وبين أولاد ثلاثة ما مصيرهم لو دست على قلبي وعواطفي ؟ وهل أنسحب وأترك الميدان لبنات فاجرات يتمنين ذلك ؟ ! صراع أحس وأنا أفكر به بأني أحياناً سأطير من على الأرض بدافع قوة متفجرة تتضارب داجل جسمي .. الصداع النصفي مستديم .. القلق .. الإحساس بعدم الأمان والثقة بالمستقبل وعدم الاستقرار النفسي .. وأخيراً أجد معه أفلام فيديو خليعة ، إباحة كلها ، كل ذلك لا يعلم به أحد حتى هو لا يدري بأني أعرف عنه ذلك . ولمدة أشهر مضت صار يدفع مبلغاً معيناً أحسست بأن ذلك ثمن لشقة استأجرها ربما مشاركة مع أحد لممارسة شهواتهم حيث يدفع شهرياً قسطاً ثابتاً كي يشرب الخمر ويمارس الزنا وإحساس يخالجني بأنه عندما ينام معي ويعاشرني بين فترات متباعدة فقط أداء لواجب وحتى لا أقول أنه أهملني .. أصبحت أقشعر منه إذا لامسني وأشمئز إذا دنا مني دون أن أظهر أي أحساس أو شعور بذلك بل أتقبله مجاملة ضاحكة وأبين له حبي .. وازدادت عنايتي به حتى لا يجد لي عذراً يعتذر به ، وواجب أن أوضح لك أشياء مهمة أخرى بأنه يحترم وجودي بين أهله ، كريم أحس أنه يحبني ويلبي كل رغباتي ويستشيرني في كل شي حتى عمله يعتمد على أعتماداً كبيراً .

وضع لي الخدم وقدم لي المال دون حساب كي يطيب خاطري ويحرص على عدم زعلي من أي شيء في الحياة اليومية وكلما أقول له شيئاً يقول حاضر ، يمدحني ويلبي طلباتي في الحال أمام أهلي وأصحابه ويصفني بأني امرأة مثالية وأنا أبذل الجهد حتى تستمر ثقته بي هكذا ولكن كل سهرة من سهراته التي أعرف مسبقاً أنه سيذهب إلي وكر الفساد تقلب كياني وأحاول أن أجد له غلطا آخر لكني لا أجد ولكنه غلطه أكبر غلط وأقذره وأصعبه على إحساس زوجة شريفة مخلصة ومحبة جداً لزوجها.

احترت كثيراً فميزاته كثيرة ومساوؤه صعبة جداً . أحس بإهانة دائمة لكرامتي وأنوثتي وإذا أصبح الصباح يكلمني بطيبة وكأنه لم يعمل شيئاً في الليل حاولت أن أتبلع آلامي وأكتمها عنه وعن أي إنسان ، والآن أريد أن أعرف رأيك بعد أن عرفت حالتي ، فأنا أحس بأنه لا أمل في إصلاحه فهو فاسد بالرغم من أنه يمتاز في كل شيء في حياتنا أجيبيني بصراحة أخت كريمة .

  • هل أستمر بمضغ الآلام والعذاب والإحساس بالإهانة مقابل كل ما أحصل عليه من أهتمام بحياتنا اليومية وعلاقتنا العائلية وعناية الزائدة بي وبأبنائي وحفاظاً على الحياة الزوجية من أجل الأبناء ؟؟
  • هل أتركه وأنفصل عنه وما مصير أبنائي الصغار؟!
  • هل أصارحه بأني راضية عنه تمام الرضا في كل تصرفاته الحلوة ما عدا هذا العيب الفاسد وأطلب منه معاملتي كأخت في البيت (لأني بت أشمئز من معاشرته جنسياً حيث أحس بأني على الفضلة) وإذا رجع عن هذا الأسلوب في الحياة فسيجدني الحبيبة المنتظرة عودة زوجها الصالح ؟!

لقد فقدت الأمل به بعد أن وضع له وكراً خاصاً يقوم بصرف مبلغ شهري عليه ويحمل مفتاحه معه ؟!

ساعديني .. ما هو الحل وأعذريني فقد اختصرت الكثير بالرغم من طول رسالتي .. لك تحياتي ..

نعم..

الحل هو الاستمرار حفاظاً على الحياة الزوجية من أجل الأبناء ..

 

ولكن ……..

ليس بهذا الأسلوب القاتل لنفسك ، الناسف لصحتك ، الهادر لشبابك ….

يجب أن يكون استمراراً مشروطاً ، لا تبلغين فيه آلامك ، لا تمضغين فيه إحساسك بالغيظ والظلم والألم وحيدة ، حزينة ، معذبة .

ومن الآن .. كفي عن ” بذل الجهد حتى تستمر ثقته بك ” امتنعي نهائياً عن الضغط على أعصابك المشدودة المتوترة . أصرخي في وجهه ثائرة غاضبة كلما أحسست الحاجة إلي ذلك ، حذار من كبت إحساسك الحارق داخلك ، وإلا انفجرت يوماً وتطايرت أشلاء ، إنسانة مريضة معتلة عاجزة ….

عبري له عن ضيقك وألمك وعذابك . فقد يكون هو في ” واد ” وأنت في ” واد ” آخر . نعم بالتأكيد هو لا يشعر بعذابك هذا كله ، ولا يتوقع إطلاقاً حجم المعاناة الرهيبة التي تمرين بها، وتعانين منها .

من الواجب أن يعرف .. وأن يشعر .. وأن يحس …..

وثقي … وتأكدي أنه ما دام يحبك ويقدرك فسوف يعدل عن الكثير من التصرفات التي تضايقك وتعذبك ، وسوف يقلل حتماً من اندفاعه وتهوره .. ومع الوقت سينصلح حالة وسوف يراعي شعورك ، ويكون أكثر حرصاً ، وأكثر احتراماً وتقديراً لك ولأطفاله ولبيته .. وعسي الله أن يهديه لما فيه الخير الفلاح .. وإن لم يغير من نفسه ، ولم يرتدع رغم كل هذه التضحيات الصادرة منك ، فلتكوني أكثر حزماً ولتسارعي باتخاذ موقف جاد حاسم منه ، ولتأخذي أطفالك وتذهبي إلي بيت أهلك طالبة منه الطلاق .. فحياة مثل هذه تعد مستحيلة ، ويصعب الاستمرار فيها إلي الأبد ..

والله لا يكلف نفساً إلا وسعها .. لك تحياتي .

 

 

 

 

 

 

أناشيدي لعينيك

كل دول في العالم ، لها عاصمة ..

وجهك وطني ، يا حبيبة ، له عاصمتان

هما عيناك!

****

طويلاً انتظرتك ،

وطويلاً اشتقت لثرثرة عينيك الأسطوريتين

تزغردان بالفرح والطفولة ، كمهرجان شروق.

وطويلاً دامت خيبتي ، وحسرة قلبي

فقد طال الفراق ، وبرحت بي أشواق لا تنتهي …

كنت أعرف أنك آتية في الريح والذكرة

كنت وأنا معك أشتاقك ، فكيف إذا غبت عني ؟

أيتها الرائعة حتى الوجع ،

كم أحبك …

وكم يضنيني حبك ، فأخشاك ، وأفر منك

إليك ، وأحتمي بأجمل حصنين في الدنيا : عيون

المها …

يا ست الصبايا أنت

ما أضيق الدنيا وما أتعس الحياة لولا حنانك يدفئ صقيع اغترابي

ويبدد وحشة أيامي!

****

كنت أدرك أنك لا بد عائدة ، لن تبرحيني

فأنت تسكنيني ، أشواقاً ولهفات …

وأنت حرماني الأبدي ، وأجمل من الحب الحرمان

لأنه خفق لذيذ يعذب قلبي ويستعذبه ….

وأنا على مثل اليقين ،

أيتها الطالعة من حقول الكستناء …

والمبحرة مع حلو الممني وحرقة الأشواق

موقن بأنك لن تستطيعي إلا أن تكوني لي

مهما ابتعدت ، ومهما قسوت ….

وأنت وحدك كل النساء … في العالم !

وكل عذارى المروج الخضر …

يا ست الصبايا الفاتنات ،

كم أحبك

أحتاج إلي جميع مكبرات الصوت في العالم كي أهتف

باسمك ….

مجنون بك ، أبقي …

وشفائي منك ، أن يستمر جنوني !

*******

أفقت مبكراً ذلك الصباح الوردي ، في لون

الأرجوان ….

وعلى حافة النافذة المشرعة على البحر

والفجر ………

زقزق عصفور حزين مهاجر ، وتراءي لي طيفك

مثل الشهاب ………

وأدركت أن قلبي ، هو ذلك العصفور المزقزق

بالحزن والفراق داخل صدري ،

وشجرة السنديانة الكبيرة ، في حديقتنا ، وقد

شاخت …………

مالت على أذني ووشوشت لي اسمك ،

وارتعشنا ثلاثتنا : أنا والشجرة والذكري ………

************

يا أحلي الصبايا ، لو كانت الأعمار تعار ،

أعرتك عمري ……..

أخيراً

لم يبق من ” متسع ” سوي كلمة

واحدة بحجم الكون كله : أحبك !

عبد الله الشيتي

قبح !

أنا شاب أشأت علاقة مع ابنة خالي منذ سنتين تقريباً وكانت جميلة جداً ، وكنت أحبها جداً وحدث في يوم من الأيام أن شاركنا الشيطان واختليت بها … ونلت منها ما أريد . وذات يوم قالت لي أمي بأنها خطبت لي عروساً جميلة .. وكانت ابنة خالي ؟ فضاقت الدنيا من حولي وأظلمت الدروب في وجهي ولم أعد أدري ماذا أفعل فأنا شاب كان كل أملي أن أحظي بزوجة وفيه طاهرة وأبني بيتاً على الطهارة وحتي لو رضيت بابنة خالي زوجة لي فإن التقاليد عندنا تقتضي بأن تتأكد النساء ليلة العرس من طهارة الفتاة وعذريتها..

فأرجوك أن تساعديني وتدليني على حل فأنا تائه في بحر مظلم وأحاول الهروب من العائلة بأي طريقة .

وأنا بانتظار ردك لتدليني على طريق الخلاص من محنتي هذه .

وشكراً ..

تقول يا عزيزي ” ضاقت الدنيا من حولي ، وأظلمت الدروب في وجهي ، ولم أعد أدري ماذا أفعل ” ؟!

لماذا ؟!

وهل كنت تدري ماذا تفعل عندما اختليت بابنة خالك وأنشأت معها علاقة في الحرام ؟!

يا لك من إنسان أناني لا تفكر إلا في نفسك فقط !!

عجبي …..

كنت تحبها وكانت جميلة ، فماذا حدث إذن ؟! هل تبدل حبك كرهاً ؟!

أم أنها فقدت جمالها ؟! لا يا أخي …

لقد واجهت أنت “قبح ” عملك ، لقد ذعرت عندما وقفت أمام ماضيك وجهاً لوجه . فصعقت من هول فعلتك !!

ألم تفكر في الفتاة ؟! ألم يخطر على بالك لحظة كيف تواجه هي رجلاً آخر بعد أن سلبتها عذريتها ؟! وكيف تجاوبه تلك النسوة اللأتي سيتثبتن من طهرها ليلة عرسها ؟!

أنت الوحيد القادر على مساعدتها . زواجك منها سيسترها وسيداري فضيحتها وسيمحو خطأك فلا تتراجع . ولا تتخوف . وهي حتماً تجبك وإلا لما رضيت لك .. وبك .

فاتكل على الله واعلن موافقتك ورضاك بها زوجة .. ولا تنسي أنك أنت الفاعل .. فلم يمسها أحد غيرك فلماذا هذا التخوف وهذا التراجع ؟!

أصلح خطأك يا أخي ، وكن رجلاً يواجه الواقع بشجاعة لا أن تحاول ” الهروب من العائلة بأي طريقة ” ؟!

أرجوك أن تكون مشكلتك هذه عظة وعبرة لكل فتاة تفرط في نفسها مهما كان السبب .. فليس لها في ذلك أي عذر…

 

 

غلطة أم !

تعرفت على شاب من قبل صديقة لي أغرتني بكلامها وإلحاحها ، فاقتنعت وقبلت وأخذت رقم هاتفه واتصلت به وتفاجأت إنني أول مرة أتصل كان يرحب بي ويقول لي مللت وأنا أنتظرك فقلت له هل عرفتني ؟ قال نعم كيف لا أعرفك وأنت حبيبتي التي عذبتني وطلعت روحي حتى رضيت أن تكلمني ؟ المهم استمرت اتصالاتنا فطلب مني أن يراني ، في البداية رفضت وفي الأخير طلعت معه وتكررت طلعاتنا وصرنا نتكلم في التليفون بالساعات ولا نحس بالزمن المهم أحببته إلي درجة الجنون ، أصبح هو كل شيء بالنسبة لي ، أصبح أمي وأبي وكل شيء ، وكنت أعتقد أنه يبادلني نفس الشعور والإحساس بعد أن استمرت علاقتنا خمس سنوات ، أخرج معه على طول معظم أوقاتي وما أكذب عليك لقد سلمت له كل شيء ، ولكني الحمد لله ألف مرة أنه نجاني قبل أن أفقد عذريتي . صدقيني كنت أنفذ له كل شيء دون أي محاولة للرفض . صدقيني كان أول إنسان عرفته بحياتي وأول حب صادفته في حياتي ، المهم في أخر السنة الخامسة من علاقتنا بدأت أكتشف أشياء لم أعرفها من قبل ، اكتشفت أنه متزوج واكتشفت أن له علاقات كثيرة مع بنات ضحايا أمثالي كلهم يجبونه وكلهم وعدهم بالزواج وخطبهم من أهلهم مثل ما خطبني ، فهو لما كلم أهلي قال إن عنده ظروف تمنعه من الزواج حالياً ولما يحلها سوف يتزوجني ، وأقنع أهلي مثل ما أقنعني ومثل ما أقنع البنات الضحايا اللاتي عرفت بمصائبهن فأصبت بانهيار عصبي وحاولت الانتحار ، خمس سنين وأنا مخدوعة ، خمس سنين وهو لابس ثوب العفة والطهارة وهو لا يعرف شيئاً عن الطهارة والعفة ، خمس سنين وأنا أخرج معه وأعمل كل شيء لكي أريحه وأرضيه وفي الأخير خسرت كل شيء : سمعتي ، وأهلي عرفوا الموضوع ، عرفوا أنني غلطت معه ، وهو بنفسه اتصل وقال لأهلي إن بنتكم ليست شريفة لأنني فعلت بها كل شيء والسبب أنني وجدت دفتر التليفونات في سيارته ووجدت أرقام البنات واتصلت بهن وكشفت لهن عن حقيقته حتى لا يغلطن معه ، فاتصلوا به وتفلوا في وجهه وعرف أنني أنا التي عملت ذلك فأحب أن ينتقم منى وهانت عليه العشرة فأخذ يتصل ويهددني ويقول لي سوف أفضحك في كل مكان سوف أبعثر صورك في كل أنحاء العالم ، وأعطي رقم تلفوني لصبيان يتصلون ويقولون كلاماً أكبر عليه.. المهم قولي ما العمل أنا بعذاب ، والله بعذاب وقولي هل إذا طلبت الغفران والتوبة الله يغفر لي ؟ وأرجو أن تكتبي لي الرد بسرعة…

وأرجوك اكتبي قصتي لكل البنات كي يأخذوها عبرة ودرساً ولا يثقوا في أي شخص حتى لو كان خاطباً رسمياً لأنه الخطبة حجة حتى تثق به البنات وتعتقد أنه يحبها وتسلمه كل شيء فأرجوك إنني أنتظر ردك بفارغ الصبر وشكراً …

أنا لن أخفف عنك مأساتك . ولن أقول لك أنت قليلة الحظ في الدنيا لأنك وقعت في يد من لا يرحم قلباً ، ولا يحفظ شرفاً ، ولا يصون عفة أو عرضاً ولا يذكر الله ولا يخاف يوم حسابه ..

فهذا الشاب المخادع لم يدع فتاة من حوله إلا أنشأ معها علاقة ما ، أنشب أظافره في جسمها وأطلق لسانه باسمها !!

وأنت كنت واحدة من هؤلاء الضحايا الساذجات ، اللاتي استغل عواطفهن نحوه ، ففعل بهن ما فعل …!!

طبعاً لن ألقي المسؤولية كلها عليك ، خاصة بعد تصوري لتلك الشواهد التي قرأتها في رسالتك ، وإن كنت ألومك الآن على ما فعلت بعد أن كبرت ونضجت إلا أنني ألوم أمك وأعتب على أبيك وكل أسرتك عندما أهملوك وأنت طفلة صغيرة لا تعرف من أمور الدنيا شيئاً …

فإذا افترضنا أن عمرك الحالي حوالي 18 سنة على أكثر تقدير ، وهو عمر أي طالبة بالمرحلة الثانوية ، ولو طرحنا خمس سنوات من هذا العمر سيكون الناتج 13 سنة فقط !!!

و13 سنة هو عمر طفلة ساذجة ، صغيرة العقل ربما كبيرو الجسم ربما …

فأنت حتماً كان حجم جسمك ، أكبر من حجم رأسك ، لأني لن اسألك أين عقلك حينذاك ؟!

لكنني سأسأل بكل الإصرار والإلحاح أين كانت أمك عندما كنت تخرجين طوال النهار من البيت ؟! بل أين كان أبوك عندما كنت تتكلمين في التليفون بالساعات الطوال ؟!

لقد غفلوا عنك طفلة صغيرة ، تركوك مهملة دون إشراف أو رعاية لا أحد يدري بك ، ولا أحد يسأل عنك ، فضعت .. وضاع معك مستقبلك وأحلام عمرك الوردي !!!

كم أنا حزينة لما أصابك ، كم أنا حزينة وأنا أكتب لك لا لأعاتبك ، فأنت بكل الأسف ضحية لم تجدي من يرشدك ، من ينبهك للخطأ ، من يحول بينك وبين طريق الأنحراف .. ولكني أكتب لم لأعزيك فيما ضاع وراح منك …

فالآن .. وبعد أن فات الأوان ، أراك سجينة ذليلة ، محطمة يائسة تعيشين الأم والعذاب والشقاء ..

أراك تفكرين في إرشاد الأخريات ، وتنبيه الفتيات الصغيرات لخطورة الذئاب والضباع ، التي ترتع في المجتمع دون رقيب أو حسيب ..

أنت في هذه اللحظة تنشدين التوبة ، وترغبين في فعل الخير ، واعلمي أن الهادي إلي الخير بمنزلة فاعله .. وإن الله يقبل دعاء عبده ، وتوبته إذا جاءت صادقة ، نابعة من نفس ظامئة إلي الإيمان ، متعطشة للراحة والسكينة والأمان ….

وإن الله غفور رحيم …

 

سرداب

أنا موظف دخلي محترم جداً ، تزوجت وأنجبت طفلين لكن زوجتي تشك بي إلي أبعد الحدود علماً بأن مستوي تعليمي جامعي وأصلي جميع الأوقات ولا أشرب الخمر وأحب زوجتي حباً شديداً ، ولكن للأسف الشديد عجزت كل العجز عن الطريق التي أثبت لها بأني أحبها وأخلص لها.

المهم أن زوجتي بدلاً من أن تستفيد من المدة التي قضيناها مع بعضنا وتتدعم علاقتنا إلي الأقوى ، فالذي يحدث هو العكس ، حيث بمرور الأيام تزداد حياتنا تعقيداً وأصبحت زوجتي تشاكسني لأتفه الأسباب وتطالب بالطلاق وتتلفظ بألفاظ جارحة ، عندما أسألها عن السبب تقول لأنك غير مخلص لي وأنت مخادع .. وألخ من هذه العبارات ، ولما اطلب منها أن تبين لي الجوانب التي لمست منها خداعي وخيانتي لها تسكت ..

أنا أرفض الطلاق من أجل أبنائي وحبي لها الذي عجزت كما أسلفت عن إثباته لها ، في الحقيقة أصبحت حياتنا لا تطاق فأرجوك أختي أن تهديني إلي الطريقة التي أقنع بها زوجتي بعد فشلي في ذلك كي أبعد شبح أبغض الحلال عند الله عن بيتي وأعيد حياتي مع زوجتي إلي مجاريها وإلي مسارها الطبيعي الذي يجب أن يكون والذي عليه كل رجل وامرأة سعيدان علماً بأني أسكن في بيت هو ملكي الخاص ، وأملك سيارة ، وأنا موظف ومتعلم أي لا ينقصني إلا السعادة الزوجية عن طريق زوجتي التي أتمني من كل قلبي أن تفهمني وتبادلني نفس العواطف والأحاسيس ، فهل أطلقها ؟

نحن لن نختلف معاً في أنك تحب زوجتك حباً جماً ، ولكن .. هل تعرف كيفية التعبير عن هذا الحب الكبير ؟! .. أم أنك تقنع بحفظه وتخزينه في سرداب قلبك الكبير ، ثم تغلق عليه .. وتفقد المفتاح ؟!

عزيزتي …

هذه ليست مشكلتك أنت وحدك . وإنما هي مشكلة الكثير من الناس الذين يفيضون مشاعر .. ومع ذلك لا يعرفون كيف يعبرون عن هذه المشاعر !!

النوايا الطيبة وحدها لا تكفي . المهم الفعل والعمل ، المهم التعبير ، الحب وحده هنا لا يقدم ولا يؤخر . فحاول أن تخلق الفرصة المواتية للتعبير الحقيقي الملموس ، ولا تقنع بالصمت فقط … بل يجب أن تتكلم . تعبر عما تحس وتشعر . أن تفصح لها عما بداخل نفسك ..

أخيراً …….

أدعوك أن تعيش ذكريات الحب من جديد . وأن تقارن بين حاضرك وماضيك بصدق . وأن تكتشف الفرق لتعمل على إزالته وأبادته .. كي تعود من جديد ذلك الزوج المحب العاشق الولهان .. الطلق اللسان .

حينئذ ستنسي زوجتك كلمة ” طلاق ” وستسعد بزمانها معك . بل ستحسد نفسها على حبك وتقديرك لها .. فأكثر من عبارات الحب والوجد ، وزدها من كلمات الهوى والهيام .. ولا تنسي ” الدوى على الآذان يفعل فعل السحر “.

الحمراء والسوداء !

أنا امرأة جاوزت الثلاثين بقليل ، متوسطة التعليم ، لي ستة أخوة وخمس أخوات كلهم خريجو جامعات ما عداي أنا التي عشت الحياة ببؤس وشقاء منذ تركت دراستي وأنا طفلة وعشت مع أخي الطبيب وربيت أطفاله وكنت لهم جميعاً الأخت والأم والأب والخادمة ، أحببت أحد أبناء بلدي وتزوجته بموافقة الأهل ولكن مع مرور الأيام أكتشفت أن حبه لي كان قد ولي وذهب وتخلي عني ، طلقني وتركني للعذاب والألم ، ومن خلال الأيام التي عشتها بحرمان من كل شيء أحببت مرة أخرى ولكن الأهل لم يقتنعوا بمن أحببت رغم أنه ذو مركز جيد ، وحاولت الهروب من نفسي وتركت أهلي وبلدي وسافرت للعمل رغم أن المرتب قليل لكي لا أمد يدي لأهلي وعدت في إجازتي والتقيت بالذي أحببته ، وفي لحظة ضعف نسيت نفسي وضميري ، نسيت حتي أهلي ومعتقداتي ، وعدت من جديد لعملي ومضي على شهران اكتشفت أني حامل وحاولت المستحيل لكي أجهض نفسي دون جدوى فادعيت أنني عدت لزوجي .. لم يكن بيدي أي شي وأكملت التسعة أشهر وعدت لبلدي ومن خوفي لم أذهب لأهلي والتجأت لعائلة كريمة وولدت عندهم وتركت البنت التي ولدتها يربونها وعندما عدت لأهلي أخبرت الذي أحببته بكل شيء فرفض حتى سماع ما أقول : فهمت على وجهي من جديد للعمل لكي أعيل ابنتي التي رفض والدها أن يعترف بها وأنا اليوم أصبحت أخاف أن يعلم بها أهلي بعد أن أصبح عمرها سنتين ونصف السنة فلا أستطيع الظهور معها وعندما أذهب لأراها تتعلق بي مما يزيد عذابي وهي كل حياتي ووجودي ، وعندما أفكر بها يتقطع قلبي وتتعثر أنفاسي فكيف ستعيش ابنتي في المستقبل دون أب يعطيها اسمه أنا أعلم جيداً أني أخطأت وكان خطأي فادحاً ولكن ماذا أفعل لابنتي لقد عجزت عن كل شيء ..

عزيزتي …

أنت مغذبة بلا شك ، ومشكلتك حلها الوحيد هو الشجاعة وتعريض نفسك لضراوة التضحية ، ومواجهة أهلك ومجتمعك في سبيل ابنتك ..

لك أن تختاري بينك وبينها ، فأما محاربة حتى الموت مع ذلك الرجل الجبان كي يعترف بأبوته لها ، أو صمت حتى قاع العذاب ، والتضحية بها ، بتلك المظلومة الصغيرة التي تجهل حقيقتها .. وكيف دلفت إلي دنيا الجحيم !!

من رأيي أن تحاربي الخوف في نفسك .. لتحميها من عذاب وضياع العمر كله ، وكي لا تعيش لقيطة بلا نسب ، تنتظرها حياة الليل الحمراء والسوداء بعد أن يلفظها المجتمع ككل .. فلن يضمها بيت ، ولن يقبل بها إنسان !

ولعل ما حدث لك يكون درساً واضحاً ، لكل الشباب من الجنسين ، حتى لا يأتوا بالمزيد من أمثال هذه الضحية البريئة ، التي ستدفع عمرها كله ثمناً باهظاً للحظة لذة عابرة لم تتعد دقائق قليلة …

 

 

 

 

نظارة !!

أنا شاب ناضج وأعرف كيف أعالج الأمور ، لي اللسان ، أستطيع الحصول على كل ما أريد بدبلوماسية وحلاوة لسان ، وبعد لعب وضياع مدة ثلاث سنوات قررت أن أبحث بجد عن فتاة لتكون لي “زوجة ” ولكن كلما تعرفت على واحدة وربطتنا علاقة قوية وصار ما صار من رسائل وخروج وقبلات حتى أنه تسلم لي نفسها بكل بساطة وبعدها احتار .. هل تصلح زوجة أم أنها فقط للتسلية .. كلهن .. كلهن تقريباً يتمنين الخروج معي ومستعدات لقبول الزواج مني ، لكن كلهن “حفيفات ” وهذا الصنف لا أستطيع الزواج منه .. لا أستطيع … فما هو العمل ؟

لقد تعقدت ، كلهن في نظري سهلات الصيد .. فكيف إذا تزوجن ؟

هذا هو أبسط عقاب يمكن أن ينزله بك الله جزاء على تعديك وعبثك ببنات الناس !

وإليك هذه الحقيقة المعروفة .. من يثق في نفسه يثق بالناس .. وشاب مثلك لا يمكن أن يثق بامرأة مهما كانت ، قبل أن تنصلح أفكاره ويصحو ضميره .

أنت ، لأنك تفعل هذه الأشياء ، تبحث لا شعورياً عمن هن على شاكلتك ، وتعميك نظارتك الحمراء عن رؤية الأخريات الصالحات ..

والرسول الكريم يقدم نصيحة معناها عفوا تعف نساؤكم ، يوم أن تكف عن هذه الأفعال ، ستعرف كيف تختار ، وستجد من تصد وترد .. وتليق أن تكون زوجة صالحة لك .

فمن غير المعقول ، وغير المنطقي أن كل البنات خفيفات وسهلات كما تقول ، فالمثل يقول : ” أصابع اليد الواحدة ليست مثل بعضها “.

فغير أفكارك يا أخي .. تغير الدنيا وأعلم ( أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) صدق الله العظيم .

 

 

 

 

الرعديد !

أنا امرأة دام زواجي حوالي 6 سنوات لم أنجب خلالها ، تغير زوجي فجأ ، ولا أعرف السبب ، مع العلم أنني كنت ألبي جميع طلباته ، فأهملني وأصبح يسهر خارج المنزل ويأتي في منتصف الليل يشتم ويضرب بدون سبب . بقد تعذبت كثيراً فبحثت عن قلب حنون ينقذني من هذه الحياة ، أنها حياة جحيم لا تطاق أبداُ ولا أستطيع أن أعيش فيها أبداً…

المهم إني وجدت هذا القلب الحنون في شاب تكتمل فيه جميع الصفات فأحببته من كل قلبي أحببته أكثر من زوجي وهو كذلك ، لقد أحبني من كل قلبه ولم أخدعه ، لقد شرحت له جميع الظروف ، وتعاهدنا على الزواج . إن حبنا طاهر وشريف بهدف الزواج وليس التسلية، لقد خرجت معه عدة مرات ولكنه لم يلمسني أبداً ثم طلب حبيبي أن أطلب الطلاق من زوجي لكي نتزوج وتم كل شيء ووافق زوجي على الطلاق وأخبرت حبيبي أني انفصلت عن زوجي من أجله ، من أجل حبي له ، لكنه تغير فجأة ولم أعرف السبب ، وقال لي انتظري قليلاً كي أسأل عنك ، وبعد فترة قال لي أن شاباً قال إن حبيبتك ليست شريفة وأقسم لك بالله العظيم أن هذا الشيء لم يحصل أبداً لأني فتاة من عائلة شريفة ومحترمة .

أنا أكتب لك هذه الرسالة وأنا في مستشفي الطب النفسي ، لقد صدمني صدمة قوية فقد تخليت عن زوجي من أجله وعملت المستحيل لأرضية ولم أعرف ولم أحب أحداً غيره ، ولكنه لم يقتنع ، لقد تعذبت وامتنعت عن الأكل وعن الشرب وعن الناس وعن العمل لأني أشتغل موظفة ، لقد تركني أقاسي العذاب المر الذي لا يطاق أبداً بعد أن حطم حياتي ، وقد طلبته الباحثة الاجتماعية التي في المستشفي وقالت له كل شيء لأن الحل بيده هو فقال  لها لا بد أن ننفصل نهائياً قالت له الباحثة لقد ضحيت بحياتها من أجلك قال إذا تزوجنا قد تحب غيري وتطلب الطلاق مني كما فعلت مع زوجها ، أنا على وشك الموت وما زلت في المستشفي أعاني من العذاب والمرض وأرجو أن لا تقولي أنسيه لأني لن أستطيع أبداً مهما عملت لأني أحبه . أرجو الحل بأقرب وقت ممكن واعذريني لأني طولت في الرسالة ولك مني تحياتي …

إذا لم اقل لك أنسيه … هل تتصوري أن هناك حلاً ، أخر ؟! شاب بهذه النوعية لا أمل منه، أنه كان يريد أن يلهو معك ويتسلى بك ، مطمئناً آمناً من تحمل أي مسؤولية ، لأنك امرأة متزوجة ولن تطالبيه … بالزواج ..

ولكن … عندما أراد يشعل نيران حبك أكثر كذب وطلب منك الطلاق من زوجك ليتزوجك .

وكانت هذه هي الخدعة التي انطلت عليك ، والتي صدقتها بقلبك الطيب .. ولذلك أحس بالخوف والفزع ( وتغير فجأة) كما قلت لأنه جبان لا يتحمل مسؤولية قول أو فعل !!

صحيح يا عزيزتي .. لقد نجح تماماً في تحطيم حياتك الزوجية ..

ويجب أن لا تدعيه يفلح أكثر وأكثر في تحطيم حياتك الذاتية .

قاومي مرضك ، وعودي إلي عملك .. وابحثي هناك عن ذاتك .. وإن شاء الله ستجدينها ، بعدما تنسين هذا المخلوق الرعديد الذي لا يساوي قيمة كلمة تافهة . أو دمعة باهتة ..!!

فتحملي هذه الأزمة .. وصممي على أن تعبري تلك الفترة بقوة وشجاعة ..

واختصري مدتها بإرادتك ، وأعلمي أن الإنسان يعني الإرادة والشجاعة فتجلدي .. قلبي معك..

هدية !!!

أنا شاب في الرابعة والعشرين من عمري .. علي أبواب التخرج من الجامعة.

حياتي هادئة ..مع العلم أني أملك من المشاغل والهموم الكثير .. أحب فتاة بين خمس أخوات .. أتساوي معها في الدراسة والمشاعر تقريباً .. وهذه الفتاة قريبة لي جداً .. واعتقد أن هذا هو السبب في مشكلتي .. حيث حاولت عن طريق أخت لي ” طيبة وعاقلة” أن تفهم حبيبتي ما في قلبي نحوها .. وقد بذلت شقيقتي قصاري جهدها في محالة إفهامها ما في نفسي تجاهها.. والحمد لله نجحت في ذلك بسبب ذكائها وبراعتها..

ولكن المشكلة ليست هي .. بل صارت المشكلة أو المفاجأة بالأصح .. عندما اشتريت هدية متواضعة .. وقدمتها إليها .. عن طريق شقيقتي .. ولكن مع الأسف فوجئت بما لم أتوقعه .. حيث رفضت الهدية بسبب أنها لا تريد الارتباط الآن .. وهذا لا يعني أنها ترفضني أبداً لأني متأكد من مشاعرها نحوي ولكن بنفس الوقت خائف أن يكون في نفسها شيء لا أعلمه أكثر مما أخاف على نفسي..

أرجو أن تخبريني يا عزيزتي .. عن الطريق الذي أتبعه لكي أضع يدي بيدها ولو نتزوج هذه السنة .. ولكن المهم أن أضمنها وأتأكد بأنها تقبلني .. ولا تفضل أحداً على وشكراً ..

 

أتعرف يا أخي ما هي أحسن هديه قدمتها لك فتاتك ؟! .. حسناً .. سأخبرك أنا . أحسن هدية هي رفضها لتلك الهدية التي أرسلتها لها فلو كانت قد قبلتها منك لكان ذلك دليلاً على أنها فتاة طائشة أو مادية لا تحسب ولا تزن خطواتها وتصرفاتها.

أحمد الله على أن تصرفها جاء هكذا عاقلاً .. أديباً رزيناً .. فهي لا تريد أن تتورط في أشياء أو مواقف تشينها أو حتى تحرجها . فحافظ عليها ، ولا تقلق فهي تحبك وتريدك ، ولن ترفضك.

اطمئن .. وهدئ نفسك هذه السنة الباقية على زواجكما وقدر ظروفها ، ولا تزعجها بالهدايا ، فيكفي أنها هي نفسها .. أحسن هدية …

 

 

 

بلا مقدمات

عرفته منذ أربع سنوات وأحببته حباً كبيراً ، وأعطيته من وقتي ومن نفسي ومن مالي فأحب كل شيء في أو هكذا أوهمني في أول سنتين من تعارفي به . جعلني أسعد امرأة في العالم ، جعلني أحس بأنوثتي وكنت بالأول كثيرة التزمت معه حتى بقلبي ، فأصبحت قوتي عليه ضعفاً ووهناً ، وعندما أحس أنه هو المسيطر بدأ يعذبني ، ورضيت ، لأن حبه أصبح يملأ قلبي وعيني حتى أعماني عن رؤية حقيقته فتحملت وصبرت . بالصدفة اكتشفت أنه متزوج ولديه أطفال فصعقت وتمنيت موتي ، كيف خدعني ؟ وفوق كل هذا كان حيه الأقوى وابتعدت وبقلبي شرخ هيهات أن يزول .

ولكنه استطاع أن يقنعني بأعذاره وفعلاً رجعت ومشيت بدربه في النار حتى أحرقت نفسي . فقد نذرت عمري له مع أني أعرف سوء أخلاقه ولكن ماذا أفعل فالحب بقلبي بلغ ذروته واستمرت معه وكانت في عقلي فكرة تسيطر على لأني ما زلت أحبه بأن أحاول المستحيل لإصلاح وإرجاع ثقته بنفسه.

وفي يوم أتاني بلا مقدمات قال لي أنه يريد أن يتزوجني فلم أصدق أذني ، طلب مني هذا الشي بعد أن طلق زوجته ودخلت بيته زوجة وعشت معه ، ورأيت ويا لهوي ما رأيت ، صرت أري كل شيء على حقيقته فلم أعرفه .. هذا الإنسان أعطيته دم عمري لا يريدني لشيء وإنما يريد مالي الذي أتقاضاه من الوظيفة وأغلق على جميع الأبواب لا أخرج .. لا أتكلم .. لا أضحك .. وهو لا يشبع ، يريد كل شيء له حتى المال الذي يعطيني إياه والدي ، وصار يأخذ كل شيء ، ومن يومها أصبحت عيشتي معه هي العذاب وبدأت أفيق بذهول من حبي وهو لا يكف عن الضرب والإهانة وليتني فوق كل هذا أري منه شيئاً طيباً .. ومع الأيام أنجبت طفلاً وقلت بنفسي أنه يمكن أن تتغير طباعه ولكن لا فائدة . ولمشكلتي هذه بقايا كثيرة فأنا ذكرت بعضها لتري الحل المناسب وأرجوك يا أختي كريمة الرد بسرعة ولك جزيل الشكر ….

هناك أناس يستمرثون العذاب ، ويتلذذون بالقسوة ، ويستهويهم السهر والقلق والسهاد . هؤلاء الناس يعتقدون أن الحب الحقيقي ، هو الحب القاسي ، أي كلما قسا المحبوب عليهم ، وكلما عاملهم بعنف وسخف ، وكلما أتقن تعذيبهم وتفتن في جرح إحساسهم وامتهان كرامتهم .. كان ذلك دليلاً على عمق الحب وقوته وسطوته !!

.. تقولين حبه أعماك عن رؤية حقيقته .. وتقولين : وبالصدفة اكتشفت أنه متزوج ولديه أطفال .. ولكنه استطاع أن يقنعني بأعذاره .. وفعلاً رجعت ومشيت بدربه في النار حتى أحرقت نفسك ..!!

.. وكانت النهاية الأليمة عندما دخلت بيته المقوص الأركان ، المهدم المحطم .. فوق بقايا زوجة وأشلاء أطفال !!!

نعم … لقد كنت سبباً مباشراً في هدم أركان هذا البيت وفي تشريد تلك الأسرة ، سواء كانت سعيدة أو تعيسة .. لا تحاولي أن تنكري أنك ألححت عليه بدل المرة عشرات المرات ليتزوجك ستراً لما كان بينكما ، وتتويجاً لعلاقة ما .. استمرت أربعة أعوام متتاليات !!!

لا تحاولى إنكار دورك الهام والمؤثر في إفساد العلاقة بينه وبين زوجته ، ولا تظني أبداً أنه قد فاجأك بطلب الزواج ” بلا مقدمات ” كما تقوليين .. لقد كان لهذا الطلب مقدمات ، وخلفيات .. و .. و ……و …

عزيزتي …

بعض الناس قد يتصفون بصفات سمحة طيبة ، تتيح لهم القدرة على تقدير ظروف الآخرين ، وعلى الإحساس بإحساسهم .. وهذه الصفات الحلوة منبعها الأساسي هو الحب العميق ، الحب الصادق الأصيل .. وليس الأنانية أو الرغبة في التملك ، وإيثار النفس عن باقي خلق الله.

لقد سلبت زوجة زوجها ، وحرمت أطفالاً من والدهم ، طمعاً في مزيد من الحب ، بحثاً عن الشرعية والاستقرار ، حلماً في بيت هانئ وديع يضمك ورجل تحبين وتعشقين … دون أن تقدري ظروف أهل هذا البيت.

فكان أن أصبح البيت سجناً مقيتاً ، يسلبك حارسه القاسي القلب إنسانيتك وكرامتك ومالك وعزة نفسك وشخصيتك ..

وهذا ما جنب يداك .. ويا للأسف لقد أضفت إلي عناصر المأساة عضواً جديداً ، طفلاً رضيعاً لا ذنب له فيما حدث أو يحدث ، وإنما ذنبه أن أمه أرادت أن تجعل منه أداة تغيير نحو الأفضل !! لكنها للأسف نسيت أن الزوجة السابقة كان لديها الكثير من تلك الأدوات الآدمية .. والتي لم تجد نفعاً .. فأرجوك لا تحاولي إنجاب المزيد رحمة بهم وبك ..

الحل المناسب ..

هو أن تصبري على ما ابتليت نفسك به ، فعسي أن يتغير ، فإن لم يفعل فانتظري حتى يلتقي وأخرى أكثر منك مالاً وجمالاً .. وبعدها سيصبح من السهل عليك أن تغادري حياته بلا مشاكل .. كي تحتلها زوجة أخري ربما يكون قد تزوجها بنفس الطريقة …. بلا مقدمات !

الحب في بلدي

أنا أهوى

أجل أهوى

وحبي فاقد السند

لأن فوارق الأديان

والطبقات في بلدي

لأن قيود مجتمعي

لأن رواسب الأبد

تحطمني

كأن الحب في كبدي

على قصد وعن عمد

أتت أمي تكلمني

تقول بنيتي مهلاً

يراك الناس يا بنتي

فتاة باعت العقلاً

ولم تسمع لوالدها

وترعي في الهوي الأهلا

أطاعت نبض خافقها

أطاعت حبها الضحلا

وكان الحب خداعا

وكان القيد منحلا

ولم تدر مكلمتي

بأن الحب قد كانا

مع الأحباب ريحانا

سقيناه رعيناه

حفظناه بتقوانا

فلما شب عن سبع

قضيناها بنجوانا

أردنا جمع شملينا

على تشريع مولانا

فثار الناس في بلدي

وكان الغيظ بركانا

وجاء أبي يكلمني

بغيظ كان يلعنني

ويلعن حبنا السامي

يظن الحب يخدعني

ولكني أري عجبا

فحيناً كان يحضنني

بعطف إذ يكلمني

فأدري أن مقده

ألا ليت الهوى بيدي

وأدري أنه يخشى

كلام الناس في بلدي

ويؤلمه بأن أهوى

وقلبي غير منسعد

فيبقي الحب في بلدي

قعيداً فاقد السند

لأن الفارق الطبقي

لأن رواسب الأبد

تحطمه

تحطمني

كأن مصير قلبي

لم يزل بيدي

د. كافية رمضان

رجل وامرأة

مشكلتان توأمان كل منهما تبحث عن رفيق الدرب العزيز وشريك العمر الحبب الذي يسعد النفس أن تمضي معه راضية لحظات حياتها …

كانت مفاجأة أن يحملها البريد لي معاً ..

صادقتان عفويتان نابضتان بالوحدة والأسى والضياع ..

فأمضيت لحظات مشحونة بالانفعال مليئة بالأحاسيس .. فإحداهما تنقل معاناة رجل وثانيتها تحمل معاناة امرأة..!!

أدعكم الآن تقضون بضع دقائق معهما .. وفي النهاية .. سأترك الرأي لكم .. ولهما !!!!!

أين هي  !!

لقد ولدت والعذاب والشقاء قدر مكتوب علي .. لم أذق السعادة أو الراحة أو الأستقرار طعماً .. تغربت في بقاع الأرض وعشت مجتمعات عديدة ومختلفة !

اليوم عيد ميلادي الثاني والثلاثون ومع ذلك أردد ” ليتني لم أري هذه الحياة “.

الفراغ والوحدة .. وحش يفترسني ينهش أعصابي بلا رحمة .. حياً أعيش بين الأموات الأحياء الذين فقدوا كل الأحاسيس بعذاب الآخرين .

النوم …. البسمة … الطعام … أمنيات أشتهيها .. أنواع الأدوية المعسولة المهدئة تنخر جسدي ولكن لا فائدة ترتجي .. أطباء العصر الأفاضل تشخيصهم  ” الزواج .. الحل الوحيد لأزمتك النفسية ” وضحكت كثيراً في أعماقي .. الزواج نعم .. ولكن أين هي ؟؟ لقد اختفت ” بنت حواء أصبحت أسطورة أرددها ليل نهار”.

ومع الأيام بدأت حالتي النفسية تزداد سوءاً مما بدأ يؤثر على عملي ، علماً بأنني ” أشغل مركزاً جيداً ووضعاً مادياً جيداً “.

كرهت نفسي وأهلي وأصدقائي وكل العالم .. الظلام الدامس يغلق أيامي .. جيوش اليأس تقرع طبولها في أعماقي .. وفجأة كان بصيص شمعة .. ليتها لم تتقد “.

تعرفت عليها .. أجنبية تعمل في إحدى الشركات التي أتردد عليها .. وبين الأخذ والعطاء .. وسلام وكلام . بدأت خيوط من العلاقة تنسج حولنا ، ولم أرد أن أطيل الوقت أو المماطلة فطلبت منها الزواج .. هل تسمعونني يا سادتي الأطباء ” علاجكم الزواج “.

ولم تمانع مبدئياً بشرط التفاهم على نقطة بسيطة وهي ” أختلاف الدين ” وشرحت لها موقف ديننا الإسلامي من هذا الشأن ولكن وجهة نظرها مصيبة كبري ” لا يمكن ذلك .. إذا تريدني …. وتجعلني في موقف قوة حتى يوافق أهلي هو أن تترك دينك وتعتنق ديانتي “.

وعدت أجـر أذيال الخيبة والألم واليأس ” من ليس له حظ في هذه الدنيا لا حق له أن يعيش “.. فعدت إلي الفراغ والوحدة القاتلة وكان السؤال الكبير يطرح نفسه بواقعية مريرة .

هل أستمر على موتي البطيء ؟ أم أترك ديني ؟

وكلاهما حرام … حرام … في حرام ؟!

سيداتي … آنساتي سادتي .

لا أريد حلاً .. بل أريد كلمة حق !!

أين هو ؟؟؟!

قبل عامين خطبت لشاب يكبرني بسبع سنوات .. أنا من عائلة محافظة معروفة بالأصل العريق . في البداية رفض والدي هذا الرجل بسبب اختلاف الأصل ، ولكن فجأة حصلت على الموافقة وهذا نصيب.

ولم أشعر بحب أو ميل نحوه لمدة شهرين تقريباً ، وبعد شهرين أحببته لأنه عاملني معاملة طيبة ، والحقيقة أم مدة الساعتين التي كان يتقضيها معي كل يوم لم تظهر لي حقيقته.

لم يكن زوجي وسيماً ، وقد استغربت جميع صديقاتي كيف أوافق على رجل مثله ، ولكني لم أكن أهتم بالشكل قدر اهتمامي بالأخلاق الحسنة ، فأنا لم أكن أؤيد ولم أكن أشجع الزواج الذي يسبقه حب .. فالحب والتفاهم يأتي بعد الزواج.

وبعد أن انقضي شهر العسل ، مرت الأيام بيننا . رأيت في زوجي أشياء لم أتوقعها منه أبداً ، مثلاً بدأ يشتمني بأقذر الشتائم أمام الجميع ، ويضربني ضرباً مبرحاً لأتفه الأسباب . وعشت في عذاب مستمر ، غيرة شديدة وشك أشد ، وحاولت جاهده أن نعيش في سعادة ونعيم ولكن لم أستطع .. مع الأسف كان أنانياً جداً قاسي القلب لا يرحم .. معاملته لي جعلتني أنفر منه .. وسألته مرة لماذا تزوجتني قال لي : لكي تحمي شرفي وكرامتي وتكوني أماً لأولادي.

كنت أعلم أن زوجي يحبني ، ولكن أي حب هذا الذي لم أشعر به إلا عند النوم حين يكون سكراناً فيقبل قدمي ويدي ويقول أنا قاس معك يا حبيبتي أرجوك تحمليني.

أن زوجي لم يجعلني أشعر أنني زوجته التي تشاركه أفراحه وأحزانه والمثل يقول ” اللي ينعاف أوله ينعاف تاليه ” فطلبت الطلاق وصممت عليه .. شتمني بأقذر الشتائم وقال أنا أعلم أنك لا تحبينني ولكني سأعملك لك عمل ” أسمرك ” خيالي لن يفارق وجهك وتفكيرك سيظل معلقاً بي .. وستندمين .

وطلقني .. ما أصعب هذه الكلمة وما أقساها وأنا ما زلت في العشرين.

أختي كريمة .. لا تتصوري مدي التعاسة التي أعانيها منذ تزوجت وحتى الآن .. ورغم أنني عدت لدراستي في الجامعة إلا أنني لم أعد أستطيع التركيز أثناء المذاكرة ، ولا أسمع كلمة واحدة من المحاضرة.

أفكر في حياتي ، في نصيبي ، في قدري ، في مستقبلي الضائع ..

وأحزن .. قررت أن أحب وأن أتزوج عن حب .. ولكن … أين هو الرجل الذي سأحبه .. ومن هو ؟!

وكيف أحب ؟ هل أحب أول رجل أعجب به أو يعجب هو بي ؟!

أنا أريد رجلاً بكل معني الرجولة يغمرني بحنانه وبعطفه وسأهبه حياتي وعمري وأضحي من أجله بكل شيء .

فقلبي يحمل الحب والخنان لهذا الرجل المجهول الذي أنتظره ليكون شريكاً لحياتي وأباً لأطفالي.

أبحث عن الاستقرار والحياة الهادئة فقد ضقت بحياتي الراكدة التي أقضيها بين أربعة جدران .. وحيدة داخل غرفتي !

عزيزي .. عزيزتي ..

هذا كلام مقنع جميل يسري ليس على الرجل وحده ، وإنما يسري على المرآة نفسها . فالمرآة إنسانة لها آدميتها تماماً كالرجل .

وأنا معك ومعها .. أؤيدك في إحساسك كرجل عبر مشكلتك ” أين هي ” وأشعر بإحساسها كامرأة عبر مشكلتها ” أين هو ؟! ” فيتنازعني لذلك ألم طاغ يتمزق له قلبي .. ولذا أعاني أحياناً من كآبة ساحقة توشك أن تهدر مرحي وتبيد لهجتي لكثرة ما أعيش العذاب مع تلك الرسائل التي تأتيني .. طافحة بالألأم صارخة بالأسى.

فلماذا لا نذكر جميعاً أن أول مبادئ الإسلام هي أن يستخدم الإنسان عقله ويفكر بتمعن في ما حوله من أشياء .. ومشاكل بمنتهي الحرية وبمنتهي الصدق ؟!؟

ونحن لو عدنا إلي الوراء بذاكرتنا ، لو تجاوزنا ثلاثة عشر قرناً من الزمان لوجدنا أن حياة المرأة بل والرجل في أيام الرسول محمد صلي الله عليه وسلم كانت أكثر إنسانية وأكثر آدمية ! نعم .. هذه حقيقة.

ولذلك أتصور هذا سبباً مقنعاً ودافعاً أكثر إقناعاً لك ولها ولهم ولهن ولي .. كي نبدأ بكشف وإزالة الغموض عن الأسباب التي تسلب المرأة آدميتها وإنسانيتها . بل تسلب الرجل أيضاً !

وأترك ” أين هو ” و ” أين هي  ” أمام أعين القراء فهي أمانتنا جميعاً رجالاً ونساء .. آباء وأمهات ، نفكر ونقلب الأمر علنا نهتدي إلي الحق والصواب .. وهذا هو الحل.

الفأر !

أنا فتاة كبيرة في السن ، ضاعت مني فرصة الزواج لتقدمي في العمر .

لدي مشكلة بل مصيبة من أكبر وأعظم المصائب التي تواجه أي إنسان ، فأنا يا أختي قد تعرضت لاعتداء من شخص مجهول وفي مكان مجهول ، صدقيني أنا لا أبالغ ولا أكذب عليك ولكن هذه هي الحقيقة بعينها لأن الشخص لا أعرفه والمكان أخذت إليه دون أن أراه أو حتى أتعرف عليه وهناك حدث الذي حدث ، ولم أعرف كيف أتصرف ولا ماذا أفعل فأصبحت حاملاً من ذلك الشخص ولم أبح بأمري لأحد من أهلي لسوء علاقتي معهم ولأنهم قساة بمعني الكلمة.

ولذلك وجدت نفسي أصبر وأتحمل وأحاول الذهاب للأطباء المتخصصين لمثل هذه الحالات ، لهذا تحملت حتى وضعت الطفل ميتاً ثم وجدت بعضاً من الراحة ، وكل هذا لم يعلم أحد بأمري سوي صديقتي الحميمة جداً ولكن بعضاً من الشكوك كانت تدور في رأس أهلي ما برحت أن ذهبت أدرج الرياح بمجرد الانتهاء من العملية كلها ثم عدت لحياتي العادية فإذا بي أجد وحشاً آخر يقف عثرة في طريقي حياتي هو أحد أقاربي وقد حاول معي أكثر من مرة بحجة أنه يحبني ، تصوري ، ويريد اللهو معي علي هذه الطريقة ، وقد كرر لي أكثر من مرة بأنه يحبني ويريدني لنفسه فقط ولا أستطيع أن أبوح بهذا الأمر لأهلي لأنهم لن يفهموا ذلك خصوصاً وقد حاولت سابقاً ولم أفلح بل تعقدت المسألة جداً علماً بأني فتاة عادية لا ألفت النظر ولا أقوم بأعمال الإغراء ولا حتى أفكر فيها مطلقاً مع أي أحد فكيف الحال مع أقاربي ؟. ى أعرف كيف أتصرف وأنا خائفة جداً ومشتتة التفكير وأري الدقائق أمامي سنوات تمضي دون الوصول إلي حل ، وأنت تعلمين حالتي فأنا لست عذراء بعد المرة الأولي من ذلك المجهول والآن قريبي ، وأخاف قريبي ، وأخاف أن أدخل عناصر جديدة في الموضوع خوفاً من الفضائح التي ستكثر وتصبح كلها عائدة لي ولأسرتي ولا أريد القضاء ولا الشرطة لأن الموضوع لن يفيدني بشيء .. أخيراً أود أن أطلب منك طلباً وهو ألا تهملي رسالتي هذه لأني حائرة ويائسة وشديدة القلق وقريباً سوف أصبح مجنونة تماماً من كثرة الهواجس التي أحسها ، ثم إني فتاة على مستوي تعليمي لا بأس به وأنا كبيرة ولست صغيرة لكي أبلغ أو أتخيل اشياء لم تحدث ، فصدقيني يا أختي كريمة أن هذه هي المشكلة بواقعها الأليم على فأرجو منك مساعدتي وسأرضي بالحلول التي يمكن أن تحل هذه المصيبة المعقدة.

لقد صدقتك عزيزتي .. وها أنا أبحث في مشكلتك كما تطلبين وإن كان أكثر ما يحيرني في تلك اللحظة هو أحاسيس الخوف الشديدة التي تحسينها الآن .. فكيف يحدث لك ذلك؟!

فأنت كبيرة في السن كما تقولين .. وعلى قدر لا بأس به من التعليم ، فكيف بالله تشعرين بكل هذا الفزع من قريبك الجبان .. والأجدر منك بالخوف والقلق ؟! قفي وجهه ، وعامليه بقسوة وشجاعة واعلمي أنه سيهرب كالفأر ولن يعاود محاولاته الدنسة معك.

وغذا كان الخجل يمنعك من مصارحة أمك لقرابتها الوثيقة بهذا الرجل .. فكري في إبلاغ أخيك وشرح هذه الظروف له ، فهو حتماً سيساعدك وسيقف إلي جوارك ، وسيكون أكثر فهماً لك.

وإن كنت أخشي أن يكون ذلك الرجل القريب لك هو نفسه الذي ارتكب معك تلك الفعلة الشنيعة القذرة ، ولهذا يصر على ملاحقتك ومطاردتك بلا هوادة.

طبعاً هي مجرد شكوك لا أكثر ، ولكني أخبرك فقط لتأخذي الحيطة والحذر ، ولتكوني قوية الشكيمة وتواجهي الواقع بصلابة حتى تطردي عنك ذلك الوحش الآدمي ، حتى ولو استعنت في ذلك بصديقتك الحمية جداً .

أخيراً .. حذار من الخوف المستمر فهو يستهلك الأعصاب ويجلب المرض ، فاجتنبيه هو وتلك الحيرة اليائسة .. والله معك.

جمرة الثأر ..!

كانت البداية حين علمت أن هناك شابا يغازل أختي واستطاع فعلاً أن يوقعها في حبه وأن يطلع معها ، في كل مكان دون علمي .. فصممت على أن أحاربه بنفس السلاح.

فهو له أخت جميلة تصغرني بحوالي ثلاث سنوات .. كنت أعلم أنها تحبني بعنف ولكنني لم أكن أستطيع أن أفكر فيها أو أرد على إعجابها بي حتى لا تشغلني عن دروسي وأنا طالب في الثانوية العامة .. ثم تقدم هذا الشاب ليخطب أختي .. ووافقنا جميعاً رغم عدم استطاعته تحمل مسؤولية الزواج .. وكنت أنا أول المتحمسين لأن يقف معه حتى يكون على المستوي اللائق … وساندته .. وعاونته .. ووقفت معه كثيرا .

كان من الممكن أن ينتهي حب الأنتقام داخلي لأنه دخل علينا من الباب .. ولكنه كان دائماً يذكرني بخيبتي .. بعدم استطاعتي التحكم في خط سير أختي .. فمثلاً يردد لي باستمرار تلك العبارات .. هنا كان لقاء مع أختك .. وهنا وعدتني ولم تجيء .. هنا .. وهنا .. وهنا !! كانت كلماته يا عزيزتي تمزقني ، تشتتني .. فأزداد عزمي وتصميمي على أن أحاربه بنفس سلاحه .. وكانت أخته بالنسبة لي صيداً سهلاً .. وأحبتني تلك المسكينة بسهولة وهي لا ترعف ما يدور في ذهني .. وتعلقت بي بجنون غريب .. كانت مستعدة أن تضحي بكل شيء .. وأن تفعل أي شيء حتى تنال رضاي .. أما أنا فلم أكن أحمل لها في قلبي أي شيء .. إلا رغبة انتقامي من أخيها .. وتمنيت أن يعلم الناس بعلاقتي بها حتى أرد شرفي وكرامتي .. وليتني ما فعلت !! ليتني ما فعلت !! ليتني !!

فقد رسمت خطة محكمة التنفيذ يعلم أخوها أنه وقع في المحظور وفي نفس المصيدة وجاء وقت التنفيذ !!

وعلم أخوهما بكل شيء .. وثار .. وثار …. وثار !! يومها أحسست ما في داخلي ينفجر وينهرني ويهزني هزاً عنيفاً !!

وعاتبني ضميري بشكل غريب .. وقلت ما ذنب المسكينة في صرعي مع أخيها !

وبرغم أنني وقتها لم أكن على استعداد للزواج أو حتى لمجرد الخطوبة إلا أنني تقدمت- بمفردي – لوالدها المنفصل عن والدتها لكي أقرأ فاتحتها ولكن حدث بعدها شجار بسيط بيني وبينها لعدم التزامها بالزي الشرعي .. وتركتها لفترة طويلة .. أعترف أنني أخطأت في تركي لها .. لأنها لم تكن تعمل أي شيء إلا إذا قلت لها رأيي فيه ، فهي قد تعلمت كل شيء على يدي .. وفي هذه الاثناء .. تقدم لأمها شاب ليخطبها وبدون علمي أو أخذ رأيي وجدت الفتاة موافقة .. بعدها أحسست بشيء عظيم يسري في كياني يقولون عنه أنه الحب .. ولكنني لم أستطع أن أتحمل هذه الصدمة فسافرت وتركتها تعيش حياتها كما تريد.

وبعد سفري أرسلت رسالة تخبرني فيها أنها قطعت كل ما كان يربطها بخطيبها وطلبت العودة إلي .. والحق يقال يا سيدتي لقد رفضتها ..

رفضتها بشدة وعاتبتها عتاباً شديداً .. لأنها وافقت على الخطوبة من البداية .. كانت رسائلها لي كثيرة .. ورسائلي لها قليلة جداً وكلها كلمات مسممة .. ولكنها فجأة انقطعت عن مراسلتي واندهشت لذلك .. فطلبت من أحد أصدقائي أن يخبرني عن السبب .. فكانت الصدمة .. أنها بدأت تسير في طريق الخطيئة بسبب عنادي معها بعدما مرضت دون علمي مرضاً شديداً ..

فأرسلت لها رسالة حتى أنقذها من هذا الطريق الخاطيء وطلبت منها أن تنسي الماضي بكل ما فيه ، ولكنها ما ردت على حتى الآن .

هذه هي حكايتي يا أخت كريمة .. إنني أحبها حباً يعجز القلم عن وصفه حباً لو وزع على طبقات الأرض لملأها وبقي منه الكثير .. فماذا أفعل ؟!

فماذا أفعل ؟! أأتنازل عن شيء من كرامتي مرة أخري ؟! أن أتركها للضياع والخطيئة !!

فبالله عليك يا سيدتي .. أخرجيني من حيرتي وعذابي ودليني على الطريق السليم .. أرجوك لا تغلقي آخر باب في وجهي فأنا ما لجأت إليك إلا بعد أن سدت جميع أبواب الرحمة أمامي

لك تحياتي .. وتمنياتي بالتوفيق … والسلام

عزيزي …

اسمح لي أن أكلمك بمنتهي الصراحة …لأقول لك أنك غلطت غلطاً كبيراً لسببين :

أولاً :

غلطت عندما حاسبت نفسك على تصرف أختك حساباً عسيراً ، ونقصت سوء تصرفها من رصيد رجولتك ونخوتك ، فأثار ذلك ضغينتك ، وشوة الحقد نفسيتك .. مما عمق رغبتك في الثأر والانتقام !!!

وثانياً :

عندما أسقطت سطوة انتقامك على طرف محايد ، طرف ضعيف لا حول له ولا قوة ، طرف ساذج بريء ملأ قلبه الحب ، في حين عض قلبك بنزعة الحقد ونزوة الثأر !!

ففعلت بالفتاة ما فعلت .. فضحتها بكل خسة ، ليس أمام أخيها فقط ، وإنما أمام الناس .. كل الناس !!

وكانت المسكينة تجهل ما يحاك حولها ، ولا تعرف ماذا يدبر لها ، ولم تفعل شيئاً أمامها .. غير أن تحبك وتحبك وتحبك .

ثم تركتها ، تركتها ضحية مغدورة لا تقوي على موجهة المجتمع الثائر ضدها ، ولا تفهم كيف تسير أمور حياتها ولا تدرك كيف تتصرف حيال المصيبة التي لوثت شرفها بعد أن عودتها أن تفعل كل ما تمليه عليها .. ” لأنها لم تكن تعمل أي شيء إلا إذا قلت لها رأيي فيه ، فهي قد تعلمت كل شيء على يدي “..

والله وحده يعلم ماذا علمتها يداك .. وماذا فعلت بها يداك . حين استنجدت واستغاثت بك ؟! بعد أن هدمت خطبتها لذلك الشاب ، ورفضتها بكل نذالة . رفضتها ، وصممت أذنيك عن نداء استغاثتها ، وسددت قلبك أمام نحيب لوعتها .. ومضيت في غيك متباهياً بلهفتها عليك .. متجاهلاً احتياجها وشوقها إليك !!

ومضيت .. مضيت تدوس قلبها بقدميك وتستحق كرامتها برد مسموم على رسائلها إليك !!

وفجأة صحا ضميرك .. لكن يا خسارة .. بعد ماذا ؟ بعد أن علقت الضحية قرباناً في بوتقة الثأر المتعفن داخلك .. علقتها جثة هامدة تنهش جسدها العاري الغربان والديدان في دنيا الخطيئة والاسى والأحزان.

ولكن .. شاءت سخرية الزمان أن ترد لك بعض ما فعلت .. فها أنت قد أصبحت صريع هواها وصرت تتمني بعض رضاها . وبت تنتظر بشوق الدنيا رسالة منها إليك .. فلا تكابر .. ولا تعاند ؟! لأنك لا تعاند إلا نفسك ..

فعد إليها .. بسرعة ارجع إليها ، واصلح الخطأ الذي فعلت وبدأت قاصداً متعمداً .. واستر فضيحتها بزواجك منها ، وأمح عارها الذي كشفت أمام أخيها وأمام الناس .. كل الناس !!

ولا تنسي أن تتأكد من الأمر بهدوء واهتمام وتروي .. فقد يكون كلام صديقك عنها مغرضاً هادفاً .. أسوأ الأحوال ومهما كانت النتيجة مشين مهينة .

فحذار أن تتغاضي عن مسؤوليتك الشخصية فيما حدث ، ولتكن محاسبتك نابعة من ذات نفسك ، فقمة الأخلاق أن يكون الإنسان شجاعاً في الحق ، قوياً ضد الباطل ، لا يحسب في تصرفاته لغير الله والضمير حساباً.

وهذا ما وصلت إليه أنت الآن .. بعد أن ندمت كل الندم على ما كان ، وبعد أن أدركت أن علاقة هذا الشاب بأختك كانت صادقة ، وكان هدفها شريفاً ، فهي بدأت بالحب .. وانتهت بالزواج.

على العكس من علاقتك أنت … تلك التي بدأت بالغش والغدر … وانتهت بالفضيحة والعار ، فأصلح ما أفسدت . وأستغفر ربك على ما فعلت عجل ، فخير البر عاجله.

يعود أو لا يعود

أنا فتاة في زهرة الشباب من أسرة محافظة ومقبلة على الدراسة الجامعية . تعرفت على فتي يكبرني بست سنوات وذلك عن طريق الصدفة حيث كان يتعرضني في طريق المدرسة. كنت في بادئ الأمر أتجاهله ولكن مع كثرة إلحاحه وجدت نفسي أقع في شباكه التي كان ينصبها في طريقي ولقد كان في بادئ الأمر شاباً رفيع الأخلاق وطيب الأصل ومثقفاً حيث كان في نهاية دراسته الجامعية . ومع مرور الأيام زاد تعلقي بهذا الشاب وأصبح بالنسبة لي همي الوحيد وهو أملي الوحيد في هذه الحياة ، وكما ذكرت فلقد كان شاباً ذكياً طموحاً أغراني بصفاته الجذابة . ولما علم تمكنه من نفسي وكوني لا أستغني عنه حاول استغلال هذه النقطة ، ففي أحد الأيام عرض على الذهاب معه في سيارته بحجة النزهة وتحت إلحاحه وثقتي به وافقت ، ودون علم أهلي خرجت معه عدة مرات وكان خروجي معه كخروج الأخت مع أخيها . وبعد هذه الفترة زادت ثقتي به حتي أصبحت أخرج معه بدون تكلف أو قيود وكان أثناء هذه الفترة يعدني بالزواج ويقص لي القصص التي ستكون عليها حياتنا في المستقبل والأطفال .

وفي أحد الأيام وبينما نحن نسير في السيارة ذهب إلي مكان مهجور ولم أكن أستغرب هذا وذلك لثقتي به التى تندمت عليها حيث عندما نزلنا في هذا المكان ومع تتالي الأحاديث بيني وبينه والتي كانت عن الزواج والإنجاب فوجئت به يقبلني فذهلت لذلك ولكنه قال لي أن هذا شيء بسيط بين الأحبة وتحت تأثيره على بالكلمات العاطفية الرقيقة فلقد استمر في تقبيلي إلي أن تمادي ولم أعد أستطيع كبح جماحه الذي كان له الدور الكبير في استسلامي له والذي كان قسراً عن إرادتي . وحدث ما لا تحمد عقباه ، علماً بأنني فتاة عذراء وعندما أخذ مطلبه أخذ يتأسف إلي ويقول أن هذا فوق إرادتي ، وقال لي بالحرف الواحد ( لا تندمي لأننا سنكون زوجين في المستقبل ) وبعد هذه الكلمة اطمأن قلبي بعض الشيء ورجعت إلي منزلنا . ولم أره بعد هذا الحادث أبداً …

وبعد مدة انقطعت عني العادة الشهرية واستغربت ذلك ولم يطرأ على بالي فكرة الحمل إلا أنني تأكدت بعد ذهابي للطبيبة التي أخبرتني بالحمل .

وليتني مت قبل أن أسمع هذا الخبر والذي سوف يدمر عائلة بأكملها . ولم تنته المشكلة فلقد حاولت الأتصال به ولكني فوجئت بخبر سفره إلي الخارج لتكملة دراسته العليا وفي نفس الوقت علمت بذهابه مع زوجته التي تزوجها قبل سفره مباشرة ، عندها فكرة بالانتحار فهو الحل الأمثل لمشكلتي العويصة أو الهروب لأي بلد . هذه مشكلتي أضعها بين يديك راجية من الله ثم منك الحل في أسرع وقت ولك خالص تحياتي.

هناك كثير من الحكايا الباهتة التي تبدأ بأحداث خافتة .. ثم ما تلبث أن تستحيل إلي قضايا فاضحة . ذات أحداث مدوية يعلو طنينها وضجيجها على كل الأصوات ..

وأنت .. وبكل الأسف يا فتاتي مررت بواحدة من هذه الحكايا الباهتة الفاضحة التي لو كنت قد عرفت تتحكمين في سلوكك خلالها ، لكنت قد أصبحت الآن تلك الزوجة الحبيبة التي سافرت مع زوجها حبيبها لتكملة دراسته بالخارج .

نعم

فلو افترضنا أنه كان يحبك أو على اقل تقدير ، كان معجباً بك لا يملك إلا أن يراك ويراقبك ويعترض طريقك طوال هذا الوقت وهو الشاب المتعلم المثقف الذي يوشك على السفر للخارج لتكملة دراسته .. لو أفترضنا أنه كان يفعل ذلك لأنه كان يريد زوجة تمنحه الأمان والثقة والإخلاص ، وتعنية بعفتها وطهرها وصدقها طوال سنوات اغترابه بعيداً عن وطنه …

إذن .. لكان عليه أن يختبر ” نوعية ” هذه المرأة التي يرغب ويريد ….

كان لا بد من إجراء امتحان عاجل فاحص لتلك الرفيقة التي ستشاركه رحلة العمر الطويل …

فكان الامتحان … وكان الرسوب.

فانتقي غيرك . واحدة أخرى بلا تجارب غرامية معه ، أخذها بريئة نقية وسافر بها ، معتقداً أنه لم يسلبك شيئاً ثميناً ، فهو قد تركك ” فتاة عذراء  ” كما كنت .. ولكن شاء الحظ العاثر أن تدفعي ثمن هذه الخطيئة وحدك ، فهو قد غادر دون أن يدري ماذا فعل بك . ودون أن يعلم ماذا خلف وراءه !!

في الواقع يا فتاتي ليس أمامك من حل سوي محاولة الحصول على عنوانه في الخارج بأسرع وقت ممكن وإخطاره فوراً بنتيجة فعلته ، فإذا كان شاباً طيباً ذا قلب وذا ضمير سيعود سريعاً إليك ، أما إذا كان من النوع العابث الذي يضرب ضربته ويهرب ، كأي مقامر محترم ، فلن يعود إليك أبداً .

وهنا .. لا بد من مصارحة أمك ، كي تري بخبرتها ودرايتها ماذا تفعل معك درءاً للفضيحة وخوفاً من العار.

 

 

ورقة … من سفر الانتظار

تجمل بالصبر ثم ارتدي                   محاسنه يرصد الموعدا

ستأتي غداً .. آه يا للمني                  أما سئمت موجعاً مجهداً

أما هرم الصبر في صدره                  وشاخ به الأمل المفتدي

لقد جاء صوتـهـا دافـئاً                      أنيق المسار رهيف الصدى

غداً .. هي تأتي إليه لقد                   وعي الدهر أمجاد جيداً

ستأتيه في موعد … ربما                  يكون على عصره سيداً

وأشعـل في كـفره جذوة                      ليبني على ضوئها مسجداً

وأسرج في الصدر قلباً هفا                 إلى موعد قد أضاء المدى

وراح يسـوى بأعـمـاقه                       ركاماً فصيرهـا معـبداً

وعـاد يـهـذب أشواقـه                        ويغمسها في ابتسام الندى

وكحل أجـفانـه بالـرؤى                      منسقه .. مشهداً .. مشهداً

بغير المنى كان لون الـدنا                  ظلاماً ، وكان الوجود سدى

غداً سوف تأتيه في موعد                  بكل عصور الأسـى يفتدي

سيطـرح في كـفها قلبه                      إذا هـي مدت إلـيـه يـدا

ويسكب في كأسها روحة                   لترشفها .. موعـداً .. موعدا

فيرقى السماء كـعاداتـه                     ليفتح بـابـاً بهـا موصـداً

ويـدخل قـبتـها ظافراً                        ويقطف من نـجمـها الأبعدا

ألا حبذا مـوعـد قد دنا                      ونادى … فكان الضياء صدى

أتأتي غداً ..؟ليتها ..ليتها                  وأصبح كل الزمان … غدا

يعقوب السبيعي

لماذا وجع القلب ؟

أحببت فتاة من عائلة محترمة من أقربائي ، حاولت مراراً أن أقترب منها وللأسف لم تشاركني إحساسي وأنا أحبها حباً لا يضاهيه حب أبداً ولكن لم تبادلني حبي ، وقد فعلت ما يثبت لها حبي وخطبتها من أهلها رسمياً فوافق أهلها ولكن لم أعرف هل وافقت هي بمحض إرادتها أم لا ، وهي خطيبتي الآن ، وما جعلني أكتب إليك أخت كريمة هو سوء معاملتها لي ، أنها لا تطيق رؤيتي ، إذا جئت أزورهم في البيت تهرب مني ، وذلك لأنني عندما أكلمها عن مستقبلنا تقول مالك شغل ، والآن عقد قراني وقلت يمكن أن تتغير تصرفاتها ولكن لم يحدث شيء جديد بل كثرت قساوتها معي وليس هناك شيء يبرر الموقف . وقد وسطت امرأة لها كي تعرف منها هل تريدني أو هناك أحد آخر في حياتها ، ولكنها لزمت الصمت ودائماً تقول مالي رغبة في الزواج وهي في سن كبيرة وليست صغيرة ولا زلت أصبر على تلك القسوة منها وأقول يمكن تتغير بعد الزواج ، أرجو منك أن تهتمي برسالتي إنني لواثق من قدرتك على الحل السليم.

يا سيدي الجواب واضح من عنوان .. فأنا لا أستطيع أن اصدق أن أمرآة لا تطيق رؤية رجل ، امرأة تتهرب منه كلما جاء إلي بيتها ، رغم أنه خطيبها وزوجها والمفروض أنها تفرح بمجيئة وتسعد لرؤياه ، ولكن الظاهر والعلم عند الله أن أهلها قد ضغطوا عليها لإتمام هذا الزواج والمؤكد حتماً أن الزيجة قد تمت ضد رغبتها ، فقد تكون متعلقة بشخص آخر ولا تستطيع أن تفصح عن ذلك .

أنا لا أستطيع أن أصدق أنها يمكن أن تحبك في يوم من الأيام . فبعد عقد القران لم يحدث جديد . وأيضاً بعد الزفاف لن يحدث جديد .. بل ستزيد قسوتها عليك ، وستضاعف نفورها منك فلماذا وجع القلب ؟!

بصراحة .. هذه الفتاة لا تحبك ولا تريدك ولا ترغبك زوجاً . فوفر على نفسك عناء التعب ، وارحم قلبك من مشاكل كثيرة آتية أنت في غني عنها ، لأنك تبدو لي طيباً جداً ، وبسيطاً جداً ، وحرام أن تبدأ حياتك مع إنسانة سخيفة كهذه .. إنسانة يجب أن تعامل بقسوة تتماثل وقسوتها وبطريقة تتطابق وقسوة وسوء طباعها !!

فأنت تبدو غير قادر حتى على مواجهتها أو سؤالها عما إذا كانت تحبك وتريد أم لا ؟!

وقد تكون اعترفت لتلك المرأة التي لم يرد أن تخرب زيختك ،وأن تحطم علاقتك بها ، فربما تكون أخفت وأنكرت ما قالته فتاتك ، فاتركها  ولا تندم ، لأنك ستنجو بجلدك من قرفها وسوء طباعها ‘ وفساد أخلاقها .. فاتركها لنفسها .. ولن تندم.

 

 

 

 

مطاردة

أنا طالبة في الصف الثاني الثانوي في أحدى الثانويات ، ذات يوم أتت زيلة لي قاصدة التعرف على فرحبت بها وعرفت أنها بمرحلة دراسية أعلي مني .

ودارت الأيام وإذا بها تأتي لتقول : الصراحة أن الذي دفعني للتعرف عليك أخي الذي يحبك والمعجب بك وهو يريد التعرف عليك ، وقتها رفضت وتكرر الرفض إلي أن ظلت تطاردني وتكو لي عن حاله . وقتها لم أستطع أن أمسك نفسي بل قلت لها اتركيني وأمهليني لأفكر.

بعدها وافقت فتعرفت عليه عن طريق الهاتف إلي أن تعلقت في حبه كذلك هوم تعلق بي بحيث أنه تعرف على أخي وظل يأتي ويذهب مع أخي وأخي لا يعلم بالأمر ، فذات يوم جاء أحد رفاق أخي وقال له أن فلانا يعرفك ويسير معك قاصداً مصلحة وهي أختك فوقتها أخي لم يتمالك أعصابة بل ذهب وشتمه إلي أن تشاجرا.

والآن فإنهما متخاصمان وهما لا يكلمان بعضهما ومضت عليهما مدة (3) شهور على الأقل ، أما أنا فلا أستطيع الابتعاد عنه وأتركه لأني أحبه .. وكذلك هو رسب وأنا نجحت وذلك لأني أحببته لمدة سنتين والآن سأدخل السنة الثالث…

هذه هي مشكلتي يا عزيزتي لعل أجد عندك الحل .

لا تقولي لي أتركية لأني قبل التعرف عليه سألت بنت جيرانهم عن أخلاقه التي هي صديقتي في الصف .

وكذلك معي أبنة أخيه توصل لي رسائل منه وأخباره .. هذا قبل التخاصم أيام الدراسة .. أقسم لك أنه يحبني حباً شريفاً قصد الزواج مستقبلاً.

مشكلتك العاطفية لها حل واحد هو تركه حتى ينهي دراسته فإذا كان غرضكما شريفاً فلماذا لا تتركيه بدون إلحاح وإزعاج حتى ينهي دراسته ؟! المفروض أن تطلبي منه أن يهدأ نفسياً فشجعية عوضاً عن ذلك على المذاكرة والدراسة كي ينجح .. بدلا من مطاردته لأخيك والتصاقه بكم يومياً … نتيجة لتشجيعك المستمر له على ذلك.

فما رأيك عزيزتي الآن في رسوبه وفي شعوره الانطواء والعزلة نتيجة أن أخيك وبخه وعنفه ؟ أرجو أن تبعدي عنه لفترة وأن تنصحيه بأن يهتم بدراسته ولا مانع من أن تطمئنيه على حبك له وموافقتك على الارتباط به وأن تعطي أخيك الانطباع بأنه أخطأ في التصرف مع هذا الصديق الذي يحمل للأسرة كل تقدير واحترام .. واتركي الأمور بدون تعقيد ، وتفرغي للاهتمام بدروسك في هذه المرحلة الحالية.

 

ارحم زوجتك

أنا رجل في العقد الرابع من عمري . متزوج ولي خمسة أطفال أحب زوجتي وأولادي ككل البشر . لي بيت ودخلي أحمد الله عليه . أعيش حياة  سهلة ميسورة.

مشكلتي أن الله زاد على بنعمة وأحمده دائماً على كل النعم . أنني أجب الجنس بشكل غير عادي ، وأنا شاب متمسك بديني ولا أريد الوقوع في الحرام على مدى الحياة وأم اولادي تتحمل العبء الكبير بين تربية أطفالي وبين رغبتي الجنسية.

خلاصة المشكلة أنني أريد أن أتزوج ثانية على سنة الله ورسوله ولكن للأسف لم أجد الفتاة التي تقبل الزواج مني لكوني متزوجاً ولي أطفال.

يا سيدي الله يزيدك من نعيمه .. وحمداً لله أنك تحمده وتشكره وترعي شؤؤون بيتك وتحفظ أصول دينك..

لكنني اعتب عليك .. فبدلاً من أن تفكر في الاقتران بزوجة ثانية تجلب لك قدراً من المشاكل لا يمكن بتاتاً الاستهانة به ، عليك أن تعمل على راحة زوجتك ، توفر الوقت اللازم لها لترعي نفسها ، وتهتم بشكلها .. وتنال القسط الكافي من الراحة والنوم والهدوء والاسترخاء …فليس من المعقول أن تتركها مطحونة طوال النهار ، ترعي شؤون خمسة أطفال وأبيهم وتبقي تدور طوال الوقت هنا وهناك كالساقية تغسل وتطبخ وتكنس وتنشر وتنفض .. وتربي وتهذب وتعل …

ثم تأتي أنت إليها آخر الليل تطلب منها أن تسهر على راحتك …

وتلبي رغبتك !!! مستحيل أن تقدر على سد طلباتك وطلبات أولادك ليل نهار .. مستحيل فهي أولاص وأخيراً يشر ذات طاقة محدودة.

حرام عليك يا أخي ، هذه قسوة مبالغ بها وأنانية منك لا تغتفر ، فبدلاً أن تبحث لها عن خادمة تساعدها وتخفف عنها أشغال البيت التي لا تنتهي إذ بك تفكر في مكافأتها خير مكافأة .. تفكر بالزواج عليها !!!

يا سلام ..؟! هلي تريد أن تقهرها ؟! تميتها غيره وغماً وهي أم أطفالك الخمسة الحنون الطيبة التي لم تتأخر يوماً عن تلبية طلباتهم ولا توانت ليلة واحدة عن تلبية طلباتك ؟! يا رجل اتق الله وابدأ حالاً البحث لها عن خادمة قوته البنية تتحمل أعباء شؤون جيشك الجرار هذا ، كي تستطيع أن تتحمل هي فيما بعد ولعلك ودلالك…

 

أنها ليست نهاية!

كنت طموحة لدرجة كبيرة ، كانت الأماني والأحلام تتزاحم بصدري ، أقبل على الدراسة بشهية كبيرة لدرجة أنني أحس أن عقلي أكبر من سني ، فكنت الطالبة المثالية في جميع مراحل دراستي الابتدائية والمتوسطة والثانوية ، وكنت سعيدة بالمدرسة .. ولكن في البيت احس بالتعاسة بسبب معاملة أمي وأبي ، كنت أعيش معهم لوحدي لأني وحيدتهم ، الكل يحسدونني ويرجعون تفوقي في المدرسة بسبب معاملتهم الحسنة لي … والعكس صحيح.

فمعاملتهم لي كلها شك وريبة ، سلوكي لا يدل على هذا أبداً ، وكنت ألجأ إلي الله وتعالي فأصلي وأطلب من رب العالمين أن أكمل طريقي وأصل إلي هدفي وأطلب منه أن يصيرني ويجعل هذه الظروف لا تؤثر على دراستي ومستقبلي .. ولكن يا أختي تحطمت أحامي وآمالي عندما عقدوا قراني على شخص لا اعرفه ولا عمري رأيته ، وفي لحظة كان كل همي دراستي ، ولكن رغبتهم كانت أقوي من توسلاتي وبكائي وسخطي وثورتي . كنت وقتها في ثالث ثانوي ” علمي ” تزوجت وعشت مع زوجي حياة لم أقتنع بها حتى هذه اللحظة وتوسلت له أن يتركني أكمل تعليمي فرضي بذلك على وأكملت رابعة ثانوي ” مسائي ” ونجحت ونويت أن أدخل أي كلية ولكن زوجي رفض بحجة أنني يجب أن أتفرغ لتربية ابنه ، والآن ابني عمره ثلاث سنوات وعندما أردت أن أرجع لإكمال تعليمي بعد جهد جهيد في إقناع زوجي فوجئت بأن الجامعة لا تقبلني لأنه فات زمن طويل على شهادتي الثانوية فتحطمت آمالي وشعرت أنها نهاية العالم ونهاية الطموح والآمال وكل شيء جميل في نفسي كنت أحلم به وأنتظر اليوم الذي يتحقق به حلمي ولكن اليأس انتصر علي.

أصبحت الآن فريسة للحزن واليأس الذي يعتصر قلبي ويجعلني أكره حتى نفسي لأنني إنسانة فاشلة برغم كل التعب الذي تعبته والصبر الذي صبرته.

إنني لا أحب زوجي ولا أمي ولا أبي فكلهم السبب في تحطيمي فكيف أعيش مع ناس أكرههم ويسخرون مني عندما أتحدث عن إكمال تعليمي ؟.. أشعر أن نفسي هدمت ولا تقوي على الحياة لأني أعيش بلا هدف بل أمل أنتظره .. ماذا أفعل ؟.. هل أنا مجنونة كما أظن نفسي أحياناً عندما أغرق في هستيريا البكاء ؟..

أرشديني ماذا أفعل .. أرجوك يا أختي ؟!

الاخت الطموح ..

أنها ليست نهاية .. بل بداية . بداية العودة إلي الطموح . ونهاية العيش في الزن واليأس .

ولذا لن أواسيك بعد عملية الاغتيال البشعة هذه لعقلك وطموحك وإرادتك . فانهيار معنوياتك وإحساسك الطاغي بالظلم بسبب بعض أفكار عتيقة مقيتة هو ظلم آخر لنفسك.

استمري في المقاومة إذن اشغلي عقلك العميق الكبير بالكتب والدراسة فهذا أفضل لك من اليأس وهستيريا البكاء .

اشبعي الأمل بأماني المستقبل . وأغلقي فوهة الأسى وبئر القنوط وانطلقي واضعة أمام عينيك هدفك المضي ثانية..

وليكن هذه المرة هدفاً مزدوجاً يحوي طموحك الشخصي ، ونجاحك الأسري كزوجة صالحة وأم ناضجة لطفل صغير.

 

أريدك شاعراً عاشقاً

تحرقت بي حباً

تمنيت لي وصلاً

تغنيت بي شعراً

لكنك .. عاشقي

أتيت تسائلني وداداً .. وحباً

فجنيت بعاداً وهروباً وصداً

أنسيت أن لي قلباً … وعهداً؟!

لماذا عاشقي .. لماذا تبقي

محباً تحلم بلقائي … رغم المسافات ؟!

عاشقاً تنبذ الصمت .. تطلق الآهات ؟!

شاعراً جهوراً … تفضح سره الأبيات ؟!

لماذا عاشقي …؟!

آه …. دعنا من العشق والنوى والفتون

رجاء …. تماسك

لا تمس قيس ليلي … بالهوى مجنون

حذار أن تسلني :

هل أصابك الوله بمس من غرور؟

أو تسائلني :

أليس الهوى نوعاً من جنون ؟!

وإليك أدعو

اتبقي رمزاً للصلابة . للعناد .. وللصمود

أنا جيك ..

لا تتقتل الحب بنشوي اللقاء

لا تطفئي الشوق في الأحداق

أنا .. أدمنك شاعراً بي مفتون

أهيم وأهوى لوعة الحب في العيون

فدع الحب حبيبي …

دعه يسافر .. يرحل في الفضاء

اطلقه طائراً حراً .. يلحق حيثما شاء

أبقه فرحاً سعيداً .. بلا رباط أو قيود

أتركه طائراً شريداً .. لا مسافات .. لا حدود

لا تقيده الأحرف

لا توثقه الكلمات

… فأنا إن لقيتك شاعري

تتداعي الأشياء … كل الأشياء

وتنشغل بي عني … حين اللقاء!

وتصمت في قلبك الآهات .. والأنات

وتسكن قصائد الحب عينيك والأشواق

وتهمل الشعر .. والقلم .. والأوراق

وتتوه المعاني .. تضيع المني وتخفت الأضواء

والأصداء

… وتخسر الدنيا شاعراً قادراً متفرداً

غني قصائد البعاد والهجر والفراق

لا عاشقي … لا

أريدك شاعراً عاشثاً .. غزي العطاء

أريدك نجماً ساطعاً … باهر الضياء

تحفة الرؤى .. تحيطه الأضواء

أريك شاعراً عاشقاً .. عبق الأجواء

تملأ قصائد الدني .. تجوب الآفاق

فلا يقولون عنك حبيبي

هزمته نشوة الحب .. حين اللقاء!!

طرزان!

خطبت قريبة لي فوافق والد فتاتي على الزواج بعد سنة فقبلت بهذا الشرط ، لأنني أريد أن أسافر للعمل ووفقت وعملت وبعد ما يقارب السنة جمعت مبلغاً من المال لا بأس به ، وقد اقترب موعد زواجي ولي صديق أستشيره في بعض الأمور وعندما سمع حديثي عن الزواج سألني هل خطيبتك متعلمة قلت : لا ، فقال : عندي شخص طيب له بنت يريد أن يزوجها وهي جميلة ومتعلمة ولأنني أعجب بالمتعلمة فقد وافقت وذهبنا أنا وصديقي إلي هذا الشخص الذي قابلنا بالاحترام وكلمناه فقبل بشرط أن أسكن معه . وافقت وتزوجت من ابنته وبعد مضي شهرين فوجئت بعمتي التي هي أم زوجتي تحضر عندي بعد أن ذهبت زوجتي إلي المدرسة وطلبت من أن أشاركها الخطيئة فلم أوافق على طلبها وقررت إذا لم أطعها فسوف تفتن بيني وبين زوجتي التي تحبني وحاولت أن أنتقل من عندهم إلي مكان آخر ولكنهم رفضوا لأن زوجتي صغيرة وتجهل بعض الأشياء فتطيع أهلها ، وحاولت الكرة مرة أخرى وهددتني وقالت هذه آخر مرة أكلمك إذا لم تقم معي فسوف أريك بعينيك وأعمل لك فضحية ، فشردت وتركت لهم البيت وكل ما أملكتع فيه وذهبت لصديقي وأرسلت شخصاً آخر ليحضر ملابسي فقط وتركت زوجتي الحبيبة وممتلكاتي وسافرت حافي القدمين إلي أهلي . لم أخبرهم بواقع بل ذكرت لهم أنني طلقت زوجتي وعدت إليكم حتي عملي تركته .. وأرسلت لها ورقة الطلاق بالبريد وبعد ايام كلمت الوالد لكي نجدد الخطوبة على قريبتي ولأن أهلها علموا أني تزوجت من فتاة رفضوا زواجي بعذر أني قصرت في حقهم مع العلم أن خطيبتي تحبني ، فحضرت إلي بعد أن أنتهزت فرصة من أهلها ، والحقيقة أقولها بصراحة سلمتني نفسها ، فلم أفكر في عواقب الأمور . وأخبرت أمها بواقع الأمر وتحملت من العذاب ألواناً ولكن لم تخبر والدها فيقتلها ولا زال والد فتاتي مصراً على عدم زواجهامني وأنا في حيرة لا يعلمها إلا الله وأرجو أن تدليني إلي الطريق الصحيح لأن الانتظار طال ولا أدري بماذا أتصرف وأخاف أن يطلع على حقيقة الأمر ويحصل ما لا تحمد عقباه والله يحفظكم …

في النصف الأول من مشكلتك أنت لم تخطئ ، بل على العكس تصرفت بشهامة ونخوة ، وأبيت أن ترتكب المعصية مع أقرب الناس إلي زوجتك ..

ثم تأتي حكاية طلاقك ، وهي حكاية أؤيدك فيها رغم قسوتها على زوجتك المحبة ، والتي كان يجب عليك أن تمهد لها ، حتى لا تصدمها هذه الصدمة العنيفة والتي لا تستحقها..

المهم …

ما حصل قد حصل ، والله يتولي الجميع بعطفه ورحمته …

ونعود الآن إلي النصف الثاني من مشكلتك ، ولست أدري وأنت الرجل العاقل المتماسك ، كيف أنهرت بهذا الشكل ، وكيف أخطأت بهذه الطريقة .. ومع من ؟!

مع الفتاة التي أحبتك ، وبقيت تدافع عنك أمام أهلها ، وظلت تتمني الأرتباط بك ؟! مهما كان الواقع ومهما كان السبب فأنا لا أعفيك من المسؤولية والجرم علة ما فعلت بفتاة صغيرة عاشقة .. فتاة تنتظرك زوجاً محباً غيوراً ، لا حبيباً مختلساً هارباً !!!
عموماً … ليس أمامك إلا الذهاب إلي والد الفتاة ومقابلته واستدرار عطفه ، وأرسل إليه كبار العائلة فربما يستحي منهم ، ويكف عن مغالاته في الرفض…

استمر في الضغط عليه ، أنت من جهة ، وفتاتك من جهة ، وبعون الله يقبل ويوافق ، وتنحل المشكلة ، ولا داعي لهذه الأخطاء الغرامية الطرزانية مرة ثانية أرجوك ..

 

الشك

أنا شاب متعلم تعرفت على فتاة أصبحت تحبني وأحبها أيضاً تقدمت لخطبتها لكن أهلها شعروا أن هناك علاقة بيني وبينها فرفضوني .

لم نستطيع قطع علاقتنا فهذا شيء صعب ، هي أنهيت دراستها الجامعية .

مشكلتي هي الشك . في بعض الأحيان يراودني شك لا أعرف مصدره هل بسبب ما عملته معها من محرمات أو بسبب أنها تمشي مع فتاة لعوب ، هي تحبني بشدة لكن الشك موجود وأنا واثق أنها تحبني . أنا إنسان تستطيعين القول بأنني أخاف الله كثيراً لأني تربيت في بيئة دينية ، لذا دائماً أفكر في أمرين :-

أولاً : أتزوجها بسبب ما ارتكبته من حماقات محاولة لإرضاء الله ولأنني أحبها.

ثانياً : لا أتزوجها لأن الشك موجود ولأنني أحبها فلا أحب أن أراها تتعذب أمامي مستقبلاً نتيجة شكوكي.

أفيديني وأريحيني.

أخي …

لن تندهش مثلي لو عرفت أن بعض الرجال في القرن العشرين لا تختلف عقلياتهم كثيراً عن عقليات الرجال في العصور القديمة !!

والرجل الشرقي مسكين يعاني من تمزقه بين أساليب القرن العشرين وتقاليد العصر القديم !! وهو بكل علمه وتعلمه ، بكل انفتاحه وتطوره، يحمل بين جنبيه الرجل القديم المتعصب ، الذي لا يغفر ولا يقبل ” علاقة ” ما للأنثي بالرجل مهما كان الحب سائداً!

فأنت بحبك العارم لفتاتك ، ورغم تثبتك من حبها ، إلا أنك تسقط فريسة للشك ، لأنها سمحت لك بارتكاب حماقات معها !!

وهذا هو أفدح الخطأ الذي تسقط فتاة ، ولعل مشكلتك تنبع من هذا الصراع .. فاسع إلي فهم نفسك وسبر أغوار ” شكك ” وبعدها قرر الزواج ، والله سيقف إلي جانبك لأنك تخشاه وتخافه.

أما مشكلة ” صاحبتها ” فهي ليست بذات أهمية ، لأنك لو طلبت منها مقاطعتها فستفعل لأنها تحبك فلا تقلق…

انتظر الأيام

شاءت الأقدار أن ألتقي بها ، فهي خجولة ومؤدبة وبكل ما تحمل هذه الكلمة من معني . صارحتها بحبي ووجدت نفس الشعور من جانبها . علمت بأنها مطلقة ولها بنت ولم يتغير شعوري نحوها . وذات يوم وكنا نسير معاً صادفت في الطريق أحد الزملاء وتصافحنا ولكني لمست بعض الارتباك عليها ولم أسألها ، وعند ذهابي للعمل في صبيحة اليوم الثاني قابلت هذا الزميل الذي أوضح لي أسباب ارتباكها وأنه التقي بها قبل فترة ، ولم أصدق حتى أكدت لي هي ذلك وبرزته بأنها فعلت ذلك ” انتقاماً ” من زوجها الذي بدأ بالخيانة ودارت الأرض بي .. ولكنها أكدت لي أنها أول غلطة في حياتها ولن تتكرر مرة ثانية . وغفرت لها واستمر حبنا أربع سنوات إلي أن حدثت مناقشة حادة وقررت الانفصال عنها وقبلت ذلك . وافترقنا لمدة تسعة أشهر وفكرت في السفر وفعلاً سافرت ومكثت عشرة شهر وأرسلت لها ما يقارب العشرين رسالة ولم ترد على واحدة منها . صدقيني لقد تعذبت كثيراً وأخيراً فكرت في الزواج من إحدى بنات العائلة مع أنني لا أحمل لها أي حب واتصلت بالوالدة لإتمام الخطوبة وفعلاً تمت الخطوبة .. وعند رجوعي إلي أرض الوطن في أول إجازة ، صممت على زواجي من حبيبتي ولكن يا أخت كريمة .. ينتابني بعض الأوقات شعور بأن زواجي منها لن يدوم طويلاً وتمر بمخيلتي أحداث ماضيها ومشكلتي هل أتزوجها وأعيش مع خيالات الماضي المؤلم أم أتزوج من قريبتي دون حب ؟! إنني أحبها حباً يعجز القلم عن وصفة . دليني بربك وليوفقك الله.

أخي العزيز …….

حبيبتك لا تحظي بثقتك . والزواج ، أي زواج ، لا يمكن أن يقوم على عدم الثقة . فهي بمثابة الرأس من الجسد.

وقريبتك لا تنعم بحبك . وزواج بلا حب ماسخ ، لا طعم ولا نكهة له.

وفي كلتا الحالتين لا يوجد الأساس المقنع ولا الدافع القوي لقيام الحياة الزوجية ، كما لا يوجد الاستقرار العاطفي الذي تحتاج له كزوج وإنسان . لا داعي لأن تبدأ حياتك بالمشاكل . ولا تورط نفسك مع هذه أو تلك .

 

رجاء…….

لا تتعجل ولا تتسرع كي لا تعايش الندم في الآخر ، وانتظر مع الأيام فالمستقبل عريض أمامك.

 

كريمة شاهين

 

قلبى وقلمى

قلبى وقلمى

 

 

 

 

 

 

قلبى وقلمى

 

 

 

 

 

 

كريمة شاهين

 

 

 

 

 

مقدمـة

عندما غزوا قلبي ..

.. كانت الأمور عادية جدا فى نظري، فأسلوب الحياة كما هو، لاتغيير، لاتبديل      .. لاشيء غريب على الإطلاق يثير الريبة أو يلفت النظر، سوي السرعة والهمة والحماس فى إعداد حاجيات السفر ..!

وكما يحدث كل سنة، في هذا الوقت من الصيف بالذات، غادرت الكويت إلي        القاهرة، ومنها إلي لندن، حيث الأهل ومعظم الأصدقاء هناك. كان ذلك في النصف الثاني      من شهر يوليو، حين غادرنا كلنا، الأولاد والمربية وأنا، في حين بقي أبو أحمد، زوجي العزيز، في الكويت علي أمل أن يلحق بنا يوم 5/8 وهو اليوم الذي حدده لبدأ عطلته الصيفية المرتبطة بظروف عمله في ديوان المحاسبة.

كان كل شى علي مايرام، الأمور مثل ماهي عادية، بل وأكثر من عادية ولاشيء-  كما قلت- يثير الريبة أو يلفت النظر.

بدأت العطلة فى لندن ما بين زيارات الأهل والأصدقاء، والتسوق والتنزه في المتاحف والمطاعم والحدائق، وهكذا، قضينا معظم الوقت بإنتظار وصول أبو أحمد، وبذلك يلتم شمل  أسرتنا، وتكتمل فرحتنا.

لكن .. للآسف! لم تسر الأمور حسب توقعاتنا، فقد حدثت كارثة الغزو!! وكان الذهول أكبر من تصديق الخبر!! مستحيل مش ممكن مش معقول!!

ولم تكن تكفي كل أنواع أدوات الإستفهام للبحث أو العثور على إجابة هذا السؤال!

.. والباقي طبعا معروف للجميع، فبعد إتصالنا بالكويت فى أول الغزو، وبعد أن   كلمنا أبو أحمد وسمعنا صوته الذي جاء مكتوما مختنقا، مما أعطانا إنطباعا مرعبا كما لو كان هناك جندى مسلح يقف بجانبه، مصوبا فوهة البندقيه إلي رأسه ..!

و.. كالمقصلة .. أخذت الأيام تسقط ساعاتها واحدة وراء الأخرى، تقصف كل منها نبتة أمل غضة كانت تنمو فى نفوسنا، تورق فى قلوبنا، تبشرنا بقرب إنحسار العدو ..  وسحب قواته!!

وبعد صدمة الصدمة، وبعد أن أفقت إلي نفسى، تذكرت إننى صحفية تذكرت إنني كاتبة لي قراء – ما شارالله مرتبطين بى، يبادلونني حبا بحب، كما تذكرت إنني لم         أكتب لهم كلمة واحد عن مكانى تطمئنهم علي سلامتى .. فأيقنت أنهم لابد وأن يكونوا قلقين على يودون معرفة مقرى .. وأين يمكن أن أكون..!!

 

وعلى الفور، بمجرد أن طرأت الفكرة ببالى، إتصلت بالأستاذ الله باجبير رئيس  تحرير مجلة “سيدتى” فى ذلك الوقت، طالبة منة على إستحياء أن يسمح لى بنشر خبر  وصورة كى أخطر قرائى إني موجودة الحين فى لندن، وإننى بخير والحمد لله.

.. وكانت المفاجأة الحلوة حين أصر الأستاذ عبد الله باجبير – حياه الله – على أن أحضر بنفسى إلى مقرالمجلة 184 شارع “هاى هولبورن” كي أكتب لقرائى وكى أطل    عليهم .. عبرنا نافذة “سيدتى” التى فتحت لى باب القلب على مصراعيه ترحب وترحب بي..!

آه .. مستحيل أن أصف قدر الإرتياح الذى أحسست به فى تلك اللحظة! مستحيل أن أعبر عن الفرحة التى تملكتنى في ذلك الوقت الصعب البغيض، وأنا أمسك القلم وأعود أكتب بقلبي لقرائى أشاركهم مشاعرهم، وأنقل لهم شيئا من مشاعرى فى تلك الظروف الرهيبة التى زلزلت النفوس، وهزت الرؤوس .. وحطمت القلوب!

حقا .. كانت محنة! وأى محنة! لن نختلف على ذلك أبدا، ولن أخوض الآن فى تفاصيل طويلة، أعتقد إننى كتبت الكثير عنها من قبل، فقط .. أحب أن أقول اننى كنت    على بقين تام، مطلق وعميق بأن الحق حتما سوف ينتصر مهما طال الزمن، وإن الباطل  مهما طال فإن عمره قصير .. قصير!

أيضا .. أود أن أضيف إننى كنت أشعر براحة القلب والضمير، عندما عدت للقاء قرائى أحبائى، الذين أتيحت لى فرصة لقائهم، إعتبارا من الأسبوع الخامس بعد الغزو .. لأكون معهم، أصحبهم، أخفف عنهم رحلة عذاب لم يكن أحد يعلم وقتها، إلى أى مدى    سوف تطول .. أو تستمر!!

وفى العدد رقم 496 فى مجلة “سيدتى” نشر لى مقال “حتى أعود الى الكويت” بتاريخ 10/9/1990 ، ومن بعدها توالت المقالات دون توقف، حتى يوم 7/6/1992 وهو اليوم الذى نُشر فيه مقالى “كنت أود أن ..” فى العدد رقم 586 ، والذى أعلنت فية عجزى عن متابعة العمل الصحفى بهذا القدر، نظرا لتغير ظروف الحياة حولى، بعد تغيير موقع   معيشتى، وخوفا من توقف تدفق خواطرى، بعد ان أحسست بضغوط ضخمة، ومسئوليات صعبة، بدأت تجفف نبع مشاعرى ..!

ومضت سنوات وسنوات، بحلوها ومرها، وها أنا أُعايش الآن ذلك الحدث الأليم مرة أخرى بكل تفاصيله المرعبة وأحاسيسه المحرقة، التى حركت مشاعرى حين بدات أكتب   تلك القصة التى أثرت كثيرا فى نفسى، فآلمتنى، وأوجعتنى، وجعلتنى أتجرع مرار العذاب مرة أخرى ..!

وكما يقولون، الشئ بالشئ يذكر، ها أنا أجمع بعض مقالاتى التى كُتبت بدم قلبى،    ومداد روحى، وطبعت بأحرف إحساسى، ورسمت بريشة مشاعر .. علها تضيف عمقا، وتُضفى معنى، وتوضح موقفا عاشقا للكويت، جاء صادقا، صريحا، ساطعا، لم يكن          يخفى حبه على أحد، ولم يكن يخاف من سطوة أحد بفضل الله وسنده، حتى صدام نفسه!

نعم .. اذكر ضاحكة فى عز وقت الأزمة، كيف كان بعض الأصدقاء يحذرننى أكثر من مرة من صدام وأعوانة الكثار! وكيف كانوا يخوفوننى من عاقبة هذا التهور والتهجم! وكيف كانوا ينصحوننى بالإعتدال فى الكتابه والكلام، إذ أن أعدادا من التابعين المنافقين        فى كل مكان..!

رغم ذلك لم أهتم بقولهم، كنت مقتنعة فعلا بما أقول وأفعل فقد كنت غاضبة،      حانقة بسبب إستمرار هذا الظلم الواقع، كما كنت مؤمنة بقدرة الكلمة، وقيمتها، وتأثيرها،     بالذات فى ذلك الموقف، وفى ذاك الظروف، الذى كانت تسعى العراق فيه لأن تؤكد حقيقة الوضع القائم، خلال زمن بائس قاتم كانت تعتبر دولة الكويت فيه .. “المحافظة 19” فى       جو إعلامى معتم مُغرض يجعل .. صدام حسين .. ملء سمع العالم وبصره!

ومع ذلك لم أخش فى الحق لومة لائم اتكلت على الله وكشفت واضحة          مشاعرى، وأظهرت صادقة احساسي، وعبرت صراحة عن أفكارى دون أهاب            تهديدا، أو أرهب وعيدا .. فكنت أقول ضاحكة لمن يحاول أن يخوفنى:

– ياللا.. بسيطة العمر واحد والرب واحد .. محدش بيموت ناقص عمر..!

وهكذا .. مضيت أتابع قضيتى .. وبقيت أعانى محنتى، واقاسى مصيبتى فلقد كان الوضع النفسى الموجع فوق كل تحمل .. وأصعب من كل قدرة على الصبر .. والاستمرار!

مضيت ..كما أردت وتمنيت ان اكون الحب نبراسي الامل رفيقى ،التفاول           طريقى .. الى ان عبرت الازمة وراحت المحنة وأنقضت المصيبة والحمد لله. حقا..”      أشتدى يا أزمة إنفرجى.”

فقط .. يبق فى القلب الاثر غائرا بين حنايا الروح محفورا فوق جدران الوجدان     .. فهذا الشعور لانملك حيالة شيئا فهو أبعد من الوصول الية ،وأصعب من محوه         والتخلص منه ،وأقوى من القضاء عليه ..!

لذا .. بهذا الاثرالرهيب لذلك العدوان العراقى الغاشم على دولة الكويت ،مازلت      أحيا، وفى الروح غصة تجعلنى أحيانا أعانى، أقاسي، فالنفس بيد خالقها .. والشعور        لايملك الإنسان حياله صنعة ولا إعتراضا .. ولاإختيارا !

                                                                                                                                                                           كريمة شاهين


حتى أعود إلى الكويت.[1]

قرائى الاحباء ….

من قلب القلب أكتب لكم، بعمق الشوق والخين والحب التقى بكم، لا لأواسيكم معاذ  الله ولا لأعزيكم لا قدر الله ولكن .. لأكون معكم لابقى إلى جانبكم رغمم قساوة الحدث وبشاعة الواقع وصعوبة الأتصال.. فالبعاد عنكم لا يعنى إلا الموت بالنسبة لى .. فهل تؤيدون رغبتى .. فى الحياة؟ أومن بذلك.

والأن .. أنا هنا فى لندن .. مازلت منذ حضرت قبيل الغزو ببضعة أيام وحيث التقى بكم “موقتا” عبر الشقيقة العزيزة مجلة “سيدتى” وحتى أعود الى الكويت. لن أقول حتى    تعود الكويت فالكويت لم تذهب لأقول حتى تعود.. ولن أقول حتى تعود الكويت .. فالكويت لم ترحل لأقول حتى تعود.

ولكن سأقول حتى أعود إلى الكويت، فأنا التى سافرت .. أنا التى ذهبت .. وانا التى سأعود .. سأعود إلى الكويت باذن الله.

وفى الحقيقة .. أود أعبر عن عميق تقديرى وبالغ امتنانى لرئيس تحرير” سيدتى” 0 على اتصاله الدمث بى، وعلى دعوته الرقيقة لى لأستضافتى لحين عودة “اليقظة” الغالية    إلى قواعدها سالمة بإذن الله تعالى، ولكى لا أغيب عن القراء الكرام حفظهم الله.

ولهؤلاء القراء الكرام، هؤلاء الناس الطيبين أدعو الله أن يرفع عنهم هذا البلاء، وأن يرحل ذاك العناء بعون الله القادر لنعود جميعا فى أقرب وقت، إلى الحبيبة الحبيبة … الكويت.

***

 

نحن نتنفس هواء الكويت ..[2]

قال لى صديقتى أنها مع كل يوم يمضى تزداد ضيقا وأكتنابا فالمدارس بدأت    لأطفال ما زالوا فى البيت. من يصدق أننا نعيش بعيدا عن الوطن؟ الشهر الثانى بعد      الغزو الملعون؟ من يصدق؟ تتنهد فى أسى. تعود تقول فى وجوم: وكل يوم يأتى بمشاكل  أكثر من اليوم الذى سبقه. ولكن .. عندما أشعر بأنى بدأت أعجز فعلا فأنى أغمض عينى .. وأرى الكويت.

نعم .. أغمض عينى الكويت. أرى بحرها وسماءها وأشعر بحرارة شمسها.

وهنا ..احس بارتياح، أتنفس بهدوء، ابتسم .. وأكمل بقية يومى ..

****

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ولسوف تستمر الحياة.[3]

تمضى الأيام وأنباء العدوان الغاشم على شعب الكويت ما تزال تتصاعد          مصحوبة برائحة الغدر والقتل والهوان حتى صارت تشمئر منها النفوس، وتستبشع نذالتها القلوب والعقول.. تلك التى تأبى أن تصدق ما يحدث وما يكون!!

ومن ثم بدأ اللعب على أوتار الخوف وتمادى الظالم وأعوانه فى أبتكار أساليب الأرهاب لكسر طوق المقاومة الشعبية من حول عنق رجالة المعتدين المحتلين المدججين بالسلاح لكنهم رغم ذلك لم يستطيعوا أن يسكتوا الصوت العذب الصافي النقي الرافض الإستسلام للواقع المؤسف، الطامح فى إسترداد الأرض .. وعودة الوطن بعون الله.

فللأسف، حاول الهدام صدام بكل صلف ووقاحة وتمنى هو وأعوانه اللئام محو هوية الشعب الكويتى الأصيل لكنه مؤكد لم يكن يعلم كيف أن هذا الشعب طول عمره شعب صلب قوى صبور. شعب0 طول عمره فى صراع مع الطبيعة مع البحر مع، الشمس مع الرياح مع الصحراء …

أن شعب الكويت مع ظهور النفط تأقلم مع الواقع الجديد وصنع واحة من الرخاء فى الصحراء العربية، صارت محط الأعين، ومهوى الأفئده ومطمعا يسيل له لعاب أصحاب الجشع الجوع والغدر والنفاق!

الآن .. الشعب الكويتى يمر بأزمة حقا كبيرة لكنها ليست أزمة قاتلة بالنسبة له،    فالشعب الكويتي في ثقافته في تاريخه شعب مخضرم، إنه مرة أخرى قادر على أن يتحمل أن يصبر، أن يناضل أن يكافح أن يقاتل .. وأن يحيا مع الأمل القريب في إسترداد الوطن   الحبيب السليب.

أن الشعب الكويتي لن يدع واحته الخضراء اليانعة ينعم بها الغاصب المعتدي، ذاك الذى يغالط ويعاند ويكابر ولا يريد أن يعترف بالفارق بين الحق والباطل .. لكن لن يموت حق وراءه مطالب.

وليعلم الجميع أن لكل ظلم نهاية ولكل ظالم جزاء وعقابا ولن يفلت أبدا هذا الصدام المصدوم من نتائج فعلته، المبهوت من وقفة أمم العالم ضد عدوانه الغاشم لغادر على شعب أمن مسالم، ذلك العدوان العدائى الذى أراده ليبتلع كتان دوله، وليمحو هويه شعب!!

لكن .. لا.. مهما فعل فبأذن الله، سيبقى الشعب، وتعود الأرض ..ولسوف       تستمر الحياة!

 


اغلى من الحب .. والحياة![4]

أخت كريمـة ..

   أكتب لك للمرة الثانية من لندن، ولعلك تذكرين رسالتى السابقة التى كتبتها لك منذ فترة طويلة عندما كنت تحررين باب “أحرف وكلمات” فى مجلة “النهضة” بالكويت، ونشرت    حينئذ مشكلتى تحت عنوان نافذة على الوطن .. فهل ما زلت يا ترى تذكرين قصتى؟!

على أية حال من باب الإحتياط سوف أذكرك سريعا بها وعسى أن لا أطيل عليك أو أضايقك بسردها، لكنها الضرورة تحتم ذلك لتكوني معى في الصورة .. ولترى ماذا فعلت بي الأيام خلال تلك السنوات! قلت لك في ذاك الوقت اننى شاب فى مقتبل العمر على قدر كبير من الثراء.

ووصفت لك كيف كنت ألعب بالملابين لعبا، كيف أننى تزوجت عن حب من فتاة على قدر كبير من الجمال، وأنجبت منها ثلاثة أطفال هم لى قرة عينى والحمد لله.

كما ذكرت لك أننى تخرجت من أحدى كليات انجلترا حيث درست علوم الطيران، ومارست عملى بعدها فى الكويت. ثم أستقلت بعد عدة سنوات، وتابعت أعمالى الحرة بنجاح منقطع النظير، إذ كانت شركاتى التجارية تدر على أرباحا هائلة.

بعدها .. دفعنى الطموح إلى تحقيق المزيد من النجاح والمال، والثراء فاقتحمت لجة سوق المناخ، واشتغلت، وتضاعفت ثروتى عدة مرات .. حتى حصلت الكارثة وخسرت أموالى وأموال الناس وغرقت فى طوفان الديون!

وللأسف .. عجزت عن السداد فصدر ضدى حكم بالسجن، فاضطررت إلى الهرب من البلاد والفرار إلى الخارج حيث عشت طريد العدالة أخشى العودة إلى الكويت كى لا تنفذ ضدى عقوبة السجن.

و.. مضى بى العمر هنا، وأنا أعانى من البؤس والضياع وأوارى الحزن فى ضباب لندن حتى أصابتنى الكآبة والوحشة بالمرض لفراق الأهل والبعاد عن الوطن. والشوق إلى الأسرة والأبناء .. وخاصة زوجتى .. حبيبتى.

حكيت لك مأساتى وشرحت لك كيف أننى كنت أكاد أجن بسبب قلقى الشديد لفراق زوجتى الجميلة الشابة. وقلت لك كيف أننى أفكر فى طلاقها، لأننى أخشى من وقوعها فى الفتنة وسقوطها فى هاوية الخيانة. وكيف أننى لا أطيق نفسى ولا أستسيغ حياتى وكل هذا الشك ينهش قلبى ويفتك بعقلى ويحطم أعصابى.

وجاءنى ردك بلسما يشفى جراح روحى، عندما قلت لى ساعتها: “أنة يستحيل على المرأة أن تخون وقلبها يمتلئ بحب رجلها، وأنها مهما ابعدتها الظروف عنك ستبقى تحبك وتخلص لك فى البعد تماما كما كانت تحبك وتخلص لك فى القرب، فاهدأ، وأطمئن، وابعد  عن نفسك اشباح الخيانة المفزعة.

ارتاح قلبى لقراءة ردك وهدأت نفسى فعلا بعد سماع كلماتك المطمئنة. وشاءت الصدف أن تقرأ زوجتى رسالتى اليك، وعرفت من طريقة كلامى أننى صاحب تلك المشكلة فكان أن سارعت بالحل من جانبها فى السر، دون تخبر أحدا من أهلها بعزمها وقرارها.

نعم أخت كريمة .. أنا مدين لك بمساعدتى بعد تلك الفترة العصبية التى لا يعلم غير الله كم عانيت خلالها، وكم قاسيت أثناءها، وكيف أننى كنت أعيش ذليلا منبوذا مشردا بعيدا عن الوطن، بلا مال ولا جاه ..

ولا حتى أسرة يضمنى واياها بيت كباقى الرجال!

جاءت زوجتى فى عطلة الصيف مباشرة ومعها أطفالى الثلاثة، وفى حوزتها كل أموالها، وكافة الأوراق الرسمية المطلوبة لأدخال أبنائى المدارس هنا فى لندن.

ولم ترجع زوجتى إلى الكويت بعدها أصرت أن تعيش معى هنا بعد أن قدمت استقالتها من عملها وبعد أن رفضت محاولات الأهل المستميتة لأبقائها إلى جانبهم لحين عودتى والأكتفاء برؤيتى فى الاجازات فقط.

حقيقة .. فرحت بوجودها معى كما لو أنى ولدت من جديد خاصة خاصة وأن الحب بيننا زاد وتضاعف طوال فترة انقطاعنا عن بعضنا البعض، لم يطفئه الفراق والحمد لله، بل لقد أجج ناره وزادها وهجاو لهبا واشتعالا.

ومعا .. عشنا والحمد لله فى راحة واستقرار، وكلانا حريص على أن يضحى من أجل الأخر حتى استدعى ذلك أن يفديه بعمره وأن يهبه، عن طيب خاطر حياته ..ومضت بنا الأيام عذبة شجية وما لبثت أن عادت إلى صحتى التى كدت ان أفقدها، بعد أن تدهور بى الحال من القمة إلى القاع.

و.. رجعت إلى ممارسة أعمالى من مقرى فى لندن، وبعون الله استطعت أن انهض من جديد وعرفت كيف أسير بشركتى الأوربية نحو طريق الثروة الجاه بعد طول فقر وهوان. بعدها .. التحقت زوجتى باحدى الكليات هنا، وشغلت نفسها بدراسة فنية تحبها وتهواها وعرفنا معا كيف نصوغ حياتنا بطريقة ما تقربنا قدر الأمكان من الوطن الحبيب وانتظرنا بفارغ الصبر والأمل فى ان تسقط مدة غيابى عن الوطن الحكم الصادر ضدى بالسجن هناك ثم .. ثم وقعت أخير أزمة الكويت .. سقطت على قلوبنا أنباء الغزو الغاشم مصيبى لا حد     لها، كارثة لم نتوقع حدوثها .. توالت الأخبارعنيفة أليمة موجعة حتى نفد صبرى وفرغ مخزون قدرتى وطاقتى على الأنتظار أكثر من ذلك ..

وفى المساء .. شاهدت زوجتى تبكى بعد أن تابعت نشرة الاخبار ورأت كيف يمارس العدو المغتصب أساليبه القذرة ضد شعبنا الطيب المسالم، فقرت أن أصارحها برغبتى فى العودة إلى الكويت للأنضمام إلى صفوف المقاومة الوطنية هناك.

وفى حماس جارف أيدت زوجتى قرارى وقالت فى فرح ظاهر وهى تجفف دموعها: وأنا لا بد أروح معك .. لازم كلنا نقاوم العدو ما فى فرق الحين بين رجل وإمرأة كلنا فداء الكويت والكويت إن شاء الله سترجع لنا.

صراحة .. فوجئت بموقفها فهذا الشئ لم أعمل لة حسابا أبدا، لم أتوقعه أبدا فى الحقيقة .. صعقت لما سمعت كلامها، انبهرت من تصميمها فقد كان تخطيطى أن تظل هى هنا ترعى الصغاروتشرف على تربيتهم فهم أطفال مازالوا عاجزين عن العيش بمفردهم فى دوامة هذة الحياة الغريبة عليهم.

حاولت معها مرة ثانية وعاشرة أن أقنعها بالبقاء هنا حتى أستطيع السفر لاداء       مهمتى السامية نحو وطنى الحبيب، وأنا مطمئن مرتاح البال عليها وعلى أطفالى وكى اتفرغ تماما لتنفيذ مهمتى فى النيل من العدو، حتى يعرف أن للكويت رجالها، وأنها ليست فريسة سهلة لكنها .. ابدا لم تسمع ولم تطع مرة ثانية حاولت معها لأقناعها بأن هذه مهمة دفاعية حساسة تقع على عاتق الرجال وحدهم لأداء واجبهم نحو بلدهم بهذا العمل الفدائى الوطنى الخطير، دون أى عاتق أخر يعوقهم، ويعرقل حرية الحركة فى تنفيذ خططهم ..

وأفهمتها أنها وهى المرأة، معرضة لاحتمالات الأذى البدنى والأغتصاب على ايدي هؤلاء الأنذال الذين أعتدوا من قبل على بعض النساء والاطفال!!

لكنها .. أيضا..لم تسمع .. ولم تطع!

لذلك ..فى ليلة لم أنم ليلها، حزمت أمرى على الرحيل فى الصباح التالى وصممت على عدم أخبارها بعزمى وقرارى لكن .. لا أدرى كيف أحست زوجتى بحالى، إذ باتت طوال الليل إلى جوارى مسهدة تفكر وظلت تسائلنى: هاه .. عساك نويت تسافر وحدك؟! فكنت أنكر بشدة وأقول لها: لا.. لا.. خلاص .. هونت .. ماتفكرى فى هذا الموضوع.

ولم تنم هى الأخرى بدورها، كأن ارقى وقلقى قد تسرب منى وتسلل اليها رغما عنى نعم .. كان هناك إحساس خفى روحى يصل بيننا، ينقل أفكارنا دون بوح كلام!

وفى الصباح نهضت مبكرا بعض الوقت ودخلت غرفة أولادى اقبلهم وهم نائمون فى فراشهم. وجلسنا أنا وزوجتى نشرب الشاى صامتين مشغولى البال وكنت اتحاشى انظر نحوها حتى لا أطالع عيونها خشية أن تقرأ أفكارى، وتكشف سرى وتعرف نيتى.

و..ودعتها كأى يوم عادى .. وإن كان قلبى بفى يضمها بشوق كأنه يودعها نيابة عنى فقد كنت حريصا ألا أشعرها بأى تغيير قد يوحى لها بأن هذه هى ساعة الوداع .. ولحظة الفراق.

حاولت أن أضاحكها أداعبها لكنها كانت شاردة شاحبة، ساهمة واجمة .. وكأن    قلبها يحدثها هو الآخر .. بأنه قد حانت حقا.. لحظة الفراق!!

يا الله! .. كيف عرفت نيتى؟ كيف أدركت أننى أودعها .. ربما بلا عودة اليها رغم أنى تظاهرت بالذهاب إلى المكتب بطريقة عادية لا تختلف عن كل يوم حتى لا أثير ريبتها .. فهل يا ترى رأتنى وأنا أقبل عيالى مودعا؟ .. لست أدرى.

والحين .. ها أنا أجلس فى مكتبى أكتب لك هذة الرسالة ذهابى الى المطار مباشرة وكلى أمل ورجاء أن تنشريها بأسر ع ما يمكن، كى تقرأها زوجتى فأنا أعرف أنها تتتبع نشاطك الصحفى من زمان وتعرف أنك تكتبين الآن في مجلة “سيدتى”.

واسمحي لي أخت كريمة أن أخط لها تلك الكلمات وأن أرجوها أن تسامحنى على سفرى دون أخبارها .. وعلى تركى لها وأن تعذرنى فى ذلك. وهى حتما ستفعل لأنها تعرف أن حبى لوطنى يفوق حبى لأى شئ أخر فى الدنيا .. حتى حبى لها. وحبى لحياتى من أجلها.

أيضا .. أريدها أن تعرف اننى سأعيش ما بقى عمرى وفى قلبى حبها كبيرا كما    هو وتقديرى لتضحيتها من أجلى وتقديمها لى على أهلها وعملها ومالها مستحيل ان يمحى من ذاكرتى .. أبدا ماحييت.

إننى فى الحقيقة أريدها أن تغفر لى عدم اصطحابها معى إلى الكويت فى هذه المرحلة الحالية لأننى أخشى أن تعوقنى عن التصرف بحرية، وأن تعطلنى عن التنقل بخفة من مكان لمكان دون أن أحمل هم حمايتها وايوائها، والإنشغال بالدفاع عن عرضها والذود عن شرفها. أريدها أيضا أن تعرف .. أننى لست أنانيا حرمتها شرف الدفاع عن الوطن ذاك الشرف العظيم الذى قد تعتقد اننى ادخرته لنفسى دونها .. لا والله .. وإنما فقط لأننى أب يحب أولاده ويخاف عليهم ويريد أن يطمئن على حياتهم وعلى مستقبهم فى حضن أمهم .. وبعد رحيل والدهم وغيابه عنهم فى مههة تبذل فيها الروح رخيصة من أجل الدفاع عن الوطن ..لكى يتركهم مرفوعى الرأس .. مدى الحياة.

****


ليلة …. لم يطلع لها نهار![5]

هذ الحكاية الأليمة التى أفرزتها نتائج العدوان الغاشم الآثم على دولة الكويت سمعتها من امرأة فاضلة جمعتنى الصدفة معها، بينما كنا نقف عبر طابور طويل فى احد محلات لندن تحدثت السيدة معى بصراحة وكأنها كانت تنتظرمثل هذة اللحظة السانحة للبوح والتنفيس عن هذا الكم الهائل من الآلم والعذاب والمعاناة التى تضج بها نفسها والتى تكاد أن تذهب بثباتها، لولا ايمانها بالله سبحانه وتقبلها لإرادته ورضاها بحكمة وحكمته.

قالت حزينة بائسة: “والله أنا مصيبتى مصيبتان .. خسارة وطنى .. وخسارة أهلى. وما أنا عارفة أين أروح ولا كيف أتصرف مع عيالى واخوتى؟ حتى أمى نفسها صارت عاجزة عن تحمل هذه المشاكل التى تشوفها وتسمعها كل يوم عشرات المرات”.

تدمع عيناها، تختلج ملامح وجهها، يرتجف صوتها وهى تقول: “والله أنا صرت ما أقدر أتكلم مع أحد … خلاص كلنا صرنا مو قادرين نصبر على بعض ولا أن نتغاضى عن كلام بعض .. صراحة .. أعصابنا كلها مشدودة، وحالتنا لا يعلم بها الا الله”.

تنظر نجوى فى أسى، تعود تقول وكأنها تسال نفسها هل تصدقين أن أخى يمكن أن يقتل إبنى أو زوجى؟ وأن إبنى يمكن ان يقتل أخى أو أبى أو عمى؟ هل تصدقين هذة المصيبة؟

ثم بدات تحكى مصيبتها بعد أن انتهينا من دفع الحساب وجلسنا معا فى كافيتريا بنفس المحل نحتسى الشاى الذى أحسسنا بطعمه فى حلقينا مرا كالعلقم.

“وكانوا أصدقاء لنا فى الكويت فوالدى يشتغل بالتجارة وكان يسافر كثيرا إلى العراق وكانوا يزوروننا كثيرا بالبيت، وبدأت بعد فترة الاحظ أن إبنهم الشاب مهتم بى ومنجذب ناحيتى لكنى لم أعره أى إهتمام إلى أن أفصح عن حبه وأعلم والده ووالدته بأنه يحبنى ويريدنى. فتركت الأمر لأهلى الذين وافقوا عليه دون اعتراض من ناحيتهم كما كنت أتوقع. تم الزواج، واستمرت الحياة رضية بيننا وأعطانا الله ثلاثة أبناء وبنتين حرصا على أن نربيهم أحسن تربية وأن نعلمهم الأدب والطاعة والإيمان. كما حرص زوجى طول الوقت على أن يزرع فى نفوسهم حب الوطن، فقد كان مصرا على أن يوعيهم أنهم عراقيون. وأن إنتماءهم وولاءهم لوطنهم الأم هو الاساس!

لم أعترض على ذلك، ولم أعارض رغبته، وأعتبرت أن هذا حق من حقرقه لا      يصح لى أن اسلبه اياه فتركت له مسئولية تربية عياله كما منعا للمشاكل وحرصا على تجنب العناد وما يسببه من مواقف قد نندم عليها لو حصلت فيمــا بعد.

وبهذا المفهوم عشنا فى سلام ومضت الحياة بنا سلهة لينة. فكل ما نحتاجه متوفر وموجود بزيادة والخير كثيروالحمد الله، وعيشتنا رغدة مرفهة والرزق من عند الله.

كبر إبنى البكر إلى أن بلغ سن التجنيد الإجبارى فى العراق فأردت أن ندفع عنه مبلغا من المال ليتم اعفاؤه منه إلا أن زوجى رفض وأصر على أن يسافر إلى العراق ليؤدى واجبة نحو وطنه وليشعر بشخصيته مثل باقى الشباب الذين فى مثل عمره.

سافر إبنى و يدي على قلبى الملهوف لفراقه لكن تأكيد زوجى أن هذا الواجب المقدس شئ ضرورى ولازم على من هم فى مثل سنه وأننى “عيب” على أن أعترض وأن أدفعه إلى التقصير فى حق وطنه، والأولى بحب ووبذل الروح فداه.

سكت وحمدت الله فى سرى أن حرب العراق وايران قد انتهت وطمأنت نفسي أن بغداد قريبة وأنى أقدر أروح أشوف إبنى وإطمئن علية. وارتحت وتفاءلت بالخير وقلت خلاص .. ما عادت فيه حروب ثانية مع العراق والحمد الله.

ولكن قلبى إنقبض عندما بدأ صدام يهدد أسرائيل فى مطلع هذا الصيف وخشيت على إبنى أن يصيبه مكروه لا قدر الله، لو نفذ صدام وعيده وحارب اسرئيل وقعدت أصبر نفسى وأقول عساها ما تقوم الحرب، وتكون المسألة بس كلام فى كلام.

وجاء الصيف حارا هذه السنة فسافرنا إلى لندن مبكرا ليس كعادتنا لنقضى الصيف هنا بصحبة الأهل أمى وأخواتى كما هى عادتنا إلا ابنى الذى التحق بالتجنيد قبل عدة أشهر، وزوجى الذى ظل بالكويت إلى أن يحصل على أجازة من عمله ويلحق بنا، وولدى الذى كان مشغولا بادارة مؤسسته التجارية هناك.

بدأت الإجازة سعيدة هادئة فالأتصالات مع زوجى وولدى مستمرة والأحوال عادية، والأمور مستقرة لا يعكرها شئ سوى غياب إبنى عنا لأول مرة فى حياته …!

كانت هذه هى الغصة العنيفة التى أحسها فى صدرى تنغز قلبى وتسمم حياتى لكنى تصبرت وأخفيت الآمى ومخاوفي حتى لا أسبب مشاكل أخرى مع زوجى الذى يؤيد هذا الموضوع ويتحمس له.

وفجأة فى فجر ذلك اليوم المشؤوم ولا أعرف كيف أتحكم فى أعصابى جاءنا الخبر الأسود أن العراق غزا الكويت!! إتصل بنا والدى ومن بعده بقليل زوجى!!

صرخت .. صرخت وبكيت وأنا أكاد أشل من شدة الخوف والفزع بعد سماع هذا  النبأ الفظيع الذى وقع علينا كالصاعقة! فجاة .. فى ليلة واحد تنقلب بنا الدنيا فوق تحت ؟

معقول هذا الكلام ؟ العراق يهاجم الكويت ؟ والكويتيون يتقاتلون بالرصاص مع العراقيين ؟ يا    مصيبتى يا بلوتى ؟

آه يا قلبى .. ترى .. من أبكى أولا ؟

ضياع وطنى .. أم فقدان إبنى . أم هلاك أبى وزوجى وأهلى وعشيرتى؟

واستمرت المصيبة عنيفة أليمه طاحنة وتعذبنا ونحن نسمع أخبار الغزو الملعون الذى فى كل يوم تزداد وحشيته وبشاعته، وعرفنا كيف يفتك الجنود العراقيون بالكويتيين الآمنيين وعلمنا بذلك الدور البطولى الذى تقوم به المقاومة الكويتية من شجاعة واستبسال لصد هذا العدوان الملعون على أرض الوطن الحبيب!

رأينا فى التليفزيون هؤلاء الشباب الصغار وهم يركبون الدبابات والعربات المدرعة.. وتخيلت ابنى بينهم تصورته واحد منهم جاء يهاجم وطنه الثانى الذى رباه ورعاه ..          آه مصيبتى… وأمام هذا الوضع الخطير لم يعد أخى الأصغر يطيق الصبر وفى يوم ودون أن يخبرنا لا أنا ولا أمى ولا أحد من العائلة سافر وتركنا وكلف واحد من أصحابة بان يتصل بنا من المطار ليخبرنا بأنه مسافر إلى السعودية هو وأصحابه ليتسللوا من هناك ولينضموا إلى المقاومة الكويتية داخل الوطن.

وبكيت … بكيت بدم قلبى كما لم أبك طوال عمرى وازداد جزعى وعذابى وأنا أرى أمى تسقط مريضة أمامى وهى لا تكف عن الدعاء على صدام وعلى عسكر صدام وتطلب لهم الموت والهلاك.

وكانت عندما ترانى أبكى وأكاد أن أقع على الأرض من شدة الضعف والحزن والهزال تقول لى: “سامحينى يا بنيتى، أنا ما قصدت ولدك .. أنا قصدت هذا الظالم اللى ما يخاف ربه .. هذا الصدام الجبار اللى نسى نفسه وظلم عباد الله وياه”.

ويأتى الليل .. كئيبا أسود مرعبا .. ليل طويل فظيع لا أعرفه ليل تخلو سماؤه من النجوم ليل أسود حالك السواد .. كله كوابيس وأحزان كله أفكار سوداء .. فهل يمكن أن يقتل إبنى خاله أو جده؟ أم أن أخى الفدائى سيقتل ابنى .. أو زوجى؟

وأعود أتساءل وأنا أكاد أجن: من منهم سوف يقتل الثانى ؟ أنهم جميعهم مصيرهم أما قاتل .. أو مقتول والعياذ بالله . آه .. يارب .. الرحمة بعبادك يا أرحم الراحمين، أخرجنا من هذا العذاب بقدرتك وعظمتك يا قادر يا قوى يا عظيم.

وأنهض فى منتصف الليل أتوضا وأصلى .. فتهدأ نفسى قليلا ويسبغ الله على من رحمته صبرا وسكينة وأقعد من الفجر أتكلم مع أمى أشكو لها همى وهى مسكنية رغم مرضها لا يغمض لها جفن بل تسهر إلى جوارى تحاول أن تخفف عنى وتهون على فأقول على فأقول لها أطمئنها: إن شاء الله المسألة ما راح تطول .. وكل شئ سيرجع الى حالة بعون الله.

ونجلس معا نحاول أن نصبر أنفسنا على بلوتنا فأمى قلقة خائفة على ولدها وزوجها وأنا خائفة على ولدى وزجى، لا أقل عنها قلقا، فأنا خوفى يتزليد أيضا على أخى ووالدى.

وأخير استعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأطرد الوسواس عن رأسى وأبعد الهواجس عن فكرى علنى أهدأ وأرتاح.

ونجلس حول طعام الأفطار، وما فى أحد منا قادر يأكل ما فى نفس عنفا الطعام، ومثل ماينحط يرفع، بس نشرب الشاى لا نعرف له طعما ونطالع نشرات الاخبار.

وهنا.. تتقطع قلوبنا عندما نرى مناظر الظلم فى ديرتنا فتفزع أمى وتأخذ هى وأخواتى وأولادهم يسبون ويشتمون صدام والعراق والعراقيين على مسمع من عيالى الجالسين بيننا فألاحظ أنهم منكسرو الخاطر ذليلون، متضايقون من اللى يشوفونه ويسمعونه،   ومحرجون لانهم عراقيون!

وأحيانا تصير خناقات بينهم وبين أولاد خالاتهم وأخوالهم عندها يسبونهم فى الوجه وعلى الفور تنشب مواقف محرجة ما نعرف كيف نحلها وما نقدر نتحملها.

تغيرت الحياة علينا فجاة. غابت البسمة عن وجوهنا، صرنا كلنا أعصابنا مشدودة ونختلف على كل كبيرة وصغيرة أى كلمة تقال ولو من غير قصد تتسبب فى خناقة وهوشة وصراخ وبكاء ونكد لا يعرف مداه إلا الله.

وما عدت أقدر أصبر على هذا العذاب المهول، ففى كل يوم خناقة وفى كل ساعة بكاء وفى كل ليلة سهر وفى الصباح نرى وجوهنا صفراء وعيوننا كليلة من شدة النوح طوال الليل، وكأن صدام زرع قنابله ورصاصه داخل صدورنا وبيوتنا بعدما حرق قلوبنا وعيوننا. وصرنا بين ليلة وضحاها كأننا أعداء نتربص ببعضنا البعض!!

فهولاء الجهال لا الصغار الله يهديهم لا يسكتون أبدا ولا يكفون عن السبب والشتم والخناق مع بعضهم ونحن الكبار غصبا علينا نتأثر بكلامهم بعدما نسمع شتائمهم وخناقهم، وبعد أن شعرنا بأن العداوة بينهم كبرت وزادت!

بعدها .. ما عاد أحد فى البيت قادر يتحمل عيالى صاروا منبوذين مكروهين من الجميع وكأنهم هم السبب وحدهم فى إحتلال الكويت أو كأنهم هم اللى صنعوا هناك كل هذه المآسى التى تعذبنا وترهقنا وتقضي على راحتنا!

بعدها .. فلتت أعصابى، صرت كل شوية أضرب عيالى وأسبهم كى أسكتهم وأخرسهم وأخليهم ما يردون على عيال خالاتهم. لكنهم صغار ما يقدرون وما يطيعون صدق.. ما قدرت عليهم بل قاموا يعاندون بزيادة، ولازم يردون لما أحد يشتمهم وسيبهم. 

“والحين .. تلاقينى محتارة ماأنى عارفة أين أروح ولا أين اتى”. فالعيش هنا مع أهلى   وعيالى صار عذاب فى عذاب، والعودة إلى الكويت فى هذا الوقت مستحيلة بالنسبة لى لأن أخوتى يرفضون سفرى ولا يوافقون على رجوعى خوفا على من الأذى هناك.

والشئ الفظيع الذى يحطم أعصابنا الآن ويكاد يقتلنا ويقضى علينا ويجعل حياتنا كلها كوابيس وأفكار سوداء، إننا لا نعرف أى شئ عن أبى ولا أخى ولا حتى زوجى .. ولا عن إبنى ..! كلهم أخبارهم مقطوعة عنا والشوق إليهم يعذبنا وللأسف ما نقدر نعمل لهم أى شئ بس قاعدين هنا ننتظر على نار ونظل نضرب أخماسنا فى أسداسنا ولا عارفين كيف نخلص من هذه المصيبة ولا هذه البلوى التى دمرتنا وزلزلتنا وخربت حيانتا ودمرت سعادتنا .

اننى منذ تلك الليلة السوداء ليلة الغزو المشؤوم التى لم يطلع لها حتى الآن نهار وأنا لا أعرف طعم النوم وأقعد أسهر أفكر إلى أن يغلبنى النعاس بعد التعب والإرهاق فأنهض أسهر وأفكر وأدعو ربى أن يفرج كربتنا، وأن يفك بلوتنا حتى أتعب وأنعس، ثم أنهض بعد دقائق أفكر مرة ثانية وثالثة .. حتى أصابتنى الدوخة والدوار، وانقلبت معدتى التى أصلبها غثيان فظيع جعلنى أخرج كل ما فى إمعائى إلى أن حل بى هزال عنيف ما عاد يخفى على عين أحد. والحين .. لم يعد عندى ما افعله سوى أن أدعو الله ليل نهار أن نعود إلى وطنى الحبيب وأن يعود إلينا وأن يلتئم الشمل مرة ثانية وأن تزول هذه الغمه عنا.

آه .. ياربى .. أني أتحسر على حياتى، فها قد أصبح إبنى عدوا لأخى وصار زوجى عدوا لأبى وأمسى عيالى أعداء لأقاربهم وأبناء أخوالهم وخالتهم!!

وأنا .. يا ربى ..؟

ماذا أفعل وأنا أسمع أمى تدعو الله أن ينجي ولدها، وأن يكون الموت نصيب صدام وجنوده الكفرة اللى ما يخافون ما يخافون ربهم وعسى أن يأخذهم كلهم وما يخلى منهم أحد ؟!

وهنا .. يقفز قلبى هلعا، وأكاد أن أصرخ لا يا أمى لا تدعى على ولدى .. ابنى حبيبى فهو واحد منهم أرجوك يا أمى أدعى الله أن ينجى ولدى دونهم.

وأدخل غرفتى، وأتمدد على فراشى أبكى بلوتى وأدعو الله أن يفرج كربتى وأن يعود وطنى وأن ينجي رجالنا كلهم، ومعهم ولدى وأخى وزوجى ووالدى .. يارب ياقادر يا كريم.

****


زوجى …ليس جبانا![6]

كنت طالبة بجامعة الكويت فى السنة الثانية – كلية العلوم ورغم دراستى العلمية التى هلنى لمتابعتها مجموعى العالى الذى حصلت عليه فى الثانوية العامة – مقررات إلا أننى باعترافى وباتفاق الجميع عاطفية جدا بل … وشاعرية جدا. ومما ساعد على إثراء          مشاعرى، قراءاتى الأدبية الكثيرة المتنوعة فى الجامعة .. رأيتة ولا أدرى كيف تعلق قلبى به من أول نظرة تلاقت فيها عيوننا شعرت خفقة قوية داخلى وكأنى رجعت على الفور مراهقة مرة أخرى!

تعجبت من نفس .. ما هذا ؟ أيكون هذا هو الحب الذى يسمونه “حب من أول نظرة؟ تجاهلت الموقف، مضيت فى طريقى إلى الداخل حتى لا تفوتنى المحاضرة التالية وحاولت أن انسى أمرهذا الشاب الذى رأيتة اليوم لأول مرة .. منذ دخلت الجامعة!

انتهت المحاضر خرجت مع بعض الزميلات. ركبت سيارتى. اتجهت إلى البيت       وكم كانت دهشتى بالغة عندما وجدت سيارته تصطف خلف سيارتى وأنا أقف عند الإشارة المؤدية يسارا إلى منطقتنا!

خفق قلبى ثانية. انتقض بدنى وأنا أحس نظراته تخترق المرآة بحثا عن عيونى أضطربت صدق والله ارتبكت .. لكنى نجاهلت الموقف للمرة الثانية أيضا وبكل تقل تعمدت ألا التفت ناحيته وألا أنظر يمنا أو يسارا .. كأنه لا وجود له على الطريق جوارى!

وتكررت نفس الأحداث . اللقاء الصدفة (!!) بين ردهات الكلية المتابعة من بعيد بنظرات حانية نارية الملاحقة عن بعد .. حتى ادخل باب البيت!

وذات يوم .. دق جرس الهاتف. وفور سماع صوته عرفت على الفور من هو لم أدعه يتكلم كثيرا. بذوق ولطف أفهمته أننى لست من هذا الصنف من البنات المستهتوات التى ما أن تعرف الواحدة منهن أن شابا معجبا بها حتى تطيح فى غرامه وتقع فى بحور هواه. طلبت منه بتصميم على الحفاظ على سمعتى وعلى الاحتفاظ بثقة أهلى بى فسألنى سؤالا وحدا قال: حسنا .. هل تسمحين لى أن أكلمك ولو خمس دقائق فى الجامعة؟ فقلت له: لا أستطيع فعاد يسأل: حتى لو عرفت نيتى وأنى أريد أن أتزوجك؟ فقلت له بإستخفاف: تفضل الوالد موجود .. والباب مفتوح .. وياهلا بك فى أى وقت.

بعد هذه المكالمة انقطع عن الحضور إلى الجامعة عدة أيام فأصابنى القلق العميق لغيابه واعترانى الشوق الأعمق لبعاده. لكن ما باليد حيلة مستحيل أن أتراجع عن موقفى مستحيل أن استسلم لرغبته. آه .. يبدو أنها مناورة من مناورات هؤلاء الشباب المدربين على طرق الايقاع بالبنات، لن أشغل بالى به بعد اليوم، وسأحاول أن لا أفكر به أكثر من ذلك.

لكن .. كم كان ذهولى وكم كان سرورى وأنا أراه يأتى بعد أيام الغياب مع والده ليخطبنى من أهلى آه .. يافرحتى .. يافرحتى! 

وفى حفل كبير تمت مراسم الخطبة وتلقيت بكل فخر وفرح تهانى الأقارب والصديقات. فهو خريج جامعى سابق من نفس الجامعة ومن نفس الكلية وسيم متدين ابن  عائلة عريق الأصل طيب الأخلاق الصراحة شعرت أن صديقاتى يحسدننى عليه وعشت ساعات الحفل بكل فرح وفخر ولبسنا الدبل وأنا أحس كما لو كنت أحلم. بعدها بعد الخطبة صارحنى بكل شئ، عرفت كل شئ بعد أن إنتهى من دراسته بالكلية بحوالى سنة       ونصف أراد أن يتزوج فتمنى بنتا حلوة متعلمة مؤدبة متدينة ليست من هؤلاء البنات السهلات اللأتى لا يمانعن فى إنشاء علاقات عابرة مع الشباب بغرض الزواج!

وصارحنى بأنه أبدى رغبته هذه لبعض معارفه وأصدقائه فرشحنى البعض له مؤكدين أنهم لم ينجحوا فى إنشاء صلة معى ويئسوا من التعرف على واننى أنسب بنت تصلح له .. فقط لو قبلت أو رضيت به لأننى متعالية مغرورة لا يملأ عينى أحد كما يقولون عنى يبتسم يتابع كلامه وهو ينظر نحوى فى شوق وحب، يقول: ولم يبق عندى شك فى سلوكه بعد أن سألت عنك كل من يعرفك، وسمعت عنك كل خير. بعدها قدرت أن أتقدم لك، وبعد أن   شعرت باعجابك وموافقتك، ولم تبق عندى رغبة فى الانتظار كما لم تعد عندى مقدرة على مقاومة الصبر، فقد وقعت صريع غرامك حبيبتى .. من أول نظرة فى عيونك الحلوة وهنا .. شعرت بالدوار. كنت أنا محور هذا القرار إذن؟ وكنت .. دون أن أدرى، معرضة لهذا الاختيار؟ حمدى الله كثيرا الذى هدانى إلى حسن التصرف وأهدانى هذا الشاب الطيب الأخلاق وشكرت أهلى الذين أحسنوا تربيتى وأطلقت لقلبى فى حبه .. العنان!.

نعم .. أحببتة حب الجنون. صار هو عنوان أيامى، عبق ذكرياتى، معنى حياتى، فما عدت أذكر اسما غير اسمه صرت أحيا فى زمانه، صرت أدور فى فلكه واعتبرت زمتى الذى مضى قبل أن أعرفه وقتا مهدرا وعمرا ضائعا.

ومع الليل .. أمسيت استأنس بصوته اسمع النغم فى الشعر واللحن فى حديثه ولم ندع الزمن يسلبنا الفرصة الحلوة لنهنأ بحبنا عقدنا القران وسط فرحة الاهل بنا .. وبدأنا  والعائلتان معا نستعد جميعا لحفل الزفاف وذاك الذى أردناه حفلا كبيرا أسطوريا يكون حديث المجتمع كله.


وبعد فترة سافرت أمى وأختى الصغرى إلى باريس لاستلام فستان الفرح الذى انتقيت موديله بنفسي فى عطلة الربيع هو ومجموعة أخرى من فساتين صممت على أحدث خطوط الموضه من بين أزياء عالمى مشهور.

وبقيت أنا بالكويت لأنى كنت مشغولة على الآخر بانتقاء أثاث بيتنا الجديد، وكنت أنا وسالم راحين جايين طول الوقت على المحلات لاختيار قماش الستائر والسجاد والتحف وكل هذه الأشياء التى يحتاجها تأثيت بيت جديد.

وتحدد موعد الزفاف .. الخميس التاسع من شهر أغسطس كى نسافر بعدها فى رحلة حب، خلال شهر عسل نطوف خلاله مدن أوروبا ننشر عبير حبنا بين ربوعها، وننهل من ابار شوقنا بروى عطش قلوبنا دون رقيب يحسدنا أو يحصى علينا أفعالنا وضحكاتنا.

انتهينا من كل شي تقريبا اكتمل البيت بكل ما تشتهى الأنفس والأعين الشئ الوحيد الذى لم نشتره ولم تضعه داخله هو نباتات الزينة فقد أجلناها لحين عودتنا لأن العناية بالنباتات المنزلية هوايتى المضلة.

اتصلت أمى تطمئن على أخبارى وتقول لى انها استلمت كل الفساتين فى الموعد المحدد، وأن فستان الفرح “يهبل” وطالع أحلى مما كانت تتوقع وسألتنى إذا كان ينقصنى أى شئ لتحضره معها وهى جاية، وقالت لى أختى انها اشترت لى تحفا حلوه للبيت وأحدث أنواع العطور التى ما نزلت أسواق الكويت بعد ..

وبت أعد الساعات .. فالباقى لا يزيد عن عشرة أيام .. عشرة أيام ويتعطر الليل برائحة الحب، وتسرى فى عروقى فرحة الحياة فى قرب زوجى حبيبى.

اه يا للحب فى عطائه الحانى .. ويا للقلب عندما يعشق، فتبقى داخلة صورة الحبيب وحده، لاتغيب، وأبدا لاتضيع.

ونمت .. أحلم بالبيت والفرح، والحب والحياة لكن .. ويا لها من لكن هذه. صباح الخميس الذى كانت ستعود فيه أمى وأختى من باريس والذى يسبق موعد فرحى بأسبوع واحد صحوت بعد أذان الفجر على صوت حبيبى يحذرنى من الخروج من البيت ويصبح “انتظرينى.. الحين آجيك .. ترى العراقيون هجموا على الكويت!!.

صرخت .. بكيت عراقيون؟ هجموا على الكويت؟ لا أصدق .. غير معقول؟0.

رد باصرار “اسمعينى لاتطلعى قبل ما آجيك .. انتظرينى لا تخافى .. لا تخافى”

وانقلبت الدنيا أضحى الصيف لهبا وشواظا .. بات الليل سوادا وبأسا ورمادا ولاحت لنا الشمس كرة نار تحرق أحلامنا وأشواقنا وتكوى قلوبنا!!

وتحت أعيننا. تتابع الأحداث عنيفة فظيعة طاحنة، فالقتل هنا، والموت هناك والغدر والسلب والنهب والفوضى فى كل مكان. انعدم الأمن وضاع الامان.

ياربى أين كان ينتظرنا كل هذا الهول والخراب والدمار؟ ياالهى ماهذه اللعنة التى حلت بنا فوأدت أمانينا ودفنت آمالنا وقبلات أحلامنا؟

وانقلب سالم فجأة رجلا آخر لم يعد يضحك أو يتكلم أصبح عابسا صامتا نضم إلى المقاومة واستبسل فى الدفاع عن الوطن بكل طاقته وقوته، لم يعد ينشغل عنه بأى شئ آخر تحولت أحلام أفراحنا انهارا من دماء وأصبحت الذكرى العذبه عندى مجرد ظلال وسراب وظلام!

وبعد أيام من الغزم العراقى الملعون، أتانى سالم ليلا، وطلب من والدى أن يسمح له ليأخذنى معه، لابقى عند أهلة لأن منطقتهم أبعد قليلا عن بؤرة الأحداث وآمن بعض الشئ كما أن بقائى مع أمه واخواته فى مثل هذة الظروف أفضل من وجودى فى البيت وحدى خاصة أن أمى وأحتى لم تتمكنا من العودة إلى الكويت بعد اغلاق المطار.

وفى اليوم التالى أوصلنى أخى إلى بيت أهل زوجى ومضى مسرعا إلى صفوف المقاومة بعدها لم أعد أرى زوجى إلا قليلا لأنه كان مشغولا مع باقى الشباب الأبطال بمهمة الدفاع عن الوطن.

مضت الأيام علينا عصيبة عنيدة ، كأن الشمس هى الأخرى قد ضاقت بالنهار فصار زماننا ظلاما فى ظلام وضقت بكل شئ حولى صراحة خفت من مفأجاة الحزن الآتى،    خفت من فقد الأحباب بعد ضياع الأمان وغياب الاطمئنان وحلول الظلام ذاك الظلام المخلوط بالخوف والقلق والترقب والانتظار!. 

آه أملا توارئ يا فرحا راح وغاب يا حبا أخشى أن يضيع فى تبه العذاب آه .. قلبا واجفا يرهب سطوة القهر وقسوة الاحزان.

يارب متى ينتهى هذا الكابوس الأسود الذى طال وطال وطال .. بكيت من القلب وأنا    أفكر فى خوف أمى وأختى وذعرهما علينا وفزعهما بعد انقطاع أخبارنا عنهما .. آه ماذا تراها           أمى تفعل بعد أن تعرف ما حدث لأخى؟ للأسف .. لم يرحم المعتدى شبابه. استشهد أخى حبيبى راح فداء للوطن بعد أن فجر ببطولة واقدام مدرعة مليئة بجنود العدو اللعين.

بكيته .. بكاء قلبى قبل عينى الكل بكاه، حتى البحر بكى شبابه الغض ، فبللت دموعه رمال الشيطان .. الا أبى الذى لم يقبل فيه العزاء، والذى أوصانى خيرا بنفسى، وطلب لى الصبر من الله وقال صابرا متصبرا: ” ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء  عند ربهم يرزقون ”                                     

“صدق الله العظيم “

 

وظل أبى صامدا فى بيتنا رافضا تماما فكرة ترددى عليه لأرعى شؤونه وأشرف على راحته وقال لى أنه لايريد سوى راحتى، وأنه يكره خروجى من بيت زوجى، وانى لايجب  أن احضر إلى بيتنا مرة ثانية لأن البيت والمنطقة كلها مراقبة، وأنه يخشى على أن يصيبنى مكروه .. وبقى وحده لايؤنس وحدته الا تلاوة آيات الذكر الحكيم ليل نهار.

وبعد عدة أيام من استشهاد أخى حضر أبى الينا ورجانى أن أخبر زوجى أن يخرجنا       من الكويت بأقصى سرعة لأن العدو عرف أن أخي قد شارك فى تلك العملية الفدائية وأنه يخشى من انتقامهم منى وهدرهم لشرفى أو قبضهم على سارك الذى بدأت الشبهات تحوم حول نشاطه الفدائى هو الأخر.

انتظر والدى وصول زوجى بفارغ الصبر، وبصعوبة اقنعه بضرورة تهريبنا إلى الخارج، أنا وكل نساء اسرته أن تقع فريسة بين أنياب هؤلاء الذئاب البشرية التى تفترس الشرف والكرامة وتقهر قلب الإنسان وتطعن كراميه.

وأطاع زوجى رغبة والدى .. طلب منا جميعا أمه وأخوته وأنا أن نستعد للرحيل،  وفى هلع دبرنا حالنا حتى لا نضيع الوقت خاصة وأنهم قد بدأوا يضيقون علينا الخناق وباتوا يحاصرون المناطق بحثا عن الفدائيين الأبطال، أو أهلهم ليقتصوا منهم بطريقة قطاع الطرق والأعناق!

اه .. ياللهول بالعذاب .. كيف صار البحر قبرا؟ وكيف تناثرت جثث الرجال الأبطال كالحجارة على الطرقات؟

ياربى كيف ماتت الرحمة فى قلوبهم؟ كيف نسوا دينهم؟ وكيف تناسوا الأسلام .. دين السلام وأخيرا .. وصلنا إلى بر الأمان إلى المملكة العربية السعودية وهناك ذقنا النوم بعد السهد والسهر وعرفنا الراحة بعد التعب والشقاء والارهاق ونعمنا بمعانى الأمان والعطف والتراحم والمشاركة والاخاء ..

الحمد لله والشكرلله.

اطمأن زوجى علينا وأراد أن يرجع ليتابع نشاطه الفدائى مع باقى الأخوان لكنى صرخت وبكيت استرحمت، قلت له لو رجعت سأرجع معك لن أخليك بروحك .. رجلى على رجلك.

وحاول سالم المستحيل ليقنعنى بتركه يرحل وحيدا دونى، حاول بشتى الطوق أن  يثينى عن عزمى، مبررا لى موقفه ضرورة الرجوع حتى لايتهمه الأخوان بالتخاذل،  ويظنونه جبانا هرب وقت الدفاع عن الوطن، فصرخت فى وجهه باكية لا أنت بطل ياسالم مافيه أحد فى الدنيا يقدر ينكر عليك بطولتك، أنت لست جبانا ولايستطيع أى انسان أن يتهمك  بما ليس فيك، أنت لست جبانا.

بكيت، ترجيت توسلت أن لايتركنى لوحدى قلت له أنا محتاجه لك ياسالم وما أقدر أعيش من غيرك، وأمك وأخوتك البنات كلنا محتاجين لك أرجوك خليك معنا.

ارتميت على الأرض أخضن ساقيه أقبل يديه له بيكفى أخي بيكفي واحد مات شهيدا، وأنا لاتحكم على بالموت بعدك ياسالم أتوسل اليك.

لكنه بقى واقفا شامخا كالجبل مصرا على العودة إلى الوطن فلم تثنه دموعى عن عزمه، ولكن خالتى دخلت علينا بعدما سمعت صراخى، وقالت له: سالم حرام عليك ياولدى .. حرام عليك تموتها، ألاتعلم أنها حامل والبكاء خطر على صحتها؟

وهنا بهت سالم وقف بطالعنى بعينين واسعتين فيهما عمق البحر، ونقاء السماء وتساؤل المساء وانحنى يضمنى إلى صدره وفى رفق، يربت على ظهرى فى رقة بضمنى إلى قلبه فى شوق وحنان وأنفاسه تتهدج حارة ساحنة حول عنقى، تطلع من صدره تقتحم صدرى حاملة همومه وأحزانه وحيرته داخل وجدانى وروحى ونفسي.

يصمت بعانقنى كأنه يعتذر عن شقائى معه عبر رحلة الصحراء ورمال الصحراء وحرارة الصحراء التى لفحتنا ولوحتنا لكنها فى النهاية حمتنا واراحتنا.

وفى هذة اللحظة الحائرة الحانية بدأت أحس الحياة فى جسدى من جديد بدأت ارتاح بدأت أشعر أننى طير عاد الي مأواه فأصبح لايرى شيئا سواه.

همست له: نعم .. سيكون لنا نفس المصير حبيبى، وسنعود معا ومعنا الفرح إلى الوطن .. نربى طفلنا بين ربوع ديرتنا ليلعب ويلهو مع رفاقه وأصحابه وأخوانه. فابق معى فأنا أحتاجك حبيبى .. وما عاش ولا أتولد من قال عنك جبانا!

****

 

 


الحسام الاسمر![7]

فارس أسمر، فارع الطول، أسود الشعر والعينين، نحيل القامة فيه صلابة       الصحراء وبأس الصخر وحدة الصقر وفراسة العربى ذى الطبيعة اللماحه الفائقة الذكاء.

فى مقر الخطوط الجويه الكويتية فى شارع “بيكر” بلندن ..قابلته لبضع دقائق لكنها… كانت كافية تماما لتكوين فكرة صادقة عن شخصيته طبيعته نوعيته كان ذلك بعد أيام طوال من الغزو المشؤوم الملعون لأرض الكويت الغالية.

هو واحد من شباب الكويت الأبطال الذين يوحون لمحدثهم فى هذة الأثناء بعدى إصرار هذا الشعب الأصيل على المقاومة والتحدى والأستمرار فى النضال والقتال.

بعد حوار سريع عرفت منه أشياء كثيرة تشكل عناصر هذه الحكاية الواقعية التى تثبت للجميع كيف يمكن أن يقدم الانسان ذاته راضيا قانعا ساعة الخطر فداء للوطن دون تردد ودون أبطاء واليكم حكايه هذا الشاب الفارس المغوار.

شاءت الظروف أن أكون موجودا فى الكويت حين وقع الغزو علينا. صدقينى لم استوعب حقيقة الوضح ساعة سمعت الخبر المؤسف قبل مغادرتى البيت فى الصباح الباكر متجها الى مقر عملى بالمطار.

فى الحال قفزت من فراشى كما لو أن لدغتنى عقرب. أرتديت ملابس العمل على عجل وخرجت مسرعا لأتمكن من متابعة الأحداث عن كثب. حملت سلاحى معى واتجهت بسيارتى إلى طريق المطار ولكن … كان الغزاة قد سبقونى إلى هناك وكانت أصوات طلقات الرصاص ودوى القنابل تسمع على بعد كيلو مترات!

صراحة .. انبهرت لما أسمع وأرى خيل إلى لوهلة أننى أمام أحد أفلام المغامرات الخيالية . صدق .. لم استوعب ما أمامى على الفور عجزت عن تصديق عيونى وأنا أرى أمامى طوابيرمن مدرعات العدو ودباباته تملأ الطريق الدائرى السادس!!

بعد وهلة قررت أن اتصرف بطريقة ثانية أفضل. فمن الحماقة كل الحماقة أن يفقد الأنسان حياته ببساطة ودون أن يحقق فى صفوف العدو خسائر تساوى بل تفوق قيمة هذه الحياة التى تهون وترخص فى سبيل الوطن.

لذلك استدرت على عقبى، رجعت إلى البيت أستبدلت زيي الرسمى الذى يشبه زى العسكريين بالدشداشة، حتى لا يلقى العراقيون القبض على واقع أسير بين أيديهم فأعجرعن الدفاع عن الوطن ثم أخفيت سلاحى فى مكان أمن بسيارتى واتصلت بأمى لأطمئن عليها فقد خفت عليها من هول المفاجأة وتأثير الصدمة وحاولت أن اطمئنها وأن أخفف من قلقها وذهولها فأخبرتها سأمر عليها بعد قليل.

خرجت إلى الشارع فرأيت مرة أخرى منظرا مهولا من الصعب أن ينساه الانسان … كمية من الدبابات والمصفحات تحيط بالطرق من كل أتجاه وعدد غزير من العسكر المنتشرين فى الشوارع كالذباب!

وإذا بأحدهم يطلب مني فى صلافة أن أرجع من حيث أتيت وألا أطلقوا علي النيران فانصعت لأوامرهم مرغما ورجعت والدم يغلي فى عروقى، وحاولت أن أفكر بترو وأن  أتدبر أمرى بتعقل كى لا أندفع خاطئا فيها لا ينفع ولا يفيد.

اتصلت فى الحال ببعض الأخوان واتفقنا أن نلتقى فى بيت أحدهم باليل بعد أن نتنكر ونتخفى مستترين بالظلام لنفكر معا ونقرر ماذا يمكننا أن نفعل وكيف نتصرف مع هذا العدو الذى فاجأنا بهذا الموقف المذهل والغريب!!

اتفقنا على أن نقتص من هؤلاء الأعداء الأوغاد بأقصي سرعة ممكنة على أن يحاول كل منا أن يحصل على السلاح بأى طريقة. حمدا لله .. كان أحدنا من العاملين فى وزارة الدفاع العارفين بمخازن السلاح والقادرين على تزويدنا بما نحتاجه منه.

بدأنا الجهاد .. عملنا كمائن لتدمير مدرعات العدو واصطياد رجاله الأدعياء المعتدين على أرضنا وكرامتنا وسمعتنا.

أستمرت المقاومه عنيفة ضارية ووفقنا الله فى أنزال خسائر لا يستهان بها فى  صفوفه، وكان لي وحدي شرف الفتك بثلاثة من هؤلاء الغزاة اشباه الرجال ….!

كان أحدهم قد جاء بكل قحة وبحاجة يطلب منى طعاما وماء فادخلته بحجة اعطائة ما طلبه وقتلته فى عقر دارى وفى الليل سحبته سحبا والقيت بجثته فى بالوعة المجارى كالفأر الأجرب.

تعجبت .. كيف بالله يأتى اللص يقتحم دارى ثم يطلب منى اكرامه واطعامه؟! يالها من سفالة ونذالة لم يسبق لها مثيل فى التاريخ!!

بعدها بدأ مسلسل العته والجنون. أخذ هؤلاء الجند المشردون فى إقتحام البيوت كالشحاذين يتسولون الطعام والشاى والماء وتحت صليل السلاح قاموا يسرقون الأموال ويستبيحون الأعراض ويفتكون بشرف النساء ويسلبون حرية الاطفال!!

جن جنونى انصب خوفى عظيما على أهلى أمى أخوتى البنات زوجة أخى بناته الصغيرات أطفاله الأبرياء طيف نتقذهم .. كيف ننقذهم .. كيف نخلصهم من هذا البلاء؟!

وقررت أن أبذل كل ما فى جهدى لأخراجهن من الكويت فى الحال، فاتفقت مع أخى الأكبر على ذلك قبل أن يتعرض للأذى على أيدى هؤلاء الأنذال البخساء!

احضرت سيارة كبيرة وعباتها ببعض المؤن وزجاجات الماء وطلبت منهم سرعة الاستعداد للسفر قبل فوات الاوان ، الا أن أخى الاكبر فاجانى برفضه وأصر على البقاء فى البيت مهما كانت الاحوال .

اخدتهم معى وعشنا جميعنا ساعات عصبية مريرة قاسينا فيها شتى صنوف الخطر حتى وصلنا بسلام الى الحدود السعودية .

وهناك استقبلهم الاخوان جزاهم الله خيرا وقاموا بكل اللازم فارتاحت نفسي وهدا بالى وسكن خاطرى بعد أن أطماننت عليهم فى ماواهم الجديد ،ورجعت بعد عدة أيام الى الكويت من خلال طريق نعرفها جيدا فنحن أهل الكويت أحبر الناس بها الا يقولون (ألميه تعرف مجاريهــا) .

رجعت دخلت الديرة متسللا تحت جنح الليل .. الله يازمن ” عبيب أمرك أمرك أدخل وطنى متسترا بالظلام متواريا بالليل عن أعين الاعداء الذين لو رأونى أعبر حدودك يا وطنى لفتلونى أى والله .. دنيا “

اخ .. بسطية سؤف يحين حتما ؤقت الحسا الايقؤلؤن اللى ما يعرف الصقر يشؤ ية المهم  أ خت كريمة دخلت الديرة ؤفؤجيت با لمزيد من مناظر التخريب والدمار وقد برزت وتضاعفت فى كل كمان صارت الشوارع مثل سوق الغنم كل يروح ويجى وهو لا يعرف ماذا يمكن أن يحدث .. أوماذا يكمن أن يكون ”

دخلت بيت أهلى لم اعد الى مسكنى الخاص فانا أعزب لم أتزوج بعد ان كنت قد خطبت فتاة من عائلتنا قبل عدة أشهر بعد أن أقتنعت عقلا وقلبا بها وتوقعنا أن نتزوج قريبا ونبدا طريق حياتنا معا لكن الاحداث سبقتنا والظروف غدرت بنا وصيعت كل تصور اتنا الحمد لله على كل حال وان شاء الله تاتى العواقب سليمة ونسترد الوطن الحبيب من أيدى الاعداء الظالمين .

دخلت البيت فهالنى ما رأيت عليه حال أخى ،اصبح وحيدا بعد أن هرب الخدم كلهم كانت الفوضى والمعاناة واضحة للاعين لكنه ظل عنيدا شامخا كالجبل يرفض بقوة ان يستسلم لاى محاولات أنثناء أو أذلال .

ولاول مرة أراه يقوم بتدبير شؤونه بفسه يغسل ثيابه ينظف البيت يعد المتوفر من الطعام . لم أشعره بضيقى واسفلا على حالة وساعدته فى ذلك لابدد عنه الحرج وخرجت اقضى له بعض حوائجة بعد أن طمانتة على سلامة الاهل كلهم ثم انطلقت فى طريقى الى الاخوان لا ألوى على شى .. لنتابع مع أعمال المقاومة .

بعد  فترة استطعت بطرقى الخاصة ان أستخرج هوية باسمى الجديد وان انتكر فى مهنة تاجر أغنام لتمرير هذا الامر على المعتدين حتى لا أقع صيدا سهلا لهم

لو عرفوا حقيقتى واطلعوا على مهنتى .

واطلنا جميعا أداء رسالتنا السامية واستشهد البعض منا فى سبيل الوطن وجرح منا الكثير وحرنا فى طريقة علاجهم ، فالمستشفيات قد احتلها جند العراق الجبناء بعد أن طردوا المرضى منها ونهبوا محتوياتها وسرقوا أدويتها ومعداتهــا”

ولكن .. كما يقولون أبو الخبز يندل أبو المرق عرفنا بطرقنا الخاصة التى ما أقدر أشرحها لك الحين حفاظا على اسرار المقاومة هناك عرفنا كيف نحصل على الدواء اللازم لعلاج مثل هذه الحالات كما استطعنا مداواة معظم هولاء الجرحى بفضل لله وبفضل معاونة الاخوان الاطباء الذين ساندونا فى أزمتنا وساعدونا فى محنتنا ، وكانوا لنا نعم النصير .

وشاء الله أن تتعرض أحدى الاسر الكويتية القريبة لنا للتهديد بعد أن قتل عائلهم برصاص الغدر والخيانة ، ولم يبق فى البيت معهم رجل يحميهم بعد أسر ولدهم الطيار بالجيش فخفنا عليهم من احتمالات الاغتصاب فكلفنى الاهل بمساعدتهم واخراجهم الى حيث الامان لان لى خبرة فى طرق الخروج والدخول من والى الكويت عبر دورب الصحراء .

وكما حدث أول مرة نجحت بعون الله وفضلة فى مساعدتهم وانقاذهم من ذاك المصير البغيض الذى كان يمكن أن يصيبهم .. لا قدر الله .

وهناك رأيت أمى عرفت أنها مريضة فجلست الى جانبها أهون عليها ، وأسرى عنها لكنها كانت فى حال عسرة عصيبة يصعب وصغها ، كانت فى حالة يرثى لها من القلق والانشغال على حياتنا أنا واخى وباقى أفراد عائلتنا بعد أن تسربت اليها تلك الاخبار الوحسية المشوشة عما يحدث داخل الوطن من قتل وهلاك دون أى أسباب ” كانوا فى الواقع كلهم منز عجين خائفين علينا فطمانتهم ، وسكنت روعهم وصبرتهم على فراق الوطن والبيت والاهل والجيران واكدت لهم أنهم بخير وفى أمان فى وطنهم الثانى السعودية وبين أهلهم الذين قدموا لهم كل العون اللازم والموازرة المطلوبه واكثر .. صدق ةالله الاخوان هنا ما قصروا معنا .. حياهم الله. وبعد أن ارتحت قالت لى أمى أن خطيبتى فى لندن اتصلت بهم عدة مرات تسال عنى وتريد أن تطئن على أخبارى وتستحلفهم بالله أن اتصل بها فور وصولى عندهم وانها ظلت تترجاهم أن يبلغونى طلبها باى طريقة والحت على أمى أن أسافر لها وان لا أتاخر عليها حتى لا يصر فيها شى ، أو تمرض من شدة الحزن والخوف على .
واتصلت بها .. حبيبتى ، خطيبتى .. تلك التى كانت ستزف الى فى مطلع هذا الشتاؤ سمعت صوت بكائها فرق قلبى لها . وبعد الحاح وعدتها بسفرى لها تتركنى الا بعد ان أقسمت لها اننى ساحضر لاراها فى أقرب وقت ممكن .

وسافرت .. جئت الى لندن لاقابلها كما تعتقد ، لكننى بينى وبين نفسى أعرف اننى جئت لاودعها .. نعم .. لاودعها فقد حضرت لاوكد حبى لها وشوقى اليها ورغبتى فيها كما لم أرغب أى أخر فى حياتى .

لكننى ولتسامحنى حبيبتى لا استطيع البقاء ولا اقدر أن اقنه بحبها وحده فهناك فى القلب مازال .. ذاك الحب الخالد الكبير الذى لا يضاهيه حب أى انسان حتى لو كانت خطيبتى .. أو أمى حفظها الله واطال فى عمرها .

نعم .. أنه حب الوطن الذى يجرى فى الدم فيلهب الروح ويدفع الفرد لان يقدم حياته رخيصة فداء لتراب الوطن الغالى الحبيب .

والحين .. بعد أن أمضيت هنا بضعة أيام نعها حاولت خلالها المستحيل لتبقينى الى جانبها الى أن نتزوج بعد انفراج الازمة باذن الله والا اننى اعتذرت لها وتعللت باتى عندى شغل فى جنيف وضررى أسافر لانهائة على أن اعود لها بعد ذلك .

وفى الحقيقة .. أنا اضطررت لان أخفى الامر عنها لاننى فى الواقع ساعود الى السعودية ومنها ساتسلل الى الكويت لاتابع اعمال المقاومه من هناك دون امر على امى كى لا اودعها فانا احشى ان يزيد القلق والخوف والمرض عليها لو عرفت وجهتى وفهمت نيتى وعسى ان يوغفنا الله اداء رسالتنا وان يساندنا من اجل تحرير وطننا من هذا العدو الغادر الذى فاق بخيانته وحقدة وقذارته ودناءته كل ما يمكن ان يتخيله انسان قد يعيش مثل هذة الظروف والاحوال .. والاهوال

وعندئد .. سوف نعرف كيف نذيقة صنوف الذل والهوان .. بينما نحتفل نحن بانتصارنا واستعادة امجادنا واسترداد ارضنا والثار لكرامتنا وعزتنا .. والانتقام لشرفنا .


أم البطـــل

فى شقتها المفروشة المطلة على نادى الصيد بالمهندسين .. جاء لقائى بها امراة فى منتصف العمر ام لستة ابناء ثلاث بنات وثلاثة صبيان اكبرهم ضابط طيار فى الجيش الكويتى حديث التخرج ما زال حتى لحظة أجراء هذا اللقاء يمارس واجبه البطولى فى الدفاع عن الوطن .

تركت سمعى لها لم افاكعها بكلمة اصغيت لحد يثها الحافل بالاحساس والاحداث بكل حواسى فقد كانت كلماتها تعبر عن اروع حب .. حب الابناء .

اليكم حكاية الحب الخالدة هذة كما سمعتها من أم البطل الكويتى الشاب التى تكلمت بقوة وثبات دون بادرة واحدة قد بنفس مزعزعة يائسة أو قلب واجف .. ابدا .. وانما أوحت بوجود روح رفيعة وثابة تبحث عن أفاق جديدة عامرة بالامل والتفاول والغريمة والاصرار على افتداء الوطن بكل غال ونفيس فليس هناك شى أغلى من الوطن .

قالت كما لوكانت تسترجع ذكريات مضى عليها سنوات وسنوات : قبل سفرنا من الكويت هذا الصيف جاءنى احساس لاول مرة بحياتى احس به احساس غريب بالضيق والانقباض فاخذت أضم عيالى الى صدرى المهم بكل قوتى فى حضنى وانا اقول لهم عسى الزمان ما يفرقنا . عسانا ناتى على خير ان شاء الله .

سافرت مع زوجى وبناتى وولدى الصغير وتركت ابنى البكر الطيار واخاه الاصغر منه الطالب بجامعة الكونت . خرجت من الكوالكويت وانا اسال نفسي : ياترى سارجع تانى واشوف عيالى أم الزمان سيفرقنا ؟ والا راح يجمعنا بعد فرقة طويلة ؟

وصلنا الى مصر فانا طول عمرى احب مصر واستانس بمصر لكن .. هذة المرة لم تكن عندى رغبف فى الخروج أو التنزة كان فى قلبى احساس غامض بالخوف والرهبة لا ادرى سببه ولا أعرف مصدره .

كادت الاجازة تنتهى وكنا ننوى ان نحجز للعودة الى الكويت أخر الشهر السابع . أنهينا كل شى واشترينا اغراضا للعيال وبقى معنا مبلغ من المال هممت ان اشترى به هدايا واغراضا أخرى للبيت لكنى قلت ساصبر قليلا ، لا ندرى كيف تكون الظروف ؟

بعدها ولمدة ثلاث ليال متصلة صرت أحلم كل يوم وجة الصبح نفس الحلم رأيت فى منامى وكان واحدا يقول لى : قومى .. عيالك ماتوا فقعدت وانا أبكى واتفقد عيالى فطمانتنى ابنتى وقالت لى : يا أمى اطمئنى أخوانى ما فيهم شى .. ما فيهم الا العافية .

***

وتعود ابنتى تطئننى وتقول لى: يا أمى استانس . أنت تحبين مصر ومكا باقى لنا فيها الا كام يوم ونمشى ولكن فى اليوم الثانى حلمت نفس الشى .. واليوم الثالث ايضا حمت نفس الشى ”

فى اليوم الثالث ، وجه الصبح سمعت وكان واحدا يقول لى : قومى .. عيالك كلهم ماتوا فى نفس اللحظة سمعت زوجى يقول : الكويت راحت يعنى ؟ كان هذا فجر يوم الازمة . تخيلى … فى نفس الوقت انت تحلمين فى كابوس .. وفعلا يصير كابوس تخيلى .. أنت نائمة وفى لحظة ترين نفسك واقفة على رجليك صرخت : الكويت راحت عيالى ماتوا ؟

وللحين .. لا أدرى كيف أغتسلت كيف لبست كيف وقفت . لا أدرى عن نفسى شيئا انتابتنى حالة هستيريا جعلتنى لا أحس بروحى .. كيف وصلت الفندق لا تصل بعيالى كيف كلمتهم لا ادرى .. لا ادرى .

وفى الفندق ، اسم الله عليهم ما قصروا معنا ، فهذا يجيب لى ليمون وهذا يهدينى وذاك يطمئننى . وكان قدامى طابور طويل من الناس قدمونى عليهم وخلونى اتصل ببيتى اسال عن عيالى واهلى فردواعلى : لا تخافين أحنا ما صارفينا شي … يقولون الجنود العراقيبن يدخلون الكويت ”

طلعت من الفندق ورجعت الى البيت وانا أصرخ وابكى واصبح : ديرتنا راحت عيالنا راحو ؟ لكن .. مانى مصدقة فطلعنا رحنا السفارة وانا ما أصدق نفسى أنى كلمت عيالى وسمعت صوتهم باذنى .

كنت مثل المجنونة كلنا ، كنا مثل المجانين شوية نبكى وشوية نقعد نكلم أنفسنا عشنا فترة اليوم هذا للدقيقة هذه .. واحنا ما قادرين نصدق أن هذا الشى حدث .. وصار ويوم السبت انقطع الاتصال بيننا وبين الكويت وكنت كل ما أقول عيالى اسمع الله أكبر اسمع الاذان فادعو ربى واقول ك

يارب .. أنت  خير الحافظين أحفظ الجميع يارب .

وانا .. والله .. الحين كانى فى حلم كابوس ، كانى اتخيل أنا ما أقدر أصدق أن هذا الحاقد الذى يدعى انه عربى مسلم يسوى كل هذة الافعال فى الكويت

نحن نقعد نسال أنفسنا .. يا ترى ما هو السبب الذى جعله يفعل فينا فى ديرنتا فى أهلنا فى عيالنا كل هذة الاهوال ؟ ونرجع نقول ، التاريخ يعيد نفسه وهذا حقد مركون من سنين فى قلبه ؟

وانت … وانت يا العراق ، اذا تطالع خيرات الكويت بعين الجشع والطمع فنحن الكويتيين ، اباؤنا واجدادنا تعبوا . الخير هذا ما جاءنا بين يوم وليلة . الحمد لله ، الله أنعم

***

علينا بعد تعب . لما صرنا الحمد لله شعب مدلل نحنى صدق تدللنا بطريقة ما فى دولة فى العالم دللت شعبها مثل الكويت ما دللتنا .

نحن شعب مرفه صدق شعب تريف ، شبابنا صدق اتربوا على الغزبكل المعانى الحلوة ربينا عيالنا . والغزاة دخلوا علينا بالغدر ، والحمد لله شبابنا اثبتوا بطولتهم ، ورجولتهم ومنهم ولدى الكبير اللى رافض يغادر الكويت ومصمم يظل يدافع عنها بكل طريقة يقدر عليها حتى هذة اللحظة .

والحين .. نقول رب ضارة نافعة هذا شى من الله أراد يصحينا من غفوتنا بهذه الازمة اللى صارت عشان تصحى قلوبنا مرة ثانية عشان نرد الى صفائنا الى أحساسنا ببعضنا .. عشان نرجع مثل ما كنا بالكويت أول الجار يحس بالجار قبل ما يحس فيه أهله وترجع بيوتنا مفتوحة ،وقلوبنا مفتوحة .. مثل ما كنا طول عمرنا .

وفى هذا الوقت الصعب من أول ما بدات الازمة صرنا مثل ما كان فى السابق ..شوفى ..فى الكويت تباعدنا وايد .. لكن … هذة الازمة جمعتنا قربتنا من بعضنا لبعض ، صرنا نحس ببعضنا مثل السابق واكثر .

ومصر … مصر رايتها بيتها صدق رايتها ، صدق رايتها بيضا الصراحة هم بكل احترام قاعدين يعاملونا صحيح الشين ينعد على الاصابع لكن الحكومة والشعب رايتهم بيضا .

وانت … وانت يا العرق .. كيغ عطاك قلبك تشيل أجهزة الاكسوجين من الصغار ؟ أنت تدعى الاسلام .. المفروض هذا السيف اللى سلطته على مسلم المفروض تحارب به عدو المسلم كنت سلطته على اليهود ؟

نحن على حق يا صدام وانت على باطل عمر ما كان أحد معه .

نحن انظلمنا لكن الظلم عمره قصير وراح تعود الكويت .. الكويت عروسة الكويت محروسه وان شاء الله ربنا سيرفع هذا الظلم عنا باقرب مما تتصور

الله قادر أنه ينصفنا بعدما قتل كل الامانى الحلوة فى قلوبنا فلا لحقنا نفرح بعيالنا ، ولا نطمئن على اهلنا دمرة واحد .. ولدى الطيار ما لحق  يلبس البدلة العسكرية يلمع فيها وفرحان بيها .. ما لبسها .

والكويت دولة تعبت على شعبها طلعت رجال وانت يا خاين انت لم ترب رجال لكنك ربيت وحوش يضربون شبابنا .. لانك اتجردت من الانسابية ونحرمت من الخير وما عاد فيك انت واتباعك الا المكر والحقد واكره .

اى والله ماتت قلوبهم ماتت ضمائرهم الحسد عمى عيونهم .. طردونا من فراشنا فى ليلة مظلمة وخلوا ايامنا كلها ظلام فى ظلام ؟

أنا من يوم الازمة ما اقدر انام ولا قدر أكل واقول يا ولدى .. انت أمن ببلدك ؟ انت نايم مستريح ؟ ما أفتكر سيف الغزاة فى بلدنا ، ولا أو لادنا مرتاحين ولا بناتنا ولا حريمنا ما فى أحد مرتاح انت يا ولدى فى بلدك وما تحس بالراحة ؟ والله قهر صدق قهر .

نحن طول ليلنا قاعدين ماننام ونهارنا شوية تغمض عيوننا حتى لو تمشينا ما فى القلب وما فى المخ موجود كله خراب دمار اه .. اقعد اقول .. وياى أهلى ويلى ضاى ويلى بلدى ويلى عيالى اللى تشردوا ويلى اهلنا اللى ما ندرى عنهم شى .

فى أشياء كثيرة ما يقولها لنا صدق أنا لحوحة لكن .. أنا ام هذا بلدى صح ولازم ندافع عن بلدنا لكن .. الكثرة تغلب الشجاعة ؟

احنا ربينا عيالنا من قلب من سهر الليالى وهذا قاعد يذبح فى عيالنا ؟ احنا ننعد على الاصابع بالنسبة للدول التانيى ؟ فكيف يكون حالنا لما يخلص على شبابنا كلهم ؟

ماذا بقى ؟ ماذا نقول ؟ عيالنا صح شهداء عند الله وعند الرسول لكن يعز علينا انفسنا . صدق .. يا ليتنا كنا مقصرين .. المصيبة ثمانى سنوات وقفنا أيدنا بايدك . ساعدناك . اعطيناك . للاسف احنا اللى رفعنا مستواك أنت فى الحقيقة ولا شى ولا شى ولولا الامل بالله ما كان العمل أيماننا بالله ورسوله كبير نحن الله ونشكر فضله على هذا الايمان المنزرع بقلوبنا واللى ما تنزعه المصائب مهما كانت .

وان شاء الله ما راح تطول فهذا الصدام مثل الفار اللى دخل المصيدة وعساها كسر على راسه هو ومن معه من ” الذين صدق لا بد يندق على رأسه ويتحطم مرة واحدة ولا بد أنه ينسحب / ما دام شهادة لا الة الا الله محمد رسول الله تتردد على كل لسان واحد فينا / وعلى لسان كل مسلم وقف مع الحق معنا .

وفى أقرب وقت راح نشوف نهايه هولاء الظالمين لاهل بيت الرسول اه .. يا اهل العراق يا اهل الغدر والنفاق أنهم بكاؤهم كيثر وضحكهم قليل والله يفكنا منهم ومن شرهم . وانا الحين افكر فى ولدى اللى قاعد يلم الزبالة وحرقها خوفا على وطنه من الامراض ويقول هذا شرف لى وهو منضم للمقاومه بعد ما أخفى بدلته العسكرية من البيت ، حبيبى دفن بدلته تحت الارض بعدما كان لمعها وعلقها .. دفنها لانهم لو عرفوا انه طيار عسكرى راح ياخذوه ويقتلوه أو ياسروه  “

اعوذ بالله منهم ومن أفعالهم والله قادر انه يخلصنا منهم ونرد لبلدنا ونفرح بعيالنا واهلنا اللى صابرين على هذا الظلم والعذاب .

وانا .. أدعو ربى انه يصبرنى على بعدى عن وطنى وعسى ينجى فى ولدى واعود أضمه الى صدرى أخذة فى حضنى وافرح به اشوفه ما شى ببدلته العسكرية فرحان بنفسه وفخور بوطنة الذى نال شرف الدفاع عنه فى اصعب الظروف وافظع الاحوال .

وفى الحقيقة أملنا بالله كبير وعسى ينصلح الحال وكما يقولون يا ازمه اشتدى تنفرجى وراح تنفرج فى اقرب وقت أن شاء الله وانا اطمانيت على اخبار ابنى البكر من أول كما رجع ولدى خالد من هنال قبل يومين وحكى لى كيف أن شبابنا صاروا كلهم لبطالا وكيف تعودوا على سماع أصوات القنابل وطلقات الرصاص وكيف انه اضطر يخرج من الكويت بعد ان الح عليه أخوه الكبير رحمه بحالى ورافه بى وخوفا عليه بعد ان بدا الغراة يطارد ونه ويحاولون صده .

وعرفت من خالد كل شى عن اخيه وكيف انه يفضل الشهادة داخل الوطن على الخروج منه مهما كانت الاسباب وقال لى أنه مصر على البقاء مع الاخوان هناك الى ان يساهم بدراسته العسكرية فى معركة التحرير باذن الله . صراحة .. أنا كام فرحت بوصول ابنى خالد . وفى اللحظة نفسها فرحت اكثر بكلام ابنى الكبير اللى صمم على الدفاع عن الكويت بكل قوته .. وحتى تعود الكويت وهى فخورة ببطولة أبنائها اللى اثبتوا للعالم كله ان شباب الكويت رجال فرسان أبطال وأنهم قاموا بواجبهم ودافعوا عن وطنهم بشرف وكرامة وبطرلة راح يحكيها التاريخ لكل الاجيال .

***

 

ابى الكويــت

هذه حكايتى ، حب من نوع أخر نوع يخترق القلب ينمو مع الزمن كنبتة خضراء وتخرق سطح الارض السمراء .. وتبقى نرمز الى الخصب الخير العطاء .

 هذه حكاية بطل كويتى شاب اخضر العود مازال فى أوائل العشرينات ورغم ذلك سطر بساعده قصة بطوله صادقة صادرة عن حب عميق لارض الطيبة وعشق كبير لكل ذرة من ترابها اليكن الحكاية كما سمعتها ذات مساء فى أحد فنادق القاهرة الكبرى .

يوم الغزو فوجئنا باصوات طائرات تروح وتجى وهى على ؟أرتفاع منخفض فقالت لى زوجتى : قم كانها حرب فقلت لها : نامى لا تعورين راسى هذه مناورات عسكرية.

بعدها بقليل اتصل بى نسيبى وقال لى : انت بعدها نايم قوم .. ترى العراق دخلت اليوم فقلت له : يا اخى ما هذا المزح ؟ فقال لى : والله العراق دخلت الكويت فقلت له : لحظة شوية وقمت فتحت لبشاك فشفت العسكر قدام الباب فقلت له : اقفل التليفون وقلت لزوجتى العروس : قومى خلينى أخذك لبيت ابوى .

وهناك .. جلست وانا لا اصدق نفس قعدت شوية لكن .. لقيتنى ما عارف اقعد فقمت رحت المحافظة وسالت الشاب هناك عن الوضع وكيف هى الامور فقالوا : ترى العراق دشا الكويت ”

سالت وانا متلهف : والامير .. ما هو وضعه ؟

قالوا : ما ندرى ” قلت : والشيخ سعد .. ما هو وضعه  ؟

قالوا : ما ندرى ”

فخرجت ورحت قصر السيف ويوم وصلت عند القصر شفت جنود واقفين فارتحت نفسيا وشفت دخان طالع من المسجد الكبير فسالت :

 ما هذا الدخان ؟ فقالوا لى : هذا صاروخ فقلت : ولادالكلب وصلوا هنا ؟ فصرخ فى وجهى احدهم وقال لى : حرك .. ياللا .. قبل .. قبل ”

وهنا .. صعقت .. عراقى ؟ لانهم كانوا لابسين نفس مغاوير الكويت فاخذت سيارتى ورجعت الى المحافظة مرة ثانية وسالتهم : ما هى السالفة ياجماعة ؟ فقالوا لى : ترى الشيخ سعد بعده موجود أما الامير فما ندرى عنه شى والحين نريد نطلع الشيخ سعد فرحنا وقفنا على باب قصر الشيخ سعد فى منطقة الشعب واقفلنا الشارع وانتظرنا الى ان شفنا السيارات طلعت حوالى الساعة الثانية عشرة ظهرا .

***

وبقيت الى الظهر وانا غير مستوعب حتى هذا الوقت ما حدث ” ولما شفت بعدها ان الوضع صار بهذا الشكل قلت للشاب شيلوا سلاحكم الحين يا اما نموت .. والا ماكو يا للا قوموا خلونا نطلع نشوف كيف نقدر نتصرف .

رحنا المحافظة كنا نريدهم يوزعون علينا اسلحة لكنهم لم يعطونا قالوا لنا ما عندنا أوامر ولكن لانى اشتغل بمحافظة حوالى فانا أعرف مكان الاسلحه وفى نفس اللحظة جاءت مظاهرات وقالوا ماكو سلاح فقلت لهم تعالوا أنا ادل مكان الاسلحة تعالوا كسروا الباب وخذوا اسلحة .

فجاء مدير المحافظة وقال لى : أنت كيف تتصرف هكذا ؟ فقلت له : هذا السلاح خليهم ياخذونة يدافعون به احنا لن ننتظر اكثر من ذلك .. نحن لسنا حريم لازم نتصرف وبسرعة فقح المسوولون مخازن السلاح ووزعوه علينا . ولكن لم نكن حاسبين حسابنا .. كان السلاح بدون ذخيرة فهم اعطونى رشاش المانى كان به 24 طلقة فقط فبماذا يفيد الرشاش بدن

ذخير ة ؟ فقد استخدمناه .. وخلصت الطلقات ” وفى اليوم الثالث للغزو قمنا بعملية انتحارية طلعنا اربعة شباب .. رحنا الى مستودع الداخلية بالشويخ ولم يكن العراقيون للحين عارفين مكانه .. طعنا باليل اخذنا ذخيرة كثيرة واسلحة خفيفة ومسدسات صغيرة وعمرت الرشاش الالمانى القوى الذى كان معى يصل مداه الى 1800 متر.

واحمد لله ان الشباب رفاقى وانا كنا كلنا عسكريين او مجندين مدربين على استخدام السلاح صدق والله هذا التجنيد الالزامى الذى بدا منذ ثمانى سنوات أفاد الشباب فعلا فقدرنا نقود بعمليات عنيفة كنا نطلع فيها ونحن نعتقد اننا لن نرجع الى ان جاءتنا أو امر عقب الغزو بثلاثة أسابيع قالوا لنا لا تقومون بشى اول نظموا عملياتكم واخفوا الاسلحة 

جاءتنا هذة الاو امر من الناس الذين نتعامل وياهم والذين لهم اتصالات مباشرة مع الامير شخصيا فقالوا جاءتنا تعليمات من الامير .. وانتم لا تحاولون تضربون احد وركزوا على الاسلحة الموجودة عندكم ووزعوها بالتساوى على المناطق الموجودة للدفاع عن النفس وعلى اساس لو صار هجوم خارجى احنا نهتم  بالداخل فى نفس الوقت .

وقدرت المقارمة الشعبية ان تثبت وجودها وتقوم بدور كبير فبعد الغزو باسبوع بدا تنظيم العمليات ، فكانت تاتينا أو امر أنتم تضربون هذا الحاجز وبنفس اللحظة تلقى حاجز ثانى مضروب زحاجز ثالث مضروب ..صار فى تنسيق وقدرنا نسسطر عليهم وقدرنا نسوى شغل عدل .

والدليل على ذلك ان القوات العراقية اول كانت اول اسبوع تمشى بدون حماية لكن ثانى اسبوع بعد تنظيم العمليات هذه صارت سيارات القوات العراقية تمشى رونج سايد اى فى

***

الاتجاه المضاد بوجه السيارات كى تضمن لا توجد سيارات وراء هاتتبعها زائد انهم حماية لهم صاروا يقعدون فوق رافعين السلاح جاهزين للرماية وماقاموا يمشون واحد او اثين مثل الاول .

وللحق كان معنا بنات كان لهم دور كبير صراحة .. البنت الكويتية ساعدتنا كثيرا وقدرت تسوى اشياء ما كنا نحن نتوقع ان تقوم بها القوة والشجاعة وفى بنات احرقن كارجو مشحون اسلحة فى الجابرية وبقى ينفجر ساعة وهز السالمية هز وانا واحد من الناس احرقت تاكسى عراقى نحن صدناه كمدنى ويوم يبكى وقال انه ما جاء الكويت زيارة .. لا .. قال : أنا جاى ادور على ابنى .. راح يلعب كورة واخذوه ومن ساعتها ما رجع ابنى طفل عمره 14 سنة .. اخذوه جندوه وهو ما يدرى عن الحرب بشى فقلنا له : ما دنم وضعك روح . رق له قلبنا نقتله لكن .. دمرنا سيارته ….

ومن المفاجات التى صارت وتثبت مدى دور المقاومه وفى نفس الوقت تثبت كيف ان الجندى العراقى جبان .. ضربنا حاجزا كان عليه حوالى عشرين جندى كلهم ماتوا ما عدا واحد جاء وهو يبكى ويتوسل بطريقة كانه يبوس لبيد ويقول الله يخليكم لا تقتلونى لا تقتلونى الله يخليك .

.. لكن طلعا قتلناه .. قتلته انا بنفسي .

ومن المواقف التى صارت معنا والصراحة افتخر فيها لكونى كويتى ضربنا حاجز فى بيان فاصيب واحد اللى كانوا معه الا هو فقعد يصرخ اى .. اى فاسعفوه اللى ضربوه الكويتيون أسعفوه واوصلوه للمسشفى فسالتهم : فسالتهم : لماذا اسعفموه ؟ فقالوا : لا .. كان قاعد يتالم . اسعفه والله صبى ما يتعدى عمره 16 سنة واوصلوه لباب المستشفى وتلاكوه هناك واختفوا …

واستمرت المقاومة تقوم بدورها فى الدفاع عن الوطن وفى كل يوم نسمع عن قصص بطولات خارقة اثبتت شجاعة الشاب الكويتى وانا اقول ان الشاب الكويتى صدق انه اللى عمر هم 14 ، 15،16 ، كانوا يشاركون باعمال البطوله والمقاومه بكل كفاءة .

مثلا ..كنا نسوى جرائد رسمية نوزع فيها اشارات خاصة . وفى خلال ساعة ونصف الكويت عرفق ما فى هذة النشرات وكانوا يحملون الطعام ويوز عونه على البيوت ويساعدون الاسر المحتاجة اللى ما عندما اكل ..

وفى يوم قالوا لنا راح يلقلون كيماوية وفى اقل من ساعتين الكويت كلها كان عندها علم بطرق الوقاية من هذة القنبلة كان هولاء الشباب الصغار يطرقون الابواب ويلقون رسالة الوقاية كل واحد قعد ينسخ ويوزع باليد وبالتليفون .

***

وفى مرة جاءنا لغر مبارك طالع البر والشعلة فى يد فهد واعنهدنا انها شفرة لازم توصل لشخص معين سيعرف بها مكان اسلحة .. وخلال ربع ساعة فقط كنا نقول هذا اللغز لكل الكويت .. وفى الاخر اكتشفنا أنها لعبة عراقية للعب باعصابنا ”

وفى شاب منا فجر سيارة وقاعدة تجمع عسكرى لهم وفى واحد ثانى قتل خمسة وثمانين عراقيا فى دوار الصليبخات نزل بسيارته على أساس انه يبيع بيبسى فاقتلاب منهم ويوم انفتحت تفاجاوا ان بها شبابا ماسكين سلاح رشوا كل الجنود الموجودين فى الشارع فى ذاك الوقت … واستشهد الشباب السبعة الكويتيين استشهدوا جمعهم حتى الذى كان كان يقود السيارة

 رحمهم الله .

وتستمر المقاومه الباسلة فى كل مناطق الكويت وانا قدرت ان اقتل ثلاثة عشر عراقيا ومازلك احس انى مقصر وايد لانى ما بقيت بالكويت للحين فانا قعدت بالكويت شهر وعشرين يوم بعد الغزو بانتظار او امر تاتينا من الخارج الى ان جاء ناس يدورون على بالاسم فجاءتنا تعليمات اخذوا اغراضكم وطلعوا بره … تدرين ليش ؟

لان العراقيين صادوا منا ثلاثة واعدموهم فى اليوم السابق لمغادرتى الكويت كنت انا بالمسجد فقالوا كما ترى قتلوا زميلكم .. فانتبهوا .. ترى اكيد عذبوه عشان يعترف باسمائكم وفعلا ثانى يوم على طول قالوا لنا فى ناس قاعدين يسالون عنكم ونبهنا لذلك ربعنا ” واصدقاونا قالوا لنا ان لن العراقيين يدورون عليكم .. اهربوا بسرعه .. ولذلك خرجنا من الكويت .

وصغاه فى سيارات قديمة تقف فى مواقف عامة نحن نعرفها .. فلم يجدوا غير ابى واخى فاخذوا اخى الصغير ضربوه وعذبوه ولكنه لم يعترف لهم بشى فتركوه .. وبعد ذلك قدر يدعم بسيلرته الخاصة كارجو شاحنة مليئة بالجنود المعتدين .

وقبل خروجى بيوم اخذوا ولد خالتى عمره 16 سنة اخفوه قدرنا نعرف مكانه فجاءتنى خالتى تبكى وتقول لى دور عليه انت عندك ناس ولك معاوف حاول تعرف مكانه لكنى ما قدرت استدل علية فجاءتنى ثانى وقالت وهى تبكى خليهم ياخذوا الفلوس ياخذوا الذهب ياخذوا البيت خليهم ياخذوا كل شى عندنا بس يجبيبون لى ولدى .. وظلت تلف وتدور الشوارع تبحث عنه بدون فايدة

وفى يوم ثانى نفس اليوم اللى طلعت فيه جابوه الى البيت واوقفوه على الباب بعد ان ضربوه وعذبوه وقامواثانى قدام اهله وابوه يضربوه وعلى الباب قدام عيون تمه قتلوه ….

على مراى من الكل قتلوه ويوم طاح صرخوا فيهم لا تقربون عليه .. وظلت الجثة أربع ساعات مرمية فى الشمس واهلة مو قادرين يقربون يشيلون جثة ولدهم اللى سيتقرب

***

منه راح ينضرب بالنار ” وفقدت خالتى عقلها مرة واحد فهذا هواصغر ولادها واحب اولا دها

وحتى الفن ممنوع .. فهم ياخذون الجثث يجمعونها فى الايس سكيتننج

( صاله التزتلج على الجليد ) وانا شفتها بعينى لانى رحت افتش على نسيبى ملازم اول بالجيش رحنا … والا جبل جيث فى الساحة كلها .. ويقول لك اتفضل دور بس ممنوع أخذ الجثث وممنوع الدفن ”

ورغم كل ذلك … هزيمو العراقيين سلهة جدا فهم معنويات ما فى جيش متذمر غير راض عن رئيسه جيش ملزم بحمل السلاح مجبر على تنفيذ او تمر غير مقتنع بها .. وفى قائد موجود بالجيش العراقى برتبة كبيرة جدا جدا كان يتناقش مع ناس فقال لهم اخذوا الدربيل ( نظارة مكبرة ) وطلوا وشوفوا البحر هذا كلام كويتى يحكى يقول : اخذت الدربيل والا الاسطول الامريكى والفرنسى يبين على مدى البحر ”

فقال العراقى للكويتى : شفت …. صدقنى .. أول مدفع يجينى راح ارفع الراية البيضاء قال له : شفت هذة ؟ وطلع له فانلة بيضا محضرها جنبه ورفع له هذة الفانلة له : انا وجنودى كلهم محضرينها جنبنا .. وقال له : الكلب ابن الكلب اخذ اصدقاءه كلهم فى الحررس الجمهورى وخلاهم عنده هناك … وحلانا نحن بوجه النار :

 هذا الكلام قائد كبير تحت يده كذا الف جندى وفى مرة قابلنا ضابط ملازم أول كان موجود فى حاجز بمنطقة من مناطق الكويت وفى ليلة من اليلة من الليالى كان متضايق فقام يشتكى لنا وبكى ودموعه نزلت سالناه عن المشكلة اللى يعانى منها فقال لنا : لنا عندى اختين متزوجين من كويتين وعلاقتى مع انسبائى طيبة طول عمرنا واعتبرهم مثل اخواتى الحين اتصل معهم اقول ازوركم يقو لون لى اذا جئتنا سنقتلك .

ويعود ويقول لنا وهو يبكى شنو اسوى بهذه البدلة لو ارميها يقتلون أهلى اللى هناك ولو البس الدشداشة يقتلونى اللى هنا .. انا مو عارف شنوا سوى مع العلم أن جاءتنا أو امر صريحة باضطهاد الكويتييين : بلسانه قالها لى وهو ضابط برتبة ملازم أول واسمه عندى .

واذلك .. صاروا يدخلون البيوت ويغتصبون النساء اللى ما عندهم رجل وحتى لو وجدوا الرجل يا أما يقتلونه أو ياخذونه تحت تهديد السلاح .. ويغصبون الحريم ”

وهذه المسالة شهود عيان كثيرين سمعوها ، أو شافوها ”

وفى مستشفى الصباح كنا نشوف الجنود يصحبون النساء ويمشون معهم .. وكان الهدف واضح .. فهذا طبعا شى مفهوم .

وسمعنا من ناس فى بنت عهرها 15 سنة أخذوها من اهلها عند الحدود وقالوا لهم يا للا امشوا فجاء الاب يتناقش معهم فقالوا له اذا ما مشيت راح نقتل الباقى اللى معك فتركوها

ومشوا والظاهر انهم اغتصبوها وبعدها سابوها فطلعت تمشى مسافة اثين كيلو .. وبعدها وصلت عند الحدود السعودية ماتت ”

صراحة .. الوحشية والنذالة تزعل لو شبهتيها بالعراقى ومع ذلك .. فى نقاط ضعف كثيرة فى المقاتل العراقى أهمها المادة نحن دخلنا الكويت مرة ثانية بعد أن اخرجنا الحريم خفنا عليهم من هتك العرض وضياع الشرف فانا زوجتى صبية عمرها تسعة عشر عاما عروس تزوجنا بعد الغزو بايام تزوجنا بدون فرح عشان احميها واحفظها فى بيت اهلى خوفاعليها من الوقوع بين ايدى الجنود العراقيين لان معظم أهلها كانوا مسافرين يحضرون لها ملابس الفرح وفستان من الخارج .

اخرجنا الحريم وأوصلناهن سالمات والحمد لله الى أهلنا فى المملكة ورجعنا دخلنا الكويت مرة ثانية بوسط الدبابات وبين الجيش العراقى مرينا ما دخلنا بالمظلات اشتريناهم بالفلوس والضابط قال لنا اتفضلوا (دشوا ) داخل .. كل ضابط مسوى له خط بالفلوس … وبخمس دنانير جندى يبيعك سلاحه ”

اى جندى ممكن يعطيك سلاحه مقابل كارتون فاكهة لانه حامل سلاحه وموعارف ما هى أهميته ما فى ارتباط ما فى قناعة ما فى دافع كانه يحمل شى يتسلى فيه … وليس جاى للحرب لانه جاى وهو مو راضى  .

الجندى العراقى عنده مرارة داخلية يعانى من الشعور بالهزيمة بالانسحاق بالذل والحياة العسكرية صارت عندهم روتين بلا معنى فهو شخص مهتز من الداخل شخص تربى على الخوف على القهر والانسان اللى يتربى على الخوف يكبر جبان يصير مثل الصفيحة الفاضية أو الطبل الاجوف … هو ما عنده ايمان بشى لذلك يخافون من كلمه الله أكبر …

كنا لما نطلع فوق الاسطح ونقول الله اكبر كانوا يجنون بطريقة فظيعة ويظلوا يضربون مدافع بوازيك رصاص اى شئس عشان ما يسمعون الله اكبر .

أما نحن فنعلم اننا على حق وهم على باطل ونعلم ان الله سينصرنا والكويت سترد باذن الله وانا متندم لانى ما بقيت فى الكويت حتى هذة اللحظة مع انى رجعت بعدها اخرجت حريمنا كلهن الا خالتى قال لى نسيبى هذة لو طلعت معانا راح تفضحنا وتكشف امرنا ونموت كلنا ….

خرجت من الكويت ثانية ومعى رسالة قالوا لى خذ هذة الرسالة وبلغها بره زانا اليوم كلمت الملحق العسكرى هنا فى سفارتنا بالقاهرة وقلت له أنا بارجع الكويت فقال لى : لا .. اوقف .. انتظر … وراجعنى بعد كام يوم وساراجعه وأنا اتمنى أن ياذن لى بالرجوع إلى الكويت لافديها بروحى ولا روى ابها بدمى .

هذا هو شعورى نحو وطنى .. وهو شعور كل كويتى . فنحن تربينا على حب الارض هذة وأر تباطنا بها عميق وهذا شى نختلف فيه عن العراقى الذى يرفع علم أو صورة فهو يرفعها عن خوف وليس عن حب من داخله .. الوضع يختلف كثيرا فنحن صدق عددنا قليل لكن بالغريمة اللى فى قلوبنا والقوه والايمان اللى فى نفوسنا الله يضاعف من عددنا وسينصرنا على عدونا .

ونحن كلنا يا الكويتيين مستحيل ان ننسى كيف بكينا لما عرفنا ان الامير بخير وان الحكومة موجودة والله بكينا لاننا ارتحنا نفسيا لاننا متاكدين ان الامير ما راح ينام كلنا عارفين كيف اميرنا يحب شعبه وكيف يسهر على راحته ورعايته حتى فى اسوا الظروف .. وكيف يحب الكويت .

الكويت بالنسبة لكل كويتى اب .. ام .. كائن من لحمك ودمك .. انا الحين قاعد هنا فى الامان وحاسس ان تمى مغتصبة هناك فى الامان وحاسس أن امى مغتصبة هناك .. تصورى كيف يكون شعورى ؟

وبعون الله الكويت سترد وما اعتقد انهم سيقدرون على الكويت مادام فى كويتى موجود يتنسم هواء رغم كل ما فلعلوا بقصد تحطيم المعنويات وتطفيش الشعب من الكويت عقب كل ما فعلناه من اجلهم ”

انا نفس مستغرب ” .. متعب ” فنحن كحكومة وشعب وقفنا معهم طوال حربهم مع إيران زكنا فى الدواوين لما نتكلم يقولون لنا باكرإيران راح تيجى على الكويت كنا نرد ونحن نتباهى بالعراق ونتفاخر بقوتها ونقول .. ترى العراق موجودة تقدر اير ان تقرب من الكويت وتفاجانا بالعراق .. ونحن للحين مستغربين ومندهشين .. ومو مصدقين ”

وانا الحين فى مصر  احس بكل مصوى واقف معى الشعب المصرى يحب من قلبه رجوع الكويت ويحب الكويت وأهل الكويت.

***


الخوف تحت السحاب “

الحلقة الاولى

هذة احداث ماساه حقيقية تعرضت لها زينب عيد المضيفة بالخطوط الجوية الكويتية التى عاشت لحظات الغزو البشع منذ أزيز الطائرات فى سماء الكويت المسالمة وحتى خروجها من الحدود الاردنية الى أرض مصر الامنة بعد أيام طوال عرفت خلالها معانى الرعب والفزع والخوف والقلق .. حتى الموت .

اليكم الحكاية الماساة التى بدأت المضيفة كتابتها بعد يومين من الغرو فهذه هى هوايتها وهذة هى طريقتها فى تسجيل شتى المواقف التى تعبر حياتها والتى تعتبر هذة الحكاية من أهمها لانها عاشت الخوف على الارض وليس فوق السحاب ”

بدات حكايتى ، أو حكايتنا نحن المقيمين معا فى سيارة تتجول بين أصوات الرصاص والمدافع فى الكويت ”

حقيقة .. لا توجد عندى مقدمات قبل أن ابدأ سرد الاحداث . فكل ما استطيع أن أقولة عن نفسى أننى أعمل مضيفة طيران لدى الخطوط الجوية الكويتية التى التحقت بها منذ أربع ستوات ، حصلت خلالها على عدة امتيازات أدبية أدى اليها تعلقى الكبير بعملى وحرصى عليه وحبى له .

بدأت الحكاية كما عرفت بسبب خلافات بين الكويت والعراق حول الحدود على ما اعتقد فانا لا أهتم بالسياسات مطلقا ولا افهم وأن كنت لا أعرف لماذا ” ظن أنه يوجد كثيرون مثلى .

عموما .. لم أهتم فحالى حال معظم العرب حتى الجريدة لا اقرأها حتى لا تثير اعصابى لما أجده بها من اخبار وضرب بين العرب بعضهم بعضا فهذا مسلم يقتل أخاه المسلم ولا أعرف الاسباب

واحيانا .. يكون هذا المسلم البسيط ضحية لغرور غطرسة انسان واذ به وهو انسان مكافح مسالم يجد نفسه فجاة فوق حافة هاوية ”

المهم .. كنت بالرحلة التى اقلت الوفد المفاوض الى جدة برئاسة الشيخ سعد ولى عهد الكويت جلست يوما واحدا بجده التى كان مقررا أن نمضى بها ثلاثة أيام هى فترة أنعقاد الموتمر واذ بى افاجا بانهم يتصلون بى صاحا ويقولون لى سوف نغادر الى الكويت اليوم ”

كانت أول مرة فيها جدة ولكم تمنيت أن أقوم باداء العمرة لكننى لم أتمكن من ذلك حيث أننى لا استطيع مغادرة الفندق تحسبا للسفر فى أية لحظة ولم يسعدنى الحظ بذلك. 

***

للاسف اتصلت باهلى من الفندق للاطمئنان عليهم وكان هذا يوم الثلاثاء 31/7/1990 . وكم كانت حسرتى كبيرة لاننى سمعت منهم أخبارا سيئة أن اكمل حديثى معهم انقطع الخط وحاولت الاتصال بهم ثانية لكن عامل التليفون قال لى الخط مشغول ”

حاولت الاتصال عدة مرات لكننى لم افلح فى ذلك فاصابتنى حالة ضيق فظيع واكتئاب . وحاولت أن انام على أن أحاول من جديد فى الصباح لكننى استيقظت على صوت رئيس الطاقم يقول لى :

استعدى سنغادر الفندق خلال أربع ساعات : ”

غادرنا الفندق اقلعت الطائرة فى الرابعة وصلنا فى السادسة الى الكويت .. لم أكن اعلم شيئا لم أكن أعرف أن المفاوضات لم تنجح .. ولكن كان يخيم على جو الطائرة صمت ثقيل وعلامات غضب وضيق وأن كنا جميعنا لم نعرف ماذا حدث بالتحديد …

غادرت المطار عدت الى السكن مساء يوم الاربعاء الموافق 1/8/1990 وكنت فى حالة قلق شديد على أهلى وافكر كيف أتصل بهم فالسكن الذى اقطن به هو لجميع المضيفات المغتربات اللاتى لا أهل لهن فى الكويت .. وكنت أنا واحدة منهن كما لا يوجد به خط تليفون دولى .

جلست اتحدث مع بعض صديقاتى حتى الرابعة صباحا وفى قلبى قلنعلى أهلى وعزمى على أن اتصل بهم فى الغد عن طريق السنترال ونمت وأنا أفكر فى أمورهم .. واذ بى اصحوا على صوت طائرة حربية نفاثة كاد يهد المبنى من كثرة الاهتزاز ….”

بعدها .. انطلق صراخ البنات وبكاؤهن وصوت اقدامهن وهن يجرين هنا وهناك وعلى الفور هبطت بالمصعد لارى ماذا حدث .. واذ بى اجد كل البنات الموجودات بالسكن فى البهو واذ

بالمشرفة المسؤولة عن السكن تقول لنا : انتم نائمون ؟

العراق دخلت الكويت ”

فقلت متى واين ؟ كيف ؟ جئت مساء البارحة فمتى حدث ذلك ؟

فقالت : دخلوا الساعة الثانية بعد منتصف الليل …. ”

كان هذا الموقف فى حوالى الساعة التاسعة صباح يوم الخميس الموافق 2/8/1990 ولا أقدر أن أقول لكم ماذا حدث بعد سماع لك الخبر الرهيب  “

أخدت الافكار تتخبط تتثتت كاننى فى حلم بل كابوس بعد ذلك بدأت البنات فى الانهيار والاغماء والهستريا ، اصابتنا اصابتنا حالة خوف شديدة جدا خصوصا اننا بنات لوحدنا لا أهل لنا ولا اسرهنا كلنا عزل لا حول لنا ولا قوة …”

اه .. ماذا نفعل ونحن لا ونحن لا نعرف لمن نلجا واين نذهب فقد تغربنا عن اهلنا لنساعدهم ونقف بجوارهم وكل واحدة منا وراءها قصة بل ماساة فكنا تركنا بلادنا بعد أن ضاق الخناق بنا وبعد أن فكرنا فى مستقبل أفضل .

المهم … مر أول يوم كانت اعصابى متماسكة ولا أعرف كلما شعرت بالخوف لجات الى الله وحده وصليت ودعيت . والحمد لله وقف الله بجانبى فهدأت نفسى بعض الشى وبدأ كل همى يتركز فى أن ابلغ أهلى اننى بخير ولكن .. كيف ؟ فلا يوجد سوى خط تليفونى واحد بالسكن لثمانين بنتا .. كما أنه محلى فقط ”

ولكن .. استطعنا أن نتصرف فاتصلت كل واحد منا بمن تعرفهم فى الكويت واعطيناهم ارقام تليفونات اهلنا ليطمئنوهم علينا .. وهكذا فعلت فعلت أنا .

وفى اليوم التالى ضرب برج الاتصال وانقطعت الخطوط الدولية ، وبعدها قيل لنا اذهبوا الى الجمعيات لاحضار طعام وخبز فذهبنا كل مجموعة فى  سيارة تاكسى الى الجمعية ؟ .. وهباك .. تسمرت من الدهشة .. كان الازدحام شديدا كاننا فى يوم الحشر العظيم ”

تهافت الناس لاخذ الطعام بل وتقاتلوا عليه ذهبت لاحضار الخبر فقالوا لنا خلص خلاص . ولم أدرك حقبقة الماساة الا وأنا فى طابور للدفع كما لم أدرك قيمة الخبز ألا ونحن نبحث عنه فى كل مكان .. ولا نجد له أثرا ”

وجاءت الصدمة الاخرى ، إنه أول الشهر وجميع مرتباتنا فى البنوك لم نسحبها بعد واذ بنا فى حصار أخر وهو عدم وجود نقود ”

مضى اليوم الاول والتالى والامل يتضاءل مع مرور الوقت بسبب بشاعة الاشاعات وكثرة الاقاويل لكننى لم أياس أبدا من رحمة الله .

وجاءت الليلة التالية : اه .. ما أطول الليل وأفظعه فى هذة الايام المخيفة التى يسيطر فيها الرعب على بنات عزل بدون رجال بدون أهل فى سكن قفر لا يحرسه سوى رجل هندى ضعيف البنية .. ولم أمامنا سوى انتظار المجهول ”

اجتمعت البنات فى الليل معا حتى يشعرن ببعض الامان كن يبكين يضحكن يتكلمن يصمتن واذ بفتاة تصرخ وتقول : حريق .. حريق فى المنزل المقابل لنا واذ بنا نجرى فى ذعر ونحن نسمع طلقات الرصاص واصوات القنابل تحيط بنا ”

مضت الليلة علينا طويلة مرعبة وجاء الامل مع الصباح قويا فى  أنهم سينسحبون من الكويت ولكن .. اتضح فيما بعد . أنه قول وليس فعلا وان الاوضاع كما هى وان اخذت اساليب السلب والنهب تتضح فهولاء هم مجرمو الحرب يستغلون الفرصة .. ويسرقون كل شى تقع عليه ايديهم وأعينهم ”

وبدأنا نسمع عن اقتحام البيوت وعن جرائم القتل والاغتصاب فقضاعف خوفنا وجاء رابع يوم واذا بشاب يدخل علينا يطلب منا اخلاء السكن فورا لانه يحتوى على مجموعة من البنات ويمكن أن نتعرض للاعتداء فكل شى فى الحرب مباح حتى .. هتك العرض ”

اه .. ماذا اقول ؟ اتهمناه بالجنون وطردناه واذا بعساكر من جيش العراق بعدها ياتون الى السكن يطلبون الماء فاصابت الفتيات حالات من الذعر والهلع وأخذن يتصلن باى أحد يعرفونه حتى ياتى لنجدتنا ويقف بجانبنا ، فالحارس الهندى الوحيد هو ذاته يكاد يقتله الرعب كما أنه لا يستطيع أن يدارى خوفه عنا .. مسكين يكان يموت من الخوف والرعب .

وبعدها .. بعد خروج العسكر اخذت البنات فى مغادرة السكن واحدة تلو الاخرى لكننى رفضت أن أغادره فهو بالنسبة لى بيتى . بعدها حضر أناس لاخذ صديقة مصرية والحوا على لياخذونى معهم لكننى شكرتهم وقررت القاء مع زميلات لى فى إحدى الشقق القربية .

وفى الصباح اتصلت برقم السكن فرد على شخص غريب قال لى لا يوجد احد .. هرب الحارس وترك الابواب مفتوحة فقلت له لو سمحت اقفل الابواب فجميع اشيائنا هنا وحتى لا يستغل أحد الموقف .

ذهبت إلى السكن لا جمع حاجياتى واذا بالجيران يقولون لى أن مجموعة من المجرمين وليس الجيش العراقى حاولوا سرقة السكن كان مغادرة الفتيات السكن كانت مؤامرة مدبرة حتى يقوموا بنهبه وسلبه ،فالسكن به 86 غرفة تحمل كل ما غلا ثمنه وخف حمله ثمرة شقاء فتيات مغتربات .. وعندما عرفت ذلك انتابنى الغضب والغيط والغل .

اخذت اجمع حاجاتى وتوافدت الفتيات كل تاخذ حاجاتها لانها جزء منها .. فجاة ضاع كل شى  ولم يعد يبقى لنا سوى أشياء بسيطة لكنها تعتبر ثمينة فى وقت عصيب كهذا الوقت. تجمعن نحن السبعة فى السكن بعد أن جمعنا امتعتنا وكان من بيننا اثنتان مصابتان بالام فى العمود الفقرى (ديسك ) وكانتا ممنوعتين من الحركة لكنهم أمروا باخراج جميع المرضى من المستشفيات لاخلائها وقصرها على جرحى الجيش العراقى ”

المهم .. ذهبنا كلنا الى الشقة بعد أن تاكدنا أن الحياة فى السكن محفوفة بالمخاطر خاصة وانه قد اصبح معروفا للجنود العراقيين وغيرهم من المجرمين ورجعنا ونحن نتلفت حولنا خوفا من الموت الذى بدأ وكانه يتربص بنا فى كل لحظة ”

وهناك .. اتصلت بالسفارة حتى اسال أن كان يوجد أمل واعطيت اسماءنا وارقام هواتفنا فى مصر حتى يطمئن أهلنا علينا خاصة بعد سماع الاخبار التى لا تسر والتى جعلتنى أموت داخلى الف مرة ، بعد ذلك أديت الصلاة وأنا أسطيع أن أمنع نفسى من البكاء بين يدى الله ، وقمت بقراءة القران حتى يطمئن قلبى .

اطفانا الانوار ، وكل واحدة منا تدعو الله لينجينا مما نحن فيه وكانت واحدة اخرى تبكى وثانية تصلى وثالثة تحاول أن واثنتان تتاوهان من شدة الالم فهما ممنوعتان من الحركة بسبب الام العظام واذ بهما معرضتان للجرى والطلوع والنزول .. كان الله فى عونهما

. وتمضى اللحظات علينا ونحن غارقات فى الخوف والظلام كانها سنوات وأعوام .. الموقف فعلا فظيع ، وها نحن نجلس بجوار الراديو ، تلتقط الاخبار من إذاعة لندن تارة ومن إذاعة مصر تارة ولا توجد أى أخبار تطمئن فبقيت كل منا تسترجع ذكرياتها وتستعيد ما ضى حياتها ”

واحدة تريد أن ترى ابنتها الوحيدة فلا يوجد أحد يرعاها وأخرى تفكر فى أمها المريضة بالقلب والتى تخشى عليها من التعرض للخوف ولبقلق بسبب هذا الموقف المقلق المتازم …”

لاه .. لحظات قاتلة نموت ونحيا فيها الف مرة فى كل دقيقة معاناة ، قلق ، خوف ، عذاب اه .. يللها من ليلة مريرة لا تريد أن تمضى .. أو تنقضى ”

لكن .. وبينما نحن جالسات فى الشقة نحن الفتيات وفى حوالى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل اذ بنا نسمع خبطا شديدا على باب الشقة بطريقة عنيفة كان هناك هجوما عنيفا على الشقة .. أطفانا الانوار بسرعة وأحسسنا بخطوات تجرى فى هرولة وطرقات متصلة على الباب .. اسرعنا بوضع شنط سفر كبيرة وراء باب الشقة لتعرقل من يقتحمة واقتربنا من الباب لنسمع أى صوت ، فسمعنا دوى خبط هائل ، ونظرت احدانا من الشباك فلمحت الحارس الصعيدى يخرج جاريا من غرفتة وهو يحمل فى يده سكينا طويلا بعد ذلك سمعنا خبطات متتالية .. وطلقات رصاص ”

جرت أحدانا إلى التليفون وانصلت بخطيبها كى ياتى لنجدتنا مع انه خطر جدا أن يخرج فى هذا الوقت من الليل بسبب حظر التجول الذى يبدأ بعد السابعة مساء …

تجمدنا فى أماكننا ونحن لا حول لنا ولا قوة ضعيفات ، خائفات مذعورات .. باكيات جزعات ونحن نسمع فى رعب تزليد الخبط والطرق على الباب الذى يهتز بعنف .. ويكاد أن ينكســر …”

***


الخوف تحت السحاب .

الحلقة الثانية 

فتحنا باب الشقة فى حذر بعد أن سمعنا صوت الحارس الصعيدى الجدى ينادى اسماءنا فاطمانت قلوبنا وعرفنا أن الخطر قد زال … رأيناه واقفا بالباب مشهرأ سكينا طويلا وحماسا هائلا يشع من عينيه وكانه يوكد لنا أنه مستعد للموت دفاعا عنا وعن شوفنا.

قال لنا : أطمنوا .. .. متخافوش مشوا خلاص وفعلا اطماننا وحمدنا الله على السلامة وقلت لصديقتى أن تتصل بخطيبها وتقول لا تحضر ولكن قد فات الاوان وغادر البيت وخرج لنجدتنا تاخر .. فازداد خوفنا وقلقنا عليه وظللنا نجوب المنزل يمينا ويسارأ داعيات له أن يصل بسلام وأن لايفقد حياته بسببنا حقا .. كم هو إنسان شهم وقف معنا وقفة أخ أصيل كريم وساعدنا بكل طاقته وبكل امكانياته المحدودة .

حمدا لله . أخيرا حضر بالسلامة .. تنفسنا الصعداء بعد لحظات مظلمات كدنا نفقد فيها عقولنا لعدها جلسنا واخذنا نسترجع صوت الجلبة التى سمعناها  وتساءلنا : هل كانوا الصوصا أم جنودا ؟ لم نعرف ولم نملك سوى انتظار المجهول .. ذلك المجهول الذى يشقينا ويعذبنا فنحن نكاد نموت جنونا .. قبل أن نموت فى الحرب.

يارب .. ساعدنا يا ربنا فانت ملجؤنا وملاذنا واحمنا من غدر ايامنا وشر زماننا يارب يزداد عاؤنا فالايام القادمة أصعب من التى قلبلها فالخطر يتزايد ويتفاقم .. والامل فى الله وحده .

بدأ يوم جديد من القلق والتوتر فقد صحونا يوم الخميس 9/8/1990 على صوت طلقات رصاص ورنين مكالمة تليفونية تقول انه توجد مقاومة عنيفة فى منطقة الجابرية ويوجد جيران لى فى مصر يسكنون هناك .

اصابنى الهلع فجريت إلى التليفون واتصلت بهم فوجدتهم سالمين حتى الان وبعد ذلك وجدت واحدة من زميلاتى تعالى من الام فى صدرها .. وانهارت تماما واجذت تصغط على قلبها وتبكى وتهلوس وتصرخ : بنتى .. بنتى .. اروح لبنتى.

فقدت الوعى فقد كانت ابنتها فى مصر وحيدة لا عائل لها غيرها وبينما هى تصارع سكرات الموت حضر طبيب قريب لاحدى زميلاتنا وفحصها وطماننا عليها وحاولنا أخذها

إلى المستشفى لاسعافها لكن .. لا يوجد أمل فالضرب ياتى من كل جهة ولا توجد بقعة واحدة امنة ”

كانت الناس تقاوم ببسالة وكنت اسمع صوت الطلقات حولنا .. أما نحن فماذا نفعل كان أملنا الوحيد معلقا بالموتمر الذى سيعقد فى القتهرة ، موتمر قمة عربى عاجل حتى ينتهى هتلر العرب وعسى أن يهديه الله وينهى هذا العذاب .. فلم هذا الدمار والهلاك ؟ لا أعرف شيئا سوى الدعاء فالحل بيد الله تعالى وحده.

جاء يوم الجمعة ، يوم مبروك باذن الله أتمنى أن نسمع فيه بشرى طيبة فسوف يقوم هتلر العرب بالقاء خطاب الساعة السادسة مساء . عسى أن يكون خيرا شاء الله .

وها هو يقتل كل أمل فى حياتنا قتله الله كما يريد قتلنا ، فهو يريد أن يشتت العرب ويدعى انه حامى الحمى ” أنه يريد أن يثير الشعوب على حكامها بعد أن فشل فى اقناع القاع أو بعد أن خدع القادة يريد أن يخدع الشعوب أيضا ”

نعم .. فبعد ذلك بدأ الاعلام يمارس دوره كما فعل من قبل .. بدأ يدس برامج دينية وبدأ يذيع الاذان من مكة وقبل ذلك بيوم واحد لم اسمع أو أر أذانا واحدا فى تليفزيونات العراق ”

تحول فجاة الى واعظ ” ياله من مخادع ” أحرق الله قلبه ودمره وخسف به يابع أرض لانه ظلم ناسا مسالمسن وخرب لبوتا وشرد عائلات .. لماذا لم يذهب لم لنجدة فلسطين اذا كان هو حقا ذاك الشجاع الهمام ؟ ولماذا فعل هذا بنا وافترى علينا ونحن ابرياء ؟ اه .. نحن لا نعرف مصيرنا وهل سنصير قتلى .. ام أسرى ام ..؟ الله وحده يعلم .

ادعو الله ، اصلى ، اقرأ القران ، اتوسل الى الله أن يساعدنا فى محنتنا هذه سلمنا أمرنا إلى فهو قادر على كل ظالم .. اه.. ياله من ظالم ؟ اننى لا ألوم احدا على تدخل القرات الاجنبية بل اويد من كل قلبى وجودها فهو قد وعد وكذب .. وخان فكيف يثق به العرب بعد الان ؟

اليوم صباح السبت 11/8/1990 صدقونى اعرف الايام من خلال الكتابة فالساعة تشير الى التاريخ والكتابة تشير الى اليوم .. اننى أكاد ان افقد الزمن ” اشعر اننى قد مر على حتى اليوم .. الف عام ”

اه .. هذا هو اليوم العشر … ولا أعرف الى متى سيطول هذا العذاب ولكن لا يسعنى سوى الانتظار . احمد الله انه قد مر علينا يوم بسلام ، يوم أخر من ايام الانتظار الطويلة الرتيبة المملة .. يارب دع الايام تمر بسلام حتى نعبر هذا الخطر على خير يارب .

***

اليوم الاحد 12/8/1990 لقد صحوت على صوت التليفون  يحمل لى خبرا جميلا جدا فها هو أحد زملائنا فى تاشركة يقول فتحنا خط السعودية فكلمت السفارة اتاكد .. لكن … للاسف قالوا ..خبر كاذب ”

وعرفنا أن الهاربين من الحرب يذهبون إلى حدود البصرة وهنا ياخذون منهم كل اشيائهم ويفرغ الهواء من عجلات سيارتها ويتركون فى خيام فى الصحراء “

جاء الليل لتكثر الصدمات يسارع الى ترك الكويت فالوضع يزداد سوءا فالله وحده أعلم ماذا سيحدث غذا واناس مهددة حياتها وأعراضها والكل يسارغ الى أخذ عائلتة والخروج بها لانه يريد يحمى أسرته لان حالات الاعتداء كثيرة وحالات الاغتصاب اكثر واكثر .. اه.. ساعدنا يا الله فلن يقف أحد غيرك .

اليوم فجر الثلاثاء 14/8/1990 ، فى الصباح الاكر سمعت صوت العرب واعلنت الاذاعة عن هتك عرض مضيقات جويات بالخطوط الكويتية أثناء مغادرتهم الكويت الى مصر فى الطريق بين الكويت والعراق ”

طبعا بعد أن هذا الخبر هجم  الحزن علينا وبكيت خوفا على أهلى لانهم سيظنون اننى واحد من هولاء المضيفات المغصبات …. “”

كان الله فى عونهم وفى عون زميلاتى الضحايا تولاهم الله برحمته ورعايتة فانا لا أعرف حقيقة الموقف الذى تعرضواله ةلكنى أتخيل نفسى انعرض لما تعرضواله … اه … اعوذ بالله .. أكيد أنه شى بشع.

نبدأ بانهيار واحدة وراء الاخرى احاول أن اتماسك اكتم عصبيتى ادارى خوفى داخلى ولكن .. الاخبار لا تطمئن وحوادث القتل والسلب والاعتداء بكل انواعة تصل الينا مفرعة مرعبة .

 اليوم السبت 18/8/1990 .. طيلة الايام الماضية لم استطع الكتابة من شدة الخوف والقلق .. ولكن ها هو الامل جاء اليوم وعرفت اننا يمكن ان نسافر عن طريق السعودية برا .. ولكن .. كيف ؟ فلا توجد سيارة لنقلنا ، وحتى لو وجدت فانا لا أعرف القيادة حتى لقود اى سيارة اجدها فى الشارع لننطلق ننقذ انفسنا بها … قبل ان نسقط ضحايا لمن لا يرحم ”

اه… ماذا أفعل ؟ نحن نساء لا حول لنا ولا قوة ولا يوجد رجل معنا .. ماذا أفعل؟ لجات الى بواب العمارة ذلك الرجل الصعيدى الطيب الجدع وجلست على نفس مقعده الخشبى وأخذت أنظر الى الشارع والى السماء وأدعو ربى .. وأبكى أبكى وأنا أدعو على هذا المعتدى الاثيم ان يعذبنا ويقهره كما قهرنا وقهر قلوب أهلنا علينا وأذلنا وشردنا دون وجه حق.

سارعت زميلاتى الى ندائى كى اصعد الى الشقة فقلت انا لا أبكى خوفا من الحرب لكننى أبكى ضيقا من غلبى ومن عجزى عن القيادة وذلى واحيتاجى للباس كى امجو بعمرى فهل اخذ حقيبتى واقف فى عرض الطريق عسى ان يرفق احد بحالى وياخذنى معه ؟

الموقف متازم وانا عاجزة تماما عن التحرك والانتظار حافل بالمخاطر والمفاجات ففى كل يوم ياتى خبر جديد واليوم تتفتح أزهار الامل أمامى ، فقد جاء أحد زملائنا وقال أ؟نه يود سائقا ونستطيع ان نؤجر باصا ونرحل عن طريق العراق.

وافقت حتى لا ينقطع الامل وفرحت رغم ان الطريق طويل جدا ، لكننى صممت ان اتحمل أى شى حتى لو اضطررت ان ازحف على قدمى ويدى حتى أصل الى بلدى واخرج من هذا الجحيم المحموم .

جاء الرجل … صدق وعده … واحضر الباص فى الساعة الخامسة والنصف صباحا يوم 20/8/1990 ، اننى فرحة جدا وعلى استعداد لاى مخاطرة فى سبيل العودة الى الوطن ساصمد حتى اعود بعون الله .

بدات الرحلة بداية مريرة فقد سمح اليوم فقط لبعض الجنسيات الاجنبية بمغادرة البلاد وانعكس ذلك على الطريق الذى كان مزدحما ازدحاما شديدا زائدا عن اللزوم فالكل يريد ان ينجو بعمره ويا روح ما بعدك روح كما يقولون ….

وهنا أهلكنا الزحام الفظيع والحر الحارق والعواصف الترابية الللاذعة فقلت معلهش الواحد يستحمل اى شى بس نمشى تحولت السيارة الى فرن بشرى فهى غير مكيفة وكادت ان تشتعل ن شدة الحر فوقفنا حتى تبرد ونضع بها مياها …

ثم بعد ذلك وقفنا حتى نضع بنزين وقفنا ضمن الالوف المكدسة وبعد ذلك سرنا فى طريقنا بعد أن فقدنا العربات الاخرى التى كانت تسير معنا .. وفجاة .. تهتكت العجلة وكادت السيارة أن تنقلب لولا أن الله ستر علينا .. ووقفنا فى قلب الصحراء ، ونحن لا حول لنا ولا قوة والسائق يحاول أنقاذ الموقف بكل كا فى وسعه فى حاجة الى معدات خاصة ..لا يمتلكها …”

تلفت حولى فلم اجد غير الصحراء القاحلة والحر الحارق والخوف العارم .. والذعر من دخول الليل علينا ونحن فى هذا المكان النائى المعزول .. فانهمرت دموعى وغرقت فى بكاء محزون يكاد يمزق قلبى  وعقلى ..

وبعد لحظات ياس قاس قاتل وقفت سيارة لمساعدتنا بالفعل حمدا لله طلعوا ناس طيبين واستطاع السائق ان يضع العجلة الاضافية وان ننتهى من هذا الموقف العصيب .

بعدها .. يدأ الغذاء يقل واماء يشح زبدأنا ترشيد الاستهلاك فلا بد أن تكفى لقمات خبز   وقطرات ماء لتبقنا على قيد الحياة .

واخيرا .. وصلنا الحدود العراقية فرأيت منظرا رهيبا السيارات تغطى مسافات مهولة وتكاد تقف فوق بعضها فى صفوف هائلة لا نهاية لها .. وعندما راينا هذا المنظر بهت بصيص الامل فى تاخروج من هذة المحنة .. حتى كاد أن يتلاشى .. ثم جاءت المفاجاة الصاعقة حين طلب منا الرجوع الى الخلف .. لانه غير مسمةح للمصربين بالعبور …. ”


الخوف تحت السحاب

الحلقة الثالثة :

صدمت .. بكيت .. بعد أن تقطعت أخر شعيرات الامل فى النجاة من هذا الجحيم ” .. اجبطت نفسية زميلاتى تلاشت روحهن المعنوية حتى الحضيض وقلن : سنعود الى بغداد كويت فالموت هناك افضل الف من الموت جوعا وعطشا فى حرها .. ”

اه … ياله من منظر لا أقدر على وصفه إنه منظر يبين مدى ظلم الانسان لاخيه الانسان فما ذنب هؤلاء الناس ما ذنب الاطفال تموت من الجوع والعطش والحر”

أمام اصرار زميلاتى الاربع بعد فقدنا أثر الثلاث الباقيات اللاتى ركنى سيارة أخرى ضاعت منا وسط الزحام ، أمام اصرارهن على العودة فقدنا بدات احس بهزيمة ساحقة وامال حارقة اشعلت قلبى بغضا وسخطا ورفضا

الرجوع الى الوراء قررت أن نستمر مهما كانت المخاطر فالمهم الانرجع ونعود نقبع فئران فى المصيدة .. لكنهن لم يجبن وصممن على العودة لاننا وحدنا ولان السائق مرهق حتى الموت لم ينم ابدا منذ بدأنا رحاة الفرار .

تشتت تفكيرى كدت انهار تجمد عقلى عند فكرة الرجوع رأيت أن أطلب منهن الانتظار بعض الوقت الى ان نلتقى بزميلاتنا الاخريات وبعدها نقرر من جديد ماذا نفعل وكيف نتصرف .

حدثت نفسى .. لبعد هذة المخاطرة الشاقة .. وبعد هذه المسافة الشاسعة اعود بسهوله ؟ ” لا .. لن أنهزم فقد بدلأت الطريق ولا بد لى من المقاومة انى على استعداد لان أموت عطشا وجوعا ولا اضيع بصيص امل يرجعنى الى بيتى ..

اه .. أكاد افقد ارادتى انهار وهن يصررن على اخذى معهن نفعلت صرخت فى وجوههن قلت انا لست صغيرة ولست قاصرا ومستعدة ان اموت هنا لكنى لن ارجع فكل منا مسؤولة عن نفسها فى هذا الوقت العصيب .

وعدت افكر .. لا بد أن اكون مع مجموعة حتى اكون فى مامن فالطريق حافل بالمخاطرة وملى بالمحن والمفاجات ..اه .. ماذا فعل فى هذا الموقف المؤسف ؟

نظرت خلفى حائرة يائسة فرجدت اسرة مصرية فاقتربت منهم وسالتهم ان كان يوجد لى مكان معهم فنظروا نحوى فى عطف واشقاق .. وهنا لم استطع ان امنع دموعى زانا احس ان كيانى يموت ذلا وأشعر بعجزى وانعدام حيلتى وضالة قدرتى ..

المهم وافقوا ان ياخذونى معهم وحاولوا تهدئتى والتخفيف عنى وطمانتى لكن .. ها هو فرج الله قريب اذ جاء احد اقرباء زميلة لنا قد سار معنا لتوصيلنا الى الحدود ليطمئن علينا جاء وعرض علينا ان يتابع الرحلة خلفنا لنكون تحت رعايته.

اطمانت البنات لوجود رجل معنا يحمينا وازداد الامل فى تكلمة المسيرة التى بدأناها تابعنا الطريق الذى بدا ينفتح شيئا فشيئا وكان المرور مرهونا بمزاج الجنود ،فمرة هم متعاونون ومرة هم كار هون يفيضون مقتا وكراهية لهولاء العابرين الذين يعاملونهم وكانهم حيوانات لا تدرك ولا تفهم ”

أخذت الناس تتصارع وتتقاتل .. فالموقف متازم ، وكلنا نحاول معا عبور عنق الزجاجة فالكل يريد أن ينفذ بعمره قبل أن ينفجر الموقف فوق رؤسنا كالبر كـان ”

ظلت الاحداث تتلاحق واحدة تلو الاخري مجهوله لا اعرف ما تخفيه لى الدقائق القادوه أن معنوياتى تهبط يدى لا تقوى على الكتابه لكننى أبذل كل الجهد كى أحول بين نفسى والانهيار فلا وقت ولا مكان ولا زمان يسمح بذلك .

نعم .. يجب أن اتماسك وأن اتمالك كل حواسى حتى استطيع التفكير خاصة واننا قد وصلنا الان الى حدود العراق … ”

الامل كبير فى النجاة .. اه .. كنت أظن أن المسالة مجرد عبور حدود وكنت اعتقد أن الهم الاكبر هو عبور الحدود العراقية فقط لكننى لم أكن اعرف ان هناك حواجز كثيرة اصعب كثيرا من مجرد عبور الحدود حواجز عبور العقول البشرية ذاتها .. فكيف أمر خلال عقرل قاسية متحجرة تعرف اى شى فى العالم سوى الحرب وانتهاك العرض والقتل والسلب والنهب

اه .. تفكيرى يخوننى ولا بدلى من التفكير السليم بعد أن فتحت الحدود .. وبعد أن تركنا السائق وعاد من حيث أتى ” كنت اظنه لكن الاصل يحكمه فتركنا نحن وحقائبنا بالقرب من الحدود .. ورجع ”

كانت احدى زميلاتى كما قلت من قبل مصابة بدسك والاخرى منهارة فى حالة هلع وذعر وعدم تركيز فاخذت احمل حقيبة كل واحدة منهن وامر بها فنظر نحوى العسكرى الواقف على الحدود نظرة مريبة تحمل امارات الطمع مع انى وزميلاتى كنا نرتدى عباءات سوداء كما كنا نغطى شعورنا فذخبت إليه وطلبت منه السماح لى بنقل الحقائب لان زميلتى مريضة ولا تستطيع رفع اى شى تقيل نظر العسكرى الى نظرة لا تطمئن على الاصلاق وقال لى عبرت الحدود لن تمرى مرة أخرى واخذ يتحامل علينا ويسخف معاملته لنا فنظرت حولى فابصرتضابطا برتبة لم استطع تمييزها تبدوا على وجهة ملامح التهذيب فقلت لنفسى ساجرب حظى مهه .

ذهبت اليه وقلت له أن زميلة لا يريد عبورى ويجب أن احضر امتعتنا فهلا يساعدنا 

نظر الى وقال معتذر لقد انتهت نوبتى الان وليس بيدى شى توسلت اليه ان ينتظر بعض الوقت ليحمينا من زميله الذى يبدو الشر فى عينيه .. نظر الضابط نحو العسكرى ووجد فعلا علامات الغدر تبدو فى نظراته فانتظرنا حتى نعبر وشكرته كثيرا من قلبى .

لكن .. بعد الحدود حضر العسكرى حتى ينتقم منا وسالنى فى غيظ ماذا تحملين معك ؟ ” طبعا ذهب وفيديو فقلت له فتش اذا اردت ان تتاكد فانا لا املك هذه الاشياء كنت احمل نوتة مذكراتى بيدى وكانت الصدمة .. لقد طلب ان يراها سالنى ..ما هذا ؟ كادت زميىتى يمتن رعبا وكان لزاما على أن اتصرف بهدوء وحكمة وذكاء فلوا متنعت ورفضت تقديمها له ستكون هذه هى نهايتى الحتمية فما كنت فيها عن صدام كفيل وحده باعدامى .

اعطيته اياها بعد طلب ان يراها قدمتها له بسهرلة وقلت له تفضل انها مذكرات شخصية ليست بها اى شى راقبقه فى حذر وكم كانت سعادتى بالغة وانا اراه يفتحها ويقبلها دون ان تبدوا على وجهه امارات المعرفة .. تاكدت انه لا يعرف القراءة فاطمان قلبى .. وتنفست الصعداء .

بعد ذلك اخذتها منه وقلت له شكرا كثيرا وكان قد دخل علينا الليل ونحن مازلنا فى وسط الصحراء بين سيارات كثيرة متناثرة تحمل عائلات أو رجالا أما نحن فقد كنا نساء لا رجل معنا بعد أن فقدنا أثر قريب زميلتنا الذى ضاع بين الناس والزحام ”

جلسنا فوق رمال الصحراء وحيدات خائفات عاجزات فسالتنى احدى زميلاتى هل سنبيت الليل هنا ؟

لا .. لن استطيع ساموت من الخوف ساعود للكويت .. لن ابق … وأيدتها لباقيات فى موقفها

اه.. انهن يستبدلن الحماس بالياس داخلى .. قلت لهن باصرار سول انام فى الصحراء وسالتحف السماء ..

لكننى لن اعود ومن تريد ان تتابع فلتبق معى فانا ساستمر حتى النهاية حاولت ان اعطيهن دفعة امل فقلت لهن اننا بالقرب من منطقة الرويشد على الحدود الاردنية لكننا نحتاج وسيلة لتنقلنا اليها واذا برجل يعرض علينا المساعدة بعد أن رانا بنات وحيدات بائسات فاحضر لنا تاكسى بسائق عراقى .. لم نعترض فقد كان كل همنا ان نكمل مسيرتنا.

 تشجعت زميلاتى أمام إصرارى ورغبتى فى الاستمرار حتى اكمل ما بدأت 0 وضعنا الحقائب فى السيارة وانطلقنا والفرح يعربد داخلنا .. لكن ..

لم تكد تمر دقائق حتى قال الجنود الاردنيون للسائق ” اركن ” الحدود مقفولة للمصريين ” تعججت .. حتى الاردن ايضا ؟ ياه ماذا نفعل اذن ؟

اعترانــى ياس مقيت كاد ان يهد كميـانى بعد ان وقفت السيارة مجمدة بلا حــــراك ”

****

وهنا .. نظر السائق نحونا وقال هذا ما فعله بكم رئيسكم انتم مشردون بسببه ، لم استطع ان افتح فمى ، اكتفيت بهز رأسى  ولكن .. لسانى لم يستطع ان يسكت امام جهل السائق بما يحدث حوله وبعد أن ظل يتكلم بحقد قائلا لقد مات ابن عمى واخى وفلان وفلان وذكر تقريبا كل افراد عائلته الذين استشهدوا فى حرب العراق وايران .. وهنا قلت له جملة واحدة كادت تجعله يجن قلت له حاربتم طوال ثمانى سنوات وخسرتم ارواحا واموالا .. بعدها اعطيتم  ايران كل شى فى دقائق .. فما رأيك فى هذا الموقف ؟

لم يستطيع الرد وبدأ انه يفكر ويفكر فاكتفيت انى ساعدته على ادراك هذا التصرف الاخرق لسياسة رئيسة الاحمق .. وبعدها التزم الصبق وكانه بقى يتحدث مع نفسه نادما على موت هولاء الشباب الذين راحوا ضحايا القرار الخطا للشخص الخطا .

الان .. الساعة الثالثة صباحا يوم 22/8/1990 لقد فتحوا الحدود هيا بنا ، فسرنا فى  طريقنا بالسيارة وكانت تسبقنا سيارة أخرى تحمل اسرة مصرية .

سرنا فى الطريق سويا مرت السيارة الاولى بعد أن فتشها رجال الحدود الاردنيون ثم مرت السيارة الثانية وكانت سيارتنا هى الثالثة .. واذ بالجنود الاردنيين يوقفون سيارتنا وهم ينظرون داخلها ليسالوا اسائق عن هوية الركاب فقال له : مصريات

وهنا .. كانت الفاجعة الكبرى .. فبعد أن توقعت أن نمر بسلام بعد عبور الحدود العراقية والتى كانت هى الهم الاكبر اذ بنا نقف مذهولات امام ذلك القرار بمنع عبورنا بعد أن اخبرنا الجنود الاردنيون ان المصريين غير مسموح لهم بالمرور”

تعججنا .. وقلنا لهم أن السيارة التى سبقتنا كانت تقل مصربين وقد مروا فعلا فلماذا يمنعونا نحن .. ألسنا جميعنا نحمل جوازات سفر واحدة ؟

لم يردوا علينا وامروا السائق أن ينحرف بنا عن الطريق وان يتجه نحو الصحــراء”

 

 

 

 

كانت الساعة حوالى الرابعة صباحا .. ياه .. ماذا نفعل معهم ؟ وماذا يريدون أن يفعلوا بنا ؟

ما هذا الموقف المرعب ؟

وبلغ الذهول بنا مبلغه ونحن نسمع الجنود يامرون السائق بالتوقف فى منتصف الصحراء وكانت سيارتنا هى السيارة الوحدية التى وصلت الى هذا الموقع المتطرف .. فى عز الليل بعيدا عن الناس .. والعمران ”

وهنا دهمن خوف فظيع خوف بغيض مقيت فاخذت زميلة لى تلطم وجهها واخرى تصرخ فى هستيريا واخرى تبكى فى رعب وتكاد تروح فى اغماء .. اما انا … فقد اعترانى

صمت كالموت …. وعجزت تماما عن الكلام … او البكاء .

 

***

                                                              


الخوف تحت السحاب[8]

الحلقة الأخيرة

اعتراني صمت كالموت وعجزت تماما عن الكلام أو البكاء لكنى حيال الخطر الداهم الذي يحيق بنا وجدتني استمد قوة هائلة منبعها الدفاع عن النفس بعد أن صار مفهوما وواضحا الهدف من إبقائنا هكذا وحيدات وسط الليل والصحراء … والرجال الغرباء!!

صرخت في وجه الجندي: إيه الحكاية “! أنتم ناويين على إيه “!

وتجاهل الجندي المتهجم الوجه سؤالي كأنه لم يسمع حرفا مما نطقت لكنني عاودت السؤال تلو السؤال، لماذا نحن هنا “! ولماذا نحن فقط هنا “! لماذا أبعدتمونا عن الحدود “! فرد قائلا: لأن الحدود مغلقة الآن فعدت اسأل : وكيف مرت باقي السيارات “! قال : كلهم سوف يأتون الآن هنا.

نظرت إليه غاضبه ثائرة بعد أن شعرت به يستمر في تضليلي ووخداعي كأني تلميذة في مدرسة ابتدائية. وهنا .. إلى الدم في عروقي صرخت وأنا انفجر في البكاء : احضر جميع السيارات هنا وأنا مستعدة لأن أظل حتى الصباح يا إما تتركنا مع باقي السيارات وأنا مستعدة انتظر إلى الوقت الذي تسمحون .. وان شاء الله بعد شهر.

سكت لم يرد ابتعد قليلا وما لبث أن عاد ليقف على مقربة من السيارة فقلت له: تصرفكم هذا مثير للشك والقلق ونحن لن نسكت على هذا الوضع أبدا فقال: اهدئي، فقلت : كيف أهدأ؟ أليس لديك أخت أو أم ؟ وثم كيف نهدأ ونحن في مثل الوقت من الليل في الصحراء ؟! أرجوك .. أنقذنا ساعدنا لكنه بقي صامتا كالحجر الأصم ، فعدت اصرخ من جديد بينما زميلاتي في حالة هيستيريا مستمرة بكاء صراخ شد شعر لطم خدود وكأنهن يوشكن على الموت خلال لحظات فرجعت أقول له: أرجوك .. ساعدنا … نحن قلنا خلاص عدينا من الحدود العراقية تقومون انتم تعملون معنا هكذا ؟ هذا معقول ؟!

أخيرا .. حضر الضابط تكلمت معه فسمح لنا بالمرور … آه …. الحمد لله عبرنا هذه المحنة المخيفة بسلام بعدها .. أخذت أسائل نفسي : ماذا كان غرضهم ؟ على أي حال أنهم تركونا نعبر الحدود بسلام .. حمدا لله.

       عند الحدود طلبوا منا تسجيل أسمائنا وذلك بعد أن فتشونا بطريقة دقيقة جدا وقالوا لنا انتظروا بعض الوقت وفي هذا الوقت لم تكن توجد لدينا قطعة خبز واحدة أو حتى رشفة ماء. وسألنا عن كيفية رجوعنا فقالوا سوف نرحل في “باصات” كبيرة مرسلة من مصر.

***

وشعرت ببعض الاطمئنان لأنني سوف أكون بين يدي أولاد بلدي وصنا حوالي السابعة والنصف صباحا وكان علينا الانتظار حتى العاشرة موعد رحيل الأتوبيسات عرنا بالجوع يقرص امعاءنا لكن ماذا نفعل ؟ وكيف يمكننا الحصول على طعام؟

تلفت حولي فوجدت طابورا طويلا جدا، سألت ما هذا فقالوا أنهم يعطون وجبات مجانية لكل فرد فرحت ولكن فرحتي لم تطل إذ إنني وجدت بعد تلك الوقفة الطويلة المملة في الطابور أن الوجبة عبارة عن قطعة جبن نستو ورغيف خبز واحد ! المهم أخذته وحمدت الله على ذلك فنحن مازلنا نصارع من اجل البقاء ولقيمات تكفى لأن تقم أولادنا.. وتبقي على حياتنا.

ركبنا “الباصات” مع مصريين صعايدة وكانت المسافة من الرويشد الى العقبة عشر ساعات بدون توقف ولكن كنا نسير بعض الوقت وعند أول استراحة تأمرنا السلطات بالتوقف حتى يفتحوا الطريق؟!

       ومع الوقت أخذ المال يشح بل يحتفي فكنت أنا المسئولة عن الميزانية كنت اشترى الأشياء الضرورية فقط للإبقاء على حياة الإنسان، فالبيبسي بها سكريات ولكن لا لمزايد من الأنفاق على الطعام، فبسبب الجوع الشديد على مدى يومين التهمنا قطع الجبن النستو والأرغفة الأربعة في لمح البصر أيضا لم تشبعنا ومع ذلك لم نفكر في شراء المزيد من الطعام لابد من التشقف فالطريق مازال طويلا .. والله وحده يعلم ماذا ينتظرنا به من مفاجأت.

تحركنا بعد فترة لكن طلب منا التوقف مرة أخرى وهكذا كنا نقف نصف ساعة ثم نسير وهكذا طوال خمس استراحات حتى أصابنا الضيق والملل إلى أن حدث لنا موقف إنساني مستحيل أن أنساه موقف يثبت مدى أصالة الشعب المصري ومدى طبته ونخوته في استراحة من الاستراحات جلست البنات وطلبن منى احضار شاي وقفت ضمن الجموع لأحضر الشاي وإذا برجل مصر وزوجته وطفليه يأتي هو وزوجته ويقول لي: انتم لم تأكلوا شيئا نحن معنا نقود خذوا بعضا منها، ثم ألا تردون أي مساعدة أي خدمة ؟!

لم استطع أن أمنع دموعي من الأنهمار فقد وضعت في موقف لا أحسد عليه موقف محرج صعب لكنه أكد لى اصالة المعدن المصرى وطبة قلب الشعب المصرى بارك الله في مصر والمصريين.

شكرتهما كثيرا وتمنيت في نفس اللحظة ان أرى صدام واقول له في وجهخ حسبي الله ونعم الوكيل فيك، شردت ناسى بدون وجده حق، وعذبت ناسي بدون مبرر.. تمنيت له الهداية من الله حده .. أن يهديه الله الى طريق الحق والخير وكفاه عنادا وضالا.

بعدة عدة استراحات ووقفات وصلنا الى العقبة أخيرا .. وصلنا الى العقبة فازداد الأمل داخلى وقلت : فات الكثير ولم يبق الا القليل وبرغم التعب فالرحلة كلها تمت بدون أى استراحة أو التقاط انفاس فقد كانت متواصلة مرهقة.. متتابعة برغم التعب الا أننى احسست الفرح والبهجة بالخلاص والنجاة.

       في العقبة كانت هناك طائرات مرسلة من مصر للطيران لتحمل المصريين عائدة بهم الى أرض الوطن الى جانب عبارات تحملهم الى السويس ونويبع.

وطبعا لأننا كنا بدون سيارة فقد ركبنا الطائرة وكان ذلك يوم 22/8/90 ، آه .. كم كانت فرحتى وأنا أركب طائرة مصر .. المتجهة الى أرض مصر !! آه ا للفرح .. الحمد لله الحمد لله.

       استغرقت الرحلة حوالى أربعين دقيقة وأقل . وعندما حانت لحظة الهبوط الى أرض مصر الحبيبة ملأت الدموع عينى ونظرت الى زميلتى الجالسة بجوارى وسألتها: صحيح هذه مصر يا عبلة؟ هل عدنا الى مصر فعلا ا عبلة؟ حمدا لله على السلامة .. حمد لله على السلامة. تعانقنا في فرح ونحن لا نكاد نصدق أنفسنا أن عجلات الطائرة تلامس الأن أرض مصر الحبيبة واننا قد عدنا أخيرا الى الوطن الغالى بعد كان هذا الشوق والخوف والعذاب والغياب .. الحمد لله ، الحمد لله.

       آه يا مصر .. يا أم الدنيا .. آه وطنى .. كم اشتاق الى رؤيتك يا هبة النيل .. آه .. أخيرا تحقق الحلم .. حلم عمرى ورجعت اليك مرة أخرى .. آه كيف سيكون اللقاء ؟ هل سأشحك أم أبكي أم ازغرد؟؟ آه …

أننى لا أتمالك نفسي من دة الأنفعال لكننى أحس اليوم .. يوم عيد .. عيد جميل ليس له مثيل بين باقي اليام .. الحمد لله.

       آه يامصر .. كنت يئست حقا من رويتك، وانتابتنى كثيرا لحظات خوف مميت حين كنت أعانى من وحشتك وغربتك .. لكن أملى في الله كان أكبر بكثير من أى شىء . وها أنا وصلت الى حضن أهلى وبلدى وعيرتى. حمدا لله حفظ الله مصر كنانة النيل أرض الأديان وهناك .. دعوت من كل قلبي أن أعيش لأرى وأشهد لحظة اللقاء مع الفرح اللقاء مع الأمانى عندما يعود شعب الكويت الحبيب الى ديرته الغالية الحبيبة بعد زوال تلك الأزمة العنيفة اللعينة. دعوت الله كثيرا أن يفرج الله محنتهم وأن ينعموا بالعودة الى وطنهم فليس هناك    أغلى من الوطن .. وأحب من الوطن.

***


العذاب .. في معتقل البصرة!

       هذه حكاية شاب كويتى كويتى تعرض للاعتقال والتعذيب على ادى القوات العراقية طوال ثمانية وعشرين يوما قضى أكثر من نصفها في “معتقل البصرة” الذى شيد وأعد خصيصا لتحطيم معنويات الداخلين اليه هؤلاء الذين قد يسوقهم سوؤ الحظ للوقوع بين ادى زبانته الذين يستخدمون تى وسائل التعذيب بالضرب والكهرباء وغيرها وكأنهم يستخدمون أدوات تسلية وملهاة.. فيا لها من مأساة!!

       نبيل جاسر خالد الجاسر شاب في أوائل العشرينات نجل عضو سابق في مجلس الأمة وعضو حالى في المجلس الوكنى كان واحدا من هؤلاء الشباب الأبرياء الأثرياء السعداء الذين حباهم الله حب الأهل ورعياة رجال الوطن فبوا والطموح يملأ نفوسهم الأبية بشتى صفوف المنى والأمانى والفرح والنجاح.

       لكن .. بل لكنها تلك الظروف العصبية العنيفة التى صبغت امانى الفرح في قلوبهم بلون الحزن والقهر القاتم السواد، حتى جاءت لحظة الحسم التى احتار فيها قلب هذا الشاب الطب الطموح بين حبه لأمه التى تكاد أن تموت لفراقه وحبه لوطنه الذى يكاد أن يموت هو لفراقه!

       اليكم حكاية الحب الحائر هذه كما يرونها نبيل بنفسه حياه الله وكثر من أمثاله وحفظه الله هو واقرانه من ايدى العدو والظلم والعدوان.

يقول نبيل: قبل الغزو كنت رايح مزرعة عندنا في العبدلى لأقضي عطلة نهاية الأسبوع فشفت جنود بعدها اتصل بنا اخوى عبد الله من المطار فهو يتغل ضابط أمن ف الجوازات هناك.

       كان دوامه في نفس ليلة الغزو حتى الساعة الخامسة صباحا فاقترح عليه زملاؤه ان يخبرنا لنطلع الى السعودية لكننا فضلنا الانتظار حتى نتبين حقيقة الأمر فرجع اتصل بنا الظهر وقال لنا أنه سمع من الضابط الكبير في المطار ان بيوت اعضاء المجلس الوطنى مستهدفة فقل لأهلك أن يطلعوا من البيت بأرع وقت.

       ولكننا انتظرنا رجوع أخوى من المطار الذى ظل به حتى الساعة السابعة مساء. كنا خايفين عليه لأننا سمعنا أن المطار انضرب ! رجع عبد الله وقال لنا: كنت اشوفهم بعينى يعتدون علينا. قدامى انضرب الدفاع الجوى بالمطار وكان يتكلم ثائرا حانقا غاضبا بعد أن جاءنا بالبيجاما.. ترك أغراضه كلها وطلع بالبيجاما لأنهم قاموا يصيدون العسكريين ويقتلونهـم !!

***

       تركنا البيت طلعنا ورحنا عند بيت ناس نعرفهم قعدنا عندهم لمدة خمسة أو ستة أيام ورجعنا البيت بعدها وكانت عندنا كاميرا فيديو صورنا بها الاحداث فقد كنت اشوفهم يمشون في فيالق قدام بيتنا بالدائرى الرابع.. وصورت كل هذه الأشياء.

بعد فترة قصيرة عرفنا أن الوالد على الأخص مستهدف هو وأخوى يوسف لأنه رائد في وزارة الداخلية ومدير مكتب الوزير لشؤون المواطنين وأكيد أنهم دخلوا المواقع العسكرية وشافوا مكتبه وعرفوا انه خص مهم بعد أن عرفوا كل شىء عنه فقعدوا يدورون ويسألون حتى عرفوا البيت.

       ومن حسن حظنا اننا كنا قد غيرنا هوياتنا يوم 17/8 وهم داهموا بيتنا ودخلوا علينا يوم 18/8 فلم يعرفوا حقيقة شخصياتنا ولا من نكون وهذا هو الذى ساعد على الافراج عنا وخروجنا من المعتقل فلو كانوا قد اعتقلونا باسمائنا الحقيقية حتما كانوا سيساوموننا على حياة أبي واخى يوسف هذا شىء أكيد.

       المهم .. خالى قال لنا خلينا نطلع من البيت فطبعا ثرنا عليه ورفضنا بعدها بربع ساعة ضربوا طلقة ذخيرة حيه على نافذة اختى كانت قاعدة معها واحدة من أقاربنا والطلقة مرت بجوار رأسها ضربت بالحائط ثم خشب الدولاب فانتشرت نشارة الخشب في الغرفة كلها فنزلت قريبتنا بالسرادب وطاحت قدامنا غيانة فقال خالى خلونا نطلع من البيت فرضنا وقلنا له هذه رصاصة طائة فسكت ولم يعترض على كلامنا.

       ولم تمض الا خمس دقائق حتى سمعناهم يضربون الباب بصوت عال فصعد خالى وابن خالى وبقينا نحن بالسرداب فنزلوا علينا تحت .. كانوا حوالى 12 أو 13 جنديا مسلحين أول ما نزلوا صرخوا فينا ارفع ايدك .. ارفع ايدك .. تجمعوا كلكم في زاوية!

وسألوا: بيت من هذا ؟ فقلنا لهم احنا جايين هذا البيت لنحمى فيه فسألوا مرة ثانية بيت من هذا فقلنا لهم: والله احنا مو عارفين فقالوا: اذا ما تقولون الصدق الحين كلكم تأخذكم.. فصار فينا ارتباك. بالذات لما سألونا فين هوياتكم؟! فلما لاحظوا ارتباكنا قالوا لنا تعالوا معنا. واخذونا نحن الخمسة. انا واخوى نواف الصغير اخوى عبد الله وخالى وابن خالى.

       كان الموقف عصيبا لعينا عنيفا على أعصاب اختى الحامل في هرها التاسع التى هافت وفزعت لما شافتهم يقبضون علينا ويأخذون معهم تحت تهديد السلاح بينما ظلت هى في البيت وحيدة ليس معها احد فوالدى ووالدتى واخى وليد كانوا في القاهرة بعدها قامت وهى تبكى ولا تدرى عن نفسها يئا بتمزظيق كل جوازاتنا والبطاقات المدنية لنها كانت خايفة انهم يرجعون ويكفون اننا زورنا بطاقاتنا فيقتلون.. صدق .. اعصابها انتهت مرة واحدة..

***

       وبدأ الاعتقال .. أول ما أخذونا في الريق الى المعتقل أدخلونا مخفر السالمية لمدة ساعتين ونصف بعدها أخذونا الى كلية الشرطة فابقونا فيها يومين في الزنزانات هناك وكان الفطر والغداء بديخ.. كان هذا هو طعامنا الوحيد. بعد اليومين اخذونا الى الجهراء قعدونا في سرداب أحد البيوت هناك لمدة يوم ونصف اليوم بعدها أخذونا الى البصرة وبقينا بها لمدة 17 يوم آه.. لو أقدر أوصف لك حالتى!!

       صراحة .. كنت قاعد أحس اننى أموت في كل يوم درجة يعنى بمعنى أصح قاعد أموت موتا بطيئا فقد كنا في كل يوم نضرب أكثر من اليوم اللى قبله وكل شوية تحقيق وتعذيب. نعم .. تحقيق وتعذيب فأثناء التحقق لازم يستخدمون الكهرباء أولا. يأخذونا من المعتقل يودونا غرفة خاصة وهم يغطون عيوننا ما نشوف ولا شىء وايدينا مكلبشة بالحديد خلف ظهورنا.    

       يبدأ التحقيق .. وأنا ما اشوف شكل اللى يكلمنى ولا شكل اللى يضربنى .. ولا اللى يعذبنى .. يستمر الموقف الشاق المهين يستمر الضرب والتحقيق التعذيب والأصوات الجافة المجهولة ونحن نقف لا نتوقع ولا ندرى من أين تأتى الضربة التالية ولا نعرف على يد من تكون!!

       كان الحديد محطوطا في يدى المقيدة وراء ظهرى بينما يثبتون عليهما الأسلاك ويفتحون الكهرباء كنت أحس قلبي ينشلع كأن قلبي يطلع من صدرى الصراحة .. الكهرباء تعذب.. تعذب .. تنفض الجسم كله وكان أكثر شىء يحطون الأسلاك حول رقبتى صوب اليمين وصوب اليسار ويفتحون التيار .. كأنه نار جهنم صدق جحيم.

كنا نتعذب ، نتعب حتى النوم كان عذابا في عذاب فالأرض التى ننام عليها كانت بلاط (كاشى) وحاطين فوقها أسمنت يابس على شكل أمواج البحر فكنا لما اننا نقعد وجسمنا متكسر ما كان الواحد فينا يقدر يحرك جسمه من شدة الألم والعوار حوالى ساعة ساعتين فهذا الموج الأسمنتى يشل الجسم ويعجزه عن الحركة.. قاصدين يعلمونها بهذا الشكل.

       كانوا طول الوقت يعذبوننا كنا نضر أكثر مما نقعد كانوا يضربوننا بالخرطوم السود اليابس، ومن قوة الضرب كان “الهوز” أى الخرطوم المطاط يتمزق وتتناثر منه القطع ومعها جلودنا أشلاء!

       كان هذا هو العذاب الجسدى .. نحن رجال نقدر نستحمل ما يهم مو مكلة لكن كان العذاب النفسي أشد وأقسى وأصعب فقد كنا مو عارفين مصيرنا ولا ماذا سيفعلون بنا خاصة وانى شفت واحد كويتى شاب اعتقلوه وعذبوه وقتلوه جاءته طلقة على رأسه وطلقة على صدره وتركوا جثته ملقاه أمامنا أربع وعشرين ساعة بدون دفن!!

***

       كنا لما نصلى جماعة يقولون لنا اقطعوا الصلاة وكنا لما نقول بصوت علا “الله أكبر” أو سبحان الله” كنا نلحظ أنهم يخافون وكان “الزميتون “أبو سيف (أى السجان أو الجلاد) كنا نلاحظ أنه هو أيضا يخاف يصيبه رعب فكان يضربنا على وجهنا أو ظهرنا المهم .. لازم نقطع الصلاة وكان يصرخ علينا: أنتم تصلون عشان مين؟! عشان مين تصلون؟!

آه مضت علينا ايام المعتقل بغيضة مقيتة فينا الأمل في النجاة والحياة كل دقيقة قضينا به أكثر من أسبوعين والألم النفسي والجسدى يفتك بنا يكاد أن يدمر عقولنا..

       كانت أعصابنا منهارة فنحن لا ندرى ما هو مصيرنا لكن الحمد لله كان ايماننا بالله أقوى من أى قوى ضاربة على وجه الأرض .. واحد صمت وكان معنا خالد السلطان عضو مجلس الأمة السابق كان معتقلا معنا شيخ متدين رجل مدين حقا فعرف انى صائم فقال لى اطلب من ربك تطلع قبل ما تفطر وبعد ما تفطر .. سبحان الله .. عرفنا ظهر اليوم التالي اننا سنطلع تقبل الله منا الدعاء.

       المهم .. رجعونا نفس المكان الذي كنا فيه في الجهراء . قعدونا ثلاثة ايام ثم أخذونا الى منطقة الروضة وتركونا في الشارع كنا نازلين حفاة بدون نعلا والدشدشة صار لها 28 يوم ما انغسلت. كنا غارقين في القرف والوسخ واللحى والأظافر طولة يعنى أشكالنا كانت غريبة وأى واحد يوشوفنا من جماعتنا مستحيل يصدق أننا نفس الأشخاص اللى يعرفهم!

نزلنا .. كانت مو قادر امشى من كتر ما انا موصدق ان احنا طلعنا.

       وخالي اشوفه يركض بروحه ويرد قف بنفس المكان يركض ويرد يقف… ما درينا عن نفسنا ولا حسينا كيف وصلنا الديوانية!

       اتصلنا ببيت أخوى كانوا موصديقين حتى اختى اقول لها: هاه امانى عرفتينى؟! فكانت تصرخ تبكى تقول: ما أصدق انت نبيل اخوى؟! ما أصدق ا أصدق!!

       كلمت اخوى الكبير باسل فقال لى: لازم تيجوا عندنا الحين طلعوا من البيت بسرعة .. رحنا عندهم وعرفنا ان اختى طلعت وقعدت عند اخوى وعرفت ايضا انهم دخلوا بيتنا بعد ما اعتقلونا حوالى ثلاث أو أربع مرات وقال لى أخى مومعقول انك تقعد بالبيت اكيد راح ردون مرة ثانية فقلت له بس بأخذ هدومى وغيارات لى واجيكم.

       كان معى صاحبى فنزلت معه البيت فتحت الدولاب .. أريد أخذ هدومى .. ماقدرت ما قدرت أمد يدى لاخذها حسيت بارتباك خفت يدخلون البيت فجأة ويقولون هذا حرامى ما قدرت .. ما قدرت فقلت لصاحبى خذ لى انت هدومى وتعال لى عند السيارة .. أنا ما أنى قادر امد يدى..

ولاحظت ان اشياء كثيرة اتفقدت من البيت لها قيمتها بس هذا كله فداء الكويت يهون .. فالهم أن ترجع ديرتنا.

       بقينا بالكويت حتى يوم 15/10 تاريخ خروجنا .. وكانت تطلع اشاعات تقول انهم يعتقلون الشباب عند الحدود ، وانهم لو لقوا معهم شريط تصوير فيلم وثائقي أو شىء عن الأحداث التى تصير ينفذون فيهم الأعدام على الفور.

       ونحن كان عندنا ثلاث أشرطة تصور أحداث وضرب بالذخرة الحية .. صراحة .. أنا تأسفت لأنى لم اخذهم معى ندمت لأنى تركتهم بس نحن كنا خايفين ونريد أن نطلع بسلام عان خاطر أمى فانا كنت لاغى فكرة الخروج رافضها تماما بس سمعت في النداءات بالراديو صوت امى وهى تقول طلعوا الله يخليكم … طلعوا بأى طريقة .. وما قدرت تكمل .. وقفت .. قعدت تبكى وكملت عنها زوجة أخوى.     

       صراحة .. حبى لامى وخوفي عليها ان يصير فيها شىء هو سبب طلوعى من الكويت بعدها عرفت من اخى في القاهرة بعدها قعد يسولف لى قال لى عرفنا انكم اعتقلتم في نفس اليوم في نفس الساعة صرخت والدتى وقالت لابوى عيالى صار فيهم شىء.

الغريب ان ما كان عندها اى كرة ان احنا معتلقين او فينا شىء ، بس سبحان الله احساس الأم لا يمكن ان يخيب فهو احساس صادق قوى فوق ما يتصور الانسان فيعنى بصراحة امى تستاهل ان الواحد يطلع عشانها والكويت امى الثانية تستاهل ان الواحد يقعد عشانها .. لكن الظروف اقوى من الانسان .. اقوى من الانسان.

       فأنا شفت مآسى وعشت مواقف لو شخص ضعيف كان ممكن يموت من القهر بس الحمد لله أن اتضح عكس هذه الفكرة التى عند الناس ان الكويتيين شعب ترف وعايشين في رخاء .. أو كانوا عايشين في رخاء لكنهم اثبتوا رجولتهم وصلابتهم وصمودهم وقت الشدة وصبرهم على كل صنوف الأسى والعذاب.

       وأنا بعد أن اكمانيت على امى حاولت مرة ثانية انى راجع لكن للأسف ما في مجال وأنا عن نفسي لو في مكان ادخل منه الكويت مستعد احط عمرى كله عشان ارجع وفعلا استفرت فقالوا لى عن طريق الخفجى لكنها الحين صارت ممنوعة بس الموظفين الذين في المركز نفسه هم الذين يقدروا يخلوا .. فحاولت وحاولت ولم اجد أى مجال وأنا عندى اد الرغبة في الرجوع الى الكويت .. لا موت فداء الكويت .. وان شاء الله ترد الكويت.

       ونحن نحمد الله ونشكره على أى حال ونطلب منه سبحانه أن يفرج علينا هذه البلوى والله كريم ان شاء الله ويحفظ سمو امير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح وولى عهده الشيخ سعد العبد الله الصباح يحفظهم من كل مكروه وتجيهم النخوة من كل مواطن كويتى وكل مواطن عربى .. وان شاء الله ترد الكويت .. الله كريم يمهل ولا يهمل .. يمهل الكلب .. ولكن لا يهمله. يعطيه فرصة يمارس حيوانيته وبغية وكغيه.

       ولكن في يوم سيثبت للعالم كله انه وقح قذر يستحق اقسي أنواع العقاب.


التحقيق والتحريق .. في مخفر النزهة !

       هذه حكاية شاب كويتى في مقتبل العمر تحت العشرين مازال يتعرض لصنوف تعذيب عنيفة ورغم ذلك لم تنل من أرادته كما لم توهن من عزيمته الثابتة امثابرة على قهر العدو وتحرير الوطن واستعادة الحق السليب.

       هذا الشاب البطل يحكى لنا تلك الحكاية البطولية التى تظهر الى أى مدى كان هذا الشعب الكويتى طيبا مسالما وكيف تحول فجأة سطوة الظلم والعدوان يصر ويصمم على النيل من الاعداء والانتقام لكرامته بكامل ارادته ، حتى لو كلفه ذلك حياته.

       بدأ هذا الشاب حكاتيه قائلا: يوم الغزو كنت في الشاليه، ونزلت منه الساعة الثالثة فجر الربعاء ، ثم عدت اليه ثانية. وأنا في البيت سمعت أصوات ارتطام مكتومة ، فما توقعت شيئا غير عادى تصورت انها أغراض طاحت من السطح ، سيارات كثيرة نازلة بالخط السريع في اتجاه الديرة.

       وقبل أن اصل الى الشاليه تبينت أنها سيارات عسكرية واوقفنى عسكريون وسألونى وين رايح؟ قلت لهم رايح عند ربعى فتركونى، وأنا في الطريق فتحت الراديو وسمعت ناطقا عسكريا يقول ان القوات العراقية دخلت الكويت!!

       بداية كذبت نفسى لم أصدق سمعى. فقد كان هذا الشىء يبدو لى مستحيلا فذهبت عند رفاقي واخبرتهم بما سمعت وما كانوا يدرون بشىء .. كانوا يحلبون الغنم كى يوفروا حليبا طازجا للافطار.

       تعجبنا كلنا .. صحيح كانت هناك اخبار تقول بوجود حشود عراقية واحنا حسيا انه يجوز تصير عداوة بيننا وبين العراق لكننا لم نكن ندوى ولا نتوقع ان تصل الى حد الهجوم العسكرى!! بعدها .. تأكدت بنفسي ورأيت بعينى الدبابات ، وهذا الىء جعلنا ننصدم مرة واحدة فمنها كان نحن مسلمون وعرب وهذا الغزو كان مستبعدا تماما بالنسبة لنا!!

       ويوم الخميس الساعة العارة صباحا رأيت طيارة عراقية قذفها العسكرية بقاعدة بنيدر فطاحت بالبحر ساعتها .. حسيت ان الائعة صارت صدقا بعد ذلك رأينا سيارات تطلع ناحية السعودية.. كان هذا على طول الطريق المتجه الى المملكة اشتغل الخط ونحن هناك في الشالية لكننا ما فكرنا في الطلعة مرة واحدة لاننا اعتقدنا ان المسألة لن تطول اكثر من يومين او ثلاثة.

***

       لكن .. الأحداث تتابعت بسرعة وبدأت اخبار القتل والسرقة والاغتصاب والارهاب تنتر بين الناس في الكويت. لذلك ساعدنا الأهل بكل طاقتنا وقوتنا على الخروج عن طريق الخفج وبقينا نحن نقوم بدورنا المطلوب منا.

       وبدأت انا ورفاقي نؤدى اعمالا جعلت الأماكن التى يتجمع فيها جنود الاعداء تتحول الى قبور جماعية ام نسكت عليهم استمررنا في الكفاح ورغم وقوع بعضنا في قبضتهم الا اننا لم نيأس ولم ننهزم امام قوتهم وكثرة عددهم.

       وكنت انقل الذخيرة بسيارتى من البيت اتجه بها الى مقار تجمع ابطال المقاومة في قلب الليل بعد أن اطفئ انوارها واخفض راسى واصعد بها الأرضفة وانزل الى ان اصل الى المنطقة المطلوبة. فنحن ابناء الكويت. وخير من عرف طرها ودروبها، الا يقولون “الميه تعرف مجاريها”.

       المهم … استمرنا أنا وربعى ف أعمال المقاومة بصبر وايمان بالله وبتصميم على الكفاح من أجل تحرير الوطن الحبيب الى أن حدث في يوم أن امسكونى عند البيت اللى كنت قاعد فيه صادونى عند الباب كنت مطلع السيارة من الجاراج وما في دقيقة الا وسيارة “جيمس” ورائى فيها عسكريون عراقيون ، نزلوا الى وأول ىء قاموا به انهم فتشوا السيارة تفتيشا عاديا ولما رأوا الذخيرة عندى بالسيارة قبضوا على.

ومنذ اللحظة التى صادونى فيها اخذونى الى مخفر النزهة وظلوا يضربوننى من الساعة 12 بالليل حتى الساعة الثامنة صباحا طول الليل استمر الضرب وبعدين ريحونى وخلونى تحت لثانى يوم السجن تحت كله بصل وثوم بارتفاع نصف متر تقريبا. والرائحة كريهة لا تطاق حاولت أن أنام لكن ما قدرت واظنهم كانوا يخزنون هذا البصل والثوم عشان اكلهم.

       وفي مخفر النزهة اختلفت الحاة مرة واحدة كانت يداى مربوطتين بالكلبشات، وكانوا يطفئون السجائر في رأسى وجبهتى ووجهى وأسفل بطنى وكانوا يضعون على الطاولة امامى زجاجة بها ماء نار ويهددون بشتويه وجهى وطول الوقت كانوا يضربوننى بقسوة ووحشية ساعات كانت تصل الى عشر ساعات مستمرة!

       وبعد التعذيب والحرق بالسجائر والتهديد بالتشوية بماء النار اخذونى الى مخفر الضاحية. بعدها بثلاثة أيام وجاء اهلى يسألون عنى وكنت سامع صوتهم فكان العراقيون يردون عليهم بقولهم “مو موجود هون” وأنا قاعد في الداخل سامعهم وحتى والدتى جاءت وقالوا لها “موهنيه” وأنا لا استطع ان اصرخ وارفع صوتى لانى ورائى جندى مسلح قاعد فوق رأسى.

***

       ومرة ثانية جاء خالى الى المخفر يسأل عنى فقال له نقيب المخفر: انه موجود بس الحين مو عندى تعال باكر وأنا أحاول اجيبه لك هنا وبعدن لما مشى سألنى ” شو يصير لك؟” فقلت هذا خالى فاعطانى صابونا وقال لى : ” اغسل دداشتك لانه باكر راح ييجى لك” فغسلتها لأنها كانت مبقعه بالدم وان كانت الشارة ظلت واضحة عليها.

       جاء خالى اليوم التالي وقعد يكلمنى ويسألنى وهو متأثر عن أحوالى وقال لهم : “ب ما يخالف يقدر يكلم امه في التليفون تطمئن عليه؟ ” فقالوا له: ” لا ممنوع. بكتب لها ورقة” فكتبت الى امى العزيزة وقلت لها: اكمئنى انا بخير ووقعتها وبعد مخفر النزهة اخذونى الى ذاحية عبد الله السالم وابقونى هناك أربعة أيام وبعدها 11 يوما في بلدية الجهراء.

       كانت ايام السجن حرق أصعبا لان السجن مغطى بصور صدام وكانوا طول الوقت يضربونى ويداى مكلبشة وراء ظهرى حتى ما كنت اقدر اغسل وجهى، أو اغتسل او حتى انظف نفس.

       وكانوا يعطونى مكنسة اكنس بها داخل السجن وفي يوم جائنى خالى يزورنى في مخفر الضاحية وحدث في نفس اليوم ان حدثت عملية مقاومة على المخفر وفي الليلة نفسها جاءنى الضابط وقال: “هؤلاء أكيد أصحابك … هاه؟! ياللا اعترف عليهم احس لك”.

       وهذا بدأ مسلسل تعذيب من نوع اخر رعيب فهم اعتقدوا أن الهجوم على المخفر هذا حدث بسببى مع انه كان بالصدفة البحتة. ولما لم اعترف بهم بشىء زادونى تعذيبا وضربا وحرقا وكان العن شىء هو التعذيب بالكهرباء!!

       نعم … كان هذا افظع ىء فقد كانوا يرشون على جسمى ماء ويحطون “ربر” (أى مطاط) عليه لصاق (بلاستر) ويوصلون الأسلاك في مترك متصل ببطارية وعاملينه بطريقة أول ما يحطون الحددة على البطارية تشب الكهرباء .. فكنت أحس بأن رأسى ينتفخ مرة واحدة وانفى يسيل على طول من تأثير الكهرباء. وكانوا يستعملونها باستمرار!!

       وامام عينى فت زميلى وهو مثلي في السن عندما ربطوه بالمروحة وظلوا يلفونها وهم يضربونه مرة ثانية.. الى أن مات من شدة التعذيب .. الله يرحمه.

       كان عددنا 19 شابا كانوا يعذبونا كلنا بوحشية وبصراحة كان معنا رجل دين عرف كيف يموت قلبي مرة واحدة فكان ينصحنا ويقول لنا سلموا أمركم لله وعليكم بالصوم والصلاة وحقيقة .. تصبرنا تقوينا والله وقف معنا، وقدرنا نتحمل هذه المصيبة وهذه البلوى اللى طاحت فوق رؤوسنا بقوة وشجاعة والحمد لله.

***

       وكان العراقيون لا يكفون ابدا عن السؤال : وين رئيس المقاومة ؟ وين السلاح؟ وأنا كنت متوقع الاعدام لذلك تحملت كل اللى حصل لى لأنه مهما حصل كلها واحد فما في أصعب من الموت. بعد أن شفت الموت قدامى عدة مرات.

       فأنا فقدت أعز أصدقائى أوقفوا ثلاثة منهم وأطلقوا عليهم النار في منطقتنا فلما طاحوا كان رفيقي الواقف في النصف غشيان عليه فقد الوعى بعدها اطلقوا على كل واحد رصاصة في رأسه وبعدها بربع ساعة صحى من الاغماء وظل يهزهم ويقول لهم: “قوموا .. قوموا العراقيون راحوا” لكنهما كان قد ماتا أما هو فقد كتب الله له عمرا لأنه أولا سقط مغيا عليه وثانيا لأن الرصاصة التى أطلقت على رأسه مرت من الخارج وسببت له جرحا سطحيا فقط وأنا نفسى تعرضت لموقف مماثل فقد ربطونى بصارى العلم في مخفر النزهة “وغطوا وجهى بالغطاء وأطلقوا على أربع طلقات وبعدين العسكرين قال: سيدى … هذا الله كاتب له عمر. وفكوا عن رأسى الغطاء وظلوا يضربونى في ساقي وبعدها صحبونى الى غرفة التحقيق وأول مرة أطلقنى العسكرى خلونى أركض في الغرفة وهم يقولون لى “أنجز” (أى اقفز). بعدها جاءنى حانقا وقال لى: “أي تأكل أنت؟! ” وراح يضربنى مرة ثانية بغيظ وعصبية.

       وقضيت في معتقل الجهراء اياما عصبية سوداء كأنى غائب عن الدنيا ففى ناس في المعتقل كانت تجيئهم حالات هستريا من كثرة التعذيب والتخويف والتهديد بالقتل بل ورؤية أمامهم يتساقطون واحد وراء الاخر.

       وفي يوم حطونا في باص وتركونا على دوار العظام ، كنا 16 واحدا انزلونا عند تمثال صدام حسين وكانت الدنيا ليل فحملنا شخص ف سيارته الكبيرة نقل ثمانية فقط الى منطقتنا اما الباقون فما ندرى كيف وصلوا.. كان هذا عابر سبيل اراد ان يساعدنا .. حياه الله. بعدها ..

حسيت كأنى اتولدت مرة ثانية حسيت انى كبرت في العمر مرة واحدة كأنى صرت ايب فجأة بعد هذه التجارب الكثيرة التى عتها والتى تشب شعر الرأس فأنا ما توقعت بهذه الدنيا في ناس متوحة والحمد لله على كل شــىء فبعد هذه المحنة اتوقع ان الشاب الويتى اصبح اكثر صلابة وقوة وخصوصا بعد هذه المفاجأة التى حدثت واثبتت للعالم كله ان الشاب الكويتى بكل يضع حياته في كفه ويبذل عمره رخيصا من أجل النضال والثورة دفاعا عن وطنه وان الاحداث مهما كانت صعوبتها وضراوتها الا انها لم ولن تنل من عزيمته او ارادته. حقا .. الظروف حكمت علينا وقدرنا نقوم بالواجب والحمد لله.

       وحتى فى أحلك الظروف وأنا أؤدى واجبى نحو وطنى كنت اقوم باغلب أعمال المقاومة دون أن أخبر امى وأنا يوم كنت في السعودية كنت أريد ارجع عشان أساعد اسر ثانية

***

حالتها تعبانة بس ناس كثيرين قالوا لى لا تروح تاى لان اسمك مسجل عندهم وسهل يتعرفون عليك.

       والحين .. أهم ىء عندى احب اقوله لربعى ولشعب الكويت الحبيب ان شاء الله كلنا رادين الكويت والذى حصل هذا قوانا ولم يضعفنا بعد أن قدرنا نثبت للعالم كله كيف يعمل الشباب الكوتى ببطولة وشجاعة وكيف يقوم الشعب الكويتى ويصبر ويتحمل.

***


دون وداع أعز الناس!!

       ترددت قبل أن أكتب لاننى لم ابعث بمثل هذه الرسالة أو بغيرها من قبل الا أننى هذه المرة أصررت على الكتابة اليك ايتها الأخت كريمة شاهين بعد أن اعتصرتنا الظروف وقضت على ما تبقي لنا من صبر الا أقل القليل لحين عودة أرض الوطن الكويت قريبا باذن الله.

أنا فتاة عراقية فرد من عب المة خنقته وأحزانه أعدمته وكيانه ووجوده المتبقى تجدونه في المنفي .. باختصار .. اليكم قصتى..

       عمرى واحد وعشرون عاما منها 11 سنة قضيتها في الوطن العراق والباقي في الوطن الكويتي من والجين عراقيين واجداد كذلك.

       أبى رجل مثقف هو كاتب مؤلف واعلامى ناجح وصحفى معروف في مجالات الصحافة والأعمال الفنية وهو مشهور داخل بغداد وخارجها وحصل هذا ايضا داخل الكويت والدتى امرأة متعلمة فى احدى المدارس الخاصة في الكويت وقد انتهت اختى الكبرى تعليمها في المعهد العالى للفنون المسرحية في الشامية واختى التى تصغرها فهى لا تزال تتلقي التعليم في جامعة الكويت اما انا البنت الصغرى لوالدى فقد انهت تعليمى وحصلت على دبلوم في العلوم التطبيقية من كلية الدراسة التكنولوجية في الشويخ.

       والحمد لله اختى الكبرى تزوجت وانا واختى مخطوبتان لشابين عراقيين يعملان في الكويت في وظائف مرموقة وكان قد تحدد موعد الزفاف قريبا الا أننا لا نعلم شيئا عنهما الان:

  • هل هما في المقاومة ؟ ان انهما قتلا لأنهما مثلنا معارضان؟

كانت حياتنا تسير في هناء وسعادة كأى بيت عربي يسوده النقا وتبادل الآراء وابداء النصائح والتوجيهات من قبل الب والأم وفجأة .. وقع الغزو فخنقتنا عبرات الحزن ورعشات الخوف على الوطن وعلى النفس تعزنا.

آه … دموع تذرف لكن … ما فائدة الدموع والانسان في هذه الكارثة لا يستطيع حتى ان يتنفس الصعداء أو يتكلم ليفي غليله؟ وياليت الكلام في هذه الكارثة يجدى نفعا فكم مرة تكلم ابى وكانت نهاته السجون والتعذيب!

كم من أيام وأعوام مضت حتى كاد أبي ان ينسى ما به من الالام وهو يرى ابناءه قد كبروا وسوف يعوضنه عن الايام الصعبة والمريرة حتى اوصلنا الى مراتب العلم والمعرفة لنتسلح بها فقد كانت غاية والدى في حياته ان يسعى لتعليمنا وان يغرس فينا حب الوطن.

***

وهكذا فعل مع أخي الوحيد الذى يدرس الان في الخارج بعد أن أتم دراسته الثانوية في الكويت واحبها كما حببناها لكننا حرصنا على ابعاده عن التجنيد الالزامى للابن الأوحد لأننا مقتنعون أن حروب صدام مقبرة للشباب.

نعم فمنذ كان صدام نائبا للرئيس ونحن نرى الكبار قد وضعوا ايديهم على قلوبهم مما سوف يحصل منه، فهو لا يتورع عن أى عمل حقير فهذا هو مستواه، وكم رأوا من مخازى تمئز منها النفوس، وقد كنا نحن صغارا حين ربانا ابي وعلمنا على حب الوطن، الوطن الذى أوانا على أرضه أحن اليه واشتاق لرؤيته وتعطش لشرب مائه وشم هوائه.

مضت بنا السنوات ونحن في الكويت وجوهنا صفراء حائرة نفوسنا خائفة من مصير قريب معروف لكل عراقي معارض أعلن رأيه المضاد لسياسة صدام وكان أبى لا يفارق الراديو ونحن أيضا وكانت أذاننا على الباب لا تعرف ماذا نفعل حين يطرقه أحد غريب! كانت اتصالاتنا في التليفون مستمرة مع الأصدقاء والأحباب ومع زميلات كويتيات صدقات لى ، لا أكذب عليك ان قلت لك يا أختى إنهن يحببنني حتى أكثر مما أحبهن، وفي هذه المحنة كان قلبى معهن وقلوبهن معي.. لكن .. ماذا نفعل؟ أن الموقف اكبر وافظع مما يمكن تصوره!

ظل أبى منزعجا يفكر ويفكر ونحن جميعا نفكر لكن دون جدوى اشتد علينا الخوف يا الهى.. بمن نحتمى؟ أن كل مواطن اعتاد ان يحتمى بوطنه وحكومته .. أما نحن لا هذا ولا ذاك موجود .. ماذا نفعل؟ اننا خائفون كما لو كنا مجرمين .. ونحن لسنا بمجرمين . أأنت مجرم حين تحب وطنك؟ أم أنت مجرم عندما تقول الحق؟

حقا .. اننا نتوقع كل ىء وليس غريبا علينا الخوف طالما قاد حكومتنا صدام. فالموت سهل عنده وكأنه يعمل الواجب نحونا!

أتعلمين كف كان عور الشاب أو الشابة منا حين يفكر أنه فاقد لكل شىء؟ أنه الموت بعنه فقدان المستقبل ، ضياع الأمل في التعليم في العمل في الزواج في أى ممارسات للحرية أو حتى الهوايات. وقبل هذا كله فقدان لوطنين نعم والله وطنى العراق مفقود ، ونحن العراقيين نحلم أن يعود كما نحلم أن تعود الكويت آه.. لو تعرفون مرارتي والمى واسفي. آه لو تعرفون حزننا جميعا.. حزننا على كب ئ في الكويت.

آه .. سأعود لأكمل لكم قصتي .. بعد الغزو بقليل اتصل بأبي شاب كوتى نعرفه على ثقة شديدة به أخبره بضرورة المحاولة لإخراجنا الى السعودية بالرغم من الصعوبة الشديدة جدا لكلا الطرفين .. آه .. كم كان صعبا أن يقدم الانسان على اتخاذ مثل هذا القرار! كان من السهل أن نهلك كلنا كان شبح الموت يحوم حولنا. اذن .. فلتكن هناك محاولة للنجاة فهذا هو الموت قادم نحونا .. لابد من الهرب إذن .. كان هذا هو القرار.

***

وفي الساعة المحدودة من النهار قبيل الظهر ذهبنا الى الأخ الشاب الكويتى الذى ابدى تضحيته لان يخرجنا الان وبهذه الساعة من النهار. ذهبنا ونحن نودع بيتنا وذكرياتنا وأشياءنا البسيطة الثمينة في قلوبنا وكنا كلما مشينا “مترا” مبتعدين عنها حبيبتي الكويت.. كلما سالت دموع عيوننا وكأنها تتسابق في النزول.

وقلنا نواسي أنفسنا ، إن هذا الوضع لن يستمر أكثر من يومين أو أسبوع على الأكثر كان اعتقادنا وايضا كان رأى الجميع لهذا ذهبنا دون أخبار أو إعلام أحد حتى أقرب الناس لنا حتى خطيبى نفسه لم يعلم شيئا عن خروجنا والله أعلم ماذا حدث له الآن.

لم يكن عدم اخبارى له لأننى لا أثق به ولكن لأن قرار الرحيل جاء معه قرار الكتمان حفاظا على السلامة والنجاة وحرصا على حياة الشاب الشهم الذى تبرع وتطوع لاخراجنا وترحيلنا.

سبحان الله .. هكذا خرجنا من العراق تقريبا قبل عشر سنوات بمحض ارادتنا لكن بفقدان كل شىء البيت الذكريات. الأهل الأصدقاء .. خرجنا حتى دون وداع لأحب الناس وأعز الناس الذين مضى على فراقنا لهم سنوات طوال لم نرهم لأننا خارج العراق!

هكذا رحلنا وكلنا أمل بأن العودة قريبة جدا وكذلك نقول للكويت بأن أهلك وأبناءك عائدون بإذن الله ومشيئته.

وبصحبة هذه الأفكار التى توالت على خواطرنا وذكرتنا بلحظات خروجنا من ديرتنا الى احدى نقاط التفتيش وهنا ارتعدنا خوفا كلنا ونظرنا نحو الشاب الكويتى الذي بصحبتنا ولم نلحظ عليه ابا أى مظهر من مظاهر الخوف والتردد.

لكن هكذا كان حالنا .. فماذا لو عرفوا اننا عراقيون هاربون والى أين؟ الى السعودية؟.

لكننا كنا حرين فقد لبسنا الزي الكويتي الي لا يختلف عن زينا أعني العباءة وطريقة وضعها وأبي ارتدي الغترة والعقال وكنا قد أخفينا الجوازات الخضراء والهويات في أماكن متفرقة في السيارة وحرصنا على أن لا نحضر أى دليل قد يدلهم علينا سواء كان صورا أو فيما أو أي ذكرى أخري وحين وقفت السيارة أمرنا الشاب الكويتي الا نتكلم وهكذا فعلنا أما هو فقد كلم الجندي العراقي الي كان يقف مع مجموعته وسأله: الى اين ؟ فأخبره: الى السعودية … أوصل الأهل قال له الجندي: لا… الطريق مغلق ، اذهب إلى صفوان.

تراجعنا عدنا في الطريق المعاكس وقلنا خلاص نرجع إلى بيتنا وننتظر فرصة أخرى. لكن الأخ الكويتي أصر على أن يحاول من طريق ثان وطبعا لم تكن لنا خبرة مثل خبرته أو دراية بمعرفة هذه الطرق الصحراوية لكننا وافقنا.

***

وعند وصولنا إلى منطقة صحراوية رملية لا أعرف اسمها وجدنا العشرات من السيارات الكويتية المحملة بالعائلات من رجال أو أطفال ونساء ، كانت قد قررت منذ الصباح الرحيل لكنها كانت منتظرة أن ترحل أفواجا لكي تساعد العوائل الأخرى إذا ما حصل عائق أو أصابهم مكروه لا سمح الله.

وبهذا المنطق إنضممنا إليهم دون أن يعلموا أننا عراقون وكانوا يقدمون لنا الأكل ونحن نعطيهم الماء. وكأننا لا نزال في الكويت نمثل الكويت كما كانت دائما بأهلها الطيبين المتعاونين وهكذا فعلوا في خارجها ومثلوا الكويت أحسن تمثيل. سرنا كالقوافل المتتابعة تعلو وتهبط بنا السيارة ونغرز في الرمل ونعود إلى المسيرة مرة أخرى وهكذا ثم نتوه حتى نتوهم بأننا قد وصلنا إلى الحدود المعاكسة ثم نعاود المسير حتى أصبحت الشمس في منتصف الظهر في عز الصيف.. حارقة كالنار.

ظلت السيارة تسير حتى بدأت الشمس في المغرب ونحن لا نستطيع أن ننطق كلمة واحدة إلا أن كل منا كان يقرأ القرآن في سره ويدعو الله سبحانه وتعالى أن ينجينا مما نحن فيه حتى الخادمة التي لم نتركها عرضة للضياع في الكويت وحدها لأنها أمانة في أعناقنا وأخذناها معنا حتى هي كانت تدعو الله من أجل النجاة.

آه .. ماذا لو لاقتنا مجموعة من الجنود العراقيين في الصحراء هذا ما حصل بالفعل لكن بعض الشباب الكويتيين الذين تطوعوا لكي يرشدونا إلى الطريق والذين كانوا قد سبقونا في السير لكي يعودوا ويخبرونا بما ينتظرون هناك على مسافة بعيدة أخبروا الشاب الكويتي الذي معنا فاستدار بكل هدوء إلى طريق أخرى دون أن ثر أي شكوك في نفوسنا.

الحمد لله.. الحمد لله ياربي.. هانحن قد وصلنا إلى نقطة عبور بين الحدود الكويتية السعودية مرة أخري الحمد لله علي كل شئ.  

والآن.. وقد رأينا كيف كانت الفرحة على جميع الوجوه وشعرنا بسعادة الوصول بالسلامة رأينا أيضا كيف خيم الحزن على جميع الوجوه، وكيف تجلى ألم الفراق والبعد عن الوطن، وعندما اطمأن الشاب الكويتي الشهم على سلامتنا واستقرارنا وامننا تركنا وعاد إلى الوطن الكويت حيث كانت لديه مهمات يجب أن يؤديها كعضو في المقاومة.

وبعد الاستقرار المؤقت الذي نشكر الله عليه، قام أبي باستعادة توازنه وبدأ في العمل حتى حصل على قروض من بعض الأصدقاء اعتبرها ديونا عليه حتى لا يعتمد على أحد ونحن شاكرون لكل من ساعدنا.

وبدأ أبي يفكر في الإقامة الدائمة أو المؤقتة هنا م، أجل دوام مستقبلنا ولا تزال الإجراءات تبشر بشكل ايجابي بالقبول حيث أن الوقت والموقف صعب بالرغم من ثقة المسؤولين هنا بأبي وتقديرهم له..

***

وها نحن ننتظر والله في العون مجيب وقريب والله وحده هو الناصر.

عدت إليك يا أخت كرمة وأنا أحمل الآما ليست للنشر لكن بصفتي مواطنة من شعب عراق عربي لا أستطيع السكوت وسوف أثور صدقيني سوف أثور على الطغاة.. فقط في الوقت المناسب وكفي تدميرا وقطع رؤوس كفي تعذيبا وسفك دماء.

أيها العالم وليس مجلة “سيدتي” وحدها أن الكلام يطول وجميعنا يقرأ الصحف والمجلات ويسمع ويرى الأخبار لذلك فإنني مهما كتبت لن يكفي حتى ننتهي من أمر ذلك الصدام ذلك ذلك النازي الذي لن نذكره بعد ذلك ألا على الصفحات السوداء وفي الحققة..

 أريد أن أعلمك أن ما جعلني أكتب قصتي هذه هو قراءتي لموضوعك في العدد 502 “ليلة .. لم يطلع لها نهار” قصة تلك السيدة الفاضلة التي جسدت خوفها بقولها: “ابني يمكن ان يقتل أخي”

 

 

 

– صديقي أننا حين قرأنا هذه الحكاية المؤلمة كانت دقات قلوبنا تخفق مع كل كلمة كتبت ومع هذه السيدة ولا أخفي عليك أن هذا هو شعورنا من قبل أن نقرأ هذه الحكاية فمثلها المئات بل الألوف بل أننى أقول ذلك من دافع حب شعب العراق للكويتيين وبالعكس.

       وليكن الله في عونها وعوننا جميعا. أرجوك أخبريها أن الكوت عائدة بحول الله وقوته وأننا عائدون معا نبني ونشيد ونعلم أجيالا ونربي أطفالا وأنا المرأة العراقية معكم حتي لو أزلت بيدى الأوساخ التي تراكمت في كل منطقة في الكويت مثلما فعل أبي قبل أن نخرج من الكويت.

دامت الكويت ودام العراق..

ودامت الأخوة الحقيقة بين الشعبين.

***


غدر بنا الغزو الملعون

إلى الأخت الكريمة كريمة شاهين:

       أبعث إليك هذه الرسالة من … بعد أن خرجت من الكويت أثر الغزو العراقي الملعون واعذريني اذا كنت قد كتبت رسالتى تلك بالقلم الرصاص ولكن صدقنى هذا هو القلم الذى استطعت الخروج به من الكويت!

       أريد أن أحكى لك قصتى.. قصة قلب مجروح من ثلاث سنوات وزاده جرحا احتلال الكويت.

       منذ ثلاث سنوات تقريبا كنت في الثامنة عشرة من عمرى تخرجت في الثانوية العامة في الكويت وكنت كأى فتاة تنهى دراستها الثانوية مسرورة بهذا النجاح الذي تعقبه حياة جامعة مستبقلية حافلة بالنجاح والأمانى والأحلام.

       وذات يوم اتصل بي بالتليفون ليهنئنى بنجاحى شاب أعرفه ويعرفه أفراد عائلتنا جميعهم نظرا للعلاقة الوطيدة التى تربط بين عائلتنا وعائلتهم.

       في البداية.. لم أكن أعرف ماذا يريد منى ولكنى شعرت بالهدف من وراء اتصاله بي وانه يرغب في إنشاء علاقة عابرة ولكن بالجدية والفهم أثبت له أننى لست من هذا النوع من الفتيات العابثات اللاتى يخرجن مع الشباب أو يتكلمن معهم في التليفون وأوضحت له موقفي من أي شاب وشرحت له أن الطريق السليم الشريف والوحيد هو التقدم بطلب الزواج. 

       وهنا.. شعرت به مترددا كما لو كان غير مقتنع ولكن مع الوقت والاصرار على الرفض (فقد رفضت لقاءه أو حتى محادثته بعد ذلك) وبتأثير من صدى كلماتى اقتنع بأننى أصلح له كزوجة ووعدنى بأنه سوف يخطبنى.

       فرحت كثيرا لأننى انتصرت على الشيطان في داخله وغلبت الخير عنده على الشر وحققت لنفسي كل ما أريده.

       و.. وفي بوعده. جاء هو وأهله متقدما لأبي طالبا منه الاقتران بي… ولكن .. وقعت الطامة الكبرى التى لم يكن يتوقعها أحد لا أنا ولا هو!

       لم يرفض أبي طلبه لكنه بالغ كثيرا ف المهر الى درجة يعجز عنها أي شاب في مثل عمره فمن أين له تدبير كل هذا المال؟

       أيضا تعلل بحجج واهية وقال أن البنت الآن صغيرة على الزواج ولا يوجد أى داع للاستعجال!

***

       لم تكن صدمتى لهذا الموقف مثل صدمته هو فقد أحس بخيبة أمل وباحباط شديد وشعر بأن كرامته قد اهدرت وانه استعجل في هذا الطلب ولكن بعض الكلام منى خفف عنه وجعله ينسى أو يتناسي ذلك الشعور باليأس والأحباط ويعاود المحاولة مرة ثانية لطلب يدى.

       ولكن … هذا هو نفس الموقف يتكرر والاصرار على طلب نفس المهر الباهظ المغالى فه يتكرر. وهكذا .. جاءت الظروف بالفراق والانفصال عن أحلامنا وأفراحنا بسبب المال.. ليس الا! بعد ذلك بفترة وجيزة أصيب والده بمرض شديد الزمه الفراش وجعله ترجى ابنه كى يسرع ف الزواج ليرى أبناءه قبل أن يموت فحاول اقناع أهله بأنه يريدنى أنا ويرغب في زواجى أنا ولكن أهله واجهوه بقوة وصراحة قالوا له بكل وضوح “كل شئ له حد فأهلها يرفضونك ويعجزوتك بهذا المهر العالى المبالغ فيه فكيف تنتظزها وتريد أن تترجاهم مرة أخرى ؟! أليست عندك عزة نفس؟! أليس لديك ئ من الكرامة؟!.

       لم يستطع الصمود أمام موقفهم هذا طويلا وحدث ما خشيت حدوثه. تزوج من اختارها له أهله وانصاع لأوامر ابيه رحمه الله.

       وهنا انصدم كل شئ. انصدم حبى الكبير له أحسست منذ الوهلة الأولى بمدى الطعنة النافذة التي طعنني بها من وراء ظهري.

       ولكنه أكد أنه عند وعده وأنه مازال يتمنى أن أكون زوجته ولن تكتمل سعادته في هذه الدنيا إلا إذا تم زواجنا.

       بعد هذا الكلام زال غضبي وفي النهاية يبتعد ووافقت على زواجى منه بموافقة أمى ومباركة خالى كى نجنبه موقف الرفض من جديد وكى لا نسبب له مشاكل مع زوجته أو أسرته.

       ولم أندم على زواجى منه بهذه الطريقة عشنا معا سنتين من أحلى سني العمر بالنسبة لى وله جسدنا فهما أروع حب حب اكتمل فيه أروع عطاء بين زوجين في هذه الدنيا. لم يكن بيخل على شئ ولم أكن أبخل عليه بشئ كان عطاؤنا بلا حدود ودون قيود .. وأن كان قد تخلل ذلك الحب الآم ومشاجرات وأحزان كثيرة تقاسمناها معا بكل حب وسعادة.

       تقاسمنا المسرات والأحزان تبادلنا المشاعر حيال الحدث الواحد فرحت له كثيرا عندما رزق ببنت من زوجته فرحت كثيرا بقدومها وأن كان قد انتابنى احساس بالخوف من أنه سوف يتغير بعد مجئ تلك الأبنة ولكن أبدا .. زاد حبه لى وتمسكه بى واستمر الاحترام والمودة والتقدير بيننا والحمد لله.

       وقبل الثاني من أغسطس بشهرين وعدنى وعدا قاطعا بأنه لن يتركنى ابدا وانه ليس هناك شئ في هذه الدنيا سيفرقنا. ثم جاء الثانى من أغسطس بكل ما يحمل من وحشية الغازى

***

ليفرق الزوجين الحبيبين عن بعضها فلقد سافرت الى وطنى وظل هو في الكويت لم يستطع أن يفعل شيئا لم يستطع أن سافر معى ويترك أسرته ولم يستطع أن يبقينى معه في الكويت.

       لم تكن نعتقد بأن هناك شيئا سوف يفرقنا. ولم نكن نتوقع أن يكون الغزو الملعون والغدر المشؤوم هو السبب في فراقنا وبعادنا.

       عندما حانت لحظة الوداع بكل ألامها وأحزانها وعدنى مرة أخرى بأنه سوف يأتى الى عندما تتحرر الكويت.. سوف يأتى ليأخذنى وأعيش معه في الكويت لنستعيد معا لحظات الحب والسعادة والاستقرار التى ذقناها وعشناها في ظل الكويت.

       أننى اجلس يوميا على أمل رجوع الكويت وأمل العودة اليها لقد مللت الانتظار ولكن ما احلى الأمل خصوصا في الرجوع الى الزوج الحبيب الذى حتى كتابة هذه الرسالة لا أعرف عنه شيئا ولا أعلم اذا كان بخير أم اصابة مكروره فالأخبار مقطوعة منذ غادرت ذلك البلد الغالي الحبيب. أرجوك اخت كريمة حاولى أن تنشرى قصتي تلك فربما يقرأها زوجى الحبيب الذى لا أعتقد أننى سأعيش من دونه والذى أحس بأننى بدأت احتضر نظرا لطول غيابه فهعل يا ترى يمكن أن يسمعنى وأن يصله صوتى وأن يجيب ندائى ؟ اننى انتظر وكلى أمل ورجاء.. ودعاء.

***


بكــاء بلا دمـــوع!

ترددت كثيرا قبل أن أكتب لك حكايتى مع الحياة التى تحولت فجأة جحيما لا يطلق.. في لحظة واحدة انتهى كل شئ.. تحطمت حياتى وأصبحت أعيش بلا معنى ولا هدف ولا أمان ولا أحلام ، لقد صرت أعيش ببقايا قلب معذب مسكين.

       هذه حكايتى التى أتمنى أن تنشر حتى يقرأ الكل معاناتي مع الزمن الذي صار ضدى .. إليكم قصة حياتى وذكرياتي .. وحطام قلبي.

       أنا فتاة في بداية العشرينات، بدأت قصة عذابي منذ كان عمرى تسعة عشر عاما، عرفت شابا يكبرنى ببضع سنوات شابا مؤدبا مهذبا طيب القلب فاضل الأخلاق، ومن عائلة كبيرة. وكان يحكى لى عن آماله وطموحاته، وعن اليوم الذى سيجمعنا فيه سويا عش الزوجية.

       مضت بنا الأيام بديعة جميلة مشرقة والأحلام الحلوة المشرقة تقترب من أرض الواقع شيئا فشيئا ، حتى أتى لوالدى يخطبنى.

       لن .. الوالد رفض وأعتذر بأعذار واهية وحجج ليس لها معنى .. وسقط هذا الرفض كالصاعقة على لكنه لم ييأس بل تقدم مرة أخرى محاولا المستحيل ليجعل والدى يعدل عن رفضه هذا .. ولكن والدى أصر ، ومع ذلك لم أستطع أن أنساه وأعتبره مجرد ذكرى عبرت حياتى.

       وعقب سنة من تقدمه لخطبتى ، اتصل بى وطلب مقابلتى على عجل ، لأن عنده موضوعا مهما يجب أن يكلمنى فيه وعندما رآنى قا: الموضوع اذى سأكلمك فيه يجرحنى قبل أن يجرحك.

       وهنا وقع قلب من كلامه خوفا مما سوف أسمعه، فقلت: خير تكلم ف الموضوع، وما فيه داع للمقدمات. قال: أمى وأخى الكبير رتبا لزواجى، واذا رفضت ، الوالدة ستقاطعنى، وأخى سيطردنى من البيت ، لأنهم مستحيل يتقدموا لوالدك ثانى بعد رفضه القاطع لما رحت أخطبك.

       عقب كلامه هذا قامت الدنيا تلف بى، وقلت له محاولة أن ادارى ألمى وأخفي حزنى : هذا الموضوع يخصك أنت وأنت أدرى بمصلحتك. وتحولت الدنيا الى كتلة من السواد الحالك.            

       وفعلا، بعد هذا الموقف بثلاثة أشهر اتصلت بى أخته تعزمنى على حفل زواجه. كان هذا الخبر أقسي خبر سمعته في حياتي.

       تقدم لى الكثيرون بعد ذك لكننى رفضتهم جميعا وفي يوم من الأيام، بعد زواجه بعدة شهور، سمعت الخبر الذي يعتبر أقسي من خبر زواجه، فقد اتصلت اخته بي، وطلبت منى أن أذهب الى المستشفي لأن (…) أخاها مريض بالقب يريد مقابلتى .. بقيت فترة من الوقت مترددة: فكيف أزوره وأنا متأكدة أنى سأقابل زوجته عنده؟ لم أحتمل الفكرة، وأخذت أتهرب وأتنصل من الوعد بالذهاب، وكلما اتصلت أخته كنت اعتذر لها، وأنا .. الله وحده يعلم بحالى من يوم سمعت خبر مرضه.

       وبعد عدة أيام من دخوله المستشفي اتصل بى الدكتور المشرف على حالته وقال لي: أرجوك لازم تيجى ن حالته حرجة جدا. وربما يساعد حضورك في عبور مرحلة الخطر هذه بسلام.

       فقلت له: سأحاول ، وان شاء الله يأحضر.. ولكنى مع ذلك بقيت حائرة مترددة. حكيت لبنت عمى التى تعتبر صديقتى الوحيدة، وقلت لها هذا الخبر فأنزعجت وقالت: هذا انسان مريض بين الحياة والموت.

       تأثرت جدا بكلامها، ذهبت الى المستفشي وطلبت مقابلة الدكتور وعرفته بنفسي فأخذنى ف احال الى غرفته..

       أيقظه الدتور وقال له: لك عندى مفاجأة.. التفت .. وعندما رأنى بكي.. نعم .. بكى وهو لا يصدق نفسه أننى أقف الآن أمام عينه ، سأله الدكتور: هاه.. ما رأيك بهذه المفاجأة؟ لم ستطع الرد. واستمر يبكى عاجزا عن الكلام. لما رأيته بهذه الحالة التى هو عليها لم أستطع أن أتمالك نفسي، أنهمرت دموعى، أرتجف قلبي، أرتج سانى، ضاقت نفسي بعذاب السنين الذى عانيته وقاسيته.

       رجعت البيت والله يعلم بحالى فقد أحسست عقب هذه الزيارة أن لن أراه أبدا ، فقد عرفت وأنا عنده أنهم سيعملون له عملية في القلب ، ولكن نجاحها غير مضمون لأن حالته ميئوس منها، على حد قول الدكتور المشرف على حالته، ولكن أهله طلبوا من الدتور أن يعمل له العملية على مسئوليتهم الشخصية.

       بعدها.. جاء اليوم الحزين في حياتى، جاءنى الخبر المفجع بالهاتف في الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل بأن (…) مات .. يا الله.. مات؟ نعم .. مات وترنى أعانى الأمرين .. وفور أن سمعت هذا الخبر أصبت بحالة اغماء، غبت عن الوعى حتى أيقظنى أخى وبقيت ابكى بحرقة ومرارة. بكيت بدون دموع لأن حتى الدموع لم تستطع أن تنزل أو تسيل من هول الصدمة!

والآن.. ها أنا أعيش بلا هدف بلا معني بلا طموح بالعكس، أعيش العذاب والحرمان والوحدة والآلام. أنن في وحدتي وحزنى أفكر.. أفكر كثيرا وأسأل نفسي كثيرا: من هو الذى ظلمني؟ هل هو أبي ؟ أم هي ظروفي؟ أم هي الحياة؟ الحمد لله على أى حال فهذا هو نصيبي المكتوب لى في هذه الدنيا، وعسي الله لهمني الصبر لأتحمل أقي الأيام. هذه هي حكاتي التي كانت مترددة في أن اكتبها، والتي تعتبر اليوم شاهدا علي كل الذي حصل لي.

خرجت من البيت .. قتيلة!

       اكتب لك بدماء قلبي حكاية جنيت منها جروحا تنزف.. وما زالت تنزف ، الآلام تحنقي وتلقي بي في بحر العذاب المتلاطم الأمواج.. فقد تعرضت لأهوال جسام لا تخطر بالبال ولم تعد لدى طاقة لتحمل نتائجها.

       إنن أقاسي أشد العذاب النفسي وأقضي الأيام والليالي في حسرة وبكاء. فما حدث لى يؤرقنى يحرقنى، ينزق قلب يشتت أفكارى و.. يطعننى في اليوم مئات المرات.

       حقيقة.. لم أفكر يوما ف أكون ضيفة عليك، بل قنعت أن أكون قارئة دائمة لك ومتعظمة من نصائحك المفيدة القيمة. لكن شاءت الظروف أن أكون صاحبة مأساة عجزت عن حملها طويلا في قلبي الواهن الضعيف الذى لم يتعود إلا على الحب والعطف والحنان.

       سأحكى لك كل شيء وكيف حدث انقلاب في حياتي غير كل شيء فجأة أمامي منذ بدأ ذلك الغزو اللعين لوطني الكويت الحبيب.. الذي حطم فيها كل الأشياء الجميلة.

       أنا فتاة في التاسعة عشر من عمري متوسطة الجمال لست من هذا النوع المندفع الطائش وإنما أميل دوما إلى الهدوء والتفكير وتفهم حقيقة الأمور.       

       أعتدت أن أعامل الجميع باحترام وتقدير تماما كما أود أن يعاملوني. بدأت حكاياتي عندما تعرفت على شاب جامعي يكبرني بسنوات قليلة تعرفت عله عن طريق أخته فقد كانت صديقة حميمة لي. وأعجبت بطيبة أخلاقه وصدق نواياه، اذ لم تمض فترة طويلة حتى اعتبرني تلك الفتاة التي يحلم بها لتكون زوجته وشريكة حياته.

       وفعلا بدأت علاقة شريفة عفيفة حيث خطبني من أهلي الذين باركوا خطبتنا وفرحوا به لأنه شاب متدين محترم متزن وبه كل الصفات التي تتماها كل فتاة في شريك عمرها.

       مرت الأيام علينا دون أن أحس في يوم أنه كدر خاطري أو ضايقني في شيء ، وكان بالنسبة لي نعم الرجل والإنسان الطيب العطوف الذي يرتاح ل قلبي والذي أحكى له همومي فيخفف عنى معاناتي ويبقي لي نعم الرفيق ونعم الأنيس.

       عشنا أجمل أيام حتى صرت أرى هذه الحياة من خلال عينيه الحانيتين، وبرغم هذه المشاعر الجارفة صدقيني لم أجلس معه دقيقة واحدة وحدنا أو أخرج معه بمفردي فهو كان يقول لي عندما تصيرين زوجتي أمام الله والناس سوف يختلف الوضع معي ولكن الصبر طيب.

***

       وقبل الغزو العراقي لحبيبتي الكويت.. استعد أهله للسفر إلى الخارج لأن والده مريض بالقلب وفي حاجة إلى العلاج وهو يجيد التحدث بالإنجليزية وضروري أن يقف إلى جوار أبيه ويلازمه كي يترجم ما يدور من حوار بينه وبين الأطباء.

       سافروا.. وقبل سفره بيوم قال لى.. لا تبك فلن يفرق بيننا إلا الموت. وقبل سفره بساعات جاءني يودعني وأنا لا أصدق نفسي كيف سأقدر أن أبتعد عنه كل هذه المدة الطويلة.

       وعندما بكيت خفف عنى، وطلب منى أن لا أتضايق فانه سوف يتصل بي كل يوم، وقال لى أنه سوف يعود فور أن يطمئن على ابيه ويتأكد أن حالته لم تعد خطيرة. بعدها اتصل بي طمأنني على أنه سيعود بعد حوالي أسبوع. فرحت كثيرا وحمدت الله على قرب وصوله، ونمت وأنا أفكر كيف سآراه.. كيف سأستقبله، ماذا سأرتدي عندما يحضر لزيارتنا.. وماذا .. وكيف.. وما.. و.. و.. وعندما استيقظت وجدت بلادي في يد الغزاة ووجدت أمي تبكي وبجوارها عمتي تبكى. جلسنا على أعصابنا خائفين، مبهوتين من هول المفاجأة اللعينة لكننا ارتحنا بعد اطمئناننا على والدنا أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد وولي عهده الأمين.       

       بعدها.. بدأت تمر بنا ظروف كثيرة صعبة فقد أخذ الجنود الغزاة يمارسون كل أنواع القمع البشع الفظيع ضد الشعب الكويتي ونحن مجبرون على التحمل والصبر على هذا البلاء.

       إلى أن حدث ذات يوم أن هاجمت بيتنا مجموعة من الجنود. وهنا.. حدث شيء لم يكن في الحسبان، إذ تقدم منى أحد الجنود واقتادني إلى داخل البيت لأرشده إلى مكان هؤلاء الفارين. شعرت بالخوف كله ، ألم أقو على الحركة أو النطق شلت قدماي ، جمد لساني لكنه جذبني بكل قوته صارخا: “تعالى.. قوليلي وين هؤلاء الشياطين”.

       وفي إحدى الغرف الداخلية أطبق على كالوحش المفترس. حاولت أن أقاومه بكل قوتي لكنني لم أستطع. فقد كان الموقف فوق طاقتي ، فوق أراداتي، فوق احتمالي في لحظة واحدة خسرت كل شيء.. آه.. ما الذي كان يمكن أن أفعله ؟ كان الموقف رهيبا فظيعا مقززا.. آه.. إنني مازلت أحيا؟

       كيف؟ لا أدرى.. وهذا الوقف البشع في الأعماق كبر كان يزلزلني.. يدمرني.

 

 

 

       أصبحت محطمة مسلوبة محدودة الإرادة ليس بالإمكان إقناع نفسي والناس من حولي بأن ذلك كان حادثا عارضا عنيفا لا حيلة لي ولا قوة لمقاومته.

       هذه.. كيف أسترد ما ضاع مني؟ كيف أنسي ما أخذ مني، وفي كل جزء من جسمي أثار عدوان، تحطمت روحي وتهدمت نفسي؟ وها أنا ذا أتوه في بحار الأحزان أغرق فيها، أدثر نفسي بذكريات حارقة كاوية مؤلمة، يمزقني التفكير عندما استرجع شريط وصور حياتي.. وكيف تحولت حطاما.. وصارت خرابا..

***

أنني ما زالت أذكر كيف خرجت بعدها من البيت قتيلة، أخلط بين الواقع والخيال. أخلط بين ما وصلت إليه وما كنت عليه. صرت أغط في الكلام حتى عن نفسي .. آه.. ما الذي يمكن أن أفعله ؟ أحس أنني أصبحت إنسانه من عصر آخر، وأن خطيبي ينتسب إلى عصر آخر. 

نعم. غابت عن حياتي معان كثيرة بعد أن ضاع مني أعز ما أملك ، وبعد أن راح مني خطيبي الذي كان بالنسبة لي أجمل الأشياء.. آه .. إلى متى سأظل في أوهامي .. وسأبقي في عذابي ؟ إلى متى ؟ إلى متى؟

مازال لدى كلام كثير كثير ولكن .. سأختصر الآن تحسبا للموقف ، وأرجو أن تأخذيني بحلمك فأنا كنت يوما كفتاة الأحلام. لا تدهني ..

فقد كان الكل يخطب ودى ويتمني التقرب مني وأولهم خطيبي الذي كان يحلم باليوم الذي يجمعنا فيه عش الزوجية.. الهادئ المستقر السعيد. والآن..

 

 

 

لا أستطيع أن استقر على رأى، ولا أن استقر على حال. فإذا تذكرت ما حدث لى وهذا شيء أبدا لا أنساه .. يجن جنوني، يرتجف بدني يتفجر ذعري تسيل دموعي وتنتابني حالة عنف القاتلة. أريد أن أضع لحياتي حدا فاصلا. فالحياة لا معني لها بعيدا عن الوطن.. وبعيدا عن الأحباء.

إنني أحس أني أعيش الرمق الأخير. فقد تعبت من حياتي .. تبعت تعبت. الحزن يخترق العواطف يحطم السدود يحرق القلوب لم يبق في نفسي لا حب ولا أمل ولا بريق ولا دهشة ولا شعور ولا فرح.

حقا إن الحياة لا معني لها بعيدا عن الوطن .. بعيدا عن الأحباء.

***


حين يأتــي الفرح .. حربـا!

       فرحة حلوة غامرة دقت القلب وسط الليل فأضاءته بنور مشرق كشمس النهار.

       فرحة حبيبة غالية طرقت السمع، فأبهجت النفس وأسعدت الحياة. يا سبحان الله .. حين يأتى الفرح في غر موعده وبغير أسبابه يكون فرحا غريبا كبيرا غامرا حقا.. ياسبحان الله.. فمنذ متي يعني اندلاع الحروب كل هذا المعني الحلو المشرق الجميل؟ يا الهي .. أكل هذه الفرحة العظيمة تطل علينا فتسبغ هذا العور بالارتياح العميق لمجرد سماع .. اعلان حرب؟

       آه.. يالها من حرب. إنها ليست حربا كباقي الحروب.

انها حقا حرب الحق والخير والعدالة.

       نعم .. انها حرب اعادة الحق الى أهله وارجاع الخير الى مستحقيه وانصاف العدالة فوق الظلم الذى طال وامتد أكثر من خمسة اشهر.

       كنت ف لندن وقت نشوب الحرب في الخليج وكان التاء عنيفا شديدا قاسيا ورغم برودة الجو إلا أنني شعرت بحرارة تتدفق داخلي تلهب كياني أثر سماع هذا الخبر الحلو الذي طال اشتياقي إليه فتذكرت قول الشاعر.

       رغم الشتاء ورغم حدته قد شب بين ضلوعنا اللهب نعم.. كان هذا هو الفرح الذي أشعل في قلبي نيران البهجة والانفعال والرغبة في أن التقي أهل الكويت الكرام أهنئهم أبارك لهم بقرب العودة الى الحبيب وطنهم.

وشاءت الصدفة وحدها أن أقابل الأخ الفاضل بندر جاسى المطيرى.

       كان أول وجه كويتي لمحته بعد إعلان الحرب هو وجهه ولعلي لا أكون مبالغة إذا قلت أن الفرحة المشتركة كانت وحدها السبب في إجراء هذا اللقاء.

       حقا.. تلقائية مطلقة  أسفرت عن نفسها لحظتها فأظهرت معاني بالغة العمق فجأء الكلام عفويا دون ترتيب أو اعداد أو دون التفكير في التوقف لحظة للتميز بين أنواع الأسئلة لذا كان الحوار اعترافا مشوبا بالفرح وانتظارا مصحوبا بالأمل في العودة العاجلة إلى الحبيبة الغالية.. الكويت، تكلم هذا الشاب الكويتي الذي يعمل في الخطوط الجوية الكويتية مسؤولا عن امن الطائرات تكلم على راحته معبرا بطريقته عن فرحته وبهجته وأحلامه وآماله وأمانيه: إحساسي ساعة سمعت خبر بدء الحرب – بصراحة – كان إحساسا لا يوصف لا أدرى ماذا أقول بالضبط لا أعرف كيف أعبر عنه بالتحديد.

***

       أنا كنت قاعدا مع أصحابي وكنت أتوقع منذ انتهاء المهلة أن الحرب ستشب بأي لحظة كنا قاعدين أمام التليفزيون ننتظر سماع هذا الخبر بفارغ الصبر. صراحة.. من الفرحة أخذت أبكي حتى الكلام عجزت عنه ما قدرت أتكلم من شدة الفرحة.

       بنفس الوقت شعرت بخوف على الأهل بالكويت.. عيال عمي وعمي وأصدقائي كلهم كانوا مصرين علي البقاء رافضين يطلعوا وفي الحقيقة كل الكويت أهلنا وكل واحد هناك أعتبره منا وفينا. وفترة الخمسة شهور الماضية لا أعرف كيف قضيتها ولا كيف عشتها صحيح الإنسان ممكن في لحظة يضحك, “يتغشمر” لكن نفسيا من الداخل لا يعلم بحالة إلا الله.    

       فهما تظاهرت بالهدوء ما اقدر أنكر أني في كل لحظة كنت أفكر في أخلي في الكويت في أصدقائي.. أفكر حتى في أرض الكويت نفسها.

أياء كثيرة كانت تمر بنفسي فتفقدني الراحة وتجعلني أعيش في حالة حزن واكتئاب طوال هذه الفترة.

       صدق ما في يوم واحد حسيت بطعم الراحة فيه ومع ذلك كان الأمل دائما موجودا. كنت أتوقع الانسحاب في أي لحظة وطوال الشهرين الذين قضيتها في الكويت عقب الغزو كنت أنتظر سماع خبر الانسحاب وفي النهاية يئست وقلت لابد من الحرب.

أنا طلعت من الكويت لأسباب إنسانية.

       حاولت أن أبذل جهدي لأنقاذ عائلة كويتية رجل شاب وحريم، أبناؤهم كانوا مختفين لا يدرون عنه شيئا أهم أسرى.. شهداء.. مفقودون؟! لا يعرف أحد عنهم أي خبر.

وأنا والله ما فكرت بالطلعة بس الحاحهم على ما قدرت أرفض طلبهم الشايب كله في باله هتك الأعراض وكان خائفا على بنات ونساء عائلته وكان دائما يقول لى إن شاءت أموت ولا أشوف هذا اليوم الذي “يدشون” على بيتى ويأخذون واحدة من بناتنا يغتصبونها.

فقررت معاونتهم وطلعتهم عن طريق البر إلى السعودية على أساس أرجع ثاني لكن صعوبة الخروج حالت دون رجوعي ، فأنا خرجت “بالموتور” وكله تكسر علنا لأنهم كانوا حاطين حواجز أضطر احطمها فطاح الزجاج علينا والبنات أخذت تبكي والجهال يصرخون.

صراحة .. كنا في رعب وفزع وموقف فظيع لا أعرف كيف تحملته .. كان كل همي أنى أطلع اللي مع بأي وسيلة وبأية طريقة.

       وللأسف كان عيال عمي يتابعونا في سيارة ثانية لكنهم ما اقتحموا الأسلاك الشائكة مثلي ما صدموا الأسلاك الشائكة وأخذوا يدورون بالسيارة بمحاذاتها بحثا عن منفذ أو مخرج فصادهم العراقيون.

***

       وأنا للحين ما أدري كيف اقتحمت هذه الأسلاك وقتها ما فكرت بشيء بس لما دست بنزين على أخر سرعة وعبرت.. وبعد ما شفت الألغام.

       بصراحة خفت وحمدت الله أنه نجانا بأعجوبة ومعجزة لأني دخلت بسرعة عالية على الشباك وما كنت منتبها بالمرة أنه توجد ألغام رغم أني سمعت من أول بهم لكني ما كنت أتوقع أنى أصادفهم أو أتعثر بهم وعبرنا إلى الحدود السعودية بمعجزة فقد كان الجنود يطلقون علينا الرصاص يركضون وراءنا بعد ما يطلعون من الخنادق ويصوبون علينا السلاح وكنا نسمع صوت الطلقات وهي تمر بصوبنا.

       لذلك كان الرجوع صعبا جدا وفي نفس الوقت كنت قد سمعت بالتطوع والتحاق الشباب الكويتي في الخفجي وحفر الباطن لذلك إلتحقت بعملي عندما طلبوني وسمعت بذلك لأننى أؤدي خدمة في مجال أمن الطائرات ومنذ تلك اللظة وأنا أحس بالسعادة والرضا وأتمني أن أؤدي واجبي نحو وطني بأفضل طريقة ممكنة ، ولو حصل أي تصرف يهدد أمن الطائرة أتمني أن أكون موجودا على متنها لأدافع عن سلامتها وأمنها بكل قوتي وطاقتي.

نحن أنا والشباب الكويتيون لا نهتم بتهديدات الإرهاب ونتمنى من الله أن تأتينا الفرصة في أي مجال لنثبت من هو الشاب الكويتى وكيف يبذل روحه وحياته من اجل الوطن وفي الحقيقة نحن شباب الكويت نشعر بأننا تغيرنا واقتنعنا بضرورة واهمية هذا التغيير وأول شيء فتر اهتمامنا بالرفاهية وانعدم اهتمامنا بالحياة المترفة السابقة.

       والإحساس الحالي الذي يحسه الشباب الكويتي هو أن زمن الرفاهية والترف راح وأننا قد أصبحنا مسؤولين عن إعادة بناء الوطن بأيدينا نحن وليس بأيدي أحد غيرنا. فهذه هي أول شؤوننا وأولي مسؤولياتنا.. لازم نعتمد على أنفسنا هذا نذر وعهد أخذناه على أنفسنا. وإن شاء الله سنعمر ديرتنا بأيدينا تحت راية صاحب السمو وولى العهد والحكومة الرشيدة.

والصراحة حكومتنا ما قصرت في وسط الأزمة ورغم ما عليها من مطالب ومسؤوليات وأهم مطلب هو عودة الكويت حرة ومع ذلك ما نسيت الشعب الكويتي خصصت له معاشات.

       وحتى في لندن ورغم ارتفاع السعار صار العلاج الطبي مسؤوليتها والتعليم وتكاليف المعيشة ونفقات الحياة اليومية وفي لندن أيضا فتحت أكاديمية الملك فهد أبوابها على مصرعيها واستقبلت ورحبت بالكويتيين وساهمت في طلبهم كما ساهمت المملكة العربية السعودية في مساندتها واستعادة أرضنا.

هذه هي الأخوة الحقيقة.

       صراحة الدول العربية وقفت معنا خاصة الدول الخليجية ومصر وسوريا وللأسف البعض الأخر قلب الحقائق لكن لا ننسي إن هناك أناسا عادلين وفاهمين الواقع وواقفين مع

***

الحق ، وما تغريهم أي إغراءات ونحن نشكر الملك فهد فالسعودية الدولة الشقيقة استقبلتنا خير استقبال، وما قصرت معنا بجميع النواحي.

       كما نشكر جميع الدول العربية والصدقة ولا ننسي الشعب المصري والرئيس مبارك على كل ما فعلوه تجاه الكويتيين والشعب الكويتي. الدرس الذي تعلمته من هذه الأمة كان درسا عميقا كبيرا فنحن كشعب كويتي عندنا حسن النية وبالكلمة الطيبة تأخذ كل حاجة من الكويتي لأننا شعب محب للخير والسلام.

       نحن شعب مسالم.. ما كنا نتصور ندخل حروب أو تهاجمنا دول أخرى بالعكس كنا نساعد أكثر البلاد وأولها العراق وقفنا جنبها وساندناها أثناء حربها مع إيران فيكون هذا جزاءنا منها.

       نعم هذه الأزمة علمتنا نحن الكويتيين أن نكون أكثر حذرا مع أصدقائنا وأعدائنا الاثنين على حد سواء. وإلا نغرق في الطيبة والمسالمة مرة ثانية لأن هذه الأزمة علمتنا درسا ما راح ننساه طول عمرنا.

فمن كان يتصور ف يوم من الأيام أن العراق يغزو الكويت؟

       ومن كان يتخيل الفظائع التي مورست في الكويت علي أيدي أخواننا العراقيين؟ وأن تكون بهذه القسوة.. وبهذا الكل؟

ما حدث هو جرح في القلب ليس من السهل أن يبرأ..

فظاعة الأعمال التي حدثت لن تنسي.. فلو كان احتلالا عاديا أو حتي سرقات عادية دون أن يفتكوا بالشعب الى هذا الحد البشع كان يمكن أن يكون الوضع أسهل بعض الشيء لكن بهذه الطريقة الوحشية؟

هذا تصرف لا ينسي مدي الحياة .. وعلى مدي أجيال وأجيال.                       

       وأنا أعتقد أن سوء تصرف الحكم في العراق وسوء الإدارة وطريقة تبديد الأموال علي الإرهاب والاهتمام بتوزيع خلاياه في كل مكان ووضع السلطة المطلقة في يد حزب البعث، وراء هذا الفقر وهذا الحق. فالعراق عند بترول وعنده زراعة وعنده مصادر مياه.. وفي نفس الوقت مولاقي يأكل؟

أليس هذا بسبب سوء نظام الحكم وفشل وغباء صدام حسين؟

أنا قاعد أكلمك الحين وأنا أتصور أنني راجع الحين للكويت.. أنا وحشتني الكويت.. هي الأهل وهي الحبيبة وهي كل شيء.

ما عندك خبر حبي للكويت ما له حدود.

       بصراحة. نفسي أكون من أول الناس اللي راجعن، مع أني أدري أننا نحن العاملين في مجال الطيران سوف نكون أخر ناس رادين الكويت لأننا سنحمل الجميع إلى أرض الوطن

والصراحة نحن نغبطهم لأنهم سيسبقونا إليها.. تلك الحبيبة التي وحشتنا واشتقنا إليها.         

ونحن شباب الكويت مستعدون أن نقدم أرواحنا فداء الكويت.

وما تتصوري أيام الأزمة ماذا كنا نفعل من أجل الكويت.

من كان يشيل الزبالة والوسخ من الشوارع؟

من كان سوق سيارات البلدية؟

من كان يوزع الأكل علي الأهل في مختلف المناطق؟

كل هذه الأعمال كان يقوم بها شباب الكويت هذا غير أعمال المقاومة وهذه الأشياء كلها نفذها الشباب وأدارها بدون شيء.

هذا حين كانت الكويت محتلة.. فما بالك وهي رجعت لنا؟

والله نفسي أروح لها أغسلها بقلبي وأسقيها بدمعي وأرويها بحبي.

***


سحـب الحــزن السوداء!

       أكتب إليك الآن قبيل الفجر بقليل لأنني لم أستطع النوم في هذه الليلة بالذات.. ولأني في الحقيقة محتاجة إلى إنسانة أشكو إليها حالتي التي تؤرقني ، وتجعلني أعيش في عذاب فظيع لا يعلم به إلا الله.

أختي كرمة.. أتمني أن يتسع صدرك يترك لي وأن لا تضيقي بحكايتي التي أود أن أبوح بها ، وأرجو أن تسمحي لي أن أحكي لك بالشرح الممل كي يأتي التعبير صادقا.. من القلب إلي القلب.  

       مع بداية الغزو العراقي لوطني الحبيب ، وفي الساعة الخامسة صباحا سمعنا ضربة قوية انفجارا هز البيت ، ولا مثيل له حتى أن الأرض من تحتنا كانت تهتز!

بعدها طلعنا فوق السطوح نستطلع الأمر، ونستكشف السبب اتضح أن برج الاتصالات الذي كان قبالتنا قد ضرب!

       توقعنا أنها ضربة عادية ، وما هي من العراق أبدا، حتي أن أخي الكبير قال: هذه أكيد طائرة حربية طايحة ولم نتوقع أنها واحدة من الضربات التي سنراها من وجه شخص صدام هذا.

       وأنا لن أخفي عليك.. يوم سمعت الضربة والله العظيم تصورت أن القيامة قامت، وأن الدنيا أنهدت وكلنا سنموت لا محالة. ولم نكن نفكر فيه أن تكون هذه الضربة جاءتنا من العراق، فنحن شعب قلبنا أبيض.

       وبعدها .. شغلنا الراديو وموسيقي الجيش طالعة، فعرفنا أن الحرب قد قامت، فاتجهنا بعدها إلى الشارع الساعة التاسعة صباحا كان المنظر غير مألوف.

       وكانت النيران تشتعل في كل مكان، الشوارع تدب بالحركة، والزحام فظع على محطات البنزين وأحلى شيء فناه، وصدق أثلج صدورنا شبابنا الكويتي الوطني، وعليهم بدلاتهم العسكرية وكل واحد فيهم متجه إلي معسكره من غير خوف، منظرهم حلو والله، رجالنا الأبطال يلبون نداء الوطن ويقامون جيوش التتار الغازين المعتدين.

       وفي الساعة العاشرة صباحا سمعنا صوت الطيارات العراقة فوق منطقتنا وعلي بعد مسافة قليلة، كان صوتها يفزع وكنا نتراكض في البيت من شدة الخوف، صدقيني موقف يعجز لساني وقلمي عن وصفه أو شرحه لك.

       وبعدها هدأ الصوت شوية صعدنا فوق السطح.. تصوري شفت فوق العشرين طيارة .. واحنا في البداية كانت فرحتنا غامرة وما لها حدود لأننا تصورنا هذه الطائرات طيارات

***

حربية عربية دخلت الأجواء الكويتية تقاوم معنا. لكن بعدها حسينا بخيبة أمل لأنه قد تبين لنا أنها طائرات عراقية! وازداد خوفنا وعجبنا ونحن نراها تمشي وتضرب في المنشأت الكبيرة في ديرتنا بحقد دفين.. حقد استغرب كيف كان العراقيون يكتمونه في قلبوهم كل هذا الوقت. ولماذا لم يفعلوا مثلنا ويرفعوا من شأن وطنهم مثلنا؟

       نحن رفعنا شأن ديرتنا بالعمل والطموح الذي لا يحده حد، فلم نرض ونقنع بما كائن، بل فكرنا دائما في الوصول بديرتنا إلي أعلي مستوي بين الدول، وحرصنا علي تنفيذ هذا العمل الهادف بكل شغف وحماس.

       المهم.. بعد هذه الظروف الصعبة التي مررنا بها سلمت أمري لله، لأني توقعت في أي لحظة ممكن أموت علي أيدي هؤلاء المغول ، فجلست طول الوقت أقرأ القرآن وأصلي وأدعو الله أن ينجينا من هذا الهلاك وهذا البلاء الذي حل بنا فقضي على راحتنا وبدد فرحتنا وسعادتنا.

       وللأسف.. بعد كم يوم أمسكوا أخي وهو برتبة ضابط في الجيش وبعدها قدر يفلت منهم وبعدها عرفنا سالفته مع الجنود العراقيين ، فضلنا نطلع من الكويت لأننا خفنا علي أخواني العسكريين أن يطيحوا بين أيدي الغزاة العراقيين، فيقتلوهم في الحال دون سبب أو ذنب ، سوي أنهم عسكريون.   

       استقر رأينا علي فكرة الطلوع من الكويت وبالفعل قررنا نطلع والحمد لله على النجاة طلعنا علي أساس أن يلتحق أخواني في سرية الجيش التي طلعت من الكويت.

       وصلنا المركز السعودي بعد صعوبة ومقة وحوادث لم تكن علي البال، وهنا.. أحسست براحة بال كبيرة لأننا قدرنا ننفذ بجلودنا من هؤلاء الوحوش البشرية، وحمد الله علي الحياة بعد كل هذه المعاناة.

       والحين .. بعد حوالي ستة اشهر علي احتلال ديرتنا الحبيبة وبعد بدء هذه الحرب المدمرة أحس بخوف كبير وهو أجس ووساوس ما لها أول ولا تالي ، وأحلام الله لا يريك أياها ، فأنا أخاف أن أموت قبل ما أشوف الكويت لأن منطقتنا تعتبر خط النار.

       صدقيني.. أنا تمنيت لو كنت في الكويت هنالك بين باقي أهلي وما طلعت منها لأن مكاننا الطبيعي في ديرتنا واللي يصير عليهم يصير علينا.. صدقيني أنى أتمني أن أموت ف ديرتنا متة الشهداء والأحرار والأبطال، لا أن أعيش ف هدوء وراحة واستقرار بعيدا عن تراب الديرة وأرض الوطن.

       أن كتابتي لك الآن يا أختي كرمة أبه بذكريات تكشف احساسا غريبا.. احساسا يوحي لي أحيانا أنني سأموت قبل أن أشوف الكويت.

***

وفي الحقيقة أنا محتارة وما أدري سبب هذا التشاؤم. فأنا أسأل نفسي هل هذا الخوف كله لأني أتعجل الذهاب إلي الوطن ولأني ألمس بمخيلتي مناطق الكويت الحبيبة في كل لحظة .. تلك الأماكن التي أحبها واشتاقها والتي طال الحديث عنها منذ مغادرتي لها؟!

صدق.. الوضع قلق مضطرب ، وفي كل يوم تأتينا الأخبار بما لا نحب أن نسمع وكان أخرها إحراق مصافي النفط في الكويت وانطلاق السحب السوداء تمطر الأحزان في الأجواء.. آه .. ياربي أنى أعشق البحر والإبحار ، وأحب رمال الشطآن النقية البيضاء .. فكيف تمسي هكذا سوداء . سوداء؟

       الأحداث خيبت أملي وتركت في نفسي أثرا سيئا فهذا الظالم الذي لا يخاف ربه يرتكب في كل يوم ، بل في كل ساعة، جريمة جديدة لكن لن يفلت أبدا من القصاص وستعود الكويت إلى أهلها بعون الله، سيرجع الكويتيون إلى وكنهم شاء الظالم أم أبي.

       إنني المح مناظر الخراب والحطام في التليفزيون فيتقطع قلبي حسرة على بلدي، لكن إذا كانت نظرية هؤلاء الغزاة هي تدمير هذا البلد الجميل الوديع فهم لن يستطيعوا أن يدمروا إرادة أهله ومحبيه.. وسوف يأت اليوم الذي ألقي فيه متاعبي بعيدا عني .. ولسوف نبدأ من جديد بإذن الله.

       تدين.. بعض المرات كانت تراودني أفكار ما تخطر على بال أحد. أفكار بائسة يائسة تجعلني أتألم، اصرخ في الصمت ، استسلم للمستحيل، لكن الحين الحمد لله الأمل في الله كبير ودعاني أن تنتهي هذه الحرب وأن تعود ديرتي حبيبتي ونور عيني التي أموت فيها .. حياتي .. الكويت.

***

والملتقي في الصفاة.

       الشتاء في أوربا عامة وفي لندن عادة موحش بطيء ثقل طويل.. وهذه السنة بالذات على حد قول محطات الأرصاد الجوية تشهد بريطانيا شتاء قارصا قاسيا لم يمر عليها مثله منذ أربعة أعوام.

       ألا يكفي الشتاء هنا في حد ذاته، بل يأتي تاء مميزا فريدا لم تربريطانيا مثله.. منذ قرن من الزمان؟

ألا يكفي هذا الشتاء بنفسه بل يصر يأتي مصحوبا بأنباء الحرب المحزنة واثارها النفسية المهلكة التي تفتك باحساس الإنسان المتلهف على نهايتها الحاسمة الآتية بالأمل، الموحية بالأمان والاستقرار والإطمئنان؟

       حقا .. يقولون الشيء بالشيء يذكر لهذا داهمتن تلك الذكري القريبة وانا أسمع أخبارها في التليفزيون البريطاني عن احداث حرب الخليج وكيف أن صوت المذيع لم يكن واحا بسبب أزير الطائرات وقصف القنابل حتي أن المذيعة هنا قالت له: لا نستطيع أن نسمعك سنعود اليك مرة أخرى.

       في هذه اللحظة ذاتها وعند سماع دوى القنابل انتابني نفس الاحساس بالخوف والقلق الذي دهمني حين كنت في بيتى في الكويت أثناء معارك تحرير الفاو..

       اذكر تماما كيف كنت أتابع بلهفة نرات الأخبار واذكر تماما كيف انتفضت خوفا وأنا أقف في صالة بيتي ذات الشرفة الواسعة المطلة على شارع الخليج بالسليمة كان الوقت ليلا ساعتها ، بالتحديد الساعة التاسعة مساء فنهضت من مقعدى واتجهت أحول إرسال القناة الأجنبية إلى البرنامج الول لأسمع نشرة الأخبار فجهاز “اليرموت كونترول” دائما يختفي وقت الحاجة ، ولا ادرى أين يذهب..

       بعدها اكتشف أن الأولاد كانوا يخفونه عنى لأنهم ملوا من سماع نشرات الأخبار. وزحدث في تلك اللحظة أن انطلقت قذيفة ثقيلة ، ف الفاو طبعا أو صاروخ لا أدرى المهم أن الزجاج الواسع العريض أخذ يرنج بدة من تأثير ضغط الهواء محدثا صوتا مزعجا جدا، فانتفضت قافزة الى الخلف دون ارادة مني.

ويبدو أن منظرى كان غريبا جدا ومضحكا جدا، اذ انفجر أولادى في الضحك وقالوا وهم غارقون فيه: “قلنا لك بلاش نشرة الأخبار.. البرنامج الثاني أحسن والفيلم كان حلو”

***

وهنا .. صرخت فيهم منزعجة أن يدخلوا إلى الغرف الخلفية في الإتجاه المضاد للبحر، فالزجاج كان مازال يرتج والخوف مازال يسيطر إذ يبدو ان المعارك كانت محتدمة ليلتها فتصورت أن الزجاج سيتحطم ويتطاير وستمزقنا شظاياه شر تمزيق!

       وفعلا .. دخلنا إحدى الغرف الخلفية وأمضينا جزءا من الليل بها نختلف أيضا على أي قناة نتابع الإرسال عبر جهاز التليفزيون الصغير الموجود بها، وما لبث أن انتهي الأشكال بعد أن هذا الدوى، وعاد الأطمئنان وانقسمنا إلى فريقين، فريق يتابع الفيلم وأخر يشاهد نشرة الأخبار.

       آه.. كانت ليلة مخيفة حقا مازلت أذكرها جيدا كما مازلت اذكر كيف دعوت الله ساعتها من عمق قلبي ينصر العراق وأن تعود الفاو عربية خالصة صدق الدعاء تحقق الرجاء انتصرت العراق.. ورجعت الفاو.. وهنا .. انطلقت الفرحة تزغرد في قلوب العرب..

اذكر كيف هلل أهل الكويت فرحا بهذا الانتصار الذي شهد بعضا من دوافعه الشهيد البطل الشيخ فهد الأحمد الصباح رحمه الله ، والله الذي أبي إلا أن يذهب هناك يشارك الأخوان وقت الشدة.. حتى جاءت منيته على أيديهم الخائنة!!

       لا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم .. ثم مضت الأيام، تبدل الزمان.. انقلب الحال.. اختلف الرجاء.. تغير الدعاء.. بعد أن صار الأخ قاتلا.. وأصبح الصديق عدوا!!

ياالهي .. كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ أليس هذا يئا بشعا فظيعا مريعا يدعو إلى التكذيب وليس إلى التصديق؟

       آه.. يا للنهيدة الحارة اللاهبة تخرج من القلب المثقل تكوى الصدر بصهدها .. انه الهم يجثم على النفس فيضاعف الوقت يمطط الزمن يزيد الألم .. يخف الأمل.

يا الله.

الرحمة بعبادتك يارب يا ارحم الراحمين..

حمد لله على كب شيء .. فما زالت في النفس بقايا أمل تعتمل، تعني أن الخير لابد وأن ينتصر والشر لابد وأن ينهزم.. ويعود الحق الى أصحابه بعون الله.

       ادعى معى .. نعم .. قال سبحانه وتعالى: “أدعوني أستجب لكم..” إن الله مجيب الدعاء محقق الرجاء..

وإلى عودة قريبة في الكويت الحبيبة باذن الله.

       متابعة نشرات الخبار هنا صارات نوعا من الادمان، ننام عليها نصحوا عليها، حتى اذا أصيب احدنا بالأرق الناتج عن الترقب والقلق، تراه يسأل أحد الساهرين بالبيت .. هاه.. ماهى اخر الأخبار؟!

***

       صار هذا أسلوب الناس هه الأيام ليس في لندن وحدها ، وإنما أظنه صار سمة من سمات الخلق في كل مكان في العالم، ولا أعتبره وقفا على العرب وحدهم أو جنسية دون أخرى..

والكل يتابع الأخبار باهتمام لاشك والكل متأثر من مجريات الأحداث بالتأكيد.. واعتقد أن هذه هي السمة في المرحلة الزمنية الحالية.

       كان الله في عون الجميع.

الكتابة الأدبية ، أو الممارسة الصحفية، اذا نبعت من نفس انسانية حساسة، مرهفة تعيش الحدث الحالى بكل تفاصيلة ودقائقة، تمسي فعلا عملية عنيفة قاسية، مرهقة.

       قد يعتقد البعض أنها مجرد “وظيفة” أو حتى “مهنة” يصح للعاملين بها أو محترفها أن يتعاملوا معها بأسلوب الألتزام ، أو طرقة الانضباط مهما كانت الظروف ومهما صارت الأحوال!

       لكن يصبح الشيء الوحيد الذي قد لا يعرفه الأخرون، أن التعامل مع القلم والحدث وقبل ذلك كله.. مع الذات نفسها ، يصبح هنا “تعاملا” من نوع اخر ، أو بالأحرى يصبح” عملا” من نوع اخر مختلف تماما..

       نعم .. لمزيد من التوضيح أحب أن أقول، أن الكتابة هنا في ظل ظروف معاناة النفس الانسانية الحساسية المرهفة ، تلك التى تتعذب وتعاني وتتألم لما يحيطها من أحداث حادة حارقة. جارفة، تصبح نوعا من النزف الذاتي الذي يجعل القلم يمتص مداده من سويداء القلب، فتأتي الكلمات خافقة نابضة.. دامية المداد.

       في الغربة .. يقولون كثيرا يفكرون كثيرا لتخفيف حدتها وتقليل معاناتها وتهون أثارها على الناس هؤلاء الذين تضطرهم ظروفهم للبقاء القهرى دون ارادتهم في مكان ما، بعيدا عن أوطانهم لأى سبب كان.

       المهعم.. فكر كثيرون فعلا في معالجة آثارها المرضية على النفس افنسانية واهتدوا الى بعض الوسائل التى تذلل بعض هذه الصعاب، فقالوا أهم شيء أن يجعل الشخص بيته قطعة من وطنه فيتصرف داخله بطريقة أقرب ما تكون الى أسلوبه السابق في الوطن.

كيف؟

       أن نقل معه عاداته السابقة التي كان يمارسها في وطنه كأن يستمع إلى أغاني وطنه وأن يأكل طعام وطنه وأن يرتدى زيه الوطني وأن يغلق الستائر حتى توحي له أن وراءها صورا من الوطن..

       أيضا.. عليه أن تقي الوحدة وأن يحرص على البقاء وسط الأهل والأصحاب.. وهكذا يخرج من الإطار الحالى الى اطار آخر أقرب ما يكون الى طريقة معيشته السابقة وحتي لا يصاب بسبب البعد .. بالاكتئاب.

       أيضا .. يقولون .. الشيكولاته علاج هام وفعال يقلل من عوامل الاصابة بالاكتئاب، وأن ظلت عاملا فعالا من عوامل السمنة.

ماتزال نشرات الأخبار تطاردني!

       صارت متابعتها تستهلك معظم وقتى فعلا تسلبني نفسي تعطلنى.. ففكرت .. ما هو الحل؟ وكيف أهرب من هذه المطاردة الطويلة المتبعة المرهقة؟

آه.. ياربي.. إلا يمكن ان أسمع خبرا واحدا مفرحا حلوا.. خبرا مفرحا يأتينى فجأة كحلم مبهج جميل .. خبرا يطل .. يضيء ظلام ليل انتظارى كقمر مشرق براق .. وسيم .. أثير؟!

ما أروع الأمل.. وما ألعن ليل الانتظار الذى يظل القلب يشتاق فيه سماع خبر الأخبار.. بعودة الكويت الحبيبة الغالية.. وانتهاء الدمار.

       ومع هذا الأمل العذب الحلو عشت أروع اللحظات مع كلمات الدكتور عبد الله العتيبي .. ذلك الشاعر العالم والأديب القدير.

فعلا .. استمتعت بسماع كلماته العذبة الشجية تنشد بصوت شادى الخليج المطرب الكبير الذى طوع صوته لمعانى الكلمات ونغمات الألحان معها ذقت حلاوة الأمل.. مع كلمات كادت تحمل نبوءة الغد الأتى:

  • مصحوبا بروعة العودة إلى الوطن الحبيب.

ومع معاني العودة البديعة القريبة بأذن الله جاءت كلمات الدكتور عبد الله العتيبي سباقة للأحداث كأنها كتبت بحس الكاتب المرهف الرقيق، الذي يكاد يحدس ما هية الأحداث! .. وهي حتما خطت أثر تدفق أفكار سباقة صافية نبعت من روح فيفة هائمة استشعرت من بعد زمنى ومكانى ، كيف يمكن أن تتحقق المنى وأن يتجسد الأمل .. وأن يأتي الملتقي في الصفاة

 

 

           

 

 

 

 

 

 

نعم .. مع عمق الكلمة وعذوبة اللحن وروعة الأداء، عشت أمتع ساعات مع تلك الملحمة الفنية الرائعة، التي تثبت كيف يمكن أن يؤدى الفن الراقي الرفيع دورا فعالا مؤثرا في وقت نحن نحتاج فه إلى معان عظمة خلاقة عملاقة نافذة.

الكم .. بعض كلمات كتبت من نور مبهج مضيء مرق وهاج.. كلمات براقة تنبثق منها ومضات فرح وقوة وإشراق إرادة وعزم وتصميم، وإخلاص.

***


الرياض الزاهرة أبدا..

       مع طلعة كل صباح، وقبل أن أفكر في شيء أخر ما أن أفتح عيني حتى أنهض على الفور نحو جهاز التليفزيون أتفقد الأخبار أتلهف على معرفة أنباء القتال خلال الليل. وهل انطلق صارخ الغدر نحو الرياض؟ أم قد نام أهلها الكرام وبينهم أخي دون إزعاج صفارات الإنذار؟!

       آه يا قلبي .. فمع كل طلقة غدر نحوها.. أحس طعنة قهر تحفر فجوة داخلي.. يا الهي.. لماذا هذا البغي الواضح؟ لماذا هذا الفجور الفاضح؟!

يد عربية تضرب دولة عربية دون ذنب جنت، أو جرم ارتكبت سوى التصدي للظلم، ورد كيد المعتدى، واسترداد حق، ودفاع مروع عن النفس!

       أي حمق هذا يرتكب ذلك الطائش الأرعن في حق الأمة العربية كلها.. بل والإسلامية بأسرها؟ ألا يرتد عن غيه؟ إلا يثوب إلى الصواب؟

يا الله..

إلى متى سيبقي هذا المريض بأحلام الطموح والعظمة يعربد بأهوائه أجواء الوطن العربي؟ إلى متى سيستمر في استهتاره بتفكير الآخرين وعقولهم ومعتقداتهم؟ هل مازال يتصور أن هناك من يستطيع أن يصدقه وأن يمضي في ركابه دون فائدة أو منفعة؟ بلا قناعة وبلا يقين؟ وإنما يضمر في نفسه السخرية والاستهزاء؟

       أنا لا أحب الخوض في لجج السياسة المملة الممضة، ولا أهوى الكتابة عنها ولا حتى التفكير بها. لكنها حرقة الغيظ تكوى القلب فيندفع مكرها قبل أن يشيط ويحترق.

       على أي حال.. معروف حتى للسذج من الناس ان كل ظالم نهاية.. ولكل عدوان مهما استمر وطال نهاية .. واحسارا .. وانحدارا .. واكسارا.

       المهم نعود الآن لموضوعنا الأساسي .. إلى مدينة الرياض الزاهرة العامرة الناضرة تلك المدينة الجملة التي شاءت الصدفة الحلوة وحدها أن تكون هي أول مدينة خليجية تقع عليها عيني بعد معيشتي في الكويت سنوات طوالا.

       لذلك بعد أن طالعت صورة مبانيها الأنيقة وشوارعها الواسعة وقد التفت حولها عدسات المصورين تبث معالمها عبر شاشات العالم الفضية مصورة بقايا حطام الصواريخ (العبثية البعثية) ملقاة هامدة خامدة في طرقها وفوق أرصفتها!

***

وجدتني.. هكذا.. فجأة بين ربوع ذكرى عذبة بديعة تجوب بي من جديد أنحاء مدينة الرياض، فشعرت بأنني أتمشي في أسواق العقارية في العليا أجول في شارع الستين. أتناول طعام الغداء مع نخبة من الأخوات السعوديات في شيراتون عطا الله .. أحادث بعض الطبيبات النابغات في مستشفي الملك خالد في الدرعية.

       نعم. تذكرت كيف تسمرت مكاني منبهرة بروعة مطار الرياض الفخم الأنيق تلك اللوحة الفنية الخالدة التى تته بها مدينة الرياض وتزهو.. وكف فتحت الة تصويرى واخذت التقط عشرات الصور هنا وهناك لاتثبت من حقيقة هذا البهاء والرواء الذي أنظر وأبصر وأرى..!

       استمر هذا الاعجاب بتلك المدينة الأنيقة الكبيرة فأخذت أسجل عنها كل صغيرة وكبيرة نشرت تباعا في محلة “النهضة الكويتية” التى أوفدتنى أيهامها في مهمة صحفية عاجلة بمناسبة صعود أول رائد فضاء عربي ضمن طاقم “ناسا” الى الفضاء الخارجي وهو الأمير سلطان بن سلمان حفظه الله ورعاه.

       وفي الحقيقة كانت مدة الزيارة خمسة أيام فقط قضيتها في ضيافة أخى الدكتور كمال شاهين مدير مركز الدراسات الأوربية والترجمة بجامعة الملك سعود بالرياض وفي نفس الوقت لم أغفل ثانية عن أهمية الوقت بالنسبة لصحفي زائر يأتي مكانا حافلا بالموضوعات لأول مرة حتي وأنا أداعب كرمات أخي العزيزات ، والأعبهن.

وهنا التقت المرأة السعودية.. رأيتها عن كثب وهي تمارس عملها في مختلف الوظائف والمهن بأسلوب سهل بسيط دمث هادئ لطيف وكأنها تمرست على هذه الحياة العملية سنوات وسنوات حقا.. كانت دهشتى عظيمة وأنا أشهد نوعية هذا العطاء المتدفق المستمر الموحى بمقدر ذاتية عالية ، وكفاءة وقناعة شخصية عميقة واعية تؤكد لمن يراها أن هذه المرأة تعرف أنها يجب أن تؤدى دورها كاملا وتؤكد أنه تدرك قيمة كونها نصف مجتمع يجب أن يعطي ويعطي ينتج ويثمر .. فيالها من امرأة .. ويالها من مدينة ويالها من مملكة .. هي حقا مملكة الخير ، والأخوة والإخلاص والوفاء.      

       وبعون الله سوف تبقي مدينة الرياض الزاهرة الناضرة محط انظار العالم دوما دون صواريخ صدام العشوائية الطائشة .. أضلها الله عن هدفها وأخرس أصواتها وأفسد أغراضها وحتما .. لابد أن تفشل أحلام صدام الواهمة في تحويل ليل الأمنين الوادعين كابوسا فظيعا مفزعا .. وباذن الله سيستجيب الله لدعائنا النابع من عمق قلوبنا.

       وهكذا .. ستبقي الرياض دوحة في ناظرى وقلبي وخاطرى أنها المدينة الجميلة البديعة الآمنة الناضرة الزاهرة والوردة الريانة اليائعة ، الباسقة في ربوع المملكة العربية السعودية العامرة .. نعم العامرة بمعدن الأخوة والنبل والوفاء والصدق والإخلاص وشتى صنوف العطاء.. وابقاهم ذخرا كبيرا للعروبة وحصنا حصنا للإسلام.


إيجاز وإعجاز !!

       مازالت روحي تحلق فوق ربوع المملكة العربية السعودية وها أنا الآن أرى بعين ذاكرتي مطار جدة الجميل الذي وقفت عند بابه مع شقيقي الدكتور كمال بانتظار وصول السيارة التي أقلتنا إلى مكة المكرمة من مناسك العمرة.

وبتسامى الشعور الديني العميق عن كل ما حوله فترتفع النفس تشكر بارئها على تلك المنحة البرانية العظيمة التي منحت لى لأودى العمرة بينما الدمع يهطل يغسل النفس والقلب ويشفي الروح من أدرانها.

       حقا .. يالها من لحظات نورانية حانية تبقي تلتصق في الوجدان مدى الحياة .. نعود بعدها على عجل الى مدينة الرياض فالوقت لا يسمح لنا بمشاهدة مدينة جدة ولا الاطلاع على نهضتنا العمرانية الذائعة الصيت والتي نالت ، بسبب أناقتها والعناية بمرافقها وساما رفيعا باعتبارها واحدة من أنظف مدن العالم.

       وتشاء المفارقة الغربية أن أرى بعضا من معالمها البديعة عبر شاشة التليفزيون البريطاني ، عندما أذيع خبر إطلاق النار على بعض العسكريين هناك وإصابتهم بجروح طفيفة ولا يلبث أن يمتزج الإعجاب بالإعجاز ، وأنا اسمع خبرا جاء لي بإيجاز أن السلطات السعودية قد استطاعت. في وقت قصير جدا. القبض على الجناة مرتكبي هذا الحادث الأثيم اللئيم.

       وهنا .. لا يسعدني إلا أن أعبر عن كل التقدير لرجال وزارة الداخلية السعودية الساهرين على الأمن وعلى رأسهم الوزير الأمير نايف بن عبد العزيز الذى أكد أن السلطات السعودية ستضرب بشدة كل من تثبت إدانته حرصا على سلامة وأمن البلاد وحماية لمواطنيها من العابثين .. حياة الله ورجاله وحفظهم من كل شر ومكروه.

نسـور ليل الشتــاء!

       مازلت أكتب لكم الأن ودرجة حرارة خارج جدران البيت عرة تحت الصفر. آه.. ياله من شتاء لم يأت مثله منذ سنوات وسنوات!

نتفات الثلج الهش مازالت تتطاير في الهواء – خلف الزجاج – كأنها حبات الذرة المنفوش (بوب كورن).. ومازالت الأرض مغطاه بوشاح أبيض يزداد كثافة لحظة بعد أخرى.

       هذا هو جوفبراير في لندن هذه السنة وهذه هي موجة باردة أتية سيبيريا بثلوجها وهوائها .. وأسرها وحصارها!!

       نعم .. فعندما تنخفض درجات الحرارة إلى هذا الحد الثلج تنحبس الحياة داخل الجدران، تتوقف الأنشطة تتجمد الأحوال إلا في حالة الحرب فلا عذر عندهم ولا حاجة لراحة أو دفء أو استرخاء.

       لذلك بقيت مع الوحدة وصحبة الليل الذي تحلو لى الكتابة خلاله، فمع هذا الثالوث الفريد الوحدة والليل والقلم تجيش الذكرى تذوب الذات.. يتناثر الإحساس هنا.. وهناك!!

       لهذا .. هامت روحى تحوم بعيدا حول هؤلاء البطال الصامدين عند جبهات القتال هؤلاء بفضل الأجهزة التقنية المتطورة على دقة اصابة الأهداف.

نعم .. فهؤلاء البطال يحلقون بمهارة في شتى الأجواء ينظرون الأهداف يضربون مواقع الظلم والعدوان ، مدافعين عن الأوطان. حياهم الله هؤلاء النسور البواسل الذين اذهلوا العالم بمهارتهم وجدارتهم وحماستهم المنقطعة النظير.. نعم ها هو الطيار الحربي الخليجي يشهد له الجميع بطفاءة ومقدرة تفوق كل التصورات والتوقعات .. حمدا لله.

       وكان للقادة الأجانب تعلق على ذلك عندما وصفوا حماس الطيارين الكويتيين معللين ذلك برغبتهم الشديدة في العمل الذى يؤكد حرصهم الكبير على قصف مواقع العدو انتقاما منه وثارا لما فعل وارتكب في حق الأهل والوطن.

       أيضا .. انطلقت شهقة اعجاب وتقدير لذلك الطيار السعودي البطل الذى بثت صوره عبر شاشات العالم وسائل الإعلام بعد أن أسقط طائرتين معادتين خلال اشتباك جوى واحد!! ما شاء الله .. تسلم يده اصطاد عصفورين بحجر واحد .. حفظه الله ورعاه.

وبكل اعزاز وإعجاب يعلن الواقع عن نفسه .. هؤلاء هم شباب الخليج.. وهذه هي أيدى أبنائه البواسل تدافع بكل إباء وشمم عن أرضها وعرضها وشرفها.. 

       وهاهم الأبطال الفوارس يردون بقوة وبأس على المعتدي الآثم ذلك الظالم الذى امتد حسده وحقده يلوث ويهدر البيئة والثروات!!

والان يحق لنا أن نفخر حقا بهؤلاء الشباب الرجال وأن ندعو الله أن يحفظهم ويطيل في أعمارهم ويبقيهم ذخرا وعونا.


ويبقي لديكم قلبـــي..!

       لكل امرأة رحيق خاص بها ، ولكل سيدة عبقها الدال عليها.. مهما كان نوع عطرها! و”سيدتي” جميلة المجلات العربية ذات طابع متميز، وأسلوب مبتكر فريد، و… رحق نادر .. أثير … أثير.

       والآن يسرني أن أعلمكم أنني آتي إليكم من مكان مختلف التقي بكم هنا في موقع جديد يعجبني جدا يروقني جدا يسعدن جدا.. أن انتقل اليه اعتبارا من هذا العدد السعيد.

       أيضا .. بهذه المناسبة السعيدة التي جاءت لى بمثابة ترقية رفيعة بهيجة أسمح لنفسي أن أعترف لكم بأنني سأحاول أفكر بطريقة جديدة تتناسب ومكانة هذا الموقع المفضل الأثير لذلك .. سأضطر أن اتبع أسلوب التقطير الفكري الذي يتطلب تكثيف معني، تركيز كلمات انتقاء عبارات تماما كما تفعل المرآة عندما تختار طريقة التعطر التي تحبها فتفاضل بين صنوف الشذى باهتمام شديد وتقارن بين أنواع العبق بعناية بالغة. لماذا؟ لأنها تعلم علم اليقين أن هذا العطر وذلك الرحيق عد بالنسبة لها جزءا مؤثرا فعالات لا يمكن اغفاله من مكونات خصيتها.

       وبما أن العطر الغالي الثمن عادة ما يكون في عبوات صغيرة أو كما يقول الإنجليز في مثلهم الشهير “الأشياء اللطيفة تأتي في صناديق صغيرة” ستعرفون لماذا أركز عطري الآن في عبوة صغيرة وكيف أنثر عبقي في صفحة واحدة.. راجية أن يضوع رحيقة حلوا في نفوسكم وأن يظل شذاه عذبا في قلوبكم.       

       وحتى أشعار أخر .. سأدخر الحكايا بين عمق الحنايا وأن كنت سأدع دوما لديكم قلبي فلا تقطعوا عنى رسائلكم فليس معنى انتقالي إلى موقعي الجديد هذا أنني سأبتعد عن التواصل معكم لا فانتم دوما في القلب وحتما تعرفون مدى تعلقي بكم وكيف هي مشاعري نحوكم.

       لذلك.. رجاء لا تحجبوا عني أخباركم ولا تحرموني مشاركتكم ، فأنا أتمني من الله أن تظل المحبة بيننا جسرا متصلا مستمرا.

***

       في مكان ما … في زمان ما .. ما .. قاله . معارض عراقي يقول غاضبا: الصحافة قتلتنا.

يعود يؤكد بلهجته الكويتية وهيئته الكويتية: أنا عشت في الكويت أكثر مما عشت في العراق، وهربت منها بعد الغزو مباشرة. كان احتمال ملاقاتي الموت عند الهرب 70% في حين كان احتمال مواجهتي الاعدام لو بقيت بالكويت 100% لذلك قررت الفرار على الفوز.

       يعود يقول وغضب مكتوم يلوح في العينين المكلومتين الكليلتين: نحن شعب العراق ظلمنا تحت حكم صدام حسين.

يستطرد: تعرفين.. العراق قبل الحرب مع إيران كان رصيده من السيولة حوالي 60 مليار دولار. الحين العراق مديون للجميع.. حتي لرومانيا التي تعتبر احدى الدول الفقيرة في حين أن العراق معروف عمليا أنه من أغني دول العالم الأن.. صار العراق من أفقر دول العالم .. بفضل صدام حسين.

       يتابع ، صدام حسين لم يستطع السيطرة علي الشعب العراقي، ولا أن يستولى على فكره ويحببه بنفسه. لا .. وانما قدر فقط أن يرهب الشعب العراقي وأن يفقده الثقة بنفسه فمن يقول لا لصدام حسين فكانما يقول لا .. لرأسه حتي المعارضون لو واحد طلع برة وطلب اللجوء السياسي ثاني يوم أهله كلهم يقتلون. والعراقيون كلهم عارفون اليء هذا.

       صدام حسين تعرض لمحاولات اطاحة كثيرة، لكنه كان ينحو منها لأنه حذر جدا ولا يثق في مخلوق. حتي في الجيش العراقي يبث كتائب اعدام لذلك تجدين الجندي لا يثق حتي بأخيه ولو أخذه معه يخاف يصارحه انه يريد الهرب أو الاستسلام.. لأنه لا يعرف اذا كان بعثيا أم لا؟

       ولهذا .. بكل القواطع العسكرية لازم تلقين ضابط استخبارات. قد يكون الضابط هذا مدنيا، لكن في يده سلطة وقدرة اتخاذ قرار أقوي من الضباط العسكري حتى لو كان في سن أبيه. فهو جاز يكون مدنيا بس عنده درجة بعثية كبيرة فقدر أن يأمر على امر القاطع العسكري نفسه.

       وللأسف الصحافة المؤيدة للباطل أيضا لعبت دورها والصحفيون المغالطون الذين وقفوا ضد الحق من البداية من أول ما استحل صدام حسين الكويت زمروا وطبلوا وهللوا.. واعتبروها غزوة اسلامية مع أن الإسلام بريء تامة من الشيء هذا.

       فصدام معروف أنه يتأثر بأقوال الصحافة بدليل اهتماماته بالأمسيات الشعرية وبالتعليقات الصحفية وآراء الكتاب فيه، وهذا معناه أن الصحافة تؤثر فيه.. وقد تغير من تفكيره، بل وتؤثر في قراره.

       وهم بكلامهم الكاذب هذا زرعوا الخبث والشر في نفسه وكبروا رأسه فلو كانوا من البداية وقفوا مع الحق ورفضوا الغزو لكان انتهي الموضوع سريعا.

       فمن يقول أن صدام حسين عنيد؟ ومن يقول أنه لا يغير رأيه في لحظة؟ أليس الدليل واضحا في اتفاقية الجزائر وفي نتائج حربه مع إيران؟ في ساعة واحدة هذا كل شيء وتخلى عن كل شيء مان يسعي اليه من ثماني سنوات. أفلم يكن من الممكن أن ينبذ فكرة الاستمرار في استعمار الكويت وانقاذ العراق؟

       لكنه لا يهمه أحد غير نفسه، ولا يهمه من أمر شعبه شيء مادام حيا يرزق، ومادام هو في موقعه من حكم العراق.. حتي لو كان في خندق تحت الأرض.


اللهم لا شماتة .. اللهم لا اعتراض.

       الحمد لله … انتهي الكابوس وتكاد أن تعود الأمور طبيعية الى سابق عهدها وأن تسترد الكويت صحتها وأن تستعيد عافيتها، وتسترجع كل جمالها وبهائها. حمدا لله وشكرا لله.

       ورغم أن في القلب غصة وفي الروح جرحا ، وفي النفس حزنا مازال ، الا أن فرحة العودة الى الوطن وبهجة تحرير الأرض وعظمة انتصار الحق لا تستطيع أن تبدد بقايا مواقف لا يمكن أن تنسي ولا يمكن أن تغتفر ، فالذنب كبير والفعل اثيم، والعدوان بشع وفظيع وشنيع هذا العدو الخسيس الخبيث اللثيم قدر له أن يعيش الذل وأن يذوق الهوان وأن يشرب رغم انفه المكسور- من نفس الكأس المر ذات العلقم الذى سقاه جيرانه هؤلاء الناس الطيبين المسالمين الشرفاء الذين لم يعتدوا على أحد ذات يوم ولم يظلموا مخلوقا ذات زمان.

       لكنه للأسف ذلك الغبي صدام لم يتعلم الدرس حتي من صغار الأطفال. فما هو العراق الآن قد صار قفرا خربا لا حياة فيه، ولا جاه ولا مال، ولا أمان. وانما ترى فقرا وعوزا وعجزا ومرضا .. وانحدارا وانكسارا وحطاما وأطلالا ف كل مكان، والعياذ بالله.

هكذا .. شاءت شهية صدام الجشع للمال الجائع للسلطة، العطشان للدماء.. وهكذا شاءت إرادة الله أن يريه جزاء فعله وأن يعاقبه على ما اقترفت يداه .. حقا إن ربك لبالمرصاد والحين .. ما قولك ا صدام؟! هذه هى كنوز الكويت التي اغترقت منها.. فبم أفادتك؟ وكيف أغنتك ونفعتك وقد دفعت ثمنها وسددت قيمتها من قوت وحياة شعبك مئات بل ألوف المرات؟!

       اسمح لي أن أجيبك اذن، وان كنت أعرف انك لا تسمعني الآن. لقد كانت الكويت كنزا مرصودا حلت عليك ومن معك لعنة الاعتداء عليه ، فلقيت شر الجزاء كذلك .. كان الذهب ذهبا محموما، فسأل عليكم حمما ونارا وجمرا وسعارا ، فدمركم تدميرا. بكل ارتياح وانتصار أقول: ما أجمل الجزاء الذي نلت وما أفزع المصير الذي لقيت!!

       حقا لا شماتة في الموت، لكنها حرقة القلب تكوى القلم فتدفعه دفعا نحو سطر هذه الانفعالات وخط تلك الكلمات، علها تخفف بعض ما في النفس من قهر، وتقلل بعض ما في الروح من ضني وضيق وعذاب.

***

آه.. يا الله .. اللهم لا شماتة فيما لقيت يا صدام فكائن مثلك حاله حال “دراكولا” مصاص دماء لا يمكن أن تهدأ روحه ولا أن تسكن ذاته إلا وهو يرى حوله كثير جثت وعديد جرحي وغزيرة ضحايا وأكوام أطراف وتلال أشلاء وجبال حطام وهدم وركام!!

يا لك من قبرة قيئة تستمريء الخراب، تستعذب الظلام، تستسيغ الوقوف على الرئاسة .. حتي لو كانت في قاع الحضيض وعمق الجحيم وأسفل القرار.

لهذا .. جاءت نهايتك كسيرة ذليلة وراح الى الأبد انتصارك الكاذب الواهم، المزعوم، بعد أن طبعت بصمتك الكريهة في وجدان الشعب العراقي الذي خوفته تخويفا وحطمته تحطيما، دون مراعاة عور فرد واحد منهم سواء كان رجلا أم امرأة أو حتى .. طفلا.

والآن .. إليكم .. حكاية شهيرة من حكيا صدام الدموية الكثيرة هي عينة بسيطة من “بلاوى” هذا الزعيم البلية الذي ابتلي به الله شعب العراق والشعوب العربية.

في يوم من سالف الأيام أراد الطاووس النرجس صدام العاشق ذاته المغرم بألوان الدعاية والإعلام أن يظهر على الخلق ويبدو للأنام وهو يجامل البعض ويبدى الود والوئام. فبعث لأسرة فقيرة رجال الاستخبارات، لاعداد المكان لزوم التصوير والمقابلات فاحضروا ثلاجة وتفاحا ولحما ومفروشات حتي يبين للعالم أن هذه الأسرة الفقيرة بالذات تعيش في رغد ولديها كل الطيبات والخيرات وينعم أفرادها بالسعادة والرخاء صبيانا وبنات.

دخل صدام البيت وجلس في الصالة. والكل من حوله مربوك وحالته حالة. واحتضن طفلا صغيرا سأله في بشاشة عن أحواله. وبعد أن أجلسه في حجرة وربت على شعره وتودد إليه وتبسم في حنان مصطنع ونظر في عينيه وسأله وهو يضحك ممازحا: اذا سألتك سؤالا تقدر تجاوب عليه؟

أتعرف من هو اللي يكلمك واللي أنت قاعد فوق رجليه؟

طالعه الصغير وقال في حماس وبراءة: نعم أعرفك.. أنت صدام اللي تقتل من يعارضك وتحكم عليه بالإعدام. وأنت اللي تطلع في التلفزيون كل ساعة تكذب وتسب في سفاله، ولما يشوفك أبوي “يتفل” عليك ويطقك بنعاله.

وهنا .. وجم الحاضرون وجمدوا لدي سماع أقواله، وهب صدام واقفا وألقي الطفل قدامه وأخرج مسدسه وفي الحال اردي والده قتيلا أمامه!!

***


الســلاح السحــري!

       الدنيا مواقف والحياة معارك.. فيها المنهزم والمنتصر الخاسر والرابح.

وخير الرابحين هو من يربح نفسه، حتى لو خسر كل ما يملك فالماديات يمكن تعويضها، اما الاصابة المعنوية تلك التى تصاب فيها النفس بالاضرار، فهذا فعلا شيء لا يمكن تعويضه بحال من الأحوال. والإنسان بكل ما يملك من طاقات وقدرات وابداعات قادر حقا على تحقيق المستحيل، وصنع المعجزات، وما يبدو مستحيلا اليم سيصبح ممكنا غدا ، وما يبدو وصعبا الآن سيسمي سهلا بعد حين.

       المهم أن نتسلح بالحماس وهو نفس الحماس الذي جعل الإنسان ينتصر على كل ما يقابله من صعاب في معركة الحياة وبالاضافة الى الحماس ملك الانسان أيضا سلاحا رهيبا لو أحسن استخدامه لعرف كيف ينتصر بالتأكيد على ما يحيطه من صعاب وما يطوقه من مشاق!

       هذا السلاح السحري هو الإرادة وهى الإرادة دون مبالغة أقوى من العضلات فيها يستطيع المرء أن يستثمر الطاقة الجبارة الكامنة داخلة بدلا من تبديدها حسرة على الماضي وحزنا على الحاضر وخوفا لما يمكن أن يكون!!

       ولذلك علينا أن نتجاوز هذه المشاعر عند عبور المواقف الصعبة وأن نتسامى بأنفسنا وأحاسيسنا لحظة المواجهة القاسية مع الحدث المؤسف المحزن ، كي نتباعد عما يمكن أن يكدرنا أو يضايقنا أو ينال من نفسيتنا.

       والآن إذا عرفنا أنه في العالم الواسع وذاك الكون الكبير، لا يوجد انسان بلا مشاكل، كما لا يخلو بيت من متاعب وهموم كما ليست هناك حياة خالية من الأحزان والشجون.. إذا عرفنا ذلك، وفهمنا معني ذلك، لابد وأن نعرف إذن أن الإنسان الذكي هو الذي لا يسمح لأي من هذه المعوقات والإحباطات أن تنال من نفسه وأن تؤذي ذاته وأن تفسد حياته.

       كيف؟! لأنه يعرف كيف يتحايل عليها وكيف يعيش معها في وئام وسلام يساعده في ذلك عامل مهم جدا هو “الثقة بالنفس” إذ عندما يثق الإنسان بنفسه ويؤمن بقدراته لابد وأن تتضاعف قوته وتتعمق عزيمته، فتراه يتجاهل التجارب الأليمة وينشغل عن آلامه بممارسة كل أنواع النشاط الايجابي الفعال.

إذن فنحاول السير قدما مع إيقاع الحياة، دون أن نتوقف أمام الآلام مهما كانت ضراوتها وقساوتها ولا أن نتراجع أمام التجارب مهما كانت مرارتها وباعتها.

لماذا ؟ لأن التوقف والترقب والتذكر ما هو إلا عائق جدوى منه غير ضياع العمر فيما لا يجدي ولا يثمر ولا ينتج ولا يفيد.

صراحة. علينا ألا ندع مشاكلنا تغرقنا في أعماقها، كي لا تشل حركتنا وتدمر طاقتنا حتى نندفع بكل حماسنا وإحساسنا نحو البناء والتشييد والتعمير.


المقاتـل المصــري!

       المقاتل المصري محارب قديم مشهود له بالجرأة والصلابة والمقدرة الفائقة على التحمل والقتال في جميع الأجواء وفي كل الظروف.

       المقاتل المصري يستطيع أن يثابر ويصبر ويستمر ، لأنه يكون مقتنعا قناعة تامة بالوضع الذي هو فيه راضيا رضا تاما عن الهدف الذي يحارب من أجله لذلك هو يفتح صدره للحرب لا يعرف الخوف ولا يرهب الموت، لأنه يعرف أن من يموت شهيدا يضمن مكانا في الجنة.

       المقاتل المصري صلب جدا ذكي جدا، متفهم جدا. يحارب بالليل بالنهار، حرا وبردا، سواء تواجدت معه إمكانيات الإعاشة أو لم تتواجد.

، سواء أكل أو لم يأكل، المهم عنده توفر الماء والسلاح بعدها يحارب بعزيمة ومقدرة واقتناع بسبب روحه المعنوية العالية. والروح المعنوية النابعة عن القناعة الذاتية بحتمية الحرب، ضرورية جدا لاستمرارها، لأنها إذا انخفضت أو انعدمت أى ذلك بكل تأكيد الى هزيمة أكيدة مؤكدة.

       لهذا السبب وطبعا بالاضافة الى العديد من الأسباب عندما ضاع اليقين وغاب الاقناع بضرورة الاستمرار في حرب “غامضة” غير مفهومة الهدف غير متكافئة القوات غير مضمونة المصير جاء “لجوء” المقاتل العراقي الى الطرف الآخر!! فما حدث لا يسمى “استسلاما” ، لا .. وانما هو “التجاء” الى الطرف الآخر .

 لعلنا بذلك عن عدم اقتناعه بجدوى تلك المهزلة العسكرية المسرحية، لأنه حتما أى الجندى العراقي كان عاجزا عن اعلان ما بداخله من اعتراض.

       لذلك جاء هذا “اللجوء الجماعي” المثير للنظر الملفت للانتباه اعلانا عمليا ، ضخما كبيرا، ضد قيادة الطاغية الطامعة في ممتلكات الغير، وأفكاره التوسعية الطامحة في التمدد والانتشار!

       وكما هي عادة الشعب المصرى خفيف الدم الروح خفيف الظل والذي لا يفلت أى مناسبة كانت دون أن ينكت عليها جاءت هذه النكتة من الجبهة وهأنا أقولها لكم الآن، وكما سمعتها ، بنفس اللهجة العامية الظريفة اللطيفة.

 

       في الحرب لاحظ صحافي أن الجنود المصريين يضعون على صدورهم شارة مكتوبا عليها (U.S.A.) ، فسأل المسؤولين: أنتم عندكم جنود أمريكان من أصل مصرى؟ فقالوا : لا الأمريكان هنا أمريكان أمريكان .. ما فيمش نفظة دم عربي واحدة.

***

       رجع الصحافي في يسأل: طيب.. عندكم جنود أمريكان بيتكلموا عربي بلهجة مصرية؟ فقالوا: لا الجنود الأمريكان هنا خواجات خوجات.. ميعرفوش ينطقوا ولا كلمة عربي واحدة فراح للجنود المصريين وسألهم: ايه الحكاية يا جماعة؟ ايه معني شارة (U.S.A.) اللي أنتم حاطينها علي صدركم دي؟

       فردوا ضاحكين: ايه يعني ؟ هم الأمركان أجدع منا ولا ايه؟ مفيش حد أحسن من حد.

معناها .. يوسف صبري أبو طالب!

هاه.. هاه.. هاه.

حلوه .. مش كده؟!


صدام .. غول الأطفــال!

       الطفل .. ذلك الكائن البديع الوديع، الغالي الحبيب، لا نحتمل ولا نطيق أن نرى الدمع في عينيه، فما بالك لو كان الحزن والضيق والقلق باديا واضحا عليه؟ أظنه شعورا عنيفا قاسيا فوق طاقة كل أم، وقدرة كل اب.. فالطفل، عادة، انسان صغير ضعيف رقيق، سريع التأثر لما يحدث حوله، شديد الانفعال العاطفي لما يحيط به من أحداث.

       أننى أذكر جيدا، كم كان قاسيا وعنيفا ومؤثرا منظر الدمع وهو ينهمر من عيون أطفال الكويت. آه كم كان مرهقا مرأى الحزن في عيون الصغار.. آه ياقلبي.. كم عانيت من عذاب ، وكم تحملت من أحزان لا تقل أبدا عن تلك التي رأيت ونظرت في عيون اطفال الكويت الأحباء. نعم.. فكم كان مؤلما أن الحزن لم يأت وحده، بل كان مصحوبا بيء آخر .. هو الخوف والقلق! ذاك القلق الذي أصاب الطفل الكويتى طوال أشهر الأزمة، والذي كان ناتجا عن شعوره بعدم الأمان، بعد أن رأى وطنه وأهله يواجهون عدوا بشعا، ظل يفتك بهنائهم واستقرارهم أياما وليالي طوالا… طوالا.

       في هذه اللحظات التعسات، قاسي الطفل الكويتى من الخوف. شعر بأنه يواجه عدوا فظيعا هائلا، لا يستطيع الدفاع عن نفسه أمامه، ولا يستطيع رد شروره وآثامه.. فاعتقدوا أن الحياة شرسة وخطرة، وأيقن أن الناس كلهم عدوانيون، شرسون، شريرون.

       ومع الوقت ، تمدد الحدث، تضخم الخطب، ومن ثم بدأ ينتشر القلق ليشمل معظم أطفال العالم، خاصة هؤلاء الصغار الذين يشارك ذووهم في تلك الحرب، والذين صار الكل يحيطهم بالعناية والرعاية، حرصا على التخفيف عنهم وخوفا من أن يتأصل القلق في أعماق نفوسهم، فيؤذيهم، ويفتك بهم، ويفقدهم القدرة على التكيف مع الحياة. ويستمر هؤلاء الصغار في تعليق “الربطة الصفراء” على صدورهم، وهم عبارة عن شريط أصفر صغير يعقد على شكل فيونكة، ويشبك على الملابس اشارة، أو رمزا ، الى أن فردا من أسرة هذا الطفل يشارك في حرب تحرير الكويت.

       ويهب العالم واقفا، باحثا، دارسا أحسن الوسائل وأسرع السبل التي تخفف عن هؤلاء الأطفال ذلك الشعور بالقلق والخوف والجزع على ذويهم فتنعقد الندوات العلمية والدراسية التخصصية لمكافحة هذا الشعور الخطير على الطفل الصغير ، قبل أن يحطم ويدمر أعصابه.

       وبديهي ان الأطفال عادة أكثر استسلاما للقلق من سواهم ، أيضا ، كما هو معروف أن للوسط العائلي أهمية كبرى ، فهو قادر على أن يكثف الشعور بالقلق ، كما هو قادر كذلك على التخفيف منه، بل وحتي القضاء عليه.

       وكما قلت، نشط الجميع في دول العالم التي شاركت في حرب تحرير الكويت، وسعوا الى التقليل من حدة هذا الشعور بالقلق، والاستماتة من أجل ايقاف آثاره الضارة المدمرة على نفسية الأطفال الصغار. والظاهر أن العلامة الكبير ، والمفكر الخطير، صدام حسين الشهير، “فهم” أهمية هذا القلق، وقرر أن يستغله وينميه، بل وأن يزيد تأثيره حدة وضراوة وخطورة، فوعد بأن يصدر “هدية ما” ، غامضة جدا، إلي .. أطفال مصر!       

       وهنا .. بدأت قصة أخرى أثارت في نفسي دهشة بالغة لا حدود لها، عندما جاءت ابنتي الحبيبة الصغيرة “خمس سنوات” والتى تذهب الى الحضائنة ، وقالت لى ذات يوم وهي ترتجف من الرعب: ماما .. قالوا في المدرسة صدام حسين حيموت الأطفال ويرمي عليهم قنبلة.

       لم أصدق سمعي .. أصبت بذهول طاغ عنيف، وهمست في أذانها وأنا أحضنها، وآضمها بكل حناني وحبي: متخافيش ياحبيبتي .. ماتخافيش.

       بعدها عرفت أن الصدام الهدام، أبا المهالك وابا المزاعم، كان حريصا على تخويف أطفال مصر، وكأنه الغول توأم أمنا الغولة التى تخطف الأطفال وتفترسهم ! فهو أيضا قد اختطف احساسهم بالأمان، وافترس شعورهم بالأمن والاستقرار! فقد ظل الأطفال في مصر، فترة طويلة خائفين، ومعهم طفلتي الصغيرة، من قنابل صدام!!

       ولأن الطفل لا يستطيع أن يدرك الفرق بين ما هو حقيقي ، وما هو غير حقيقي ، وهو غير قادر على ان يوجد لنفسه وسيلة للدفاع الذاتي، لذلك يبحث عنه خارج كيانه، ينشده عند والديه. لهذا جائتني صغيرتي خائفة ذات مساء أثناء الأزمة ، خائفة ذات مساء أثناء الأزمة، وجلست في حجرى ، وقالت راجية : ماما .. أنا عاوزة أروح مدرستي الثانية .. اللي في الكويت.

       فقلت لها مفسرة: مدرستك ياحبيبتي أخدها صدام حسين. فسكتت لحظة، وسألت في دهشة وبراءة: ياه.. شالها إزاى ياماما .. دي ثقيلة قوى !!

       ضحكت، ضممتها الى صدرى بحب الدنيا كله، وغمرتها بقبلات لا عدد لها، واخذت اطمئنها بأن لا خوف عليها من الذهاب الى مدرستها هذه في القاهرة، وأن “مفيش قنابل ولا حاجة”.

       بصراحة.. حاولت كل جهدى أن أخفي قلقي عنها، فقد زادت في وقت ما مخاوفي، إثر شائعات كثيفة كثيرة انتشرت تردد جميعها أن هناك كارثة ما تهدد أطفال مصر، وأن من

***


هذا الأسير.. الرضيــع!

       ذات يوم قريب من تلك اليام الثقيلة، الكئيبة، المحبطة، صحوت من نومي متعبة مرهقة، فجلست في قلب مقعد كبير دون حراك ، بحثا عن جزء من الراحة ، وأملا في أن استرد بعضا من نشاط، وقدرا من همتي.

       وبعد قليل من الوقت، وكثير من الهدوء والراحة والصمت ، طلبت الصحف للاطلاع على آخر الأخبار ، متمنية لو أن اليم يكون أفضل من سابقه، راجية أن تأتي الأخبار بموضوع مفرح ، يخفف من هذا الضيق والعناء الذي ظل في القلب زمنا طويلا.

       بدأت أطالع ماشنيتات الصحف بعيون واعية، ومشاعر راجية، وأخذت أجول بين كلماتها واتحرك بين عباراتها باحثة عن بعض أنباء مفرحة ، تبدد بعض ما عند من مشاعر ضيق وعناء.ولكن ، اذ بعيوني تتوقف ملتاعة ، تنظر صور أطفال اختطفتهم القوات العراقية ضمن ستين طفلا كويتيا.. !!

       اقرأ. أتابع بقية الخبر.. فأصبني ذهول وهذيان. لم أصدق ما أقرأ.. ! أرجع اقرأ بقلب ينبض غيظا، ونفسي ترجف قهرا، وبدن يرتج من شدة الانفعال لقسوة الخبر الذي يعلن: أصغر أسير كويتي طفل مولود لا يزيد عمره عن هرين، انتزعه الجنود العراقيون من حضن أمه تحت تهديد السلاح، ونقلوه مع الأسري إلي العراق ولا يعرف أحد مصيره حتي اليوم!

       حتى اليوم؟ ومن قال لكم طفلا رضيعا صغيرا الى هذا الحد يستطيع أن “يصمد” حتى اليوم ؟ أى يوم نشر هذا الخبر الأسود المؤسف!

آه .. يا للحزن.. يا للأسف.. يا للعار!!

       طفل رضيع لا يزيد عمره عن شهرين ينتزع بالقوة من حضن أمه. ويؤخذ أسيرا؟ أى فعل هذا؟ أى سلوك همجي وحي بربرى لا إنساني؟ وأى قانون حرب الذي يبيح تصرفا حقيرا كهذا؟

       آه .. كيف استطيع أن أتخيل منظر أم هذا الطفل وهي تحتضن طفلها حبيبها ، وتبكي وتصرخ وتشتغيث، ضارعة أن يرحموا صغيرها، ويقدروا أمومتها، والا يسلبوها فلذة كبدها؟

       وبكل اسف.. لم يهب لنجدتها ضمير بشر يرعي الله في امومتها الجريحة الحزينة املتاعة، يعطف قلبه لمصير طفلها المحتم اذا أخذ منها وعومل “أسير حرب”.

***

       يا للحزن .. يا للحزن .. ألهذا الحد يصل الاستهتار بإنسانيتنا وآدميتنا؟ ألهذا الحد المخجل نتعامل، نحن العرب ، المسلمين الأشقاء، مع بعضنا بأسلوب مريض متجرد من العاطفة والعور؟ أيمكن أن يصبح الإنسان جمادا جامدا في لحظة؟! أمكن أن يتحجر القلب فيقسو إلى هذا الحد المذهل ، ويتجاهل معاني الرحمة والمروءة والهامة والرجولة إلى هذا الحد المخجل؟!

       لا .. ليس رجلا هذا الذى انتزع ذاك الرضيع الضعيف من حضن أمه العاجزة عن حمايته.. مستحيل أن يكون هذا الكائن البغيض المجهول رجلا.. لا .. فالرجولة قوة، انسانية، بذل عطاء ، ومستحيل أن تتدني صفاتها النبيلة السامية حتى تصل هذا الحد المزرى، وتهبط الى هذا المستوى بارتكاب هذا الفعل المخجل الذي لا يستطيع أن يأتيه انسان سوى، عاقل، راشد .. مهما كانت الأعذار.

       أرجوكم .. لا تقولوا لى هذه هي الحرب ، وهذا هو الميدان ، وهذه هي الأوامر العسكرية الواجب اطاعتها وتنفيذها بحرفية، والا تعرض مخالفوها للإعدام!!

       أنا عن نفسي ، أتصور أن هناك قدرا من التوحش والهبوط والتدني الذي يجعل مرتكب هذا الفعل الفاضح القبيح لا يشعر بفداحة ما يفعل ، ولا نذالة وسفالة ما يرتكب!

       نعم .. لابد وأن لديه استعدادا شخصيا كامنا في أعماق نفسه ، يجعله يمارس هذا الفعل الحقير القبيح بتبلد وتجمد ولا مبالاة. فمهما كانت أساليب الحرب، ومهما كانت نوعية الأوامر العسكرية ، فحتما يوجد عذر أو مبرر ما أو مخرج ما، يمكن على الأقل أن يستثني هذا الرضيع المسكين عند تنفيذ تلك الأوامر العبيطة السخيفة اللا إنسانية!

       آه .. يا للقرف .. يا للاشمئزاز .. يا للعار!! ا لحقارة هؤلاء الأشاوس المغاوير وهم ينفذون تعليمات المهين الركن الهدام الصدام، فيخططون لخطف الأطفال، حتى الرضع منهم ، ويسيئون معاملتهم .. أكدت ذلك لجنة تقصي الحقائق للصليب الأحمر الدولي التي استقبلت بعضا منهم وإعادتهم الى أهاليهم .. أكدت أن هؤلاء الأطفال الأسري قد تلقوا أسوأ معاملة صحية وغذائية على أيدي زبانية صدام حسين!!

       هؤلاء المشردون الضالون الذين تحولوا من جند إلى قطاع طرق وأفراد عصابات ترتزق من اختطاف الأطفال من الشوارع، طوال مدة احتلال الكويت ، ثم يبدأوا يساومون أهاليهم لأخذ “الفدية” المالية الكبيرة مقابل الإفراج عنهم دون أدني نظر أو اعتبار لما يمكن أن يصيبهم من أضرار تؤثر في نفوسهم مدي الحياة.

       بالضبط شغل عصابات تحترف الإجرام وترتزق منه وتعيش عليه. لا جدال في هذه النقطة أبدا ، فالفرق واضح ، والفعل فاضح ، والحزن ناضح ، والغدر ، مهما كان، مرفوض، بل يجب أن يكون غير موجود من الأساس.

***

       آه .. يالهؤلاء المتوحشين الجهلاء .. أنهم بكل يقين وتأكيد لا يدركون أن احساس الطفل بأمه احساس قوي وثيق، وانها لو تأخرت عن ارضاعه يظل يصرخ ويبكي ، وقد لا ينام حتي يعود اليها. بل ويظل في حالة توتر وقلق طول الوقت وهو بعيد عنها. ويبقي حزينا مقهورا يفتقد وجودها، يعاني بسبب حرمانه منها، واحتياجه اليها، ويظل باكيا يبحث عن رائحتها ولمسة جسدها متلهفا الى النهل من حنانها وحبها.

       قد يتصور هؤلاء الحمقي الجهلاء أن هذا الصغير الرضيع لا يفهم شيئا حوله، لكنهم للأسف لا يدركون أنه يخاف ويحزن ، ويقلق ويتوتر ، ليس وعمره شهران فقط، بل حتى وهو جنين في بطن أمه مازال!

       اذن هذا الرضيع الأسير، الذي تعرض لماعر الخوف الشديد، والحزن الشديد، والقلق الشديد بعد حرمانه من حضن أمه الدافيء الآمن وخطفه بالقوة من بين يديها ، لابد وأن احساسه بالحرمان من أمه قد تعمق وزاد ، ودة احتياجه الى أمه قد تأكدت وازدات ونمت، وان استمرار هذا الشعور المؤلم المحبط قد يؤدى بحياته!

       فماذا استفاد أعوان صدام من ممارسة هذا الفعل الرخيص الحقير ؟! وأى مبرر لهم قد رفضا تاما، وغير قابل للنقاش ولا التفسير ، أو التعليل!!

***


أين تشرق شمس الشموس؟

       يطل الفجر، يأتي النهار ، تشرق الشمس نتيجة دوران الرض حول محورها مرة كل 24 ساعة. فاثناء الدوران يصبح جزء من سطح الأرض مواجها للشمس ويطلق عليه الليل.

       تحليل واضح يعتمده علم الجغرافيا. ذلك العلم الوحيد الذي يدرس البيئة والانسان وعلاقة كل منهما بالاخر.

       لكن لا ليست هذه هي الشمس التي أقصد ، فأنا لا أتحدث هنا عن الشمس ذلك النجم الكبر في المجموعة الشمسية ، والتى تبعد عن الأرض بمقدار 93 ميل. لا، وإنما أتحدث عن شمس أخرى ، شمس جميلة ، حانية ، شمس معنوية غير مرئية . قريبة جدا من سطح الأرض فهي تلتصق بالقلب، تشرق في الصدر ، فتضيء الليل في عز الظلام!

       انها شمس الشموس. شمس الحرية والتحرير والهوية والانتماء ، شمس الأرض والوطنية والاستقرار والبقاء.

       نعم فبالرغم من الظلام، بالرغم من صعوبة الرؤية، بالرغم من عدم وضوح ضوء النهار.. إلا أن الكل الآن فوق أرض الكويت يحس الشمس ترق من جديد في قلبه تضيء بنورها الوهاج أعماق ذاته، فينطلق شعاعها البراق يضيء طريق حياته.

       حمدا لله ها هي شمس الشموس تشرق. تشارك الجميع بهجة العودة ، تبارك الجميع بسلامة رجوع الأرض ، والعودة الى الوطن.

       كان هذا هو الانطباع السائد الذ تسلل داخلي هادئا، عميقا، نافذا دون حواجز تعترض أو موانع تعوق.

       في الواقع لم يأت هذا الاحساس من عدم وانما نبع من تلقاء نفسه عندما قابلت هؤلاء الشباب الكويتين الذين عبروا لي بصدق عن شعورهم ازاء حريق النفط وانتشار سحب الدخان السوداء التى تحجب طبقاتها ضوء الشمس فتخلط ظلماتها بين الليل والنهار.

 

                  ناصر الرندى .. موظف في شركة البترول الوطنية

 

***

 

احتراق النفط إن أجلا أو عاجلا سينتهي، وسينطفئ. وهذا شيء عادى ما يهمنا، وما يؤثر فينا بدرجة كبيرة فإنسان بلا بلد كانسان بلا بيت.

       ونحن آباؤنا وأجدادنا عاشوا على الخبز والماء، وعيشة البحر كانت أصعب بكثير من حياتنا، وما اشتكوا، بالعكس هم يقولون لنا أن عيتهم كانت أحسن من الحين ، الخير كان كثيرا، والمطر والرخاء ، والمؤدة والمحبة ولم الشمل .. كل هذا كان موجودا. الحين للاسف الانسان تغير، ولكن ان شاء الله عقب الأزمة هذه راح يصير الشعب الكويتي كله كأنه يعي في بيت واحد، وراح يرجع يحس نفس الاحساس بالترابط والتآلف اللى كانوا عايشين فيه أهلنا بالأول.

 

أحمد الشريدة. موظف بشركة المطاحن الكويتية 

 

       مهما كان حريق البترول له نتائج وله اثر نفسي ، الا أنه بالعكس أعطي دافعا كبيرا للكويتى كى يعطى من نفسه أكثر ، ويتحمل أكثر ، وان يزداد قوة وصبرا وصلابة.

       الصراحة خسارة الأرواح هي الخسارة الوحيدة التى تعوض ، وهي أغلي بكثير من الخسائر المادية، فالفلوس ماتهم بقدر ما يهمنا رجوع ديرتنا وشخصيتنا وهويتنا.. فانسان بلا وطن وبلا جنسية انسان لا قيمة له بين الناس.

       ونحن في هذا الوقت بعد روجع الكويت ما نفكر في النفط فكل هذا ماله قيمة بقدر فرحتنا برجوع ديرتنا.

       ينتهي تعليق أحمد وقبلة ناصر حول موضوع احتراق النفط وفي نفس الوقت أكون قد سمعت رأى مؤيد وجمال.

       فأحمد لله لم يفقد أبناء الكويت حتى هؤلاء العائدون الآن من تحت تلك السحب السوداء، سكينتهم، كما لم يفقدوا هدوء الوجه والهيئة، وعمق الصوت، وتركيز الفكر، وضبط النفس أثناء الحوار.

 

                                       جمال المنيع. موظف بالبنك المركزى

***

 

       عندنا الاستثمارات قوية والحمد لله، والبترول يتعوض وينطفيء فهو ماراح يشتعل مدى الحياة. وما راح نقول مافي بترول يعنى لابد ينصلح ولابد أن تنطفيء هذه النيران.

       وإن شاء الله ترجع الحياة لطبيعتها بعد تكاتف الكويتيين وسوف نبنيها من أول وجديد نحن بأنفسنا وبأيدينا ويد الله مع الجميع.

 

مؤيد الدليمي. طالب جامعي

***

 

أنا كلامي كثير وما أعتقد أن هذا المجال يسمح ينشر كل ما عندي. فأنا عشت الأزمة من بدايته في الكويت، وشهدت كل شيء حتى لحظة التحرر ورجوع الكويت.

       وأنا الحين أقولها. اهم شيء رجعت ديرتي. واحنا ضحينا بالغالي والنفيس كله فداء الوطن، ومايهم قيمة النفط المحترق أو المعاناة التى يعيشها الناس بسبب الدخان الذى لا يجعل فرق بين الساعة عرة الصبح وعشرة بالليل.. كله ظلام في ظلام.

       وحتى لما كنا نعيش في هذا الظلام بدون ماء ولا كهرباء كنا فرحانين برجوع ديرتنا، فهي أهم من النفط هذا. حتي في ناس عندهم أهل ماتوا واسري ما همهم شيء قدر ما همهم أن الكويت راجعة.

       وأنا كنت هناك وسمعت ضرب النار وصوت القذف في المنطقة اللي كنا عايشين بها، وأنا طول حياتي ماراح أنسي لحظة دخول قوات التحالف عندنا.

       وانا لا أنسي أن أول قوات شتها في منطقتنا كانت قوات سعودية وأول ما شفناها خلاص فرحنا ، وصدقنا أن الكويت تحررت.

***
بعـــاد بـلا عنــاد!

       أتابع بقلب قلبي أخبار اطلاق سراح المواطنيين الكويتيين من الاسر ، وكم كان فرحي عظيما وأنا أطالع هذا الخبر الحلو الذي يعلن الافراج عن عدد منهم، كما يعلن متابعة حكومة الكويت الجديدة لعملية الافراج عن بقية الاسري قريبا.

       أتنهد في ارتياح ، أسبل عينى ، أرخي أعصابي ، انزل الصحيفة من يدى ، أتحسس قلبي ، أتخيل لحظات هذا اللقاء، أتصور كيف يلتقي الغائب بالاحباب.. بعد طول غياب!!

       آه .. ماذا يمكن أن يحدث في تلك اللحظات؟

       كيف يحتضن الابن أمه؟ كيف يعانق الزوج زوجه؟

       كيف حتوى الاب أبناءه؟ وكيف يضم الأخ أشقاءه؟

       كيف .. وكيف .. وكيف . وكيف؟

       لا .. ليس بهذه السهولة تخيل ما يمكن أن يحدث في تلك اللحظات التى تساوى في قيمتها وعمقها .. العمر كله.

       نعم .. ليس في الامكان أبدا تخيل ما يمكن أن يحدث فى تلك اللحظات . فعلا.. وجدت أنه من الصعب جدا أن يتصور أحد، مهما كان واسع الخيال، نافذ الاحساس، كيف تأتي لحظات ذاك اللقاء

       كيف تجيش المشاعر.. كيف تثور الذكرى .. كيف يصرخ الصمت .. كيف تضحك العيون. دامعة. بعد طول بكاء.. كيف تنطلق نظراتها نحو الأمل أثر طول خوف وعناء، كيف تكون الخطوات واجفة والانفاس لاهثة، والاطراف راجفة..آه.. كيف يخفق القلب.. كيف تحنو الروح.. كيف يصطخب الوجدان؟

       لحظات عاصفات عاتبات هي لاشك ، تجنح فيها الا انفعالات ، تجمح فيها المواقف، خاصة اذا كان هناك الحبيب الغائب محفوفا بالمخاطر، مهددا بالمكاره، محاطا بافظع الظنون وابع التصورات. لهذا يكون الانتظار طويلا ، طاحنا ، قاتلا، انتظارا ساحقا يجعل الدنيا جحيما مقيما قائما، لا فكاك منه، ولا نجاة ، ولا خلاص، الا بعودة الغائب ولم شمل الأحباب.

       لكن .. يبقي هنا موقف انفعالي لا خلاص منه، ولا فكاك ، موقف نتج عن “ترسب” احساس معين ظل يتراكم طوال فترة الانتظار الحارق المرهق القاسي المرير.

***

هذا الاحساس الخليط من الضيق والتوتر، والاسي والالم، الذي تأكد خلال فترة الانتظار، منذ اختفاء الغائب وحتى لحظة ايابه، لا يملك المرء في لحظة واحدة أن يتخلص منه في الحال.

       لانه يبق في القلب كامنا حتى لحظة اللقاء المرتقب الذى اشتد اليه وقه ، وامتد اليه امله .. والمه .. واحلامه .. وكل مناه.

       نعم .. دون قصد أو تعمد ينهض المرء فجأة للقاء هذا الحبب الغائب ، وهو اشبه ما يكون حطاما. وما اشق ما يكون انسانا يعاني، لم يزل ، قساوة الاسي والعذاب ، وضراوة الام ، واحزان الفراق!

       هذا قطعا ليس تناقضا غريبا أو تصرفا عجيبا ، انما هو رد فعل طبيعي تحتمه طبيعة الموقف العميق عند لقاء الغائب الحبيب ، الذي يلتقي فيه الجميع في نفس الوقت، و .. لحظات الانتظار العنيفة القاسية التى تسبت وتراكمت ، وترسخت خلال فترات الانتظار البغيضة الممضة الماضية.

 

       آه.. حقا يقول الشاعر:

سلام على غائب عن عيوني

              حملت حطامي الى داره

وقلت لقلبي تمهل بنـــــا

              وخبيء شقاءك أو داره

تناس الاسي ها هنا أو يقـال

              حملت الظلام لانواره..

اتغدوا الى عتبات النعيـــم

              بلفح الجحيم واعصاره..

***

       ايضا .. عن البعاد والتنائي ، والغياب والتلاقي، فالشيء ، كما يقولون ، بالشيء يذكر، يطل في خاطرى بعاد من نوع آخر، فراق من صنف مختلف، أنه ذال البعادج الناتج عن العناد.. عناد من نحب .. فقد ينبت التناقض أحيانا بين المشاعر ، ويبدأ الصراع العاطفي والاختلاف الفكرى ، فتنفجر كوامن الغضب ، مما يؤدى الى الهجر والفراق .. والبعاد!

       لماذا ؟ لأن الكلمة التى تخرج من الفم مستحيل أن تعود .. لذلك تصبح المسألة هنا مسئولية اختيار الكلمة المناسبة التى تقال ساعة الغضب والحنق والثورة والانفعال.

***

       فمع الاسف ، قد ينفعل البعض الى الحد الذي يفقد فيه سيطرته على نفسه ، فيتفوه بكلمات جارحة تؤذى العور ، وتسبب جرحا اليما للنفس ليس سهلا أن يمحي أو أن يزول.

       العجيب ، أنه رغم وجود الحب نابضا في قلوب الغاضبين المتخاصمين ، الا أن التذرع بالكبرياء قد يظل حائلا مانعا دون اتمام هذا الصلح المرتقب، الذى تتوق اليه القلوب وتنتظر بوادره بفارغ الصبر.

       و.. بمجرد أن يبدأ طرف ما في التلميح ببعض هذا الحب الذى كان ، أو مازال ، حتى نجد الطرف الثاني قد فهم المغزى والمعنى والمراد ، وانطلق نحو ريك حياته راكضا لا يلوى على شيء كأنه في سباق الماراثون مثلا!

       لكن .. قد كتفي معظمنا باخفاء حقيقة احساسه، فلا يفصح عن أفكاره ويكبت مشاعره وهنا لا تتم مواجهة الموقف مواجهة سليمة أو حكيمة، وهذا يعد فعلا قلب الضعف وعين الخطأ. نوبح بما يضايقنا كي لا نكرر اخطاءنا ، تلك التي نترك تقديرها وتبريرها لذكاء الطرف الاخر، الذي ربما يكون قليل الخبرة.. محدود الذكاء.

       اليكم ما تبوح به هذه البيات:

       فجر أطل على بالأشواق

                                  والقلب يحفزنى ليوم تلاقي

       فطرت ثقل السهد لأثقل الكرى

                                  قلبي بوثبته يسابق ساقي

       عيناى أم قلبي أم القدم التى

                                  حثت خطاها في مجال سباقي

       هذا قليل قد شرحت دفينه

                                  وعلى ذكائك انت فهم الباقي

       آه .. أليس من الأفضل اذن أن نأخذ جانب الحيطة، وأن نكون على حذر حتى لا نسيء التقدير ونظن “خطأ” أن المحبوب عميق الفهم واسع الذكاء ، في حين قد يكون لا سمح الله بطيء الفهم .. عديم الذكاء.


الحب .. يصنع التاريخ !

       قرأت مقال “الحب بعد حرب الخليج” للزميل الأستاذ عبد الله باجبير، حياه الله، وهنا توقفت عينى بلا حراك مكانها ، تسمرت فوق الأسطر، تحجرت بين الكلمات، رفضت بشدة أن تغادر موقعها، وهي تنقل شاخصة محملقة صورة هذه العبارة الرائعة إلى عقلي.

       والحب بعد ذلك كله كلمة نستخدمها كثيرا ونفهمها، وهي كلمة صغيرة الحجم، ولكنها تحتوى العالم.

       تعمقت في المعني، فكرت به أيضا.. فكرت أن أكتب في موضوع آخر بعيدا عن فكرة فهم الحب هذه، لكنني لم أستطع. حاولت فعلا أن أتجنب الخوض في موضوع رقيق دقيق حساس كهذا، الا أننى وجدت قلبي يتجه لا شعوريا الى الخفق له، ورأيت قلمي ينتحي تلقائا للتعبير عنه.

       بعدها ، تبعتها، انطلاقا من قناعة حرية القول والفكر والرأى، فهذه هي بديهيات الصحافة الحرة، وهذا هو تعليقي .. وتلك هي قناعتي.

       الحب .. حقا كلمة نستخدمها كثيرا ونفهمها قليلا. لكن .. ما هو الحب أولا حتى نستطيع ان نفهمه ثانيا؟ ما هو تأثيره علينا وكيف تدخل ويتصرف في أدق أمور حياتنا ؟ بل كيف يحرك حاضرنا، ومستقبلنا؟ وكيف يصنع تاريخنا؟

       الحب.. كما يعرفه علماء النفس والأطباء النفسيون، وعلماء الاجتماع وعلماء الأجناس والتربويون، وذلك من خلال عدد لا حصر له من الأبحاث والدراسات، والتحليلات، والاحصاءات، والنظرات.. الحب هو استجابة تعليمية، وعاطفة انفعالية تتعلم.

       نعم .. هم قولون مؤكدين أن الانسان يستطيع أن “يتعلم” ، وأن يفهم “ويعرف” كيف يحب، وإن هذا أمر مرتبط مبارة بقابليته للتعلم من هؤلاء الناس المقيمين في بيئته، المخالطين له، والذين سيعلمونه العديد من انماط الثقافة ، وأنواع المعرفة.

       اذن.. اذا كنا نحن قادرين فعلا على “تعلم” الحب ، كما نحن قادرون على تعلم أى خبرات ومهارات أخرى، لابد أن نعرف أولا ما هو الحب؟ لماذا ؟ حتى نستطيع أن نفهمه، ونتعلمه.

***

       الحب .. تأثير في كائن، وتأثر بكائن، ارسال منك، واستقبال عندك.. لكن، للأسف ، بعض الناس لا يذهب مفهومهم عن الحب عادة أبعد ولا أعمق من المفهوم الخاطئ الشائع، الذي لا يخرج عن معنى الجنس والجاذبية، والحاجة والأمن ، والخيال والأمان، والرعاية والاهتمام.       

الحب .. صحيح يمل كل هذه المعاني مجتمعة ، في الوقت نفسه يتجاوز تماما ، بل ويختلف عنها كلية.

الحب. ثبت أن الناس لا يتناشقون ماهتيه، ولا يعرفون مضمونه، ولا يفكرون في ذلك، لأن ماهيته انسان يعيش الحب بطريقته الخاصة، ويظل حبيس اطاره المحدود. غير مكترث بأن تقوقعه فيه، وتوحده داخل نفسه، وعزلته بعيدا عن المجتمع ، والاستغراق في الاحلام والآمال، وما تسببه له تلك التصرفات من اضطراب نفسي وفشل عاطفي، راجع الى نقص معرفته عن الحب!

حقيقة. نحن أغلنا لم نتعلم ابدا كيف نحب. نحن في الواقع نلهو بالحب ، نعبث به، نتعامل معه، كأنه لعبة الرابح والخاسر.. والشاطر اللي يكسب !! للأسف الشديد.

والآن فكروا معي أرجوكم. الأ تجدون أحيانا كثيرين يموتون من الوحدة ، يشعرون بالقلق ، يقاسون الخواء الداخلي يعانون الفراغ العاطفي، رغم ما يبدو عليهم من ارتباطات إنسانية كثيرة وعلاقات اجتماعية عديدة!

مع ذلك، ورغم ذلك، يظلمون يبحثون داخلهم وحولهم عن شيء ما يفتقدونه ، شيء خيالي يجسدونه في مخيلتهم ويسغون عليه الصفات الحلوة التى تعجبهم وتثير عواطفهم واحلامه وخيالهم. في هؤلاء يقول الاعر:

وحيد غير انى في زحام

من الأماني تترى والرجاء

وطيف عبقر في خيالي

وحيد الذات مختلف الرواء

هؤلاء الوحيدون، المنعزلون، حتما لا يعرفون أن لكل انسان طاقة مختزنة للحب. هذه الطاقة لا تنشط أبدا، ولا تحقق أثرها الا بالعمل وبذل الجهد.. هذا ليس معناها العذاب والضنا والبكاء والالم.. لا.

الحب.. شيء آخر جميل منعش بهيج، الحب حقيقة يتعلم ، وأفضل تعليم للحب عندما يكون مثيرا للاعجاب والسكينة والفرح ، والتوقد والتوهج والانفعال، والعطاء.

***

       ونحن اذا رجعنا الى خط البداية، عندما يولد الطفل نجده لا يعرف شيئا عن الحب، ولد لا حول له ولا قوة ، يكاد يجهل كل شيء حوله، يعتمد تماما على غيره ، ويكون على استعداد لتلقي كل شيء.

       ومع نمو الطفل تعلم من عالمه المحيط به، ومن الاشخاص المحيطين به، كيف يرتبط بهم ويتعامل معهم ، ومن هنا يبدأون يعلمونه معني الحب!

       وفي هذه المرحلة المبكرة جدا من العمر تبني بالكلمات والعلاقات، والروابط والأفعال ، والمسؤولية، والثقة والفرح والاهتمام.. تبني دعائم الحب. حين ذاك يتعلم الطفل الصغير لغة الحب.

       فهل ترانا نعرف أن الطفولة مرحلة هامة حاسمة في حياة الانسان، وان نتائجها تتداخل وتتشابك لتصنع فعلا تاريخ الانسان؟!

       أعتقد أننا قد بدأنا الآن “نفهم” معنى الحب، لاب قيمة الحب في حياتنا، حاضرنا ، مستقبلنا، تاريخنا!

       فهل نستطيع اذن أن نتعامل مع الحب من منطلق جديد بمفهوم آخر جديد يترفع عن صغائر وغرائز المعنى الحسي، ويتعفف عن الخوض في مثل هذه الترهات والسخافات؟

       ترى.. متى ترانا ندرك أن الانسان الطيب الممتليء “حبا لا حقدا” ، هو الانسان الصادق القادر حقا على البذل والعطاء والتنمية والتضحية، والتعمير لا التدمير ، والتشيد والبناء .. لا الهدم والفناء؟!

***


00 لقاء الحب كله![9]

فرحت… فرحت قوى.. طرت من الفرح وأنا أسمع صوت مدام فوقية مديرة مكتب  “اليقظة” فى القاهرة تسأل عنى وتستفسر عن أخبارى، فهمت على الفور أنها تحمل لى عبر نبراتها بشرى سارة مفرحة. يصدق حدسى، فإذ بها تقول لى أن “اليقظة” ستعود إلى الظهور خلال أسابيع قليلة وأن الأستاذ أحمد كلفها بالإتصال بى وإخطارى بذلك وسؤالى عما  إذا كنت أوافق على الكتابة بها أم لا ؟!

أصرخ فى أنفعال شديد : طبعا موافقة .. يا خير يا مدام فوقية .. معقول أرفض أرجع بيتى ؟! ده يوم المُنى .. ده اليوم اللى أنا بستناه من زمان.

تمضى دقائق قليلة، تعود بعدها مدام فوقية تتصل بى ثانية تؤكد لى تقدير الأستاذ أحمد وامتنانه ورغبته فى الحصول على “المواد” بسرعة نظرا للإستعداد الجارى على قدم وساق لقرب صدور “اليقظة”.

توضح مدام فوقية الصورة أكثر، تحدد طلب ( حكايا حب ) حسب رغبة الأستاذ أحمد   .. حكايا حب؟! آه يا قلبى .. هل تحتمل فرحة  اللقاء بعد كل هذا الشوق؟! هل تقوى على التعبير عن ذاك الحب المكنون طوال ذلك الوقت ؟!

اجيب مدام فوقية مؤكدة أن لقائى مع قراء “اليقظة” سيكون حتما .. لقاء الحب كله!   

وها أنا اكتب الآن وحب الدنيا كله يضج فى صدري، يصطخب فى قلبى، لكننى فى  نفس الوقت لا أستطيع أن اكتب حكاية حب واحدة، فكل ما فى ذهنى فى هذة اللحظة بالذات هو صوت آلات الطباعة، ومنظر تجمع دور الصحف فى الشويخ، وشكل الدائرى الرابع.

آه .. إننى أرى الحين مبنى “اليقظة” الأنيق . أننى .. اننى..

اننى أحاول أن أكنت ما طلب منى لكننى لا أستطيع، فعلا لا استطيع. فكايا حب       تتكلم عن مشاكل حصلت بين شباب وفتيات بسبب الحب، لكننى بعد أن سمعت هذا الكلام من الأخت فوقية ظهرت امامى مشكلة وحيدة ظلت تحتل وجدانى وتسيطر على كيانى ..!

مشكلتى .. هى اننى أحب بلدا بالكامل .. باحب الكويت جدا، باحب البنات، باحب  الشباب، باحب البحر، باحب الشمس، باحب الرمل، باحب حتى الحر .. باحب الناس كلهم   باحب كل شبر من الأرض، فكيف اكتب عن مشاكل حب..  وأنا أعانى مشقة التعبير .. عن     كل هذا الحب ؟!

لكن .. اليوم لا توجد مشكلة، فالمطابع تدور، والحبر يلون الورق، والملازم                     تطوى، والحبيبة “اليقظة” تظهر، وينطلق الصوت جميلا باهرا هادرا فى أجواء الشويخ،  انه صوت المطابع الذى تخفق له القلوب وتفرح به النفوس.

اه .. هناك صوت آخر رائع، انه صوت السيارات تجرى وعليها اجمل لوحة معدنية       فى العالم، لوحة بيضاء فاتنة تكحلت بأحرف سمراء ساحرة الكويت – س.ل “الكويت أ. ع” الحمد لله .. الحياة تعود إلى سابق عهدها .. الحمد لله

اننى اتذكر لما كنت فى لندن، فى الصيف الماضى، وكيف فجاة تدمرت حياتى مرة واحدة، فزوجى انقطع الأتصال بة ولم أعد أعلم عنه شيئا، وأولادى أوراق تعليمهم فى مدارسهم فى الكويت ولا نستطيع أن نحصل على نسخ منها وحتى فلوسنا سواء التى كانت فى الكويت أو لندن توقفت، تجمدت، ولم نعد قادرين على أن نسحب منها فلسا .. أو بنسا!

ياربى 00 احسست فى لندن فى ذلك الوقت ان حياتى طارت فجاة فى لحظة، أختفى الشعور بالأمان والإطمئنان، احسست برهبة فظيعة، ومسئولية كبيرة مخيفة مرعبة …!

ثم.. يأتى.. الفرج من عند الله، التحق بالعمل فى مجلة “سيدتى” تلك المجلة السعودية الواسعة الشهرة، الذائعة الصيت، التى يوجد مقرها ومركز ادارتها فى ذلك المبنى الشاهق العملاق الكائن فى وسط لندن.

الحمد لله .. ها أنا أعود إلى نفسى، أتمالك ذاتى، بممارسة العمل الصحفى الذى أحب وأعشق والذى استطيع من خلاله التنفيس عن مشاعرى، فاحس أمانا وهدوءا  ايضا .. من رابع المستحيلات أن انسى موقف الأستاذ عبد الله باجبير رئيس تحرير  “سيدتى” عندما طلب منى فى ذاك الوقت العصيب أن اتصل بالأستاذ أحمد بهبهانى رئيس  تحرير مجلة “اليقظة” وأن أقوم بابلاغة استعداد أسرة تحرير “سيدتى” ورغبتها الاكيدة فى المشاركة فى إعادة اصدار “اليقظة” عن طريق طباعتها فى مطابع المجلة فى جدة بالمملكة العربية السعودية . نعم .. ليس هذا السلوك بمستغرب بين الأخوة الاشقاء.

يجيء رد الأستاذ أحمد بهبهانى شاكرا هذه البادرة الأخوية الطيبة، قائلا أنه يفضل الأنتظار حتى وقت آخر قريب، حين تتضح حقيقة الأمور وتتحرر الكويت. أبقى أتابع عملى فى لندن، حيث المقر الرئيسى لأسرة تحرير “سيدتى” وحيث يكون “الموقع” الصحفى القريب، عاملا ملطفا من وحشة الغربة، مخففا ضراوتها، مقلصا قساوتها.

بعدها .. تتملكنى قناعة أكيدة بأن قرائى الأحباء سيعرفون مكانى الحالى، وسيتابعون عملى حيثما يكون، وسيقرؤن لى أينما كنت، ويصيب توقعى والحمد لله .. احس الاتياحا هائلا وأنا التقى بين فترة وأخرى صديقات وقارئات كويتيات يقلن لى أنهن يتابعن ما أكنت فى   “سيدتى”

آه .. يالتقديرى واعزازى لهؤلاء القارئات الصديقات الحبيبات ، اننى ابدا لا أستطيع أن انسى “مريم” تلك الشابة الكويتية السمراء الحسناء، سوداء الشعر حريرية البشرة عميقة العينين، مستحيل يا مريم ان انسى بسمتك الحلوة الحانية، وصوتك الهادىء الحنون حين بادرتنى بالتحية والكلام فى احد محال الأزياء فى لندن.

أيضا .. لا أنسى ” ابتهال ” تلك الفتاة الكويتية المحجبة، وأمها العجوز المسنة التى سلمت عليها وهنأتها بسلامة “البنية” الشابة وسلامتها و .. سلامة الكويت. وهما أيضا      هنأتانى بسلامتى وتمنيتا لى قرب العودة إلى الكويت .. ودعتهما وصوت الأم الطيبة الرؤوم يسكن أذنى:

  • حمدا لله على السلامة يا بنيتى 000 حمدا لله السلامة يا بنيتى.

آه .. يا قلبى .. آه .. كيف بالله تحملت كل هذه اللحظات المؤثرات؟ اتعرفون ؟!..

سأقول لكم سرا .. اننى منذ عايشت التلفزيون فى تلك الأيام العصيبة اللعينة السوداء، صرت     لا أطيق رؤية شاشته “المصدية” أقصد “الفضة” .. فعلا 00 كرهتها .. عفتها ورحمة بقلبى      “الموجوع” قاطعتها وتركت أمورى كلها على الله فالله خير الحافظين  اننى مازلت أذكر، كأنها بالأمس، أوقات الفرجة على محطات ارسال العالم من واشنطن، إلى موسكو إلى لندن إلى باريس إلى هونج إلى بلاد الماو ماو وجزر الواق واق 00 كنت أقلب المحطات لأسمع كل النشرات، بكل اللغات واللهجات، التى أفهمها والتى لا أفهمها، فقط .. ابحث عن أخبار تبعث الأمل فى نفسى علها تطمئننى بإذاعة نبأ اتوق إلى سماعه 00 نبأ تحرير الكويت.

اه .. كم كانت أعصابى مشدودة وحياتى مهددة منكوبة .. نعم كانت المصيبة كبيرة والنكبة فادحة، ففجاة .. تحولت الإمتيازات إلى مصائب، فطول عمرى كنت حاسة انى انسانة سعيدة، محظوظة، موفقة فى حياتى والحمد لله، وفجأة وجدت نفسى “مقطوعة” فى بلد غريب بعيد، فقير فى المودة، خال من الألفة والترحيب!

هنا فى ايام الغربة الفظيعة العنيفة هذه، التقيت كثيرا من الصديقات الكويتيات ، فى أول الأمر كان الجميع فى حالة صدمة أصابتهم بذهول، لكن، بعدها، اندفعوا كل فى إتجاه فالشباب قفز إلى الطائرات وقفل راجعا إلى السعودية ومنها إلى الكويت للمشاركة فى المقاومة ..

والفتيات شاركن فى العمل الوطنى الإعلامى، وقمن بكل ما يمكن أن يؤدينه خلال اجتماعات دورية كانت هى المحرك وراء الكثير من المواقف والإحداث التى ترفع الروح المعنوية، فمن مشاركة فى المظاهرات، إلى تصميم الشعارات وطبع الملصقات والاعلام وارتداء الفانلة القطن “تى شيرت” وعليها شعار “الكويت حرة”

فعلا.. كان رائعا وعميقا ومؤثرا، منظر أولئك الفتيات الصغيرات وهن يرتدين تلك الفانلات، ويحملن بأيديهن أعلام الكويت، وذلك الشعار المعدنى الذى كان يلمع على صدور الكل وعليه شعار “الكويت حرة” ويتظاهرن ويتجمعن فى أنحاء لندن.

كذلك لا أستطيع أن انسى منظر المرأة الكويتية الزوجة والأم، وهى تنتقل بكامل حجابها بين المتاجر والمحلات تشترى أغراضها وتتعامل بلغة انجليزية تقضى بها مصالحها  وتلبى احتياجاتها.

أيضا الرجل الكويت، ذاك الاقتصادى النابه المشهور بصددق الحس المالى والمعروف بنجاحه فى إدارة المشاريع، وكبرى شركات الاستثمار، بذكاء فطرى نادر، وموهبة فائقة بارزة، ها هو يتجه الى العمل فى إدارة الأعمال وعقد الصفقات والعمل فى مجالات العقارات .. رغم تجمد الأموال فى البنوك!

يا إلهى.. كم هو قادر على تجاوز الصعاب ذلك الشعب الكويتى؟! حقا إنه شعب يستحق التقدير والإعجاب، فتلك المحنة التى ترتج لها الجبال لم تحن ظهره، ولم تتقل كاهله ولم توقف كفاحه أو تعوق تقدمه ..  !

وكان مرأى الأمير، الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح عبر وسائل الاعلام باعثا على الشعور بالأمان والأطمئنان، والثقة والتأكيد بعودة الكويت إلى الكويتيين ورجوع الكويتيون  إلى الكويت.

حمدا لله .. عادت الكويت ورجع أهل الكويت، ورجع إيقاع الحياة اليومية، وعاد الأطفال إلى المدارس، وسوف يتشاجرون فى الفناء مرة أخرى، وسوف ترتفع أصواتهن عندما يخرجوا إلى الطريق يلعبون، ويعبثون، وسوف تنتشر رائحة الشواء  فى المطاعم، وسوف تدور اسياخ الشاورما والدجاج بجوار أبوابها وسوف يتلاقى عندها الشباب.

وسوف تتألق شوارع الكويت ودورها ومبانيها وبيوتها، وسوف تشرق دوما بأهلها وناسها ورجالها، وعلى رأسهم أميرها وولى عهدها.. حياهم الله.

واليوم .. بعودة الحياة إلى سابق عهدها وطبيعة أيقاعها، سوف تعود تتلاحم السيارات ببعضها من شدة الزحام فى أوقات الذروة، وسوف يتشاجر الأطفال مرة أخرى، وسوف يقع الشباب فى مشاكل الحب مرة أخرى.

آه .. ما أروع الى الحياة بكل أحداثها، ومشاكلها، وظروفها 0 فعلا 00 ما أروع المحن وعبور الصعاب، فقد التأم جرح أسرتى، والتم الشمل بعودة زوجى الينا سليما  معافيا ، وبنجاح أبنائى فى دراستهم بعد التحاقهم  بالمدارس الإنجليزية فى لندن ، وبرجوع أموالنا الينا كما لم تقص دينارا أو جنيها واحد!

حمدا لله 00 عبرت الأوقات الصعبة ومرت المحنة، وها هى الأيام الجميلة الباسمة تشرق، تضئ من جديد لحظات حياتنا.

وها أنا استعيد كامل قوتى وانطلق نحو الطموح والأمل، مسلحة بالإيمان والتفاؤل والقناعة والعمل.. وحب الناس والذات 00 والحياة.

طبعا أريد أن أذكركم إن عنوانى الآن هو: مجلة اليقظة ص. ب 6000 الصفاة الكويت. أرجو أن تكتبوا لى من جديد. وأنا منتظرة خطاباتكم ومشاكلكم وأفراحكم.. أريد    أن اسمع منكم، فاكتبوا الى عن كل شىء.. كل شئ.

ومرة أخرى سوف نبدأ 00 مرة أخرى سوف نبدأ 00 فإلى لقاء..

وهو العدد الاول الذى صدر بعد تحرير الكويت.

***

 

 

 

 


أحلى زمــان ..

فى عمرالانســان.[10]

اذا افترضنا أن للزمن شكلا وهيئة ومظهرا، واذا اعتبرنا أن للوقت طعما ونكهة ومذاقا، هل يمكن فى هذه الحالة أن نقسم الزمن إلى قبيح كريه منفر، وجميل لذيذ مستساغ؟

اقصد 00 أذا كنا نستطيع تقسيم الزمان إلى انواع، منها الجيد والسيىء، فكيف يمكننا ان نقيم الوقت، وعلى اى اساس نصنف الزمان؟

المسالة بسيطة جدا. فلو نحن اعتبرنا ان الزمن انواع واصناف، لاستطعنا بالتالى أن نحدد الصنف السيىء والاسوأ والجيد والاجود .. اليس كذلك؟

نعم كذلك. نكمل الكلام؟ طبعا نكمل الكلام. اذن 00 اقوم:

الزمن يخضع حتما لقيمة الوقت ، اعنى التوقيت ، فالزمن الوحيد الذى نمتلكة حقا هو الزمن الحاضر، اللحظة الحالية، تلك التى نستطيع أن نحكم فيها، ونتحكم بها، ان نكيفها   حسب مزاجنا، ونشكلها تبعا لاختيارنا، فان أن نجلها لحظة حلوة حبيبة مفرحة، واما نجعلها لحظة بغيضة مقيته مقبضة!

نحن اذن نعرف كيف نحرك صمام الامان، فاما ان نفجر اللحظة شذرا، ونبدد ما احتوت من احاسيس وانفعالات، واما ان نكثف اللحظة، ونؤكد ماحوت من مشاعر وافكار  وافعال، عندئذ .. نقدر على ان نستمتع ونستلذ بها، ونستزيد منها، ونظل نحوم وندور حولها!

هذا التحكم ينبع من داخلنا، يخرج من وجداننا، يدير بقوة واقتدار .. عقلنا. فاذا كنا نمتلك عقلية قديرة عميقة قادرة متمكنة، لعرفنا اذن كيف نفكر باسلوب حكيم قويم، يعين على “انتقاء” فكر حلو، يصحبه حتما شعور حلو، يأتى معه بالتالى، زمن حلو يحفل بالفرح والسعادة والحبور.

حقيقة.. كل شىء أعنى، كل احساس، ينبثق من داخلنا، من عمق أعماقنا، من   وجدان وجداننا، يكون قد تكون قد تكون  لاشعوريا من خلاصة تجاربنا مع الذات والناس والزمان ..! 

فالانسان المتمرس بما يكتسب من خبرة تمنحه إياها تجارب كثيرة سابقة، يقدر أن    “يدير” عجلة الزمن الدوارة لصالح نفسه، وخدمة ذاته، وتكريس ظروف حياته بما يساعده على تحقيق السعادة بابهج صورها، وابلغ معانيها، بعدها، يعرف كيف يتحكم فى انتقاء  نوعية اللحظة، واختيار صنف الزمن الذى يعيشه، فربما يجعله ورديا ورديا، او رماديا  رماديا!

الاجتيار هنا لا يتأتى عشوائيا عشوائيا أو عفويا، كما انه لا يأتى صدفة أو تلقائيا، لانه كما قلت من قبل، هو اختيار ينبع ذاتيا من أعماق الأعماق، يصدر لا اراديا من وجدان الوجدان، ذاك الذى يصوغ على الفور قالب الزمن، كما يطبع اللحظة فى الحال بختم الحزن والغم والهم، أو الفرح والحبور والسرور!

أعتقد اننا كلنا نعرف أن الزمن شى لا يشترى، وانه الشىء الوحيد فى هذه الدنيا الذى   لا يستطيع ان يستعيده انسان، أو يسترده انسان، أو يمتكه كائن كان!

ان اللحظة، اللمحة، لو وضع مال الدنيا كله مقايضة لها، لما امكن شراؤها، لان عقارب الساعة لا ترجع. انها تبقى تتقدم تتقدم، لكنها .. لا ترجع ابدا الى الوراء!!

لذا .. كى يبدو غريبا وعجيبا عندما يعتقد البعض أن انتظار الزمن الاتى هو عين العقل ورأس الحكمة، وان ترقب المستقبل هو أفضل تصرف وخير تعامل مع الوقت الحاضر .. انهم للاسف لا يعيشون عمرهم الواقعى فى ذات اللحظة الحالية، لانهم يكونون مرتبطين بالماضى، أو مشدودين الى المستقبل!

كذا .. يفلت الزمان من بين أيديهم، تتناثر الدقائق والساعات حواليهم، كأنها تراب يتطاير هراء، بلا معنى ولاقيمة ولاعطاء، فقط يضيع الوقت أملا فى لقاء غد، فى الواقع .. قد لايأتى أبدا!

لكن .. لو استطاع الانساع أن يتحكم فى نوعية الزمن الذى يعيشه، وان “ينتقى”  صنف الوقت الذى يعايشه، لقدر فعلا أن يصبغ اللحظة الحالية باللون الجميل الذى يريده، ولعرف كيف يضفى على مذاقها النكهة اللذيذة التى يرغبها ويحبها!

حينئذ، سيكون قد عرف حقيقة الشعور الرائع الموحى بمعنى السعادة، وسيستمتع حينذاك بذات التأثير الكبير الذى تشعه أعماقنا، ذاك الذى يعتمد تماما على نظرتنا (نحن ) لما حولنا، وشعورنا “نحن” بما يحيط بنا!

هذا هو معنى الوجدان فى الإنسان، فان يكون انسانا مرحا بشوشا، أى سعيدا لهو انسان بالضروة يتمتع بوجدان قادر على تذوق الجمال، حافل بالعاطفة .. هذا هو ما يتميز به الانسان تميزا واضحا عن غيره من باقى الكائنات!

لذلك المطلوب منا أن نطرد الحزن بعيدا عنا، وأن نتأكد اننا لا نعيش فى الدنيا وحدنا، وأن نستبدل الوجوه المتجهمة الكئيبة العابسة بتلك المبتهجة المشرقة الباسمة.

أيضا لابد أن نحاول استبدال المشاعر المحبطة المثبطة بأخرى مثيرة مشجعة      منشطة، تبث فينا الأمل والبهجة والتفاؤل، وحب الحياة.

بصراحة اذا عرفنا كيف يمكن أن نعيش سعداء، وقبل ذلك كله، اذا عرفنا كيف            نختار “نوع” الوقت وننتقى “صنف” الزمن وأن نجعل لحظاتنا حافلة بالمحبة والحنان         والاحلام، سوف نكتشف فورا اننا قادون ببساطة وسهولة على استقبال حياة أخرى تماما .. حياة سعيدة جدا.

حياة حلوة جدا، جميلة بهيجة، مضيئة، ملونة، حياة .. جديرة حقا أن تعاش ، لأنها ستكون حياة هانئة، وادعة هادئة، خالية من تلك المتاعب التى قد يضعها الانسان لنفسه، ويصنعها لذاته، أو ربما يختلقها أحيانا لعكننة الآخرين ومضايقة بعض الناس!

الآن .. بقيت عندى كلمة أخيرة أحب أن أقولها .. اذا كانت البسمة .. كما يقولون .. هى أقصر طريق إلي القلب، فلماذا لا نبتسم؟

أظن اننا عندما نبتسم نكون قد منحنا أنفسنا لحظة سعادة مشعة مفرحة مشرقة..         تجذب الآخرين نحونا.

هؤلاء الأحباء الغاليين على قلوبنا، الذين لا تحلو بدونهم أوقاتنا، ولا تسعد من     غيرهم أيامنا ولا تفرح ولا تهنا الا معهم، وبقربهم وجوارهم ووجودهم نفوسنا، وأرواحنا .. وحياة حياتنا؟!

****

 

 

 

 

 


كنـــت أود أن ..[11]

.. يستمر الهواء يداعب ستائر الغرفة الساكنة الواسعة، وضوء المصباح الوحيد بها يرسم  دائرة صغيرة من الضوء حولى، تؤنسنى، تحيطنى بمشاعر ود تخفف حده الليل الذى يرخى سدوله على الكون الهادى الناعس الوادع، فى تلك الساعة المتأخرة ..!

أجلس وحيدة منفردة، ساهمة مسهدة، تتنازعنى رغبة أكيدة فى لقائكم، والتحدث      معكم (بصراحة) عن أمور خاصة وشخصية أقتنعت بصرورة البوح بها، والكشف عنها،     كى تعذرونى، ولا تلومونى .. فإذا عرف السبب بطل العجب ..!

طبعا، بسبب الحب الكبير الذى يربط بيننا، وبسبب الصلة الحميمة التى كانت ولم  تزل تجمعنا ببعضنا، لن أخفى عنكم معاناتى، ولن أتحرج فى مداراة إجهادى وكثافة مسئولياتى، التى أخذت مع الوقت تحتل مساحة أكبر من وقتى .. ومن حياتى!

صحيح، ترددت أكثر من ألف مرة قبل أن أتخذ قرار التوقف عن الكتابة، كررت المحاولة مرات لا تحصى ، محاولة الجمع بين المسئوليات الجديدة ، ومسئولية الكتابه المستمرة الا أننى لم أفلح الا فى شى واحد هو التعدى على راحتى البدنية والانقاص من عدد ساعات نومى وتقليص فترات إسترخائى ، مما اصابنى بارهاق فظيع لم أعد اتحمله …!

نعم، فكلما هممت بالتركيز والتفكير فى إختيار موضوع ما أتكلم عنه، اذ بافكار  أخرى منافسة، وظروف طارئة، تنتاب عقلى، تجتاح ذهنى، تدهمنى، وإذ بى فجاة أغرق وألف وأدور فى دوامة تفكير عيق متصل يتعلق بأمور كثيرة كثيرة، عن الاسرة، وإحتياجات البيت، ومشاكل الخدم وإصلاح السيارات، وبكاء ابنتى الصغيرة وحاجتها للمساعدة فى دروسها والترفيه عنها، والوالد الكبير المسن وحقه على فى الرعاية والعناية، وواجب السؤال عن الأهل والصديقات و.. و.. ألخ     ألخ     ألخ!

آه ياربى .. الحل ايه؟ طيب وبعدين ؟!

كيف أستطيع أن أستمر فى الكتابة وأنا لا أعرف كيف اتخلص من كل هذه الأفكار التى تتزاحم فى رأسى، فتسابق خراطرى، تطفىء إحساسى برحيق الحياة، تخمد شعورى بكل ما هو رومانسى، عاطفى .. شاعرى!!

آه .. كيف أستطيع أن أركز، أن أفكر، أن أكتب، وكثرة التفكير فى الظروف  المحيطة بى تصنى عقلى، ترهق ذهنى، تثقل روحى؟! أننى حين أستعرض أحداث النهار السابق، واليوم الذى قلبه وقبله، تختلط الصور فى خاطرى فتشوش خلجات نفسى، تفسد إحساسى الحقيقى بحلاوة اللحظة .. تسلبنى المتعة العظيمة التى إعتدت دوما أن أعيشها كلما أمسكت قلما .. وسطرت ورقا!

ياه؟! ما هذا؟ إننى لا أريد أن ينافسكم شىء ما فى قلبى، ولا فى مساحة زمن عمرى، لذا لا أرعب أن أضعكم فى مجال موازنة، أو ميدان إختيار بل أريد وأتمنى أن تكون لكم   الأولوية المطقة فى كل شىء .. لذلك قررت أن أخبركم بظروفى القاهرة، واعلمكم بأحوالى الحالية كى تقدروا (كم) معاناتى، وتتقبلوا وضعى، وتغفرو إنسحابى وتبرروا إنقطاعى ..

       لأننى فى الحقيقة أشعر إننى تغيرت، لذا لا أريد أن أترك مسئولياتى تتصارع داخلى، فتمعن فى تغييرى، وتزيد من إحتياجى إلى أوقات حلوة، حميمة، رائعة، أقضيها  معكم سعيدة بكم، مستمتعة بصحبتكم الحلوة الحبيبة الحانية.

حقا أننى لا أطيق أن أقع صريعة ذاك الإيقاع السريع، المهلك، المرهق، المستمر، الذى يستهلك أغلب وقتى، ويستنفد معظم طاقتى .. مما يكاد يحولنى إلى آلة مبرمجة صماء .. بلاحس ولاشعور!

و.. يطيب نسيم الهواء ليلا، يصبح الجو هادئا وادعا ناعما، فأحاول أن أجعل القلب ينساب هائما حالما فى محاولة جادة من أجل إبداع مقال موحى حلو، إلا أنه يتصادف فى تلك الليلة بالذات أن تمرض صغيرتى، حبيبتى، وتظل تلح تطلب وجودى بجانبها .. فاترك كل   ما فى يدى، أرقد بجوارها أضمها إلى صدرى، أحضنها بقلبى، داعية الله أن يخف عنها  ويأخذ بيدها ..

لكن .. تستمر ترتفع درجة حرارتها، يزيد إضطرابى، أحس خوفا هائلا لم أحس به من قبل، أغلق عينى، أخفى وجهى عنها كى لا تلمح دموعى وتحس قلقى، أحاول أن أهدأ إلا أن الأوهام تطاردنى وما تلبث أن تغيم الدنيا فى وجهى، وجزعى على صغيرتى يتضخم عملاقا عاتيا، أتابع بلهع درجة حرارتها فى تلك الليلة الطويلة التى قضيتها ساهرة حتى طلوع النهار، وإلى أن بدأت تنخفض درجة حرارتها.

       تروح صغرتي في سبات عميق، إثر ليلة عصبية مع ومضات الألم، وكمادات خفض الحرارة، وسرعان ما ألحق بها وأنا لا أدرى عن الدنيا أو الوقت، أو الكتابة شيئا..!

       فعلا .. صحبة القلم تحتاج إلى (بال رايق) فعندما يغفو العقل تستيقظ المشاعر، يهدأ الفكر، يسكن الذهن، فتنسل الأحساسي، ترتاح النفس كأنها تصفي ما علق بها من أحمال وأثقال وأدران.

..حينئذ .. تتدفق الروح حنانا ترتفع على بساط الاحلام، تطير على أجنحة عذب الخيال، فلا تعود تعانى فترات ضيق، أو تقاسى مشاعر وحشة أو وحدة تعيسة محبطة، قد تنعكس دون قصد عبر كتابة إنفعالية تتناقض ومسئولية الكاتب فى أن يمنح الناس الأمل والفرح والحب حتى فى أحلك لحظات الحياة.

لكن .. قد نقول أن الكاتب أيضا بشر، إنسان، من حقه أن يزعل وأن يحزن، فنحن   لا نملك أن نمنع الكاتب من الحزن أو أن نطالبه بأن يفرح ويبتسم وهو فى مأتم، لا.. إننى لا أقصد ذلك، إنما أود فقط أن أقول، إن الكاتب لو تعرض لضغوط ترهقه، تثقل عليه، أيا    كان نوعها أو صنفها، فلن يستطيع أن ينقل إحساسا خالصا للقارى المتلقى ..

بعدها، ولن تتحقق له بالتالى العدوى الشعورية، ولن يستطيع أن يوثر عليه، أو  يتفاعل معه ..

لذا .. بما أننى أشعر مثل أى (كاتب) أولا، وأى إنسان ثانيا، أن طاقتى تخذلنى، لأول مرة فى حياتى، وأن خلجات خاطرى ما عاد يتردد صداها فى انحاء وجدانى، وحنايا روحى، وجوانب ذاتى، يتحتم على إذن أن أخفف أعبائى المهنية، وأن أقلص حجم العمل الصحفى الذى أمارس إلى النصف، كى أقدر أن أتابع، وأن أعطي، وأن أعيش، وقبل ذلك  كله كى أقدر أن  أستمر ..

.. أعود أطالع أبنتى، أتلمس جبهتها بخدى، أقبلها بهدوء فى وجنتهيا كى لا أوقظها، أتاكد أن درجة حرارتها تنخفض، أرتاح بعد أن تهدأ مخاوفى، ويخف قلقى، فأحس  أن هناك ما يثلج نفسي ويشيع في روحي بردا وسلاما وإبنتي تتحسن حالتها الصحية ..

تزداد في قلبي الطمأنينة، أشكر ربي ضارعة متوسلة رحمته وعطفه، ينساب في ضلوعي عور بالرضا، تشيع في جوانب نفسي نفحة من السكينة والدعة والسلام، ترسم علي سفتي بسمة قناعة وإقتناع بأن ما فعلت هو الصواب، وأن ما قررت هو الصحيح، وإن تصميمي، أن أقتطع بعض الوقت المخصص لتحقيق طموحاتي الصحفية، وإشباع رغبات نجاحي المهنية، وتخصيص هذا الوقت لأسرتي، وبالذات للعناية بطفلتي صغيرتي حبيبتي،  هو الصواب مائة بالمائة لأنها روح قلبى وحياتي ونور عينى.

رغم هذا .. كنت أود أن لا أنقطع أبدا عنكم، ولا أن تعغيبون أنتم إنما عني، إنما عزائى الوحيد أن الحب سوف يبقى موجودا بيننا، كما أعدكم أن لا أسترد فؤادى الذى أودعته عندكم لذلك، سوف يظل، و .. يبقى .. لديكم .. قبلـى .

***

 

 

 

[1] سيدتي (العدد 496) 10 / 9 / 1990

[2] سيدتى ( العدد 499 ) 7 / 10 / 1990

[3] سيدتى (العدد 500) 14 / 10 / 1990

[4] سيدتى (العدد 501) -15 – 21 / 10 / 1990

[5] سيدتى (العدد 502) 22 – 28 / 10 / 1990

[6] سيدتى (العدد 503 ) 29 / 10-4 / 11 / 1990

[7] سيدتى (العدد 504) 5 – 11 / 11 / 1990

[8] سيدتى (العدد 510) 17-23  / 12 / 1990

[9] اليقظة (العدد 1191) 6 / 11 / 1991

[10] سيدتى (العدد 578) 12 / 4 / 1992

[11] سيدتى (العدد 586) 7 / 6 /  1922

حنين الوجدان

حنين الوجدان

 

       أبعد من حدود الزمان والمكان! الحياة لا تدوم على حال, فبعد الظلام ينبثق النور, وبعد اليأس يأتي الأمل..فهذه هي رحلة الإسراء والمعراج التي هيأ الله تبارك وتعالى القيام بها خير دليل على أن الحياة دائمة التغيير, وأن القلوب المؤمنة لا تيأس من رحمة الله..

       جاءت الرحلة في وقت محدد بعد أن حوصر الإسلام في مكة, وقوطع المسلمون وأحاط بهم جو من العنف والظلام, وكأنما تطلع الجميع أن يكون لذلك الليل البهيم آخر !

       ويتحقق الأمل فيخترق الرسول صلي الله عليه وسلم الظلام والليل, ويبعد عن جو الكراهية والشرك.. ويلتقي على أرض الله في بيت أخر له كان مركز الدعوة إلى الله منذ إسحاق نبي الله, وبنيه من بعده, يعقوب ويوسف وداود وسليمان وموسي وعيسى, فيلتقي بمجتمع الأنبياء والمرسلين, ويعرج في النور مع الملائكة المقربين الدرجات التي لم يبلغها بشر قط..

       وهنا .. قد يطرأ بالبال هذا السؤال: لم كان الإسراء بليل؟ يقول العلماء: إنما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً لمزيد الاحتفال, فالليل هو وقت الخلوة والصحبة الحلوة ذات الطبيعة الخاصة, ومجالسة الملوك, والملك يكاد لا يدعو لحضرته ليلاً إلا من ما لا يقطع في النهار.. والنبي صلى الله عليه وسلم سراج.. والسراج يضئ ليلاً.. والنبي بدر, وكذا مسير البدر في الظلم!

       وفي المسجد الأقصى كان منتهي الإسراء وملتقى الأنبياء بالقدس, لكي تقوم عاصمة الإسلام الجديدة (مكة) بدورها الخالد في تعزيزه في كافة البقاع المقدسة, بعد أن صار بنو إسرائيل غير مؤهلين للقيام بأي دور يتصل بالرسالات على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) (المائدة: 78: 79).

       حقاً.. جاءت رحلة الإسراء والمعراج اعلاء لشأن الإسلام والمسلمين أجمعين, تلك الرحلة الحافلة بالإشارات والرموز الدالة على ذلك, والتي تم الإعداد لها إعداداً إلهياً أشرف خيار الملائكة على تنفيذه, وهي حدثت بعد الوحي بنحو اثنتي عشر, أي قبل الهجرة بحوالي سنة تقريباً.

       نعم.. هي رحلة ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان, وتشمل أفاقاً أوسع من الزمان والمكان, فالذين يعرفون للقدرة الإلهية حق قدرها, ولطبيعة النبوة حقها من الاتصال بالملأ الأعلى لا يقارنون بين ما يحدث في حياتنا من صنع البشر, وبين ما يصنعه الله مع أنبيائه أبداً.ز فما بالك حين تأتي دعوة المحب القادر الذي لا يعجزه شئ إلي حبيبه الذي خلقه واصطفاه إلى زيارته؟!

       وهكذا.. كان جبريل هو الأخذ بركابه صلى الله عليه وسلم, وميخائيل هو الأخذ بزمام دابته إلى أن وصل ما وصل !!

 

كلمات من نور

(فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴿١٠﴾ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴿١١﴾ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴿١٢﴾ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴿١٣﴾ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى ﴿١٤﴾) (النجم : 10- 14)

Kuwait My Love

Kuwait My Love

 

A Novel By

Karima Shaheen

 

 

 

Translated and Introduced By

 

Dr. Basheer Eisawy

Lecturer of English Literature,

College of Education, Mansourah University

Cairo,

August, 2004

Translator’s Introduction

 

Kareemah Shaheen’s, Something of My Heart (1996) is one of the fewest novels written as a reaction to the Iraqi invasion of Kuwait in August 1990.  Jassem Alnasser, the coach of the national football team, is admired by a group of the school girls where his sister studies. The girls take the chance to see him whenever he comes to collect his sister from school. Collecting children –as well high school girls- from schools is a living tradition in the Gulf States. High school girls are paid more attention because they are seen as the future brides. It is common in the Gulf to marry a girl of 15-18 years old regardless of finishing the high school certificate or not. As usual, this national star –Jassem- becomes the most important topic for the dialogues of all school girls as well as his teenage girl relatives.

Jassem is not only a footballer; he is also a famous cardiologist. He is punctual to his job at the first national hospital in Kuwait. He is a regular contributor to number of symposia and conferences inside and outside Kuwait.

The descriptive and narrative style of Kareemah Shaheen is quite effective on her readers. There are a lot of passions and feelings that are introduced in a very objective way. Mrs. Shaheen, though dealing with an issue she sympathizes with, seemed objective in relating the incidents of her novel. “Dalal wiped her tears and forgot about her sorrows, then got up to wear such exciting, daring clothes as usual, wearing such a nice perfume and she looked very mature of a special look as she had all the qualifications of charm and beauty that can impress others easily specially after her figure had become well-rounded specially after her pregnancy and after delivery; her sexy bumpy figure was shown in the clearest way ever. Anyway, Dalal went on to meet Jassem in Mubarak Al-Kabeer Hospital in Al-Jabiryah and she was walking deliberately in very daring steps for she hates to feel depressed, gloomy, sad, and frustrated specially after remembering how she was overwhelmed with grief when she fell on earth on knowing the news of Jassem and Souad’s marriage.”

The novel discusses intelligently and daringly the status of love relationship between men and women in Kuwait, and maybe in the Gulf, in an open way for the first time in the history of literature of that area. Although Mrs. Shaheen is non-Kuwaiti, she managed to imitate the Kuwaiti life and the Kuwaiti man as they are and –in many occasions- better than they are. She managed to expose the secrets of the Kuwaiti hearts in a way that may change the stereotype images in the West about the Kuwaiti women and men. Love and marriage are seen as something destined by God and accepted by the families in the novel. But, the young men and women –in the novel- try to object to it. They endeavor to bring about a new status opposing the ipso facto implemented by the parents and their severe authority in many parts of the Arab world.

“Souad relaxed while she was trying to hardly take her breath because of the extreme heat, conglomeration and crowdedness. She put her school bag under her seat. She took a long and deep breath while bringing her face close to the glass window. She, coldly, looked at the big yard where many private cars were parked. She looked carelessly at the faces of the parents who came to collect their girls from school.”

The occupation ,as well as, the liberation of Kuwait were introduce in the novel very smoothly without any demagogic discourse on the importance of giving the national issues the top priority. Therefore, all characters in the novel either take part in the military resistance against the Iraqi soldiers or the morally support the resistance groups.

There remains to say that Mrs. Shaheen’s work is a great contribution to the feminist literature in the Gulf area, the Arab World and the Moslem World in general.

 

Dr. Basheer Eisawy,

Cairo, August 2004

 

 

Chapter 1

At School

 

As soon as the school bell rang announcing the end of the last class, the school girls moved quickly towards the buses. Souad, who was moving quietly ant trustfully, was one of them. She embraced her school bag while coming close to the bus. She climbed the bus stairs exerting a great effort to find her way into the crowd of students to reach the last seat in the back of the bus, where she used to sit everyday.

Souad relaxed while she was trying to take her breath with a great complexity because of the extreme heat, conglomeration and crowdedness. She put her school bag under her seat. She took a long and deep breath while bringing her face close to the glass window. She, coldly, looked at the big yard where many private cars were parked. She looked carelessly at the faces of parents who came to collect their daughters from school.

Time passes very boringly and slowly as buses are still waiting for girls to climb them. Souad was sitting in her seat wishing for the overwhelming crowd to disappear so as to return home as usual.

Suddenly, in the middle of this still boring wait, Souad was deafened by the cries of all girls coming towards her while their eyes were glaring. They went as far as the last seat in a fit of madness and hallucination where they glued their faces to the back windshield. They were crying repeatedly and madly, “Jassem Alnasser, Jassem Alnasser”. They were waiving their hands in a terrific passion mixed with unprecedented, enthusiastic and wild happiness to salute the famous football team player.  Souad was trying feverishly to keep an area of the glass window to look at Jassem Alnasser. While her folded body was about to collapse under the heavy weight of the enthusiastically shouting girls, Souad tried to keep her body upright. The nearer Jassem’s sports red car came towards the bus, the louder the girls shouted. Their shoulders became tact and their heads blocked the windows. Also, Souad felt almost suffocated. She tried to lift her head to take a breath while fighting to follow up the situation outside the bus. She went on looking at Jassem in his car. Souad observed Laila while the latter was talking to Jassem who got out of his car to stand with her friends who ran towards Jassem to salute him. They were talking to him curiously, pleasantly and surprisingly. The girls went away after the Indian bus drivers started to blow the horns of their buses crazily moving them away. All students went to the bus on their way home except for one who kept standing and refused to move at all. She seemed to care for nobody but herself as if he were the only remaining human being. That was Dalal who moved towards the bus coercively after she realized that the bus would depart without her. Jassem asked his sister Laila, “Where is Souad? Why did not she come without us to drive her home?” Laila answered laughingly while she was pointing to one of the buses, “Souad is sitting in the bus. She feels shy to ride with us.”

Jassem followed where his sister pointed and very quickly saw Souad’s beautiful face behind the glass window. Eyes met instantly. Souad lowered here eyes shamefully and confusedly while Jassem was looking towards her smiling to and enquiring about her not coming with them.

In a few moments, the crowd was over after Jassem left and his red sports car disappeared. Students came back to their seats saying loudly, repeatedly and  very enthusiastically, “Oh, you, the blue[1] Kuwait play in the playground.” The Kuwaiti national football team wears a blue T-shirt and white shorts.

Souad observed them while smiling ashamed as they are extremely excited and moved even after he disappears!

Moreover, they were still mentioning his name, talking about him and give details of his length, broad shoulders, smartness and fame. Even his sports wear and his red car were talked of. Souad smiled more while taking pride of her self because this famous sports young man, who was dreamt of by all the girls of her school, is nothing but Jassem, her cousin!

In fact, it was not the halo it of Jassem to come too much to accompany Lila. He has come only twice this year since she joined the secondary school. He was forced to com in response to her wish after asking him many a time to do that. Laila knew that very well, but she was very happy and proud of her brother and his fame which made of him a glittering star in the circles of the community. He was the goal keeper and the first attacker of the national football team, who scores invisibly and power fully the goals of the national team and his sports club.

Laila realized that just that the appearance of Jassem with her at the gate of school is bound to cause a revolution amongst the students. She liked that and was happy with it. She was seen as the sister of the champion. Also, she was the only one circled by the girls, later, asking for her friendships, fondling her, asking for her phone number, the most convenient time to phone her. Most importantly was, what, time Jassem was at home, what were his appointments like, when he goes to the club, and what he eats. In addition, how he treats members of his family, is he arrogant? What is the most favorite for him? And other questions that ask about the what, the when and the why.

Laila laughs cunningly on imagining the scene of the girl students the following day while waiting feverishly for her arrival to school. She knows that the situation will be different because students of the high school are larger and more daring than students at the intermediate school. She knows, also, they will ask her to tell Jassem of their admiration of him and that they will ask for his phone number. Some of them will be interested in talking to him of important or seemingly important topics. Others may ask about the next time he will take her from school to be ready to receive him with dressed hair and their faces covered with make-up. Others and others will wait and ask!!

Laila knew that most of the school students would never object to show their admiration of Jassem and would show a confirmed wish to befriend her. Moreover, they would try to approach her and show great love for her although she was still a first year student. Most of them were at the fourth year at the high school. Dalal, the vivid, graceful and tall girl,  was on the top of these students while Souad –her cousin- of the third year, at the high school, felt shy to appear with Jassem in front of the students. Although she greatly admired him, she was afraid that school girls might talk of her and hurt her reputation, the same way they did with their colleague Dalal who did not survive their gossip.

True, they have not left Dalal in peace since the day they saw her standing with Jassem for a long time talking to her on coming to school to collect his sister. From that time on, they did not stop hinting and alluding to her. It was strange that Dalal did not care about them this time, as well. She did not care about their jealousy and gossip. She stood amongst them showing her admiration of Jassem. She, also, showed her interest in talking to him against the difficult surrounding conditions and the inconvenience of the place and time.

Souad, from her safe seat on the last school bus, was observing Dalal. Souad wondered about the excessive prudence of Dalal. The first was surprised by the movements of the second, who was almost jumping. The latter seemed as if she were unable to have herself as all parts of her body- including her head, shoulders, hands, waist and feet- were shaking, quaking and moving!!

Souad feels a burning touch of jealousy. She knows the great admiration of Dalal for Jassem. She, also, knows the relationship between her father and her mother. But she sighed her relief because she knew that Jassem’s mother neither loves Dalal nor stands her mother.

Therefore, she did not worry much about her. She trusted her aunt’s love for her who considered Souad one of her daughter’s.

Gradually, she goes to the world of imagination to dream of herself with Jassem whom she admired when she was only ten years old. She wished to spend her life with him to let the whole world know that Jassem is her love, only love and not shred by any body else!

Souad recollected how she loved Jassem silently for long years. She also’ recollected how she spent the night thinking of , dreaming about and wishing for the magical moment in which he would announce her love for her and the whole world knows that Souad is his love, only love. But, unfortunately, he did not. She did not know why! She did not know! She did not know!

The whole club loved Jassem and admired his morals and his character. That sports character became more famous and glittering during the finals of Moscow Olympiads which were held in Baghdad seven months ago. There, the national football teams of Iraq and Kuwait played with each other in March of this year (1989- the translator) the first half of the match was ended 2 to nil for Iraq.

But, in the second half, the match result was turned over. After the coach made some changes amongst the players, the Kuwaiti team had dominated the playground and managed to score two quick goals. As soon as possible, they scored a third goal to finish the match for the welfare of Kuwait, which became a candidate for Moscow finals.

The Kuwaiti people were shouting, they were crying happily. Happiness had filled all the streets and the young men went out to the streets dancing inside and outside their cars displaying the Kuwait flags proud of this great sports victory which was won worthily, forcibly and efficiently in that crucial match. Ah, long live the footballers, long live the footballers, long live Kuwait, long live Kuwait.

Souad had recollected how her younger brother Faisal, the handball player at the same club, was jealous of Jassem. Many a time, small situations took place which soured the relationship between them. But Jassem used to take these things in a sports man spirit and conclude it peacefully. On the other hand, it was not easy for Faisal to give up easily for Jassem, his only antagonist in the club. Therefore, he found another means. He drew the attention of the others by getting the most up to date watches and cars which were of the most expensive in terms of price and seductive form.

Although the financial status of the two young men varied, the character of Jassem who was spontaneous and influential, did not give any consideration to this trivial contest. The girls still prefer Jassem and can not but disclose their admiration of him.

Whatever happens, Jassem Alnasser remains the first club star, who is beloved by all. He is the star of the national team at Moscow tournament in which he played against the Soviet Union team. The match was so important that Mr. Gorbachev had delayed an important meeting to watch this important match.

Events take place, situations become similar to each other, and days pass very quickly.  Weeks, moths and seasons follow each other while Jassem is busy with football, the sport which he had loved since childhood. His other said laughingly, “Jassem had learnt football before he learnt walking. For sure, he was training in my abdomen!”

Souad remained moving in her private orbit as she was hiding her feelings to all people. She even hid her feelings to herself. She is afraid that anybody –even her most intimate such as her mother and Laila, her cousin- may know about her hidden feelings. Souad is –by nature- shy, sensitive, quiet, cool, low-voiced and lowered-eyed though has much passion and is full of sense.

Days go on, nights and hours pass while the conditions of life unite and disunite them now and then. The school year comes to an end. Dalal joined the department of English at the faculty of arts. That gave her a bigger chance to pursue Jassem, get in touch with him and meet him even if he were at Sbbah Hospital in which he was employed as an internist.

She used to go to him frequently pretending that she had a new ailment every time. Also, she did not stop attending all the matches without missing any one of them. On the other hand, Souad was still bathing into her wide and silent world trying to spend her time reading books, listening to the quiet music which has tender and dreaming tones especially of her favorite singer Awad Aldookhi, whose voice has attracted since she was a child as she used to go for a picnic with her father in their car. She used to sing unheard his favorite song:

          O, Night m you became our own

          O, Night m you became our own

          The Night has the best party friends

          My beautiful lady exceeded description

          When I went through the gate of love

          My enemies said that I was only a student.

          O, Night m you became our own,

          O, Night m you became our own.

In fact, Jassem was one of the far-reached dreams of Souad. His unusual extended tall, his strongly fibered muscles, his giant and prominent shoulders, his wide and big chest and his heavy black hair, which –if it gets wet, it falls loose on his strong big neck. All these made him a mythical hero who rules and controls her kingdom. Although he used to attack sweepingly the counter football teams and always scored goals of victory for his team in almost all matches, he did not think -unfortunately- for one day to attack her, or even look at her as a goal.

Sighing her relief sadly, Souad had realized that she was never a target for Jassem. She, also, conceived that he never saw her in the past and would never see her in the future!! She finally condoled herself saying, “Once upon a time, he may have a passion for me.”

When Souad got off her seat, she boringly threw a story which she did not finish reading. Ah, her attempt to read had –for the thousandth time- failed. There is no way, there is no use. Jassem lives in the depth of her depths. Whenever she tried to disconnect herself from him, or forget him, she found him forcefully and persistently occupying her thought.  He captured her passions and over-dominated her feelings and actions. She has an everlasting feeling that he is always there in her world. What a painful thing! He is busy with Dalal, the girl who is full of freshness, beauty, cheerfulness and joy. She could, with her exciting appearance, ensnare and deafen all her viewers. She has long brown hair, golden-hazel eyes, and pinky pure skin while her body is packed with feminism and stimulation.

Souad does not long stand the situation. The fire of jealousy, raised by Dalal, burns her heart. She preens herself at the mirror in her wardrobe. She looks at her tall body and synchronized beautiful complexion. She shakes her black soft hair which reaches as far as her shoulders. She looks at her wide tender black eyes. She feels more anxious while remembering Jassem’s eyes. She smiles once and twice because there is clear-cut similarity between their eyes in particular.

She lies in her luxurious seat with her head to the back of the seat. She realizes that Jassem’s world is too wide to absorb her. He does not feel of her and has no passions for her. Souad remains suffering though her deep love for him, her great admiration of him and her permanent anxiety to join with him.  She wonders while hearing the news of his many and diverse interviews with Dalal who has not concealed her admiration and love for him since both were school girls.

Souad wakes up from her seat at the voice of her father who calls upon her to talk, on the phone, to her brother Abdullah, who studies engineering, at the States. She hurries to talk to him and asks him about his news. She sits with her father who likes her more than himself. Her father has felt that he is connected to her since she came to life. She sits happily beside him. She feels friendly with her father’s sweet company which keeps her away from her heart. With him, she forgets her ideas that remind her of her hopeless love and permanent torture.

When the telephone call was finished, Badr –her brother- observed her muteness as much as the tears in the eyes of his mother came out.  Suddenly, he jumped to imitate the famous star Abdulhussein Abdlulredah[2] in his comedy The Salemiyah Bachelor, which he attended last night for the fifth time and almost recited it.

Badr is so absorbed in imitating the roles of Abdulhussein Abdlulredah and Souad Alabdullah[3] to the point that his hearers may believe that both the actor and the actress are really there and that they are on the stage playing their roles in front of the audience! Badr’s impressions were perfectly accurate even as related to the voice, action and playing.

Souad laughed heartedly while her mother felt happy by wearing a happy smile at the sweetness of her son who admired that great star actor. Badr knows that his mother likes that actor and his acting. That is why he likes to imitate him for his mother to make her laugh and bring happiness to her heart.

Truly, his mother has loved him too much since he was born five years before Souad. He was born with colored eyes, blonde hair, white skinned and rounded face like a small crescent. Therefore, his family called him Badr. They loved him and surrounded him with all aspects of tenderness and care. They paid too special care for his bringing up so as to grow tender-hearted, kind, courteous, full of love and duty to all. When he finished his high school, his elder brothers objected to his joining the High Institute of Dramatic Arts. But his father supported his wish as he believed in art and its sublime message as related to ameliorating the human soul and the role of art towards changing the ideas of people and the community.

On one of the summer hot nights, while Souad was visiting the house of her aunt, she talked to Laila about the vacation, the summer and traveling. They, also, talked about whether they would go to London or not. Their uncle Abu Ibraheem and his family went to London early this year. Souad said that her father’s apartment, which was next door to her uncle’s, was vacant as Faisal would not go to London this year because his wife would go to Paris with her family. Also, Abdullah would go to America.

Before the two girls finished their talk, the sound of the red sports car had deafened the ears of all members of the family. In no time, Jassem went into the house saluting all –noisily as usual. He bowed kissing warmly and anxiously the hands of his aunt who was sitting on the floor. He moved towards Laila’s room. He knocked at the door to welcome Souad and to salute his younger sister whom he loves and endears. He still thinks that she is a child worthy of endearing and loving. He asked her, “Ha, who were you backbiting?” Laila laughs and answers him heedlessly, “We are talking about you Jassem.” He asks surprisingly, “About me? Were you saying good or bad things?” Laila answers him cunningly, “We were saying that you were hard, conceited and you do not understand …” He interrupted her, “I do not understand? Who said so?” Laila pointed towards her cousin saying, “Souad did. In fact, she said that while she loved you deeply. You did not care about her and did not pay attention to her.”

As soon as Jassem has exploded in laughter, Laila responded his laughter similarly    while Souad was sitting mute and pale-faced. Her face turned red, then pale, red again and was stuttering while trying to speak. She tried to keep her eyes away from Jassem’s while looking at Laila as if she were looking for an outlet.

Laila looked at Souad as surprisingly as Jassem had looked at her. The brother and the sister exchanged looks which denote that they understood the truth of each other’s feelings. Souad tried and struggled too hard to hide, disguise and deaden them.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Chapter Two

The Cry of Love

 

Jassem comprehended Souad’s feelings at that critical moment when Laila drew his attention to the feelings of Souad. But, he was not sure of the genuineness of these feelings. It is impossible for him to know the reality of the others’ feelings just out of a quick teasing. Therefore, he did not think of the matter too much because he was busy with other things, in addition to his being busy with Dalal. He quickly forgot all about Souad.

Things stay following each and coming after each other as they used to. Jassem’s family has its habits and traditions. Ahmad Alnasser, the father, the brigadier at the Ministry of Defense, is a militant whose life is all dedicated to control, organization and accuracy- always wants to apply that military style to everything in his life. Therefore, before he talks of anything, all members of the family know what he wants and what they shall do in advance. They, also, know what to do or what not to do with respect and understanding instead of haughtiness and pride.

Jassem was greatly attracted to the character of his father. He was an easy and a difficult person meantime. He was accurate, organized, disciplined and knew exactly when to talk and when to keep quiet. He was really a capable person who knew exactly what he wanted. He was always able to achieve his goals without any need for much talk or void phrases although he was sometimes affected by certain situations. That happened because he was, in fact, kind-hearted, passionate and tender. Therefore, he was seen as the man of critical situations, who deals with reality in a way that is real human rather than haughty or arrogant. That way was far away from conceit or pride as he was quite confident of himself and greatly convinced of the propensities of himself.

Jassem’s attraction to his father did not stop at that limit. He was more excited by the warm relationship between his father and his mother. Both were on mutual understanding and continuous great love. The mother, with her extreme joy and sweetness could quiet his anger and cool his revolt whenever they take place. His wife could not stand seeing him angry or even upset as he had the top priority in her house. He had all the rights and all members of the family had to do their duties towards him.

In fact, Jassem’s position was not much further from his father’s.  He was given the same importance although Jassem treated the others differently. He, as much as his mother, used to make much noise, kidding and radiating joy. He always used to excite pleasant feelings in the others and did not stop laughing or kidding specially with Laila.

Laila, the pussy cat of the house, is sweet, tender and has a spirit full light and joy. She is greatly similar to Jassem, but not as tall as he is. Although she is much thinner than him, she has the same sharp penetrating eyes which can rake the depth of the depths of the others’ souls. Like him, she is much attracted to their father especially when the latter, with his great and tall posture, enters the house in his military uniform which appealed to Laila. That uniform made her proud –in the presence of all- of the fact that the knight –in this uniform- is her father who likes her too much and forever prohibits any scissors to cut any thing of her long black and growing hair.

As for Dalal, she did not know very much about her father. He liked to work and travel. He traveled from one country to another for business deal, rest and relaxation. Nawal, Dalal’s mother and his fourth wife, was the most favored and beloved to him, sometime ago. Dalal’s father liked to travel from Kuwait to Basrah, then from Basrah to Cairo. After that, from Cairo to Damascus, then, from Damascus to Kuwait, and so forth. He is a man who looks for excitement, money and business. He does not stop repeating his own famous statement, “We live our age only once. We will never live it twice.”

Dalal was born as beautiful as her mother Nawal was. That beautiful and sexy woman –who was over-flooding with femaleness and attraction as she had white and soft skin, wide and hazel eyes, a fat body proud of its outstanding femaleness, soft and long black hair that almost covered her back- managed to capture the heart and mind of Dalal’s father, who was interested in women for a long time till he was married to a fifth wife. That was a too shocking blow for Nawal which affected badly on her nerves. She could do nothing but to accept this marriage which was insisted upon by her mother. She accepted it under duress. She accepted this ipso facto hoping for a stable life which may verify her dreams that could be possible by the great wealth of this husband. But, in a few years, rumors were reiterated about a new wife in the life of Dalal’s father. It was, also, said that he bought the new wife, who was Egyptian, an apartment looking on the Nile at Zamalik district[4] in Giza. He started to spend most of his time in Cairo besides his wife while he forgot all about his fourth wife, Nawal. As well, he forgot his first wife, who was his cousin and gave him three children Gamal, Sanaa and Adel. He did not care about his second wife who was Syrian and insisted to stay with her family in Damascus. He –consequently- divorced her. His third wife spent most of her life in Kuwait although she traveled a lot to her kinsmen at Basrah.

Nawal went mad as soon as the rumor was confirmed to her. When she insisted to get divorced, her husband did not reject or object to that demand. He, instantly, agreed and divorced her while Dalal was still a small baby at her lap knowing nothing about the world. So quickly, he departed the life of both Dalal and her mother after he left them much money. Dalal used not to see him except on occasions if his conditions of travel and stay ever permit. Her feelings towards her father dried very soon. That was contrasting completely with what Souad felt towards her father, whom she never loved anybody as much as him. That bountiful man used to provide them, liberally and limitlessly, with money and love. As well, he gave tender love and care to all people around him with no exception.

There was always a kind of love that joined members of this family. Things were settled and stable under the roof of this big house at Shamiyah, which was surrounded with a big, highly-decorated and covered with tall trees-garden. That house was, also, surrounded by a wonderful and gentle atmosphere of love familiarity, connectedness and favoring the others.

Time –as usually as days, nights and hours- used to pass while all evidence show that the relationship between Dalal and Jassem is still standing. That relationship became more apparent and more common. Dalal wanted all people to know of this relation; especially Souad because Dalal took pride and rejoiced in being a friend to Jassem and wished that their love would have ended in marriage.

In fact, Dalal considered her relationship with Jassem a natural one and that it would end naturally. Jassem only needed some time to yield to the status quo and approve his marriage to Dalal. As Souad was there, her only problem was always that she was not content with the result of her relationship with Jassem. Souad, with her exciting beauty, her great effectiveness, her charismatic character, great mind, her clean and genuine reputation, limitless wealth- worried Dalal. In addition to that, Souad was his cousin and Dalal realized the role of the great love between the two sisters; Jassem’s mother and Souad’s.  Therefore, that made her restless and unsettled whenever she thought of it deeply. She anticipated the danger coming out of that unfair competition between her and Souad.

But Dalal would never lose hope. She would keep on resisting her worries about Souad. She would refuse the idea of giving up in this future-shaping battle. Therefore, she replanned her policies. She decided to intensify her attack and come closer to the target. She followed Jassem wherever he went. She tried to find a solution that may satisfy her and help her understand his character because he is different from the other youth who are short-sighted and may lose their strong will in the presence of girls. Jassem is able to control himself and his passions. He is tactful in saying and doing. He has a deep feeling of self-consciousness. He highly evaluates his name and position.

Dalal launches so terrific a pursuit campaign that did not allow Jassem to absent himself for half a day without knowing where he went, whom he talked to, what he said, when he came home, why he didn’t go outside his house, what he was doing inside his house and who were at house- Souad? Dalal did not stop phoning him everywhere. Even at home, his mother, sister and father knew her but she was forced to behave with the cautiously. She would not behave so unless she was actually forced.

Dalal was still trying to revive the old relationship between her family and Jassem’s, but Jassem’s mother did not care at all although Jassem’s father was always gentle and smiling with her. He used to ask Dalal about her conditions, as well as, the conditions of her mother and grand-mother. Jassem’s father has a special longing for Dalal. She reminds him of the image of her beautiful mother who is inhibited in his depths. As well, he never forgets his love for Dalal’s grandmother and her warm welcome to Jassem as he entered their house at Mirkab, while thirsty to ask for a drink of water. He was then sweating after a long play with the kids including Nawal in the area. He, also, recollected the folklore songs of the kind, “Markor fell into the cooking pan“, “The Vortex“, “Hammayah“, “Dirbaha” and “A Trick“.[5]

Jassem’s mother, also, recollected the Karkaan days[6] when he, with the other children including Nawal, used to be given a lot by Nawal’s mother. He sighs very deeply while remembering those old days, “They were good days. My God, they were days!”

Now, everything is changed. The world, as well as people, changed. Even Jassem’s father is changed after taking over his military profession at the Ministry of Defense. He is changed into another human being. He became disciplined, balanced, logical, resolved and rigid. Therefore, it was impossible for him to synchronize with his brother-in-law Abdullah’s father who differs from Jassem’s father in all aspects as related to character, customs, thoughts and behavior. The first used to deal with matters of life simply, easily, and in a relaxed way while the latter used to take them unfalteringly, resolutely and seriously.

The funny thing is that the two sisters completely ignore this psychological gap between the two husbands. They never cared for the distraction or dryness of feelings between them. Moreover, many a time, they used to make fun of these differences and laugh at them. The two sisters remained as usual; keeping their usual relations, exchanging the non-stop semi-daily visits, their love for both of Souad and Laila who have united by love and intimacy since they were children. The two sisters wish that Jassem and Souad would have married.

But Jassem used to look at Souad as a young child playing with his sister. Both used to amuse themselves, laugh and quarrel. They were always so. Jassem used to appreciate them equally, especially Souad who was four years older than Laila while Jassem was eight years older than Souad.

Jassem did not much frequently visit his aunt’s house. His relation with Souad’s brothers was not warm. It was void except for recollections of children playing together. When Souad’s brothers grew up, things became worse; Abdullah left for America to study engineering; Faisal, the second brother who is almost Jassem’s age and who plays handball in the same club with Jassem- joined the College of Police. He became more alien when he finished his study, got married and kept busy with his work and private life.

As for Badr, the youngest brother, he was the sweetest, the funniest and had the best spirits. He liked acting and was interested in making impressions of the others. As soon as he watched a play, a movie or a TV drama he would imitate the heroes in all aspects: the voice, motion, the way of walking and the way of talking- so well that whoever watched him or listened to him would be convinced that he watched the whole work of art being imitated. In fact, Badr managed to imitate many characters simultaneously. Souad, the only daughter who came to this world after a long waited pregnancy, was treated like a doll as her brothers used to play with her. They used to favor her. The atmosphere of the house was happier because of this small child. The laughter of her father and grandfather accelerated while they were kidding with her. The happiness of Souad’s mother was limitless when she saw her young and beautiful daughter growing, getting older, and becoming more beautiful day after day.

In reality, the common feeling –in the house- had changed after this toy-daughter came to life as she filled the house with happiness and life with her laughter and even crying. When Souad was born, goodness and fortune came to her family. Right after she was born, the prices of real-estate had rocketed; the price of land went up. Also, the government approved the pricing for the lands needed to build new roads. Her father was flooded with money which made him optimistic and considered her a gift from God.

Through her childhood, Souad was fed with pure love, once from her grandfather, her father, her mother and –usually- from the three brothers. The latter used to tender and be fond of her. They, also, exaggerated in giving her that love and care to the point that they were worried by the breeze that may blow her hair. But, this great spring of running love did not change Souad into a careless child. On the contrary, this ever standing love was the immediate reason to teach her how the ways of life have been since she was a small child. Also, that taught her how to deal with people, how buying and selling are done and the principles of success on choosing a real-estate business. Souad knew the answer to the last question when she was a small child teething at a time when she was moving from her father’s to her grandfather’s laps. She learned all about the sites –and sites only- of land and buildings in the real-estate business.

So, Souad knew the secrets of success in the real-estate while she was eating candies, chewing gum or drinking juice. Souad heard of many problems and learned how to tackle and how to solve them. She, also, learned how to make deals while she was still a child jumping wonderfully, happily and pleasantly. She was happy with her father and grandfather who took her in their cars to study a new piece of land or real-estate they would evaluate or assess.  They usually asked for her opinion because they felt optimistic and expected good omens with her presence. They used to call her Souad, Umm Alsaad (the mother of happiness).

In fact, Souad learnt a lot from the wisdom of her grandfather and the cleverness of her father. She acquired a lot from them. She grew up wise, considerate, placid, deeply effective, responsible, dedicated and –also- has her prints in the souls of the others where they remain forever.

This is Souad who is flooding with love, passion and dedication to all people around her. She, always, honors her speech her promises. Respects and feels proud of herself. She is always afraid that her pride may be injured, that her feelings may be offended or that her heart may be broken. Therefore, she did not take the kidding of Laila with her –in the presence of Jassem- easily. She kept on recollecting the situation, look by look, word by word, movement by movement and even laughter by laughter.

Yes. The look of surprise which Souad observed in the eyes of Jassem still hurts her spirits. His laughter is still resounding in her heart. The resonance of that laughter is still heard in the depth of her heart. She remembered that long summer night and how she has been awake till the dawn prayer since Laila was kidding with Jassem and gave him the impression that Souad loved him. Ah, how did Laila dare do that thing? How did Laila change the great love of Souad into just a joke?

The conflict within Souad ranged from anger with Laila for her kidding to the approval of her openness on Souad’s feelings towards Jassem. These feelings were impossible to disclose because of her shyness and pride.

Also, the painful thing in this matter which kept of devastating Souad’s feelings was that Jassem considered the whole situation mere laughter or kidding done by Laila and that he did not think of its importance fro Souad. He, also, did realize its seriousness and sensitivity to her as he ignored everything and went along with his life as usual keeping his relationship with Dalal as if nothing had taken place.

Dalal had certainly planned for that a long time ago. She would go ahead with this endlessly expecting Souad would give up for the status quo and finally would forcibly quit to leave things go as usual. The conditions helped Dalal to come closer to Jassem after his mother has decided to join Laila with her in the same school though Dalal lives outside Keefan area. Jassem’s father managed, through favoritism, to get the approval of the Ministry of Education. In addition to that, Dalal and her mother had not yet moved to their house in Salemiyah. She stayed in her grandmother’s old house at Mirkab. So, circumstances made it possible for the three girls to get together in one high school which Jassem frequented now and then.

By the course of time, Souad had not cared about anything except for her love for Jassem. That love which she likes and likes even if it were desperate love; a one-sided love and there is no hope to be reciprocated.

Once upon a gloomy day and a gloomy air, Souad knew that Jassem was about to leave for the States after he had been accepted as a member of the medical mission of the Ministry of Health. Once Souad heard the news, she would lose consciousness because of Jassem’s departure. She has had a little hope to make feel her, have passion for her and appreciate her love for him. But, the opportunity was lost; Dalal was still hindering her way and blocking –by her mere presence- the gate of hope before her heart.

In that gloomy evening, a few hours before the departure of Jassem, the sports club gave a big farewell   party for the coach of the team attended by a great number of players and fans. As the proceedings of the party come to their end, Jassem sees off all people around him. He comes very close to his sister Laila, laughs with her and taps her shoulders tenderly, saying, “How long have you loved me like this? I swear that who ever sees you shall say you really love me!”

He comes closer to Dalal who feels unable to look at him and looks as if she were totally collapsed, constantly crying, wallowing and tearing. He looks at her awkwardly because of her seemingly extreme affection observed by all. He kids with her saying, “Dalal, by God keep quiet. Dalal, now, if you see a cat departing, you will cry over her. Keep quiet, please.”

Dalal tries to get hold of herself and pretend to be quiet, but she feels unable to do that. On the contrary, she keeps on crying at the same degree and the some capacity which makes Jassem get away from her and comes closer to Souad who is standing silent and solemn as if she were a statue with neither life nor spirit.

Jassem comes closer and nearer to her. He stops to have a deep, intervening and questioning look. She consequently lowers her eyes and looks at the floor while her heart was trembling and her feelings are getting inflamed as she felt hot blood comes her head like a fire burning her entity. She pretends to be busy looking at Laila and Dalal who are flooded with tears while Jassem is standing up looking at her alone. He was studying her with his eyes as if he were looking for something that lives within her, something that he would like to find out. But, that is Souad, who is as deep as a sea without a bottom which, nobody can delve deep into it.

Jassem gets silent for a second and then laughs while looking at the two crying girls, “See how they became though I have not departed yet. I do not know why? There must be another reason apart from my departure.”

He says again to Souad while shaking her hand strongly and looking at her admirably, “Take care Souad. God may protect you.”

Jassem gets away towards the administration building of the club. In a few moments, he leaves for the airport accompanied by a large number of administrators, players and fans where he meets with the doctors traveling with the Ministry of Health mission and the seeing off doctors.

Souad goes back home while she is still wrapping herself in silence and quietness, masquerading with carelessness and cold feelings she tells her mother about the club party which was for the farewell of Jassem. She described the proceedings of the party to her in an ordinary way as if the matter were to mean nothing at all for her.

She enters her room and closes its door quietly. She changes her clothes silently. She put on a sleeping gown inaudibly lamenting herself, and cursing her weakness for being unable to express her feelings and to declare her love.

She operates the tape recorder next to her bed. The voice of Awad Aldookhi comes out softly and tenderly:

                   Shall I say you are unfair, or that I am

                   With you forever with you in love?

                   Shall I say you are unfair?

                   You gave my heart hope,

                   It proved to be nothing but suffering

 

Souad moves into the room looking for nothing. She gets lost with the words of the song which fills out the quiet room with its passionate and healing tones. Her tears come out more and more while she is thinking of the meanings which she feels applied to her feelings at that sad and miserable moment.

She thinks again of herself angrily, grudgingly and furiously considering Jassem’s connection with Dalal treason for her and detestation for her love. He has been her love since she was a child. Also, he has been the dream of her fancy since she felt her femaleness and realized the nature of her feelings. She cries, her tears come out, wallows more and cannot stop weeping.

She looks for some pills for the headache that is about to destruct her head. She rethinks and blames herself over her inability to talk of her grief at the moment of seeing off her love. How? Why? Why? Doesn’t she have the right to express herself? Or, is that the right of Dalal only? Only Dalal? How does she allow herself to weep like this? How rightful for Dalal to declare her love for Jassem in this clear and uncovered way in front of all people? How rightful? How rightful?

Souad conflicts with her despair, frustration and the bitterness of her feelings. She resists her feeling of inability and lack of action. She takes a deep breath, but she exhales it heavily, overpoweringly and taxingly. She is overridden by a sigh that exhales hot fire coming out of the depth of her depths.

She looks at the walls of her room stifled, tiresome and frustrated. She does not know what to do after the whole world became too small for her and that mountains of pain have ridden over chest and devastated her heart. She swallows pills for headache. She lies in her bed hating to think of herself that prevented her of being weak enough to express herself, show her feelings, discover her passions and declare her love.

Souad lies unsettled in her bed. She extends her hand to switch off the light. She lowers the volume of the sound coming out of the tape cassette mixed with night, wilderness, pain and wallowing:

Ah, what a penalty awaiting me out of your love,

What a dilemma for its bitter taste!

Souad looks at the black sky covered with wakeful awakened star sand a thin light beam sneaking from her window to her bed. She feels the moment bleeding extreme pain added to her weakness, her endurance and her capability. She becomes more grudging to her strong and steadfast character, her extreme feeling of her pride which all prevented her to weep as blazingly, feebly, and weakly as Dalal did.

She lies on her bed, on her face, puts her hand on her mouth to mute her exhales, lies on her side shoving her eyes with her fingers and pulls her pillow to cover her head. Her sadness started to be accompanied with the magical, wakeful and wandering voice of Awad Aldookhi at the different sides of the room:

                   Your love tortured me,

                   Deserting me made me suffer,

                   Though our love is at the beginning.

                   I try to forget you,

                   But I feel eager for you,

                   And the night of love,

                   Is too long for lovers,

However you forget,

However you forsake,

It is impossible for my heart to forget you. 

 

 

Chapter Three

To Love the Longing

 

Everything becomes meaningless and shallow to Souad after Jassem’s departure. This time life feels different, even air smells different, for since she was a little girl Jassem was never so distant for all that time. Indeed he’s a sports champion that travels often, but this time his destination is so far away, there, in the states.

But that doesn’t matter, he’s still there, it’s enough to know that he’s there, and that he’s her beloved one.

Souad in silent desperation starts to sense the bitterness of separation, this bitter longing, this love so sour that she could taste it, nothing changes that except for hearing Jassem’s voice from time to time when she’s at Laila’s.  He never calls her at home.

 

Despite her suffering, Souad tries to remain quiet. She becomes like a sea with a still surface, and a raging depth. She spends her time with nothing comforting her except the time she spends at her aunt’s, where Jassem’s aura fills the air. It comforts her, and makes her even more longing for him. She gets dressed in a rush, tells her mother that she’ll go borrow a book from Laila, and promises her that she won’t be late.

She enters her aunt’s house only to discover that Laila isn’t awake yet. She feels sorry for not calling her before coming over, yet she was irritated and couldn’t wait to leave the house. Her aunt turns out not to be home too, and she’s thrilled by this chance of having some alone-time at Jassem’s house, her aunt’s husband wasn’t back from his work at ministry of defense yet. Souad knows he never comes before 4 o’clock; he’s a very punctual man that you could predict his every move.

Souad seizes the opportunity of having the place all for herself; all her senses are intently concentrated, for she’s now in Jassem’s house. No, she’s in a temple that on its altar she makes her offerings of love to Jassem, the beloved one that has gone so far away.  She feels his aura all around the place.  She gets weaker and weaker, all the reluctance she once had is now fading away.  She can’t get herself together, not even for a moment. She keeps on wondering how it worked out so well that she’s here, in her aunt’s house, where no one interrupts her.  She drifts away with her feelings and emotions, drifts away from time and place.

She sighs, wondering where the good old days went. Where are the days in which Jassem used to enter with a cheerful welcome? Where’s Jassem himself? She gives in to imagination, and the longing fills her heart again.  Her craving for seeing Jassem takes over all her senses.

She takes Jassem’s favorite seat, on which he used to relax. She sits in total bewilderment with her face flushed and her cheeks blushing. For a moment it’s like she’s hearing Jassem’s voice welcoming her “Hello Souad, it’s so good to see you.”

It’s almost as if she could hear his voice, like she could see him smiling and welcoming as ever. Longing takes over again, for everything around her reminds her of Jassem’s presence.  No, he is there.  His halo fills the air around her, comforting her.

She imagines seeing Jassem. A love song passes by her mind, and in her heart she hears Awad Aldookhi’s voice, making her missing of Jassem, and making separation even more painful.

 

Oh my sweetheart,

Love was but a child.

A dream that by sunset we weaved.
A serenade that filled the world,
Floating by the southern side.

Oh my sweetheart.

So proud like the raging sea,
That tenderness of yours has taken over me…

There she sits, amazed as ever, drifting away in bewilderment with her longing, drifting away with the sweet melody and the tender words… She tries to get herself together for a moment; she sweeps the room with a glance.  She picks up her purse, and feels the chair’s arm where Jassem to put his hands. She feels the fabric with her palms.  She sighs and Looks around her, gazing at Jassem’s photographs covering the walls. Here he is shooting the ball in a game between Kuwait and Thailand in the world cup finals. They scored 6 goals in the first half and 4 goals in the second. Way to go Kuwait!

Here he is shaking hands with his dear friend Sheikh Fahad Al-Ahmad, head of the Kuwaiti Olympic committee and head of the Kuwaiti football federation. Here’s another photograph in his first day as an intern in Al-Sabbah hospital.  Here he is with Dr. Abdul-Rahman Al-Awadi and a number of his colleagues, and here’s another one, and another.

Souad looks around her, she feels embarrassed of the thought of her aunt’s husband coming in and seeing her in Jassem’s chair, she doesn’t want her aunt to come and find her alone without Laila. She stands up, taking a final look around her. She goes to Laila’s room and knocks the door gently. She wants to wake her up, maybe talking about Jassem with her would make her feel better and ease her suffering of separation.

Laila wakes up as she heard Souad’s knocking, she opens her eyes and smiles. She gets up and hugs her lovingly expressing how pleased she is with this lovely surprise.

Time goes by; Souad goes back to her house.  She promised her mother she won’t be late, and she took a book from Laila with her. She leaves her aunt’s house.  Her aunt kisses her goodbye as she dials her sister’s number, and tells her that her daughter is on her way home. She knows how much her sister loves her daughter and how much she worries about her. Souad doesn’t take long to be home, for it’s not a long way from Kifan to Al-Shammeya.

 

          Days keep on passing in Souad’s life, boring and dull.  Each day is like the other, she’s either at Laila’s or Laila is at her place. She does nothing more, except for the times when she hears Jassem’s voice by mere chance if he called while she was at her aunt’s. He’d talk to her; ask her how she’s doing. Only then feelings change, and everything else changes.

Separation lingers that Souad can’t stand anything around her. Even the slightest thing could get on her nerves, and all living situations become a burden. Most people are annoying to her that she can’t stand them being beside her, even her nieces Mariam, Mona, and Fadda, the baby whom she adores and everyone knows how much she loves, even Fadda.  Souad can’t stand being with her for more than a minute, and then she refuges to her room, taking shelter from their mischief and noisiness.

Now Souad prefers solitude, without ruckus or racket.  She prefers to remain in her room most of the time… Even her relationship with Laila became a little tense. She doesn’t want Laila to notice her concern after the changes she went through. Even though she tried so hard to pretend that everything is normal and as ordinary as ever, as if nothing changed after Jassem left.

One day Souad runs into Dalal at university, they exchange a quick chit-chat, from which Souad finds out that Jassem calls Dalal constantly, and that he’s upset and feeling homesick, and that he’s stressed due to the continuous work at hospital combined with studying. She also finds out that he’s coming to Kuwait soon.

Souad tries to remain calm, and leaves saying it’s time for her class, she also apologizes for not going to the club to see Dalal, and promises that she’d try to come one of these days with Laila.

Dalal hangs out with a number of her colleagues.  Her style in picking vogue and elegant clothes draws eyes to her. She looks like a stunning supermodel showing the most upbeat fashion. Her mellow style attracts everyone, and her cheerful personality makes her loved by everyone around her.

True, Dalal deserved that kind of attention, because her beauty and her mellowness made her an attractive personality that could give lively vibes to wherever she goes. She could break the ice in a minute with her amazing smile and her appealing character. It wasn’t hard for her to draw everyone’s attention wherever she goes.

She also drew Jassem’s attention; she wasn’t embarrassed of following him all around. Many times Jassem would find her in front of him all of a sudden, he’s laugh amazed by this boldness of hers, and he’d say jokingly “I swear to God, one of these days I’m going to open my bag only to find Dalal inside of it.”

Dalal wasn’t one of those quiet girls that could easily give up and back off. She was bold and daring. She knew how to charm others, and how to take over their thoughts and make them fall for her. How to make others give in to the might of her seduction and influence? Her weapons were her beauty and her charismatic personality. Her life didn’t change much after Jassem traveled, she still went to the club, living her life normally, until Jassem’s arrival was at hand.

Everyone was cheering wildly at the house; they were all running about preparing for Jassem’s arrival. Laila told Souad that he’d come today. His mother’s happiness was overwhelming, and even his father with all his solemnity showed how thrilled he was with Jassem’s arrival.

The two sisters meet, and filled with joy they talk about the arrival of their cherished son. “God willing he’ll be with us soon.  Life is so meaningless without Jassem.  It took him a while this time.  When would he back to fill the place again?!”

True, Jassem’s presence fills the place.  Any place he goes to. He fills it with joy and his loud laughter, his lively actions, and his quick jokes. His smart and funny comments bring joy to everyone around him. He’s such a pleasant guy, yet a man of determination and confidence that knows what he wants and how to achieve his goals. He knows how to score in the football team, and in real life.

Indeed Jassem is a charming character, loved by everyone. No one could get enough of him; they’d all rush to being with him. Souad grew up in a life so filled with love and appreciation for Jassem, with everyone being proud of him. It was normal that she’d develop loving feelings for him, especially that the two mothers would utter a comment from time to time that Jassem and Souad are meant to be together.

Souad murmurs to herself sadly “How is it possible that I couldn’t make Jassem love me all that time? How couldn’t I have let him know that I love him? How?”

Souad was brought up in a strict, straight, and tender way. Her mother is a religious lady, and her brothers are very concerned about her, for she was the little sister that got their love and care. Even her father and her late grandfather, they treated her like her brothers. They were preparing her ever since she was a little girl to be something one day, to bear a huge responsibility. They didn’t discriminate between boys and girls.

It wasn’t odd that Souad would grow up into this strong, self-managed lady that knows how to use her mind. She wasn’t much of a teenager, she didn’t have pointless experiences. She didn’t care much about girly stuff, which made her respected and appreciated by everyone. That boosted her ego and created a very high self-image for her.

The day finally comes.  Everyone starts preparing for Jassem’s arrival from the break of dawn. His mother has a fabulous dinner prepared for him, including all the dishes he loves.

Souad goes with her mother to her aunt’s house, all dressed up, and along with her dress she puts on an invisible mask beneath which she concealed her true feelings, hiding how excited she was. She was very excited though she looked calm in her beige silk dress that gave her innocent and quiet looks, and made her even more charming with her dark skin, her velvet jet hair, and her wide black eyes.

 

 

Jassem arrives after a short while, storming into the house laughing out loud as ever. Saluting everyone lovingly, he hugs his mother so tightly, and everyone gets tearful eyes for seeing this showing o emotion. That warm hug moved everyone in the place, while Souad was looking away in fear of getting overwhelmed by her emotions and shedding tears as well.

Souad would rather die or be buried alive than letting anyone see her tears. She felt that she can’t have that kind of weakness, and that no one could ever see her crying, even those people closest to her. That was what she learned as she was growing up.  As a child, whenever she cried the world would go heads over heels, as if a volcano had erupted, or as if a hurricane has hit the house.

Her father would bear anything except seeing Souad’s tears. To him it felt like drops of lava dripping on his heart. He’d put anything aside and take Souad between his arms, patting her back, kissing her forehead and face. He wouldn’t stop till she’d stop crying.

After that, he’d take her for a ride, they’d go for juice and candy stands. He’d take her to Al-Shammeya stores and buy her everything she wants, toys, chocolates, whatever it was. He’d let her pick whatever she wanted.

They’d keep on with the ride, playing Awad Aldookhi’s songs in the car. He’d sing along as he hears that lovely song which Souad loves, because she knows how her father loves it. She’d be thrilled as she hears him singing along while driving

            O night, come to us

            What a beautiful night, for Dana.

          O night, come to us

          What a beautiful night, for Dana.

 

          Souad would hear the song, and forget all about her anger. Her father wouldn’t leave her until he sees the smile on her face. He’d look lovingly at her, hugs her close and she’d laugh as she hears him singing to her, just to her.

 

                    As pretty and charming as ever.

                   But only if she’d answer me.

                   O night, come to us

                    What a beautiful night, for Dana…

 

When Souad would laugh, the whole world laughs too. Her father would kiss her on the cheek, with a big grin that would make her day. For all that Souad knew what her tears were worth, and how important her feelings were. For that she kept them to herself, concealing them from the closest people to her, not wanting to see the mess, her tears usually brings. That was why she hid her feelings carefully, so that Jassem wouldn’t feel what was in her heart.

Jassem keeps saluting everyone, not ruling out a single person in the house. He walks towards Souad, drawing nearer as his eyes revealed how much he missed her. He takes her hand between both hands. Souad gave in to his gentle press on her hands, listening to him saying with a warm voice, while his eyes are staring at her wide beautiful eyes “I missed you, Souad. I really missed you so much.”

Souad shivers as she hears these words so full of longing. Her heart beats so fast because of this warm unexpected meeting. She feels joy overwhelming her, taking over her. She remembers the day she came to this very hall that feels so empty without him, except for his presence surrounding her, taking over her thoughts and feelings.

“Oh, Jassem.  Welcome home… I can’t believe you’re finally here, welcome home.”

Souad keeps asking herself “Is it true that he’s really here?”

She feels as if she’s dreaming.  Yes, she is dreaming. She’s so overjoyed that she feels she’s on the verge of passing out. It’s not easy for her to bear the situation and to pass the moment. The emotional current flooded her so fast, so much bigger than she expected. Souad can’t stop staring at Jassem. She notices how much he changed. He got even more attractive and manly, his figure looked better, his beard and moustache were better trimmed, and his hair got longer that it almost touched his navy blue overcoat. “God bless you, Jassem.  God bless you.”

Souad sighs deeply saying to herself “Oh Jassem, if only you’d know how much I love you, and how much I missed you.  If only you’d know how much I suffer because of this one-sided love.”

She’d say to herself, blaming him “How did you take all this time away, Jassem? How did you bear all this time away from me? How did Jassem? How did my darling?”

Jassem turns to her all of a sudden, looks deep into her eyes with a stare so full of questions that shook her to her very soul. Souad gets confused and bewildered, and thoughts fill her head. She fears that Jassem noticed her feelings. She looks away and pretends she’s talking to Laila, and tries to look like eating.

Time passes so joyful with family around, but before Jassem finished his meal the Indian servant comes to tell him there’s a call for him. Jassem walks to the phone in the corner, and as usual he speaks loudly letting everyone hear “Hi, Dalal.  How have you been? No, I just arrived like an hour ago. Dalal, please, can’t you wait for a little bit? Okay, okay then.”

Jassem smiles to them and apologizes for not being able to keep them company for the rest of the night, he leaves in his father’s white car, the same car that picked him up at the airport, and he goes quickly to meet Dalal.

They all stop eating; lose their appetite all of a sudden. They all get sort of cranky and upset after Jassem left out of the blue. Laila stands up and runs to her room, slams the door angrily behind her. Souad sits still; she keeps on chewing not being able to swallow.

Then, she hardly manages to swallow the bite mixed with all the tears that flows inside her.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Chapter Four

A silent echo

 

Everything got mixed up after Jassem left suddenly to meet Dalal without finishing dinner. Jassem’s mother loses her patience and bursts “As if we needed that Dalal! May God rid us from her! She didn’t even let him eat!”

Umm Abdullah – her sister – answered angrily as well “Yes, she has no shame.  I swear to God she has no shame.”

The whole evening was ruined; no one would touch his plate, except for Abu Abdullah who continues dinner as if nothing happened. He seemed to have some sort of sympathy for Dalal, who was a distant relative of his, although he didn’t consider it distant. Her grandmother is his mother’s aunt. He mumbles “He’s a young man and he’s free to do as he pleases, let him be.”

Souad hesitantly opens Laila’s door and walk in; she gets astonished to see her crying. She tries to make her feel better, but before she says a single word Laila bursts with a flood of angry words

“I swear I’m not going to let her get away with it.  I’ll show her. And you Souad, why don’t you help me? Why don’t you try to keep her away from Jassem? Don’t you love him?”

Souad in total bewilderment can’t answer this question… Laila’s attitude surprises her and makes her speechless. She can’t find words for such an awkward situation, so she refuges to silence.

Since that outrageous night, a strange kind of wars erupted between Laila and Souad on one side and Dalal on the other; a cold hidden war that started to get more and more visible. The two cousins had an alliance to overthrow the reckless queen of vanity, Dalal.

“May God help us?”

They patiently start planning and preparing carefully for the days to come. It’s true that who laughs last laughs longer. Just wait Dalal; we’ll see who’ll be laughing eventually.

Jassem’s vacation ended so quickly. Hours passed one following the other, as if in a race, and the time to leave drew nearer.

“Good days pass so fast.”

Everyone now was on full alert as Jassem was about to leave. The whole house was dedicated to getting Jassem’s requests, coffee, scented sticks, the basmati rice, the summer and winter gowns, the scent burner, the Basrian chewing gum and the assorted spices of which cardamom and saffron were of the most important. Everything was prepared so quickly after Jassem’s vacation ended so fast. That short vacation during which they rarely saw him. He was always busy playing football at the club with national team players.

Jassem had no time to meet Souad, but Dalal was stalking him wherever he goes as ever. She’d sit to watch his friendly matches, even during training time. Dalal didn’t want Jassem to be away for a single moment. She couldn’t sleep before seeing him. As for Souad, she tolerated the situation as she always does, for she can’t act like Dalal.

It was time for parting, but this time it was out of Dalal’s reach. Laila and Souad sit in a car that Jassem drives to the airport; his father sits in the front seat. Laila smiles to herself and mumbles “Finally you’re away Dalal, better keep it that way.”

Souad feels the same as well, she cherishes their blood relation and belonging, but there was an unpleasant surprise awaiting them at the airport. Dalal was already there, standing with tearful eyes, she has waited for them for so long.

Dalal sees Jassem, she runs towards him as soon as he steps out of the car. She shakes his hand passionately, almost throwing herself between his arms regardless of their presence. She shakes hi hands passionately, crying, giving him all his concentration with no feeling of embarrassment even with his father around, his father who looked sympathetically to her tears, while Laila whispered angrily “She really has no shame. That insolent girl would do anything.  Okay Dalal, just wait.”

Jassem bids them farewell, shakes their hands quickly as the plane was about to take off. He walks towards the counter with his bag on his shoulder, raising his other hand in the air. He runs inside while everyone goes to Jassem’s house. Laila becomes speechless and Souad doesn’t say a single word all the way. There’s no use of words now because Laila’s father is driving, and he could easily hear them.

The two girls think the situation over at home, they think of all kind of ways that could keep Dalal away from Jassem. Eventually, in her girly malice Laila suggest that they must travel to spend the summer with Jassem in the states that year. Souad, relieved by this suggestion, agrees with her. That was the only safe place that Dalal can’t reach.

So the United States it is. They have to start preparing for that summer plan from now, but Souad in concern asks Laila:

“Do you think they’d let us travel Laila? I don’t think they would. You don’t know how Faisal is like, Laila. He’s very strict, you don’t know him. He’s not going to let us.”

Laila agrees with her, because she too knows Faisal’s way of thinking. He deals with everyone with the policeman’s attitude. He doubts everything and never takes anything for granted as his father might do, he has to think and ask, then decide.

Souad was expecting that her brothers wouldn’t approve of their suggestion. They had to come up with a better plan. Faisal must be convinced before he agrees, and if he did every one else will. As for her father, he never said no to her, and he trusts her blindly. Souad kept thinking for a reason good enough to convince everybody.

Laila jumps suddenly saying “I got it! Aunt Umm Abdullah has a sick heart, right? She must travel to America to have her heart examined, and Jassem must be in charge of that to translate to her and follow up on everything himself, right?”

Souad laughs out loud, and says in deep relief “Way to go Laila, you got that one solved.”

They get on with their plan at once, especially the medical side of it. Whenever Umm Abdullah says she has a headache Laila would go in a sympathetic voice “Auntie, you should take care of yourself. You must examine your heart. Heart diseases cause headaches these days!”

And if she complained at home about a pain in her feet, Souad would tell her she must examine her heart, because pain in feet and knees is a sign of heart problems. Souad advises her mom trying to persuade her “Mom you must take care of yourself, you have to examine your heart so we’d quit worrying.”

So even if Umm Abdullah complained about her teeth, the girls would exchange a sneaky look, and advise her to examine her heart.

One day Laila talks with her mother about her aunt’s health, and says: “Mom, I wish you’d tell auntie to take care of herself a little bit more. She must examine her heart; I’m worried about her so much. She has to go to the states to examine her heart in Jassem’s hospital. He’ll take good care of her, and then we’ll all be reassured and we won’t worry that much. I’m not feeling good about her health lately. I’m really worried about her.”

Umm Jassem starts to feel concerned about her elder sister. She gets worried because of hearing the same words about her health over and over again, and she starts to tolerate the idea, and then starts to carry it out after everyone else got worried as well. Even Faisal agreed to their traveling easily, unlike what Souad expected. None of her brothers had any objections about their traveling to the states, as long as was the decision of their mother, whom they loved and respected.

With his eyes full of love, Abu Abdullah agrees that his wife and daughter travel. His daughter, whom he loved dearly, ever since she was born, she brought nothing with her but prosperity. Souad was a keeper; wherever she goes she’d bring about fortune. His late father thought that about her too, and he used to see her first thing in the morning before he leaves for work. He’d wake her up even if she’s sleeping, kiss her cheeks, and then go to work full of optimism.

Abu Abdullah had this nickname for baby-girl Souad; he used to nickname her “mom”. Whenever he walks into the house and doesn’t find her, he’d ask about her impetuously, “Where’s mom? Where did she go? When will she be back? No, no. Go wherever you want, but leave mom with me, don’t take her with you.”

Souad’s father loved her so much, and never stopped pampering her, even when she grew up and became a young woman. He couldn’t stop treating her the same way. He’d go on kissing her, hugging her, spoiling her. He wanted her to feel his love and tenderness. His later father was fond of Souad as well.

Souad learned administrative skills from her father, who studied commerce and business administration in Cairo University, so she started planning the next summer thoroughly.

“What will we need? What will we do there? What should we get now?”

The first thing Souad ever learned about success is to respect time, and to prepare everything beforehand and leave nothing for chances, and not to postpone anything. She knew how to manage her life without confusions or misinterpretations.

Souad finishes preparing everything, and not just the planning part. She starts carrying out her plan. She joins an English class in the British Council. She knows that Dalal is fluent at English because she’s a student in English literature department in the faculty of arts. She doesn’t want Dalal to have anything she doesn’t have. She learned how to make it to her goals ever since she was a little girl. She also gets an international driving license, and starts reading about America’s tourist attractions, especially about New York, where Jassem lived.

Her preparations don’t stop there, she also learns how to cook all Jassem’s favorite dishes, and learns how to cook lots of other recipes.

Souad doesn’t ignore any trivial detail. She even learns how to make Russian and French salad, and masters it. She was preparing for her little war.

The opponent isn’t frail, and losing is not an option. Yet Souad was never defeated before. She never thought of fighting for him that way before, she never thought of competing with Dalal, but she always refused that situation Dalal imposed on everyone.

“She doesn’t deserve Jassem, she doesn’t deserve him!”

Summertime comes, so hot that everyone is complaining about the weather this year. They start preparing to leave for the United States. Laila, her mother, Souad, and her mother, who needs to have her heart checked to be reassured. “Jassem is there, he’ll take care of everything.”

The plane takes off going to New York. Laila sits next to Souad, smiling and whispering, recalling their days in London, where they stopped for a couple of days to meet their relatives who were spending the summer there, and their uncle Ibraheem who was establishing his new firm with its headquarters in London, in addition to his other firms in Kuwait, Emirates, and Bahrain.

They recall the events of this short vacation in London, recalling their adventures with their cousins Siham and Manal, and their friends. They know Dalal, and they said she’d be devastated when she knows they’re spending the summer with Jassem.

Laila remembers Dalal; she laughs and says to Souad “Don’t forget, Souad. We have to settle this once and for all”. Souad nods and doesn’t utter a word. She doesn’t want her mother or her aunt to hear them, because they were sitting right in front of them. She also doesn’t want to talk about this embarrassing issue, even with Laila.

It wasn’t a normal situation for Souad as Laila thought. She found it very confidential and embarrassing. Even talking about Jassem would make Souad embarrassed. She doesn’t want to go through all this, but it is love. Sometimes it creates that kind of stubbornness and persistence.

The plane lands in New York. It doesn’t take minutes till they all met Jassem. He was standing there, looking very discerned among everyone else, with his Arabic handsome features.

He had a wide forehead, implying cleverness. His nose was firm and strong, and his lips full and manly. His moustache looked as if it was underlining all these features.

Souad stares at Jassem’s incredibly charming face… She stares at him totally fascinated, and every bit of her trembles the closer she is to him. She moves very slowly, making way for her mother and aunt. She wants to be the last one to see him. She wants the greeting to take its time; she doesn’t want a quick salute. She wants it as slow as it can be.

Their eyes meet, and his stare penetrates her very depth, sets her emotions on fire. All what she can think of is to hug him. She gets embarrassed, and looks down. She looks to him again, this time with a blushing face, and a charming smile revealing some of her longing. She can think of nothing but talking to him, being with him.

Her confusion fades away as he comes closer and shakes her hands passionately. She could see and feel how much he missed her, and she feels so attracted to him. It’s a new kind of happiness she never experienced.

They walk side by side, having trouble finding their way in the crowded airport. Despite the noise and the crowds, Souad distinctively hears Jassem’s voice. She walks on sweeping the place with a glance, and eventually resting her eyes on Jassem’s face. She pretends to talk to Laila, trying to hide how she feels. He had this amazing ability. He could see right through her, and she knew that very well. She knew what kind of magic he had.

It takes few more minutes till they leave the airport in a minivan that Jassem hired to be big enough for their entire luggage. They brought a lot of things they’ll need in their long vacation. Jassem expected that they would, so he prepared that minivan to avoid any surprises.

He sits with them, smiling, welcomes them, and asks about the family in Kuwait: “Is anyone coming to the states this summer?”

He goes on asking about their friends and kin. He asks about everyone as if it has been years since he’s been to Kuwait. Every once and a while he’d stop talking, and look at the road trying not to ask about Dalal.

He waits till they arrive at home, and asks Laila in private about Dalal. He asks if she sees her or meets her, or goes to the club with her. Laila answers malevolently putting all her innocence in her voice “Dalal didn’t change one bit, Jassem. She goes to the club with her friends everyday.”

Although Jassem and Dalal talk on the phone regularly, yet she never told him anything about her going to the club or those friends of hers. Weird.

Jassem understands the underlying meaning; he grasps the image silently and doesn’t comment. He changes the subject and asks about other things. He asks her about the club, and Sheikh Fahad Al-Ahmad, and the players Hamad Bu-Hamad, Al-Anbary, Faisal Al-Dokhail, and Al-Trabolsy.

He asks about all players and officials, especially Khaled Al-Herban. He asks about their neighbors too, every single one at home. He asks if anything changed since he left. He asks about the whole district of Kefan, asks if anything changed. He asks about the store, and the mosque, and even the trees in the streets. He asks about their driver Rajan, and whether he went to Bombay on vacation or not.

Jassem talks with his mother, and asks her about her father as if it has been years since he last saw him, as if he wasn’t in Kuwait just 5 months ago when he took a vacation to be in Kuwait for the 19th Independence Day.

The Kuwaiti Independence Day was good enough a reason for him to leave everything and goes home, to share this day with them, Independence Day, that he could never miss for the whole world.

That wasn’t a strange attitude. Jassem was a very patriotic young man who loved his home deeply. He loved the land, the sky, and the deep sea. He loved those who fought for the homeland and shed their blood for it. He was so fond of his father, brigadier Ahmed Al-Nasser, who works in the Kuwaiti Ministry of Defense.

Brigadier Ahmed Al-Nasser was one of a kind, he used the fewest words to express what he wants. He never needed to say what he wants out loud. Just his presence would be enough. Just being in a place would be enough for everyone to take notice of his presence. He had a low voice, and didn’t speak a lot, yet his charisma was too apparent to miss.

The way he expressed what he wants without saying a word was so special. What a man Abu Jassem is!

Jassem goes on asking about what’s new, wanting to hear about everything. It’s always harder when one is abroad. He’d feel everything is so distant and remote, and everything could make one worried. It’s the separation with its way of making everything harder.

Hand in there, Jassem. You’re the man. It’s just going to be a little while, and then you’ll be back to Kuwait. The homeland.

Jassem suggest that he takes them out for dinner in a nearby restaurant that was known for its amazing food. They refused his suggestion because they were worn out from the flight, they wanted to unpack and hang their clothes. They were all tired and sleepy and in need for a rest.

Jassem tags along, and thinks of ordering some food. He didn’t see this opposition coming. He stands there thinking about a new dinner plan after this rejection, and Souad laughs thinking of how he feels. She tries to rid him of his embarrassment and says “Don’t worry, Jassem. I’ll cook you dinner tonight. Leave it to me; it’ll be ready in an hour”

Jassem looks at her gratefully, for ridding him of this trouble he doesn’t for the time being- see coming. He didn’t have any food prepared because he wanted to show them around from the very first minute, but they didn’t want to and he couldn’t make them. “As they like. Let them do what they want.”

He goes out to buy some stuff from the nearby supermarket, and Laila insists on going with him. She doesn’t want to stay at home, and wants to see everything in the states without missing a thing.

It was a new situation for Jassem, he didn’t know what to get them before they arrive, he didn’t know what to get them or what to do for them. It was the first situation of a kind to him. It’s the first time he’s in charge of a house full of people, and it wasn’t easy for him. All his life he was being taken care of, and never been into things related to taking care of a house and a family. That’s why he was relieved when Souad said she’d handle dinner. It was such a relief to get rid of embarrassment.

Souad goes to the kitchen and starts cooking dinner, while the two sisters prayed in the large bedroom that Jassem left them, and spared the small one for himself. After prayer the two women talk about cardiac diseases, and methods of treatment in the states, and all the facilities and doctors.

Umm Jassem says to reassure her sister “Jassem will take care of everything, don’t worry, sis. It’s different now, and nothing is that hard anymore. It’s going to be ok, God willing”

Umm Abdullah feels relieved, after he sister made her feel much better. They both sit on the floor talking, sipping tea in the crystal cups they brought from Kuwait. They share this chit-chat leaving the unpacking until Jassem and Laila return, to do it with Souad when she’s done with dinner.

Souad cooks a great dinner, and smiles saying to herself “The path to a man’s heart passes by his stomach. Yes, that’s the way. Okay. More spice on the meat, and lemon, garlic, and olive oil on the salad. There it goes”

Souad starts grilling the meat in the oven, she mumbles to herself “Wow. You’ve become one hell of a cook, Souad!”

She puts the food in the oven… Jassem and Laila weren’t back yet. His mother asks, “What took them so long Souad? Where did they go? What time is it now?”

Souad answers still standing in the kitchen, “Maybe they went to another store. Don’t worry auntie, they’ll be back soon. You know how outgoing Laila could get. I’m sure she’s the one stalling Jassem.”

Minutes later Jassem walks in, smells the food and follows it, trying to find the delicious food that made it, and goes into the kitchen, saying “Wow. What a smell! It’s been ages since I last smelled this, since I’ve last been in Kuwait.”

Jassem looks around as if he’s searching for something “I’m so hungry, I could eat all of this by myself.”

He goes to his room and changes, then goes to his mother and aunt, sits beside them on the floor and talks about his aunt’s health, and tries to reassure her. “It’s all very simple now, it’s not a problem. It’s really more of a standard procedure now auntie, don’t worry. Just don’t think about it and leave it to God. The only problem now is that I’m starving, come on. Let’s grab a bite.”

Jassem takes his mother and aunt to the living room, and stares at the numerous dishes on the table. He sits for dinner, and still can’t believe that Souad, his little spoiled cousin, knows how to cook all this on her own.

Jassem says jokingly, “No, Souad. I don’t buy it. I’m sure you brought this food from Kuwait with you. It can’t be you. I guess it’s your cook Komar, right?”

Jassem looks at Souad admiringly, and says as I he discovered something “Look how much you grew up, Souad”

He goes on complimenting her for the rest of the meal, and times goes by full of humor and joy. After a while the two sisters feel sleepy and go to bed in the large bedroom, while Laila, Souad, and Jassem sit in the living room that was full of magazines and books.

Laila turns on the television, and sits in the armed chair, while Souad sits on the floor reading some magazines she found, right next to the sofa on which Jassem lied down. He was tired from standing up all day, plus that he was sleep-deprived, he only slept for like four hours.

Laila watches the series intently, and Jassem joins her, while Souad was all scattered between the magazines she’s reading, and the television, and Jassem who was right next to her on the couch. “Oh God. Is it for real? Is Jassem with me in the same room? Am I breathing the same air he’s breathing? I can’t believe this!”

She sighs with a trembling heart, not believing that Jassem is right next to her. Is it possible? Or is it a miracle? What is she feeling now? Is it another kind of love mixed with fear and embarrassment? Or is it anticipation?

Jassem moves suddenly on the sofa, he raises his arms and stretches, rubbing his neck. Trying to ease the sore he feels. Souad stares at him, feeling like talking to him and telling him how she feels, but she refrains from doing so.

She barely keeps herself together, trying to suppress her feelings towards Jassem. She doesn’t want to think about him too much. She knows he’d feel her and see right through her. He’ll know how she feels and how much she misses him. It was a gift he had, to see through people.

She says to herself, “Enough love already, Souad. Enough”, and in that moment Jassem looks at her, saying, “Would you like an Arabic movie instead, Souad?” He asks her with a stare of love and passion, and says, “I have a variety of movies on tapes here, Souad. Just pick whichever you like. OH, right. I still have, “The bachelor of Salemiyah” Play, what do you think? Would you like to watch it now?”

Souad thanks him, because she knows he likes the series that Laila was watching as well, and says, “No, thanks Jassem. I’m reading those magazines; we’ll watch it tomorrow together, God willing. Mom loves Abdul-Hussein Abdul-Reda, and Souad Abdullah. She loves watching them.”

Again Jassem stares at her admiringly, as if he’s giving away the answer she longs for, the words that would put her out of her confusion. He goes on, “How did you get so neat, Souad? The dinner was just great, when did you learn all this? Seriously now, did you cook this or brought with you from Kuwait? Please tell me, Souad.”

Souad laughs, and joy takes over her heart. She can’t believe it, and says to herself, “Oh God. Jassem is complimenting me all night long, could this be real? He’s really joking with me and complimenting me?”

Souad feels that he has feelings for her, that he likes her, and loves her. That thoughts boosts up her heartbeats, for she concealed her feelings for him so deep in her heart, tucking it away in a dark spot in her thoughts. She knows he loves her, he sure does. But he doesn’t say it. Why doesn’t he? She could never tell.

Souad drifts away with her thoughts, and smiles back at him with that charming smile of hers. That lovely dream takes her away and shelters her; it comforts her heart and relieves her utterly. She feels thrilled for knowing she’d live with him for entire, sweet, happy days, full of warm welcoming and passion. And what a passion it was!

Souad refuges to silence, and listens to her heartbeats as the vibes of love start to spread in her body. She stares at the magazine, turning the pages, hoping that the sound of turning pages wouldn’t make her heartbeats so obvious, yet it kept getting louder and louder.

Night becomes darker and quieter, and that sound inside Souad heart’s becomes louder, while her heart starts this silent conversation, hidden in the ordinary words she exchanges with Jassem, whom she loved and dreamed of for so long. Her feelings flow like an unstoppable current, and Jassem was the drain, her beloved Jassem.

All of a sudden the phone rings breaking the muffled charm of the night, and tearing that floating canvas of a dream. It annoyed Laila and broke Souad’s heart, for it was Dalal.

Jassem takes the phone to the other small room, and closes the door seeking more privacy. Laila looks to Souad all angry and amazed, and says, “God damn it! There’s no getting away from that Dalal! Is there?”

Souad looks back at her with a gloomy stare, feeling defeated and humiliated. She looks down in shame, and doesn’t utter a word. She’s totally lost all ability for letting out her feelings in front of Laila, or in front of herself even. Laila feels her suffering and doesn’t say a word in respect to her pain, trying not to embarrass her. She sits besides her, trying to make her feel better, and says in a low voice that she made sure wasn’t loud enough to reach Jassem, “It doesn’t matter; we’ll find a way out of this. We won’t give her a chance to talk to him for as long as we stay here.”

Laila goes on describing her plan-B for fighting off Dalal’s invasion of Jassem’s heart. Souad nods along hoping she’d save her love, that love that’s been taking over her for so long, controlling every bit of her.

Minutes later Jassem comes out from his room, barefooted, and he points to the TV, gently asking Laila to lower the sound a little bit. Laila complies at once while he goes back in, closing the door quietly.

The two girls exchange a silent stare with lots of underlying meanings, while Jassem’s voice was still heard, faded out, but it was still obvious he was talking to Dalal.

Souad feels jealous, sad, and disappointed. Even the happiest moments could give way to a minute of sadness. Souad refuges to silence, full of rejection to all her surroundings, and totally fed up with Dalal. That bald girl who wouldn’t quit stalking Jassem and following him around, that wouldn’t quit trying to lure him into her charm.

Souad looks down, staring at the floor, and struggles so hard trying not to shed her tears in front of Laila, she stands up with a broken heart and a sad face that she keeps calm on the exterior, but her heart was on fire.

She avoids looking directly at Laila, because she looks so much like Jassem. She can’t look at her, for all the sadness that it’s going to cause her. For all it’s worth, Jassem has no right to do this to her.

Souad goes to the bedroom, and sleeps next to her mother. In her heart she could hear a voice full of rejection and denial. She can’t bear this feeling she has at this time of night. She’s haunted by vague emotions that get to her. Deep down inside of her, and into the darkness of the night around her, she hears a tender voice that she loves and knows since her childhood, a voice that comforts her. She begins to relax, giving in to Awad Aldookhi’s voice as he sings,

For my beloved one I still crave.

As the longing is my plight,

No words can phrase this feeling.

That haunts my sleepless nights.

Through the night I keep on dreaming.

God knows it with all his might.

God knows it with all his might.

 

Souad lies down, praying that God would ease her pain, and rid her of her sorrow, and relieve her from the torment of this love.

 

Chapter 5

Sea Tenderness

Laila and Souad agreed to make an anti plot against the hot line between Jassem and Dalal; they wanted to put an end to this hot line totally. Anyway, this matter is not that hard, in fact, because after considering the situation it turned out that Dalal was the one who would make the phone calls mostly, thus, Laila and Souad had to exchange taking care of the issue of the phone so long Jassem was staying at home. Hence, whenever any of them would find Dalal to be the caller, she would pretend that there was a problem with the phone line and hang up then. Also, any of them would tell her that Jassem was asleep or that he was talking to his paternal aunt, at the hospital, in the kitchen or even bringing some stuff from his own car.

 

Finally, Dalal’s calls decreased gradually and both, Laila and Souad, started to notice that there were no long night whispering phone calls; rather, most of these calls were fraught with a lot of accusations that would irritate Jassem and drive him to be nervous. No sooner that such calls turned to be mere fights over the phone at the end of their first month in the U.S.A for Dalal lost control over herself totally and she was utterly destroyed by being jealous of Souad and her doubts about Jassem and Souad’s affair. She would repeat, “Why has he become too busy to care for me? Why has he not care for me since the arrival of Souad to the U.S? Surely he likes Souad and is happy for being with her.”

Upon that, Dalal was out of patience and she was eaten up by jealousy and was affected by it to that extent that she accused Jassem so openly of being in love with Souad and of being happy to be with her. Also, she would tell Jassem sarcastically, “By God, you have your excuse, Jassem. You are so right and I cannot blame you for the girl is beautiful and she is sitting right with you all day and night in the same flat. Surely you have your excuse for how come you would think of me now as you have Souad with you? You can never do that, I told you have your excuse. It’s over Jassem, enjoy your time with Souad but never forget to invite me to your wedding party, goodbye.”

Dalal would hang up with Jassem and end the phone call while Jassem would be totally astounded due to her exaggerated anger after denying this issue totally, however, her voice while she was shouting echoed in Jassem’s ears; she would say, “Explain to me how you have become busy overnight since the coming of Souad. How come? For God sake, explain it to me.”

Jassem became so angry due to feeling wronged and humiliated, too. He felt he was steaming with anger due to such false accusations directed by Dalal to him without any consideration. Anyhow, Jassem started to receive similar consecutive phone calls form Dalal in which she repeated the same accusations of his love for Souad and his feelings for her. Thus, Jassem could not take that anymore and reached a final conclusion stating that Dalal became so nervous and unbearable.

Jassem’s tendency to keep away from Dalal started to develop and he became angrier with her phone calls that became a source of his anger, nervousness and fury for she would shout at every call saying, “Souad, Souad, Souad…”

Jassem would ponder, “What are these words she is describing Souad of? She never stops shouting on saying her name. True, Souad is my cousin and she is so beautiful and nice as Dalal says but there is no such a thing between us as Dalal is thinking for Souad is a very reasonable girl and she is not reckless or impetuous. To me, Souad is like my sister, Laila. There is no difference between them.

Jassem would add while thinking, “No, Souad is not like a sister to me as I thought before. No, Souad is attractive and there is something interesting about her.”

At last Dalal managed to achieve what Souad could not achieve. She even managed to draw Jassem’s attention to what he was not aware of, thus, Jassem started to reconsider his previous view of Souad in a different way.

Souad was moving before Jassem and going to and fro with her tall and great figure which was very well-built. She was talking to him decently and delicately with a nice low whispering voice. She was talking to him with her wide eyes which were full of tenderness, affection and respect. Souad was doing everything very skillfully and with perfection and in a very organized way as well. She would discuss many things with him in a very nice way that is marked by tenderness, moreover, she knew how to deal in an organized way with everything and she also knew how to deal with everybody reasonably and in a rational and an understanding way.

Jassem was astonished due to being impressed by Souad all of a sudden and he blamed himself for not having seen her this way before. He wondered how he has not been convinced of her before.

She was doing everything; she was even arranging for the weekend’s outing on behalf of him ad she would even do that without forgetting about anything necessary for it no matter how insignificant it was. She was organized to the core.

Jassem noticed his feelings in great astonishment while realizing Souad’s behavior. He would say; “She would even fetch whatever the house needs herself.”

Jassem became preoccupied with Souad and became busy with his hospital as well for he was following up with the results of the checkup and the X-ray and the results of his maternal aunt’ diagnoses, Umm Abdullah. He was following up with all that so as to finish them in the different departments of the hospital for he really loved his maternal aunt and was so worried about her health. Also, his responsibility as a doctor necessitates that he would hurry up in taking whatever measures needed to know about her case and be reassured and reassure others, too.

But on that very day, he wanted them all to come to the hospital as soon as possible, so, he called them at the house and asked them to come after he had known from the specialist doctor that it was necessary that they would come so as to make some medical checkups and x-rays as well as some necessary diagnoses.

Souad was overwhelmed with joy on going to Jassem and on seeing him wearing his white coat sitting at his desk in the doctors’ room. She saw him while he was absorbed in reading a report in English after reading which he started to have a discussion with an American doctor.

She stood to look at him in tranquility, happiness and while being impressed. She was impressed by him and by the awesome medical atmosphere surrounding him. The room was nice and the medical English jargon which Jassem used in a fluent way impressed her, too. What was more important was Jassem with his tall figure and his wide shoulders that manifested themselves through the very white coat he was dressed in the thing which made her more impressed and added more fuel to the fire of Jassem’s attraction and her impression.

After the coming of the results of the checkups, Jassem told them about the doctor’s desire to admit his maternal aunt to hospital so that she would be able to make some other medical diagnoses necessary to diagnose her case accurately for suspecting some heart problems and the doctor just wanted to be sure of that.

Time passed very slowly mixed with worries and expectations and waiting for Jassem. Umm Abdullah and Jassem’s mother, however, Souad was and Laila were so reassured and they were not worried at all about what was happening because the whole matter was nothing but their own invention as they were the ones to come up with the idea of the disease, traveling and the checkups. All this was nothing but their own scenario.

Laila and Souad would even understand each other through eye contact, they were smiling, whispering to each other though they used to assume being worried and very concerned about the matter so that no one would doubt their behavior. Sometimes, whenever Jassem would speak about the checkups and the diagnoses, they would wonder about that especially Souad who was so astonished by Jassem’s seriousness in following up with this issue. Also, she was astonished by this exaggerated seriousness and the worry that used to characterize his tone.

Both of the girls would wonder why Jassem would take that matter so seriously and in a very sensitive way like this and in a much exaggerated way. They would laugh secretly about that thinking that he is a very accurate doctor who would be worried due to a disease which has no existence.

But what a surprise, the family became angry and everybody was worried about the health of the tender aunt who started to feel maddening pains. Souad became very sad for her mother’s illness and she started to feel guilty due to knowing that she underwent a heart-discovering operation in the hospital that showed that there were three coronary veins which were blocked and that an urgent surgery was needed.

Jassem took the reports and showed them to the specialist doctor then headed for another place in the hospital trying to cut the time short. He was doing his best so as to make the necessary preparations to undertake the operation as soon as possible after the results of the next diagnosis had shown that three coronary veins were blocked.

It was, then, necessary to undertake an operation and the patient had to know the fact about his case. Jassem told his maternal aunt about her case and he told her in a very soft ad pain-alleviating way. He was keen to lessen her worries whereas the American way necessitates that the patient should know about his case in a very direct and personal way, thus, Jassem asked the doctor who did the heart-discovering operation to allow him to tell the patient about that himself.

At that moment, Souad knew about the reality of her mother’s disease and was about to get mad due to knowing that her case was really critical and that it was not a matter of joking as she thought and believed. That was because her mother was in need of a heart-operation.

Abdullah’s mother was admitted to hospital and everybody was around her. Abdullah’s father was beside her as he came from Kuwait immediately after knowing the news. Also, her youngest son, Badr, was there as he came right from London. Everybody wanted to be with this kind woman who used to shower everybody with endless love, however, Faisal just made phone calls to be reassured about his mother’s case for he could not come to her as the nature of his work as an officer in the ministry of interior did not allow him to take an immediate leave at that time. Also, his wife, Fadila, was admitted to hospital, too, for she had a miscarriage at the third month of her pregnancy. Abdullah, her elder son, called her many times and started to follow up with the situation from Kuwait because he was responsible for the work in his father’s absence.

Jassem arranged everything with the hospital’s administration to book a special wing which consisted of a room attached to which was a reception with an additional room, a saloon and a small refrigerator. Jassem would stay sometime with his maternal aunt at the wing to reassure and encourage her while he would talk smilingly and in tranquility with everybody around trying to reassure them and tell them that they needn’t to worry as she was O.K.

Before leaving the room, Jassem’s pager which was hanged to his pocket rang, so, he turned to the phone to dial a certain number. Then he started to speak in a sound English accent and in a perfect way, and then he finished the dialogue and left in a hurry to whoever wanted him. Afterwards, he came back and continued to welcome his maternal aunt’s husband and Badr for he was so keen to drive away their fears and alleviate their worries and reassure them as well then he would take leave of them to continue his work in the doctors’ room.

All of the events helped elevate the status of Jassem in Souad’s heart and soul and in her mind as well. Really, Jassem had his own place in Souad’s heart and he was her beloved. Souad blamed herself for the English language that she did her best and strove to learn in the British Council in Kuwait almost vanished in the air and the practice proved that she needed to learn a lot.

Also, Jassem was there like a moon with his welcoming reception of her father and brother when they came to be reassured about her mother’s case. The scene of the men’s hugging in the airport was really affecting and Souad could not help bursting into tears as her tears flew over her cheeks unwillingly but she wiped them off quickly for fear that her father and brother would be affected or feel the dangerous case of her mother. Actually, she could not control her feelings and she was deeply affected, thus, she asked God to keep them safe and grant them well-being and keep her mother safe ad grant her a long life.

Souad thanked God that only coincidence saved her mother from that disease and she thanked God that Jassem was her cousin as he was that great doctor who was following up with her mother’s case quickly and enthusiasm and he sought diagnoses and checkups in to be done quickly, too. Thus, Souad’s love for Jassem started to grow stronger and Souad started to divide her time between staying with her mother at the hospital and visiting her father and brother at the hotel at the same building that consisted of both the hospital and the hotel. Also, she cared about visiting Laila and her maternal aunt at the house as they did not fall short in coming on daily bases to visit her mother at her special wing in the hospital.

Souad tried to alleviate her father’s pains and to drive away his fears and worries that he started to have since the moment he came to visit them at the hospital. Hence, se took many pictures to show him the nice places they had visited and seen up till that moment. Everyday she tried to talk to him about a different issue so that he could not get bored all the time at the hospital.

The week was over very quickly, and the time of the visit was over, so, everybody left the wing to leave Abdullah’s mother to rest and sleep after getting out of the ICU. Souad remained with her for she couldn’t leave her mother even for a moment for she loved her so much and she cared about her and showered her with sincere love coming out of her soul, thus, she couldn’t leave the room and remained to recite the Glorious Qur’an for a long time praying to God to grant her mother good health and long life.

After the crucial moments had passed with their hard time of waiting and worries, Jassem declared with joy and victory that the health conditions of his maternal aunt passed the dangerous phase safely and that she became in a good condition thanks to God. Therefore, everybody was overwhelmed with joy and they lived in great happiness and praised God a lot, thanking Him for saving Abdullah’s mother from danger and granting her life and good health. Praise be to God, the Lord of the Worlds.

Abdullah’s mother needed sometime to recover, and Souad did not fall short in caring about her even for a minute and she continued to take care of her with love and tenderness while Jassem continued to follow up with her health conditions with the same love and tenderness and he would even tell Souad about medical information that she was ignorant of and he would be patient on doing that as there as enough time to do that for he never ceased to see Souad even at the times of lunch or supper, rather, he would invite her to have a hot meal at the cafeteria of the doctors at the hospital.

Souad would sometimes like to offer him some of the hot meals she would prepare herself and they would even take their tea or coffee at the saloon attached to the room of her mother and they would talk and have many discussions about many things every night before Jassem would return home at midnight.

In fact, Jassem’s attitude was not adopted on purpose so as to get close to Souad but only the circumstances brought them closer and such circumstances brought the time and the good chance so that he would come closer to Souad. Thus, their meetings were pure, nice and interesting without being interrupted by work for any doctor, patient or visitor would come at that late time of the night before he would return home and be reassured about her and his maternal aunt.

Souad stayed up with her worries about her mother with Jassem who providing her with the sense of security and tranquility and those hours that she used to spend with Jassem were the nicest moments as she was accompanying Jassem, sitting with him, hearing his voice and seeing  Jassem’s eyes that she really loved and adored.

During such different situations of fear, worry, expectation, and the feelings of security, Jassem saw Souad in such different situations. He saw her while she was afraid, while she was reciting the Qur’an and while she was supplicating God. He saw her while she was active, while she was drowsy and while she was tired. Also, he noticed her in the moments when she was waiting for him, when she was happy, laughing, preparing coffee or tea. He noticed her while she was trying t talk to some of those who work in the hospital in English. Also, he noticed the way she was talking to her father and her glimmering eyes, too. He noticed how she dealt with her brother with love and affection. Jassem saw Souad through all these situations and felt the different feelings she had. Jassem was totally identified with her feelings all.

They passed while all day and night Jassem was getting closer to Souad. Indeed, the hard situations reveal the true nature of a good man. Both of them discovered at the same time that they were close to each other’s heart and Souad was sure that Jassem did all the needed things for her mother and that he did not fall short in whatever aspect. He did not even give her the chance to ask for anything as he would do anything before being asked to do it. Souad also proved a great ability to understand some medical expressions the thing which surprised Jassem and proved her sharp intelligence that was admired by Jassem.

Surely, days came up with many situations and events that were fraught with surprises to the extent that Jassem would not understand at one go. He wondered how Souad enjoyed all that. She enjoyed intelligence, steadfastness, endurance, power and strength. Souad also enjoyed patience and a remarkable ability to endure hardships. She, in fact, never weakened due to danger and was never incapable of facing hardships. How great! All these merits and all these abilities manifested themselves in this little and calm girl. Jassem would say, “Indeed, whoever does not know the nature of a hawk, would roast it.”

Abdullah’s mother left the hospital for the house to be under Jassem’s care and at the same time she would go for consultation in the hospital daily for about a week. Abdullah’s father paid off the hospital bill and went back to Kuwait while Badr remained at the hotel to stand by his mother for sometime so as to be reassured about her.

The flat became full of roses and many different kinds of flowers of different colors for Jassem’s friends from Arab doctors and American ones knew that his maternal aunt’s operation was successful and that she was recovering at that time, therefore, Badr threw a little party for his mother due to this happy occasion, thus, he prepared the living room theater-like so he could have control over the light system through some lamps and some table lamps that he brought from other rooms.

Then he stood at the middle after moving the big table away towards the wall making of it a sideboard that brimmed with sweets, roses and fruits, and then he started to give a theatrical comic performance for his mother’s sake. In such a performance, he was imitating the great artist, Abdul Hussein Abdul Reda as he knew that his mother loved this actor and would become happy due to watching any series or play in which he would feature any character. Thus, Badr started to imitate his role in his new play, “Bye, London” Also, he imitated the role of the actress, Haifaa Adel.

Badr was not satisfied with that only but he started to sing imitating the most famous singers like Abdul Muhsen Al-Muhana, Gharid Al-Shate’s and Talal Al-Madah, Mohamad Abdu as well as the singer whom his father loves most, Awad Aldookhi. He even imitated Aisha Al-Marta in some of her songs because his maternal aunt, Jassem’s mother, likes her.

Badr was so absorbed in throwing his very special party which was so successful and which contained many items like singing, dancing, acting, and imitating to the extent that he sung many songs for Fareed Al-Atrash[7], Nazem Al-Ghazaly[8], Nagat Al-Sagheerah[9] and tried to imitate the TV announcer, Amina Al-Sharah while she was presenting some of the programs and fascinating the viewers with her beauty and youth.

 

Abdullah’s mother was so happy with this nice party where they enjoyed Badr’s performance that entertained them and filled their hearts with joy and laughter, making everybody happy due to his talent. Thus, everybody assured while they were happy that he would be a star in the world of acting one day.

Abdullah’s mother recovered soon and her conditions stabilized, so, Badr sought permission to leave for London where he would meet his cousin, Khaled, the student in Sand Hurst Academy which is near London. He intended to spend part of his holiday there with some of his friends and some of Badr’s friends, too who used to gather in the summer in London, the city of fog.

Days went on, a day after another in happiness and Souad’s fascination by Jassem’s profession became very obvious in her two wide eyes that had great love and appreciation for Jassem but this time this was another kind of fascination. She was fascinated by his skill as a doctor who was working in such a great and big hospital.

Souad saw that with her own eyes while she was staying in the hospital before and after the operation. Though there was no enough time, Jassem never fall short in caring about his maternal aunt. Souad knew that and knew that he would start working at the hospital at 4 a.m. by following up with the patients so as to follow up with all the cases and write reports about them he would prepare the reports about the cases he diagnosed, revise them and make a report about every single case and submit them to the concerned employee in the hospital.

Time went on happily and Jassem started to be close to Souad due to this fascination she had due to his skill which was different from the kind of fascination teens would have the thing which Jassem was fed up with while seeing it in the eyes of reckless girls whose clothes might be marked by nudity and who shower others with praise endlessly.

All of a sudden, all the barriers between Souad and Jassem were destroyed and he felt he needed her after being fed up with such reckless feelings of teenagers. He became bored with such feelings of maniac girls who would chase him after scoring the decisive goal in each match. They were chasing him but they never knew that they never impressed him. Even Dalal, she was still dealing with him as the famous soccer player who is successful and handsome but no one appreciated him due to his knowledge before or respected him due to that. But after his maternal aunt’s operation, and after Souad became close to him, Jassem became sure that she was not looking at hi as a famous and handsome athletic man, rather, she was looking at him as a successful and able doctor.

Souad saw herself how great the hospital was and saw the way he dealt with specialist professors of medicine and how they considered him a genius student. She saw how they treated him as a fellow doctor who had the same rank and status. She saw that herself, felt that and this was manifested in her feelings.

Jassem enjoyed this new kind of fascination, i.e., her being fascinated by him as a doctor and not as a soccer player. Jassem enjoyed that feeling while seeing for the first time a girl who was fascinated by medicine and the doctor.

This situation was sufficient to achieve more success and fascination and with a nice companionship and good and affectionate relation, Jassem discovered by being close that Souad’s calmness was not a kind of arrogance or pride, rather, she was trying to be herself and he also discovered that Souad became no more the little innocent kid who does not love anything in the whole world except playing with Laila and being with her.

Jassem also realized that he never knew any girl that close in spite of that limelight he enjoyed and in spite of his success. Although he was a young man who had his influence on any girl, he never had the chance, in fact, to do this because he has been busy since his childhood with sports and being trained to soccer.

Indeed, soccer deprived him of his childhood and his adolescence. Also, his concentration on his studies while he was a young man and his attempt to coordinate between his studies and sport took away the rest of his time and deprived him of his dreams. Actually, Jassem did not have the chance to love any girl and he never had a close relationship with any girl, so, Dalal managed to impose herself on him but she never managed to create any kind of understanding or discussion between them. She was fascinated by him and astonished by all the limelight surrounding him.

Dalal would even believe whatever word he would say even if he came telling her that London is the capital of America and she would never accuse him of lying. No, she would believe him thinking that this is the right thing and she would be fascinated by that new discovery of Jassem and she would never consider that wrong, rather, she would consider it a new point of view in the field of political geography.

Jassem knew Dalal very well and he knew the way she was thinking, the way she talked and the way she behaved in. He knew her appearance and her reality. He even knew her way and her reaction in dealing with different matters and he knew he did not have the chance to have a discussion with her because she would never stop talking about her dreams, her wishes and herself.

But Souad was something different, for everything was totally different. She is a good reader with nice, calm and cultivated behavior and she was reasonable. She was cultured and her character was deep and she had something that Jassem did not find with Dalal. She was a good listener; she would listen in a good way, understand and she had a good realization of matters.

Dalal was showering Jassem with the feelings of love but he felt he was sinking in a sea of love with Souad. He found with her depth, warmth, containment but the other kind of love would be likened to a sky that was raining cats and dogs and such a thing would not be found except with a harsh rain. With Souad he felt as if he was in a sea or an ocean and he would never sink in it only for one time, rather, the more he would go deeper, the more he would feel that water is surrounding him from everywhere. There was a kind of depth that he would not feel; it would take him, surround him from all sides, hug him and contain him. It’s true we feel the rain but sometimes we run away from it and even try to hide from it, however, when we would walk by the shore of the sea, we would enjoy touching the water and would like that our feet would get wet eventually. Jassem felt always that the sea was there and that whenever he would like to see it, he would look at it as it was there and he would find it always with water abound.

Indeed, Souad managed to fill Jassem’s senses with such great feelings and she managed to make him sink in her depth, hug him, contain him, surround him without any noisy or any annoying. She did that very quietly, easily, tenderly, and caringly. Such an overflowing feeling forced its way into Jassem’s unconscious till it reached his core.

It was normal for Jassem to feel that way and to enjoy that esp. after Souad, his mother, his maternal aunt and sister had traveled and after he found himself all alone in the house. He wondered how he could not realize that while she was in front of him and how he did not know that or appreciate it.

After Souad’s absence, Jassem started to feel as if he was a fish out of water and he could not forget Souad’s face while she was laughing while he was in the kitchen not knowing how to turn over the piece of meat. He remembered how he shivered after he was burnt due to the heat of the pan in the oven and how Souad became frightened due to that and poured cold water on his hand to alleviate his pains due to the burn. He would never forget her soft, nice and polite and affectionate way. He would never forget that or ignore the effect of her existence.

Ah, Jassem felt a hidden longing and a dire need for the nice company that would drive away the grief due to loneliness and separation though he was happy because the operation was successful and his maternal aunt recovered and traveled in safety.

Jassem though he was going to be at ease whenever he would return home and find it empty and though he would be free but he found himself lonely especially after the weather started to bring the signs of the cold winter that stressed his bad need for the warmth of a company. The night was so silent that it would suppress one’s breaths, and the darkness prevailed in the closed rooms that used to brim with a warm spiritual warm atmosphere that would defeat the darkness of the night and the bitter cold of the winter.

Jassem looked at the phone in the shade of the fading light of the table lamp that was producing an apricot-like color, then he looked to the hands of the golden clock which was hanged right over the fireplace and calculated the time difference between Kuwait an America and stayed waiting in suspense for a time waiting for the passage of time which was passing very slowly and in a very slow manner.

At last, Jassem picked up the phone to his ear while hitting some numbers that he really knew very well.

Chapter 6

The Blare of Love

Jassem hit the number he knew by heart. It was Dalal’s number because he needed an emotional feeling badly to satisfy him and he could not call Souad. At the same time, he felt an increasing desire to satisfy an emotional void that he started to suffer with Dalal but Dalal could not realize that and could not understand his need for love, so, she did not satisfy him.

In spite of that Jassem continued his talk with Dalal till he found a change in her tone and he was shocked by the sarcastic tone that was clear in her words, so, he wondered due to that new way that showed up and drove her to behave that way. Jassem disapproved of that way of hers and stared to feel as if suffocating while he started to feel that he was being humiliated though he was keen to keep away from whatever thing that would humiliate him or any situation that would cause him to feel unappreciated or not respected.

Jassem could not argue for a long time with Dalal or discuss with her such accusations that he directed to her or even the whatever doubts she had about him and told him about right after hearing his voice. She would say, “Now you remembered Dalal and knew her real value? You only did that because Souad returned to Kuwait and you have spare time during which you can call Dalal. Where have you been right from the beginning? Have I become a substitute for her or what? No, Jassem, I would never accept that; enjoy your time with Souad. She is sufficient for you.

Jassem kept silent for a while but this was not the case with the feeling of suffocation deep inside him. He disapproved of Dalal’s tone of pride and victory through which she tried to defeat him and he disapproved of being under her control or subject to her sarcasm, thus, he ended the call unawares and in frustration saying, “As you like. That’s O.K. with me. O.K., Dalal, good-bye.”

Jassem hanged up after hearing Dalal’s words while he was receiving all the memories with open arms. Jassem remembered with love the feelings of love that forced their way to him when he opened the refrigerator to find that Souad had left him the food he liked in cartoon boxes on each of which the name of the food was written. He also remembered that the freezer was full of small boxes which had everything he would need with a ticket on which Souad had written what it contained.

See how gentle she was and how she cared for him? She even cared about his affairs while she was away from him. Upon that, Jassem discovered something new that would prove her interest in him and increase his love for her. That was enough to make him convinced of Souad’s love for him.

Gradually, the fire of love started to be lit in tranquility and Jassem’s eyes started to remember the same memories then this turned out to be a flaming fire of Souad’s image and his longing for her. Such a fire increased day by day and month by month in a very cold winter after which Jassem became dead sure that he was the same as before. Everything changed in him.

After Souad’s departure, an important part of Jassem’s psychological entity was away. Souad took away many things from him. It is true she left a great effect behind on him and on his house but at the end she managed take away everything she had left behind by being away and by her absence.

Jassem would say, “O God. How couldn’t I realize your reality Souad all through this time? How haven’t I felt you? It’s my fault for had I seen her, I would not have thought she was such a little child who was a fiend of my young sister. True, it is my fault.

With the bitter cold of the winter, the rain and the heavy blanket of snow as well as the foggy weather and the cold air, Jassem became unable to take any thing more. He could not bear more loneliness, coldness or deprivation. He wanted to protect himself against such a frustrating weather by remembering Souad who could defeat coldness though she was away but she could do with her warmth and the deep fire that would turn the feelings of longing into a hot coal that would reach his heart and start to grow hotter to the extent that he would be burnt by her absence.

At the night of the winter, darkness prevailed while Jassem was on his way to the hospital and it was so cold and the raincoat and the heavy black woolen pullover with the high cool could not help Jassem or protect him from the cold air that he was subject to but still he was obsessed with the desire for warmth, more an constant warmth. Upon that, the idea of looking for warmth started to preoccupy him and chase him like his shadow and he knew the way to find it ad where it was.

Souad must come and she should stand by him as he was thinking now of the way to deal with his love for Souad that he could not escape He was thinking of her and he never ceased to do as she became part of his time. Even, when he was busy, he would feel her inside him and this was too enough. She must exist in his life. Jassem pondered on thousands of thoughts while wondering in confusion, “Can Souad come while she is still a university student? I don’t think her father who is a millionaire would allow her to marry her at that time.”

Then he would say, “O.K. would Souad agree to marry me while knowing about my relation with Dalal? What would Dalal do then? She would be crazy. That’s just and this will make another story and she would scandalize me before everybody. How should I deal with her? What should I tell her? I could not hide that from her and at the same time I cannot tell her for I do not know her reaction. O God. Dalal is a catastrophe and I could not bear her talk anymore as well as her screams, nervousness and even her voice annoys e.”

Jassem realized he was in a fix at that time and this was very embarrassing, thus, he was thinking of a way out for this.

But he would say, “I never promised Dalal of marriage one day and I never told her any word about love or marriage. She was the one chasing me and I was once fed up with her. That’s right; what can she do then?  Of course nothing.”

A decision must be made for time was going on and his heart could not bear to wait. Thus, Jassem called his home and his mother answered him and she was feeling deep at her heart that she would hear Jassem’s voice at that time, so, the mother heard some words that made her very happy. She said, “Thank God. Everything is predestined in this world Jassem. Thank God. God has truly guided you, Jassem. Congratulations, my lovely son. Thank God, Jassem agreed to get married and he wants to marry Souad, his cousin.”

Jassem’s mother told his father about the news but he received it cold-bloodedly in a very ordinary way and did not comment except with one word, “Congratulations.” Jassem’s father tried to hide his internal feelings as he could no object to that so long as it is Jassem’s desire and as he used to respect him since his childhood and he would never object to his doing something so long as he was convinced that what he was doing was the right thing and that this was the right behavior.

In fact, Souad was a very reasonable and rational girl and there was nothing wrong about her but the father was not encouraging the idea of marrying Souad for he wanted his son to marry Dalal for she was a distant relative of his as he loved her mother Nawal since his childhood as he used to play with her in Al-Fraij and Dalal’s mother had been one of his dreams for so long but the still past longing was running deep forever.

Jassem’s mother called her sister on the phone to tell her about her desire to go to her and spoke to her with a tone that was characterized by great joy saying, “I am going to come right now. There is something very important I would like to tell you whenever I would see you.”

In a very short time, Jassem’s mother went to her sister and gave her elder sister a hug while congratulating her and telling her about Jassem’s desire to marry Souad. She firstly proposed to her sister, Abdullah’s mother.

Then came one of the great nights ever when the wedding party was held in a spacious hall in the luxurious villa in Al-Shamiyah and the villa’s garden which was decorated with colored lights on the fences, the trees and the bows while the garden turned to be as if a great body of lights which were lighting up such a quiet place of Kuwait.

Lights were spreading out and the night turned to be like the brightening day that was spreading warmth and joy all over the place in spite of the cold atmosphere in December in the very days of winter. Regardless of the cold weather at that time of the night the women who were invited to the wedding felt a great deal of comfort and joy inside the hall where there were a lot of people on the seats next to the walls and on the pillows which were placed on the ground next to them for the invited people to find a place to sit as they were too many women invited.

The silver salver were carried many times to serve people some drinks, sweets, desserts, and some of the deluxe kinds of chocolate while there were many folk singers singing with their voice echoing at the corners and they were sitting on the ground, at the middle of the hall while women were uttering shrilling sounds to express their joy, so, happiness prevailed. The items of the program of the wedding party were very nice according to the old Kuwaiti way that was chosen by Souad so as to fulfill Jassem’s wish as he asked them not to make a very luxurious wedding for he had no time and did not want to show off.

The invited people were very pleased with the nice songs till the bride came in with her long brightening dress and with a crown adorned with diamonds that were glimmering and reflecting lights attracting everybody’s eyes by that.

Souad sat over the golden chair in the middle of the hall and there was incense everywhere that filled the whole place. Then came out the shrilling sounds of joy the great joy while there were some of the attendees were carrying a fan to provide her with some air while the incense was filling the hall with the smoke of the expensive kinds. Such a smell was mixed with the smell of perfumes that were giving the air a very nice smell.

After a while, the bride went to another whole then came back with a white long dress and sat in the place that was arranged for her behind which there was a big decoration  that brimmed with flowers and roses that formed a great background behind the bride and it was fascinating and added to the beauty of the bride.

The wedding went on with the singing and the dancing, the shrilling sounds, the incense,  and the serving of the salvers of sherbet, desserts and cold drinks while the songs were echoing all over the place with the voices of those young women singers who were pleasing the women attendees with the best of songs. Also, some of the girls stood to dance to greet the bride by that.

Jassem entered with a group of his young friends and advanced towards Souad as if he were one of the gallant Arab knights with a headband on his hand and with a black garment on his wide shoulders whose edges were adorned with gold. The garment was on his body manifesting by that his tall figure and manifesting the way he was handsome as it was very luxurious. Then he sat beside the bride to adorn her with his wedding gift that consisted of precious pieces of jewelry that adorned her fingers and hands as well as her chest reflecting by that the lights. This also added to her fascination and attracted everybody’s eyes while all the invited women were producing their shrilling sounds of joy along with the joy of the young and the old.

Souad sat lowering her eyes in bashfulness and shyness as well as joy and love. She felt as if she was walking on the clouds. Then after a while Jassem left the whole to the place where men were gathered, however, the wedding became more fascinating though Jassem wanted it to be a simple wedding party and he did not want it to appear as luxurious as it was to that extent.

However, Souad’s father did not like this situation at all and he objected that the wedding of his only child, Souad, whom he loved and who was so dear to him, would be in that very simple way.

Abdullah’s father wanted a fascinating wedding party for his only daughter. He wanted a very expensive, attracting and luxurious wedding party that would be the talk of the society for many years. He wanted to manifest his love for Souad in all possible ways and he wanted to make her happy on the day of her wedding. He never wanted to deprive her of anything no matter how precious it was. This was because he had the facilities and he was wealthy enough, thanks to God.

What was really strange is that Souad was the one who telling her father persistently that he would let her wedding be simple without any exaggeration. She didn’t want to draw the attention of others and she didn’t want to disobey Jassem, rather she wanted to fulfill his wish. At the same time, there was no enough time for making extra preparations for the wedding as Jassem was in a hurry and did not want to be delayed for his holiday was about two weeks only and he had to return to the U.S to continue his studies there with Souad joining him.

Her father agreed though he did not tend to and agreed to her opinion though he was not convinced and though he was not pleased with that. He wondered how could that be the biggest joy of his while this could be the case with Souad’s wedding which he had been waiting for since a long time as he pledged that he would make of it the talk of everybody? Anyway, he ceased to disagree and resigned to the reality as this was the desire of Souad on which she was insisting.

Souad ‘s mother interceded with the father to accede to Souad’s request but the only thing on which the father insisted was bringing the great singer Sabah[10] to sing in the wedding herself and to bring the great belly dancer Samia Jamal[11] to dance in the wedding of his daughter, too.

Everybody agreed to that though the wedding party was on the old Kuwaiti way where the female singer Aisha Al-Marta[12] pleased the attendance with her nice songs with her great band that were sitting on the floor in the middle of the spacious hall while the female attendees were dancing to the music of her nice melodies with the interesting rhythm.

Souad’s dress on that day was not an ordinary one, rather it was a very expensive one and the diamond-adorned crown that she wore and that had been prepared by her mother since a long time ago was something unique and was never-before-seen by people. Also the banquet that was given brimmed with great amounts of food and great kinds of expensive desserts. It was said that the sweets and the desserts were brought by a private plane from Switzerland whereas the chefs were brought from the most famous hotels abroad.

Everything was fascinating and joyful and Jassem was very proud of his bride and happy with her and she was no less happy with him. Everybody was overwhelmed with joy except Dalal who suffered a very sharp shock due to which she could not strike a balance for many following days. The last thing she would expect in this world was that Jassem would abandon her and marry Souad just like that without any further notice.

The news was surprising for Dalal and the whole situation was nothing but a grave and unexpected shock for her though there were a lot of signs that paved the way for that event and Dalal ignored them, denied them and refused to believe them. She refused to recognize such signs, forget about them and remained as she was thinking that so long as she sought to marry Jassem, Jassem would be seeking to marry her. Dalal never doubted even for one moment that there were a lot of changes that Jassem experienced after Souad had been to America. Dalal never understood that Jassem himself changed and that his feelings for her had changed, too. She just refused to believe this or recognize it or even be convinced of it. Thus, there came the problems, the tension ad the clashes between her and Jassem that led to their disagreement that lasted for a long time and the marriage took place.

Souad’s father came to give her a modest present due to this occasion of this blessed marriage. The present was a deed of an old house he bought in America long time ago when her brother, Abdullah was studying engineering at Harvard, Boston. After having finished his study, the father left the house to be under the management of a housing office to manage its affairs. Thus, the father needed this house no more, so, he gave it to his daughter as a present.

The spouse left directly for America surrounded by joy and happiness that prevailed the entire place, the thing which made Laila nip Souad’s knee laughing and congratulating her on having such a nice groom that any girl would love to have him like Dalal. Souad laughed with her and told her happily, “I hope you will get married, too, Souad.”

The plane landed in New York ‘s airport but Souad was never afraid this time for here is Jassem, her beloved, her husband standing beside her with his tall figure being great and standing before her finishing the procedures at the airport then he came to ask her about the number of bags she brought along. Then he looked at the tickets on the plane ticket once more to make sure the number was identical before leaving the airport.

The newly-weds entered the luxurious Austria hotel in New York where Jassem wanted to spend the first days of his honeymoon before leaving for Syracuse and returning to work in the big hospital there. Jassem finished the procedures in no time as he booked a great wing there when he was in Kuwait.

In a few minutes, the bags were taken to the great wing chosen by Jassem while Souad was looking at the hall of the great and spacious hotel. She was looking at the luxurious signs, the luxury, the luxurious chandeliers and curtains that were hanged on the high windows.

Souad stood to contemplate the beauty of the round marble stairs that were arranged delicately in the spacious reception. She was also looking in admiration at the big artistic sketches hanged on the high walls which were adorned with a great decoration with a great bunch of roses that filled the place with a nice smell and a touch beauty.

The elevator took them to floor 57 while they were standing beside each other and Souad was so happy as if she was walking on the air, however, she lowering her eyes in shyness. True, she was standing in shyness while she was hardly take her breaths and did not know what to do or say. She did not even know where to look and tried to divert her attention from Jassem, her beloved, and her husband, Jassem, yeah. She feared he would know about her feelings as usual, thus, she tried to busy herself not to think about him or about herself.

In some moments, they reached floor 57 where there was there special wing at the end of the corridor. They entered, so, the lights were on automatically. No sooner had Jassem opened the door, but the lights fascinated them, so, Souad was happy to see the roses on most of the tables with greeting cards from the administration of the hotel to congratulate them as well as some cards for the same purpose from their friends who knew about the time of the newly-weds’ arrival. Congratulations.

Souad entered the wing while she was shivering out of the love that filled her senses and while the sense of longing was burning inside her. She entered as if she was walking in another world far away. She sat in the chair without showing her tension and she could not stand long no more but she felt a great longing for Jassem and this was attracting her. This feeling was mixed with extreme shyness that kept her where she was, perplexed not knowing what to do at that crucial moment. Jassem knew about her feelings as usual, so, he drew near her, came closer, stared at her and asked her to come and see New York’s beauty from upstairs.

Souad stood looking from behind the broad glass window and she was flowing with her feelings while looking at the outlook of New York from upstairs and her resistance became zero due to the awe of that situation. Jassem was still beside her, with nothing in between and she was doing her best to open her dreamy eyes to the magic world with the fascinating and magical rays of light

Souad was busy with what lied beneath this broad and high window while Jassem was drawing nearer with nothing busying him but her. He stood looking at her and blaming himself harshly and posing many questions to himself. “How couldn’t I see this beauty? How was I busy with other things that Souad all the time?”

Jassem stood watching Souad in love and in an unparalleled admiration and he could not cease to ask himself the same question and blaming himself on his ignorance and shortcoming. He asked her in a tone that he intended to make quiet and normal, “Want to drink something, Souad?”

Souad just answered with a nod as she did not have the power to answer him or even to speak up. She did not even ha the power to look into Jassem’s eyes, the ones which she adored and loved and in which she noticed a certain glimmer that made her very shy. She looked away and continued to look at New York once more without feeling anything around her except Jassem. At the same time Jassem was drawing near her more and more while he had certain emotions  mixed with longing, admiration, and confusion as well as a burning desire to drive away such bashfulness and embarrassment of Souad that developed tension and her face turned to be rosy in the course of time.

Souad stood at her place with nothing moving except her eyes which were looking outside to escape Jassem’s looks that were directed to her like unseen electric pulses that would electrify her body and make her heart shiver, so, the blood would be gushed hot to the veins of her body and she would develop a certain feeling all through her body the thing which would make her shiver and burn her with feelings.

This was quite a dreamy moment, with brightening colors, with fading lights and with confusion. The fire of feelings was set and the feelings of longing were powerful and they would attract Souad with a hidden power. She pulled Jassem towards her and he did come to her and came closer to surround her waist with his hands while pushing her towards himself looking for her lips to send an urgent, hot and eloquent and everlasting message. Her emotions would receive such a hidden call that was coming out of a heart that was filled with longing, love and yearning.

 

 

 

 

 

 

 

Chapter Seven

Burning Memories

Souad opened her eyes to see little fainting light coming through her bed room window; she kept moving in her bed delving in a moment of imagination remembering when she slept in the same room when she first came to America. She also remembered how she used to sleep burdened with her grievances and distress throwing herself into her mother’s bosom praying to God to alleviate her love agonies.

She slowly lay not knowing what she could do to kill this long time here. O God! It is a different feeling this time! It is also a different situation this time, for she has become Jassem’s wife! She then lived in her house in Syracuse, not as a guest as was the case last time! She feels she is a queen managing her kingdom’s affairs herself and ruling it herself, but still, she is ruled by her authoritative crowned king who ascended to her heart throne: Jassem, her husband, her beloved, her lifetime partner.

O thanks God, she sighed comfortably and so deeply feeling as if having hardly climbed a high rocky mountain which she managed to reach its peak, for she feels happy, safe and the ecstasy of her triumph and the pleasure of her success as well as the greatness of victory. She lay in her bed satisfied with herself and pleased with her love that kept growing deep within her heart and all over it.

She rose and sipped tea in the living room. She approached the window overlooking a new world; she had a new outlook on the world having a new feeling of happiness. She opened the glassy window seeking to feel the coldness of the air at that tie of the year. She wanted to feel the ecstasy of the white snow and the deep calmness, stillness and the slowness; she had a new feeling that time. It is such a beautiful enjoyable feeling. It is wonderful to live by herself in her own house in the other hemisphere with her husband, her partner, Jassem, her very beloved.

She greatly feels content with her feeling she exists with Jassem. Time passes calmly, happily and tenderly, enjoying the sweet feeling of living with him. He tried to busy her with letting her do a lot of things so she would feel bored or distressed due o his being busy night and day at the hospital.

Life goes on in the same way for some time till they would settle their affairs and feel established. Jassem was done with the procedures of Souad’s joining Syracuse University to complete her studies to fulfill his promise he gave to her father who insisted that his daughter would complete her studies and have an academic degree; tat was the condition for Jassem to marry her at that time.

Jassem submitted all the papers required of Souad to the University and one day later, he called her from the hospital to tell her she was to get ready to go out within one hour because he would go to her at lunch time to take her to the bank to sign some papers herself and he reminded her to take her passport along with her.

Souad wet to the bank accompanied by Jassem. She stood beside him looking at him admiring him and his amazing personality as well the way in which he would talk fluently to the bank clerk who asked him to fill in an application which he filled quickly and skillfully. Then, he passed it on that @@stand to Souad; he asked her to sign in a certain part of the paper which he pointed to with his finger. Unhesitantly, Souad wrote her name without even reading the minute details printed above her signature, but Jassem told her that having signed the paper; she became entitled to withdraw any sum of money from the bank account whenever e wanted to!

They get out of the bank; Souad walked beside Jassem, still feeling amazed and proud of his charismatic and captivating character that overpowers her making hr feel that she was walking beside a giant who absorbs all her feelings, embraces her, loves her and protects her!

Within a few days, she received the bank visa card that had been sent to her by mail which caused her to be happy an she did not forget to show it to Jassem when he came home late at midnight so she would thank him for the visa car. She felt Jassem greatly trusted her, for he made her entitled to withdraw whatever sum of money she wanted from his bank account without taking his permission or discussing the matter with him! She felt greatly moved by that stance taken on Jassem’s behalf because he wanted to prove that he did love her and trusted her and even respected her. She in turn was sure that it was not a mistake for Jassem to trust her as she would never betray his trust.

Within a few days, Souad met many Arab male and female students at University who were living in New York. She got to know more people and their friendship relationships with many of them were further cemented. She agreed with them to dedicate times to go to the market, the sporting club and the movies as she felt the world there was new and she wanted to explore it; she indeed felt she was free.

Souad felt so pleased with these gatherings of Arabs because she was eager to talk with any person outdoors because her English dialect was different from the Americans’ which would cause her a problem whenever she wanted to he female American students; they would talk about issues different from these she was used to an they were of different moods, culture and interests. Add to this, she was not familiar with the American accent and the tempo of their speech. All these factors formed a psychological barrier that hindered her mingling with them. But being with her female and male Arab colleagues made things and life much easier for her, and even more enjoyable and nicer; thanks God!

Then, she felt she needed to improve her English writing skills. True, her command of English was good, as it enabled hr to join University, and besides, her studying English in Kuwait benefited her, yet she needed to improve her English skills and learn more things, and Souad managed to do so most competently and efficiently.

Souad enjoyed her life in America; she felt free and desired to endure shouldering her responsibility insistently and successfully. Yes! She wanted to prove to her father that she would never fail his expectations and she would succeed God willing. She gave him her word to reassure him before her traveling. Moreover, she wanted to prove to Jassem she was no longer that little girl as he thought. No! She has become a mature responsible and successful woman deserving to bear his name and belong to him. She also wanted to prove she was able to fulfill her obligations, as a doctor’s wife,   towards her husband, home and herself.

In fact, Souad loved Jassem and she never wanted to let him down. Rather, she wanted to prove to him, practically, not verbally, that she deserves to be the wife of Jassem An-Nasser! So, she started to schedule everything and plan everything. She smartly paid heed to her interests in order of importance; she would not pay attention to something sacrificing the other as she was aware of the priorities.

The time for exams was due and she needed a longer time to study. Souad started thinking rationally how to solve this problem. She told Jassem they would dedicate specific times to studying so both he and she could read their books and to forget about their visiting their friends till they would be no exams.

Actually Souad was in a dire need of more time to achieve more success and attain more excellence. Jassem welcomed her suggestion and approved of what she had said as he was convinced of her point of view. So, he said to her,

“I’m so busy working on the theoretical part of my fellowship studies; I want to get done with it so I can work on the practical part of it at hospital. Thanks, Souad for this brilliant idea and this sacrifice!”

Time passes like the whispering friendly breeze; they had calm promising times together, yearning for more success and eagerness. One day, the officer of the house granted to her by her father in Boston contacted her asking about bank account number so he could transfer the rent money to it, for she was the new owner of the house.

She informed Jassem of that and he nodded his head apathetically without commenting on that, for he did not want to interfere in such familial financial affairs as he felt he had nothing do with them and he did not want them to have any effect on his life .

As a matter of fact, Jassem was emotional and so proud of himself. Thus, he would so sensitively react to Souad’s richness. He did not want to interfere in such affairs as they were a reminiscent of old memories for him that are related to the difference in the financial status of their families. True, these are such old past memories, yet their remnants were still hidden and clinging somewhere in his soul!

In fact, Jassem felt satisfied deep within with that great grant given to her as he did not want her father to think his marrying his cousin implied her father would keep controlling her! No! She has become his wife and he is supposed to be the only man in her life. He never doubted that because he knew Souad well and was sure of her love for him, admiring him and adoring him!

Souad indulged in leading her new life most lovingly while keen on achieving success. She spent enjoyable times amid the books in the great huge library whose wide and high windows overlooked a vast garden whose trees were covered with white snow. Everything around Souad has become so white including the long roads that stretched for a long distance as ice was accumulating on both sides of them and she would drive her car enjoying everything new around her!

When home, spending hr leisure time, Souad used to watch what was shown on TV stations whose transmission would last night and day. She started receiving the little goods she asked some companies to send to her  beside dozens of advertisements and letters she received; she wondered how come she received all these messages as she kept wondering saying, “How come they knew my name, Jassem?!  How come they knew my address?” Jassem replied, “Through the magazines we have subscribed to.”

It was a new experience for Souad who became successful in all fields due to her being ambitious, studious, a hard worker and a close friend of many female students and the wives of male students as well as the resident doctors there in addition to her being a loving affectionate wife who loves her spouse, her beloved beside whom she lay like a domesticated cat enjoying the warmth induced by an ever-hot temperature source that can never be cooled!

Time passes like a beautiful dream, for Souad lived while inside her, there was a big dream coming true bit by bit; she was backed by time as everyday, she would make a new useful achievement; she started to have full command of English and she even started to speak with an American accent that it was hard for the one speaking with her to realize she was not a native English speaker. Further more, she has started to sense Jassem love for her and his growing admiration of her though he never confessed that to her as he never said to her, “I love you!”

Nights pass full of times of love, affection and pleasures; there would be rare times at which Jassem can deduct from his studying hours so he could the chance to speak to Souad, for he had a hell of things to do and Souad was aware of that, but, despite his many obligations and the long time he spends away from her at hospital, she was overwhelmed by an inner feeling of love that would keep them connected together and make her even more attached to him because he is strong, bold, brave and able to take the right decision. Besides, he had self-knowledge and was fully aware how to manage his life affairs!

Yes, although he was always busy, Souad never complained about the nature of Jassem’s work as a doctor as she has already known it since she came with her mother, her maternal aunt and the latter’s son; she felt that he was torn between his work and his desire to go with them on a picnic, shopping and spending some time outdoor; he would not often be able to do that except on weekends.

Sometimes, Souad would wish Laila would come to visit them and spend some time with them. She used to talk to her about that many times asking her to come, for they are lifetime friends and their love is not affected by her being away or near from her in the least. Oh, God make love everlasting.

Laila used to amuse Souad through her long-period phone calls and her many interesting stories about the family, relations and friends, especially, Dalal who kept trying to have Jassem for her alone though knowing that Jassem since the very beginning has been Souad’s beloved which is, to her, taken for granted. The whole thing is nothing but Dalal’s exceeding her limits getting closer to him and to capture him though it has been known since childhood that Souad is Jassem’s would-be wife given that what happened with Dalal was due to his rashness, nothing more or less!

Therefore, Souad was relatively happy to learn that Dalal got married to a young handsome fighter of a good origin who proposed to marry her two months after Souad had got married to Jassem and she accepted his proposal unhesitant; their marriage took place in March i.e., only three after Jassem’s marriage!

Laila said wondering, feeling amazed, while still speaking to Souad from Kuwait,

“How could she find another man that quickly?! It seems as if she hides them in her pocket! She can’t live without knowing some man; there is always a substitute player ready to join her game in the field!”

Souad laughed because of Laila’s sport-like statement and she asked her to tell her aunt and her husband to accept her highest regards. She also asked her to congratulate Dalal on her behalf on her marriage. When Jassem returned from the hospital after midnight, she informed him of the latest news of Ad-Dirah[13] telling him about Dalal’s getting married to that fighter, but on hearing that, Jassem felt surprised, and astonished and    started wondering about that; he could not help saying, “How come Dalal got married that quickly?!”  He paused for a moment and then, said, “How old is he?! Who is his father?! To which family in Kuwait does he belong?! Where does he live?! What is his military rank?!” And so forth!

Jassem’s questions were so many and quick following one another as he was yearning for knowing all the details of Dalal’s marriage and the circumstances in which her marriage took place! His interest in that subject was crystal-clear for Souad who did not how to answer all these questions at once! Actually, she did not pay much attention to this matter. Consequently, she did not care about asking Laila   about such details as she did not expect Jassem to be that interested in them!

Oh, what details! They made him react to them that fervently so he would rise and become active forgetting about sleeping and his weariness; he was fully awake while asking those questions, one after another seeking to know the minute details of Dalal’s marriage and about her husband as well! Jassem kept asking these questions while feigning being busied with the cool that was almost burning in the stove before him whereas Souad was sipping her jealousy and confusion as well as her depression mixed with that hot chocolate that was in that thick cup in her hand tightening its grip over it all of  sudden!

At last, he kept silent and was absent-minded while still busied with the burning cool. Meanwhile, Souad sat like a cat suffering from coldness in a winter night, a long winter night that is hateful, wild and cold. Indeed, it was such a long painful hurting night, for their eyes were cast on the burning cool in the stove as the flames were crackling whereas they tried to escape any eye contact!

Their feelings were fiery mixed with jealousy, love and grief as well as fear beside anger; they were wild, tumultuous, silent, violent and faint warring feelings conflicting with each other; the feeling of safety started to be lost and vanished with the passage of time and hours!

It was getting hotter in the living room while Souad’s heart was getting cooler feeling as if swinging in a state of fluctuation as feeling that Jassem was still thinking of Dalal and was still indulging in oceans of memories that were full of waves of unrest shaking due to Dalal’s spectrum! All of a sudden, many facts turned into illusions and at the same time, both of them felt that some concealed secret had become unveiled; it was something mysterious in the past that has become no longer shrouded in mystery.

Souad tried to forget about that situation avoiding commenting on it through talking to Jassem about it; she tried to drop the subject and avoid referring to it, but unfortunately, she unconsciously kept all these details, pains, feelings in store deep within!

Souad leads a life full of passion, love, jealousy and torture, trying not to blame Jassem for past events, for indeed, she loves him and she even remembers how she felt agonized during his absence that he was used to traveling a lot of times when he was a footballer.

She remembered how she was proud of him when he was a member of the national team who went to Baghdad when his team scored three goals consecutively in the second halftime though the Kuwaiti team was almost defeated in the first halftime; they won the match at the end and Jassem as well as his national team champions returned to Kuwait and were received like heroes. All the Kuwaitis saluted them and their cheers expressed their happiness singing with the waves breaking on the shore:

  “O blue Kuwaiti team! Play in the field!”

     These were the days! She spent all her lifetime loving Jassem! She was as proud of him as he was her beloved before being her cousin. Souad was sure of her feelings and her love for him; her love for him was deep, rich and endless growing stronger, deeper with passage of time which lends an emotional natural everlasting endless feeling that is ever burning!

So, Souad most calmly kept surrounding Jassem with abundant love which he felt and was pleased with and even satisfied about it; she did not feel that Jassem needed to hear love words or adoration comments or even refer to burning feelings. Souad loved Jassem from the bottom of her heart and she had a feeling all the time that he sensed her feeling for him tat he did not need to her words of love or comments!

She was convinced of what she thought satisfying her bashfulness and shyness. Jassem in turn was sure and dad certain of Souad’s love for him, her true feelings. As for Souad, her emotional situation was different; true, she loves Jassem more than life, but sometimes, she could not realize what she represented to him or his love for her, but this situation disturbs her yet she never spoke about these feelings that annoyed her and made her heart sick!

Souad would often wonder if Jassem really loved her or he had to marry her just because she is his cousin or maybe as she had no emotional relationship with any other person before him, or even because their mothers are more of friends before being sisters! Her little heart was full of such thoughts as she kept wondering about Jassem’s love for Souad and how he is attached to her!

Souad so much doubted his love for her thinking he did not love her though she many times noticed signs of his love for her in his eyes, yet  she has never heard him telling her he loved her since their marriage and up till now! Unfortunately, Jassem never confessed his love for Souad; he never did so as only his treating her stood for his love for her feeling it would suffice to enjoy mutual respect.

Oh, what a pain she feels when repeatedly thinking that way! In fact, this how Souad felt deep within! She still feels sick at heart when seeing Jassem sitting before her absent-minded as if he imagined he left for Kuwait asking and inquiring about Dalal’s husband to know how she met him and why she accepted him and then, married him! Did she love him? Did she?!

Souad tried to ignore what she saw and to avoid acknowledging that crystal-clear fact before her that is about Jassem’s loving Dalal up till now despite their getting married one year ago! One year passed quickly after their marriage! She delved in oceans of memories remembering when she entered that house for the first time and how she used to sit away from Jassem, not daring even to get closer to him or eve dare look at him!

She remembered how she was overwhelmed by passion and how she used to speak to Jassem from a distance without raising her eyes towards him while he was lying on the sofa to relax as he felt a backache out of his being exhausted and meanwhile, she would remain silent listening to her heart beats and to the footsteps of her feelings inside her body everywhere! She would browse though the magazine pages so the sound its paper produced would hide her tumultuous heart whose beats sound kept getting louder bit by bit!

At last, she became Jassem’s wife. She sighed comfortably and put the empty chocolate cup on the table. She changed her seat and went to sit on the sofa beside Jassem, getting nearer to him like a cat yearning for warmth in a cold winter night. She would stick by him with her eyes full of innocence, tenderness, passion and fondness throwing away from her mind the name of Dalal, her story and all the bleak thoughts reminding her of Dalal into the fire of the stove.

She sticks by him more and more happy about that true pure love she feels inside her which grows more and more day by day in her heart which lends her a feeling of further trust and pleasure mixed with a mélange of the ability of overcoming her feelings of weakness and jealousy which she cannot endure or let affect her or ruin her life, for whatever the circumstances are, Jassem is her own husband who has always been her beloved since a long time; he is hers alone.

When it was night and silence and love prevailed, the voice of Awad Aldookhi was heard echoing the sound of love adding more beauty to the night making they spend more pleasant hours sleepless at late night. It turned jealousy into ashes and love into fires fueled in the hearts of the two young loving spouses who watched with the eye of love and passion the burning cool in the stove before them while relaxing enjoying looking at the red flames that induced warmth, eagerness and love, hearing those sentences that are pregnant with love, jealousy and blame words:

           “O beloved, beloved! You are my love and destiny!

           I granted you my sincerity and perfume all-heartedly!

          Till when will you keep doubting me feeling madly jealous?!

          Lovin’ you and your love is my life and provisions.

          Jealousy is what separates lovers.

          So, never believe in your doubts or belie my heart

          As if you forsake it, you are the one to blame.

You are the one to blame!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Chapter Eight

A Long Night

Months of pregnancy pass and Souad enjoys that pleasurable experience with he same ecstasy and the same happiness, enthusiasm and success that is a characteristic of her life; she would never surrender to sleep and never be negligent when it comes to her business administration studies. Also, she would never forget about her major role in caring for Jassem and meeting his needs because Souad is not the kind of a woman who would sacrifice her successful marital status for a successful work.

Anyway, things were getting better due to Jassem’s understanding and respect for Souad as well as her interests as he knows this is her father will and his advice to her. So, he encouraged her to study and supported her to do so. As for Souad, she was greatly obsessed by his love for Jassem which never changed except in the sense that it grew even stronger!

The winter months passed overburdened with the cold air and the white snow that inspires enthusiasm for success which Souad is encouraged to attain; she remained the same insistent hard worker without feeling guilt in the least as she never was negligent towards her husband whom she loved.

Then, came the spring accompanied by tender hope that makes her surrounded by warmth, kindness and hoping to smell the odor of limitless success having competently and skillfully strived against the very pressures that people face all the time in life as she was excellent at making accurate choices and studying situations as if born to face such a challenge since she opened her eyes for the first time to behold this big world!

Birds flew everywhere hovering in the sky and the bright sun beams radiates warmth and love among  hearts everywhere while Jassem paid much attention to Souad’s life and health during her pregnancy as well as her love!

Jassem was most of the time keen on her being in a good condition, nutrition, comfort and psychological condition; he kept pampering her jesting with her all the time encouraging her to complete her studies, especially as she became in the second academic year at the faculty of commerce. So, Jassem kept pampering her whenever offering her anything as he did not want to deprive her of anything because he was so keen to be the only man in her life apart from her father’s wealth or her grandfather’s legacy!

With the passage of smooth days, their happiness and joy gets more when Laila came and by the coming of summer, all started feeling comfort and delight because of her cheerful existence with them, for she was such a nice person extremely vivacious induces a true feeling of life, activity, youthfulness and freedom in those around; in fact she was so cheerful, content and happy and her heart brimmed with love for others, commonsense and delicacy.

Once in a cheerful shiny morning, the property developer in Boston called her offering to sell her house her father had granted her; there was a Japanese company interested to buy it after the old residential area had become a trade town full of activity attracting great investors! The Property developer kept calling her frequently talking to her about that subject. Laila asked Souad and Jassem to visit Boston as she wanted to see Quinsy market that is a tourist place full of department stores that are old-fashioned having an artistic touch and are visited by people from all over the world.

Souad supports Laila’s suggestion as she wanted to visit Cambridge district to see Harvard University from which her brother, Abdullah graduated who studied engineering there. Jassem agreed to heading for Boston since this was their desire. Souad started preparing everything in coordination with Jassem to choose the proper time that suits him. She arranged everything as usual and fixed a date with the property developer there, booked rooms in a hotel and flight tickets and got a car forgetting nothing at all. They all went to Boston to meet the man at the appointed time.

After a brief discussion, they agree to sell the house as everything was ready and the developer wanted a commission not only for selling the house, but also for buying it and he started to think about selling them a house in Syracuse

In New York where Jassem worked; he sent them the photos of the house there near the hospital.

The man followed the procedures and the house became easily theirs out of Laila’s enthusiasm that was fascinated by the beautiful splendid houses and she confessed that eagerly, but Jassem vetoed to buying such big splendid houses that none of his doctor colleagues could afford buying and he could not be a different case. Souad was convinced of his view and they choose a little house that Laila did not like as she did with other houses, yet she surrenders to her brother’s and his wife’s desire apart from her inner thoughts.

50% of the sum was paid as cash in advance as they agreed to pay the rest of its price by installment deducted from Jassem’s salary in stead of the money paid for the rent of the hospital lodging place. Jassem insisted on that as he did not accept to live in a house that was paid for by his wife’s father’s money.

Souad felt pleased about that compromise as she wanted a comfortable house with more bed rooms, one of which would be for the coming baby, another for her mother and aunt and another for the nanny with a private bathroom. In fact, it was a marvelous house more beautiful and bigger than the house they lived in then since Jassem rejected living in a big house and Souad’s paying for the new house. He acted on the advice of the property developer and chose other two houses for rent so he could pay the rest of the bank’s money by installment. The man undertook to send them to a nearby property office in Syracuse to rent those houses and supervise them.

The family was established in the new hose and Souad felt comfort after preparing the baby’s room and painting it in a color that she liked. It was furnished in an artistic way as all the furniture was in the form of bears playing in garden full of animals.

She was about o give birth and she got ready for the delivery; se asked her mother to come to her along with hr aunt, Jassem’s mother and both care for her till the time of delivery. Jassem returned home accompanied by his wife and son, Ahmad from the hospital. He was a beautiful baby boy who came to the world when it was almost winter time.

Jassem entered the house carrying his baby, Ahmad Jassem An-Nasser rejoicing so much and the feeling of fatherhood was growing inside him as was his feeling towards Souad, his wife, and Ahmad’s mother that was a great feeling. Many congratulate them on the baby’s birth receiving bunches of flowers, telegrams and phone calls all the time.

Jassem, Ahmad’s father, felt he scored the first goal in his marital life match in recompense for that goal he wished he had scored in the World Cup Championship in Spain 1982, a few months before Ahmad’s birth. Jassem wanted to take part in those matches joining the Kuwaiti team, but he was busied with studying and working in America. His only consolation was seeing the Kuwaiti flag flaring high in the sky of Spain amid the giant football countries.

Souad wanted Ahmad to come to life on Jassem’s birthday, but he came to it two days earlier as Jassem’s birthday is on October 28 and Ahmad was born on October 26. Souad thought, “No matter, it should suffice Ahmad’s horoscope is Scorpion like his father!” In fact, Ahmad’s mother was so pleased not believing Ahmad that beautiful baby is the fruit of hr love and Jassem, her beloved, is his father. She thanked God as she was completely happy about her growing family paying to God to grant them eternal happiness.

A week later, in a party, the family received congratulations from relatives, friends and colleagues. Laila called them from Kuwait congratulating them on the birth of Ahmad Jassem An-Nasser and asking them to send her his photo as she could not wait to see him and them. Had not it been for her being busy studying at the faculty of Arts, Sociology Department, she would have been among them, especially, as her mother and aunt did not return to Kuwait till then.

Abu Abdullah, Souad’s father’s happiness was great as he could not believe his daughter Souad grew older, got married and became a mother!

“Unbelievable! My daughter, Souad has become a mother?! Unbelievable! I want to see her and her son, Ahmad now. God save him!”

Abu Abdullah could not wait as he flied to New York to check on his beloved daughter and to see his dear grandson, his daughter’s son. He carried him with his hands, kissed him pampered him and called him with his heart brimming with love from top to toe; the baby received his grand-parent’s kisses who could not hide his happiness and love for his grandson!

Days pass happily serenely and Jassem was fond of his little son, Ahmad who started to recognize him; he would smile at him and shake his legs and feet strongly whenever he embraced him! Jassem liked him so much that he would wake him up to jest with him and play with him as he could bear not seeing him for a night to play with him as he liked!

In fact, Jassem was a kind father and husband as he could not hide his love for Souad, Ahmad’s mother and his beloved who could captivate his feelings bit by bit expressing abundant love for him all the time.

Souad loved him without confessing that as she too shy and bashful to confess she loved him though she was sure love had signs and tokens and it as needless to confess it since it was there; actions speak louder than words and they prove love and grant it eternality.

So Souad thought about expressing love in terms of actions, not words!

Some time later, she received many letters on one day from the bank and the property office manager and she placed them on the table till Jassem would arrive from the hospital after midnight as usual to read them as she was busy caring for Ahmad whom she had left with the nanny till she missed him for a long time today as she went to the faculty library to collect some information.

Souad left Ahmad in the bosom of his loving father who kept jesting wit him, pampering him biting and kissing him; Jassem put his finger between his little fingers and raised his arms and then, held his legs shaking them to teach him playing football at that young age to kick football and score goals and victory.

Souad love from the bottom of her heart on seeing that beautiful scene saying, “Come on Jassem! Ahmad is still young. Wait till he grows older as then, he can play football and be a champ like his dad!”

Jassem was happy to hear that sweet comment from Souad as the love for football is an integral part of him and the brightness of the field is still in his eyes as well as the spectators’ cheers and players’ enthusiasm that echoed in his ear. He embraced his son and kissed him, then, he threw him up like a ball some times and then, embraced him with his string arms. He asked Souad to play the video tape to watch the last World Cup matches that Kuwait partook in within the third Asian group.

Ahmad lay like a kitty in his father’s bosom who sat on the floor stretching his leg watching the match involving Kuwait and Czechoslovakia in which they finished all squares and all the world papers mentioned that match!

Jassem watched that matched they played  in Spain enthusiastically as if watching it for the first time as he loved football so much watching the match with his heart, not eyes as he was fully concentrating on the match feeling he was running in the field going to and fro along with Ahmad

At-Trabolsy, Fatehi Kameel, Saad Al-Houty, Faisal Ad-Dokhail, Abdullah Maayouf, and Naeem Saeed, Yusif Suwaid, Mahmoud Jumaah and Hammoud Feleitah.

He felt as if he was playing them; here he was kicking the ball into the air when Jassem Yakoob scored that goal playing against Moscow! He was crying along with Sheikh, Fahad Al-Ahmad As-Sabbah raising his arm waving the flag. He was violently shaking out of excitement and Ahmad was still between his arms. Souad cried out of fear for her little baby and she rose to take him from him saying while laughing, “I dread you may think he is a ball and kick him, Jassem! Give him to me, please!”

She put him in bed to sleep in calmness away from that noise of his father that was usual whenever watching one of those matches of Kuwait even if for the tenth time!

Souad noticed Jassem’s love for kids in his eyes and felt his great love for his son, Ahmad and his abstaining from tackling her own financial affairs and the yields of the house granted to her by her father! Jassem would refuse discussing such affairs sometimes explicitly and avoid that tactfully and implicitly some other times that ere many!

Sad yielded to his desire, not wanting to pressurize him regarding such affairs he disliked as that was Jassem she knew; he did not like to argue about that as he would not break his word as he would take decisions unhesitant knowing well what to do and what not to do, what he liked and what he disliked. Thus, she kept silent unwillingly submitting herself to God’s Will as that was the sixth, seventh or even tenth time in which Jassem refused to check her bank account or the property office situation.

Jassem refrained from caring about such financial affairs, not to interfere in Souad’s running her properties affairs, starting from that house granted to her by her father on her marriage. At last, she realized, at that very moment, that Jassem indeed did not want to interfere in hr own affairs and she got his point well and started to rely on herself.

She started running her business by herself and to understand such financial, administrative, legal and property affairs that require knowledge and so, she decided to take property investment courses to know the secrets of that broad domain.

She was convinced she was in a dire need of such a specialized study for her to know many secrets regarding such business such as project planning and financing small projects or visibility studies as well as the legal aspects involved to launch a project and he procedures of the commercial license.

She had also to know the guidelines of projects as she did not know how her business started and grew unexpectedly. It flourished as a result of a mere coincidence at the beginning due to the time changes and circumstances that led to that commercial breakthrough. At the second time, it was the new construction plans in that area that led to rise in prices of land properties there so her trade would prosper; thanks to God!

Still, Souad needed to know more about the price changes scientifically-speaking on economic bases apart from coincidences. She also wanted to know the change in rules and the variations of land properties according to their location as well s construction rules, buying and purchase, conditions of bank dealings and interacting with people or reliable departments besides the rules of construction societies and taxation, etc.

Souad was keen to know about all that and she used to laugh within herself proud of her family origins s it was reputable for its commercial dealings in Kuwait. Her father used to implant in her self-confidence, not arrogance so she would be patient and insistent so she can defy obstacles seeking to succeed. She smiled saying insider herself, “God save you father! God grant you long age and keep you for me!”

Time passes and life comes and goes, and Souad kept praying to God for her father to live longer and to have mercy on her grandfather; she would carry on her life enthusiastically. She would continue her studying and research work and work in the domain of property investment in an office temporarily as it was small business and she hired a female secretary starting it with a considerable capital.

She started her career in that domain she had become versed in after knowing the necessary info and the guidelines helping guide her to go through this experience in this great field that requires ambition for success.

Souad excels rapidly like a guided arrow as her business get bigger and her associates get more; her answer machine was full of recorded messages almost all the time and she stuck to the work methodology that led to her success that was about earnestness, quickness, competence and gaining others’ trust.

Souad tried many times to explain her financial situation to Jassem taking about the financial affairs and the big business affairs that she needed his consultation to grant her more self-confidence in some critical situations full of challenges and achievements, and he would tell her assuring, “You know, Souad, I know you are clever enough and I trust you as you studied all these things well. So, please, never consult me on such matters again as I don’t know what to say about them, for I know you know them better than me!”

Souad felt depressed and ashamed having heard that abrupt decisive answer so she would have survived such a critical situation in the future not to feel guilty or embarrassed!

Jassem tried to alleviate hr pain noticing her agony in her looks as she gazed at the black sky. At the same he gave her no chance at all to repeat her attempt to involve him in such affairs, having given her no other option. So, she nodded her head agreeing on his view unwillingly so she could avoid such embarrassment like that she felt that night. She would not consult him again, whatever her need for his opinion was!

She understood that he tactfully implied she was not to hurt his feelings again as he was still sensitive when it came to her father’s and family’s wealth. Here, Souad felt unprecedented shame she had never felt since marriage; she felt embarrassed, depressed and guilty on hearing Jassem’s words that besieged her and gave her no other option. Souad was sure she was imprisoned behind the bars of her office being dead certain he would not interfere at all in her business and would not even give her his opinion on her running it.

Souad’s looks got lost and she lost control going astray feeling much pain not knowing how to apologize to Jassem for that silly situation when she hunted him by her questions to which he responded through answering her hurting her feelings when declaring explicitly he ignored such affairs.

Souad was so depressed and felt remorse; she looked at the sky trying to search for sleepless stars to count and spends the night with so she would be in their company while feeling overwhelmed by shame, surrounded by it. She sat absent-minded yearning for a sweet moment of serenity to restore love, purity, and passion to her relationship with Jassem.

Since that critical situation in which Jassem gave her no other chances, Souad confined herself to hr office and business; she became convinced of the necessity of running her business on her own. She kept running her business n her own office after learning to ask for banks’ help and facilitations to meet the needs of her growing business, classifying projects and their visibility study providing the needed capitals, not more or less than needed. She also dedicated all her time to work gaining self-confidence on dealing with others or competitors as she would not be rash and calculate gains and losses to meet the growing needs of business.

In that practical and financial framework, Souad kept on working and learn more and more till she knew many things pertinent to finishing hr works and she became aware of the secrets of that domain covering all its aspects.

One night, on the weekend, Jassem and Souad were sitting in those comfortable chairs in the vast living room filled with Jassem’s and the family’s photos on the walls or in golden and silver frames on all tables besides the vases of flowers scattered  everywhere and those silky carpets artistically placed on the carpet of that  relaxing color. On the tables there, there were a lot of China antiquities and embroidered silverware and valuable ivory ones that Souad like to collect and possess them searching for the priceless unique pieces.

In that charming night, they sat enjoying their being together in that dreamy atmosphere that the fainting lights added to it beauty a romantic touch and affection. While Ahmad was sleeping away in his room, Jassem produced a loud voice tat awakened Ahmad on hearing that voice he liked; Jassem just liked to play with his son and rose to bring him, yet Souad begged him to let him sleep saying, “Long sleep helps one grow taller So, let him sleep to become tall. Please, Jassem.” Jassem laughed loudly and happily: “Don’t worry, Souad! Sure, he will be as tall as his father, but just let me see him. You know, if I find him asleep, I won’t wake him up, but if I find him awake open-eyed playing by himself, I will bring him to lay with me.”

Souad laughed rejoicing as she was overwhelmed by happiness and said to Jassem teasing him, “Jassem, for God’s sake, don’t let him be naughty as though young. Just let him sleep, or do you want him to be the copy of his father in everything?!”

Jassem did not stop to answer her as he went into Ahmad’s room like a strongly-kicked ball; he stood looking at his beloved son who was completely asleep. At that moment, Laila called them from Kuwait and even before Souad saluted her or call Jassem to come to salute her, she learnt something that turned made her face wear a frown and her heart shake on hearing every single word uttered by Laila!

Souad listened to her feeling great disturbance manifested on her face and her heart brimmed with grief suffocating her feeling burdened with it; Jassem asked worriedly, “What’s up, Souad?! Something wrong?!”

Souad stared at him anguished agonizing as if bidding him farewell; she embraced him lovingly with grief in her eyes as if Jassem was not to be between her hands again. She said to him while her pleasure vanished feeling low moral, “You have to send a consolation telegram to the family in Kuwait!”

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Chapter Nine

Sparkle of Time

Jassem looked at Souad with an inquisitive look and asked her in anxiety, “Who has passed away?” Souad looked back at him in grief and said, “It is Dalal’s husband. His military plane crashed during the training. May God have mercy on him. Poor Dalal, May God endow her with patience.

Being greatly affected by hearing such news, Jassem clap his hands and punched the air as if hitting someone. There was a certain expression on Jassem’s face which Souad had never seen before. “Oh my… poor Dalal… she is really poor… she is unlucky… truly she is unlucky!

Jassem sat on the chair yet his anxiety and nervousness were noticed from his movements and glances, and he said, “But what did Dalal do? Hadn’t Laila tell you that she went to her to pay her condolences? Didn’t she tell you any thing about her? Oh… she is poor… her baby girl is too young… O God… what is she going to do? Dalal knows nothing about real world… she could not take care of herself… somebody have to be beside her!”

Jassem kept on talking about Dalal unstoppably while being greatly moved, and in great pity. He couldn’t imagine that Dalal was going to face life all by her self because she is helpless! Provided that she became a widow with a child which became an orphan although she was still young!

Jassem turned to Souad and asked her in awe, “Huh, Souad! Do you think I should send her a telegraph? Or should I call her? No… tell you what… I think it is better to call her… because she might need anything!”

Without waiting for Souad’s reply, Jassem went to call Dalal to pay his condolences while being greatly moved by her state, “May God reward you for your patience Dalal… take good care of yourself… no… Dalal… no… please don’t cry… you’re not alone… no… no… please Dalal… I will always be there whenever you need anything just tell me… good bye.”

Jassem hung up the phone; meantime Souad put her hand on her heart as she sensed the seriousness of the conversation that took place between Jassem and Dalal. True he was merely paying his condolences yet Souad felt that Jassem’s concern would revive the old feelings! She felt that such compassion had to do with the past, present and the future as well.

Thousands of ideas attacked Souad’s mind and heart after Jassem hung up without giving the phone for Souad to talk with Dalal. She understood from this that deep inside Jassem he feared there would be a connection between the two women. Further, Souad doubted that Jassem still had special feelings for Dalal… very special ones!!

Souad took Jassem’s permission to call Dalal, so he approved and apologized for forgetting to give her the chance to talk with her in the first time.

After expressing sympathy to Dalal, Souad sympathized with herself especially after the recent situation that made her on the alert. Souad felt that despite of the sad condition Dalal was in, there was a thread bringing Dalal and Jassem together and moving them as well. It was a thread which neither Souad could pull nor could time sever.

It became obvious to Souad that Jassem’s concern with Dalal was long well-established not a normal or circumstantial one which has not been lessened even with the passage of time.

Souad started to feel that time has changed and that everything started to have a new meaning which is mysterious, frightful, and intending to affect the present as well as the future.

With the passage of time Souad tried not to think about or consider that matter so as not to mess up her life.

Later on, on a summer eve after the arrival of Laila who came to spend the summer holiday with Jassem and Souad, Dr. Naïf, Jassem’s Saudi friend was invited to dinner at their place.

Actually, their relationship was an intimate one. Naïf started his studies in the hospital which Jassem has been working in few months before his arrival. Meeting him their, Jassem offered his help to Naïf as he preceded him in that field for 8 years. In the meantime, Naïf felt that he had known a dear brother and close friend.

On that night, after dinner, Jassem and Naïf discussed various issues in the garden. They spoke about medicine, the hospital, their patients and doctors. This took place after Souad and Laila went to the living room while the latter was overwhelmed with happiness because she met Naïf.

While being unaware of the passage of time, Souad kept on watching the garden which beauty became more noticeable in that summer eve where the breeze started to move the leafs of trees gently. Meanwhile, Souad’s kids, Ahmad, Anwar, and Rakan were playing hide-and-seek among the trees of the garden.

Rakan who was less than two years old was trying to catch Ahmad and Anwar, but he kept on stumbling and failed to catch any of them. Meantime, Isabella, the nanny was trying to catch Rakan before falling down. He stood up in anger after his brother and sister ran away and left him.

Souad was watching her kids playing while being happy and satisfied with her life. Besides, she was looking at Laila while being contented for the love the latter had for Naïf who became her prince-charming since she saw him for the first time after he joined the hospital Jassem works in.

Since that time, Laila felt that her heart no more belongs to her as it was captured by Naïf. Whenever there was a chance for Laila and Naïf to meet, their meeting didn’t exceed moments during which each one of them traveled to the world of fantasies and had feelings which remained after they leave one another. Nevertheless, their feelings had to be noticed especially after they became so powerful that they were unable to be kept concealed.

This was how Laila felt towards Naïf. She spoke and exposed her feelings and dreams to Souad. She told her that she wished that handsome and successful man would be her husband one day. Hearing that Souad laughed and said, “If God so wills, I hope God would make all your dreams come true you deserve all goodness… Naïf is good and is a man of fine morals… you deserve a man like him… may God help you and gather both of you, if He so wills.”

The dialogue continued between Jassem and Naïf in the garden, whereas there was another one in the living room between Souad and Laila, which was about love and the merry days to come. Souad prayed sincerely that one day, Naïf would be Laila’s husband.

Souad recalled when Laila used to tell her about Jassem’s relationship with Dalal and how Laila used to blame her for being negative and for exerting no effort to change Jassem’s feelings towards her. Upon that, Souad started to laugh and said, “Now who would advise Laila? She used to advise me… but who would advice her?”

After some while, Jassem and Naïf excused to leave for they were going to meet other doctors who were expecting them in a restaurant near to Jassem’s house. Naïf left while lowering his gaze.

Souad and Laila remained speaking till it was the time for the kids to go to their beds, so Souad went to attend to that task and kiss them good night. After that she returned to Laila so as to speak about Naïf and the latter’s love for him till she went to sleep.

Souad remained awake watching TV alone waiting for Jassem’s return. She didn’t want him to come and find her asleep because he might need anything. After a while, Jassem returned home, took off his clothes, then he went to the kitchen and brought a bottle of water from the fridge and took it to the reception where he laid his body and drank from the bottle. He then turned to Souad and said enthusiastically with a smile, “Today we were talking about a serious issue!”

Souad asked pleasantly, “I hope it was a good one, Jassem?!”

He spoke with her with the same enthusiasm he spoke in with his colleagues, “Some doctors are considering establishing a new hospital for heart surgeries in America… the administration should be for Arabs so that the patient would need no translator or accompanier… the hospital should be built in the best academic level this is regarding the doctors, equipments, devices, and preparations. Everything should be in the best form so as not to be less than any American hospital. But imagine, Souad, after making some primary calculations we found out that we need 5 millions as a start.”

Souad seemed to like the idea, so she said in enthusiasm similar to the one Jassem spoke in, “The idea is magnificent, the outcome is 100% guaranteed, so why don’t you do it on your own? There is no need to have that big number of partners… this project shall be a success. Besides, in my office there is feasibility study similar to the hospital’s project… and as I told you success is 100% guaranteed and there is no risk, so why don’t you do it your self?”

Jassem smiled and said, “As I told you, Souad, this project needs millions of dollars. We need at least 5 million dollars to equip the hospital.”

Being drifted with enthusiasm, Souad said, “Great, there is no problem, you can do it alone Jassem. The idea is terrific and the project’s success is guaranteed. There shall be no risk whatsoever. Consider that the 5 millions are with you from now on.”

Jassem was astounded… he looked at her in great astonishment! He gazed his eyes towards Souad although they were aimless. He asked her in amazement for not believing she owned that sum of money, “What are you saying Souad… five million dollars?! Huh… from where did you get that money? Did your father send you money without my knowledge?”

Souad looked at him while being startled from Jassem’s amazement and said unwaveringly, “No, you know everything, Jassem. You are aware that I have been working in real estates long time ago. Also, you know that my company is successful and that I have liquid money not to mention other properties.”

Jassem remained speechless, and he uttered no word. He didn’t expect that years have passed away that quickly. Besides, he didn’t expect that Souad would achieve that success in the world of trade and business. This was a surprise for Jassem. A real surprise! That was because Jassem never knew what Souad was doing, managing or working in.

All what Jassem was thinking about, was to make Souad occupy herself in her work. He wanted her to spend her time managing her company so as not to feel bored for being the wife of a doctor who is busy all day and night. Jassem’s work ended before midnight and started before dawn. Furthermore, he spent his time in the hospital either in studying, working, or attending to his patients and colleagues. This was typical for a doctor studying for fellowship and that was the kind of life Jassem led.

Actually, Jassem almost had no time for his wife and family. Meantime, Souad was satisfied with her life and she never complained. She liked her life and work. Further, she was proud of her husband. She never complained from being lonely or from boredom, instead, Souad always received her husband with a soft smile that came from a loving heart.

Meanwhile, Jassem was dedicated to his studies and work as a doctor. He always thought of succeeding in his studies, mastering his job, and continues achieving success.

 

All these years passed by till came the moment when Jassem discovered that Souad achieved that success. In fact, Jassem didn’t expect that Souad would make that fortune. That whole matter was a real surprise for him.

Souad stared at Jassem whom she thought was happy with that unexpected surprise. She thought that he was silent for calculating the money he needed to execute that project on his own without the help of the other doctors because now he had the money he wanted, time, knowledge and experience.

Souad asked, “Huh, Jassem! When shall we start the hospital’s project? The idea is awesome. It shall succeed if God so wills. I am sure it is going to succeed.”

Jassem shook his head while feeling that there was an inner fire that was burning inside his body. That fire kept on calming down then increasing once again. He shook his head, and then looked at Souad. True he was looking at Souad, but his eyes were seeing the events of the past 8 years and those to come. Gradually, Jassem started to come to his senses, and then he said with a voice that came out of a man who was offended and who felt insulted, “God is gracious, God is gracious. Everything is going to be fine, it will be fine.”

Souad got astonished from Jassem’s reaction which she didn’t expect. Rather, she expected to see a different reaction which was full of enthusiasm and zeal. She thought that he would praise her for the success she achieved. Jassem’s reserved reaction got on Souad’s feelings!! She expected he would be happy and would encourage her more.

However, Souad dealt with the matter more wisely; she didn’t aggravate the situation, rather she left things go on smoothly. She persuaded herself that Jassem needed more time to study the new project, its requirements and all other minute details.

Days passed by with the same monotonous rhythm and the same responsibilities. Children are at school, Jassem is occupied in work by day and night, whereas Souad is totally busy in managing her company. Her work flourished to the extent that she needed number of employees to run the work, an attorney and his assistant to manage the company’s legal affairs, and a secretary and his assistant. This is in addition to having her private office.

Souad’s work was growing and achieving success. Souad had firm belief in her abilities and she was self-confident. Besides, she had unshakable belief that she is able to succeed in the field which was chosen by her father and grand-father.

One night while Souad was sleeping in her bed and Jassem sitting on the couch in the living room as he used to do lately, the phone rang, so Souad picked up the phone and to her amazement she heard Jassem talking with Dalal. It was a hideous surprise. In great astonishment, Souad thought, “Jassem talks with Dalal! Why?! What’s up? What’s the reason? Is there another claim for Dalal?”

Hearing her voice, Souad hung up the phone as if she got burnt. Anyway, Jassem’s voice was obviously heard that Souad deduced that there were previous calls between Dalal and Jassem. These calls Souad knew nothing about and Jassem never mentioned.

Souad got amazed from Jassem’s new attitude with Dalal. Jassem told Dalal that he had checked with the health office in New York and knew that her grand-mother’s report arrived 10 days ago. He added that they were going to receive the answer as soon as the results come from the hospital. Jassem said supportively, “But you should give them some time Dalal. Don’t worry, I am observing everything myself. Don’t worry, don’t panic. Send my regards to your mother and grand-mother. Don’t forget to kiss Danna for me.”

Souad tried to control herself but she felt greatly worried especially when she noticed that Jassem became so interested that he sent his regards and kisses to Dalal’s daughter, Danna. Souad breathed heavily and wondered, “Why didn’t Jassem marry Dalal till now? And why didn’t Dalal re-marry although her husband passed away 5 years ago? Why didn’t she get married? Why didn’t she get married?”

That question remained with no answer! Nevertheless, Souad spoke with Jassem about the illness of Dalal’s grand-mother. Jassem answered while being greatly affected by the state of Dalal, and said in great compassion, “Poor Dalal, she has no body to help her. Her grand-mother is sick and her mother doesn’t know how to deal with such matters. Besides, her daughter is an orphan who needs special care. Meantime, Dalal doesn’t know what to do or who to ask for help. She has no body beside her; she doesn’t have a man to support her.”                                                                                                  

Souad kept watching Jassem while talking about Dalal who seemed to be talking to himself after switching his eyes from Souad. He seemed as if talking while seeing a certain picture that was buried inside him long time ago. His gazes were purposeless and he seemed to recall the memories that were long instilled in the heart. These memories were like the bomb that was about to be initiated to explode and destroy other innocent hearts.

 

 

Chapter Ten

A Startled Smile

Souad sat looking at Jassem who seemed to be absent minded as if his thoughts were in Kuwait. They were in the country which witnessed his relationship with Dalal. He sighed in great sympathy with Dalal and said suddenly, “Poor Dalal, this is too much for her.”

Souad felt troubled because of Jassem’s concern and excessive feelings towards Dalal. She sensed that this had to do with their former relationship and the great love Dalal had for Jassem.

Souad’s heart was on the alert due to the great danger that was threatening her. She felt that all her doubts and fears are about to come true. Besides, she was worried because since the death of Dalal’s husband she turned down all marriage proposals. Souad knew that Dalal’s first marriage was merely to spite Jassem and to better her image in front of other people. Nevertheless, now she started to refuse all marriage proposals.

Souad sighed and wondered, “Is she waiting for Jassem to marry her?! Does this mean that she love Jassem?”

Souad’s heart was filled with fear and worry this time, because Jassem’s concern didn’t decrease, nor did it end despite of all these years! She thought about the memories Jassem had for their old days. In addition, she thought that Dalal still had the same feelings towards Jassem, and that her love for him will never fade away.

Souad looked at the phone which was the means of communication between Jassem and Dalal. It was the means through which Dalal’s voice reached Jassem’s heart which was once in love with her. This was a tangible fact. Souad thought that Dalal must have been encouraged to show her feelings towards Jassem once more; she must have sensed something from Jassem’s side or else she wouldn’t remain talking with him. Souad thought that Jassem must have encouraged Dalal to remain in love with him.

Souad tried to change the whole subject by talking about the project Jassem intended to do. She talked about the last surgery he made and his studies which took 9 years from his life in order to be in that position.

Souad tried to open a discussion and she said nervously, “Yea… years have passed, Jassem. Do you believe how many years have passed? I feel that we’ve just arrived to America, although many years have passed! It is like a dream.”

Souad continued talking as if she was trying to make him forget, “Do you believe it Jassem? I don’t believe that you have been here in America for 8 years. You arrived here on 1981, so you’ve been here for 8 years. Who could believe it? It is unbelievable that I have been here for 7 years. Days pass so fast… I hope they will all be fine.”

Souad kept on trying opening discussions with Jassem and tried to recall their special moments yet he didn’t share her in discussion! She felt she was talking to herself! But she tried to hold herself! She stared at Jassem as if trying to know what he was thinking of. She tried to feel at ease by entering into small discussions but Jassem had short comments. Therefore, silence prevailed most of the time.

Jassem only replied in short words; he seemed more interested in being quiet and silent. The tone of his voice changed; it no longer indicated the love he had for Souad, besides, he lost concern of spending the time with her. However, Souad started to notice such changes and she felt that Dalal’s return to Jassem’s life replaced the light that illuminated their life with complete darkness.

True… there is no avail. Jassem seemed to be more attracted to Dalal and he talked about her with great passion, whereas with Souad he barely talked to the extent that she got the feeling that she is forcing him to talk. He seemed to speak with her with difficulty, as if not interested in hearing any voice but Dalal’s. Jassem seemed to be waiting for certain words which he likes to hear and which rang the bell of ancient memories.

 

Souad got distressed that she couldn’t stand being humiliated any more, therefore, like a breeze that was carried away with severe wind she went to her bed room. She moved while her eyes were gazing towards nowhere, she was as if looking at the future which seemed to be indistinguishable, mysterious, and unclear. Souad moved while having thousands of ideas in her mind, she feared that the surgery which Dalal’s grand-mother needed was merely one of her schemes. She doubted that this was merely a reason to talk with Jassem and be more close to him.

Souad thought, “I expect Dalal could do anything… nothing is impossible for her. Dalal is too daring, and powerful. She knows well what she wants and how to get it.”

Souad felt dizziness out of the heaviness that attacked her heart and made her find difficulty in breathing. Thus, she remained awake moving in her bed unable to fall asleep because she didn’t feel sleepy. Souad couldn’t tolerate the hurt she felt when she noticed that Jassem was unconscious because of recalling his memories with Dalal.

Souad couldn’t stand being that humiliated which she couldn’t do anything about. She couldn’t tolerate such despair which she sensed while trying to stir Jassem to talk with her. This was the thing which she couldn’t take or even accept.

Accordingly, Souad remained awake in the bed unable to sleep and Jassem likewise couldn’t sleep too. He remained awake watching the magnificence movement of the moon between clouds as if he was seeing this scene for the first time in his life.

Jassem turned off the lights of the Chinese side lamp which was placed on a table made of dark Indian wood with hand-made frets taking the shape of vines and grapes. On that moment, Jassem wished if he could travel instantly to the East where warmth, magic, art, prettiness, and indulgence.

Jassem remained laying down on the couch in the living-room. He remained staring at the sky. He stayed in his place without moving while having a sense of monotonous from his life and a wish to leave that harsh place, yet he couldn’t do so for being unable to move or even getting up.

The night passed so slow for both couples, Jassem and Souad. After around two hours Jassem got up, changed his clothes then he went to the hospital on a hurry because he was going to attend to the medical reports concerning Dalal’s grand-mother.

Days passed by without any new or good news. Days were meaningless and insignificant. Each day was like the one before it, in the sense that there was nothing remarkable. Time passed without a mentionable event, everything was tasteless, senseless, and monotonous.

 

Furthermore, Souad couldn’t help feeling bored, hurt, and greatly affected due to the appearance of Dalal in Jassem’s life. Souad was aware that the new changes that took over Jassem’s life were owing to Dalal’s appearance and continuous calls. What could she do? How could she set things right? How could she bring Jassem back to her? How could she get rid of Dalal?

Souad was restless due to the current situation while Jassem was ineffective towards his wife. There seemed to be an ice barrier between the two loving couples. Souad felt sorry foe herself, she needed somebody to complain to but she didn’t know to whom she could complain Jassem’s trials to avoid her. She hated his silence and drifting apart from her, she felt that this was going to ruin her mind. What could she do? What could she say?

The situation was more and more aggravated; meantime, Dalal was approaching Jassem in a short time. The enemy was about to succeed in his mission, therefore, there had to be a plan for self-defense. Souad thought that she should defend herself; she should attack because it was the best policy for defense. She thought that there should be an instant and powerful situation.

Souad waited awake for Jassem’s return from the hospital, she didn’t care much if it was too late, and all she cared about was meeting Jassem and talking with him. Once he arrived home, Souad received him with a tender smile and she talked to him in great passion. She read a card she was holding in her hands and said, “Jassem! Golden Fields Company for real-estate investments sent us an invitation for a reception in Astoria hotel in New York. This will be on Friday, 18August 1989, that’s three weeks from now. I wish we could go together, Jassem!”

Nonetheless, Jassem refused to go; he turned down Souad’s request. Besides, he seemed uninterested, but Souad tried to persuade him to go with her. She was extremely happy because the reception was in the same hotel they spent their honey moon in. Hence, she thought that it was going to be a wonderful idea to spend the week end in the same hotel that witnessed the beginning of their life together. Souad kept on trying to make Jassem approve, she said in great passion, “For God’s sake, Jassem, don’t turn me down. We haven’t been there since a long time ago. Let’s spend some time in Manhattan. I feel that both of us need such holiday, please, accept it, Jassem.”

Souad kept on insisting especially for she knew Jassem could arrange it in his schedule because it was in the weekend. Finally after his approval, Souad felt happy because it was a good chance for both of them to spend some time together where they could remember their honeymoon which they spent in New York. As for the kids, Souad made an amusing program for them which their nanny would follow besides taking care of them.

Souad felt happy and at ease, she said, “Ah… I wish those good old days would come back… I wish we could enjoy them once more.”

However, again Jassem tried to excuse for not going. But Souad didn’t accept any excuse especially because she knew that Jassem needed to rest after the effort he exerted in his work. Thus, she assured him that he needed to rest as a sort of stimulation because the final exams were due.

Eventually, Jassem accepted. They took the flight which didn’t exceed half an hour. They reached the big sweet in the hotel, changed their clothes, and then went out for a tour in New York.

The weather was splendid, the sun was shinning and streets were crowded with people and tourists especially around ice-cream, pop-corn, fast-food, restaurants, and cafés. There were teenagers from all over the world wearing T-shirts and jeans. The rhythm of life in New York was fast lively and boisterous.

Souad was overwhelmed with joy due to the happiness she observed in Jassem. She went back 7 years ago when she first came to New York when her sole dream was to see Jassem and be close to him. But now after the passage of 7 years he became her husband and the father of her 3 kids; Ahmad, Anwar and Rakan.

“All thanks are due to God, all thanks are due to Him. May God keep Jassem safe, may He make him live long?”

Souad was almost flying while walking beside Jassem out of the extreme happiness and joy she felt. Jassem was the man of her dreams and she couldn’t conceal her great love for him. Souad forgot everything except her husband whom she was longing for because he was away from her lately due to being occupied in his work.

Souad enjoyed the moments she spent with Jassem and she wished that time would stop. Amidst all such feelings, Jassem looked at his watch then notified Souad that it was time to return back to the hotel because there was only an hour remaining for the big celebration. Upon that, Souad discovered that time passed very fast, so they returned to the hotel, took their shower and dressed for the reception.

Souad’s beauty was greatly manifested due to her elegant dress. She wore a long black crepe dress, the sleeves were long and tight and the waist was too tight. The opening of the neck was round and wide that the necklace Souad wore which was made of diamond and aqiq added to the prettiness of her neck. Meantime, there was a great similarity between the redness of the stones of the necklace and Souad’s plump lips which were as pretty as the aqiq[14].

Jassem was done with tying his silk gorgeous tie which dark red color was symmetrical with that of the vest with the drawings of the scarlet roses; there was a black background for some of those roses which were similar to the blackness of the suit. Besides the chemise was made out of white silk and its color reflected the darkness of Jassem’s Eastern countenance.

Jassem and Souad stepped into the reception. Jassem looked handsome with his giant body building and broad shoulders. Jassem’s thick hair and black heavy moustache showed how manly he was, the thing which was as obvious as Souad’s beauty and attractiveness. She was very pretty and attractive.

They approached the big hall, by the huge entrance, the company’s manager stood to receive Jassem and his wife. The manager introduced them to his wife as, “Mr. and Mrs. Salem!”

Souad smiled and with great embarrassment told the manager that her husband’s family name was Mr. Al-Nasser and not Salem. Besides, she clarified to the manager that according to the Arab traditions a woman keeps her family name and not her husbands’. Hence, the manager apologized to Jassem and invited them in.

When Souad entered the great hall, all the views were concentrated on her for being one of the biggest business women in the field of real estate. Furthermore, she attracted people’s attention due to her young age as compared to other old business men, besides, she was very pretty, attractive and well-dressed. Lights were focused on Souad’s face and gorgeous body while she was moving. Souad was surrounded by all the means enabling her to delve into modern life with smartness and neatness.

According to the American practice in such occasions Souad didn’t join one group of people; rather she was moving from one group to the other. Also, men and women from other groups came to greet Souad and converse with her. She talked with them about specialist commercial and economical matters, the fields which Jassem ignored and didn’t care to know due to being interested in studying medicine to get fellowship in heart surgery.

Jassem stood with a smile on his face although he was bored and fed up from the unexciting atmosphere. Besides, he felt uninterested out of hearing the same conversation which he knew nothing about. Jassem stared at the lights which seemed as if dimly lit. He watched in boredom the great number of people who were in the hall and felt as if he was kept locked in a small bottle buried underground because he couldn’t breathe nor feel there was a human existing.

In that dark moment, Jassem imagined the flash of other kind of lights that lit the stadium while he was running with the football going towards the goal and he managed to score a goal. Hence, people yelled and the flash of the cameras lit the stadium.

Meantime, Jassem recalled another incident, he recalled the moments when he used to hear people yelling and applauding from up the stages. Besides, they held slogans and sang whenever a goal was scored. When the match was over, people started to hail with Jassem’s name that reached space.

Upon that point, Jassem’s smile became wider, but coming back to reality, he frowned while surveying the surrounding and he thought, “Ah… oh God! What do you have to do with such people and their field, O Jassem? What do you have to do with this dim party? What are you doing to yourself, O Jassem? What made you come here? What brought you here? This is not where you belong, Jassem! This is not your place. Come on, move it captain, and get out. It is over, the match came to an end, and it is over, over.”

On that moment, there was a struggle inside Jassem thus he remained silent all the time. He tried very hard to hold on, he did his best to pass the hard situation Souad put him in. it happened more than once that they were introduced as Mr. and Mrs. Salem and Souad tried disparately to correct the people’s wrong which made Jassem very embarrassed.

After a short time Souad felt bored and that she had to leave the party especially because she knew how sensitive Jassem is and how his self-confidence is and how he honors his family. Again, Souad felt dazzled and mortified because she didn’t know how to handle that situation. She didn’t know what to do to get out of that fix which she got in. Anyway, all what Souad knew was to leave the party as soon as possible.

Souad went without making Jassem noticing her to the business man who threw the party to apologize for him that she should leave because she was very tired. So in a very low voice she excused and made a promise she should call. Then, Souad went to Jassem and expressed to him that she should leave the party due to the headache that attacked her, hence, Jassem approved silently and with a feeble smile.

When their eyes met, Souad observed Jassem’s blame and anger. Nevertheless, Jassem tried not to show his feelings and his annoyance because of Souad’s insistence that he should attend the party along with her although it wasn’t the right place for him.

 

He rushed to the exit door while sensing great anger, yet his anger was void of hate. Souad wished she could take Jassem between her arms and kiss him but she couldn’t dare to do so because Jassem passed the long corridor in silence, he didn’t utter a single word.

They passed the corridor in complete silence, and Souad was confused, embarrassed and she sensed how much she was in need for Jassem. Meantime, Jassem walked in silence which showed how his pride was wounded. He seemed as if searching for his being which he felt due to his rejection to be in a position which was not fit for him.                                      

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Chapter 11
Suffering in Absence

Many days have passed since Jassem’s and Souad’s return from the special reception party held by the Golden Fields’ company but Jassem has not been himself yet. He remained frowning, gloomy, speaking a little, moving a little, as if he was not present and as if he was not there at all. It was as if the real Jassem vanished in the air leaving nothing but his ghost or his shadow that was rather moving instead of him; it was going to and fro in silently, quietly and speechlessly!!

 

Once upon a night, Jassem told Souad without any previous remarks or notice that he was about to head for Kuwait to attend a medical conference that was to be held there very soon. After a short while, Jassem left for Kuwait to attend that regional medical conference for which Kuwait was chosen as the host country. Dr. Jassem was one of the best specialized Kuwaiti doctors who participated in that conference and who spared no effort to make it fruitful.

Indeed, many events were revealed there in Kuwait proving that Jassem Al-Nasser, who was a famous star in the world of soccer having those great feelings of seeking victory and who used to be proud after any success of his, was also featuring as a brightening star in the world of medicine and surgery. Here he goes going on with his scientific and practical career achieving unparalleled success in that field until he became of an undying fame as a successful young Kuwaiti doctor who became a Fellow of American Heart  Surgeons.

Doctor Jassem Al-Nasser became in the spot light of the means of media whether the radio, the press, or the television, thus, he was shown lecturing students at the faculty of medicine; he was explaining and elaborating on the new medical theory in the field of hearts’ surgery. Jassem started to write regular columns in a number of specialized scientific magazines.

Jassem received a lot of attention from people in Kuwait, and he divided his time between writing in papers, participating in symposiums, conferences, giving lectures, and the soccer players who launched a media campaign about captain Jassem Al-Nasser, the former captain of the national team, and the doctor of hearts’ surgery; this made Jassem feel he was great, take pride in himself, feel distinguished, and self-important.

Indeed, after finishing his study and after having the certificate of fellowship in hearts’ surgery, Jassem became one of the most famous specialist doctors in Kuwait. This was why the hospitals in Kuwait started to contact him and invite him to do similar heart  operations after he had proved that he was skilled in that field.

Before finishing his visit to Kuwait, Jassem examined Dalal’s grandmother, and he really examined her carefully. He showed that she needed to make some diagnoses and that she should be X-rayed so that he would decide if her case needed an operation or not. Thereupon, Dalal thanked Jassem from the bottom of her heart in a way showing that she owed him a lot due to his nice stance and because of his care for her grandmother. She expressed her gratitude for his stance with her in a way that showed that she could not hide her feelings and that she could not hide her flowing emotions towards him; it was manifest in everything that she was still in love with Jassem. She was still phoning him and she could hardly stop herself, so, she was chasing him in whatever place he would be as she used to do before.

Dalal wiped her tears and forgot about her sorrows, then got up to wear such exciting, daring clothes as usual, wearing such a nice perfume and she looked very mature of a special look as she had all the qualifications of charm and beauty that can impress others easily specially after her figure had become well-rounded specially after her pregnancy and after delivery; her sexy bumpy figure was shown in the clearest way ever. Anyway, Dalal went on to meet Jassem in Mubarak Al-Kabeer Hospital in Al-Jabiryah and she was walking deliberately in very daring steps for she hates to feel depressed, gloomy, sad, and frustrated specially after remembering how she was overwhelmed with grief when she fell on earth on knowing the news of Jassem and Souad’s marriage.

Dalal remembers how grave the shock was for her and how shocking the news of his marriage was and how she expressed the feelings of shock and surprise, thus she was totally destroyed. She remembers how she was eaten up with grief screaming unbelieving that Jassem whom she considered to be the most important man in the world became the least important one. She remembers how she was rolling in the dust weeping and crying bitterly.

It was out of her hand that she remembered how she felt so small, insignificant and imperfect when she was forced to be away from Jassem. She remembers how she was trying to strike a balance but it was out of her hand that she could not, as she would hit the earth hard.

Dalal knocked the closed door with the tips of her fingers, so, she heard the voice of the nurse asking her to wait for a while but as usual, Dalal was impatient, thus, she got hold of the handle, opened the door and forced her way into the room and through that room she headed for another side room next to it where she saw Jassem sitting on the desk, totally absorbed in reading some papers, hence, he could not feel that she was there, however. Dalal stood in silence, but her eyes were speaking a great deal; as if her eyes were dancing overwhelmed with joy, running longing for him, looking at him, hugging him, kissing every part of his body, and as if her soul was hovering over him and drawing closer to him. – “Oh, Jassem is front of my very eyes at that moment. I cannot believe it.”

Suddenly, Jassem felt she was there, as if the arrows of her looks had penetrated him, so, he stood welcoming her, pleased and impressed by her coming. She draw nearer to him, looked into his very eyes, shook hands with him, took hold of his hand holding it tight as if she was fearing that he would go away, meanwhile, she was resisting a burning desire of hers to hug him, cry while lying on his chest and tell him about her love for him and about her feelings.

Jassem pulled his hand away in a very smooth way then he offered her a chair while smiling at her and he, then, started to talk about her grandmother’s illness, and elaborate on her health conditions after reading her medical file in front of him at the moment. He reassured her that there was no fear about her grandmother assuring her that the case was not that dangerous.

Dalal sat cross-legged and she started to cast the spells of her charm on Jassem showing a great deal of affection that was not blunted by Jassem’s indifference. Her eyes were still looking for his trying to convey her emotions to him with the same brightening looks that set the fire of her love in his heart years ago, but this love was covered by ashes, so, would that love be reincarnated with that new meeting? Dalal draw nearer to Jassem and whispered, “I really missed you Jassem. I really did.”

But Jassem ignored what her looks indicated on purpose as well as her words, and then he started to elaborate on her grandmother’s case, and did not pay attention to the signs of love and affection she was showing. This was because she was only a woman from his past and she was a memory of a love affair that ceased to be. Then he got married and was satisfied with his quiet family life, thus, he was resisting Dalal’s emotions and was just talking about the medical report in brief, “Listen Dalal, I am going to undertake your grandmother’s operation at the right time, and there is no need to be afraid, believe me.”

Dalal wanted to make the meeting last longer; she was still dreaming of the promising love forever and was thinking of fulfilling the past’s wishes in the present. At that time, she was trying every possible means that would help win that round with Jassem. She would not care if the dream of Souad’s future was not realized, rather, she longed to revenge for she knew that Souad planned to take Jassem away from her and she was assisted by Laila then. Thus, she only cared about the one who’d win the final round.

Dalal kept on talking, trying hard to convince Jassem that it was a must that he should undertake the operation in Kuwait, but he insisted on his opinion, asking her to wait until the results of the diagnoses and the X-rays would appear and asking her to keep him posted so that he would follow up with the case and know its medical conditions after the conference and his return to the U.S. “Yah, back to the U.S.”, Dalal sighed in sadness and sorrow talking to herself while still looking at him with her eyes that brimmed with a great deal of affection. “You have just started talking about traveling since this moment Jassem”, she said.

Suddenly, Dalal felt that the situation was so hard for her that she could not bear it, so, she shrank like a hedgehog that would shrink then come back to its former state; she gathered her weapons all and was ready to engage in that battle after she had been provoked, after she had felt that her dignity was being hurt as well as her pride and after Jassem had ignored her feelings and rejected them as he was rejecting her wishes but she would not be satisfied but with his acceptance. Dalal did not understand the situation of a responsible married man like Jassem’s, rather; she’d think he hurt her as a woman and that he offended her, too. “Were it another one but you who said these words, I would tear him to pieces, but you do not know the effect of you talk on my heart, Jassem “, she whispered to herself.

Dalal was absorbed in her thoughts and her heart was beating so hard as she was affected by her flowing love emotions that were still running deep, deep inside her; such feelings moved her and moved her feelings, thus, she turned to Jassem smiling and begged him in a very weak tone with her begging looks of her beautiful, charming eyes that brimmed with the feelings of love sending them flowingly to Jassem’s heart, thus, he would be moved and he could no more resist her and reject her feelings after seeing the weak begging face of hers when he heard her saying, “Please, Jassem. Come to see my grandmother. She is sick now, she is in pain and we cannot take her to the hospital and bring her back in the same day. She would suffer and she can bear that no more. Please, Jassem. Come to examine her at home.”

Hence, Jassem had no choice but to agree. Frankly, he didn’t hesitate to go with her at once and he was overwhelmed with a feeling of pitying her that reached flowed into his heart. This was because he knew her harsh circumstances and he knew that she used to face many hardships and experience many ordeals in her life, and this was why he said in satisfaction, “It is O.K. but let’s go now, for I do not have but one free hour, Dalal.”

Jassem went out of the hospital and he got in Dalal’s car that headed very fast to her house but this was at the same moment when Laila came to urge Jassem to come with her to have lunch at her house after she had failed to reach him at the phone.

Laila saw Dalal and Jassem in Dalal’s car, so, she was greatly astonished and was steaming with anger and was very displeased with this devil who cared for nothing in this world but herself, thus, without thinking about that, Laila drove right after them, following them from afar, and talking to herself about the involvement of Jassem with Dalal favoring Dalal to her, “Now you have enough time for an outing with Dalal, Jassem, while I, Laila, your sister, have always been asking you to have lunch with me at home and you’d say you were busy and that you could not.”

In fact, Jassem was really very busy, and he had many concerns and appointments; he had symposiums to participate in, conferences to attend, and lectures to give. However, Laila did not believe him and felt he was still preferring Dalal to her and her parents, thus, she grow mad and angry about that and started telling herself, “Now I understood everything, everything is revealed now. This devil does not give up; she is trying to make Jassem fall in love with her and she won’t leave him alone and won’t make him care about his wife or his children.”

Laila remained talking to herself while steaming with anger and being mad at Dalal then she wondered in astonishment, “What does she want from Jassem now? Why try to drive him to fall in love with her again after he had married and became a father of three? What does she want? Does she want be his second wife to hurt Souad and make her sad?”

Laila’s heart was not at ease as she was angry harboring feelings of hatred, dislike, and anger towards Dalal; such feelings were mixed inside her, so, she would be steaming deep inside and her emotions would be confused, and her thoughts would be confused, too, thus, she would be shaken, as, in fact, she didn’t expect that Jassem would surrender that easy to Dalal and that he would fulfill her desire that quickly, surrendering by that to her will. Laila did not imagine that Jassem would ride the car with her, so, she told herself, “Thank god, I could not reach him on the phone; I was impatient with all those meetings, so, I came here and saw that with my own eyes. God willed that I would see them to discover the matter and interfere at the right time.”

Laila’s doubts were assured when she saw from afar Dalal’s car parking before her mother’s house, so, she knew Jassem was inside there, thus, she was obsessed with feelings of dislike, rejection and dislike.

She drove her car fast on her way back to her home while she was steaming with anger, cursing, and swearing at this reckless devil that do not stop playing tricks or never give up. Then she took the phone, while she was at the peak of her anger and while she could no longer have control over herself, to call Souad to tell her about what she saw and to tell her about Jassem’s whereabouts at that moment.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Chapter Twelve

Farewell & Stubbornness

Dalal sat wearing a happy smile feeling somehow triumphant, for Jassem accepted her invitation to check on her mother. Actually, she felt as if she made a great achievement by making him come to examine her grandmother. She kept looking at him most eagerly while he was sitting in the reception room. She noticed some white hairs in his thick hair. She also noticed he was heavier and bigger than before; his manliness was quite evident. Jassem was no more that rash young man; he has become a mature man, but no, he is not the same Jassem she knew before! Something has changed in him! He became different! The brightness of his eyes disappeared. At the same time, she noticed his weird looks into nothingness. She felt he was sort of a broken man!

She approached him wearing a wide bright smile on her face trying to embody her memories of the old days through her words; Jassem was aware of that and he ignored such a crystal-clear attempt to remind him of the past. He talked to her about medicine and surgery. He asked her more about her sick grandmother’s case, how she felt, what she ate, how she slept and when, and etc…!

In fact, Dalal has always felt ecstatic and rejoiced at the presence of Jassem. Moreover, she has always felt safe in his presence; she would be safe from loneliness, life and from that harsh world around her. Staying by Jassem, she would feel protected from her own fears that she would feel supported by him and thus, she would not be able to control her movements or hide her goals. She would approach him using her female touch and her charming unmatched beauty to capture his heart; that beauty that would make man feel as if a big child! In fact, Dalal has always been aiming at capturing Jassem’s heart that she wished he would be her child’s father; she would love that and be proud of it. She wishes that that child would lead a happy life between his lover parents. Yes. She has always been seeking to feel stable and safe as well as respected. She has been looking forward to a high social status that can be attained through marrying Jassem. Thus, she would feel at ease to express her delight on being with him, staying by his side; she would be in no need to select her words, for she would express all her feelings hiding nothing at all.

Sometimes, she would act in a rash manner and that would make Jassem more attracted to her, pity her more, and rejoice at her presence much more. Indeed, Dalal would dread the future, and be anxious about the present, her past misery and misfortunes that she could not feel calm or peace of mind; she would not have any feeling of safety after being cheated by Jassem. She would feel he is a promising man while she is a woman who had a past experience. Thus, she would feel agonized by that fact.

She has been weeping since that unpleasant moment, for she would not feel happy in her life as she could not predict her future that she paints a black picture of it. She could love none but Jassem! She has been overwhelmed by that very idea that would agitate her that she had a strong belief that she could not be emotionally attached to anyone but Jassem!

Actually, though her being so romantic, rash, caring too much about emotions and constantly nervous that sometimes, she would get indulged in excessive emotions and be extremely vivacious, she really loved Jassem from the bottom of her heart.

Sometimes, she would not be able to run her own life that she would be too passive most of the time. Therefore, her mother played a pivotal role in running her life that she has been the one to give opinions and take decisions. That is why Dalal was so much emotionally attached to her. She undoubtedly loved her as much as she loved her grandmother that she would pray to God to make her recover.

Both her mother and grandmother have been praying to God all day and night to make Dalal have the kind of husband who would make her lead a happy life, take care of her and make her feel safe that he would protect her and her little lovely daughter, Dana. Dalal’s mother and grandmother have been always wondering about the large number of people surrounding Dalal who admired her as she captured heir hearts by her charms and beauty. They would even wonder much more about the numerous suitors who would propose to marry her whom she would turn down one by one.

Once, her mother who was about losing her mind screamed at her in a fit of anger, “Forget that Jassem, Dalal. Forget that hateful man who ruined your life and made you abandon all but him. Till when will you keep waiting for him, Dalal? Till when? Till you get aged and lose your youth? Will you keep waiting for him?! Do you think Jassem will abandon his wife and kids for your sake and marry you?! No, wake up, Dalal; you have to care for yourself, for time passes and years pass by quickly without one’s noticing that. You will get older while awaiting Jassem.

That conversation would is repeated whenever a man would propose to marry her that the mother and the daughter would get engaged in that hurly-burly conflict. Such a conversation between Dalal and her grandmother would continue; they would try to convince Dalal of the importance of getting married, but after the problem would escalate and Dalal would keep refusing getting married, they would realize that Dalal was awaiting Jassem’s return though they would be quite sure he would never come back!

Her grandmother in particular was so pessimistic that she was sure Jassem would not return leaving his wife and kids behind, and bringing about the collapse of his family for the sake of Dalal. The grandmother would always say, “Had Jassem wanted to marry you, Dalal, he would have done so a long time ago that you were supposed to have had a dozen of children by now. Come on, Dalal, wake up and take care of yourself. Come on.”

So many times, Dalal would not care even to reply to her that she would keep silent; she would keep silent and crying, for indeed, she was quite aware that they pitied her. She also was aware that she was trying emotional blackmail to them to make them sympathize with her through her weakness, submissiveness, despair and grief. Thus, she did not want to make them feel guilty any more or feel negligent if they stopped advising her. She would remain silent; just silent. She would constantly and unconsciously get indulged in rapturous feelings of love for Jassem and at the same time, she would be constantly grieving over his being away from her that she would keep waiting for his return ceaselessly hoping all the time that he would come back.

Dalal would give Jassem an attentive look trying to examine his features in which maturity and manliness are manifest indicating extreme nobility and shown by his strong building. Then, she would rise and disappear inside one of the rooms and then, return holding a beautiful little box, and give it to him giving him a look examining his features again. She would look at him again and again most eagerly with concentration driven by hidden and concealed desire while saying, “Happy birthday! I wish you a long happy life.”

Feeling so much touched by her remark, Jassem wondered, “You still remember my birthday?!”

Dalal would turn towards him and approach him, and signs of love, eagerness and fondness were clearly shown on her face. She would say in a deep confident voice, “I have never forgotten you, Jassem. I have never forgotten a single moment I spent with you. I have never forgotten anything belonging to you. How come I forget your birthday?!

She would heavily sigh, “Oh, you do not know what you are to me? You do not know how dear you are to me!”

She would then get indulged in fantasies of past memories feeling overwhelmed by sweet nostalgia. She would wear a sad smile whispering so that Jassem could hardly hear her words, “Oh, do you remember the old lovely days, Jassem? Do you think you can get them back? They will never come back.”

She would keep looking at him that he became thirty four though she felt he was much older than that, for he looked older than he really was. She would look at him again dreading an expected breakup and farewell, for he was due to leave within a few hours; it was Saturday, 28 October 1989 i.e., Jassem’s forty third birthday. It just happened that he went to Dalal’s house and spent some time with her on that particular day!

To Dalal, Such an occasion was so dear and great that she could seize the chance to reveal her love feelings to Jassem and show him how much she cared for him that she has always had concern for him and he has always been the center of her attention in life. “Oh, Jassem is going to leave again?!”

Dalal knew he was going to leave for America the next day, Sunday, 29 October 1989; to leave for Souad after the medical conference had been over that its closing session was the day before. Dalal also knew that after his departure, she would suffer once more from that hateful feeling of loneliness, crushed by sorrow and her longing to see him. Oh. She knew she would be torn apart silently until it would be dawn, for she loved Jassem; she was fond of him. At the same time, she detested farewell and parting, dreaded departure and traveling. Since the first time Jassem left her, she has hated those times of utter agonies. Oh. That time too, she could not make him stay; he had to leave!

Jassem would look at her while unable to breathe a word or add something. He would stand up and thank her for her giving him a present after he had remembered the birthday of his son, Ahmad, that was last Thursday, that he made sure he would have to buy him a beautiful present that he would give to him when back.

Unfortunately, Jassem did not remember that it was Ahmad’s birthday that he did not call him to say, “Happy birthday to you”. He forgot all about that as he was too busy specially, on Thursday on which the conference closing session was that there was a world of activities, decisions and recommendations at it. Jassem felt so sorry about committing such a mistake though he did not mean it. Within himself, he took a decision to correct that mistake after his return and meeting Ahmad.

“He must be angry with me now”, he thought.

Jassem was immersed in thinking how to make his eldest son pleased with him. So, he rose bidding farewell to Dalal and thanking her for everything; thanking her for her caring for him. Before he went out, he assured her that her grandfather’s health would improve that he examined her once he arrived. Before leaving, he went to her grandmother’s room to say goodbye to her as well as to Dalal’s mother. He asked them to send Dana his greetings that she was not present that she went out with her Philippines nanny to play with her mates at the Naval People’s Club.

Dalal would accompany him wishing time would stop at that moment putting an end to the passage of minutes and hours so that he would not leave her to meet Souad ! But she noticed Jassem was not the same Jassem she knew before. He must have changed. That had to be the truth. All that was because of Souad; she was the cause of that change.

Oh, only God knew to what extent she felt jealous towards Souad. Her hate for Souad was beyond imagination, for indeed, she hated her. Yes, she did. She was the one who took Jassem from her. She was the one who took her beloved one from her. It was her lifetime love. She was the one who ruined her life; yes, she was!

Even though, Dalal kept silent, for there was no room for such feelings or talking about that then. She just kept silent stealing a look full of love, anger and blame at Jassem! By his marrying Souad, he inflicted an insult on the female’s pride within her. He ruined her image before everybody, before all people!

Oh, unfortunately, the car reached Al-Jabiryah quickly. It stopped at Mubarak Hospital. Jassem went out. He shook Dalal’s hands bidding farewell to her and thanking her. He did not like the farewell moment to take long that he tried to avoid looking at her eyes that were full of tears so he would not look weak before her and she would not look weak before him too, for he knew her. Yes, Jassem knew Dalal that he would not want her to look or feel weak before him. Indeed, he knew her very well; he knew she could not control her emotions that she was easily moved. He knew she could not control herself or her tears specially, when it came to thinking about him, his love and his heart.

Dalal drove the car back home while bursting in tears; her eyes were full of tears and anger so that she could not see the way before her. But there was a ghost of a smile expressing a sense of determination that made her feel assured that there was still a chance! Yes, she had not to give up, for there was still time; her beloved, Jassem, was going to leave tomorrow.

She went on crying, every inch in her body was crying, but no!

There were still a few hours left before he would leave. She would try to see him again during them! Yes, she still hoped to enjoy his company for some time; even for a little time!

Dalal drove her car crying, weeping and talking to herself to feel pacified, “No, I will not let you leave away from me. I will not; you are my love; yes, my love. Everything must be settled; Souad must know you are my beloved and that you were at my home. Souad must know that. I must make her agitated, sick at heart, and feel defeated because she is selfish caring only for herself. All she cares about is collecting money and nothing else. All she cares about is money and nothing but money. As for you, Jassem, she does not care for you; she made you changed and lost!

 

 

 

 

 

 

 

Chapter Thirteen

Longing and Departure

Yet, for her detriment, Dalal couldn’t see Jassem again, it was almost impossible for anyone to spot him in the few hours remaining for him in Kuwait, before he returns to the states.

Jassem’s plane landed in New York, and all his love memories with Souad kept      coming back to him especially the sweet days of their honeymoon in Manhattan, that marvelous place in which they’ve had the sweetest romance, and the most affectionate love.

He remembers vividly the Astoria hotel, and how stunned Souad was standing there in the spacious luxurious lobby. He recalls how was he rushing the checking-in procedures, while Souad just stood there by his side, not knowing what to do or say.

As he remembers New York, he remembers the dazzling reception held in the same hotel for businessmen, he remembers how ignoring reduced and diminished him, while all the spotlights was on Souad, dazzling and adorning her, following her from this group to that as she articulately had all these talks about commerce and economy.

How he hates this despicable feeling! How he hates to be put through it again!

He resumes the journey to Syracuse upstate New York, where it’s usually chilly that time of the year, it’s the days of the fall, as cold and lonely as ever, it’s haunting him all over again.

 

Jassem walks into the house, coldly greets Souad, without the slightest expression of affection or longing, as if he hasn’t been gone at all. Then he refuges to silence, even phone calls, he stops talking for too long. Visits, parties, and receptions almost ended, it ceased to be enjoyable, and for whatever craving for fun and joy Jassem had now ended.
He became a totally different person, now that he feels he has no rule and that he’s not of much significance, though he’s always used to be in the spotlight, dazzling everyone, having all the attention. Yes, that’s how it used to be, with no exaggeration. Jassem was born and raised in his father’s house, General Ahmed Al-Nasser; he saw how his dad filled the house with confidence, strength, and power, without raising his voice, or sometimes without talking at all.

Jassem felt that his father’s existence itself imposed power; nothing was ever done without his consent. He doesn’t need to say no, he never said no, for everyone already knows his likes and dislikes, whatever he wants is done. People just love to hear him saying yes, they keep asking and he says, “Alright. So be it. God willing. I won’t turn you down. Of course.”

However Jassem was scattered, torn. He can’t say no, no one ever asked him for anything so that he could say yes or no. Jassem wasn’t stupid; he realized how different he is from his father, he knows how weak he is, and that his existence doesn’t fill the house with confidence and power rather than denial, and weakness.

That was exactly the faded figure he refuses to accept, that he can’t accommodate with no matter how hard he tries. No, he won’t live his life giving up one thing after the other! But the thing is he can’t find a way out. He can’t blame Souad. Could he blame her for being lucky? For being smart? For working hard? Or for becoming a successful business woman?
Also he realizes it’s of no use to blame her for anything, so what’s the way out of this situation? Should she stop working and give up her career? And even if she did, would she give up all the money she made? Should she donate them or something? No, it’s not just her money, it’s Ahmed, Anwar and Rakan’s money as well, and even if she accepted to give it up, he wouldn’t, it’s his children’s money. But the predicament is that this money made his children wealthy enough that they don’t need him anymore.

That was when he started to contact Dalal often. He talked to her whenever he needed to feel comfortable, she always asks for things, she never stops asking, and never stop thanking him. Always asking, thanking, insisting, talking… which was only normal, we always love the ones we give more the ones we take from, it’s the same thing that makes a mother so attached to her babies, because she gives them comfort and safety, she gives them life, and she knows they can’t do without her.
Souad keeps pretending she knows nothing about Jassem and Dalal, although she hears about it from other, that Jassem cares for Dalal, and her family. Laila tells her about it, and keeps warning her, “Watch out Souad. Be careful, Dalal won’t give it up. She won’t give up Jassem.  Stay alert!

Souad gets confused, and refuges to silence. She doesn’t know how to open this embarrassing subject, he stopped talking to her in the first place, it’s like he’s digging for conferences to find a reason not to be home. He’s always searching for conferences, and of course she can’t blame him for it, because such conferences and lectures are his work. She could only try to fill the space he leave and be there for her children, who miss him and cry out of needing him. He’s always been so kind to them, and he’s always happy in the few moments he sees them, but these moments are so rare.

In the same time, Dalal considers Jassem as a property of hers, and that she must take him back. She can’t forget what Souad and Laila did when they ruined what she and Jassem had and cut off their communications. She loves Jassem still and won’t live without him, and she must take him back. Yes… She must… Now that he’s away it’s only been torturing her.

Dalal picks up the phone, thanking him for the care he’s shown for her grandmother, even her mother talks to him and thanks him for caring for the grandmother tells him the lady is fine now, and that they’re carrying on with the checks he told them about. Even little Dana talks to him, asks for a cartoon picture that’s not in Kuwait yet. Everyone asks him for something, everyone thanks him, everyone needs him, makes him feel that he’s of significance, and of value.

Dalal keeps tracking down Jassem’s news, and still envies Souad, the wealthy woman who has her money, her father, her brother, her kids. She just has had everything! She doesn’t need Jassem as much. She did manage to steal him from her, but she didn’t appreciate what she had, she ruined him. Jassem has changed; he’s not the same person Dalal used to know.
Dalal hears about him in Kuwait, that he stopped seeing anyone, stopped talking to anyone, stopped having his friends over even Everyone noticed he no longer smiles or laughs, he’s not as hospitable as before.  They sensed it and refrained from visiting him.

As for Souad, she’s always busy with her projects and properties. In fact, Souad doesn’t have time for Jassem anymore, but her. She has all the time in the world to give. All the time!

 

 

 

 

 

 

 

 

Chapter Fourteen
Lights of the Feast

The trip has taken along time, almost eighteen hours, and Souad’s psychologically exhausted as shown on her features that she would have a hidden feeling of anxiety and felt disturbed by a hateful feeling irritating her lending her a sense of intense stress, suspense and expecting danger.

She would seek God’s refuge from the accurse Satan trying to rid herself of her anxieties and look more optimistic than she really is; she would search for a smile to wear on her face, but that smile would be a pale one.

Meanwhile, Jassem would look more energetic and vivacious all the time which is unusual of him. His acts stood for his vivacity and being energetic unlike the case when he has been recently in America. It is clear that now, he is happier than his wife, Souad who was about to fall down out of fear, anxiety. As for the children, they would surround their father that they would feel glad to spend all that time constantly that it has been a long time since they last gathered together.

Ahmad would talk to the Brazilian nanny describing to her Kuwait, its sea, its long sandy beaches, its blue towers containing this beautiful restaurant whose floor would make a circular movement so she can have a look at Kuwait from all directions. Ahmad would promise her he would take her there one day and will go with her sailing on board the private yacht owned by his grandfather, Salem; he would also promise to teach her fishing.

Ahmad would tell he would take her to the club so she would watch him practicing karate, Judo and Thai condo with his cousin, Mansour, son of his uncle, Faisal. Once Anwar would hear Mansour’s name, she would interrupt Ahmad talking to her nanny enthusiastically about him, “Mansour is a real champ; he can defeat you in a karate match as he is so strong that none can defeat him!”

Celebrations would start taking place, for it is the 29th Kuwaiti national anniversary. Badr would give Ahmad, Anwar, Rakan and their Brazilian nanny a lift. Also, he would take his cousin, Mansour, son of his uncle, Faisal, Mariam, Mona, Fadda, his nieces, daughters of his brother, Abdullah, and their Brazilian nanny to join his friends and the people joining the great march that would move expressing happiness, for it is the national Kuwaiti anniversary, on Persian Gulf street.

The girls would be dressed in garments representing the Kuwaiti flag while boys would wear t-shirts on which the Kuwaiti flag is printed. They would raise pictures of Sheikh, Jabir Al-Ahmad As-Sabbah, Prince of Kuwait, and Crown Prince, Sheikh, Saad Al-Abdullah As-Sabbah raising the flags and waving them in the air. All would be dancing and all would be singing and expressing their great love for Kuwait.

Happiness would be full of happiness that would be touched all the place and embrace all Kuwait that everyone would feel the beauty of that anniversary that the Kuwaitis are happy, Kuwait’s days are beautiful and joy feelings are overwhelming that they it can be felt in the air, on earth and in the sky; even the sea would be laughing and so would be everything on the great street. Young men and women express their extreme joy using this kind of foam that would harden once it would be expose to the air that it would turn into colored plastic strings that would stick on hair and clothes. They would also use balloons, conical caps and whistle. They would also use golden and silver paper tapes, and those of all colors. Everything is glimmering out of happiness. Indeed, it is the anniversary, the glorious Kuwaiti national anniversary.

None would sleep in that night that they are all happy as it is the national anniversary; governmental and public buildings, the parliament, ministries and hotels are all covered by those colored glimmering lamps and flags are flaring on buildings roofs that everything is laughing in Kuwait as it is the 29th anniversary of Kuwait’s independence. Zealous national songs can be heard from a distance in cars’ recorders. Sometimes, the youths would stop opening car doors to go dance on the streets, and then they would jump into their cars. All the Kuwaitis would sing for Kuwait, “O our beloved Kuwait, you are the dearest to us; may you remain in happiness.” The youths would stand in uncovered cars dancing, waving their flags, singing, teasing the youths in other cars spraying that substance that would harden and be elastic once it would be exposed to the air. What happiness! Joy and delight are overwhelming as people would have a great feeling of triumph, pleasure out of being with those people in this place and their love for the Prince, the Crown Prince and the great Kuwaiti people as well as the Kuwaiti land, “O our great land, you are the dearest to us; God support us.”

Celebrations on marking the Kuwaiti anniversary would last all Sunday, 25 February 1990 and they would be followed by other magnificent celebration on Tuesday, 27 February 1990 i.e., Anwar’s birthday that they prepare for it at their house in Keefan that she invited all family children to attend that birthday party, the first of whom is Mansour, son of her uncle, Faisal, whom Anwar is fond of. Also, Mariam, Mona, Fadda, her cousins and a large number of her class mates came to attend her fourth birthday party that they have been preparing for since they arrived in Kuwait.

Gas balloons would be gathered at the ceiling of the big hall that is almost covered by colored bright papers. At the corner, there was a hill of presents folded in bright covers so Anwar would give them during her birthday party to her children friends as rewards for winning different contests. Towards the other corner, there would be another hill of presents Anwar has received from her relatives, friends, sons and daughters of her neighbors, her father’s friends and her mothers’ too.

It was a beautiful delightful party that Jassem was keen to attend it that time and that is why it got more beautiful and delightful; Jassem was also keen on attending Anwar’s birthday party to make his absence in Ahmad’s birthday party when he was in Kuwait last October. That may be also as he was eager to be with his family and children among his people, friends and mates who were all keen to attend this party to be together on such a beautiful delightful occasion on which Anwar was glimmering like a beautiful doll in her long beautiful rosy dress that it added to its beauty that her long black hair would flow on her back and her golden chains would make her more beautiful and so would do her golden belt around her waist, her shoes and sockets that were embroidered by diamonds. She was really a doll that would move, jump, and walk among people present at the party full of beauty, delight and elegance.

It was a wonderful party and the band that was there was well trained to give children parties singing songs and playing music the children love. They would also make contests for children that Mansour would win them most of the time that he would move quickly, be funny and quick-witted knowing how to give the right answer before others to win the prize. He would also make people clap their hands for him out of admiring him.

Indeed, all would be laughing having fun. Celebrations were all over Kuwait that happiness in homeland among the beloved is unmatched: Long live Kuwait and its people. Long live Kuwait; God save it. Indeed, living among one’s people in one’s home country is unmatched that it would lend a feeling different from that one when one is away from home, family and one’s people who would give one love, compassion, sympathy and other beautiful feelings.

This mixture of feelings was in the party that was attended by a number of Jassem’s friends who were footballers and were keen to share him his happiness celebrating his daughter’s birthday that was the occasion Jassem marked among his people and friends in his homeland. How great! It is a great thing to be back home after being away from it for a long time to meet one’s beloved ones.

In fact, Jassem was so happy to be in Kuwait among his people, good people, in homeland that’d give one feelings of love and kindness to its people. Long live Kuwait and God save its people.

The party is over and it was a late hour at night, but Jassem has not arrived yet that he went out with his friends and he was out till that moment. Night would be sad and boring that it would agitate Souad and make her feel deprived in Jas3em’s absence as she would always need him by her side, yet he would always be absent.

Souad would look at the empty bed that was cold during his absence as he did not give it the scent of his breath and his warm feelings the she loves and is eager to receive. “O god, help!” She cannot exercise patience while Jassem would ignore her more and more. She would sigh and wonder in pain, “O god, what did I do to be treated like that by Jassem?! Why does he punish me that way?! I did nothing wrong!”

She would not know what to do and the only thing that consoles her in that case was that Laila, her father and her mother do love her making up for her emotional void that she would suffer from making her feel sick at heart!

Souad would feel Jassem’s family like her being among them, but she loves Jassem and needs him not knowing what to do to overcome that barrier between him and her that she does not know how to make him stop deserting her! In all cases, Jassem’s acts are not justifiable! She would hear that song on the radio, “Your complaints won’t make me stop deserting you, let my rivals benefit you in my absence, for I have been begging you a lot of times, but you are too stubborn.”

Souad would spend another night like those other long nights counting stars one by one staring at bitch-black darkness sighing and pacifying herself, “True, Jassem, is preoccupied with his work as he is an outstanding doctor who is too busy nowadays due to celebrations on marking World Health Day that is to be on the 1st of May, but that does not justify his ignoring her that way. He has been ignoring me all these days as if he does not see me! How come I do not exist in his life?!”

Souad’s heart would get overburdened with great agony, grief, depression and bewilderment due to his absence and deserting her. She would be steaming with anger feeling grief and defeated thinking within her soul about Jassem’s ignoring her and absence! It must be Dalal who took him from her; she did it that time!”

Souad would rise in the morning preparing her children to go to school telling them she would not be able to take them to school as she was tired and exhausted. She would tell the chauffeur to take them to school in stead of her. She would go to the kitchen fixing herself a cup of coffee sitting in the big hall in the seat of Jassem whom she is fond of, to smell his odor that she is eager to have him by her side. She would sit sipping coffee all alone.

At that moment, she would notice a car of the same color of her mother’s and then, she would see her Indian chauffeur opening the outer door of the house that she left it open. She would rise feeling confused and go downstairs so quickly in that early hour of the morning that her coat wove in the air.

She would feel surprised to see her mother and ask her while worried, “What’s up, mom? Something wrong?”

Her mother would pacify her saying while smiling, “We are O.K., but your father wants to see you now to talk to you that he did not sleep last night; he told before dawn to go bring you to see him as he felt you were not O.K. in the last few days. So, he wanted to see you.”

Souad would wear her clothes hurriedly as she knew how her father would love her so much and feel worried about her. Souad’s mother would sit to drink tea with her sister whereas Laila was getting ready to go to university while Souad was getting prepared to go to her father. Before she would leave, she would awaken Jassem to ask for his permission to go to her father. So, he would get up to prepare himself to go to work at Mubarak Hospital.

Jassem’s father was about to leave saluting Abdullah’s mother asking her to send his highest regards to Abdullah’s father asking how he was and then, he would leave to go to work at Defense Ministry. Then, Souad would go with her mother to her father’s house in Ash-Shamiyah while feeling sad and heart-broken as she would not stand that situation any more.

She would ask her mother kindly, “What is wrong with you, my daughter?!”

Souad would not help saying, “I can’t stand that any more. I can’t be patient any more.”

Her mother would ask her most anxiously, “What is making you feel so?! Did Jassem upset you?!”

Crying, Souad would say, “I wish he would; we can no longer see each other and he does not know what I am feeling as if I am not his wife. Jassem is gone!”

Her mother would feel sympathy for her saying, “Come on, Jassem loves you and cares for you; he is just a bit busy nowadays that his being a doctor overburdens him with a lot of responsibilities. You have to be patient.” “No, mom,” says Souad, “I have lost him since a long time, but I just kept silent that I would not have told you about that unless you came today.”

The car drew nearer to the big white house in Ash-Shamiyah. Souad tries to hide her tears quickly so her father would notice nothing, but she would find him standing before the outer door f the house waiting eagerly for her arrival and seeing her.

Souad would get out of the car while unable to control her feelings after her revealing her psychological distress to her mother. She would salute her father trying to avoid eye contact with him so he would not see her tears on her face. She would come in bending her head as if counting the decoratively-planted garden roses close to her feet!

She come into the hall and sit down while her father would go to turn on the radio and they would hear a voice that they were pleased to hear it and were so attached to it as it reminded them of sweet past memories.

Souad would try hard to control her tears while hearing that song that would remind her of lovely memories. Her father would sit by her side searching for Souad’s lovely smile that he would love and want to see it. He makes his head touches his shaking her on listening to the words of that beautiful song whose singer’s voice was warm and tender. He would sing her alone that song, “O night, o night! I am heart-broken. I am dying to win his love, yet he makes me suffer from loving him; o night.”

Souad would keep listening to it and trying to bear up with and resist her feelings, and get engaged in a conflict with her tears, but she would be in outburst of tears after finding her father crying that his face was wit and so was hers.

 

 

Chapter Fifteen

Shocking Surprise

Souad would feel rest at the decision her father had taken on her behalf that he insisted she would fly to America to change her place and return to her work that would make her busy so she would forget about her problems with her husband n her agonies. He would also insist to be accompanied by her mother so she would be by her side after sensing she was seriously depressed that she was about to lose her vivacity, energy and beauty. So, the father would insist on that saying to his daughter, “If Jassem objects to your traveling let me talk to him.”

In a defeated voice, Souad would say, “Do not bother, dad. Jassem will not object to that; rather, he will welcome that. “Indeed, Jassem would not object to her traveling to America with her children, specially, because the summer vacation was due while he was too busy with his work at the hospital and practicing football sport the club.

Souad would return to America and confine herself to her seat on the plane looking at Kuwait most sadly though she would try to avoid thinking about Jassem’s frustrating stance as she would refuse to confess she has been suffering striving against her feelings of grief, gloom and humiliation that would make her feel inferior to Dalal whose image started to appear in the horizon that it got bigger and bigger while the plane took off.

Souad would enter her house in Syracuse that she would get indulged in fantasies of the past memories; she would look at those photos on the walls and the tables in their little frames that are scattered on the shelf of the marble heater. So, she would feel shaken out of her missing him while her heart would go all over the place while she was silent overwhelmed by grief. She would proceed to go to her room guided by the light of her past memories that would turn the darkness in the house into bright light that would enlighten her soul’s darkness.

She would cry over her present situation as well as Jassem’s. The train of her memories would overwhelm her. This is a photo they were taken together during their honeymoon. This is her photo while pregnant. She would smile on remembering how Jassem took her that photo from a particular angle so it would show how her abdomen was inflated on taking her that photo, while laughing loudly that he almost lay on his back; it was her ninth month of pregnancy that she was to give birth to Ahmad then and it was cold then too, but though she wore a heavy wool pullover, that photo showed how her abdomen was inflated.

This is their other photo. It was taken in Manhattan in New York while they were having dinner together at the hotel during their honeymoon. It shows that they were deeply in love with one another. This is Jassem’s photo while having lunch with his friend doctor, Naïf and d a number of other doctors on the weekend discussing their hospital project. In this photo, they are all, including Laila,  getting their breath back that their clothes were in sweat while they are eating watermelon after playing football at one of the parks on July, 4th , America’s Independence Day.

Souad would smile tenderly addressing herself while she outburst into tears; she would recall those beautiful memories, “How beautiful those days were!”

Here is Jassem’s photo smiling. Souad would feel he is smiling to her staring at her with his wide deep eyes that have been used to getting into her soul to the core. She would feel she is dying to see him blaming him for his absence. She would sigh, “O Jassem, days pass by in your absence as if they are years.” She would wonder while feeling pain, “What are you doing now, Jassem?”

She would recall that song she would love and enjoy listening to that her feelings would listen to its words with all love and eagerness,

“O you are absent and away from me, is your heart torn apart out of love or are you happy? I wonder what to do, for my love for you is excessive? It’s been a long time since we last met; o you are away from me.”

Souad would return to the real world as would hear her mother’s voice that she would call her. So, she would rub her tears quickly and go to her mother, but she would not be able to conceal signs of her grief that quickly that their traces would remain clearly shown on her face so her mother would agitatedly ask her, “What’s wrong with you, Souad? What has come upon you?”

Souad would embrace her mother taking her between her arms in love saying in a voice full of her feelings of  despair that is mixed with pain and grief that she would try to conceal them, “I am O.K., mom; nothing wrong with me.”

The mother would find herself obliged to remain silent, for she would neither want to remind her daughter of her pains on talking to her nor to agitate her once more stirring her feelings of grief, for she was aware of the reason for her suffering and for her despair; that matter has become no longer a secret to be hidden. All of them think Jassem seeks Dalal’s pleasure ignoring Souad that he would not ask about her even for once out of his love for Dalal.

Her mother would ask Souad to call her father in Kuwait to tell him they have arrived in America and so would do Souad that he would feel reassured. She would also dial Jassem’s home phone number to tell them of their arriving in America, but she would not find him. She would call Laila and her aunt to tell them about their arrival; her aunt’s husband was asleep then.

After a while, Ahmad would come asking to call his father, but Souad would tell him he is not home. So, he would ask her to let him talk to his grandpa, “I miss my grandpa so much.”

Souad would call her father again and Ahmad would talk to him most enthusiastically, “We have arrived safely; don’t bother, for I am with them. I’ll stay in America for some time and then, come to Kuwait to spend the vacation together, God willing; I won’t be late.”

Days pass by and Souad would keep trying to escape from herself that she would get herself immersed in her work to the core that she would not give herself a moment of rest so she would not suffer from Jassem’s absence that she would be unable to answer Ahmad’s question, “When’ll dad come?”

And she would not be able to respond to Anwar on saying, “I want to see my father so he would play hide and seek with me, and to run after me in the garden.”

Souad would feel burnt in the hell of her memories addressing Jassem through her feelings trying to quench their fire of love in her heart, but all in vain. She would call Jassem to tell him, “Ahmad is upset and wants you to come to him; when’ll you come?”

But Jassem would say he would not be able to come as he is busied with his work that it would put great strain on him that he would not have time to come to Ahmad. Souad would not be able to be patient any more that she would decide not to ask him to come again so he would make his own decision to come whenever he would like. She would sigh in distress, “Oh, indeed, all in vain: every now and then, you would give me excuses, but all are not accepted as my love for you in your absence would make me cry.”

One day, doctor, Naïf would call Souad asking about Jassem and Souad would tell him he might come soon. He would say, “I hope you trust me as you trust Jassem as if he is here; if you need anything, please, tell me. Please, Souad, do not hesitate to do so.”

Her mother would ask her, “Who are you talking to on the phone?”That is Naïf, Jassem’s friend. He is a Saudi doctor working with Jassem at the same hospital and he visited us last summer that he attended Rakan’s birthday party; don’t you remember him? He was that tall thin young man that you said he looked like Faisal, my brother. You remember him, now?”

The mother tries to remember that person, but to no avail and she would say, “I o not remember anything of the sort; if you asked me what I ate yesterday, I would not know what to tell you!”

Souad would rise and call Kuwait talking to Laila happily telling her about that interesting news, “Laila, listen, Naïf called us today and asked about Jassem. I bet he wants to tell him something important. I don’t know what he wants to tell him exactly. Maybe, he’ll propose to marry you. I sense that that call is not an innocent one.”

Souad would ask Laila to try to come at whatever cost stressing, “Don’t take a long time to come, Laila. I miss you so much.”

In Kuwait, Laila and her mother would do their best trying to convince Jassem of traveling to America saying, “You know, I can’t wait any longer; I am ready to leave right now.”

Jassem would beg her, “Come on, Laila, be patient till I perform Dalal’s grandmother operation and then, I’ll be free to go with you; only a few days are left.”

Laila would cry angrily, “What few days are you talking about, Jassem?! The end of the summer is due; we are now in July. Or will you wait until it is cold there so we would not be able to move at all?! No, Jassem, get them another doctor to perform that operation and you come with us. I can’t stand that hot weather.”

Jassem would get amazed and astonished saying, “I can’t Laila, that can’t be; I am her doctor that I know her case from A to Z and I have to perform that operation myself that I can’t let any other doctor perform it.”

Laila would keep silent steaming with anger uttering unclear words cursing Dalal, her mother and her grandmother that she would say trying to suppress her anger saying, “I don’t know when that Dalal, her mother and her grandmother thing will end. O God rid us of them all at once.”

In the afternoon of the same day, Dalal would call Jassem awakening him and ask him to come immediately to her house as her grandmother case was so serious and she did not know how to act. She would say, “Please, Jassem don’t be late; my grandma’s case is serious.”

Jassem would jump from his bed after Dalal had awakened him with her voice that was full of fear; he would change quickly and in no time, he would be reach her house as he knows how serious her grandmother’s case is that examination results showed that she had problems in her heart veins. Indeed, it was a serious case that there should be no delay.

He would come in quickly and heads for the grandmother’s room so he would examine her well and injects her with a dose that would make her survive that critical health problem. Then, he would sit in the reception room sipping tea waiting for her to be conscious to feel reassured about her. He would say to Dalal, “Your grandma has to be admitted to hospital right now, Dalal. I’ll send an ambulance to take her there. Get her ready to go there; she has to spend that night at hospital so tomorrow, we will do some tests before the operation. There is no room for any delay. “Dalal would start crying and ask Jassem in fear, “Is her case that serious, Jassem?”

Jassem would say, “Don’t worry. God will help us.”

Jassem would sip tea and then, rise to go to hospital and all of a sudden, Dalal would cry in an outburst of tears that he would look at her in astonishment saying, “I told you not to worry; her case is not that serious.”

Dalal would answer in a weird voice, “No, I am not worried about my grandma; I just want to ask you how you could marry another one but me!”

Jassem was struck by surprise that he never thought of such a sudden emotional stance that it was not the right time to say such things that he would quickly respond in bewilderment and embarrassment, “I never promised to marry you; now, you area mother and I am a married man who has three children. This talk is useless.”

Dalal would say while absent-minded immersed in her nostalgia as if she received no objections from Jassem, “But that was expected and known to everybody, not only me.”

Jassem would say felling the same bewilderment and embarrassment, “But you got married, Dalal!”

She would impatiently say, “True, I got married, but I did so to avenge myself on you, Jassem. I had to restore my lost pride before you and myself as well as all people. But I never forgot you; I loved none but you and that what has been torturing me as I could never forget about you and you never were out of my life.”

Dalal would go on blaming him in a weak voice mixed with a crying tone, “You did me wrong, Jassem; you wronged me. You are my first and last love in my life”.

Jassem would get surprised on facing that crushing emotional attack saying in a low voice that he tried to make it calm and strong, “Let bygones be bygones; drop that subject, Dalal; don’t forget I am married.”

Dalal would cry hysterically, “Married, married!” She would cry so much till her heart was about to be torn apart; she would cry in love, despair, grief. She would just keep crying!

Jassem would feel perplexed due to that intense nervous emotional surprise that overwhelmed him that he would suddenly feel depressed and would not be able to stay any longer with Dalal at the same place; he would leave the room aimlessly without saluting anyone in the house.

He would feel so angry that he would nit want to go back home again or to go to hospital. He would not know where to go at that time. Where could he go when he was unable to go to sleep or even to work?

He wears a frown on his face on remembering Dalal’s accusing him of wronging her that he would feel he is the wronged one; he would feel depressed and pain on finding he could not respond to her and clarify all things to her to clear himself so he would defend himself against such a false accusation that came as a surprise to him. He would angrily drive the car in the opposite direction heading for the club; he would call the hospital before going there to ask the resident doctor there to send an ambulance to the address and the name he told him about. He would also tell him the phone number of the patient so she would know the ambulance is on its way to her.

Jassem would go to the club and meet some friends and footballers who would welcome him. At once, a friendly football match starts and Jassem would play carelessly lacking enthusiasm that he could not score even one goal.

He stays at the club after the match talking to some of the administration staff about promoting the Gulf League in the future and how Sheikh, Fahad Al-Ahmad, the head of the organizing committee of the 10th Gulf League and the president of the Kuwaiti Football Association has declared that day who will meet with presidents of Football Associations in the Gulf region later on in Bahrain to discuss the future of the Gulf League. One of the admin staff would confirm that Sheikh, Fahad Al-Ahmad has declared in a press conference that day that Kuwait is a country famous for hospitality and it would not insist on receiving that fine as stated in regulations that was to be paid by the Iraqi national team because of its withdrawal from the League.

The discussion among Jassem, players and the admin staff about the future of the game and the Iraqi stance towards other coming Gulf Leagues that would not stop in the future though not sure if Iraq was to be invited to participate in them or not.

Jassem would leave the club after he had been a bit calm after playing football that he became less nervous and stressed and became calmer, happier and in harmony finding ease at his work and life as well as within himself. So, he would call Dalal on the car phone to make sure her grandmother was hospitalized assuring her operation would be performed the next day.

A few days later, Dalal’s grandmother survived her serious case that she left the ICU to her room in the suite and Jassem would tell Dalal she is constantly improving that her case became stable that she was not to be worried. He would also tell them his colleague, doctor, Hashim, would take care of her in his absence that he had to leave for America the next day.

Dalal would remain silent that she would hate to learn that Dalal is to leave her, but she could not reveal her true feelings as she would know how attached he is to his little son, Rakan, who is the dearest to him whom he would keep talking about all the time; he was the one to choose that old name for him that it would express his love and missing Kuwait when he was in America.

Dalal would not object to his leaving her, for Jassem did his best to help her grandmother that she was to be grateful to him for his exerting all that effort with her grandmother and caring for her. Her mother would thank him too thanking God for sending him to them to help them and save hr mother. She would also pray to God they would never part that she would keep praying from all her heart,

“God save you, Jassem, so you’d help us. God grant you a long lifetime and save you.”

Jassem would leave and reach his house in America that it would get more illuminated on his arrival and Souad would look at him excitedly and happily due to his presence. “O God, does not he know he is my love?!”

She would get more excite on seeing him and feel she needs him more, “Oh Jassem.”

“You are the sweetest thing in my whole life and you are always in my mind, you possess my love, my thoughts and my hopes.” All would gather on dinner: Naïf, Jassem and Abdurrahman, the new doctor who came from the United Arab Emirates. The three of them would sit together to have dinner that the food was cooked by Souad and Laila; all were extremely happy as that day was 31/7/1990 i.e., Rakan’s 3rd birthday. It was such a wonderful party attended by a number of friends living in America that they all came to welcome Jassem and say happy birthday to Rakan.

They would get happier on learning of that beautiful news that warmed Laila’s heart as her brother, Jassem told her Naïf wanted to marry her. So, he asked her what she thought of that and she would nod her head as a sign of acceptance. Jassem would tell Jassem about her accepting his proposal to marry her asking him to wait till he would tell her father and know his opinion. Souad would feel so happy that she would keep kissing Laila congratulating her, “Congratulations, Laila, I wish you all the best.” Laila would receive her mother’s and her aunt’s congratulations and Ahmad, her nephew, Ahmad, would say he likes Naïf. Anwar would say, “Naïf is a good match, Laila; indeed, he is.”

It has been a long time since Souad last saw James’s smiles, “O God, I missed that smile.” The whole atmosphere turns into a happy one that it would be full of roses, flowers and presents that flooded the place out of happiness about that beautiful occasion that had a clear impact on everybody as shown on their faces. They would thank God praying to God to make that happiness last for ever and saying happy birthday to Rakan. A few hours later, they would receive another beautiful piece of news that would add to their happiness; the birth of Abdul-Aziz, son of Abdullah, Souad’s elder brother, who was Miriam’s, Mona’s and  Faddah’s brother. How great!

Happiness would be all over the place and all would thank God praying to God  to bless the son of Abdullah and his wife, Ibtesam, whom they have been looking forward to since a long time. True, he was defected but he was put in an incubator at hospital in Ash-Shuwaikh.

“No matter, tomorrow, he will grow up and become a great man.”

On that day, Jassem would tell Souad he would discuss with Jassem preparations for his marriage talking to him about those formalities after calling his father in Kuwait telling him about the whole thing and know about his acceptance.

Souad would approve of Jassem’s thoughts and her heart would a big smile, for here Jassem is talking to her telling her where he was going to be in that night; she would thank God he once more would deal with her as his wife; she almost forgot that. Indeed, she forgot that; she forgot how he would deal with her as his wife. All this is because of Dalal.

Dalal, Dalal! Dalal was sitting at that time in her house in Kuwait with her mother who was about to lose her mind out of fear for her sick mother who was between life and death at Mubarak hospital that she lost control of her nerves out of anger and fury that she furiously kept telling Dalal,

“Why has Jassem left us, Dalal? Why hasn’t he waited till my mother would leave the hospital and return home? Was it so urgent to leave us? Does not he care for you, Dalal? How could he leave my mother to be cared for by another doctor? “Wasn’t it Jassem who performed her operation? Who deserves his presence more: You, Dalal, and you grandma whose case is so serious or that Souad who wants him to attend her two-year-old son’s birthday party?! How come?! Shame on him!”

At that moment, Dalal would feel torn by jealousy; fury and anger on hearing her mother’s words that reminded her of how Souad and Laila conspired against her so Souad would take Jassem from her.

She would steam with anger feeling there is a volcano deep within herself; flames of jealousy would set her nerves on fire that she could not help crying out of her feeling defeated blaming her misfortune comparing her fate with Souad’s.

The conversation between Souad and her mother would be over that her mother would rise angrily and go to sleep in her room so she would get up early to go check on her mother at hospital. Thereupon, Dalal’s fury would be aroused that she would dial Jassem’s number in America, but as usual, Laila would tell her in a cold voice,

“Jassem is not here at the moment.”

Dalal would get so angry and cry, “I said let me talk to Jassem or I’ll show you what I’ll do, you liar. I know Jassem is home. Let hi talk to me.”

Laila would cry in a fit of anger, “You are the liar; you never feel shame; Jassem is now married and has three kids. So, what do you want from him?”

Laila ends the call and only a minute later, the phone would ring again that Laila would answer it, “You again? What do you want from Jassem? You…”

Before going on, Souad would take the ear piece from Laila quietly and talk to Dalal submitting to that situation that she could not ignore that complex emotional situation on hearing Dalal’s crying and shouting begging to talk to Jassem as her sick grandmother’s case was serious that she was about  to die. Souad would submit to that situation as she could not forget Jassem is a doctor I the first place.

She would give Dalal Naiad’s phone number telling her calmly, “You may contact him now on that number, Dalal.”

Souad would end the call while her whole body would be shaking that she would stay sitting at her place and her heart would strongly beat that she would keep silent speechless. Laila’s would gaze at her in extreme bewilderment and amazement on hearing such a thing. Souad’s aunt and mother objected to her giving Dalal the chance to contact Jassem even at Naiad’s house.

After this exciting situation, all remain silent as if a secret agreement was made among them to wait for Jassem’s return that the impact of Dalal’s call on him will be clear on knowing she quarreled with Laila, his sister, that Laila’s mother felt disturbed an dreaded Dalal would complain about what Laila did to her. She would keep silent without knowing how to have an outlet for or suppress her rage so she would ask Lila to play an Arabic movie for entertainment, but before she would rise, Ahmad would hasten to play “Bye, Bye, Arabs” play starring artist, Abdul-Hussein Abdu-Reda and he would want to play “Knights of Al-Manakh” play starring the same author too that he would ask them to choose one to watch and they would say, “You choose, Ahmad.”

They would all sit and watch the farcical play while Souad would look at her son, Ahmad from time to time in love so she would see how he would admire and get affected by that actor’s performance. She would smile as she would know Ahmad is like his uncle, Badr, loves artist, Abdul-Hussein Abdu-Reda. She would also know he has admired that artist since he was young as he would watch his uncle making like that great artist.

All of a sudden, Jassem would come in that he was not expected to come that early that day. It was almost seven o’clock according to New York local time and he used not to come home before midnight.

Jassem would come in with signs of anger and rage shown on his face wearing a frown on it. He looked so strange and scary which was unusual of him. He would sit down wearing that frown on his face and remain speechless ignoring their existence though Ahmad, his son, was there that he would stand still as if he does not see him. Even Rakan who was playing with sweets boxes, and hazelnuts and almonds; he would approach his father joyfully expecting him to play with him and kiss him was ignored by his father too as if he did not see him.

Jassem would stand still and utter no word at all breathing nothing as if he became dumb; all he did was shaking his legs nervously and unconsciously while signs of extreme anger, grief and bewilderment were clear on his face.

He looked confused unable to know how to start talking to them. Laila would feel so afraid on finding Jassem looking that way. She would look at her mother in fear and suspense searching for her shelter and protection from Jassem anger and his inevitable and expected fury that she knew it would be so violent.

She would sit in fear holding her breath while unable to look at her brother who looked like a timed bomb about to explode, but she would summon her courage and say, “I am sorry, Jassem, I did not mean to hurt Dalal’s feelings; I just wanted…”

Before she goes on, Jassem would raise his eyes that looked extremely red to look at her that they looked as if they were immersed in a sea of blood. Then, he would cry in a dreadful way that his body would shake; he would cry while hiding his face with his wrest, “Kuwait is lost. Kuwait is lost!”

 

 

 

 

 

 

 

 

Chapter Sixteen

Striking Shock

Grief overwhelms the whole house and stimulated pains would overwhelm everybody too that they could not stand the aftermath of such a shock and fear after losing any contact with people in Kuwait after midnight that Al-Dira was isolated away from the whole world. “O Lord, have mercy on your servants.” All would talk at the same time and be silent at the same time. All would wonder what could happen then.

Souad would keep going to and fro keeping trying hard to call her father on the first day of the Iraqi invasion, but in vain; they lost all contact with him.

Thereupon, grief, wailing and cries would prevail that the old and the young would cry refusing to believe that shocking news, “100.000 Iraqi soldiers storm the Kuwaiti lands and capture the palace of his highness Prince of Kuwait as well as other important buildings in a sudden attack that took place at 4:30 A.M. on Thursday, 2 August,   1990.”

Fear and awe spread that all would weep, cry and wail and the echo of their crying makes walls shake and cry themselves in grief and distress. All would get indulged in painful feelings and keep crying. Even little Rakan would cry though not knowing why he would! He would just keep crying just like all the others in sad grief and dreadful fear that would make the child panic and keep crying all the time.

“O God, You Who answer prayers, relieve our distress and affliction.”

Time would stop passing and all would not know what to do after hearing such news. All would keep silent hearing watching and listening attentively to different pieces of news and information through all mass media after losing all contact with Kuwait.

All hearts would be conquered by fear and deep anxiety that would plague souls of those trying to know what was going on exactly, but in vain as there was no proper reason for what happened or what is happening; this is abnormal and unprecedented.

They would wonder if time ceased to pass or the watch hands are unable to move forward! They would wait receiving more shocking news that would make them overwhelmed by grief, agony and pain in utter sadness. The news would fall like falling rocks on their heads that they would be shocked, astonished, and afraid and agonize over it.

They would feel frustrated and their hearts would be shaking hoping to get rid of such feelings; they would follow up news on all channels and stations. Jassem would sit in tiresome telling himself, his soul and his heart are exhausted. He could not believe that news. But unfortunately, that is reality that it was shocking news though illogical.

His heart would yell in agitation on hearing this saddening news item, “Invaders capture Dasman palace, the seat of the Kuwaiti prince and turn it into a military area.”

Ahs would spread all over the place that would make walls shake out of grief, for Sheikh, Fahad Al-Ahmad was gone while defending the palace and the honor of Kuwait. He was martyred sacrificing his blood for Kuwait. Jassem would cry from his heart as he never cried before. Dasman palace was captured by invaders. Sheikh, Fahad, was away from the palace when he heard the news that he headed for the palace quickly and there he got engaged in fighting invaders resisting them as much as possible till he was martyred.

Jassem would grieve over sheikh, Fahad Al-Ahmad that he could imagine what happened that he was bewildered and sad, “He fought with them in Fao! He felt they were his brothers and that was his obligation towards them that he had to defend them and their land. And after all that, they kill him in cold blood after all that he had done for them?!”

Souad would sit on the floor holding with her shaking hand a bottle of perfume putting some perfume on her mother’s forehead as she lost conscious on learning that her son major, Faisal, was martyred that he was a policeman. He was martyred at the police station in the capital while defending his homeland when invaders stormed the police station killing all those inside it in the beginning of that hateful invasion. “O God!”

Jassem would recite some verses of the Koran, “Do not consider those who died for the skae of God are dead, they are alive in the realm of Heavens given their bounties.”

They would keep receiving more news about that horror that plagued Kuwait. All those who would such bad news about what was going on in Kuwait and what its people would face would grieve over that. Hearts would shake, agony would be overwhelming, all would cry much more till their eyes would get tired and fear would triumph over them, for none knows what was going on there and what those who survived would face in Kuwait.

They would feel more agitated on hearing that news item reported by Reuters, “From 600 to 800 Kuwaitis have been killed and injured on the first day of invasion.” They would feel further more agitated on hearing Sheikh, Saud Nasser As-Sabbah, the Kuwaiti ambassador to the U.S. saying, “The Iraqi forces continue violating human rights committing atrocities of war against civilians.”

All hearts would feel pain wondering, “Oh, that is still alive? Who was dead? O God, help us and have mercy on your servants. Save them and help them, for You are the Greatest Helper and Supporter.

Souad would keep crying thinking of her people, her father, her brothers, their wives and their kids, “O God, help them! How are they now? Can they stand those horrific acts? What about my father, Salem, that good friendly man?! What will he do with them?! O God!”

She would cry in pain, “O father, where are you?! Where are you, Abdullah? God rest your soul, Faisal. May you rest in peace! How is Mansour doing now? Can he live without you?!” She would cry ceaselessly breaking all hearts feeling tortured by her anxiety about the Kuwaitis praying to god to relieve them from their distress, “O Lord, save the Kuwaitis and support them.”

Grief would control all; nights would get much darker with the passage of time and Jassem would desperately try to alleviate the pain of those around him, for their health and psychological conditions are seriously and dreadfully deteriorating, for souls are overwhelmed by grief, anxiety is uncontrollable suppressing all people and hearts that they would be more endangered, specially as his aunt has a diseased heart that she would not stand all that stress, agitation, grief distress and crying.

They receive more news that they would know a ferocious battle erupted between the invaders and the Kuwaiti military forces in Keefan that took three days and in which different kinds of weapons and there was crossfire after which many Kuwaiti military people and civilians had been captured and none knows anything about them.

The situation would further deteriorate to be more horrific after Laila and Jassem’s mother lost conscious on hearing that bad news about what the Kuwaitis are facing there that they have been resisting that invasion s much as possible, but the invaders got more violent and kept wronging the Kuwaitis treating them unjustly.

Laila would keep trying to know any news about her father, General, Ahmad An-Nasser, in Keefan that she was constantly afraid he might be encountering horrors after learning about what was going on there, but in vain.

She would cry, “O God, what will they do to them?” Laila would keep crying together with her mother, her aunt, Souad and her kids, Ahmad and Rakan; even the Brazilian nanny would cry on seeing them crying and so would the chauffeur and the American employees in Souad’s company that they all would feel sad about such horrors.

With the passage of time, the situation further intensifies that they cannot escape the painful feelings of such a calamitous situation. Jassem would not know what to do on learning that the American administration froze the Kuwaiti deposits and assets in America, and in branches of its banks abroad.

“O God, what can we do?! How can we handle such an unexpected situation?” Such a situation would make Jassem lose control and be unable to stand his being bankrupt over a night; he transformed the greatest part of his account to American banks before leaving to Kuwait last February. He found himself having only a little amount of money. What a calamitous and a critical situation that would keep deteriorating all the time.

Jassem would go to the hospital so he would meet Arab doctors there to discuss the status quo that he did not know what to do or which decision he should make. After quick thinking, some colleagues would advise him to go to work the hospital. So, he would apply for a job in the hospital and he would be welcomed by people there that they would receive his C.V. promising to inform him once there is a vacant post.

Jassem would return home frustrated putting his keys chain and glass on the table in the living room. He would enter his bedroom feeling suffocated, furious and stressed as he was encountering such an unexpected calamitous situation. He unintentionally would touch his wallet containing his credit cards, visa cards and master cards, American Express or Dinners; he would get them out of the wallet and watch them while holding them one by one in grief and distress as they are of no value at all, they were like those playing cards!

He would throw them beside the bed and take off his clothes, go to the bathroom in the bedroom to bathe; the water would flow on his hot head in hope it would put off that hell inside him. He would dry his water shaking his head right and left after getting out of the bath wet hoping the cold water on his body would reduce the heat he feels and reduce the speed of thoughts running in his mind!

He would get out in a white gown. He would sit on the floor in the living room beside Laila stretching his legs leaning against the long sofa that he used to lie on. He would get closer to his sister putting his hand on her shoulder and pacifying her saying, “Do not worry, Laila, don’t worry! Your dad is O.K. and so is Kuwait. Everything will be O.K. Just don’t worry.”

Laila would reply to him crying, “But the news showed us the situation is too serious there and you know can’t stand being insulted that he will respond to them, for he is too proud of himself that they may kill him as he belongs to the armed forces.”

Jassem would desperately try to pacify her saying, “Stop it, please, Laila. Your dad is a hero that you shouldn’t worry about him; he can manage his affairs. Your mother shouldn’t hear you saying so as she would go mad then. She can’t stand hearing such things. Try to bear that in mind and control yourself; God will help us.”

Laila would look at her mother who was lying on the floor before the TV watching it attentively in hope she would hear the news of the Iraqi withdrawal that some news agencies reported that i.e., the Iraqi forces started to withdraw from Kuwait at 8:00 A.M. on basis of the agreement made with the so-called transitional government. Jassem’s mother would keep looking forward to knowing this is true, but she would feel totally frustrated on knowing that Sheikh, Souad, the Kuwaiti ambassador to America, said that was a mere lie that none could believe it.

Abdullah’s mother was still asleep that Jassem would care for her injecting her with sedatives from time to time so her case would not get much worse or her heart would be subjected to more tension. Meanwhile, Laila would keep anxious and afraid of such a calamitous situation the were encountering; here Naief has come bidding farewell to them as he was going to leave for his home as Saudi Arabia started mobilizing its troops and the Saudi radio called all those whose   age would allow them to perform military service to enlist; the Saudi air force mobilized its troops too.

Laila hoped so much that this ordeal will come to an end so soon that Saddam would withdraw his armed forces from Kuwait so things would be O.K. once again, but within a few hours, the situation escalates, for American President, George Bush meets with his consultants to review possible military alternatives in the Gulf War that the U.S. started mobilizing it navy forces and the marines as well as putting its bombers on the alert in the Gulf.

Souad would lie in her bed in her room talking to Ahmad, who would try to stop crying asking in fear and agitation about Kuwait and conditions there, “Why did they kill my uncle, Faisal?! Why did they attack the police station?! Haven’t we loved them and provided them with money and food when they were fighting Iran?!”

Souad would be unable to find an answer for his questions as she was asking the same questions without finding answers for them. She would feel anxious about her child on seeing him in that case. His sadness and fear was clear that eh would grieve over his uncle, Faisal, tearing her heart apart. Ahmad was so tired out of his grief and his crying that he was crying silently and his mother would feel sorry for him because of that that she would know he does not like to be seen crying. So, he was crying silently away from everyone. He would not like to be seen crying by Anwar who would cry severely on finding him crying. Even Rakan would keep crying all the time.

Souad could not control herself when asked by Ahmad, “But mom, I promised my grandpa that I would spend the rest of the vacation with him, but how can I go to Kuwait now?! How to see him?! How can I?”

Souad could not help crying suddenly that her voice would tear hearts apart and she would grieve over her brother and anxiety about her father as well as her step-father, her family and all the Kuwaitis, even the sea, the coast, the towers, the conference palace, the club, their house in Ash-Shamiyah, Jassem’s house in Keefan and Dasman Palace that was captured.

She would feel sick at heart and she would hide her face with her hands; she would keep crying and Ahmad would get out of the room anxiously not knowing what to do. He would go to tell his father about his mother’s crying that Jassem would rise suddenly and go to her room; he would approach her and on seeing him, she would cry much more that she would hardly take her breath in suppressed agony.

Jassem would sit by her and take her into his bosom pacifying her and touch her hair in love feeling her fear that he would try to make her calm down lending her a feeling full of love to alleviate her pain to make her feel he is sharing her agonies and pacifying her.

She would calm down a little bit that she would lie on her back putting her head on the billow that she would notice those carelessly scattered credit cards by the bed. At once, she would realize the situation Jassem was encountering that she would ignore them so she would not cause him pain or embarrassment. She would try to control herself and stop crying, but she would feel completely exhausted that she would lie in her bed. She would put her head on the back of her bed unable to take her breath well s she was a slain hen.

Jassem would remain sitting in bed by her rubbing with his fingers and lips tears in her eyes kissing her face and her cheeks while he would keep looking at her in love that her heart was aware of it and it would pump hot blood into her skin that it would turn from sweet darkness into dark red.

After a while, she would calm down that Jassem would feel reassured about her and would like to go at night to check on his mother, sister, aunt and his little kids who were lying day and night waiting for news; the first one of them to do that was Ahmad who would simultaneously translate those pieces of news he would hear that they would arouse their fears and makes them more stressed and feel pain that they would turn to be patients to be treated by Jassem; each of them had to be medically cared for in a certain way.

Jassem was worried most about the case of his aunt, Abdullah’s mother, and that of his little son, Rakan that it was clear he suffered from severe distress that made him sleepless and have no appetite for food.

Jassem would rise that he was about to go back to the living room, but before he would move, Souad would hold his hand strongly pleading him to stay with her only for one minute. So, he would be astonished when Souad did so suddenly that he would look at her waiting to hear from her what she wanted to tell him. Calmly, she would say, “Jassem, please, I’ve a lot of things to tell you about, but not here. Tomorrow, we’ll go to nearby “Ricoh” Café so I can be at ease to talk to you. Please, Jassem, we’ve to go there.”

Jassem would remember that “Ricoh” Café witnessed his best rendezvous with Souad when she first came to America before they got married and after their marriage. It was the best place to go to spend their happiest times. So, he would feel more astonished, specially, in that particular stage. Souad would answer his question before he would ask it, “Please, don’t give excuses, Jassem. We’ve to go there; I can’t talk to you here. This is my only chance to talk to you. Please.”

Jassem would reply to her in astonishment that would grow more and more every time he would look at her and every time he would feel her insistence on that, “Fine, Souad go ahead. Tell me now then. There is no need for delay.” “No.”, she would say, “Not now, Jassem, I am not ready now. We’ll talk later.”

Jassem would accede to her request and would go to the living room where all family members were including Rakan who was still awake going to and fro before them and his mother all the time. They all would pray to God invoking Him to save their people and homeland from that horrific invasion and to alleviate their affliction. Laila would keep reciting verses of the Koran beseeching God to save Kuwait and its people from any evil or aggression and to make that unjust, Saddam, who did not fear Him defeated freeing Kuwait from his devilish soldiers, “Amen.”

Night would be black and awful full of doubts and uncertainty as well as fears like those accumulating in Jassem’s heart crushing it as encountered a hill of unpleasant situations that he was totally surrounded by them after his fall.

Jassem would remain sleepless all night that he could not have any rest as he was thinking all the time to find out how to handle such a situation. He would remain sleepless, perplexed and dreading what Souad was going to tell him hoping she would not talk to him about Dalal as such talk would hurt her before him and he did not want neither of them to be embarrassed.

So, he kept thinking all the time and remained sleepless till it was dawn. He would keep staring at the ceiling of the room that he was absent-minded and immersed in profound thinking that he would ceaselessly think of his expectations regarding that weird meeting that was arranged in a time that was not suitable at all.

Chapter Seventeen

The Critical Moment

A cry of extreme fear would disturb the quietness on that day; Dalal would wake up at 10:00 disturbed by explosions and sounds of planes that spread in the sky that they would fly at a low altitude producing an irritating sound arousing fear of people all over the place that it would lend a feeling that that was Doomsday and the end of days.

Dalal would get up afraid and asking about those fearful sounds taking her daughter, Danah, into her bosom embracing her strongly after she had got up crying though Dalal herself was scared and perplexed feeling worried about something she ignores; she was afraid by the sound of explosions near and far from her that that was her first time to hear such sounds in Kuwait.

She would mumble unable to move or react to that sudden feeling of fear, “What is that?!”

Within a few moments, she would go to her mother’s room, but she would not find her there. She would search for her and find her running in the house with hr eyes open widely. She would ask Dalal in fear and astonishment, “What is that, Dalal?! What’s going on?!”

She would not wait for an answer that she would run to the roof ascending the staircase quickly and then she would descend it and run quickly from one room to another not knowing what was going on and what the reason for those flames that spread everywhere was; she did not know why those great buildings all over Kuwait were being bombed.

Dalal would hardly hear the phone ringing that she would run to pick up the phone and hear the voice of her elder brother, Gamal, “Dalal, the Iraqi army has invaded Kuwait; get ready quickly; I’ll come to take you now.” Dalal would ask him in fear, “What are you saying, Gamal?! The Iraqi army has invaded Kuwait?! Why?! When?!”

Thereupon, her mother would rise as if bit by a scorpion and take the phone from Dalal to ask him again, “Gamal, what are you saying?! The Iraqi army has invaded Kuwait?! How is that?! How come?! I can’t believe it!”

She would receive the same answer he gave to Dalal that she would hasten to turn on the radio and within a few moments, she would know the whole thing.

She would cry and wail, “My mom is in the hospital; she is going to die out of fear. O mom! Your heart can’t stand that calamity. O God, my mom is going to die.”

Dalal would talk to her brother on the phone not knowing what to tell him that he insisted to take them to his house in Ediliah, but she would tell him she could not as her mother insisted to go to her mother in the hospital. Gamal would object to that saying,

“You can’t stay all alone at home without men to protect you. None knows what is going to happen; there is a tumult of confusion and you can’t sty all alone at home.”

Before she would answer him, her mother would cry that her voice would reach Gamal’s ears,

“No! I can’t go and leave my mother all alone at the hospital; I’ll go to her right now; I can’t leave her there alone.”

Dalal, her mother and Danah would hasten to Mubarak hospital where the grandmother was hospitalized after undergoing a heart surgery in her room. They did not expect that the short way from As-Salemiyah to Al-Jabiryah where the hospital was became that endless!

There would be traffic jam that cars would move everywhere and traffic lights would be of no importance that their red, yellow and green colors would be meaningless. Cars would move in the opposite direction and everyone would run everywhere; all traffic rules would be broken.

Their car would hardly go through that horrible crowd that cars thronged at fuel stations so people would fuel them and get extra metal or plastic tanks.

They could hardly reach the hospital that they all would run to the grandmother’s room that she was sleeping in her bed knowing nothing of what was going on i.e., that invasion that started a little before dawn.

Dalal would walk in the corridor to ask someone about what the patients would do in that situation, but she would find that everyone she would meet was nervously astonished as indicated by their shaking hands, voices and movements, for none would know what happened, was happening or would happen.

At last, she would meet a doctor and ask him desperately about her grandmother and she would do; she would ask him where the doctor who was caring for her to know about her health condition then and ask him if it was possible to take her home or it was necessary for her to stay in the hospital.

But before the doctor would tell her anything, Dalal’s mother would shout at her daughter objecting to her opinion insisting that her mother would stay in the hospital,

“Mom won’t leave the hospital; if she goes home now, she’ll die. She has to remain hospitalized till she would be cured.”

Amid those dreadful situations, Dalal would visualize the image of Jassem in that critical moment, for none would know what to do or what was going to happen. It was such a hateful weird sudden situation that the only thing expected was death and danger that that was usually available in such circumstances i.e., after invasion.

She felt that Jassem was her shelter for safety and security that she would cry in despair expressing her need for him,

“Where are you Jassem? Where are you?! Why did you leave me alone?”

Her bleeding heart would cry while she was walking in the corridors of the hospital that she would look at those open offices and see some nurses while there were other vacant offices that she would not know to whom she would talk or ask for the medication for her grandmother until she would encounter some doctors who reassured her and advised her not to take her grandmother home so she would be given due care as her case would not allow her to go home.

Dalal would be convinced at last of not taking her grandmother home after her feeling insecure grew that she would keep crying in pain trying to know what was going on and what was going to happen. She did not know what to do after feeling that extreme fear and needing Jassem and his existence.

Bewilderment would remain the only overwhelming thing, for that sudden ordeal made all people stunned not knowing what was going to happen or what they would do.

Dalal would keep calling Jassem that she would keep looking forward to his existence by her, specially, at those particular moments, but that was too difficult to achieve as Jassem was in America then while she was inside Kuwait that turned into a big prison surrounded by soldiers, weapons, fear, awe and death.

Dalal would shake out of fear every time she would feel Jassem was away from her in that ordeal. Indeed, she needed Jassem praying to God to make him come back, “Where are you now, Jassem?”

He was in America in Syracuse sitting in his house hall silently, absent-minded, and trying to stop his tears and grieving over Sheikh, Fahad Al-Ahmad, trying to avoid looking at those photos on the walls of the living room, among which the photo of Sheikh, Fahad Al-Ahmad, was in which he was raising the cup of the Gulf League in happiness because of that great victory Kuwait won in that decisive match with Iraq,

“O those bastards killed him; how mean!”

Jassem would look at the photos again unable to stop looking at them; he would look at his photo with Sheikh, Fahad, when he met him last Mars i.e., just five months ago, in Kuwait that he was preoccupied with those situations that hampered Gulf Leagues that they could have stopped being held forever.

In fact, the photos of Sheikh, Fahad Al-Ahmad, occupied the greatest part of his heart before occupying that great part of the wall of the living room in his house. Jassem could not forget his love for Sheikh, Fahad; here is a big photo on the wall showing how he was angry and furious during the Olympics in Seoul that he was steaming with anger which was unusual of him when Jerusalem appeared on the screens as the capital of Israel. He stood in fury like a lion objecting to and condemning that situation which was an aggression against Arabism that he did not calm down except after the organizing committee had apologized for that.

Sheikh, Fahad Al-Ahmad was such a patriot and he was an Arab champ known all over the globe, “God rest his soul!” He would feel overburdened with grief and sorrow that he would cry feeling sick at heart unable to look at the rest of the photos on the walls before him.

At that moment, the phone ringing would interrupt his painful fit irritating his heart and tearing it apart. He would answer it in a voice that he tried to make it not weak indicating his bad psychological condition, but in vain. Jassem would recognize the voice of the speaker that it was his uncle, Abu Ibraheem, who was calling them from London to ask about their condition that he, Khaled and Badr were anxious about them and they insisted all of them would gather in London to be together during that calamitous situation supporting and backing one another in such circumstances that they had never expected.

Jassem would end the phone call promising he would call them later when his mother and aunt would wake up. He would ask anxiously about the conditions of people in Ad-Dirah, but he would receive a vague answer as there are a lot of rumors and a falsification that none knows exactly what was happening in such unexpected situations.

Jassem get immersed in his thoughts feeling the steps of Souad who would approach him; he would try to wear a smile on his tired face, but that smile looked sad, weak and pale.

Souad would look at him and find him still wearing his blue sportswear as he liked blue that would remind him of his national team, the sea, the sky, homeland and freedom.

Souad would know that Jassem would like to be in blue whenever he would feel distressed; she knew it would lend him a feeling of comfort and serenity as well as calmness as it would take him to Kuwait, the Gulf street, towers in Kuwait and his friends in Kuwait; blue was the color of the Kuwaiti national team that it would remind him of the Kuwaiti courts. Souad would know Jassem looked forward to being there at that moment.

Jassem would go out with Souad walking weakly feeling overwhelmed by grief staring at nothingness suffering from a serious psychological condition; it was clear he suffered from a psychological and a nervous stress, and he was physically exhausted that he became unable to think about or stand anything.

Jassem hoped the subject Souad wanted to tackle with him would not be related to Souad and Dalal’s stance towards Laila so he would not be upset or embarrassed.

They would enter that luxurious café which classical touch and decorations would lend a feeling of ease and serenity. They would sit at a small two-person table and Souad would get her chair closer to Jassem’s that he was broken, having a distorted vision and absent-minded. His order would be a cup of Italian coffee whereas hers would be tea and breakfast food.

Jassem would be preoccupied with sipping the hot coffee waiting for Souad to start discussing that subject she wanted to talk to him about. He would look at her and find her sitting looking at him and her eyes were full of grief and agony that she was about to cry, but all of a sudden, that sad touch would vanish that it did not last for more than a few seconds that they were replaced by an expression indicating her sincere will to convince Jassem of the necessity of adjusting himself to the current situation and facing those urgent circumstances in a practical and realistic manner.

Those moments of suspense and embarrassment would be over that Souad would stop being silent and rid herself of her embarrassment while Jassem tried to busy himself with sipping the rest of his coffee trying to get psychologically ready so he would be prepared for what she was going to tell him.

Souad would search for Jassem’s eyes that he was avoiding having any eye contact with her. She would get her seat closer to the table once again to get closer to him much more. She would say in a voice expressing love, awareness and sensitivity, “Jassem, you know how much I love you. You know you are the dearest to me in this world. So, please, Jassem, give me the chance to express my feelings. Please, let’s go to the bank right now so we’d have a joint account.”

On hearing that, Jassem would feel so sick at heart though he has been expecting hearing that, but it really agitated him. He would look at the empty cup before him moving it among his fingers and all of a sudden, he would stop doing that and put his hand on its top saying to Souad,

“I’ve no problem, Souad, don’t worry about me; I’ve a lot of money and a friend of mine in the Emirates will send me some money…”

Souad would so kindly, calmly and tenderly say in a way that would not show she does not believe him,

“I’m your wife, Jassem, and my money is yours; it is ours. Please, don’t deprive me of feeling I’m backing you in this critical situation and God-willing, things will get better and be like they were before.”

Souad would say that as if she was taking his permission or apologizing so he would agree to go with her to the bank. She would keep insisting and pleading him to go to the bank visualizing those carelessly scattered credit cards by the bed which would make her feel pain and hurt her feelings. Souad would feel Jassem’s perplexity and so, she would kindly say,

“That condition won’t last for ever, Jassem, and don’t forget we are going to leave for London to be with my uncle that he will help alleviate the suffering of my mom and my aunt; hopefully, they will feel better there, specially, as Badr and Khaled are in London.”

Jassem would think quickly about that situation trying to reassess it again; he would move in his seat stretching his back and look again at the empty coffee cup. He would call the waitress so she would fix him another cup of coffee and he would ask Souad if she wanted a cup of coffee, and she would agree.

Jassem would feel he is stuck before Souad’s eyes that he would feel psychologically exhausted that there is no room for objecting to going to the bank with her.

Jassem would remember the whole conversation within himself trying to philosophize about his situations that war is war and this would always happen during wars that this is a temporary situation and man has to adapt to circumstances trying to accept the new circumstances or else he would lose a lot of dear things.

Finally, he would accede to her request and raise his head so he would Souad smiling out of her satisfaction. They would leave after drinking the coffee paying no attention to the breakfast food that none of them touched.

They would enter the bank together trying to accept that situation exercising sportsmanship and to feel that it is not that bad, for more or less, Souad is his wife and his kids’ mother that she is not a stranger; even strangers would back one another in such situations to confront its hardships and challenge circumstances, “Yes, there’s mutual cooperation to handle that urgent crisis.”

Jassem would sit before the deputy bank manager in a room signing the papers that Souad filled in and signed. He would feel obliged to smile trying hard not to reveal his inner feelings. Meanwhile he would get indulged in past memories remembering Souad when she came to America as when newly-wed that he took her to the bank and she would wait for him to tell her what she would do and where she would sign,

“O God, these are life changes; Souad then did not know the details of that application or how to fill in it, but now.”

Jassem would contemplate his present situation at that very moment trying to be much able to stand that situation so he would stand such fluctuations of feelings that had a great impact o him at that eventful moment so he would be able to have a clear vision of the situation.

He would stand feeling overburdened with nervous feelings trying to control himself much more.

All of a sudden, he would restore his ability to confront that weakness and despair that he would summon his courage to control those feelings that would hurt him severely.

He would get out of the bank standing straight raising his head, stretching his back and walking feeling he is able to challenge mountains, melt ice, cross deserts and be higher than clouds!

He would get out of the bank contemplating his own status quo focusing on his circumstances feeling he is bigger than the situation he is facing so he would make paces indicating his taking extreme pride in himself and absolute self-confidence as if telling those around him, including Souad, “I’m Jassem An-Nasser.”

 

 

 

 

Chapter Eighteen

The Awful Disfigured

In the spacious living room whose ceiling is high and whose windows are numerous that is in the apartment of uncle, Abu Ibraheem located in St. Jones Wood district in London; it is overlooking Regent Park that is near Great London Mosque which dome is golden and huge. All the family would perform the Evening prayer led by uncle, Abu Ibraheem, who prostrated himself before God beseeching Him to relieve their affliction.

Afterwards, they all sat to know more news about Kuwait listening attentively and watching it with their hearts before their ears and eyes as they were eager to know any news about the Iraqi invasion of Kuwait that has lasted for three weeks so far; they would cry and agonize over the horrible situation. They would watch how the enemy would practice dirty acts humiliating the Kuwaiti citizens in their own homeland.

The big apartment would be overloaded with feelings grief that would make them tortured and suffer all day and night that their hearts would be as if on fire of despair, grief and weakness that there would be no room for any happy feelings after Jassem had agreed with Badr and their cousin, Khaled, the fighter pilot who graduated from Air Force Academy in Sand Hurst in England, to return to Kuwait through Saudi Arabia to join the Kuwaiti resistance groups.

The situation was horrible and harsh when they left for Kuwait that the moment of farewell was unendurable that all eyes were full of tears and none controlled himself at such hard times that all were dreading the consequences of that situation as the odor of death was sensed that hundreds were to die there, “O God of heavens and earth, save us, succor us, protect us and help us.

All were in a state of grief that was shown on all faces except for Badr’s s he was able, due to his artistic talents, to wear a smile among tears that he would make others smile though sad, afraid and anxious.

Indeed, he was the only one to consider the situation a simple one handling his desire to cry through some sarcastic and funny words that alleviated the intensity of their crying.

But once the door was closed after their leaving, Abdullah’s mother would fall down on the floor by the door losing conscious. In the same moment, Jassem’s mother would lie beside her losing conscious as she also could not stand that dreadful situation that the life of the three young men were threatened.

All those surrounding both of them; even the children would cry and Abu Ibraheem would try to pacify them, but he would cry too that all he could do was to open the Koran sitting on the floor among them reading some verses to pacify them. He would keep reciting that verse, “Those who are attacked must have been made injustice and that God is capable of achieving triumph for them. Those who were kicked out of their homes unrightfully have nothing but to say that ‘Allah’ is our God. Without people’s aggression against each other, reservoirs, lands, prayers and mosques in which God is prayed much would be destroyed. God will give triumph to those who support Him. God is strong and unconquerable.”

They would calm down while the children, Ahmad, Anwar and Rakan, would remain so sad about that new situation they found themselves in that urged them to adapt to it that Ahmad has no longer been caring about going to Piccadilly Circus to play polling at Toreador or participate in the race of the wooden camels with his uncle, Badr, in the previous vacations. He has started to object to going skating at Queens Way or going on a picnic by the lake at Hyde Park.

Ahmad has turned all of a sudden into a grownup person feeling how serious the situation was and the importance of having every penny; he was keen on participating in demonstrations organized by the Kuwaiti community in London. He would seek to play a great role in liberating his homeland. So, he would insist on walking raising the Kuwaiti flags and the photos of Sheikh, Jabir, and Sheikh, Saad, in demonstrations that he insisted on joining all them.

Days would pass by in a hateful, dreadful and irritating atmosphere after the departure of the three young men. The three brothers would pray to God to save their sons and all the Kuwaitis from any harm.

On a night of those cold dark nights in London, while they were sitting by the TV, they would hear the message of his highness Kuwaiti Prince, Sheikh, Jabir Al-Ahmad As-Sabbah, that was aired to the Kuwaitis; his voice would touch their hearts making them shake as it came after one month of the Iraqi invasion that they would listen to it in love thanking God for his safety that he was not captured by the enemy, for he is the Prince, the father, the symbol, the shelter, the family and the home. He would say, “Dear Kuwaiti citizens, you who were obliged to be away from Kuwait by the current critical situations, your responsibility today is not less than that of your brothers inside Kuwait, for if you cannot help them confront that invasion, you have to prove to them and to the whole world that you are backing them with their efforts and all their abilities supporting their withstanding that invasion to achieve victory God-willing.”

They would hear him and feel touched that they would cry praying he would be granted a long lifetime and well-being, and to be safe for the good of Kuwait and its people. They would remember Sheikh, Saad, fearing for them and feeling anxious about them and then, they would remember how they felt relieved when they knew they were safe from danger away from the reach of the treacherous invaders, “Thank God.”

They would keep listening attentively to that message with all their hearts till he ends his message saying,

“Brothers and sisters, we have a steadfast belief that God, Exalted be He, has tried us by afflicting us with this current situation that he who will believe in Him and patiently work hard will assisted by God to gain triumph. I am sure He will grant you victory in the end. God, the magnificent, is the Most Truthful that He says, “Did people think that they would be left to say that they believed and not to be tempted. God tempted the previous generations. God must know those who believed Him and those who lied to Him.”

They would feel much better on learning that their Prince was O.K. thanking God for everything. Abu Ibraheem would rise to play the video tape to make sure that message was recorded so he would keep hearing it to feel supported by his voice and image that that would warm his heart that ahs felt much safer and reassured after listening to that touching message that lent them a pure feeling that that ordeal and the calamity was to come to an end that things were to be O.K. again soon God-willing.

Abu Ibraheem would sit with his sisters, Abu Abdullah’s mother and Jassem’s mother, praying to God to grant Kuwait victory and to make the Prince and the Crown Prince return home safely. Time passes and they would receive this news,

“Valiant national resistance groups escalate their attacks in operations against the Iraqi invaders undertaking a series of successful operations over the last days causing casualties among the invaders.

“God is the Greatest. God is the Greatest. God help the Kuwaitis and save them as well Kuwait from the invaders. God grant them protection and save you, for He is the Greatest Protector and Helper.” They would pray to God while their eyes would be full of tears. Meanwhile, the Kuwaiti patriotic powers inside Kuwait would call upon all non-governmental organizations and Arab nationalists to take a firm stand against the invasion of Kuwait, “God is stronger than all.”

Jassem’s mother would put her hand on her bosom pressing it praying to God crying to save her son as well as all the Kuwaiti youths from those unjust aggressors. She would keep crying saying in utmost pain and agony, “I wish we were with them to face the same danger they might face. I wish we were there among our people; that would have been much better than that suffering we are in now. O God, relieve our distress, alleviate our affliction and have mercy upon us, for You are the Most Powerful and the most Bounteous.”

They would keep praying to God much more while the case of Abdullah’s mother would rapidly deteriorate after receiving serious news about Kuwait concerning the violent conflict there. Souad would try to raise the morale of her mother and her aunt, for she has never lost hope that the homeland and her family would be saved.

Abdullah’s mother was suffering from an extreme fear making her unable to carry on or stand that dreadful exhausting anxiety that has been breaking her weak heart with the passage of time since her son was martyred and since hearing about horrors witnessed by the Kuwaitis that those who fled from Kuwait would tell them about various horrific kinds of torture, humiliation and insults encountered by the Kuwaitis there, “O God, You are the Protector, save them.”

Of course, the news they would receive about Kuwait under occupation was awful, horrific, terrific and disgusting so that sometimes, it would be unbelievable, but despite all that, it was evident that most Kuwaitis were mainly obsessed with one dominant idea i.e., those critical situations would change that it must come to an end; sure, their suffering would inevitably come to an end.

All would sit in the spacious living room surrounding one another before the heater whose red fire would spread warmth and make their limbs inflicted with the coldness of the winter of that year, for white snow would cover streets that it was such a violent winter that year; the air would be cold that it people would freeze out of their houses that warmth inside houses would be a blessing. He who would go out would be crazy as he would not survive such coldness.

A few days later, his highness Prince of Kuwait, Sheikh, Jabir Al-Ahmad As-Sabbah would address the Kuwaitis inside Kuwait and abroad relieving their distress and anxiety, and pacifying them, “From time to time, I find myself need to talk to you openly. The great sacrifices the Kuwaitis are making on confronting those aggressors will be the base from the future Kuwait will start its march.”

Acts of heroism would be all over Kuwait. Jassem’s return to Kuwait brought about pleasure and delight that made the atmosphere full of joy that it greatly pacified Dalal, her mother and her grandmother as well as all those who knew about his return. Dalal felt greatly pleased on seeing Jassem after a long time of absence; it was the best ever feeling she has had since her birth.

She would cry and jump that she would not be able to believe that she would rub her eyes wearily on seeing Jassem standing before her. She thought that was an illusion that she would cry hysterically, “Jassem, you are back in Kuwait?! You are here?! When did you come?! When?!”

She would outburst into tears out of the shocking surprise on seeing Jassem that she would keep crying unable to act or talk after his long absence fueled the fire of love much more. In fact, her happiness about Jassem’s return was unrivalled that it was beyond imagination, “Thanks God.”

His return to Kuwait was sort of an imaginary adventure that his entering Kuwait was to an easy task that only those who could enter it were those who knew secret passages i.e., those who knew Kuwait and lived in it. They would wear disguise to look like farmers and the easiest way to have an access to Kuwait was to bribe the

Iraqis; that was the safest and the easiest way to enter it, for it was known that every Iraqi officer had a “line” in desert that he was in charge of and he who would bribe him would be granted access to Kuwait amid those throngs of soldiers and weapons.

Jassem would start moving cautiously on streets of Keefan that witnessed his childhood and years of boyhood; he knew its roads and sights very well. He would know how to play his role skillfully as a doctor that he would treat those injured Kuwaitis belonging to resistance groups, those heroes who sacrificed their souls and blood for the liberation of their homeland.

Jassem would not accept to work at Mubarak hospital after it was captured by the occupation troops who made all hospitals under their control. Any Kuwaiti doctor who would refuse to obey their orders or resign himself to their wishes would be killed immediately. Thus, Jassem would perform his tasks as a doctor, but not resigning himself to their orders.

Jassem would stand in that basement at one of Keefan houses in which there is a wooden table, a few medicines, and surgery and medical equipment like muslin, cotton and antiseptics as well as all that the Kuwaiti citizens could get from hospitals and health ministry stores before the enemies would capture them.

The basement was sort of an operation theatre and Jassem would perform his tasks as a doctor utilizing the least abilities available at that time; he would perform one operation after another to stop making an injured Kuwaiti whose leg is injured stop bleeding profusely that he was shot. There was another injured Kuwaiti lying on the floor groaning because of his being shot that the bullet was still in his shoulder.

Also, many other injured Kuwaitis were etherized or lost conscious out of the severe pain as the Iraqi Special Forces has obliged all hospitals and medical centers to inform them of any injured person admitted to them to make sure of the cause of his injury that he would be considered belonging to resistance groups if he could not justify his being injured that one would know anything about him then.

The atmosphere was full of tension and danger when Dalal finished her nursing course at the seat of the Red Crescent and when she drove her car to go back to Keefan trying to get rid of dark dreadful memories that have been causing her to suffer a lot on thinking about her present life conditions; what could she do while surrounded by all that distress? How could she care for her grandmother, mother, daughter, herself and her home?!

Here she is obliged to stop on her way back home at one of the check points that the Iraqi soldier would rudely ask her about her idée card and her driving license, and where she was heading for; his severe looks would challenge her that she would do give him those papers he asked about without daring to look at him. She would bend her head looking down waiting for getting her papers he ahs taken from her that he would hold them moving round her car to see if its numbers match those on papers in his hands. The situation would intensify on asking her about her destination that she would say to him with a strong will to exercise patience and endure that situation challenging him, “I am going to the bakery to buy bread.”

At last, he would give her papers back to her giving her looks that would put an end to that silent dialogue between them. He would allow her to leave that she would drive her car breathing in satisfaction pressing her veil o her forehead making sure it was covering her neck.

She would drive her car on empty roads lacking nay spirit or feelings; they were just empty dreadful streets having no sign of life that there were only feelings of fear, suspense and anxiety. Here Keefan has become a ghost town after invaders had ruined it as was clearly shown that there was no single family who has a member or more who were not detained. Besides, there were acts of kidnap and rape, and burning, bombing and demolishing houses using explosives.

At last, Dalal would meet Jassem trying unconsciously to seek refuge in him feeling he was her shelter, but she would find him he was beside one of the Kuwaiti youths who was clearly suffering from pains that she noticed he had dark wounds on his arm and traces of black blood on the side of his neck. So she would cry silently and sorrowfully that she would lose control and balance.

She would send her look all over the basement while crying that she would notice some lines of dry blood and pieces of clothes as well as empty food cans, medical equipment, and remnants of drugs and medications beside other wastes that all that would stand for the fact that that basement ahs turned into a huge hospital, thanks to Jassem, that emergency operations would be performed to save lives of heroes of the Kuwaiti youths who opted for sacrificing their lives for their homeland.

In Dalal’s existence, she would hear some youth talking together mentioning Badr. So, she would ask about him and they would tell her that he was hiding then in a secret shelter under the ground together with Khaled, his cousin, in Ar-Ramithiyah that the Iraqis started suspecting them, specially, Khaled, that it was said that some traitors reported Saddam’s soldiers about him revealing his belonging to the Kuwaiti military that he was a pilot in the Kuwaiti air forces; so, Badr took him to make hide away from people to shelter him with some other youths belonging to the resistance group whose headquarters was there; it include Kazem, Jabir, Ali, Manawer, Abdu-Reda, Souad, Mahmoud, Abdul-Aziz and  a lot of many other heroes.

All would look everywhere silently while Jassem could not waste a minute talking to Dalal as he had a hill of things to do in a little time that he was racing against hard times to treat serious cases that many people needed undergoing emergency surgeries so they would survive and stop bleeding before him.

He had to perform emergency operations to reduce casualties that the enemies’ attacks and their breaking into houses would make no room for relaxing. Dalal would feel zealous on noticing Jassem’s enthusiasm, keenness and exerting great effort on treating the injured so she would take off her coat drawing her sleeves up and start cleaning the place up collecting the wastes and the remnants of muslin whose stains of blood were on it while hearing the groaning of those injured people, but she would summon her courage and withstand that situation to carry on losing the sense of time before she would think of returning home!

She would draw nearer to her house in As-Salemiyah looking at that great rectangle including many stores surrounded by a spacious parking area. She would look at the fish shop towards the right that it was closed down; her grandmother would like to buy fresh fish from that very shop that she would be happy because it was near her house that she would not have to go to the fish market in Al-Mubarkiyah so she would not take pain to carry it all the way back home.

She would get indulged in past memories remembering those happy times when she went to buy that tart when it was last Danah’s birthday; the tart took the shape of a Mickey Mouse that she bought it from international Bakeries’. She would remember how that store was crowded and how the smell of bakeries spread all over the place. Everything inside that rectangle would arouse her feeling nostalgia that that was the toys store towards the façade of the building and its rosy sign was still there, but it has become empty after there had been a lot of toys in it, especially, that big doll that Danah loved and that she bought for her on her last birthday.

Dalal would sigh while looking again at the fish shop before she would drive her car back home that she would hope, imagine and dream that it was still open to buy her grandmother fish that she liked and preferred to other kinds of meat and chicken that she would in fact eat nothing but fish. So, she would frequent that shop almost all the time as it would prepare fish to be given to customers according to their wish immediately. “When will things be like before? When will those doors be open again and that parking area be full of cars as before?”

She would touch the medication she brought to give to her grandmother feeling reassured about that that she hardly got it from Jassem who would hardly make medications available to treat the injured people. She would thank God that she could smuggle that medication hiding it under her clothes accomplishing her task comme il faut.

Dalal would approach her house while happy about bringing that medication safely that any check point could have searched her for anything and confiscate it and even detain her and then, none would know what could have happened to her.

She would reach her house and get off the car happily and approach the outer iron door, but she would find it open. She would go upstairs quickly to find that the inner door was also open. She would hold her breath and her heart would shake on entering the hall hat she would find traces of blood all over the place!

She would cry in fear and shake saying at that dreadful moment at which she would find none home, her daughter, mother or grandmother,

“Where is everybody?! What happened to them?!”

She would freeze looking around her. She would step inside the rooms in astonishment that she would wish she would not enter them; she was about to die out of fear on hearing her mother groaning and crying that reminded her of the groaning of the injured resistance youths. So, she was about to fall down on looking at her mother’s body that she lied behind the sofa in the hall bleeding profusely; blood would come out of her mouth and nose that it was from top to toe!

She would breathe no word and feel paralyzed on noticing her grandmother lying on the floor having a broken head and injured eyes while her mother was trying to raise her injured face that she was violently beaten trying hard to open her wounded eyes that she cried severely. She would try to gather her torn clothes that would stand for her being awfully raped by those soldiers who humiliated her and violated her one by one on the kitchen floor before Danah, her granddaughter.

Once the mother would see her daughter, Dalal, she would hysterically and madly cry, “They were here!”

Dalal would shake biting hr lips till they bled; she would bit her fingers after she dropped the medication that was spilt on the floor. She would walk feeling shocked in horror and astonishment when going to her daughter’s room that she would feel extremely afraid on seeing her bed empty.

Dalal would run to the unknown desperately searching the house for her only daughter crying till her vocal cords would be torn and her voice would echo between walls, “Danah, Danah!”

 

 

 

 

 

 

 

Chapter Nineteen

Torture Nights

Dalal would notice her daughter, Danah, was stuck lying between the oven and the fridge in the kitchen; she would pull her and embrace her holding hr tightly between her arms hysterically crying ad shouting. Meanwhile, the little child’s eyes were widely open in fear and awe after seeing such an awful scene that she has become unable to speak.

It was such an awful, horrible and terrible; it was beyond the limits of human endurance; so, how about a little innocent child who would see soldiers abusing her grandmother violently tearing her clothes to pieces and then, rape her one by one on the kitchen floor before her?!

Indeed, it was such an awful scene that the armed soldiers stormed the house. That Danah saw them around her in the kitchen; the poor child was hungry that her grandmother went to get her some food when the soldiers unexpectedly stormed the house that they surrounded her alike wild beasts while the grandmother was sleeping as she was still sick in her room after invaders had kicked her out of the hospital before completing her medication course so the Iraqi soldiers would replace her.

The grandmother heard her daughter, Nawal, shouting and her beloved Danah crying that she felt that movement in the house and sensed what could happen then,. She strove to rise from her bed and begged them to let go of her daughter and not to rape her, but to no avail.

The old sick woman kept crying, insulting them and cursing them trying hard to prevent them from raping her daughter and tearing her clothes to pieces, but one of them felt fed up with her and beat her with his gun that she fell down dead in the hall on the floor; they killed her to get rid of her cries!

After committing their disgusting crime, they did not forget to break everything in the house, stealing everything in it and ruining those things they had not taken before leaving searching for other victims justifying their acts saying they were searching for those belonging to resistance groups.

Dalal would lean against the outer wall of the house beside her mother who was lying and her looks expressed her humiliation and sadness that even her words would be weak showing how she felt humiliated that Dalal would not be able to hear her; both would sit by the inner door of the house waiting for the arrival of Gamal, her elder brother, so her would bear responsibility for the family in stead of Dalal who was a about to faint that she was sick at heart and she looked as if she was blind trying to avoid looking at Danah who stood still like a piece of stone speechless and motionless as if she was dead and lost her childhood joy because of what she had seen.

Time would pass slowly that there would be an atmosphere of suspense that fear would arouse a lot of questions and pains. There would be utter silence when they would hear the sound of a car stopping by the house door that Gamal would jump from it gazing at his sister feeling shocked though he expected what could happen. He kept looking at her mother, Nawal, who lay on the ground in torn clothes, humiliated and wounded. Once he would turn his eyes towards Danah, he was about to lose his mind on seeing those signs of horror on her innocent face that she was not the same Danah he had known before.

He would steam with anger taking a vow he would take revenge from those beasts. An idea would sprig in his mind that it would keep being developed till he would preoccupied with it after feeling so angry and rage on knowing what took place.

Gamal would drive his sister, her mother and her daughter back home i.e., to Al-Ediliyah while Dalal would outburst into tears breaking all hearts which deepens the impact of that incident in Gamal’s soul that he would insist on taking revenge from the Iraqis. He would reach the stage of taking decision, but he would be unable to utter a single word in such a critical situation; he would be speechless or dumb crying silently without tears!

Dalal would keep watching the road behind the glass of the car; she would look at the closed toys store and remember that doll that Danah loved that she could not sleep without embracing it; she would think of returning home to get it for he, but she would try to forget about that immediately that she could not stand entering the house again after knowing what happened in it. She would not be able to look at the traces of that aggression, specially, because her grandmother’s corps was there on the floor in the hall. Such violent moments ruined her completely.

Dalal would close the car window dreading that the air would touch her mother or her daughter. She would cry again hysterically not knowing how to control her tears at such dreadful moments and hard times that would only bring about misery and ruin souls as well as houses.

“What has come over Kuwait?! What has happened to the people of Kuwait?! How can one forget about oneself and one’s agonies?! How can one feel stranger in one’s own homeland that one would feel homeless in one’s own home?! How can one be a stranger in one’s own home?! O God, have mercy on your servants!”

The enemies would scout the area searching for those belonging to the resistance group that the Iraqis would spare no effort to kill them once they would see them. Signs of their aggression in the area have recently become clearer after resistance acts had intensified that they reacted to that most violently; the number of burnt houses increased. Also, check points spread all over Kuwait.

Jassem would keep up his heroic acts saving many youths belonging to resistance groups from inevitable death healing their wounds that had they been captured by the enemies, they would no have survived! He would change his place in which he would treat people from time to time so none would report the Iraqis about him assisted by Badr who could speak various Arabic dialects and wear disguise to look like their speakers as if they were his mother tongue!

Badr would deceive the enemies as he was a talented actor and making like people that none would suspect him that he would change his appearance and way of moving or walking to look like one of those whom he wants to look like.

I fact, Badr enjoyed a unique talent of making like people making use of some forged idée cards that he would keep that they would make people believe him.

Badr would survive al dangers though he would get out frequently wearing a different disguise each time he would go out that he would prepare the necessary papers that would help him convince others of his personality using all the available abilities that would make none doubt him.

Of course, above all, Badr was so smart and cautious that he would keep a suit of an Iraqi intelligent officer of Division 606 having a forged idée card proving that; his elder brother forged it for him that he was a student at the faculty of engineering that he would do a good job in that regard.

Badr has learnt a lot of tricks, camouflage acts and how to hide that he was quick-witted on handling surprises and urgent situations; he would take decisions without being hesitant that his voice would not falter ad he would not be confused or feeling abnormal in such situations.

Meanwhile, fear would be like a ghost threatening people depriving them of feelings of safety, rest and peace of mind that all here in London were suffering from despair and pains they have encountered during those hard times that would shake their souls making them sick at heart.

All the family here in London would look forward to returning home suffering from absence and staying away from home as well as from occupying their home.

They would hope that ordeal would come to an end to feel reassured about everybody that they have received no more news about them not knowing how they would live there in Kuwait.

Abdullah’s mother would keep crying on learning about the Kuwaitis’ hailing God on the roofs of the Kuwaiti buildings on the 2nd of September praying to Him to relieve them from their affliction saying,” God is the Greatest!”

The resistance  factions called for doing that calling that day, the day of grief and crying; people would praise God, homeland and the Prince when it was midday of the 2nd of September n the roofs of the houses that the Iraqi invaders reacted to that by shooting them putting them treacherously to death. They would shed their blood on the Kuwaiti land unjustly as they were innocent citizens of Kuwait.

They would feel missing their homeland that days here would pass slowly that they would feel exhausted away from home though there, they were threatened by bullets and unjust acts of aggression; the desire to participate in liberating homeland were overwhelming and controlled all.

Souad, Laila, Ahmad and Anwar would take part in a silent march after four months of occupation of Kuwait. Souad would cry, Laila and Anwar would wail, and Ahmad would cry raising the Kuwaiti flag high trying to conceal his tears and his sorrows to be a string man caring for women of his family that he was he only man left with them so he would accompany them wherever they would go after uncle, Ibraheem, had lost interest in going out that he would seldom leave his apartment; he would stay at home watching and listening to the world news all day and night even if they were in languages he would speak or not!

The weather was cold there that it was freezing outside; the trees lost their leaves and their branches were but huge wooden lifeless arms. That year, winter in London was so harsh, gloomy and too cold as well as grayish enhancing feelings of agony, pain, loneliness and absence as well as suffering away from home, its land and its sand; pain was beyond compare.

They would return home exhausted and crying wearing emblems stressing the freedom of Kuwait that their love for Kuwait was in their heart and so were desires to return to Kuwait.

Souad would be surprised to know that her mother was still angry as they refused to let her take part in that national march after she had insisted on participating in that simple patriotic act that that was what all she could do then; what consoled her was that her sister, Jassem’s mother, stayed with her that she tried hard to convince her of changing her mind out of her fearing that she would be tired, exhausted and agitated that she could have harmed her heart.

Abu Ibraheem would console her saying, “I bet you would have felt exhausted, Abdullah’s mother, for it was quite a distance to go among all that crowds of people that were about ten thousand Kuwaitis who participated in that march. Come on, you could not have endured that. All people were there; all the people from the Gulf countries living in London were there. All news agencies and Arab reporters were following up that march. The English police was on both sides of that March that the crowd was like that that would be on the Day of Resurrection that we were afraid for you, Abdullah’s mother. Please, don’t be upset; we didn’t mean to make you upset.”

Abdullah’s mother would not calm down despite all those justifications and excuses that she would feel wronged as they forced her to stay at home while she was insisting on participating in that march that she kept feeling angry that none would know how to make her calm down. All were unable to pacify her, even her brother, Ibraheem, that she did not accept his apologies for that unpremeditated mistake that he made out of his love for her and caring for her as well as for her health.

She was crying praying to God to make her go back to Kuwait and to her house there with her husband and her children. She would cry saying, ”Take me back to Kuwait; I don’t want to stay here. I want to be in Kuwait. Think of a way to take me back there. I’ll go there in the same way Badr, Jassem and Khaled went there. Just take me back there and leave me alone. Just let me go there; I am bored with London and its cold weather.”

The real problem they were facing then was how to make Abdullah’s mother calm down that all appreciated her grieving over her martyred son Major, Faisal, the police officer. All would know how sad she felt that she could not stand living in such hard circumstances away from home feeling having lost her homeland, her family, her and language and homeless that she could not speak English or interpret the news. Moreover, that freezing weather would harm her all the time that her pones would pain her. Her psychological pains increased as well that it got harsher, harder and more grievous; it would escalate whenever she would watch the news and the atrocities committed there in Kuwait.

With the passage of time, the temperature degrees became below zero that winter got wilder and unbearable; leaving for any Arab Gulf country has become crucial at that moment. It was logical to choose Saudi Arabia where their people were that it was close to the road leading to Kuwait that it would be used by those who survived agonies of the Iraqi invasion and aggression. There, they would be close to those stuck inside Kuwait so they would contact them.

They would get ready for leaving London; it was rather difficult to leave that time without having Jassem with them that they used to have him with them all the time. His mother cried so much and so did his sister, children and aunt. As for his wife, her tears came from her heart when they were seated on board the Saudi plane flying to Al-Riyadh. Meanwhile, Abu Ibraheem would make sure they were all seated and then, he would be seated too. The plane would land at Al-Riyadh Air Port where they would feel the heat of longing to going home and the warmth of safety as well as peace of mind; they felt keen to know anything about those dear absent people that their news were leaked to them by those refugees who fled from the hell in Kuwait.

All the family would head for Intercontinental Hotel where there were a lot of people from Kuwait who were gathered together due to their ordeal that made them unite. Their major concern was hoping and praying to God that He would restore their usurped land to them and knowing the news of the Kuwaitis who were with them and those inside Kuwait.

Indeed, the situation inside Kuwait was horrible and so awful that it was unbearable. Dalal arrived at her father’s house in Al-Ediliyah that Gamal would immediately tell his brother, Adel, about what happened at her house. Thereupon, Adel would take some of the youth belonging to resistance groups to head for her house in As-Salemiyah to take her grandmother’s dead body to be buried before the Iraqi soldiers would make it among other hundreds of dead bodies that would not be buried that they would be accumulated in the Skating Hall.

Adel would push the outer door of her house and go upstairs. Then, he would enter the hall searching for Dalal’s grandmother’s dead body in where at the place she told him about, but he would stand still in astonishment as if he turned into a tone statue!

There was no dead body there; there was another horrible thing at that place that he never expected to see it!

 

Chapter Twenty

Underground Disco

Adel and his company entered Dalal’s house to find instead of the dead bodies many armed soldiers who were waiting in silence in an ambush that was set for those who came to bury the corpse.

The Iraqi soldiers knew that those who were intending to bury the corpse wouldn’t hesitate to come, for they would come as soon as possible to undertake this mission which was considered a criminal act, by the Iraqi soldiers that would break the law that should be implemented without delay.

Indeed, they were expecting that the so-called devils would come at that time to take the dead body away so as to bury it, though those devils were defying the clear orders of the leadership that prohibit burying the dead, so, they deserved the most severe of punishments and torture.

The surprise made Adel and his company of the national resistance shocked; hence, they stood still in their places as the surprise made them unable to think and thus, they were unable to move a muscle.

Unfortunately, the heroes were captured in that ambush and they were arrested, consequently they were subjected to a brutal and fierce torture so that they would confess and guide them to the rest of those who participate in riot acts and resisted the authorities.

The process of torture lasted for many hours, all day and all night. Hence, Dalal’s house turned to be a place of torturing for whose brutal acts inanimate objects of the house like walls would feel sorry when the sounds of screams and the moans of pain would be heard. The house turned from a peaceful place to be a place of torture where the dirtiest kinds of torture and humiliation take place.

The most brutal of tools and methods of torturing were used that would humiliate humans’ humanity, crush his humanity and make humans unable to resist or be patient and stand the pains; they had many cables, robes, spears, sticks, and military knives and so many tools.

The valiant youth of resistance fell under the control of the dirty unjust hands, and they were suffering, screaming and moaning after they were subjected to methods of torture and humility unbearable by humans and which no human being or even animal can stand.

Afterwards the youth were transferred to the main place for torturing in a police station in Hawli Square in the underground floor that they called “The Disco”. In that place there were a huge number of torturing tools like the electrified stick, the electrified drill, the electric wires in addition to Saddam’s electrified picture that the arrested youth were forced to kiss, thus, the arrested youth would shiver, fall and hit the earth hard; they would fall on the earth due to the severe pain and the brutal torture.

Dalal knew the news, and she screamed and her heart was being tortured, for sure, and it was really grieved over her brother and his company of the resistance, those gallant youth who went to bury her grandmother’s body and were arrested by the those unjust invaders.

Dalal shivered out of fear expecting that she would be arrested at anytime from that time on, because she, along with Jassem , would be among those in the list of those they want  to arrest as well as the rest of the youth who were members of the same group of resistance.

That was why she stood immediately, jumped and started to move quickly to Kifan as fast as she could as it was the place where she could hide away from those who would chase her and look for her, meanwhile, her elder brother Gamal would plan for many revenge operations to avenge what happened to his sister and her family as well as what happened to has happened lately to his brother and his company.

The acts of resistance accelerated, meanwhile, the tries to quell and smash those acts grow tougher, thus, violent methods of quelling knew their ways to those believing, kind hearts that were defending their lands with an absolute belief and unshakable faith in their great right in liberating Kuwait and ridding their country from that evil, and unjust aggressor.

Places were set to fire, oppression increased, aggressive acts increased and the resistance increased, too, for despair would never find a way in life, the resistance youth would never condone oppression and they would never accept that imposed reality, rather, they would resist the invaders under whatever conditions and whatever circumstances.

Meanwhile, the aggressors’ unjust acts exceeded their limits, they practiced brutal acts, and they continued their atrocious crimes, their aggression, and their humiliation against those kind people and this peaceful land. A very gloomy period as dark as the night passed and there had been no news about the folks; no one knew what happened or befell them. Each day they would expect some of the youth of the resistance out of Kuwait to reassure them and bring news about their families, and Souad might know anything about those inside Kuwait through secret messages or through wireless contact.

The media blackout increased and the news was not known to Souad, Laila and their mothers who were in a bad condition for since the first days of the invasion, their fear for their relatives has become like fierce beast that was eating them. Souad tried to forget about the reality that was torturing her, namely, that Jassem and Dalal have become together since Dalal had joined the same group of resistance headed by Jassem.

Souad started thinking about Jassem’s attitude towards Dalal and even his attitude towards herself, but she would not breathe a word as she was helpless and for she knew she could do nothing in such hard and unexpected circumstances, thus, she submitted to the reality and her circumstances. So, she let time make her go through hard circumstances as it wished. But she tried as much as she could to ignore the feelings of jealousy and anger and to forget about the feelings of rage, servility and humility that she suffered because the circumstances of occupation and the invasion of one’s country requires that everybody should be above their own feelings, and emotions.

Souad busied herself with talking to Laila about Naïf and how he agreed with her uncle Abu Ibraheem that they would not stay even for one night in the hotel anymore, so, she told her, “My uncle told me that we are moving tonight to Naiad’s house in Saladin neighborhood, and he agreed after Naïf had told him that he and Jassem settled that after returning from London, they would stay at his house, so, there is no need to stay at the hotel.” “When will we leave the hotel?” “God willing, we will do tonight, Laila. What I knew from my uncle is that they would come tonight to take us with them for my uncle said they had a special villa for men and another for women.”

In the evening, right after Sunset Prayer, Naïf came with his mother and sisters; Mazna, Noura and Masha’el to the hotel where they were received and welcomed by Abdullah’s mother, Jassem’s mother, Souad and Laila, while Naïf was sitting with uncle Abu Ibraheem in his private room, then they went down together and Abu Ibraheem paid for their stay at the hotel.

Then they moved to the luxurious house in Selah Al-Din neighborhood, and on seeing the swimming pool, Ahmad, Anwar and Rakan rejoiced very much as they knew they would swim here without certain periods for children and without a nanny accompanying them, though their mother would not allow them to swim without supervision.

Naïf told Uncle Abu Ibraheem that he would have to stay at the military hospital all day and night for the country was in a state of emergency. He also told him that he would not stay at the house at all, however, his father would stay at the house to answer their needs, and so, Abu Ibraheem thanked him for the bottom of his heart saying in a confident tone, “Do not worry about us, Naïf. Take care of yourself and of what you are assigned to do, may God help you.”

Naïf, then, introduced Abu Ibraheem to his father who welcomed the former and received him with open arms saying smilingly, “Welcome, Abu Ibraheem. Feel at home. You are very welcome here, it is we who are your guests and you are our hosts. Welcome.” Thus, Abu Ibraheem replied while laughing, “We are in our country; this is as if our house, we are all one family and we are no strangers.”

In the following day, Abu Ibraheem left for Cairo after making sure that the women were safe and that they were staying with a peaceful company as his wife and his two daughters; Siham, Manal and their children have been there since Ibraheem joined people’s army which was camping in Hafr Al-Baten.

Abu Ibraheem met his life-time friend, and his schoolmate, Abu Gamal who came to visit him and knew about the latest news about Kuwait and to ask him if he knew anything about his relatives there in Kuwait, so, they were absorbed in a long talk about the conditions and the crisis of Kuwait.

After a while, Abu Ibraheem and Abu Gamal went to a coffee shop in Sphinx square in Al-Mohandeseen where they sat to exchange their views and expectations regarding the political situation, then many Kuwaiti people who were residing at this time in Cairo joined them in their talk.

Abu Ibraheem was reassured that Abu Gamal’s conditions were alright, and knew from him that the Kuwaiti staying in Cairo were O.K. and that they were gathering to arrange their affairs, solve their problems, follow up with the latest news about their homeland, arrange meetings with high officials to present their views and call for putting an end to the oppression that the Kuwaiti people are subjected to and to liberating their homeland, as the Kuwaiti community in Cairo has an important, effective and active political role and the officials of the embassy spared no effort to offer all the needs and aids for the Kuwaiti citizens.

The boring hours of the night passed slowly while the Kuwaiti brothers who were joining the gathering were flowing in a very fast way, so, they started to discuss matters related to the political situation and expectations about the end of this crisis while they were suffering the bitterness of these cruel circumstances, the painful feelings, oppression, suppression and while they were worry, so, they were absorbed in following the TV news while orders of coffee, tea, shisha, and snacks were delivered to people around them.

Meanwhile, both Abu Gamal and Abu Ibraheem who was sitting next to him along with others saw President Mubarak stressing a fact for the world in a press conference that was aired through the international means of media, and broadcast by the T.V in front of them. They heard him stressing the full withdrawal of the Iraqi forces from Kuwait; he was saying, “The entire world agreed with us on the peaceful efforts to end the Gulf Crisis while continuing the military preparations.”

Abu Gamal was lost in thought for a moment in which his soul was hovering over the skies of Kuwait and his house and children in Al-Ediliyah.

.

And he sighed contemplating his status while being away from them and far from his children; Gamal, Sana’a, Adel and his daughter Dalal that he hadn’t seen for a long time or known anything about her conditions, so, he felt something aching in his chest while thinking about them and he was stricken by a kind of worry that would suddenly shock him with an unknown fear about their destiny that would obsess him, panic him, after he had heard about the atrocities that happened to citizens there in Kuwait.

At the same moment, in Kuwait, Dalal was perplexed, confused and found herself weak and lonely in that hard situation she was facing and that caused distress and exhaustion for her; she knew not how to react to the hazard that was obsessing her all the time. She did not know either how to protect herself against that danger or how to avoid it, while seeing the desire in the eyes of those looking at her, specially those of the Iraqi soldiers who had control over points of control and who were deployed everywhere, This was the case though Dalal was keen to hide what would show her femininity after forgetting totally about make up and about caring about her appearance in whatever way.

In the course of time, the circumstances grow harder and harder, and a curfew was imposed, and that resulted in the decrease in the acts of the fighting resistance, the underground work that included looking for families, helping the needy families, receiving financial aids and distributing them to families, burning garbage, and burying the dead as well as many of the effective acts that were considered a kind of the positive national resistance.

Despite the cruelty and atrocity of quelling acts, the citizens did not stop resisting, though the policy of torture increased in a horrible way to the extent that clubs and arenas turned to be places of torture where the arrested would sit in wide circles inside the playgrounds and they would be tortured one by one in front of everybody so that both the ones who were tortured and those watching would be affected.

However, Gamal did not stop the resistance, he was not deterred by anything and nothing feared him or stood in his way to defend his homeland. Thus, he participated in bombing the center of trucks that resulted in the death of many soldiers of the enemy and this was right after succeeding with Badr in freeing and saving about 70 Kuwaiti people from one of the prisons of the Iraqi forces in Safwan; among those people were Abdul Naby, Khaled and Ali who were set free, thanks to God, ad returned to Kuwait in peace along with the group that carried out the operation. Also, there were Hamad, Nasser, and Kazem among them who managed to save a lot of the captives and free them. Thank God, may God bless the hands of the gallant sons of the country.

In fact, nobody was treated specially by the special forces of Saddam who were close relatives of Saddam who were sent after he feared that the Iraqi army would turn on him, and so, many high-ranked officers were executed as they were condemned of rejecting invading Kuwait.

There were many officers in the Iraqi army who were rejecting and refusing to obey the military commands issued by Saddam Hussein that were ordering them to commit atrocious crimes and thus, a state of chaos spread among the officers, that was why Saddam reinforced the republican forces with these special forces whose members have close relations with him and his family, so, they would supervise the execution of whatever immoral or inhumane orders.

That was why whenever the Kuwaiti resistance would increase to defend their homeland, the quelling would increase and that resulted in the capture of many by the aggressors who did not hesitate to harm them, torture them, kill them and mutilate their dead bodies after torturing them before their families, their relatives and preventing burying them. O God! Help us be patient.

It was normal then that the psychological and physical burden would increase on Jassem who looked exhausted after he had lost a lot of weight, and health conditions were really deteriorating in Kuwait to the extent that the 37th Conference of East Mediterranean of the World Health Organization expressed its fear about the deteriorating health conditions in Kuwait and stressed that the invasion of Kuwait caused a great deterioration of health care for those residing in Kuwait and caused a deterioration of health conditions in general and this represented a naked violation of the constitution of the World Health Organization.

Everybody could realize the signs of weakness and exhaustion that appeared on Dalal, too, for she was not sleeping enough and was not eating enough, too; she was only thinking how to resist and take revenge.

Indeed, she wanted to revenge for her country and for her raped mother that was about to go out of her mind. She wanted to revenge for her grandmother that nobody knew anything about her till that moment; whether her body was buried or she was in a  comma, as her mother said, then woke up, went out to look for them haphazardly but lost her way, or whether she was captured, tortured, raped whether dead or alive.

Dalal was not at ease, and she would be torn when she would remember the scene of her mother when the blood was flowing from her mouth till it wet her feet, and the scene of her grandmother and the blood that was coming from her head to hide the features of her face and her chest. Here, Dalal remembered the bloody scene with all its horrible details, so, doubts were raised inside her about the veracity of her mother’s accusation that her grandmother hadn’t died yet and was still alive. Dalal sought refuge in God from the accursed Satan who was depressing and hurting her by arousing those doubts, as her grandmother’s eyes were wide-open and death was really manifest in them.

Dalal was very distressed after her daughter’s health conditions deteriorated and that caused her a severe psychological illness that caused her a speech impediment, psychological disorder, behavioral problems and she would even wet her bed. Thus, a psychiatric was badly needed, but this was impossible under such deteriorating health conditions.

Similarly, Jassem’s work as a doctor was very hard or rather impossible for the amount of medicines was reducing so much that a surgeon could not work. Also, the substances needed and the equipment needed to do medical operations reduced regularly. Though Jassem managed in cooperation with his fellow doctors to get a considerable amount of medicines, the amount reduced gradually.

These bad health conditions were not unknown to the men of the government who asked the United Nations to send in urgent medical aids to save the sick in Kuwait who were dying due to the lack of medicines after having full control over the hospitals that were sacked and whose medicines and equipment were stolen.

The conditions were really deteriorating and psychological pains were really severe, for the playground in which Jassem played and in whose lights Jassem ran turned to an arena for torturing masses of people, and the ways leading to it were controlled by control points that were 100 meters away from one another and were provided with all kinds of weapons even RBJ guns.

The situation became harder and harder, so, the feeling of imminent danger obsessed everybody’s heart, as little movement would make them afraid of being attacked and killed and torturing needs no further elaboration after it exceeded all the limits.

That was why Dalal was torn between two things, for she was thinking about returning to al-Ediliyah to make sure that her mother and her two daughters were O.K. but she hesitated for she wanted to stay with Jassem to encourage him to continue his work in which he needed her, especially after his burdens and responsibilities had increased and after he had become an example of resistance and after being a hero, a brother to her and a dear friend that she wished to stand by in those hard times and in this ordeal; she didn’t want to let him down at the time he needed her most.

Indeed, this was a hard situation, but what was harder is taking the decision before the curfew would take place and it was imposed on everybody with the coming of the night. While Dalal was thinking of going home regardless of the dangers of her arrest after her brother was captured, and while she was confused and hesitant she sighed deeply in silence and panic, as she was retreating, hit the wall hard, found the door of the crypt being opened quietly and found one of the officers of the Iraqi military forces coming in.

Dalal raised her hand to shut off a panic scream that was about to go out of her mouth, while putting her other hand on her heart for she knew what would happen to them then and knew their destiny, however, she started to shout rejoicing immediately, “Badr, Badr. You scared me to death. I thought you were one of them, I thought you one of them.”

Badr shut her off by a sign of his hand speaking in a very low voice, strained and worry and addressing Jassem in a way that everybody would hear him, “Come on, hurry up. They are going to besiege the whole area. They are searching for you. Come on, hurry up.”

Jassem looked around and his forehead lines were thick and his fingers were frozen handling the lancet with which he was taking the bullet out from the shoulder of one of the youth of the resistance; he stood torn between continuing the operation or escaping, but before moving an inch, everybody heard the sound of a military jeep stopping before the house and Iraqi soldiers got down from it and this was known from their dialect and the sound of weapons.

Dalal stood against the wall before she fell down on the floor due to her extreme fear and panic while her eyes were popping out in fear of would await her on the hands of those soldiers who were trained on killing and torturing.

Jassem stood still, his facial expressions changed and his fingers froze, meanwhile, darkness prevailed, the air was not moving, and breath sopped while the feet of the soldiers were hitting the stairs that lead to the crypt hard and violently making a horrible sound as that of the clash of collapsing mountain that was cracking.

Chapter Twenty-One

The Grandson of the Martyr

Badr turned around and jumped the stairs very fast and shouted at the soldiers in a perfect Iraqi dialect saying, “Come on, back on, the saboteurs have escaped. They are not there. Catch them before they would go to another shelter.

Badr look at the driver in a very frightening way saying in an ordering tone, “Come on, back on.”

The soldiers darted with the car in obedience to the order of the intelligence officer of the Special Forces whose orders cannot be disobeyed. The car moved at top speed to catch up with the escaping saboteurs without knowing which way to take, and without knowing who those chased escaping saboteurs are. Jassem took a little round with the car and returned under the cover of midnight, so, he went to the crypt to help Jassem and Dalal with moving the injured to his GMC car with the military plates after he had assumed being the officer of the murdered Iraqi intelligence whose ID was forged by Abdullah and whose clothes Badr was wearing.

Abdullah, Badr’s brother, perfected forging IDs and he would make typical ones of the original. In this he was helped by his good training on drawing geometrical lines and perfecting technical drawings that he had used to do since he joined the Faculty of Engineering in Boston, the USA. In fact, he faced no difficulty in forging any ID, so, Badr had a lot of Ids of different nationalities, and he would use them the way he liked; this helped him a lot to disguise and assume any character he wished, and Badr had a natural talent in acting that required no effort from him or any assumed act.

Indeed, it was impossible that he would be discovered or that doubts would be raised about him, because the changes he would apply to his voice, his movement, and the way he talked made of him a duplicate of the character he was assuming.

In addition to having this talent, ability, being agile, witty, and intelligent, Badr had other weapons to use the most important of which was this humorous spirit and his ability to handle critical situations, let alone that he was mastering Judo, Karate and Taykundo.

Badr chose one of the burnt buildings that he previously located and took them to it. He left them inside in silence and tranquility, then he hit the roads so that the car sopping before the building would not indicate that there was someone inside the building. But he left after promising Jassem and assuring Dalal as well as the youth of resistance that he would not stay away for a long and that as soon as the siege would be over and the soldiers would be away, he would seize the first opportunity to return to them to take them from that collapsing shelter to a cleaner and more arranged place, but they had to wait until the soldiers would leave the area and go away.

This was the only solution Badr had; he had to hide them away temporarily in that burnt and destroyed building that was bombarded by the soldiers using the RBJs days before and whose appearance would not indicate that there was anybody inside, for Kifan was besieged at that time and the whole area was under siege, then the Iraqi soldiers started to search for the youth who took part in the resistance inside the area after they had been informed about the so-called sabotage acts of those youth, thus, they had to be patient and bear with that until the search would be over and the soldiers would return.

This was not the only building to be burnt, rather, there were many other buildings that were attacked after the aggressive soldiers had attacked the whole area and brought everything upside down to the extent that they used the lampposts in the streets to hang the dead bodies of the heroes over them after hanging them.

Dalal kept inside the hiding while shivering out of fear for the place was very dark there, it was an awful place, and the traces of fire blackened the walls, the floor.

The furniture was littered in total chaos as if the pieces of furniture were mere ghosts stirring the feelings of panic and horror inside her heart. It was as if she was watching

a scene in one of the thrillers where the audience were expecting Dracula to show up in the dark to show them his two white fangs covered in red blood after sucking the blood of his victims taking their lives away.

It was a horrible situation, for the sound of the cars’ tires that were moving in a mad speed crossing the street would make her panic, and Dalal would burst into tears while retreating in fear to hide behind the remnants of a burnt seat and while she was about to blackout out of fear as her imagination was hovering over her orphaned daughter, her sick mother, and her family in Al-Ediliyah who did not know about her place or her destiny.

At that crucial frustrating moment, Jassem was standing to the wall watching the way with one eye so that no one would notice him after he had heard the sound of one of the armored cars that was roving the streets searching the resistance youth and that stood close to the house were they were hiding.

A minute after another passed in peace, so, everybody with Jassem started to feel that the danger was about to be over, but the whole situation was really shaking Dalal and leaving a deep impact on her and amid all this psychological and physical exhaustion she remembered her dream that was not realized, so, all the events of her life would be brought again to her mind on one go, thus, she would be distressed by the pains of the past years she suffered, then, she would bear the burden of the past with all its worries as well as its frustrations and she would bear the burden of the future and its dangers and instability, hence, she would await in sadness the vague future of tomorrow that has no characteristics.

In fact, Dalal was despaired and impatient after discovering that the feelings of her and Jassem had become strange; those feelings were feelings of kindness, sympathy, friendship but they were not of being fond of him or of longing for him, or even of love by no means. Indeed, it was not love, but there was another amazing unknown and strange feeling. This kind of feeling came after the circumstances had changed the feelings and after the emotions had been affected by the events and after the frustrating conditions had made another woman of Dalal that differed from Dalal that she knew. This feeling came to be after the difficulty of the then new conditions had affected Jassem and made of him a symbol of the resistance ad made of him one of the youth of the resistance  who harbored feelings of sacrifice and selflessness and who were ready to sacrifice anything for the sake of their country.

Suddenly, all these feelings were mixed deep inside Dalal, and it was as if her fears appeared amid the darkness to hover over her as if they were ghosts, thus, her body would shiver and shake and she could not help stopping her tears that started to flow while she was crushed by the feelings of insignificance, and deficiency that made her feel that she was like a street cat that had no shelter or any safe place to stay at or anything in specific.

Dalal burst into tears looking for something that would reassure her while all her body was shaking due to the impact of the situation and the effect on her that indicated that she would lose control over herself and that she would lose the ability to control her nerves and strike a balance. Thus, Jassem moved towards her carefully, in fear and leaving his place in silence trying to soothe her lest her case would deteriorate and she would go through a hysterical paroxysm that would drive her to cry and scream, thus, she would attract the attention of others to them, and they would become history then.

Jassem approached her but he was perplexed and confused, so, he stood still, hand-tied not knowing what to do tore assure her and drive away her fears so that he would spare their lives and hers, however, he remained unable to do anything at all. At that, a voice of an injured young man of the resistance who was lying on the floor came like a heavenly ray from the sky that brightened the darkness of the night up, and that provided the hearts with security, safety, and faith to drive away fear and that cruel moment. This nice, loud voice of the young man echoed with verses from the Glorious Qur’an: “The Verse of the Throne”

At that, God granted them calmness and tranquility, so, security, comfort, and safety prevailed, thus, Dalal was comforted, was at ease and distress, hysteria, and the circumstantial feelings of weakness and feebleness were driven away. She thanked God who drove away those depressing heavy feelings which were crushing, destroying, and making her afraid to death. She was mumbling while she was closing her eyes due to the exhaustion that she was eaten by and that was weakening, destroying and crushing her and was saying, “Praise be to God, and thank God. Do not worry about me Jassem. I am O.K., I am O.K. Thank God.”

Jassem then returned to say in low voice that was full of confidence, “The tougher the conditions are the sooner matters will be better. God willing, things will be bettered Dalal. Surely, the crisis will be over. Bear with it, Dalal, bear with it. You are as tough as men, sister.”

At this moment, Dalal felt that she became as if a sister to Jassem and to all those young heroes with her. She became a very dear and honored sister to them and she would be revered and respected by all everybody there, so, she kept quiet and she was comforted.

Jassem reassured himself about Dalal’s case and stood looking in sorrow and grief to all the youth lying on the floor injured with their wounds that were still bleeding and the ashes and dust would stick to their bodies making the wounds subject to be dirt and endangering their lives by the hazard of death. Jassem was being eaten by the feeling of rage and resentment while being unable to do anything to save or help them in such a hard situation.

Actually, Jassem could do nothing at all but to think about his family specially his children that he was longing to see them and worried about them as if he died, how they would be raised as orphans. He had a burning desire to see them and make sure that they were alright, for he knew they would suffer a lot due to his absence and because of worrying about him. He knew that his son Ahmad was intelligent, witty and sensitive and he knew he was suffering as any of the youth due to the grave events and maybe more.

At that time, Ahmad was in Riyadh and he was wiping his tears trying to be himself once more and trying to keep steadfast a little while he was talking to his grandmother, mother of Jassem, about his father, “I wonder where my father is now. I am very worried about him and I wish I could see him.”

His grandmother was really affected to see sadness in his face, so, worries started to arouse inside her about her so and feelings of sorrow over her husband, thus, she started to weep bitterly. She kept weeping while Ahmad was being torn for he was longing to return to home to see his father, grandfather, uncles and to go home to spend the weekend with uncle Abdullah’s daughter, and his cousin Mansour, his dear and beloved friend.

Anyway, days passed so slowly; waiting was very hard, feelings of fear were terrible, and worry was as if a wild beast devouring their souls though they were staying in silence at the house of Naiad’s family in Salah Al-Din’s neighborhood in Riyadh while Ahmad, Anwar and Rakan were playing with Mudhna’s children, Noura’s daughter, and they were playing all the day in the swimming pool.

Mudhna, Noura and Masha’el were really very nice with them and welcoming as well, while Masha’el was engaged and was, most of the time, busied with talking to Laila about her future life with her fiancée as they were full of love, passion and were expecting their happy wedding right after the end of the crisis, God willing.

The two girls had their private conversations and their own views about the nice life after the end of war, God willing. Mashae’l used to try to alleviate Laila’s sorrows and drive away her fears by talking about Naïf and her fiancée to divert her thoughts so that she would not think a lot about the conditions of the crisis that would break her heart and torture her.

In fact, Naiad’s sisters were very nice to Laila; they were tied to her, loving her and they liked her noble morals, her taste and her tenderness but they would be grieved very much and pity her when they would see her crying over her father and weeping because of her hard circumstances that made her worried about her brother, her family and about the conditions that would decide the way her life would be.

Naif’s father was unseen and nobody would see him as he was living at men’s wing; he used to sit in the spacious room of his library that contained thousands of books whether in Arabic or in English. He would be busied with reading, offering prayers and reciting the Glorious Qur’an and invoking God that this crisis would over.

They were very tough days for everybody; women were dressed in black and they were waiting for anything new. All the time, Mudhna, Noura, and Masha’el would support mothers and soothe them but each of the mothers was suffering for they could not sleep a wink or eat as their worries became unbearable.

Souad was not grieved or suffering less than others, as she was eaten by sadness and she was about to lose her mind after the crisis had lasted longer and the circumstances and conditions had been confused and after the conditions had juggled with feelings of fear, panic, terror and worry. Souad started to feel that life became to her like a fierce battle whose battlefield was the hearts and the chests where the feelings of love were mixed with war.

Indeed, this was a fact, for the events were beyond the ability of humans and individuals could do nothing about them; neither she, Jassem, nor Dalal could do anything, so, Souad could not expect who would be the winner at the end of the race of this war, who would win Jassem’s heart, and who would be the loser at the end and vanish from Jassem’s life for good. In fact, Souad did not have the answer for this question.

Just like burning fire, the tears of Souad were flowing across her cheeks and they would hurt her very hear, for she could not express her feelings of love, jealousy, wrath and anger. This silent anger of hers she could not express or let out, because she would be shy of speaking with anyone or even breathing a word about this issue specially in those hard circumstances, for this was not the proper time. She knew that very well, so, she was burning with those feelings by herself and on her own.

The night passed just like other night, along with the sorrow, and pain that were destroying Souad, so, her body would suffer as well as her soul that would hide her wounds in the night. The night passed as any of the nights that accompanied Souad in her loneliness, and along with her sorrows, longing, love, and moaning while she was staying awake in night as she would be sleepless not knowing what to do to console herself with and not knowing how to put out the burning fire deep inside her heart.

Souad had surrendered to the cruel reality in silence and tranquility since the horrible ghost of war had obsessed everybody, and affected her own life by separating her from her husband unwillingly, and drawing him closer to Dalal, her rival in his love and who was drawing nearer to him in tenderness having the deadly weapon of her love for Jassem, her burning desire to have him and her persistence to be close to him. Nothing in this world would repel her or drive her away as she knew well how to make use of all situations and circumstances. Indeed, Dalal even knew how to benefit from the circumstances of war and made use of them to get closer to Jassem and to be next him more and more.

Souad was lost in thought while the feelings of sorrow and helplessness were deep inside her as she was counting the days, nights, and the very long months that passed while Jassem was away from her having Dalal near to him after the war had affected her heart and interfered in shaping her feelings after being sure that Jassem, her husband, and her beloved was most of the time with Dalal, there in their homeland an away from her. Thus, Souad flied with the wings of her heart to hover over the skies of Kuwait with her soul to look for her husband but she did not know his hereabouts, so, her worries and fears increased and she felt more insignificant.

The news started to leak about the disturbance of security inside Kuwait to the extent that Sheikh Saud Al-Sabbah the ambassador of Kuwait to the U.S.A urged the General Assembly of the U.N to pass a an international criminal code by which crimes like the Iraqi invasion to Kuwait could be condemned. He also said that the Iraqi invasion aims at the termination of Kuwait and this necessitates a code.

But despite all that, no one like Salem, the one who was known for being generous, gallant, and loyal would turn a blind eye to his brothers when they would be in an ordeal. Thus, he tried to help them and donated some of his money to help alleviate the pains of the families and the friends. He even did the same with the foreigners who were hiding in fear of Saddam’s soldiers; they were hiding in some houses that Salem and his friends knew very well. They were providing them with money, food and water, and helping them to stay and survive until the circumstances would change.

In fact, the Kuwaiti national resistance was not only confined to the youth only, rather, it was the responsibility of all the men whether the young or the old of them, and even the children. Indeed, those young boys had a role that cannot be ignored. The acts of resistance were not the responsibility of Abdullah and Badr alone but their fathers took part in the resistance, too. Thus, Salem, the kind, nice and peaceful man turned to be a hero of the resistance and his sacrifice was no less than that of his two sons, he was not less enthusiastic and he exerted no less effort, too.

Actually, Salem was responsible for providing some staff inside Al-Shamiyah, Al-Mirkab, and other surrounding neighborhoods. Men there noticed the great role played by him even with the foreigners or the hostages, for they noticed that he tried to help them and support them spontaneously, quickly and in a very great way.

 

The role played by Salem attracted attention to him and it aroused suspicions about him for the money that he was providing for the youth and that helped in intensifying the civil disobedience was attracting attention and this proved that the issue was quiet arranged and that it had something to do with the government abroad making an accurate organized actions inside the country.

Thus, Salem was kept under surveillance and was looked for but he did not care about this threatening and he did not care about what would befall him, rather, he concentrated on playing his patriotic role and the things he could do in these circumstances where the citizens needed to help one another regardless of the hazards endangering them.

The situation did not remain as it was, rather, the circumstances changed and the process of constant surveillance was continued until there was a day when Salem had an appointment with some men by the mosque that was near from his house and that was next to Al-Shamiyah Market. He had to go and meet them for he knew that meeting them would raise their morale and that by meeting them he would alleviate some of their pains, thus, they would be patient with the unbearable torture that they are subjected to.

However, when Salem went out to offer the Friday Prayer at the mosque, Mansour caught hold of him insisting that he would accompany him and hoping that he would accept and take him to offer prayers at the mosque with him, then he would go to the market to buy the things the family needed at home. Though many of the market’s goods were sacked and its working hours were reduced, Mansour considered going there a joy that he should enjoy.

In the beginning, Abu Abdullah refused to take his grandson with him and asked him to wait at the house saying he would not be late and that he would bring him all the things he needed from the market but Mansour insisted that he would go with his grandfather and burst into tears and begging him to take him along with him, at that, his mother looked to him with pity and sympathy then said in tenderness, “Stay at home, Mansour. There is no need to go to the mosque now. Stay with us and your grandfather will bring you all that you need when he comes back.”

But Mansour refused that and continued weeping, so, due to his insistence and his desire to go with his grandfather, her mother accepted that he would go out for she know how he was tied to his grandfather, thus, she did not refuse and told the grandfather, “It is alright uncle, take him with you if you won’t be bothered.”

Fadila accepted that he would go out against her will, so, Mansour went out of the house and her heart started to be eaten with distress and fear. There was an unknown and unpleasant feeling obsessing her for whom she knew no reason, explanation or justification.

The Muslims were standing to offer the Friday Prayer rituals and when they were finished with them, they started to invoke God and Salem and his grandson, Mansour were invoking God, too. People went out of the mosque whether one by one or in companies but before they would go far they were surprised by a military car parking in front of the mosque where there were a lot of soldiers and officers ordering Abu Abdullah to get into the car after telling everybody that the law of banning gathering went also for mosques.

The people there were astonished, and Abu Abdullah was confused for his grandson, Mansour was with him at that time, and he did not know what to do as he was shocked due to the surprise. He feared that his grandson would be hurt, so, he asked the soldiers to give his grandson to one those who were offering prayers so that he would be returned to his mother but they refused this humane request and insisted that the grandson would get into the car with him and even before him, if possible.

Mansour refused to let his grandfather alone and he hold him tight while he was crying out of fear of the soldiers and due to the fierce way in which they dealt with his grandfather and the way they shouted at him when they ordered him to get into the car forcefully, so, the grandson caught hold of his grandfather by his two hands weeping and saying, “Don’t leave me a lone. I want to go with you. I am coming with you.”

Due to that tragic scene that passed in no time, Abu Abdullah could do nothing to save his grandson but to catch him by the shoulder, raise him, carry him, hold him, kiss him and reassure him and soothe him while getting into the military car while the fingers of the young boy were clinging to the grandfather and the boy was holding him weeping and in fear refusing to part from him, but at that time, the car was carrying them to an unknown destination and an unknown destiny.

 

 

Chapter Twenty-Two

Falsehood is Crystal Clear

Abu Abdullah did not come back and neither did Mansour. Thus, Abdullah was about to go mad when he knew that his father was arrested and his nephew, as some of the neighbors told him of that incident. Abdullah was torn out of rage and anger due to that criminal inhumane act that did not distinguish between an old man and a child that were arrested together without any mercy or any considerations.

Abdullah wanted to go to the police station to ask about them, but everybody was trying to prevent him and told him if he went to the police station he would be hurt, as they would arrest him, kill him and would not leave him alive except if they took him as a captive in one of their prisons there. They also warned him against going there and told him not to do.

Abdullah acted upon their advice but he was worried for this act indicated that they would come to search the house so soon, looking for anything that would condemn his father. So, if they found a flag, a camera or a bullet in the house, they would consider that an evidence and would eventually kill him, though they need no evidence to kill him for they used to do so regardless of evidences or conscience.

The events succeeded one another very rapidly, the circumstances were confused and the time passed in a gloomy way while Abdullah was taking the women of his house and moving with them in a very hard way all along the way to the house of Fadila’s family in Abdullah Salem neighborhood.

They were stopped every now and then because check points were spread all over the streets and the roads spreading panic by that and threatening people of kidnapping, stopping them or taking their properties, and even killing them. Abdullah wished he would go away from their house at Al-Shamiyah very fast and away from the soldiers’ eyes that would surely turn everything upside down and commit aggressions against everyone without exception. Indeed, Abdullah was expecting that their house in Al-Shamiyah would be attacked by brutal Iraqi forces.

Everybody sat in the house at the neighborhood with the family of Fadila, his sister-in-law and the widow of his brother, the martyr, Faisal. Her family knew the danger they were subjected to, so, they tried to calm them down and soothe them as everybody at those times were like brothers and would support one another making the concept of the one family manifest where the meanings of love, brotherhood, sacrifice and selflessness grow.

Abdullah had to reach Badr in the fastest way possible after it was hard for him to contact him in the last few days. And it is said that the news is brought to those who care about knowing it. Indeed, in a way, Badr knew that his brother, Abdullah was looking for him, so, he came to him and hugged him in with affection after he had known the news about his father’s being arrested along with Mansour, but he jested with him to ease the tension of the situation in that meeting saying, “Did not I tell you before the soup is better than the bred.”

Abdullah smiled while shaking his brother’s head showing support for him and loving the bravery he enjoyed and the sense of humor he had and with which he dealt with others even in the darkest times and the bitter ordeals. The two brothers agreed to what they should after their father had been arrested as well as their nephew, the son of their martyr brother. Thus, they decided what they should do after Badr had assured Abdullah that he took away all the documents and the papers that would reveal their real identities from the house.

Immediately, Abdullah started doing his accurate job that he perfected and started to design a new ID that would suit all the new circumstances at whose mercy they laid. Badr also started to gather information about the place where his father would be arrested in. Then he prepared himself with some of the resistance youth to execute a daring operation that would lead them to know the circumstances of the incident.

Afterwards, Abdullah heard of the news of raping some women and little girls, so, he was eaten with panic while looking at his three daughters; Mariam that was about 14, Mona that was about 12 and Fadda that was about 9. He was worried to death about them fearing that they would be hurt, so, he started to recite Qur’anic verses invoking God that He would protect their honor and protect them against any danger. He invoked God that He would grant him patience as he was very sad due the incident where his sob, Abdul Aziz was killed by the Iraqi soldiers who threw him out of the incubator in the hospital.

It was a very great responsibility, for Abdullah became responsible for his wife Ibtesam, his three daughters, and Fadila his sister-in-law and her mother. O God! It was a heavy burden for Abdullah. God help him.

Times went on very hardly and very harshly for the circumstances were going from bad to worth and they were deteriorating as well. The Kuwaiti people were endangered as hazards were endangering them and the news about the arrests of the youth increased after the aggression had grown fiercer and more brutal.

 

The life in Kuwait became unbearable by humans as only death, as know, became the most prevailing thing in Kuwait at that time and everybody would be killed for the least serious reasons.

Frankly, Badr was dealing with the horrible conditions with brave, challenging, persistent and adventurous soul. Whenever he would manage to handle any situation or get out of any hard situation, or help save some of his fellows of the resistance, he would have more trust in his abilities and he would have faith in his talent.

That was what happened when Badr managed with God’s help to take Jassem and Dalal and the injured from the resistance youth in daylight to Kifan and Al-Rumaithyah where he hid them though there were many check points all along the way but God made them not harm the and He is God the Almighty.

Immediately, Jassem started to practice his work as a surgeon and he started to save those heroes who did not hesitate to sacrifice themselves for their homeland. Jassem used in that some drugs and equipment that helped him to do that humane work.

Jassem was fighting against aggression in his own way by practicing his job though all the frustrating circumstances would not help him and limit his abilities as a doctor. But he was not the kind of a man who would surrender that easy, as Jassem was fighting the occupation with all his will and power and with all his knowledge. Jassem would not also accept to be defeated or surrender to those unusual harsh circumstances.

Though sad for what happened to his father-in-law, the kind-hearted man, Abu Abdullah and his grandson Mansour who were arrested by Saddam’s forces, he did not know what to do regarding this catastrophe that befell their family for he knew how Souad loved her father and she was attached to her nephew, Mansour.

In spite of this continuous aggression to which the innocent were subjected and despite that aggression against those honorable people, people did not surrender or submitted to that situation. Thank God, despite everything, for the patriotic resistance  in Kuwait whose responsibility was shouldered by the many Kuwaiti youth in different areas remained to be the main thing that played a great and vital role in raising the morale of the Kuwaiti people and it also affected, at the same time, the occupation forces causing confusion among their lines, and those forces were perplexed due to the huge number of the youth that volunteered to carry weapons and go take revenge on those aggressors.

Badr was distributing his time between the groups of resistance that were formed in all the main areas of Kuwait and most of these groups had military and civil men while others had contact with the government in exile, whereas others were working independently. Badr also shouldered the responsibility of coordination and cooperating with them regarding the exchange of weapons, ammos and explosives.

Indeed, Badr was moving in an easy way and he would avoid the enemy so easy and in everyday he would assume another character of a different nationality, with a different dialect, different ID so that no one would have anything against him or could recognize his real character.

In fact, Badr had the ability of staying calm and peaceful helped by his innocent appearance and his attractive features that would show rest and reassurance away from the brutal killing and murdering acts that he used to do to defend his homeland and its people, and to save his country from that unjust aggressor that do not observe inviolabilities or keep any promises.

That way, Badr kept behaving skillfully and moving quickly; he would move between gathering places to know the youth opinions and their ideas so that he would coordinate between them, thus, he played a very positive role that helped the Kuwaiti resistance revengeful acts to be continued; Badr along with the youth of the resistance knew the places of the arsenals of the army camps and knew the police’s as well as the national guards’. Badr could help in the process of exchanging information as it was easy for him to move freely and easily from place to place in a way that would cause astonishment.

Afterwards, tens of thousands of the burnt Iraqi military equipment were by the sides of the road away from the inhabited areas so that people would not be attacked in revenge and so that they would not be bombed or bombarded, however, the resistance’s effect was shown on the main road and the Iraqi taxis were also sabotaged as the resistance had exploded many of them and killed those inside them, thus, they prevented a great civil wave of the Iraqis that targeted Kuwait.

 

Badr and his friends became a very prominent example for the Kuwaiti youth who rejected the invasion and did not stand still or surrender to the aggression committed against them and whose enthusiasm never blunted due to the huge number of the Iraqi armed soldiers that were roaming the streets of their country, rather, they started an a fierce resistance that would prove for the world that the Kuwaiti youth would sacrifice their souls so as to liberate their country and that, in the hard times and ordeals, they would be very great men… May God grant them success?

Dalal was no less enthusiastic than Badr to express her love for her country; she  helped a lot in the resistance operations, transported weapons and she would also mine the cars that Abdullah used to forge their licenses, park them next to the gathering places of the enemy’s soldiers and then they would explode them.

Dalal was a successful example for the Kuwaiti girls, and a good example of a Kuwaiti woman who played a great role in resisting the occupation, and this made many people wonder due to the patriotic and heroic characteristics she was marked by. May god reward her?

Though the imminent danger that was threatening Dalal, and in spite of the violence acts and the atrocities that the Kuwaiti women were subject to from the enemy’s soldiers who did that so fiercely and brutally, she never forgot to continue playing her role to defend her country’s lands and honor.

Dalal was so angry when she knew that the board of directors of the Kuwaiti Red Crescent Society were arrested after all the properties of the Society were sacked like the cars and the GMC cars as well as the drugs, the food and the money; all these things were taken and transported to Iraq.

Dalal was so angry and sad , too, for Abu Abdullah and his grandson Mansour were arrested, and she was eaten by pain, too, because the father of Jassem, the only one who was loving her and welcoming her in Jassem’s family, was arrested, too. She kept suffering because her brother, Adel, was arrested and tortured inside her house when he went to bury her grandmother’s body that disappeared and then her brother himself disappeared.

Dalal remembered that with the feelings of sorrow, sadness, grief and pain, then she screamed bitterly when she remembered her father and his love for Adel, so, her heart was torn when she imagined what would befall her father when he would know the news of his son’s arrest and torture; what would he do when he would know about this bad news?

Dalal’s sorrow grow bitter while suffering oppression and humiliation, thus, she burst into tears and started weeping while she was about to be out of her mind whenever she would think of her brother, Adel, while being tortured and suffering due to the unbearable pain he was subjected to inside her house by the hands of those oppressors who do not fear their Lord and who were merciless. She herself would bitterly suffer when she would imagine that herself, so, she would burst into tears not knowing what to do while feeling lonely and depressed in this world.

Dalal sighed in sorrow and grief on remembering her past life with her family before the occupation soldiers would attack them and did such criminal acts like breaking into their house, killing her grandmother, raping her mother, causing the illness of her daughter and capturing her brother.

O God! The house has become as if a concentration camp in which there was a considerable number of the youth of the resistance who were arrested by the occupation soldiers, thus, they were subjected to the most brutal of torture that did not know any mercy towards those youth or put into consideration their conditions.

O God! You are the All-Able. Abu Gamal also wept bitterly after knowing the news of Adel’s arrest. He could not stop himself from crying in front of all those men who came to alleviate his pains and share his sorrow after the leak of this bad new.

The men gathered in Abu Gamal’s apartment in Az-Zamalek, Cairo. They would frequently visit him to reassure him, alleviate his pains and to give him hope, for God would help them as He can defeat the oppressors and can make them victorious as He is the All-Able.

Everybody left except Abu Ibraheem who insisted to accompany Abu Gamal, his friend, his schoolmate and his life-time friend, to his apartment in Al-Mohandeseen. Abu Gamal refused to go out, but Abu Ibraheem insisted saying, “No Mu’awad. I won’t leave you alone. I cannot do that. Umm Ibraheem would be angry with me for she is cooking Makbusa with meet and soup only for you.

Abu Gamal replied, “By God Abu Ibraheem I have no appetite today, leave me alone please.”

However, Abu Ibraheem insisted on taking him to his house saying, “Come on Mu’awad. You broke my heart. Come, let’s see what is with Umm Ibraheem and alleviate her pains. She is weeping all the time, as she has known nothing about her brother Abdurrahman since the invasion. Also, my daughter, Siham; her husband is a captive, so, she is weeping all the time along with her mom. Come on, Abu Gamal, we all suffer the same. May God help us all?”

Abu Ibraheem kept telling Abu Gamal so, in order to alleviate his pains over his son until he managed to convince him of going with him to his house esp. as all the family there was longing for his coming.

Both men went in Abu Ibrahim’s flat in Al-Mohandeseen, the food was prepared, everybody sat on the floor and they started to exchange the looks of sorrow ad pain for Adel was very dear to them, he was as if a son to them, he was a friend of their son Ibraheem and was almost living with them in their house, so, he was very dear to them just like Ibraheem is.

The food was taken away as it was, because none ate anything, then, Abu Gamal drank tea busying himself with following the news trying to forget about his pains while waiting for any news about his son so that he would be reassured about his son. Then they started talking about the atrocities in the homeland and those who survived them by sneaking out of the country every now and then, and Adel would be one of those, God willing.

Abu Gamal was driven by that ray of hope and he was blaming himself a lot for being away for a long time from his family and his children. He was blaming himself because he had not cared for them for all those past years. Then Abu Gamal wished that Adel would come back to him to compensate for all the wasted time with his love and tenderness. He would also invoke God that He would protect his elder son Gamal, his wife Umm Gamal as well as Sana’a and Dalal and he invoked that God, Exalted be He, and would protect them against any danger.

Abu Gamal blamed himself again for not being with his children from the very beginning, for being busied with his affairs all the time and for not showering them with the feelings of love, tenderness and care in spite of caring for himself in the first place. Abu Gamal remained blaming himself in silence especially as the TV did not make him forget about his thoughts as there was no new news as the situation was still the same.

Everybody was busy with watching the TV and with talking about the worldly affairs while drinking the tea and coffee that had no taste at all. At that, the celebration of the Prophet’s Birthday was broadcast where the Kuwaiti singer Abdullah Al-Ravished sung in a complaining tone that would move people’s feelings and touch their hearts,

“To God, the Most Benevolent, I complain.

O God! You know the pain I suffer as my country is oppressed.

Truly, it was bitterly oppressed.

And the oppressors are Arabs and Muslims like us.

They followed in the path of the devils.

We accept your fate, O God.

O God! O God.”

Thereupon, everybody burst into tears and they continued weeping while Abdullah Al-Ravished remained continuing his song,

          “As You created our tears, God.

          Truly, I should weep and weep.

           Even though tears would be bloody,

           And as You granted us voice,

          We should cry even if others would not hear us.

          O God! O God, help.”

It was as if everybody stopped breathing and silence prevailed while being accompanied with pain and tears, while the Kuwaiti voice of the son of Kuwait was screaming out of pain addressing the Kuwaiti and invoking God to help them,

“Forgive me God. My heart is being torn.

Forgive me God, I am suffering.

Some Muslims follow the path of falsehood,

And they support shedding our blood.

I am really away from my children,

I am really away from my heart,

I am really away from my country.

O God! We accept our fate.

We accept you Divine Fate.

O God! We accept it.”

Everybody was grieved; their hearts were aching as well as their souls while Abu Gamal was covering his face with his hands that were soon covered with his tears, so, Abu Ibraheem could not take that anymore and bear with that, thus, he hid his face with tears and burst into tears. Abu Ibraheem was crying over his alienation and humiliation after he became homeless and after he felt the loss of identity. Meanwhile, the women, the boys, the daughters and the children burst into tears for which hearts would break.

Feelings were stirred as well as emotions whereas weeping and crying went on without being stopped and so was suffering, for the news about the citizens inside and outside Kuwait and everywhere was important for the top officials of Kuwait who were headed by his majesty, the heir who said from the beginning of the invasion that he was feeling their pains and sharing their feelings. He addressed the people of Kuwait in love and tenderness while he was in Jeddah in Saudi Arabia, the country of love and loyalty saying, “People of our beloved country. We have been always with you all day and night with our hearts, minds, feelings and feelings. The image of our beloved Kuwait and its gallant resisting citizens never parted us in our sleep or while we were awake. God knows how much we do suffer for you sorrows and how we feel pains when we hear about what the criminals do against you…”

In Riyadh, Souad and Laila were sparing no effort to follow the instructions of the father, the leader, the Prince of the country. Thus, they joined the Kuwaiti resistance that t centered n Saudi Arabia and to which many of the Kuwaiti volunteers who left Kuwait came. There were a lot of women among those people among who was her aunt, Jassem’s mother who loved to join that voluntary work every now and then whenever the circumstances would allow that. But sometimes she would insist that she would follow up with the health conditions of her sister, Umm Abdullah and she would also take care of children esp. Ahmad who seemed to be pale and sad while following the news of the occupation as if he were on of the youth.

Ahmad was very sad for what befall his homeland. He was bitterly sad for the destruction that took place in his country after he had known that the animals he loved and liked to visit in the zoo were eaten by the soldiers who also destroyed the equipment of the Entertainment city; they cut all the cables and destroyed its equipment.

Ahmad’s worries were a lot as he was really a child but his feelings were that of a mature person; he was following the news and he would not miss that and he had fears about his country and this was clear on his face, but at the same time he was keen to hide those feelings from his mother so as not to make her sad again. She was suffering a lot for her worries about his father, her brothers, her father, and all the family out there.

The fears about them were great because of the deteriorating conditions and the living conditions about which the news were spread very rapidly, so, their hearts were aching and they were tortured. The news about the horrible conditions was spread very rapidly, and the most painful of which was that a Kuwaiti doctor declared that she treated 4 cases among which there was a 12-year-old girl who was raped repeatedly by the Iraqi soldiers.

The news reached the family in Riyadh, so, they were about to be out of their mind as this girl was as old as Mona, daughter of Abdullah. Thus, they were afraid and they panicked after they had not known anything about their family for a long time. They did not even know anything about Jassem, thus, Souad was worried and she became very afraid about him esp. after she had known a sensitive piece of information indicating that her husband, doctor Jassem Al-Nasser was known to the Iraqi forces of occupation and that he became wanted because he was the representative of the medical group in Kuwait.

In the next day’s morning, the phone rang and Masha’el answered in a low polite voice saying, “Peace be with you…Yes she is here…Hold on for a second.”

Masha’el draw nearer to Souad to tell her calmly that the Kuwaiti Embassy in Riyadh is asking for her, thus, Souad hurried to the phone to answer, “Peace be with you… Yes…I am Umm Ahmad, doctor Jassem’s wife… What’s up…? That’s all…When…We will be waiting him, let him come.”

Laila asked her impatiently, “What’s up Souad? Why did the embassy call you? Did anything happen? Is there anything that happened to Jassem?”

Souad turned to Laila while her eyes were brimming with anger and it was as if the panic of the world filled her heart while she was answering in panic, weakness and feebleness saying, “They say that a representative of the embassy will come in a while with a message from Kuwait that I must receive myself.”

 

 

Chapter Twenty-Three

O God! We Seek Your Help

Souad caught the message, rolled it until it became like a small stick and she caught it and stressed on it with her fingers while her looks were seeking help. Her looks were impatient and were full of despair and she was seeking one word from the representative of the embassy that would ease her pains and reassure her while the representative was standing still while his face was expressing resistance and patience.

Then Souad left the representative of the embassy with Naiad’s father who was welcoming him and talking to him in a friendly way.

Souad came out with an unknown heavy feeling that burdened her heart, and she was swaying trying to stop a scream of panic that was about to come from her. She looked for Laila in silence while catching the message in a violent way so as not to open it for she was expecting what it would contain. She caught it with all the strength she got until her nails were about to penetrate her hands while the message was still in her shaking hands and she was no feeling anything about herself while she was swaying walking in the place.

She called upon Souad in a very low, shaken voice and she approached her very slowly seeking her help as if she was carrying  a bomb that was about to explode to destroy her.

Souad approached Laila and stood staring in her eyes then she covered her face with her hands while speaking in a whispering voice and while her body was shaking; she said, “It is Jassem, Laila.”

Laila panicked because Souad looked panicked and confused, so, she asked in horror and in a low shaking voice, “What is up, Souad? What happened to Jassem?”

Laila stretched her shaken and shivering hands towards Laila in a slow manner and with the amount of weak power and lost energy she had, she opened her shivering fingers and Laila took the message that Souad could not open to read.

Souad was worried about what was mentioned in the message that Laila started to read to her and it was, for Souad, as if she was hearing the sounds of bombs while she started to grow weaker and her heart started to be eaten by the fire of worries.

Suddenly, Souad was broken and her ability to stand hardships and to stand pains vanished in the air and she screamed to the extent that could no more strike a balance and she fainted after knowing the news about her father and her nephew’s arrest.

Days went on very slowly; very long as if they were endless, however, the bad news was hurting her heart, but it would never destroy her as she was utterly destroyed after her father’s absence. She rejected that new reality and refused to accept it.

She would say, “No, it is impossible. It is unfair that my father and my nephew would be arrested on one go.”

Her pains and days were destroying hearts while Souad suffered a shock due to hearing this bad news and the horrible situation her father and her nephew, Mansour, was going through.

It was not only Souad’s father the only kind, peaceful man to captured, and her nephew was not also the only little nice child to be captured, rather, this was the case with the whole country’s citizens. This was the destiny of the people who wanted to defend their country and who rejected the occupation that took many forms and shapes.

Inside the hurt homeland, Dalal returned disguised to Al-Ediliyah and she entered her father’s house in which he was spending the summer before the invasion and before going to Cairo, though she knew nothing about him at that time, for he could have left Cairo or Damascus or stayed in Cairo. Anyway, she did not know just like everybody else. She entered the house and hugged Dana, and kissed her for she missed her a lot and could no longer bear being away from her anymore. Dalal was also longing to see her mother who started to look disturbed and that was manifest in her acts, for she still believed that her mother was still alive and that she was captured by Saddam’s soldiers who would be torturing her.

Frankly, she was really suffering and her pains were unbearable, so, she started to suffer psychologically and Umm Gamal’s case was similar to hers. She, too, suffered the same, for she was suffering being amid that cursed atmosphere that brimmed with panic ad horror and stress. It was great that Dana was under the care of her aunt Sana’a and this alleviated her pains and compensated for her mother’s absence, because Sana’a’ was like a mother for her after her real mother, Dalal, was busy with the acts of the resistance, though the feelings of motherhood would drive her to think deliberately about spending sometime with her little girl.

Feelings were the same in Al-Ediliyah and other areas after the concept of being united as one family had grown stronger and after the relations had been strengthened between the inhabitants who would hurry to help one another and to specify everybody’s responsibility. The gatherings of men in mosques and in gathering places would assure that and this helped everybody feel that they were as if one family that had the same worries and sorrows.

Conditions changed, and depression prevailed in those days and everyone became depressed after Adel had been arrested, for since that time, Dalal, her mother, sister, stepmother had been wearing black to the extent that Dana could no more differentiate between them because they looked the same, acted the same as they were dressed in black and they were gloomy and laughter and smiling knew no way to their faces; they looked the same, acted the same, they were sad and gloomy.

At the same time, Gamal was wearing the jeans while he was working in the market or while burning the garbage and he would disappear a lot from the house to participate in the resistance acts and that would make his mother very worried about him and she would be afraid, too, but he would make it up with her and would make her laugh and reassure her, then he would take Dana with him to the market as she loved to go there as she  loved him and loved to be with him because he was tender with her and because he would make her little heart happy; this very heart was tied to her uncle who compensated with his love and tenderness her loss of her father who died while she was an infant. May he rest in peace?

Dalal’s mother used to phone her relatives from time to time as well as her neighbors to ask them about her mother and as them if anyone saw her. Sometimes she thought she was still in their house at Al-Salemiyah and she was talking about her mother as if she saw her alive. She would also curse and swear at Dalal as she was the reason behind all that happened.

Dalal would disappear most of the time to play her role in the resistance with Jassem and she would not return until she would have a quarrel with her mother who would lose her temper due to being worried about her and due to thinking about what would happen to a beautiful girl like her. She feared she would be imprisoned there in the house like what happened to her mother. Sana’a would go to ease the tension of their quarrel esp. when Dalal’s mother would weep bitterly when Dalal would go out leaving her without knowing anything about her.

Her mother would say, “I do not to where she went, and when she would come back. Maybe she went to my mother. For sure she is there in the house with her.”

The circumstances were really horrible and there were unexpected situations and everybody was very grieved without exception. Fathers started to worry about their sons and mothers started to have doubts that they would participate in the resistance even if their sons denied that for this would not do as parents knew their sons would never surrender. How great!

Dalal was torn as she wanted to stay at the house with her mother and her daughter especially after her mother’s illness to be at ease and for her mother to stop quarreling with her, and at the same time she wanted to fulfill her duty towards her country that she must fulfill and she had to play her role that necessitated being in one of the crypts where Jassem was curing the youth of the resistance.

She was torn between both choices esp. after the hard circumstances had that the country was subjected to imposed an atmosphere of noble and lofty feelings, thus, her relationship with Jassem took another form  that was tied to much loftier and nobler feelings. Her love for him turned to be deep friendship and he turned to be a brother to her. Dalal became sure that she had no doubts about the kind of her feelings.

Jassem also was thinking about nothing else but to save the injured who were laying before him after all the public hospitals had become unsafe places where patients are persecuted and where women are being raped whether they were patients, nurses or doctors.

Jassem received the news of the murder of many of his fellow doctors with whom he had strong relations of friendship in sorrow and pain. Indeed, doctors in Kuwait experienced a grave ordeal when they were killed for very trivial reasons before their fellow doctors, patients and assistants inside the hospitals they were working at. That was the way in which the angels of mercy were treated without mercy.

Jassem was only focusing on fighting for the resistance to resist those aggressors. He thought of nothing else and he did not even think of his wife whom he forgot; the only thing he cared about then was seeing his mother and making sure that his children were O.K. He was worried about them and he wished that he would see them but the events would force man to choose his way and they would force man to take certain ways against his will.

Anyway, Jassem would try to know about their news and the only way to know that was following the news or listening to the Kuwait-in- exile radio. He would also see the T.V report about Kuwait that he would long to see at 11pm if he could and if he had enough time and if he had a T.V set in a safe place for whoever would see such programs would be punished by being arrested or by death.

Dalal was also keen to watch such a program, too, but she was careful for whoever would be caught watching a station other that Baghdad’s would be punished but she did not care, and she would watch the program to know about the Kuwaiti abroad and she was also keen to know about the conditions of the Kuwaiti community abroad hoping that she would hear something about her father. She wanted to make sure that he was alright and to make sure that his health conditions were o.k. esp. after Adel had been arrested for she was sure that her father knew the news.

The amazing thing that astonished Dalal was that she was not thinking about Souad a lot and her feelings towards her changed, she no longer hated her and she was not jealous of her anymore as she became another one for whom she did not care. This was because all that she was thinking about at that time was working hard to free the homeland and to save it from the oppressors and let anything be afterwards. The first priority was liberating Kuwait and let anything happen then.

Believe it, the crisis changed Dalal a lot and she started to care about religious lessons and she was keen to wear the veil and offer prayers in their due time. Al this, affected her feelings and had its effect on her thoughts and bettered her psychological conditions and changed her conditions. Dalal really changed; God is All-Able as He changes others but He never Changes.

In fact, Dalal changed as well as Souad. She became another person with different feelings as she felt there was nothing in the world that would deserve she would feel jealous, or have ill-feelings towards anyone. She knew that the best blessing man would enjoy is that he would enjoy peace of mind and that he would live in peace with himself, his family and in his homeland. Indeed, inside one’s house and in one’s homeland. Souad remembered her childhood and her joy when she was a child that was deprived of nothing of this world, so, she felt a grave ache in his chest when she remembered her fathers, her beloved and all that she had.

Souad also felt angry due to these harsh conditions that deprived her of her husband that she was longing for seeing him so much. Souad decided to forget about the feelings of jealousy she was harboring because of Dalal for the whole world in her opinion did not deserve anything; she only wished that Mansour would come back and that she would see her husband, Jassem, her beloved.

The days were passing gloomily due to Souad’s conditions. Everybody around was feeling how she was suffering but no one dared to open the subject before her even her mother, though her pains she remained silent so that she would stir the feelings of sorrow inside her causing her to weep. Thus, invocations, reciting the Glorious Qur’an and offering prayers were the only way out for them.

The nice white house in which they were living was next to a nice white mosque and the nice voice of the caller for prayer was among the things that they really liked but the problem is that when the war started this place was almost on the front and the old airport turned to be a military base; the missiles would hit Riyadh to the extent that beds would shake and children would panic, so, grown-ups would turn off lights fearing the missiles and gases.

What would make children afraid more is seeing grown-ups wearing black gas masks, thus, children would panic esp. Rakan who would try to take off that mask and would do the same with his mother for he would bear watching her wearing that in front of him, because he would fear that and would burst into tears. Regarding Ahmad, he wanted to be a hero even during the air raids as would remain steadfast and he would not cry before any creature even after he had known that his grandfather and Mansour were kidnapped.

Indeed, hearts had been aching since this news reached the family in Riyadh as this was a grave catastrophe and this was painful. Some believed the news while others did not, as some did not want to believe that Abu Abdullah, the kind and peaceful man and Mansour, that little innocent kid disappeared from their life. Everybody did not believe this news about their being arrested.

Everybody did not believe that news not knowing how they would arrest an old man and a child; they could not believe that.

Everybody was hoping that they would know any new news that would reassure their aching and despaired hearts that could do nothing but seek God’s help. The news was unbelievable and everybody refused to deal with it as a reality as this was an unjustified act in any way as this would not be accepted under any pretext for this was an inhumane act that would pose many questions to mind.

Why this cruelty? Why all these acts? Why these barbaric acts? Why resort to violence? Why this aggression and humiliation took place? For what reason are all these inhumane acts?

How painful. The screams of suffering and deep pain would go beyond places time, borders, barriers and control points and nobody would ignore them. Everybody would know it as the grieved souls, the sad time and the sorrowful nigh were obsessed by it. Indeed, sorrow prevailed everything even the moon became sad and unseen.

There was only hope for the moment when pains would be over but the rays of hope hid behind the black clouds of sorrow behind which Fadila’s house was hid; her grief over her husband, the martyr , lieutenant Faisal and over her lost son, Mansour was not over though she almost ran out of tears.

Since Mansour accompanied his grandfather out of the house to offer Friday Prayer, they had not come back to the house. Then the moon did not show up, the sun eclipsed, the candles of hope went out and sadness knew its way to hearts and souls and days were shrouded in sorrow and grief as the atmosphere turned to be windy, full of fear, dark, and shrouded by death and horror.

Tears would go down everybody’s tears and hearts would be broken whenever they would feel that the coming time would bring more fear, horror and pain and this was unbearable by humans: “God, do not overburden us with something we cannot stand, forgive us, forsake us and endow us with your mercy. Since You are our Leader, bring us victory agains the disbelievers.”

Fadila was obsessed by the feelings of panic due to arrest and separation; she was rejecting the idea of leaving Kuwait before seeing Mansour and hugging him.

Finally, she was convinced that staying in Kuwait and waiting for Mansour to return would mean that they would all be dead. She was also convinced that leaving Kuwait would help her find her son for she would find a faster way to find him or she would find a more effective way to bring him back. This was the only way to convince her of leaving Kuwait so that she would follow another way to bring her beloved son back.

At last, Fadila was convinced that the barriers between countries were not iron walls and that what would happen in a country would be known to another. Her mother convinced her while crying of leaving for staying there would not help and waiting in despair would not help, as the soldiers would break into houses at any moment without permission and they would hurt families inside houses and humiliate them, too, without exception.

Thus, it was no use waiting helplessly in fear and despair. Ibtesam begged Fadila’s mother to convince her daughter to leave at once before what happened to Amal the beautiful Univ. student would befall them as the soldiers of Saddam attacked her house, destroyed it and took her by force without feeling pity for her screams and she remained a captive till that time. None knew anything about her till that moment. She begged Fadila’s mother so much saying, “Please aunt, and convince her to leave with us before we get hurt. I am very worried about my children. My daughters are young and I am afraid the soldiers would hurt them. Talk to her and convince her. Tell her that this is the best solution. Whenever we would arrive at Riyadh we would manage that but we are helpless here. We can do nothing here.”

Days went on, and time was hurting hearts and fearing the dangers that were about to happen would stop minds from thinking and panic souls. It was clear for everybody that security conditions were going from bad to worse day after day and so was the case with living conditions. There was no solution but to leave in such circumstances that Abdullah was going through with those accompanying him. It was a great responsibility and there was an imminent danger and any negligence would lead to death.

At last Abdullah knew from his wife that Fadila agreed to leave, so, he felt that he was at ease esp. after knowing that he could leave at once, but he returned and gave women a look that brimmed with worry and fear for he felt great responsibility as they were many and they were not of the same age. Abdullah kept seeking God’s help and asking Him to help him go safely with them to the brothers where there was peace away from those devils, traitors who were there all over the country.

Abdullah prepared himself to leave, put the food and the water in the car, then all the girls got into the car dressed in black even Mariam, Mona and Fadda were dressed in black though they were so young, but this was because of their fear from being raped as the aggressors were merciless and they did not distinguish between women and others for they committed their crimes against women of all ages, old people and even young children.

Fadila’s mother sat next to Abdullah in the front of the car while his wife and his daughters; Mariam, Mona and Fadda were with Fadila at the back seats; they were carrying copies of the Qur’an which they were reciting invoking God that He would save them and help they reach their destination safely.

The car moved while everybody was crying over the state to which they reached. Ibtesam looked around as if she was saying goodbye to her homeland in which Abdul Aziz, her son, was buried and over whom his two sisters were still crying. Ibtesam sighed and invoked God to give her something better in return, she said, “O God! You are Bounteous. Give me something better in return.”

Ibtesam was sighing in sadness due to the death of her infant Abdul Aziz who was not born mature, so, he was put in an incubator but the aggressive soldiers threw him away after taking the oxygen that they needed to save their injured away from him not caring about the lives of many children.

Fadila was weeping because of Mansour and her weeping was tearing everybody’s heart to pieces while she was looking from the back glass of the car at the market and the mosque of the neighborhood. For the place is similar to that in which the invaders kidnapped her child Mansour in Al-Shamiyah. Maybe Mansour came here with his grandfather. She knew that Mansour would love to go to the market and he would love to play with the cycle in front of it, while his grandfather would love to choose between the kinds of cacao, biscuits that he loved, and then Fadila screamed, “Mansour might be inside with the kids.”

She was still searching for him with her heart, as she was still holding the last ray of hope. She would imagine him hugging her laughing as he used to do, so, how would she leave Kuwait not knowing anything about his destiny, his place how he was eating, how he was sleeping and what they were doing to him?

She said, “O Mansour! Where are you Mansour? How could I find you?”

Fadila was hit by a hysterical paroxysm in which she was about to faint. The car was shaking like everybody else due to her weeping and even Abdullah could not suppress his tears and he burst into tears for leaving the dear ones behind. May God, the Most Merciful, grant them patience.

The car moved away and the more it would go far the more Fadila would cry. She would like to stop the car and stop it from leaving so that she would not go away from the place where her son was. She hoped that her son would not be afraid and that he would be relaxing in her lap, and that she would hug him, kiss his forehead and hide him in heart so that he would not be lost once more.

Fadila had looked for her son almost in every mosque and in every market in Kuwait before she would agree to leave it. She looked for him in Al-Shamiyah, Al-Dahyya, Al-Faiha’a, Al-Rawda, Al-Nuzha, and Al-Shuwaikh then she looked for him again in Al-Rumaithyah, Salwa, Mushref and Bian until she reached Al-Jahra’a. In that she was subject to danger because there were a lot of control points all the way, but her sadness for her son’s loss was a great motive for her to take her chances.

Fadila was still having a ray of hope while looking at the mosques and the markets; she was hoping that she would find Mansour. Her mother was with her while Abdullah was patient while dealing with her as he did not want to increase her sorrows or drive her to lose hope for finding her son for whom she roamed all the areas of Kuwait and no one could stop her from doing that as Mansour was kidnapped after the prescribed period she should spend unmarried after her husband, Faisal had died had been over.

Fadila was absorbed in looking at the dust of the ways and it was as if she would unearth the land while looking to the back hoping to see her son before the car would go away from that place. It was a very painful situation and the reality was more painful while Fadila burst into hysterical crying that caused everybody to lose control over their feelings and they shared her her pains for the loss of her son and for the loss of his grandfather, the nice kind guy who was the victim of performing his duty towards his country when the aggressors kidnapped him.

Abdullah controlled his feelings and started to recite some Qur’anic verses to put hearts at ease and to give them the rest they needed to complete this tough mission that they invoke god to help them go safely and save them.

The car went out of the Kuwaiti borders and Abdullah was watching the way very while he was worried when he was heading for Saudi Arabia where there was peace and safety. The car went on rapidly while moving on the long way to hope while they were shaking out of fear from the unknown destiny that was awaiting them for there the places were spacious and evil was everywhere and there was none to save those weak innocent people from the evil.

The ordeal was at its peak and fear was manifest in the most horrible way as danger was shrouding those hard minutes shaking hearts with fear then. Everybody was reciting the Qur’an seeking God’s protection and they would have a deep sigh whenever they would pass one of the control points safely.

They thanked God as the car was going to the place of safety and they would shiver out fear while reaching this decisive moment and while they would fight danger with their faith. Then, thanks to god, they would pass control points safely one after another, then, they would feel at ease bit by bit; they would say, “We thank God, the Only One to be thanked for affliction.”

Thanks to God, they passed the last control point safely and, in fact, the make up, that Badr made for his brother to change his features was great as it turned him from a young man in the thirties to an old man in the sixties, i.e., over the age of the people they wanted to arrest.

Abdullah’s clothes and his appearance indicated that he was and old man as his hair that Badr treated with oxygen turned to be white and the shawl that he tied over his head showed that he was even older and made his white hair appear from both sides of his thin face. Fadila’s mother’s sitting next to him implied that she was his wife.

In fact, the whole scene was convincing as being an old man and his wife while there were their daughters and granddaughters at the back and there was no trace of his youth or of his real age as Badr did that very skillfully. He even put a kind of glow on his hands to make him look older, thus, no one would know that this old man who had an ID of a retiring Inspector in Kuwait’s Municipality would be Abdullah Salem, the engineer who graduated from the faculty of engineering, Harvard Univ., Boston, in the U.S.A.

Thank God, the soldiers were fooled and there were new orders to facilitate the Kuwaiti people’s emigration from Kuwait to let other Iraqi people in instead, so, there were no obstacles while leaving and they passed all the control points safely after the trick of Badr made Abdullah look uglier like none. There was a black color around his eyes and there were many thick lines in his forehead. This was a perfect work that resulted in driving the soldiers away from them.

Abdullah took another way through the desert; it was a safe way unknown to many as he was afraid that something would happen and he did not like to take the chances of lying at the mercy of those devils having with him these women. Abdullah took a certain way that the people of Kuwait know very well and of people he knew best about it. It was a heavy burden for Abdullah and he should prove that he was a man. May God help him.

They were looking in fear at the endless desert around them whose sand would be moved by the wind making by those waves of sand. Silence prevailed and shrouded time with fear and ambiguity, while Abdullah was looking at the horizon in worry and in silence that would echo inside his soul, and he was invoking God to help them arrive in safety.

They were longing to move away from the danger and they wanted to reach the place of safety, Saudi Arabia where there were peace, safety and hope. All along the car was moving ahead and they were longing to see their relatives and friends.

Silence and tranquility prevailed, thus, the shivering hearts would know for the first time from a very long time the sweetness of safety. Then they started to talk and the feelings of security, safety, as well as hope prevailed but, suddenly, when the car came near to an old wall next to a huge amount of sand, a tank appeared and stood in their way, then, very fierce soldiers came out of it and they stopped the car from moving, besieged the car, turned around it and ordered everybody to come down.

Everybody stood still, and they froze out of fear that had prevailed the whole atmosphere. Danger shrouded them and treachery was manifest in those soldiers’ eyes. They were staring at them and it was a hard confrontation and there was almost no ray of hope as they would kill and what was worse was that they would rape the women. May God save them from those devils.

The situation was beyond everybody’s abilities and Abdullah was watching the helplessly after the soldiers had approached the car while their looks were revealing their desires. Meanwhile, the girls were terrified and they were shivering out of fear and this was shown on their pure innocent faces. At that, their tears flowed unable to stand fear and unable to stand murdering, oppression, panic, scandals, humiliation, torture and raping.

This was a moment of helplessness in which all the years would melt, as everybody was unable to face that imminent danger, they would take their chances while they were shivering out of fear and while their hearts were as if screaming and rolling while bleeding on the sand.

At that, a sincere call for help came out and an invocation from the bottom of the heart came out reaching the sky so that God would help them come out safely from that ordeal; it was, “There is no god but God the Mighty. There is no god but you, Lord of the Tremendous Throne. There is no god but the Lord of the skies and the earths and the Bounteous Lord of the Tremendous Throne. O God, the Ever-Living. We seek your help.

 

 

Chapter Twenty-Four

The Death of Beauty

At that critical moment, a military jeep appeared in the scene as if it came from the sky. Everybody was silent while the voice of the angry Iraqi officer was echoing ordering his soldiers to return to the tank and to move away from that place after he had scolded them for what they did and threatened them that they would be punished for that as they were not allowed to stay at that place at all.

Suddenly, the soldiers went away they same as they appeared suddenly then the Iraqi officer turned to Abdullah and talked to him in a very affectionate manner saying, “Forgive brother. We are brothers after all and neighbors as well. There are blood ties and relationships between us. We are valiant Arabs and before everything we are Muslims and we believe in One God.”

The Iraqi officer looked at himself examining his military dress then he looked at the military jeep in disgust and said in an angry unsatisfied tone, “We were fooled like you. Those devils fooled us. They said they wanted to quell a revolution in Kuwait but now everything was revealed and the truth became clear.

The officer approached Abdullah’s car and referred to everybody to get into the car and started talking to them while still angry and furious saying to them in deep and sincere apology, “Forgive us. We are oppressed like you and we do not want war and we do not want to be here but the execution teams and the party’s cadres would shoot whoever would not execute the orders.”

The officer turned to the right while raising his hand to the horizon and addressing Abdullah who was sweating despite the wind, “Hit your road. Take your women and depend on God. Move straight and do not turn right or left. Move now. May God keep you safe.”

Abdullah thanked the Iraqi officer who saved them from a horrible situation then he darted with the car right straight while there was a feeble sign on his pale face that looked like the faces of the dead. He caught hold of the steering wheel and headed for the south not believing that they survived that and the tears of joy were flowing over his cheeks wetting his clothes and easing his soul and he had that feeling of gratitude overwhelming him. Thank God, the Lord of the Worlds.

They continued their journey in which silence was prevalent unbroken but by the weeping of the women who were unable to talk or express their happiness as they survived, though  their hearts brimmed with thankfulness and gratitude as deep inside they thanked God for helping them through that valiant Iraqi officer who saved them from misery and torture.

The car went all along the way right straight while the Iraqi officer was making sure that they were moving safely, they he returned and the care vanished. This officer was as if an angel who came to help them. Thank God.

The car went on continuing the journey and inside the car they were crying and thanking God for His help, thus, words would come very pure to thank God for saving them while the hearts would thank and praise that valiant Iraqi officer, may god reward him.

At last the car arrived safely to the place where safety is and where they would find their brothers there. Thank God they arrived safely. The relatives in Riyadh were assured that Abdullah and his company arrived safely while Badr spared no effort to know through the youth of the resistance about the news of his brother and his company and to make sure that they arrived safely.

Through a cell phone that one of the youth was hiding from the enemies, Badr made sure that Abdullah arrived safely, so, he was at ease and told that good news to everybody and firstly to Jassem and the heroes who are wanted from the enemy’s forces. They were looking for them and tightening the circle around them searching for them after the occupations forces had tightened its grip on the youth of the resistance who rejected oppression, thus, their chances to escape were reduced and so were their chances to survive the enemy’s hands.

Thus, the clubs arenas witnessed the most severe kinds of torture that took place in other places, too, like the gardens, schools, and some of the houses. In addition to this, the aggressive forces would attack ordinary houses like Dalal’s and they would do that before the dawn to ask for Gamal, Adel’s brother to investigate him as the one in charge had certain information about him and he would like to inquire about that.

What was happening at that hour of the night was more horrible than nightmares as they broke into the house and broke the door while armed to the bones and asked for Gamal Mahmoud. They warned everybody against moving, then Gamal woke up surprised by that attack at the night, then the officer talked to him in an ordinary tone saying, “Come on with us to the police station so that we can handle your case.”

Umm Gamal approached them while she was shivering out of fear and asking, “What is up, son? Why take Gamal? What did he do?”

The officer talked to her in the same friendly way saying, “Do not be afraid, mother. Everything is alright. We just want to talk to him and would return immediately. He won’t be late. Do not be afraid.”

The soldiers went out with Gamal, they took him to the car and they went out carrying with them what was light in weight but very expensive not moved by Umm Gamal’s begging or Dalal’s or even Dana’s screams. Everybody was suffering and was in pain on seeing Gamal, their beloved, kind son being taken away without giving him the chance to talk.

The only way they dealt with people in was force that was supported by the weapons they carried, while Gamal was armless and the only weapon he had was his unshakable faith in God, his love for his country and the burning desire to sacrifice his life for it.

The only thing Umm Gamal did not know about her son was that he was an important cadre in one of the groups of the resistance and that he masterminded the operation of exploding the trucks’ center. This was the great operation that Gamal did in revenge for what befell his sister Dalal, her mother, her grandmother and for what happened to his younger brother Adel who disappeared after he had gone to bury the body of his sister’s grandmother in his sister’s house that they turned to hell on earth.

Gamal went out of the house and took with him all the feelings that would be related to life, thus, the house turned to be like a grave that was full of tears and sadness and that brimmed with fear. Everybody there in the house was as if dead though alive. Sana’a was one of those whose fear drove her to keep to her little room on the roof and whenever she would hear any strange sound she would jump and in no time she would hide in the water tank that was half full with water so as to hide with her thin body and she would remain there for hours shivering out of the bitter cold until the danger would be over.

What could words say in such inhumane situations? What could they do to overcome such an affliction? What would the use of the windows and fences be when others could break into houses and while there is no dignity for humans who would be humiliated? What a very sad night it was, and what a time where humanity is being trodden with feet.

The mother fainted and hit the earth with her tears flowing after she had cried a lot over her son and over her country and after she had cursed the treachery, treason and humiliation. Umm Gamal would sacrifice her soul for the sake of her son’s, thus, she kept cursing the day on which she saw those aggressors.

The lights fainted and the house was shrouded in darkness and gloominess and Umm Gamal screamed from the bottom of her heart after she recovered saying, “Where did they took Gamal?”

The mother kept crying bitterly while cursing her conditions after they had taken her son. Dalal also cried with all the atrocities she bore in mind and that were deep inside her; she remembered how they killed her mother and raped her so she also fainted and hit the floor.

After a while, Sana’a went down with her clothes wet and she was shivering out of the cold and was not able to stand out of fear and the panic she felt after they had broken into the house, and after hearing some sounds of hitting, but to her surprise, she knew that they took Gamal.

Sana’a could not stop weeping to the extent that her tears were mixed with her wet clothes, so, she entered her room to change her clothes but she could not control her nerves and she did not know what to do to calm Dana down or to drive fear away. The little girl was horrified the moment Gamal was arrested, her uncle whom she loved and who was not an uncle for her only, rather, he was as if a tender father who compensated for her father’s death and who increased his tenderness after the horrible conditions of the war grow tougher.

Gamal knew that Dalal was suffering due to that, so, he used to encourage her to take care of her patriotic role in nursing the injured of the resistance youth and he would take care of Dana in her mother’s absence; he would tell her stories about her brave mother whom he described as a hero and Dana was pleased to hear such stories and adventures about her mother and thus, she would not insist that her mother would take her with her.

Dalal appreciated that humane attitude of her brother Gamal whom she really loved as he would care for her and he would blame her if she stayed away long without calling him. He was a kind and pure-hearted brother.

The news leaked about Gamal’s torture in the police station in Hawli Square where no body knew what was happening in that crypt that they called the Disco. The mother was about to lose her mind while she could do nothing to save him but to pray for  him and to invoke God, Exalted be He, seeking His help and pleasure, for God can do whatever He wishes and there is none to oppose His Will.

This feeling overwhelmed everybody and the human weakness was mixed with the hope and resorting to God hoping that there would be a miracle that would bring Gamal back before those aggressors would torture him. They hoped that God would save him.

Dalal knew what happened and knew due to her work with the youth of the resistance that phone lines were bugged at that time so as to catch them just like what happened to some of their friends, thus, she watched her mother until she met her at a mosque where she attended religious lessons and moved with her carefully while expecting any danger at that moment and this fear affected Dana very much as she was like a precious thing that they both feared  it would be hurt, may God save her for them.

The resistance acts were continued and the Kuwaiti people did not surrender to oppression and threatens, rather, their faith became unshakable and their will never faltered, they bore with such conditions and had an unshakable faith. The resistance was manifest in people’s hearts, eyes and in everything like their resistance and their patience, in refusing to work and going on strikes and in refusing to cooperate with the enemy in any way. The resistance went on as nobody cared about anything anymore.

Everybody was ready to sacrifice his life and people knew their lives were endangered but they did not care about what would happen more than that. Life was nothing compared to their country, and they would die for Kuwait; they would worship God, sacrifice their lives for the country and obey the Prince.

Fear was over as life should go on and the basic services were available for everybody as the government was helping the citizens and was providing them with money from the very first day of the invasion. Everybody knew that the economic policy of Prince Jabir Ahmad Al-Sabbah preserved the international status of Kuwait even after the invasion; the Pravda, the Soviet newspaper published an essay about the stance of his majesty saying, “It is hard to find a ruler in the modern world history who could provide 300,000 persons of his people with the supplies while being in the exile and at the same time contributing to the funding of the multi-nationalities forces.”

Indeed, his majesty and his heir were sparing no effort regarding the country’s cause and in regaining our lands. Also, the brothers in the Gulf Cooperation Council had a very important role that was manifest in their stance as they, as leaders, governments and people declared during the summit that they supported Kuwait against the aggression of the Iraqi regime and this was hailed by Sheikh Saad who appreciated that stance.

People did not become weak or bored with resisting and resisting as conditions in many days created a great kind of solidarity among people and instilled understanding and mercy in their hearts and this made the people of Kuwait maintain the old way of life they used to lead as people used to live as if they were one family.

Days went on horribly after Gamal had been arrested and no one knew what happened to him and his mother refused to eat anything. She would not stop crying and weeping while imagining what those aggressors would do to her beloved son, Gamal; she would say in sadness, “Why want me, the old aged lady, to eat while I do not know anything about my sons, Adel and Gamal ? I do not know if they are given food or not. May God avenge the aggressors.”

One day, some of the soldiers came in the afternoon and they were armed. They forced their way to the house and started to search everything and throw everything away, so, Umm Gamal asked, “What are you looking for?”

They said, “We are looking for weapons, mother.”

Umm Gamal started to cry begging them to bring back her son lest they would feel sorry for and bring him back, she said, “We do not have any. Please, bring me back my son. Gamal do not take part in such acts.”

Thus one of the soldiers answered her smilingly, “We will bring him right over, mother.”

In the evening, the soldiers came with Gamal, so, everyone who heard the news rejoiced but this was not Gamal. Everyone in the house thought this was not Gamal and thought he did not return.

This thin young man whose skin was torn, and whose face was bruised and who could not strike a balance while there was blood all over his body was different from Gamal. But it was him and he looked different as he became remains of a man, for he was utterly destroyed before them and he could not recognize anyone and the effect of torture was clear, the severe burns were clear on his body and some of his nails were taken away.

Umm Gamal ran to give him a cup of water but he could not stand, so, he hit the earth, thus, his mother tried to help him drink but the soldier kicked the cup with his foot, thus, it fell on the earth and was broken and the water flow on the floor. The mother begged him to let him drink for he was thirsty and she cried saying, “Please that is unfair. Let him drink, son.”

But the soldier told her screaming, “Let him tell us about the place of his friends first. Where are the saboteurs and the weapons?”

The soldier pulled him in a very tough manner and threatened to kill him if he did not confess, then, Gamal’s head went down as he could not raise it, but he bore with that and raised it but the soldier pulled him to the door and shoot him behind his ear and then followed that with many bullets in his head, killing him by that in front of his mother and Dana that was hysterically shocked. This was also in front of Dalal who screamed from her heart and fainted like Gamal’s mother, while Dana was left alone screaming and screaming with her uncle’s dead body after the sound of the bullets had hurt her hearing and after the blood of her uncle had hurt her sight.

On the roof, Sana’a heard the sound of the bullets, so, she shivered out of fear and was about to black out in the water tank in which she was about to drawn. However, her body was shaking not knowing who was killed from his family and who was injured from them. Sana’a gathered herself and went down with her wet clothes and she was shivering out of the bitter cold; she sneaked shaking with fear after hearing the soldier’s voice before leaving with his car saying, “Do not you move this body or approach it.”

The soldier darted with his car accompanied by the curses meanwhile the neighbors gathered to help this mother and this helpless family that lost one of its dearest youth.

 

 

 

 

 

 

Chapter Twenty-Five

A Special Stance

The occupation continued and its aggressive acts were continued torturing their people inside or outside Kuwait; everybody rejected the situation and everybody was tortured.

In Riyadh; this very nice and quite city the danger was doubled when this city became on the front line of confrontation with the enemy and from which many missiles were launched shaking it by that and, thus, people started to leave it for Qussaiem and Jeddah as the nice city became on the front.

The house next to Naiad’s where Laila and Souad lived was destroyed by a missile. The whole area was subject to destruction and there were opinions of going to Qussaiem or Jeddah.

But Mohammad, Naiad’s father rejected this idea, so, none moved away from his house; Mudhna and her children, Noura and her daughter and Masha’el were welcoming everybody and hosting them, and even the little children were very nice in dealing with Souad’s children as love and friendliness were characteristics of the people of that house and they would give their due care.

Laila and Masha’el did not have the chance to see each other’s fiancée. Naïf’ was staying all the time in the military hospital while Masha’el’s fiancée was an officer in the Saudi military forces that were on the alert. Souad never thought of leaving Riyadh though it was on the alert as some markets closed down as well as some shops, so, the country became as if empty.

The streets of the country were very gloomy and it was clear for everybody that Riyadh became on the front and it was the first country in which missiles’ attack was filmed. The city people were disturbed on knowing that the Iraqi forces attacked Al-Khafajy where fierce attack took place ending with cleaning the area from the aggressors’ forces. This made Sheikh Sabbah Ahmad Al-Jabir, deputy of Prime minister and foreign minister hail the fighting spirit shown by the Saudi and the Qatari forces while liberating this city. He said, “The participation of forces from the Gulf Cooperation Council in liberating Kuwait strengthened the Gulf relations and their unity in front of the aggressor.”

Souad did not show her pains as usual and she did not reveal her grief over Jassem after the message she received from the homeland by Jassem explaining that her father and nephew were kidnapped by the Iraqi forces and that they were captured. But reasonably, Souad knew how to hide her pains so, she tried not to express all her pain and she would also pray that God would protect everybody and protect their free country, Kuwait.

In fact, Souad believed that God would not let her down and that her father and nephew would come back, thus, she lived with her deep pain while having full control over her feelings. She did not want anyone to realize the pain she was suffering but she was keen to look normal so that she could help others be patient for the reality was horrible, so, they had to act wisely without surrendering to the conditions.

Souad was absorbed in her patriotic work with all her energy and power until she became very busy with it and forgot about herself, but she was worried and afraid as she was. She was obsessed with those feelings of fear about everybody; however, she was trying to hide those feelings so that she would not affect everybody around.

But suddenly she asked her aunt, mother of Jassem, her mother and Laila to allow her to listen to one of the songs of Awad Aldookhi as he would remind her of her father, but they all refused as they were worried about her and her nerves, because they knew she would cry bitterly esp. after knowing that her father was captured, but Souad begged them crying and saying, “You tell me I won’t listen to Aldookhi’s songs. No, I cannot. Do not deprive me of my father, as it is as if you are asking me not to drink tea or eat Hamour. It is as if you are asking me to throw My Lady magazine as it would remind me of Kuwait or as if you are asking me not to see the sea as it would remind me of Kuwait.”

At the end, they could not be as cruel to her as it was clear that she would die if her aunt did not give her the tape. Thus, her mother went to her sister and gave her the tapes, thus, Saad took them and sighed as she was given back life. She took them to her room and listened to all the songs she liked to listen to with her father when she was a child.

After this series of memories, Souad became at ease, so, she had control over herself once more and she enrolled with Laila in one of the committees formed by the Kuwaiti women and that was subordinate to the Kuwaiti-Saudi committee for citizen’s affairs; it was responsible for answering the needs after liberating Kuwait.

One day, her mother entered her room to find her crying, so, she tried to soothe her but it was no use trying to do so as Souad hugged her and went on crying shivering out of pain and saying, “I cannot stand that mother. I lost my father and husband. I cannot stand it mother.”

The mother was moved, and tried to calm her down though she, too, needed someone to calm her down and to alleviate her pains, but she could not do that, for it was Jassem who was talking to the doctors and telling them about the results of his contact with Health minister doctor Al-Fawzan who would give him the instructions re health care that Jassem would convey to the doctors inside the occupied Kuwait.

In fact, Jassem was endangered after the Iraqi forces had known everything about him and he should have left Kuwait as soon as possible. Frankly, many of his friends in the resistance and doctors tried to convince him of that but he refused as he was convinced that his patriotic role necessitated that he would stay there to help the injured who wanted him to stay there under the pretext that they were in dire need for his help to save their lives or maybe they feared he would be hurt while escaping.

Jassem rejected the idea for so long until the reservoir of the drugs that he was keeping in different secret places ran out, and until the equipment and the materials needed to do operations ran out, too, thus, there was nothing that would help Jassem practice medicine. At that time he became an ordinary man with no extra skills, so, Jassem should leave for he would do no help for the injured and for his life was threatened, too.

At last, the two brothers met Abdullah and Souad; they met in Saudi Arabia, so, Souad was somehow eased and she would feel a little bit safe and secured after seeing her brother, his family, Fadila and her mom after they had all arrived safely. She was reassured, too, when she heard news about her husband and her brother Badr telling her that they were O.K. in Kuwait. She sighed in comfort and asked God to increase His Blessings and help release her father and nephew and all those experiencing similar ordeals.

Dalal’s life was threatened, too. The Iraqi forces wanted her, too but she never hesitated to come to Jassem in Al-Rumaithyah and she would beg him saying, “Please Jassem. Leave before they would arrest you and you would receive the same fate of my brother, Adel who is tortured by them all day and night, or that of Gamal who they tortured until he was utterly destroyed, then they killed him in front of my mom. Please Jassem leave, do not give them the chance to torture or kill you. Do not hurt yourself. It is unfair that Kuwait would lose one of its great youth who would certainly benefit it. It is unfair Jassem.”

At that Jassem became weak in front of Dalal’s tears that would tear hearts to pieces, and he said, “O.K. Dalal, do not cry. I am leaving. By God, I am leaving as soon as possible. Take care. Do not return to your home now no matter how you miss Dana. You should not go back now to put your life at danger, please don’t.”

Jassem bid Dalal farewell and he was convinced that she changed and he whispered to himself saying, “Dalal has changed. I cannot believe that she is begging me to leave and saying that I should take into consideration my wife and kids. I cannot believe myself. Has she changed to that extent? Does war change people like that?”

Jassem was absorbed in his thoughts for a while he was wondering about the state to which Dalal reached and wondering how her conditions changed and how events changed her character. He was thinking about her feeling great pains for her after she had lost her elder brother Gamal whom her daughter loved and who was as if a father to her. Also, her brother Adel was arrested and at that time he was being tortured and it was said he saw Gamal at the police station and they were tortured together.

Jassem realized that Badr was calling upon him while Dalal was sneaking to another shelter carefully while dressed in black and thinking of nothing but her daughter Dana of whom she was deprived due to the events though she needed her so much as she was disturbed and her stepmother was suffering the same though the seriousness of the case vary, and even Sana’a was tortured by the pains of her kidney.

Dalal could not control herself, and she could not stop the tears that were flowing over her cheeks for she did not know how to control her longing for her beloved little daughter, Dana. She was about to be eaten with the feeling of guilt towards her.

In fact, Dalal was convinced of her patriotic role and of her duty towards her country and she would not hesitate to do any mission she would be tasked with but at the same time she was a mother who longed for her orphaned daughter who was living alone in a house filled with the ghosts of panic, destruction and torture.

Dalal would imagine Dana living there afraid and panicked with no one to care for her or to drive away her fears and reassure her or soothe her when she would cry, this is because, her sister Sana’a would also panic and she would run to the roof whenever she would hear any sound and then she would think in the water tank.

Dalal knew that her mother and Umm Gamal were not in a good state and she knew that Dana would stay all alone in the house not knowing where to go or with whom to talk or whom she would hug to drive away her fears and to provide her with the feeling of security and safety she needed.

Dalal wept and kept weeping while invoking God that He would grant her life and would make her survive for her orphaned daughter that needed her to raise and take care of her, for there was none to take care of her if she was away. Dalal was suffering in a sea of worries and sorrows not knowing how to console herself.

 

Some of the youth of the resistance conveyed the information to Jassem and they told him that Abdullah arrived in Saudi Arabia safely, and they told him about a military piece of information that there was a Kuwaiti army of 18,000 soldiers who were there in Saudi Arabia as a part of the multi-national forces let alone the 20,000 Kuwaiti soldiers who were there in the front lines. He was also informed that Abdullah his sister’s husband joined the battalion of the Martyr along with his cousin Ibraheem. Jassem also knew that his little cousin joined the air force of the Kuwaiti army that was there in Hafr Al-Baten in Saudi Arabia after knowing that the forces were centered there.

There was no way else Jassem as the wise way was that he would hit the roads leaving for keeping himself safe in that case was a patriotic duty that he should perform, but how to leave while all the ways were watched and the control points were there all along the roads? There were 100 meter between each control point, so, how would he survive esp. as Jassem was wanted and he was famous as he was a sports’ star and his pictures were known to everybody.

He should play a trick then, and Badr the one who would work miracles should interfere to put a perfect plan that would guarantee that Jassem would leave safely and would come out of that hazard that was endangering him safely esp. after they had known that the invasion forces were looking for him everywhere, as they want to arrest him as soon as possible and after they spread publications about his features including pictures of him that were distributed to all the control points, so, it was impossible for him to leave.

Badr came up with a brilliant idea and the circumstances as well as the conditions helped him in that, for Abdullah, his brother, had forged many IDs one of them was of an officer in the Iraqi Special Forces that he used when he saved Jassem and the youth of the resistance before in Kifan.

Abdullah was very skilled at that and this was proven as he forged many IDs for some of the wanted figures by the Iraqi forces that could not reach them after having those forged Ids and after they had assumed new characters of simple ordinary men who were not the focus of the forces.

Badr set a perfect plan and he did not want to talk about its details to anyone for the Iraqi forces were attacking the youth of the resistance and they would kill anyone whom they would suspect, and the execution would be in public arenas, so, there was nothing that would stop him as the Iraqi forces were attacking the houses frequently and the would break into them and would blow up buildings on their inhabitants.

Thus, he had to leave before they would arrest him for time was not playing for them at all. This was what preoccupied Badr most and this was the greatest challenge to his abilities as an artist who mastered the art of mimicking and imitation as he was also creative and able to do that in any way. It was almost the only challenge in Badr’s whole life to infiltrate the borders safely along with Jassem in spite of the restrictions and the extreme security measure on all the roads, the bridges, control points and passage points.

Badr arranged everything and Jassem surrendered to his will and that of the youth of the resistance, so, he rid himself of anything that would refer to his real identity and wore a different kind of dark clothes and tied a red shawl to his forehead so that no one would think that he was a sport’s man or a footballer for his picture was almost known to the officials of the occupation forces who distributed it to all the control points.

Badr tried also to change Jassem’s features a little but all his efforts were in vain as the make up he used in that ran out. What a bad luck? They had to leave Kuwait as soon as possible and they had to save Jassem for the news plagued everywhere that doctor Jassem al-Nasser was wanted by the Iraqi forces as he was one of the main heads of resistance.

It was a tough challenge as Badr had nothing of the disguise materials to use in saving Jassem or to change his famous features that were known by heart for everybody, thus, they had to think of another way.

Badr asked for a chicken, a rope, a piece of wood, and some papers. He slaughtered the chicken, put some of its blood on Jassem’s face and clothes, then he tied his hands behind his back so as to look as if he was coming out of a torturing room, then he used some of the black color that resulted from burning the wood and the papers. How brilliant of you, Badr.

Badr wore the clothes of the Special Forces officer with his ID while Jassem was thrown in the black Mercedes with the military plates sleeping on the back seat pretending to be weak and suffering out of the pain caused by the shaking of the car. Badr came near the first point of control and he did not care to stop, rather, he looked into the soldiers’ eyes and continued moving with the car while they were saluting him militarily and in reverence.

That way Badr passed many control points and luck was with him all the way as all those who stood there were nothing but ordinary soldiers who would blindly obey the officers of the Special Forces of the Republican Guards. Those officers’ orders were not discussed and they would not be questioned in any situation. Thus, they only had to obey them blindly without thinking of refusing to obey their orders no matter how strange those orders were. They only had to obey, for the least in rank must obey those above.

But there was a control point where there were some of the ranked officers among whom there was a lieutenant, a lieutenant general and a brigadier. They were stopping many cars on the way and Badr stop for a while during which one of them came and stared inside the car.

The officer stared at Jassem’s face as he was laying while the officer was checking some papers in his hands; the officer was shifting between the papers and the Jassem, then the officer called upon the officers calling them to approach the car, then he examined Jassem’s features whose features were published and distributed to all the control points all over Kuwait as he was wanted dead or alive.

 

 

 

 

 

 

Chapter 26

  Bleeding love

Badr trembles with anger quickly opens the back window, where the officer was bending and staring at Jassem’s face, in a quick move Badr turns to him still leaning towards the car, spits violently on his face, he backs off at once in fear, moving back fast. The other entire officers freeze, no matter what their ranks, they don’t dare to approach the black Mercedes driven by the young intelligence officer, who belongs to the Republican Party, whose members are very close to Saddam Hussein.
Badr starts the car, barely manages to drive through the numerous cars all around him, sounding the horn with its loud disturbing confusing noise, and eventually puts his foot down, driving the car as fast as possible. Miraculously passes all the other checkpoints, in the very same way, by sulkiness, swearing in a perfect Iraqi dialect, spitting on others faces, and so on, until the car makes it to the desert, where Badr knows the road by heart.

And at this point, Jassem jumps from the backseat to the front, hugs Badr strongly, happily, and with gratitude. The two of them share a brotherly warm hug full of all kinds of human feelings that is hard to describe, or explains, or justify…God does as He will… Thank God…
Then, Badr stops the car, gets out, opens a couple of water bottles, pours it so Jassem could wash up and clean the blood off his face and hands, and changes his clothes covered with the blood of the slain chicken.
Before the car makes it to Al-Salemi’s checkpoint, Badr doesn’t forget to change the Iraqi intelligence officer’s clothes, and throws it in the desert, letting it be covered by yellow sands carried by the wild wind of the winter, and along with the clothes he throws the fake identity, and gets back his real identity, a Kuwaiti young man, who adores Kuwait, and ready to sacrifice his life for his home.

Jassem makes it to the kingdom of Saudi Arabia, where he’s finds love, serenity, passion, and warm welcome. He and Badr meet the family in Naive’s house, they all meet there, and tears start falling, feelings are let out as there’s no space for keeping in the sadness, sorrow, and pain. Everyone weeps over the grave disasters that befell them, like Faisal’s death, the capture of Mansour and the good fellows, Abdullah’s and Jassem’s fathers.

In fact, that bewildering passionate meeting was heart-breaking, affectionate, and touching. Sadness was overwhelming everyone, everyone was crying in a heart-breaking way. No one managed to stop this sorrow from taking over all the feelings, no one knew. No one could! Even Naïf couldn’t keep himself out of it; he too shed tears as he saw the warm hugs between Abdullah, Jassem and Badr who met after a long painful separation.

After everyone calmed down, doctor Jassem bids doctor Naïf farewell, as he does the same with everyone in the house, including Souad, who hoped and wished to live all her life with Jassem with no farewell.
But it’s the war, and the current crisis that is affecting them all, hurting, torturing, tormenting, and separating them. Now here it is, the crisis is separating Souad and her husband, her beloved one who she barely believed she’d see him again after all the separation, fear, and agony.
The little ones suffered as much as adults because of this war, here they are standing in bewildered sorrow, confused and moved by leaving their father, they gather around him, hugging and kissing him, while Jassem tried to look happy, and overwhelm the sadness inside him. He takes Rakan between his arms… Rakan was crying. He wanted to go with his daddy, after he felt he was leaving the house, and leaving him again.

Anwar was also sad about leaving her father while asking him for something as a present for her incoming birthday, she says: “Daddy, please make Saddam let Mansour go to be at my birthday, tell him Anwar is telling you that she wants Mansour, why is he keeping him?! Tell him to let go of my grandpa, your dad. And mom’s dad too, so she’d stop crying. Make them all return, don’t forget daddy. Ok? Jassem kisses her passionately saying as he leaves: “Okay. Whatever you say sweetheart.”

As for Ahmed, he was standing there silent and gloomy; he knows his dad was going to fight a hard war against a merciless brutal enemy. He prayed that God would watch over him, and make him return safe and sound, and victorious.

Ahmed doesn’t forget to give his dad a version of the Koran that he bought for him specially. Hugs him so hard, shakes his hand, bids him farewell as he’d do to a hero.

Jassem leaves to his meeting with the secretary of defense Sheikh Nawaf Al-Ahmad, who tells them that the Kuwaiti army has almost finished preparing two brigades for the liberation battle, and that one of them is already stationed at the Kuwaiti borders. Jassem joins one of them as an army doctor, while Badr and Abdullah joined the Kuwaiti public resistance, who were getting military training in preparation for the liberation battle.

Days pass by, rather still, days moved as slow as a one legged turtle that is lost, without a destination or a direction. Everyone suffered the slow pace of days, that no one could tell when do they start or when do they end… No one knows what the days could bring unto them.

 

The women stays at home in Riyadh wearing black, soaked in anticipation and tears, while the men were at their posts full of hope, waiting, looking forward for that day when they’ll participate in liberating their land, and freeing their home from the vile occupier, and give justice back to their homeland.

As the days pass, the hope grows larger as it embraces people’s hearts, they become full of warmth despite the cold winter that was so chilling that year. Yet, hearts still longed for making the dream come true by getting rid of this abominable occupation spreading evil all around it, sowing betrayal, injustice, and aggression, and grows the thorny walls of pain, transgression, and agony.

It’s like ropes strangling one’s freedom, imposed barriers between one and the beautiful dream of liberation, deliverance, and salvation. It’s the everlasting sweet dream, that humans would once again be that humans.

The night comes, bringing along obscure darkness, creeping all around, making the winter colder still, and the gray skies become darker after oil wells were burnt. Six wells were burnt in Al-Ahmadi as a drill for burning wells, and then it escalated until eventually 618 were burnt, 462 of which were totally destroyed.

Oil flows because of this havoc from 77 wells, the water of the gulf now has over 200 oil lakes. With thickness that varies between 10 centimeters to 2 meters. Dear God. What treachery is this! How can one do his brothers wrong that much! How painful it is when man is full of animosity that he burns the fortunes of prosperity and flourishing!

The smell of burnt oil starts surrounding people that it’s almost suffocating them, bunkers and fortifications are built all over the Kuwaiti coast, while explosive mines are planted in the desert! Everything was painted black, it’s all dark, and electricity is gone, night and day are equally cold and dark, and what made life harder was the lack of water, and the continuous unlimited fear all the time.

Dalal was in such a pitiful shape after her brother Jamal died, and her other brother Adel disappeared, she didn’t hear anything about him since the day he went to her house to bury her grandmother. Adel disappeared, along with all the guys who accompanied him, whom never returned to their parents. Yet she heard some rumors that he was transferred to a prison in Basra after being tortured in Hawli’s police station.
It wasn’t only Adel who has been tortured; Dalal was tortured too by her sister Sanaa’s illness. She suffered from tormenting pain in the kidney due to her constant exposure to wetness in the tank above the roof, whose water was almost freezing because of the chilling winter. Truly, Dalal too was suffering because of the terrible health conditions surrounding her, that got even worse after Jassem and Badr left for Saudi Arabia.
Dalal went through very hard days after they left, she constantly lived in horror and fear, she was accused of spying on the invading troops stationed at “February 25th high school for girls” in Al Rametheya, and she was also accused of trying to smuggle arms to resistance forces over there. She ran out of the house, and hid again in Bayan district, after knowing that the Iraqi forces are searching for her in particular. It was impossible to continue staying in her house in Al-Adeleya, after all the men left, and women were left all by themselves without a man to protect them.
God is there. God is with us.

 

After days and weeks has passed in that chilly winter, and after all attempts to persuade Saddam Hussein of withdrawal and sparing the bloodshed, and after the deadline for the warning was at hand… Dana wakes up one day screaming in fright and horror, because of the explosions that were starting to outburst all over.

 

Fear was dominant and overwhelming; fires erupted in hotels and schools that were used as a special forces’ ammunition depots. It wasn’t only Dana who was in fear; everyone in the house had the same feeling.

 

Evidently, no one slept in the warning day. Resistance was still fighting till the last minute, defiance continued; walls were still full of patriotic slogans that were written overnight to blind the eyes of the aggressors by daytime tormenting them.

 

Kuwait is for the Kuwaitis, no ruler but Jabir, our Kuwait is free

All for Kuwait and Kuwait for all of us. Long live Jabir and Saad

O Kuwait, your pride is ours, and Kuwaiti is my name.

We’ll die for Kuwait, God, Country, and the prince.

 

Night falls again, and the will of a free proud nation rises, rejecting aggression, refusing to yield f

or humiliation. A nation that knows no despair, a nation that would rather die so that the country would live. Long live Kuwait. Long live Kuwait…

 

Despite the darkness, the walls at home still glittered with words of light, right, and hope. Electricity is cutoff, candles are lit, hearts sparkle, gleaming with the light of faith. God is the greatest. God is the greatest.

 

Rain, cold, bangs of machineguns continued to rattle the ears, haunting souls with its noise. Night knows no cries for help, it only knows the explosions, the scattering noises that trembles the earth and buildings, shaking doors and windows, and frightening everyone.

 

Dana’s cries become louder and louder, become tormenting and haunting as she runs after Dalal’s mother all around the house, searching for a shelter as they do, for a place to hide. She’s too scared being away from her mother, her mother that doesn’t dare to come home for her, take her in her arms, comfort her, solace her, take her fear and terror away.

 

As for Sanaa who cared and loved Dana, she was still hiding over the roof, surrounded by darkness in the night and in the daytime, raindrops falling on her greasy and slippery because of the burnt oil. She too is scared, can’t go down to the house in fear of detention by Saddam’s soldiers, who knows no mercy, and would even rape her.

 

Black clouds of burnt oil rise, the ruckus of military vehicles and tanks is heard as they moved in hysterical chaos, after Bush’s final warning that was 48 hours long, and it was going to end by midnight, this very night… and what a night it was!

 

The commander of allied forces General Norman Schwarzkopf and his Royal Highness field marshal Khaled Ibn Sultan Ibn Abdul-Aziz commander of the allied forces trigger the attack signal to wage the multi-phase ground attack to liberate Kuwait.

God is the greatest. God is the greatest.

 

The liberation battle starts; everyone hears the sounds of guns, bombs, and the barrage. The American fleet bombards the Kuwaiti coasts. The marines and the allied forces start penetrating the Iraqi defenses, while the air force is flying all over Kuwait.

 

The allied forces penetrate the eastern area, and the marines move to the west, the first Iraqi defense line falls without showing much resistance. The battle goes on, and the fear erupts that these forces will be targeted by Iraqi artillery. Before the nightfall of February 24th, these forces manage to penetrate the second defense line, while the Iraqi artillery continued the bombardment.

 

The biggest ground battle in history continues. The ground attack to liberate Kuwait goes on… Jassem proceeds along with the allied forces in his military uniform, and his finer on the trigger, while Khaled his cousin flies in one of the air raids to bomb Kuwait, with tearful eyes and tormented heart, he’s bombing his homeland. His tears are shed as he greets Kuwait below him. He wishes to kiss its soil, to lay his foot on its dust after the long separation, and out of deep love and yearning.

 

People shed tears in happiness and joy, the cheers for liberation war mixes with weeping and crying. People sit in shelters listening to broadcasts from all over the world, while the children cheer for seeing fighter planes bombarding the enemy, waging the war on the aggressor. Thank God. Thank God for everything there’s a time, and for every aggressor there’s an end, no matter how long it takes.

 

In these crucial hours, the third Iraqi legion withdraws to Kuwait city, and combined with the occupation forces already in the city, they start robbing and plundering. Military vehicles and buses move all over the city, detaining people in the crowded parts of the city.

 

The Iraqi occupation forces kept destroying the governmental institutions, public buildings, and the House of Representatives while the Iraqi military vehicles kept pulling back along the north highway that became a road of death due to the strong bombardments and strikes.

 

The spokesman of the allied forces, general “Richard” says that the Iraqi occupation forces has carried out a series of executions during the past few hours, many Kuwaitis were put to death, especially those who were tortured, and that is to hide any evidence for torturing operations.

 

The bombardment continues as Sanaa watches its flashing from above the roof, crying still praying from the bottom of her broken heart. Here she is, widowed, after the death of her husband the officer, he died in the army camps battles in Jiwan when the enemy invaded Kuwait, and now she’s getting sick because of her kidney.

 

She continues to pray with a broken heart, asking God to grant Kuwait victory, and freedom, and lay mercy on her brother Jamal, and give her back her brother Adel, and give her health and recovery from this pain she’s suffering from her and her mother, and her aunt, she prays that God would protect Dana and her mother, her beloved sister Dalal.

 

The sounds row louder, a loud noise and ruckus is heard right outside the house, more sounds of military vehicles is heard, and the voices of defeated soldiers calling out for one another in bewilderment and bafflement vehicles start moving in a chaotic hasty way.. Dalal’s mother kept watching from her place behind the bedroom window curtains in the second floor, then goes down to the yard, then runs inside again in fear of being hit by shrapnel of the continuous bombardment.

 

In that moment, Dalal was in Bayan district still in her hideout, not knowing what to do. She was almost dying out of fear for her daughter Dana, and her conscious as a mother is tormenting her for leaving her daughter in such a crucial time. Oh, Dana must be frightened now. .she is for sure she doesn’t know what to do. She doesn’t know!

 

Dalal falls to a hysterical crying fit. Oh, why did she remember Jassem in that moment? She doesn’t even know what kind of a feeling does she have for him now, its not love for sure, and not craving, and then what could it be? Why is she thinking of Jassem in that time in particular? She doesn’t know. Maybe because Dana loves him, or maybe because she needs him as a replacement father to give her passionate fatherly support and care, such a feeling that she needed so much. Maybe because having a strong responsible man beside her in that moment was the thing she needed the most in those crucial moments, especially when remembering the death of her brother Jamal, whom Dana loved so much.

 

The weird thing is. that in the very same moment, Souad was thinking of Jassem as well, thinking of how much she needed him, and how much his children need to have him with them. They started seeing the news on television, the reports about the battle were broadcasted continuously, reassuring and calming them, raising hope, and diminishing fear, anticipation, and worry.

 

Laila prays from the bottom of her heart that her home would be free once again, and prays for the protection of the heroes fighting this battle, praying they’d all return home safely by the will of God by the will of God. Laila prays for everyone, and for her fiancé doctor Naïf who’s carrying out his patriotic duty of helping the injured in the battlefield. Naive’s sister Masha’el was praying too, wishing everyone would return safely and that war won’t take them, praying that God would protect her fiancé the officer in the Saudi ground forces, hoping he’d return to her safely.

 

The time passes slowly, and everyone is in anticipation for the decisive moment, hope embraces the souls that long for it, wanting it so much. The moment they waited for was so crucial; it’s the moment of liberating Kuwait. Everyone trembled waiting to hear the news. It’s the precious wish that has all the dreams of the frustrated ones. It’s the anticipation for the happy days and the new hope… and what a suffering it is to wait!

 

Everyone waits in anticipation for the news that would make them alive once again, minutes pass and hearts pound with them. It’s this unexplainable strength that is seen in time, the strength of faith and the certainty that rights will be returned.  Thank God. Thank God, the Lord of the universe.

 

Kuwaitis keep listening over and over again to the speech of his royal highness, the prince that he gave on waging the liberation war. Hearts are filled with joy, and happiness, they keep listening to his words when he addressed the Kuwaiti people, “Dear brothers and sisters, Now we have to look for the future with hope, let our hearts be filled with faith, and our souls with confidence, and let us become one hand that would build Kuwait again, full of light and good, spreading love, brotherhood, and peace in all its land, and amongst its friends. May God Almighty show us the right path, for He is Lord, and He is the grantor of victory.

 May peace and blessings of God be with you”

 

     The battle continues with all weapons and ammunitions. Counter artillery of the enemy bombs the troops advancing to liberate Kuwait, among them there was Jassem moving forward full of joy and love, full of hope, enthusiasm, and pride. He was honored to take part in the liberation battle. The battle goes on, and seconds lingers becoming more like years.

 

In Riyadh, everyone sits and follows the battle events’ news, full of worry and anticipation, still. Souad falls asleep for a while, she was too tired and exhausted, and didn’t sleep for a long time, then she wakes up frighten, full of tears, and trembling so hard, feeling she’s almost suffocating. Her heart trembles, ad a mysterious terrible fear fills her vague terrifying feelings that she doesn’t know their source haunt her, and every bit of her is full of worry and overwhelming sorrow that is more like a burning fire. She cries out, “Jassem, Jassem, something went wrong, something went wrong!”

 

A short while after that, doctor Naïf comes out from the doctors’ room in Riyadh military hospital headed for carrying out another surgery for those wounded in the battlefield.

Yet, doctor Naïf pauses in bewilderment and amazement to that wounded face soaked in blood, covered with bandages that still showed a bit of his features. That man lying before him was his close friend… Jassem Al-Nasser!

 

 

 

 

 

 

 

Chapter 27

Stars of Liberty

They were sudden and crucial moment. Yet Naïf gets himself together quickly, gives instructions for the preparations of the surgery, and summons many assistant surgeons to help him during this long procedure to extract the shrapnel from Jassem’s body.

It was a very long procedure, Jassem was doing his bed to save the life of his friend and comrade, shrapnel was scattered all over the young body, the muscles were ripped, and many wounds were caused even a vertebra was injured.

It was one of the most complicated and dangerous surgeries, because the risk here was much bigger, tension increased because the wounded is a dear, close friend one of the best friends Naïf ever had.

Jassem was wounded gravely in the battle due to the explosion of a shell fired by the Iraqi artillery, which spread shrapnel in over 20 places in his body shedding his blood.  Luckily it wasn’t lethal because he wasn’t in the effective range of the explosion, but it affected his hands and legs, gave him a temporary paralysis, kept him from using his hands and legs properly.

Despite his wounds, he pushed himself and tried to continue his duty of helping others, but eventually his endurance led him to giving up, and made it indispensable that he’s to be given medical care, after he used to give it to others.

Her colleagues carried him to the nearest sandbag wall, and called the headquarters for an ambulance. The hazards of being hit by the enemy fire didn’t affect them at all, for all they cared for was saving their physician friend whose skillful fingers have always helped in saving and curing their comrades wounded in the battlefield.

Eventually, they managed to get their friend to the nearest medical post, where he was given first aid, and due to the severity of his wounds, he was transferred to the nearest hospital.

 

Jassem was taken on a medical helicopter to the base hospital, and then transferred to the military hospital in Riyadh. The doctor who was with him called to report the case before they arrived and he was unconscious because of the continuous bleeding.

The helicopter lands, Jassem is transferred by ambulance to a trolley that takes him to the operation’s room, where his close friend Naïf saw him, and later on performed that complicated surgery, during which it turned out that most of the shrapnel penetrated the nerves. After the examinations it turned out that he needs many surgeries to extract the shrapnel and suture the nerve to stop the inner bleeding, also to make sure the liver and the spleen weren’t ruptured.

Naïf comes home in his military uniform, everyone hears the army jeep coming, he walks in quickly and sulky. Souad gets goose bumps expecting to hear news she never wished to hear, and her thoughts haunted her, frightening and terrifying her. “May God make it well. May God make it well.”

Everything is turned upside down, the word is spread like fire in the hay, everyone knows that Jassem Al-Nasser was wounded severely, and that he’s almost dying in these moments, in the intensive care room in Riyadh military hospital.

Actually, the surgery performed by doctor Naïf was very difficult, and required a lot of skill and capability, he extracted over 20 of the shrapnel in Jassem’s body, yet some of it couldn’t be extracted, and he agreed with his colleagues on leaving them as they were, so they won’t cause Jassem more pain, till the right time comes for extracting them.

Doctor Naïf left some of the shrapnel after agreeing on that with his colleagues, because they thought that’s the best thing to do given Jassem’s case, although they knew leaving them might cause some side effects and cause Jassem paralysis for some time, but they thought it was the best thing to do, because extracting them all would be too much for his abilities, and might even kill him.

Yes… doctor Naïf was able to give the maximum medical help possible, and after he felt that he’s done all what he can for his friend, and that there’s nothing left to do except waiting for the physiotherapy to strengthen the back muscles that the orthopedic consultant thought was necessary, doctor Naïf started to make the arrangements for that in a specialized hospital in the united states.

With the courtesy and calmness of a faithful friend and doctor, with no exaggerations or over-reacting, Naïf told Souad about the Jassem’s medical status as it was stated in the medical report he gave her. She took it with trembling hands, and hardly started to read:

 

Medical Report

Name: Jassem Ahmed Al-Nasser

Nationality:  Kuwait

D.O.B: 28 October 1955

Martial status: Married

Diagnosis: ………

Souad was reading the diagnosis that included Jassem’s examinations, including the computerized topography (CT) on dorsal and lumbar vertebrae results, while she started crying, tears filling her eyes that she couldn’t read but one horrible word, paralysis! Paralysis! paralysis!!

Doctor Naïf advises Souad to stay by Jassem during his treatment in the states, he explains how necessary is it that she stays with him during that time, because he’ll be in need for that tenderness that only Souad could give, especially that he’ll know very soon he became unable to continue carrying on his duty, and helping his fighter friends.

Evidently, Jassem didn’t realize the severity of his injure in spite of being a doctor, he didn’t realize his mental status, so he told himself often that he’d soon be walking again, and he’d return to carrying out his duty towards his fellow warriors, yet he was shocked to discover he can’t move his feet, his lets, and even his fingers.

In that time, after the word about Jassem was spread, prayers have been invoked by people who loved Jassem more than they loved themselves; everyone prayed that God may grant him health and long life. Souad’s tears keep falling like raindrops, sorrow is mixed by weeping and hopes, prayers are prayed in tears and crying, everyone is praying for Jassem to make it through this hard time, the elderly and the children.

Sorrow mixes with joy, as Kuwait was being liberated, recovering, getting rid of the aggressors’ traces, and Jassem is still lying unconscious, unable to witness the joy of freedom for which he yearned for from the bottom of his heart, and that he wanted to participate in, but. Fate had other plans, for here he is, lying in bed, crippled and paralyzed, unable to move a muscle.

Strange contradicting feelings, varying from deep sorrow, and fear for Jassem, to comfort and thrill for Kuwait’s liberation from the enemy, the enemy that was defeated and withdrew, after all Arab and international media broadcasted the news, and after the Iraqi regime president ordered his army to withdraw from Kuwait at once.

God is the greatest. God is the greatest. The news is too good to be true.

Broadcasts are repeating the news,” The Iraqi president has ordered his army to withdraw at once from Kuwait.”

God, Country, the prince. God, Country, the prince

Long live Kuwait, Long live Kuwait.

Dalal bursts in crying as she hugs her mother, who couldn’t stop uttering trills of joy, while Dana kept twirling laughing and crying in the same time, and Sanaa kept reading Qur’anic verses for her martyred husband and her heroic brother whom she could still recall the scene of his blood on the floor. Her mother couldn’t speak or move, yet she kept crying and weeping.

It was a sleepless night for everyone, everyone wants to make sure the word is true, but for their detriment, all phone lines were cut off! Everyone stays up that night in anticipation, and then the dawn comes the dawn of freedom, deliverance, and victory! The sun rises shining with joy and freedom, the sun of life.

Neighbors knock on their door shouting and cheering loudly in genuine joy. Kuwait is free. Kuwait is free! Thank God. Thank God.

Dalal, Sanaa and Dana walks out and joins the neighbors who gathered in the street and in the yard to exchange congratulations for the liberation of their country, raising flags, pictures of the prince and the crown prince, slogans and cheers are uttered from the bottom of their hearts. Long live Kuwait. Long live Jabir. Long live Saad.

Days pass and Dalal gets soaked up in working for a crippled care institution, she follows up on Dana’s case who got stutter because of the war tragic events, she needed medical care. Dalal was also busy following up on her mom who was found to be emotionally unstable, and needed to be admitted into a sanitarium for treatment as soon as Kuwaiti hospitals regain their lost equipments, and become functional again.

Dalal herself was in need to get herself together after this hard time; it affected her drastically, and changed her all over. And now that it was over and everything is getting back to normal, she needed to patch it up.

In deed, everything was getting back to normal, arrangements were taken to return the Kuwaitis outside the borders to their homeland, and life was getting normal again after the ultimate cease fire in the gulf war.

In Saudi Arabia, his majesty king Fahad Ibn Abdul-Aziz receives his royal highness the crown prince and the Prime Minister Sheikh Saad Abdullah Al-Sabbah and says, “The recent events have proved that Kuwait and Saudi Arabia have amiability and friendship that never changed, yet strengthened by these events, and will grow stronger than it ever was.”

    While his royal highness the crown prince and the prime minister confirms how proud is Kuwait– both government and people- of the Saudi king’s stand from the Iraqi aggression on Kuwait as he says, “The relationship between Saudi Arabia and Kuwait will grow closer and stronger in all fields, economical, military, political, and security fields.”

 

Truly, the war witnessed heroic stands that will go down in history, and here it is Desert Storm is evidently a legend of the allied forces’ heroes. So said the vice commander in chief general Khaled Jabir Al-Sabbah, who raised the Kuwaiti flag on the first portion of the Kuwaiti territory that was liberated, which was Al-Noayeseb, a Kuwaiti border checkpoint in which the Kuwaitis prayed to thank God, embraced the land whom they yearned for and wished to lay foot on once again. Thank God… Kuwait is back… Kuwait is back.

That was what general Khaled Jabir Al-Sabbah did, who took part in the military operations that set Kuwait free, with the leadership of general Schwarzkopf, and his royal highness field marshal Khaled Ibn Sultan Ibn Abdul-Aziz, whose attitudes throughout the war reflected the humane, religious, Arab stances. Alongside other leaders from Britain, France, Egypt, Saudi Arabia, and other friendly countries of the gulf@, whether in the operation room, or elite commanders, or in the planning and preparation phase.

Native Kuwaitis who participated in this war had a major role, for everyone considered martyrdom as a patriotic duty, and the joy was overwhelming and indescribable when the allied forces advanced and embraced the Kuwaiti soil, where the Kuwaiti flag was raised in a magnificent celebration downtown, with the participation of the Kuwaiti armed forces, who sang the national anthem with the people who gathered to express their joy, clapping, shouting, and cheering in overwhelming bliss after the victory.

The Kuwait flag is raised in Al-Safa court, where the allied forces entered Kuwait accompanied by the Kuwaiti national resistance forces, among which Badr, Abdullah, and their cousin Ibraheem stood amidst the cheering of the numerous crowds that were overwhelmed by this great victory. Thank God. Thank God.

Cars kept moving expressing joy every where, waving the Kuwaiti flags raised unvanquished under the Kuwaiti sky, and the free waters of the gulf embraces the Kuwaiti soil, congratulating the people… a marvelous picture of happiness given to hearts that waited for that moment for so long. The moment when the homeland would be free again, the moment when men would utter the call for prayer in bliss:

God is the greatest. God is the greatest.

Thank God. Finally the dream has come true, the dream of returning to the free Kuwait. Khaled was one of those who dreamt of returning to the free homeland, he sensed his home from above despite the dark clouds surrounding his fighter plane. He was in tears dreaming of the moment in which he’d lay foot on the homeland again, the land for which he yearned for so long while flying above it, bombing the posts of the aggressing enemy.

Unfortunately, his long awaited dream never came true, his plane was lost during a raid and never made it back to the airbase, and he was considered missing in action that sacrificed his life for the country.

And on the home land, the real love connecting people sparkled, in a moment of genuine and honest love, an overwhelming amazing moment in which men were cheering and rejoicing, while women kept uttering trills of joys spreading bliss, happiness, and hope.

Kuwaitis gathered and joined the allied troops by the American embassy, took pictures with the soldiers, gave them souvenirs and candies while the flags of Kuwait and the United States were raised. It’s the greatest joy ever. Thank God. Praise be to God.

Everyone is happy, everyone is rejoicing, but. Sanaa was still in tears, she can’t keep her feelings in, she bursts in tears, runs towards Saddam’s picture shelling it with rocks, crying over her elder brother Jamal who was killed by the tyrant’s soldiers, and her younger brother Adel who was captured by Saddam’s demons. During all this sorrow and grieve, Sanaa looks up to the sky, praying and wishing that God would protect Kuwait, and the people of Kuwait.

Cheers continue, and parades go on, moving all around full of joy of liberation, the spark of joy moves to many Arab and international capitals where Kuwaiti natives gathered expressing their joy, coming right out from the bottom of their heart. Thank God. Kuwait is free again. Thank God.

During that time in which joy of liberation overwhelmed most of the Arab and international capitals, a tremendous gathering of Kuwaitis and Egyptians paraded in Arab League Street, in Al-Mohandeseen, Cairo, alongside many other Arab nationals who joined the Kuwaitis in their rejoicing. How sweet are the happy moments!

Everyone in the avenue was competing in cheering, dancing, singing, raising flags and slogans, and Jamal’s father was among those cheering for the liberation of Kuwait. Waving his shawl in one hand, dancing, and in the other hand waving the Kuwait flag, forgetting his grieve for his two sons, the martyr Jamal, and the captured Adel.

Despite sorrow and grieve,   joy was so overwhelming and astonishing. Happiness embraced hearts giving them hope that thins will be made right once again, and that tomorrow will be full of love, giving, happiness, and prosperity.

The joy for liberating Kuwait was still expressed in all streets of Kuwait; the Kuwaiti flags were raised high in Al-Safa court, waving under the sky of the homeland, above the heads of the nation’s sons, and the nation’s friends, the courageous men who liberated the land, and the people.

In those sweet decisive moments, all voices unite, sings from the bottom of their heart those genuine words:

O Kuwait, my homeland, May you always be glory

For in your features I see the gestures of joy…

O land of the grandfathers, who wrote the legends of grandeur…

That the stars called out, praise to God. What Arabs they are…

Mounted the stars to the eternal heavens.

O Kuwait, my homeland, May you always be glory

For in your features I see the gestures of joy.

 

 

 

 

 

 

 

Chapter 28

Haunting Torment.

Dalal walks into her house in Al-Salemiyah. She looks in silent gloom and sorrow to the dark mute walls, and the remaining furniture scattered all over the place. Dalal stares again at the floor, recalls her mother and her grandmother, and what happened to them. She remembers how they looked after this bloody incursion. Despite the chilling winter, her face drips with hot sweat, she wipes them with her trembling fingertips, the drops fall on her skin, as if it’s drowning her in a flood of aching memories that she can not bear. Her tears start falling, and she just doesn’t know how to stop them.

Dalal stands still. In fearful solitude she watches the wide hall, feeling it as a small metal box, squeezing, crushing and shattering her into pieces, though she knows these walls no longer belong to the occupiers, and that they’re freed from Saddam’s demons, those merciless villains who made the house a dungeon for torture, horror, and humiliation.

Yes, even the air in the house still carried the tormenting memory.  Oh, what unbearable surroundings! Fear was still in the windows, doors, and walls! Dalal looks in despise and loathe at the broken chairs, the smashed sofas, and the burnt torn curtains, she looks around having this feeling she must change all this furniture that carries the memories of the occupation. The remnants are still full of pain, distress, and deep sadness.

Indeed, the traces of occupation, the tormenting aggression, and the mortifying humiliation were still there haunting one’s soul and aching the heart. The remnants are still there, even if whatever caused the torture is now one, here are the empty vials, that only God knows if they were full of morphine or Aids! And here are the razors and cigarette butts spread all over the place, alongside sharp knives, wires, plasters, and shreds of torn clothes stained with dry blood. And here are the ropes they used to tie the captives up! Here are metal rods, iron handcuffs, broken glasses, and the list goes on and on.

Dalal runs to the bathroom, throws up, vomiting all what’s in her stomach. She rests against the wall, catching her breath still feeling disgusted that her stomach is aching and her head is almost bursting, she looks around her in despise, and discovers dirty buckets full of even more disgusting and tormenting things. They were full of teeth, nails, hair, and black stains of dry blood covering the bathroom tiles, staining its yellow walls.

Dalal grows fainter and sicker, she gets goose bumps, her body shivers in horror, and the cries of torture and pain aches her heart as she imagines her brother Adel shaking in pain and torment with his comrades, right here in her house!

She gets even scarier, as she sees ghosts of torture twirling around her, wrapped in darkness, blackness, wires, and blood. Filling the entire place that once used to be a cheerful happy house, and now it became a dark scary dungeon. A dungeon so soaked up into darkness and horror, flooded with tears crushing all what’s human.

Dalal tries so hard to fight this horror haunting her in this horrible moment; she summons all her patience as she thinks of a way out from her current crisis. She must return to this house with her mother and daughter now that the war is over. Yes, everything must return to the way it used to be.

Then, with all the silence and darkness, Dalal feels the burden of loneliness, the horrible memories, the deep loom, and fear of the dark. Grieves flood her, and the ghosts of torment haunt her. She shivers in fear, and another horrible thought haunts her.

Yes, Dalal shivers in horror. Her body shakes from just imagining this horrible thought that took over her and controlled her in that bloody moment, she wondered in terrified madness, “Maybe mom was right, maybe grandma woke up after we left her alone in the house! Maybe she kept searching for us, not knowing the way, not knowing where we are!”

Dalal breathes out in gloom, talking to herself, “Maybe she woke up from the diabetic coma, and when she saw the Iraqis she swore at them. Maybe they’ve beaten her and took her with them! Oh dear, I don’t know. I don’t know. But I’m just so worried about her. Yeah, maybe mom is right. We should have made sure she was dead before leaving her alone! But, we were afraid, confused, we didn’t know what to do or where to go. We didn’t expect that her body would vanish like this; we didn’t think Adel won’t be able to bury her. We didn’t see all this coming. By God we didn’t!

 

Dalal sinks into grieve as she floats with her memories, she evades it by looking at her reality now, the cruel reality that is now showing its true colors to her. A merciless cruel reality that forces her to yield, a reality that needs to be reconsidered, to overcome its cons, and find any pros it might have.

Oh, how long has it been in that crisis of hers? she looks at her watch and comes to her sense, sends her ghosts away, stands with her eyes closed, with her eyelid shut, and her tears still falling, she invokes God for protection from the devil, she reads the Qur’anic chapter of Al-Naas: “Say I seek refuge in the Lord of mankind, the King of mankind, the God of mankind, from the evil of the slinking whisperer, who whispers in the hearts of mankind, from among jinn and mankind”

Dalal looks up, evades looking at the dark walls around her with her tearful eyes, she walks out the door to the road, drives her car to the Kuwaiti Red Crescent association, where she meets her psychiatrist… Doctor Naguib, from whom she asks help and consult about her mother, her daughter, and her brother Adel who returned from capture after Iraqi opposition troops freed him, and let him off with a large number of prisoners in an Iraqi prison in the aftermath of liberation war.

Doctor Naguib arrives according to his appointment with Dalal, she sits in the hall welcoming him, ad starts explaining her aunt’s case, Jamal’s mother, and her mother’s case as well, while Dana stared at him in fear over a distance, as for Adel, he was in his room, locking himself up, refusing to o out, and all the time he keeps hallucinating:

“Jamal, Jamal, no. Don’t beat him. Let him go. Let go off my brother. No, no! Don’t burn him. Don’t zap him. Let him go. Let Jamal go. Jamal, Jamal!”

He screams louder and louder, then bursts into horrible crying, and gets hysteric, starts running in the room, bumping into the walls, hitting the furniture.

When the door is opened, and doctor Naguib walks in to calm him down and examine him, he shivered in fear, walks back terrified from him, and from anyone else who’d come near, even his own mother.

Dalal sits in the hall again with doctor Naguib after he left Adel’s room; she sips her tea still in tears, complaining to doctor Naguib in deep sorrow and continuous crying, “I don’t know what to tell you doctor, the war has wrecked us. It ruined us inside out, you’ll see that for yourself doctor Naguib, and you’ll see what became of my family”

She breathes out, looking around her, as if she feared someone of her family would be overhearing, and then she continues, “I really don’t know where to start, I don’t know what to say or what to describe, I don’t know whom should I talk about first, my daughter, my mother, my sister, my brother, or my mother in law whose son Jamal was killed in front of her, since then she became hysterical, she started breaking anything she touches. Screaming and crying, she lost her mind in a second, and we don’t know what to do with her. We’re afraid that something might happen to hear. We’re afraid for her and afraid from here in the same time! Doctor please help us. I just can’t take it anymore; I don’t know who to ask for help”

She bursts in crying saying, “Even I, doctor. I’ve been fighting my weakness, trying to clinch to any dim hope I see, but sometimes I just feel too weak, like I feel now. Then other times I feel I’m strong and capable of doing anything with the help of God. Yet other times, I just feel broken, without strength,   patience or endurance”

Dalal keeps talking feeling as if she’s confessing, throwing a burden off her soul, lessening the suffering she’s going through. She continues talking to doctor Naguib, asks him about the reason she’s so strained and confused, “I don’t feel I’m conscious, doctor Naguib. I think I still need psychiatric therapy.”

Doctor Naguib decides that Dalal’s family do need a psychiatric therapy, and also decides that it has to wait until the medical services in Kuwait get back to normal in the same time he reassures Dalal that she’s a strong woman who managed to survive this hard time, and she might be suffering now because of the events, but that doesn’t mean her case is crucial.

Dalal becomes happy to hear this, and becomes even happier to feel her strength coming back to her; once again she feels she’s capable of facing life, and bearing the hardships on her own.

Dalal keeps thinking, she knows she’s been through a hard time, she also knows that what she’s been through was too much pressure that many people won’t bear it, but she won’t give up. She won’t give up. She’s strong with the help of God. She’ll know how to overcome her weakness, she’ll know how to stand round and reject feebleness and confusion, she’ll fight the weakness within herself, and she’ll manage to do it with the help of God.

Then, a voice whispers inside of Dalal, asking her to move on, to fight the suffering of the emotional shock, and the horror she breathed in and out during the occupation. Then, Dalal recalls the words of his royal highness, the prince. the beloved father, when he addressed the people of Kuwait: “Dear brothers and sisters, Now we have to look for the future with hope, let our hearts be filled with faith, and our souls with confidence, and let us become one hand that would build Kuwait again, full of light and good, spreading love, brotherhood, and peace in all its land, and amongst its friends.

May God Almighty show us the right path, for He is Lord, and He is the grantor of victory.

   May peace and blessings of God be with you”

 

She keeps recalling his words, the dear father, the princes, she recalls them over and over again, and feels relieved. Yes, at that time she feels her heart is full of faith that confidence and security are getting back to her and she can look for the future with hope, not with despair and disappointment.

Indeed, there can be no despair with the mercy of God. At this point, Dalal knows she broke the barrier, she knows she made it through the hard part and she could only be herself, despite her pain. Yes, Dalal now is dealing with facts. She’s looking at reality with all its cruelty and bitterness to patch herself up, to redefine her character, get herself together, and find her identity.

And so, Dalal gets herself together, she starts to feel the strength with her, this amazing strength that’s been tucked away inside of her, beneath the grieve and the bitterness from which she suffered for a long time during the hard times she’s been through.

Yes, Dalal started to awaken, to abandon her depression and disappointment, she moved on towards her self-esteem instead of continuing to torture herself with nostalgia. She bean to try so hard to have her share in life, and to give generously to all people around her, not giving up to loneliness, not letting herself be lost in the big labyrinth of life again.

In fact, Dalal was now certain that she’s evidently changed. She’s changed! She became strong, and capable of facing reality and fighting her disappointments. Yes, whatever it takes, and no matter what the circumstances are, she’ll sacrifice for others, she’ll struggle for her family, she won’t abandon a single one of them. With the help of God, she’s able to defeat despair, able to fight weakness. She’ll know how to make something out of herself in this life.

Dalal keeps getting her hopes up that things would get better so she could start treating her family, the family that’s suffering emotionally and physically because of this destructive war, that showed them the dark side of the moon, that scary side that caused them overwhelming fear and here are the consequences, coming together one by one.

Yes, she’s waking up. She’s refusing to be a helpless fool. She has to get up, to move on, she ha no other choices. Life is forcing her to move on, to find a way, and to give. Later, Dalal knows of Jassem’s severe wounds in the battlefield when he was advancing with the infantry to liberate the homeland, she feels so sorry for him, just for him, not for herself. The truth is she doesn’t feel she needs him as much in her life now. Dalal genuinely wishes that God would grant him recovery and health, and that Jassem would be back to normal, and be happy with his family.

But over there, in Riyadh military hospital, while Jassem was in his bed covered with bandages, and surrounded by all sorts of care and concern, he notices that the care he’s getting is a little bit over, and there are continuous communications about diagnosing his case. He also noticed that his colleagues of doctors are coming to see him frequently, alongside his wife, his sister, his kids, and his whole family.

That was when he started to get suspicious. Why does it look so serious? Why are they caring for him that much? Why is his friend doctor Naïf paying him so much attention, and from time to time summons consultants to check on him and his radiology results? All this care was starting to worry Jassem, and making him suspicious, it made him feel his case is a hard abnormal one.

In the next visit, when Souad came without the children as Jassem asked, and she wanted as well, to stay with him as much as she can without having the kids annoying and bothering him with their noise, especially Ahmed, when he talks to his dad about things that could be embarrassing to bring up, or when he looks at his dad in sorrow lying on the bed all covered up in bandages.

Then, when Souad came all by herself, Jassem kept staring at her with his deep expressive eyes, the eyes that he can talk through with his sharp penetrating expressive stares without needing words.

Jassem looks at Souad for so long, trying to look as strong as he’s always been, he looks into her eyes, points to the edge of the bed pointing out what he wants, and then tells her, “Give me that report, Souad.”

Souad turns terrified to the medical reported hanged on the bed by his feet, her body shivers and her heart beats faster, her voice trembles as she answers, “You needn’t bother yourself with reading it, Jassem. Doctor Naïf has done all what’s needed, thank God. And he’s following up on your case with the other doctors”

Souad knew what was in that report, and knew about the temporary paralysis Jassem has, she knows his case needs long term physiotherapy, and that for the time being he won’t be able to move his arms or legs, Souad also knew that Jassem knew nothing of this! And that knowing might cause him a nervous breakdown that would affect him and even shake his endurance.

Souad knew that Jassem didn’t know a thing about the severity of his injury, and she was caring for his health and comfort and out of fear of the consequences of knowing the shocking facts in the report, she refused to hand it over to him, saying it’s up to doctor Naïf and his colleagues to decide such a thing.

 

But, with his continuous persistence, and her total inability to disobey him, she takes the report, walks slowly in gloom and sadness, then drops it on the floor on purpose, trying to find anyway to prevent him from seeing it by hiding some important papers under the bed! But, she stands still. She stays in her position, bending by the bed, wiping her tears that started falling.

It was a very difficult situation for Souad, she didn’t know what to do or how to get out of it, she didn’t know what to do to prevent Jassem from seeing that report, because as soon as he reads it, he’ll know everything, he’ll discover the severity of his wounds, he’ll know that he became paralyzed!

The attempt was in vain because of Jassem’s persistence to see the report, Souad remains on the floor trying to get herself together, to catch her breath, as she hears Jassem voice calling her persistently, giving her a heartache, “Souad, give me the report. Please Souad; give me the report, Souad!”

She can’t take it; she can’t take his faint faded voice and his continuous persistence. Her loving heart can’t bear seeing him lying as weak and helpless as he is. She can’t see Jassem in his bed tied in bandages, deprived from his health and strength.

Souad gets up, unable to carry the papers that she dropped on the floor, the papers are scattered all around her. The tears she’s been trying to hide, trying so hard to conceal and tuck away started falling like rain, Souad bursts in tears as she throws herself between Jassem’s arms, kissing his head, rubbing her face against his hair, crying, and says, “I won’t let you Jassem, I won’t leave you.. I’ll be your hands and legs… I’ll spend the rest of my life serving you, whatever I do for the rest of my life won’t repay you for one thing you did for me Jassem, I’m all yours sweetheart.”

 

 

Chapter 29

A tearful moon

As days pass, worry increases, Jassem’s case is critical and deteriorating, doctor Naïf and his staff are doing everything they can to save him, everyone is worried about him, and all day long they pray for Jassem, “O Lord, we don’t ask for fate to be changed, but we ask for mercy.”

All the worried ones keep asking God to grant Jassem recovery and good health and thanks to God, he finally passes the critical part, gets over the shock, and he becomes in need for physiotherapy after he loses speech.

Fear now declines, Souad is a little bit reassured by his recovery, prostrates to God in a thankful prayer for his recovery, for God’s saving his life, as Laila rests in comfort not feeling as worried about her brother as before. As for Jassem’s mother, she was almost dying out of worrying for her son; she forgot all her worries and sorrows, all of her feelings were about Jassem, and his fate.

But now, in every prayer she thanked God, night and day she thanked Him for saving her son from the inevitable death. Thank God. In the same time, the Kuwaiti authorities start making arrangements for citizens to return to Kuwait after liberation, yet. Souad was still having a problem being with Jassem, he needs a long physiotherapy, and Kuwait is still in the rebuilding phase.

Yes, the circumstances at home are not suitable for that kind of therapy which takes a special care and equipments that are not available in the plundered Kuwaiti hospitals. The invaders didn’t leave anything,   medicines, equipments, or any apparatus, and not even doctors. Many doctors were killed, and others were attacked alongside nursing staffs, whose numbers declined drastically, which affected the health status of Kuwait gravely.

Souad senses how hard the situation is, her aunt –Jassem’s’ mother- wants to return to Kuwait because she heard many Kuwaiti prisoners were released, the Iraqi opposition rebels set them free led by a senior office of a high rank in the Iraqi army. He alone freed a large number of Kuwaiti captives, the number was between 600 and 700, he took a list of their names and released them Jassem’s mother was hoping her father would be among them. God willing.

Also, the Kuwaiti public resistance managed to set a large portion of detainees free, who were locked up in police stations, schools, gardens, houses, palaces, and even sporting clubs. Thank God, many captives were freed, and hopefully the rest will be set free from the Iraqi tyrant’s prisons.

After hearing the news, Laila and her mother gets a glimmer of hope, Laila craves for seeing her father, as her mother expects to see her husband very soon. They both want to return to Kuwait as soon as possible to be with him when he returns home, and to be beside him during that time in which he’d definitely need them the most.

So, Jassem’s mother checks on her son, makes sure he’s over the critical phase, and that there’s nothing left except the physiotherapy, and she returns to Kuwait with Laila to settles their matters there, fish for news about Jassem’s father and the rest of the family that could be around, on their way home… with Jassem’s father with them.

 

Everyone prepares to return, despite the difficulty of separation in these circumstances that tucked the men away. They start preparing for returning home after knowing that Badr, Abdullah, and Ibraheem are in Kuwait. They fix it with Abdullah’s wife, and martyred Faisal’s wife, they all meet in their way back home, in a journey full of joy, hope… sorrow and loom. Souad sees bids them farewell with her mother who insisted to stay with Souad keeping her and her kids company during Jassem’s treatment in the United States.

Everyone leaves with the family after bidding farewell to Ahmed, who asks them to call him as soon as they hear anything about his grandpa Salem, he genuinely believed that his grandpa and is cousin Mansour are somewhere in Kuwait. Anwar believed that Mansour the karate champion will find his way back home with his grandpa after beating the living day lights of Iraqis, because Mansour is strong and can beat up anyone. “Mansour is a champion, I know him better.”

Souad keeps waiting for news about her father and her Mansour her little nephew, wishing to hear something about them before leaving Riyadh. Jassem’s and Abdullah’s mother pray that God would return all the captives, and that He’d admit the martyrs into His paradise.

Doctor Naïf meets Souad, assures her as a doctor that they did all what could be done for Jassem, telling her, “As a doctor I have to tell you to ask for another opinion, try your chances in treatments abroad, it will take a long time.. Jassem needs sometime to recover completely.”

Naïf promises her that he’ll arrange everything to continue Jassem’s treatment in America. He sends the medical report to an American hospital to decide the departure date, and gives all the help needed to facilitate Jassem’s traveling abroad to continue his treatment.

Souad evades waiting for the American response, keeps herself busy with preparing the kids, her mother, and herself for traveling, and waits in anticipation for the family to arrive to Kuwait, hoping they’d know something about her father, her nephew, and her father in law.

Badr talks to her on the phone, reassuring her that his aunt, Laila, Ibtesam, Fadila, and her mother made it home safe and sound. Thank God. They’re all OK, so are Mariam, Mona, Fadda, and Abdullah’s daughters. He tells her that everyone in Kuwait is just fine, and passes Abdullah’s and Ibrahim’s greetings.

Laila and her mother calls up Naive’s mother and sisters, Methna, Nora, and Masha’el. While Badr and Abdullah calls to thank Naïf and his father for their hospitality during the period of war in which they stayed in their house in Riyadh. Abdullah and Badr talks to Souad, tell her that many captives returned, and that there are rumors saying more are coming, and maybe her father, Mansour, and Jassem’s father would be among them. “Hopefully it will end up fine, don’t worry. Everyone is ok.” Abdullah goes on, “Everything is alright Souad, don’t worry. Just take care of Jassem and your mother, we’re all fine here, don’t worry about us. We’re just fine. Yes, Ibtesam, Mariam, Mona, and Fadda are all ok. No, it’s all safe now, don’t worry Souad, goodbye.”

At the moment Abdullah recalls this horrible memory that is still haunting him, he still hates to remember this terrible day, when Saddam’s soldiers attacked him when he was out in the desert, and how did that senior Iraqi officer saved him and preserved his honor, prevented the soldiers from harassing the women in his family, who could have easily been raped.

Abdullah recalls that day with sorrow and sadness for that gallant officer, after he heard the news of executing a senior Iraqi officer for objecting to Saddam’s aggressive policies in Kuwait. Abdullah breathes out in gloom, telling himself that this gallant chivalrous officer and his likes of honest Iraqis are victims to a despicable regime that knows no morals, and keeps no promises.

Souad is reassured to hear the family’s news in Kuwait; she finishes her preparation to travel, while Naïf is wrapping it all up. Jassem is taken by an ambulance from the military hospital to a plane, followed by a military jeep carrying Souad, she gets off carrying Rakan in her arms, Anwar clinching to her dress, while Ahmed walks slowly, holding his grandma’s arm, walking next to her slowly towards the plane carrying hi daddy. Souad keeps staring at Jassem with tearful eyes, seeing him staring at the void with open eyes and cold, meaningless, endless stares.

The plane takes off, the ambulance turns around, and the jeep takes Naïf back to Riyadh’s military hospital, while Souad sees the sign “Riyadh Airbase” as she sees Saladin’s area over a distance.

The plane flies to America, and without realizing it, Souad finds herself thinking about Dalal. Maybe because it’s the same thing, maybe that’s why she thought of her. She also thought of her when she left Kuwait for America, that moment Dalal’s face was all over the horizon, hue, and dominant. Souad wonders, “Why did I remember her now? Why did I think of her? What made me think of Dalal and her life? I wonder. What is she doing now? What did she do when she heard about Jassem’s injury in the war?”

Souad floats with her memories again; she gets carried away by her memories, and once again wonders morosely, “I wonder, is Dalal still in love with Jassem? Does she still wish to be his wife?”

Yes, Souad knew that Dalal loved Jassem, and that she was so attached to him, she knows how much Dalal wished to be his wife, even if he’s still married to Souad, it didn’t matter, all what she cared for that he’d be hers, her husband, her man.

 

All these questions were passing by Souad’s mind, she kept asking herself, one question after another, staring at the horizon, awaiting the future with hope, that God would help Jassem and gives him back his health and strength, and that He would keep Dalal and her tricks away from him.

The weird thin is that Dalal couldn’t stop thinking about Jassem back in Kuwait, but not in the way Souad thought she’d be thinking, not having the feelings Souad thought of. Jassem was more like a dear brother to Dalal now, he became the faithful gallant friend who stood by her and helped her a lot.

Indeed, Dalal changed; she was now soaked up into her social role for helping the crippled children, especially after Dana got a psychological problem that needs a prolonged treatment, her mother was still sick and treated in a Kuwaiti psychiatry hospital. Her brother Adel was treated in the very same hospital, and his mom, who got an acute mental disorder. May God grant her recovery.

Unexpectedly, Dalal’s father arrives to Kuwait coming from Cairo, he was utterly changed by the events, he became more tender and caring, he became a father yearning for his fatherhood, wishing to make it up for his children, for all the times he weren’t there, he wanted to get his family back together. He returned with a years’ share of love and tenderness that he wanted to give them in hours. He returned regretful for all the years that passed without him being with them in all occasion, for better and for worse.

He returns home yearning for home, for his house, his family, and his children. He returned trying so hard to hide his sadness and sorrow for losing his first son, Jamal, the son whom he lost in such a brutal cruel merciless way. He cried for his son that he loved so much, and mourned him as he should mourn a son.

The only thing that made it a little easier for him was the return of his younger son, Adel, who was freed by the Iraqi opposition, and released him from a prison south of Basra. But, he wasn’t Adel, the son he’s known he was a totally different person. Adel came home shaken, lost, suffering from psychological problem, hallucinations, and fear: Constantly afraid that he got scared from his own father when he visited him in the hospital.

Jamal’s father meets his lifetime friend, Ibrahim’s father, who returned with his family from the Emirates to see the homeland after long separation. They spent the duration of the war in Cairo, Bahrain, and the Emirates. They could barely believe that they returned home again, to the beloved land of Kuwait.

 

The friends meet after their return, with hearts aching and souls bleeding, and torment within, because of the capture of their dear friend, Abdullah’s father, who’s now away from them, with whom they had lots of memories since the time they were students in the Egyptian universities in Cairo, the three of them were roommates in one flat where they had the sweetest days, days of studying and friendship, the good old days that are now one.

The crisis made them grow even older, added more years to their lives, wore them out, weighed them down with sorrows and heartaches because of all what they’ve been through. They row older before their time, their grieve was overwhelming, for many reasons, the forceful exile from home, the bitterness of banishment, the tragic loss of sons. Jamal’s death and Khaled’s being missing, the martyrdom and capture of Sanaa and Siham’s husbands. And also the loss of this faithful friend, the third side of the triangle as they used to call him. Yes, sadly, that triangle was now wrecked, the corners are moved, the angles are no longer equal, and all the sides were broken after Abdullah’s father left them.

Souad, their friend’s daughter, has assigned her office manager to run her companies in the United States, and never returned to work. She has let it all going on spontaneously, and stayed all the time with Jassem in the hospital, giving him all the care and all the love, giving him her whole life, till he started to talk! Yes, Jassem started to talk, Souad tells him in love and passion shining from her eyes, “You’re so important in our lives Jassem, we need you; the kids and I need you so much”

Jassem feels the care and the deep love, but yet, his rejection continues: his rejection for Souad, and for the reality, his rejection for everything. Souad keeps showing Jassem that she loves him, she keeps telling him how much she needs him and how she’s worth nothing without him, that he is everything in her life, her one and only.

The doctor explains to Souad how critical is Jassem’s case now, and that everyone who feels helpless will react violently to anyone he loves, he explains to her that she must understand her role, that she must assure Jassem that she needs him, needs his love, passion, and tenderness, that she must show him all the love and give him all the care she can, no matter how busy she is with her responsibilities and circumstances.

By time, as the days and nights pass, and despite the bitterness of homesickness, and the hardship of separation in these difficult times, with a sick helpless husband, and a martyred brother, and a captured father, and even the little nephew, Mansour, also captured, and her father in law, captured! Despite all that, nothing stays the same, for everyone and everything changes. Souad begins to feel a little happy, and Jassem is changing too, he’s starting to show her some response, he’s getting more relaxed and starts to take his medicines. He becomes more eager to heal and recover. The hospital administration tells her that Jassem could continue his treatment at home, because he needs to be with his family, so that he won’t feel lonely.

The Kuwaiti embassy in the United States follows up on Jassem’s case, the medical attaché shows special concern towards hi, visits him with some members of the embassy to check on him in the hospital before he leaves for home. Here he is the well-known national hero, the faithful son of Kuwait, Dr. Jassem Al-Nasser.

During the visit, a doctor who was close with Jassem notices he’s not ok, he’s not responding, he’s not talking with other, not taking part in the conversation, he looks sad and gloomy, and desperate. The doctor tries to make him feel better by talking to him about patients whose cases were so critical, yet thanks to God, they recovered.

He tells him the story of prophet   Ayoub[15], and how he suffered many misfortunes and was tested by a long illness, but he was patient and content until God gave him his health back. The doctor sits next to Jassem, taps his shoulder as he encourages him, and reminds him that God is the all-capable, and recites Qur’anic verses, “And Job  when he called to his Lord, saying ‘Harm has afflicted me, and You are the most merciful. So, We answered his prayer and removed the affliction, and We gave to him his family, and the likes of them with them a mercy from Us, and a reminder to the worshippers.'”

Jassem makes it; he overcomes his illness, due to his strength and will power. Yes, his will and soul weren’t broken by the suffering of illness that he defeated with his faith and belief in God Almighty.

Jassem leaves the hospital on a wheel chair; Souad conceals her tears seeing him as weak and feeble as he is, after he used to run back and forth in football courts, running like the wind, like an Arabian stallion that is unrivaled in races, without a competition or a match.

“Oh, Jassem, my sweetheart, I wish it were me, not you. I wish it was me!”

Souad watches for Jassem’s feelings more than she does for her own, she respects his feelings and doesn’t impose herself on his solitude, she draws near from a distance, tries to make him feel she’s always with him without making him feel he’s watched, she plays her role perfectly, she respects all his undisputable requests, she obeys every request and command of his at once, with gentle attempts to bring up topics he likes to talk about, things he care for, and no matter what he said, she never objects or blames him for anything.

Indeed, nothing’s like life when it’s full of love. Souad was acting as if she doesn’t care about life’s problems, as if her captured father is back, as if nothing was taken from her as if she were as happy as she could ever be just because her husband is with her, alive, after he was so close to certain death.

And as Jassem requested, Souad spends the night next to him, talking to him, keeping him company, entertaining him, telling him nice stories and news flowing to him like moonlight in the nights of spring, while Souad’s whispering voice touches his ears, tender, peaceful, like sea water touching the sands calmly.

Souad keeps giving him love, like waves one following the other, moved by the kind wind of endless tenderness, that doesn’t stop flowing or giving. Tenderness that knows no sorrow, coming from a heart that overlooks sadness, forgets the pain and tenderness coming from a heart that is full of yearning to give passion, intimacy, and genuine true love.

But, despite the sea is also saddened, Souad waits for the moon to come. She always waits for the moon, it always comes, it must return, it must rise in the sky no matter how long she stayed up and waited. There are no nights without moon, and day always follows the dawn.

Yet, she sees a tearful moon, a tearful sea, a tearful sky! For Jassem too was tearful, she accidentally sees him crying, and avoids to hurt him, she hides quickly, for she doesn’t want him to know that she saw him in this moment of weakness, she doesn’t want him to know that she saw his tears and felt his grief.

Souad hides and cries silently, cries and weeps as everything around her seemed to be crying too, the moon is crying, the night is crying, and the dawn is crying because Jassem is crying too. But soon, very soon, the moon will rise, illuminating the night. Soon, it will be dawn. It will be dawn.

Chapter 30

We won’t forget the captives

Jassem resumes his life in a way that he tries to make normal, Souad continues her attempts to be closer to him, however sadness still overwhelms her, for she’s not certain if she succeeded in winning him back or not. After all that time they still have separate bedrooms! She doesn’t know if Jassem still wants her as a wife, or he’s happy with his life as it is, without her.

Her mother asks her one day about her life, and how is she bearing it with Jassem being away from her, the old woman asks her simply, “Maybe it’s the doctor’s orders sweetie, isn’t he being treated for paralysis ?”

Souad doesn’t know how to answer this embarrassing question, she breathes out, says, “I swear, if doctor did ask him to be with me, he’d still have slept alone, he’d have slept in one bed, and left me all by myself.”

At this point, all her pain bursts out in an overwhelming fit, she bursts into tears that have been tucked away for so long, her mother tries to comfort her, says, “Don’t worry honey. You know how much your husband loves you, he can’t do without you. Don’t worry baby. Don’t worry, it’s just that you love him so much, and you’re too jealous for him. Try to be stronger. Love him rationally, not as crazy as you do, Souad!”

Life goes on calmly and peacefully, Jassem resumes his administrative job in Mubarak grand hospital, his shivering fingers prevented him from being a surgeon, he went to the hospital and still deprived from performing surgeries.

Dalal comes to welcome him and congratulate him on his recovery, talks to him in the decency imposed by the head scarf she wear, wrapped around her head, covering her hair, and holding back her passions that now took a different course after Jassem Al-Nasser became more like a brother and a dear friend to her

Dalal talks to Jassem about their memories together back in the days of resistance, and about the risks they took, and how they moved from a hideout to another and stayed for hours risking their lives, subjecting themselves to the risk of fires, explosions, and torture.

Four long hours they talk, and she feels that Jassem is a protective brother of hers, watching over her, sacrificing for her, giving his life to save her from any danger. Yes, Dalal never forgot, and Jassem never forgot how they expected death and kept reading Qur’an thinking they’re about to die in seconds.

Now, the resistance is over, the Kuwait if free again. No one forgot what a hero Jassem was, so when he returned to Kuwait leaning on a crane, he was received like a hero.

Yes, he was truly received like a hero, everyone showing their love, appreciation, and gratitude.

As for Dalal, she gave all her concentration to the cause of the Kuwaiti captives imprisoned in the Iraqi prisons, she participated in the meetings of the national committee for the captives and the missing, and also got in the field of helping the crippled children, whom she thought worthy of all the care and love.. Indeed, Dalal did change, she was veiled both inside and outside, the light of faith filled her heart after she saw death al around her and went through hell all by herself, until God guided her to the right path.

 

Dalal lives, carrying on with her social duty of caring for the captive, and the crippled children, these human contacts established many passionate relationships with those who need her. Indeed, Dalal’s only concern now was the return of the captives, so happiness could be complete, and sorrows be forgotten for ever, and for the hearts to get rid of pain and sadness for good.

Jassem starts to feel love for everything in his life, he loves Kuwait, he loves everything about it, he feels that this competition he had with Souad is in vain, and enough is enough.

For how long would he stay in competition? How long time? He’s been competing with everyone everywhere, in the football team, in the university, in his work as a famous doctor. He must accept Souad’s success; he must accept everything about her. He doesn’t necessary have to be the best! On the contrary, he is the best because having Souad is a victory of his, and he’s so lucky that his children have such a brilliant mother.

Jassem comes to realize that if he wasn’t married to a woman like that, he would have never been able to heal from his wounds, and overcome his pain for Souad, with all her love and care helped him through the hardships till the miracle took place! He’s now healthy again, he’s resuming his life, and he’s once again himself. Now, Jassem realizes that he could compete with anyone, but he could never compete with Souad.

Jassem starts to understand that this wealth isn’t only Souad’s, it belongs to all of them, and the truth is that Souad filled his life. Yes, Souad did fill his life; Jassem knows that always found her beside him when he needed her most, he also knows that Souad feels how others need her love and care. She felt how he needed her, and didn’t deprive him from her love and care.

Souad gave him a lot, she tried to give him the time to mind his studies and succeed in his career, and she ran their life adequately, with skill and ability. Souad has always been good in carrying out her responsibilities, and she’s always been modest.

Jassem keeps recalling his life memories, and feels how passionate and romantic Souad used to be. He knows how Souad tries to conceal her feelings; she always waited for the right time to get what she wants, with no forcing, with no mess, but with calmness and love. She never fell short in organizing their life, she’s always been neat and tidy, freaks out around the mess, and adores order, always there to carry out her responsibilities.

Jassem breathes out as he reconsiders his life, he knows that Souad never hurt anyone, she’s always been kind, decent, respectful of others, and know how to handle people, and life. He also knows she loves the sun, the fresh air, adores the sea, he knows she’s a n ambitious woman that nothing could stand between her and the top, Souad is not a mysterious vague character that is driven by romantic wishes. No she’s a real lady, she never loses her temper or lets her tongue slip, she never wastes her time in worthless rattle, she’s always busy with her life, and responsibilities.

When Jassem reaches this point in his train of thoughts, he couldn’t resist his feelings, he calls up a friends, sets an appointment, and meets him the meridian hotel, where they discussed something that Jassem was so eager to do, and then step out of the hotel’s backdoor where they watch some stores in Al-Saleheya compound, take the elevator to the third floor where they step into an office.

Jassem signs a contract, buys this office, and asks that it’s prepared completely for Souad, even the metal sign on the door; he gets them to write “Souad Al-Salem real estate investments”, he hires a secretary, gets phone lines, and prepares everything as he always wished it would be.

Jassem returns home feeling his ego boosted, he’s now happy that he’s an objective, logical person. He knew how to be in control in different situations, and how to have the right attitude, and that’s why he agreed to Naïf request when he called him from America to propose to his sister Laila. His mother wanted to wait until his father returns from capture, but Jassem told her, “My father is not around now, but I’m telling you. If he was around he’d have agreed, and if he knew about it now he’d agree, and if he didn’t know, and learned later on that we refused to marry Laila off because he wasn’t there, he wouldn’t agree on what you’re saying, mom.”

He goes on, “Naïf is a great guy, I’ve known him for years, and I know him inside out, I’m not saying yes because I owe him my life, but because I know how good he is, I wouldn’t wish a better husband for my sister than him, he wants Laila, and she wants him as well, so don’t let Laila feel guilty, don’t make her feel she’s doing something wrong by marrying while her father is away.” And he says, “You’ll be wrong to stand in the way of this marriage, because Naïf loves her, and he’ll be good to her and treat her right. He proposed to her when we were in America before the invasion, and waited all that time until the right time came, and now, Kuwait is free again and happiness is all over, and there’s no need to postpone Laila’s marriage because dad is not around.”

Jassem keeps trying to convince his mother, trying to get her to take it easily, “Mom, I’m her brother, and her father, and God willing it will be fine, Naïf talked to me about many times though he felt it was improper because of what I’ve been through. I know Naïf very well mom, he’s a real man, one of the best men I’ve ever met, and he helped me a lot when we were together in the hospital. When the war erupted, he stood by me in Riyadh and in America; I’ll never forget what he did for me… Naïf is a real gallant man, no one is more right for Laila than him, trust me on this mom, and trust me.” “Do whatever you want, just do it, but I can’t imagine that Laila would be wed without your father being with us, Jassem.  I just can’t imagine it. I can’t.”  His mother cries as she says, “But anyway, you do the right thing Jassem, she’s your sister, do whatever you want and don’t ask for my opinion.”

The mother continues to cry, for she can’t imagine that Laila would get married without her father being around, she can’t imagine that Laila would be wed when the whole family is in gloom, she can’t imagine Laila getting married while the captives are tucked away behind the prisons’ walls.

Jassem calls Naïf in the states, he asks him, “So, what are you still doing in the states? We all miss you here” Nayef answers, “If you want me in Kuwait I’ll be there as fast as I could.”

Naïf tells his folks in Riyadh, the whole family prepares to travel to Kuwait to make the preparations for the hasty marriage, because Laila will travel to America afterwards to start her life with Naïf over there.

The wedding is over; it was a small family ceremony, held at Jassem’s father’s house in Kifan. Laila prepares to leave with her groom, Nayef; she was going to a hotel with some relatives as she’d be leaving for America the next morning.

Laila walks slowly in her long white dress, walks through the hall. Her steps get slower as she looks at her father’s picture, General Ahmed Al-Nasser, in his military uniform. The picture took a big part of the right wall of the hall, Laila stops in front of it, not wanting to move on. She pauses, cries, and says, “Where are you dad? Where are you? I wish you were here with us tonight. I wish you’d have seen me in my wedding day, oh, dad.”

Laila bursts into crying, Souad runs to her, hugs her, kisses her, tries gently to pull her away from her dad’s picture, whispering to her, fearing for Jassem’s mother from the shock, “Laila, please, Laila, please stop crying, stop it now, Laila.”

But, Souad couldn’t control herself, she too bursts into crying, she can’t hide her tears, after seeing her aunt, her mother, her uncle’s wife, her cousins Siham and Manal, she sees them al crying, and her sisters in law, Ibtesam and Fadila, she sees all the women who were bidding Laila farewell crying, Methna, Nora, Masha’el, and their mother. They were all crying.

Laila leaves with her groom, while the mothers walk back in with the rest of the invitees who were bidding Laila farewell at the door. Jassem’s mother bursts into crying, unable to believe that her only daughter is wed without her father being there, the dear father who waited for that day for so long.

 

Jassem’s mother cries over the absence of her captured husband, waking the wounds of her sister, Abdullah’s mother, who’s trying to tuck away the pain for her martyred son and her captured husband, and her little grandson, she too starts crying, while Ibrahim’s mother cries her heart out for her son Khaled who’s still missing, after his fighter plane disappeared and was never found again since he took part in the raids during the liberation war.

Abdullah’s wife, Ibtesam, couldn’t handle it as well, she cries for the capture of her sister, Amal, the beautiful university student, who was about to get engaged and married. They captured her, locked her up behind the tyrant’s walls, and Siham, the cousin, lost consciousness out of sorrow for her captured husband.

Horrible painful moments, that mixed the feelings of happiness with sorrow, feelings of hope with despair, the feeling of anticipation and waiting no matter how much time has to pass.  Then, at these emotional moments, Fadila cries for her martyred husband Faisal, and her captured child, Mansour, she cries and cries not able to stop, although she was trying to refrain from crying so that she won’t disturb the invitees.

Children stand around them, looking at them in deep grief, because of this overwhelming sadness and the loud cries full of passionate sentimental feelings. Anwar cries her heart out, so do Mariam, Mona, Fadda, and Rakan. As for Ahmed, he tries to control himself as ever, trying to look strong, not letting his tears fall being the big boy among all these girls.

Ahmed looks at his aunt Fadila, and it touches him so, for he knows she’s crying for his uncle Faisal, and his cousin Mansour.  Ahmed looks around him, feeling so lonely without Mansour, he gets sadder, wishing from the bottom of his heart that Mansour was with him that moment, mumbles to himself, “Where is Mansour? How I wish you were with us now.”

In the same moment, Fadila looks at the children around her, stares at them, wishing from the bottom of her heart that her son Mansour was among them, playing and having fun as they do, laughing, joking with them. And at this point, she can’t control her feelings any longer, suddenly she screams in utter despair, “Oh God, Mansour, Mansour, where are you Mansour? Give me my son back. Give me Mansour back!”

Fadila faints and falls on the ground after trying for so long to control herself so as not to ruin everyone’s happiness, but sometimes one can’t control his feelings, feelings get too strong to be controlled or restrained, they totally take over, force themselves out.

Ahmed runs to his mother’s room to get a bottle of cologne, hands to his grandma to spread it on Fadila’s face, he’s quite trained for getting the cologne fast, because he does it often whenever his other grandma, Abdullah’s mother, faints.

Ibtesam gets a bottle of cold water, tries to get Fadila to drink, wiping her wet hand over her face. While Anwar stares at this painful scene in front of her, the scene that made her realize despite her little innocent mind that her aunt Fadila wants Mansour and longs for him, she mumbles to herself, “Hey, I got it; aunt Fadila wants to see Mansour. Ok, I got plenty of pictures for Mansour. He was with us in my birthday party.”

Anwar tells Ahmed about her little idea, they go upstairs quickly together, and all the other kids follow them, Ahmed and Anwar starts taking pictures out of the album, pick Mansour’s pictures, and at this point, before Ahmed leaves the room, he looks at the big note hanged on the wall that read:

We won’t forget our captives

He stands on the chair in front of his desk, takes the pamphlet, puts it on the desk, and gets glow out of the drawer, sticks Mansour picture instead of the crying child’s picture in the middle of the pamphlet, while Anwar, Mona, Fadda, and Rakan start sticking all of Mansour’s pictures on it. In the same moment Mariam comes in, asking Ahmed for a big black pen, she writes in big clear letters:

We want Mansour with us

 

The kids go down stairs, hanging the pamphlet with their little hands, now that changed it with big apparent letters:

We won’t forget the captives.

We want Mansour with us.

 

 

 

 

 

Chapter 31

Something of My Heart

Jassem sits in his office, drifting with his thoughts, staring at his right hand, starts touching his fingers one by one, stares at his hand again, gazes at its lines, wishing that he were in the operative theatre right now, where he could be himself, instead of sitting behind a desk like that, without scalpels, without equipments, without patient, and then he mumbles to himself in despair, “And without a surgeon!”

After a short while, Dalal walks into Jassem’s office, greets him, talks to him as he listens intently, opening up his heart as she opens hers, “That’s true, the war is over Jassem. But, the torture isn’t. Bombs no longer fall on us, but I can still hear the sounds that terrify me, although the republican guards are gone, but I still have the fear. It’s impossible to forget Jassem, we can’t forget! I wish if we could forget, I wish that fear would just vanish, I wish that the captives would return from detention camps, I wish. I wish a day would come where I could feel the same way again, full of love, hope, confidence, and optimism. I wish I could ever feel the way I felt before 2 August, 1990. That feeling I got after the war, that fear, this havoc, it’s tormenting me. The scene of my destructed ruined house, and the traces of destruction and torture are still right there before my eyes, deep down in my heart, oh dear me!”

She breathes out and says, “I wish I could be what I used to be, I just wish I could.”

She walks out of Jassem’s office with tearful eyes, with a stare of despair and sorrow. The memories of the past she had with Jassem surface, take over, control her, moves her feelings, touching her deeply, she reads Qur’anic verses to calm herself, “Our Lord, do not let our hearts deviate after You have guided us, and grant on us mercy from You, indeed, You are the one who grants”

Dalal walks on aimlessly, full of grief for the captives, she’s now going to the sanitarium to see her sick mother who’s still suffering from invasion, when the soldiers ruined her soul as they raped her body. She still thought the grandma was alive.

Indeed, they’re difficult crucial moments. Dana as well is still suffering from psychological problems, although Dalal took her yesterday to a toy store and bought her a beautiful doll instead of the one they left at home when they left hastily after the incident that killed her grandmother, and crushed her mother.

Dalal bought her lots of toys, from the same store which was right by the house, she filled her rooms with toys after it was repainted and refurnished, changed everything about the room. Dalal made sure that she picked the very same doll that Dana lost due to the circumstances, along with all her other toys. Dalal gave Dana back everything, but… Dana was never the same again. She’s now sick having speech and behavior problems, Dana was disturbed, she’s not as healthy as she used to be before the invasion, neither physically nor psychologically.

Dalal splits her time between her mother, her daughter, the crippled children, and the imprisoned captives, whose parents, loved ones, friends, and neighbors suffer with them. Everyone is sad for the captives. Everyone can’t enjoy his life, can’t feel the happiness, thinking of the imprisoned ones.

In that time, Jassem goes to put the final touch on the office that was the surprise he prepared for Souad, he hired her very nice Philippine secretary, and a small desk with telephones, a fax, and master pieces of art that he knows how Souad loves.

He returns home, takes Souad for a walk in the afternoon as if it’s his usual daily walk which the doctor recommended, but for her surprise he asks her to go with him somewhere else, Souad walks in Al-Saleheya compound, takes the elevator to the third floor, walks in the corridor with Jassem full of curiosity and anticipation for that weird reason that made him bring her here. Then she stops and pauses as she stares at the shiny metal sign, with her name carved on it “Souad Al-Salem real estate investments.”

Souad takes the surprise calmly, handles the sudden situation in bewilderment that Jassem notices. Yes, that gift confused her, it made her wonder, “Why did Jassem get me this office? To get rid of me? Or he’s giving it to me to run my business in the states? Why did Jassem do that? Why?!”

She can’t figure out why, she’s still confused, keeps thinking it through not knowing what’s going on in Jassem’s mind. Could it be that he wants her to be independent and stay away from him? Or is that gift an expression of love, and a sign of his acceptance and appreciation of her as a businesswoman?

In fact, Souad thought that Jassem giving her this office was the final chapter in their life together, she mumbles to herself in sorrow “Is that it Jassem? Is that how you reward me? After all the love and loyalty I gave you. I end up this way? Is that possible? Would you do that to me Jassem? Would you?”

Everything gets mixed up, confusing Souad even more. How could she live without Jassem? How could her kids live without their father? She sighs, sipping her coffee, sitting in the comfortable chair in the hall, waiting for Jassem to put on his sportswear to walk for the time that doctor predetermined.

Souad’s grief grows deeper; she says to herself, “What does Jassem want? How on earth would he give me this office? He always hated my work, always stood against it.”

Yes, the way Jassem treated Souad in the states, and the way he ended up their affairs there in that hasty reckless manner, and how she was forced to abandon her office and her companies, leaving behind all these huge investments, all that made her realize that Jassem was about to give her up. Yes, he’s going to give her up.

Souad starts thinking about her father, he alone was the source of love, giving, tenderness, and security, she starts to think how he used to encourage her, always proud of her, she remembers how he used to prepare her when she was still so young to be a famous renowned businesswoman.

But, unfortunately, Jassem’s attitude was the exact opposite, she felt it, she could even confirm that, she’s not the kind of person that doesn’t now what’s going on around her, yes. She does ignore events sometimes, but ignoring isn’t ignorance, and what a great difference it is.

Souad knew that Dalal was at Jassem’s office in the hospital the other day, and Jassem didn’t hide it, he told her himself that Dalal came to his office, and that they were talking about the hard times they’ve been through together during the resistance.

Before the nightfall, before sunset, while the spring wind pushed the seawater gently, making it embrace the soft peaceful sands of the beach, in that beautiful weather, in that lovely season that Souad always loved and waited for all the year. Souad walks next to Jassem in the Arab Gulf street, near Sultan center, illuminating the street to their left, walking, and over a distance seeing Kuwait towers that they love, standing there tall and elegant, giving a harmonized blue shade to the blue waters of the gulf, and the clear blue sky.

Then, sun goes down the horizon slowly for sunset. Getting close to the horizon, Souad walks by Jassem, holding his hand, since he abandoned the crane a while ago, and he must depend on her support because sometimes he loses the balance and could fall down.

Jassem walks next to her hearing music from the cars, the roaring motorbikes racing the Gulf Street, with cheerful youth riding beside them every now and then.

At this moment, Jassem gets a weird feeling, for the first time he’s not shy to rely on Souad, he almost fall down a couple of times, he grabbed her hand, clinched to her, without feeling embarrassed.

It was a new surprise to him, because he realized that all his life he struggled to show how strong he was in front of Souad, and that he’s more successful, that he’s her hero. He never let himself give up to weakness in front of her, he felt weird depending on her like this with now shyness or embarrassment. He needs her. He’s not ashamed to admit it.

Jassem remains silent as if he’s in a distant place; Souad feels it, turns to him, and asks him lovingly, “What’s wrong Jassem? Are you tired or something?”

Jassem looks at Souad, his body shivers seeing the deep love in her eyes, it was like it’s the first time he sees her. Jassem knows that he always loved Souad, but it was his pride that kept him from speaking out his feelings. Of course he loves her, he always did, and when they got married, he was in love her, and even before that, he was in love with her, but he never admitted that he did.

In some way, he felt that if he admitted to himself that he loves her, it would be weakness, or a beginning of weakness. Oh, what a childish feeling! How could one compete with himself? He’s always strong, and will always be strong, he’ll always be successful. That feeling he had was totally meaningless, he couldn’t possibly compete with Souad.

That was a fact, and the way it went, it was a wrong conception that tore their relation apart, his continuous attempts to prove he was better was a major reason that made them drift further apart, it was too much for him, it was liking competing with himself, and how high was the cost! In his relationship with her, he was never comfortable, he was never at east. He was always thinking who’s the stronger in every minute in his life. Who has the final decision in everything he does. It was too much. Even in his relationship with himself, he was too domineering, and that can’t be honest, he wasn’t acting normally, he wasn’t the real him, he wasn’t normal.

Jassem wakes up, as if he was recalling his life since Souad was an 8 year old child, and he was 16 years old, when she was in junior high, and he was a student in the medical school. She was also a child.

He remembers when he went to the school in his red sports car to pick up his sister Laila, he saw her behind the window in the bus, looking around her, as if she doesn’t see him.

He remembers his life in America, and how did he receive Souad when she came there for the first time, and how did she look at him in amazement and bewilderment, remembers when they went to the states as a man and wife, and how he kept asking himself “How didn’t I see this beauty before? How?!”

He remembers how he used to come to her, asking her if she’d like something to drink, and how she evaded looking into his eyes. She only nodded, still looking at New York from the 57th floor, while he kept coming closer, full of passion, longing, admiration, and confusion about this shyness of hers, while Souad get more embarrassed and bewildered.

He remembers how Souad used to walk next to him as her husband, and the father of her three kids, Ahmed, Anwar, and Rakan. He remembers how lovely the weather was, the sun shining, life full of sounds, crowded with tourists gathered around ice cream and pop corn stands, cafes and restaurants, youth from all over the world in t-shirts and jeans, the noise of New York cabbies, that loud hasty city.

He remembers how Souad agreed on returning to Kuwait, leaving America, sacrificing all her success, just to be with him, to be by his side. He remembers her in Kuwait taking the kids to school, dropping them and picking them up, not complaining about the slow pace of her life, about the loneliness she suffered from when he used to be so distant, rejecting her being in his life, refusing the success she worked for so hard, repelling her efforts to be worthy of him, her husband, her sweetheart.

Jassem remembers everything. Everything as they walk from Al-Salemiyah, with Sultan center to the left and Kuwait towers up ahead. He hardly walks, runs into athlete walking rapidly on the beach, they see him, greet him, “Hey Jassem, how’re you doing? Hope you’re OK.”

You hope I’m ok?! Jassem stands, looks at his injured leg, and remembers the time when he used to run in the playground back and forth in football games, when he used to kick the ball right into the net, getting victory for his team.

Jassem walks and Souad walks with him, he sees a red sports car with more athletes in it, he continues his defective walk with Souad, each of them drifting away with memories.

Souad hears a song for Awad Aldookhi coming out of a car stopping for the red light, the song broadcasted was the very same song that her dad used to sing to her when she was a little girl,

O night, come to us.

What a beautiful night, for Dana!

As pretty and charming as ever.

But only if she’d answer me.

O night, come to us.

What a beautiful night, for Dana.

Souad loses control, starts crying, unable to keep walking. She leans on the gray cement wall, cries her eyes out, Jassem comes closer to her, talks to her lovingly and tenderly, and says, “Till when will we keep crying Souad? It’s our fate. We have to accept reality without losing faith. If that’s what God wants, then we must have faith. If God’s will was that we won’t see them again, and then we must accept our lives as it is, we must accept our fate. Souad, when you cry I don’t feel you’re crying for your father, you’re crying for feeling secure, you want the security that your father gave you.”

Jassem keeps talking, feeling he’s talking with all his heart, assuring her, “Souad I’m not just your husband, I’m your father, your brother, your whole family. I never told you how I felt Souad, maybe because we were never taught to express our feelings, but, if I didn’t tell you how I felt before then let me tell you now, you’re my whole life, and I’ve always been in love with you, I love you Souad.. I love you.”

Souad still cries leaning against the cement wall, and Jassem standing beside her leaning on her, putting his arm around her shoulders, continuing his sincere words, after he knew for certain that he loves her, and after knowing for sure that she loves him back: “I was wrong Souad, I was wrong, because I was in love with you, and never admitted that to my self, I was really wrong to let all these years pass without telling you and expressing my feelings to you, without telling you that I love you.. I never told you how I felt before, but now I’m trying to express at least a bit of my feelings.”

 

Souad hears these surprising words, and her tears fall again quietly, the tears of joy. These feelings are true; she really feels it, if she ever had anything to wish for. She knows that Jassem loves her, and that he knows how much she loves him. All that she wished for was his showing of emotion, after years of marriage, after having 3 kids.

Souad hears his words now, his confession, but. The weird thing is that Jassem made her see a very important thing, that Jassem, the football champion, captain of Kuwait’s national team, the famous surgeon, the resistance hero, he managed to express his feelings, while she up till now couldn’t tell him how she felt.

Souad discovers that she never told Jassem that she loves him. She never told him that he was her whole life although, through all her adult life, Jassem was in her eyes, in her heart, in her soul. He’s her sweetheart. She might as well have seen his face before seeing hers in a mirror; her heart might have beaten for him before it’s beaten for her. It might have been.

Souad realizes that she’s loved Jassem before she knew she existed, the obsession she had for studying English was for Jassem, she went to university for Jassem, she worked and succeeded to be worthy of Jassem, she gave birth to be a mother of Jassem’s children, she learned cooking so that Jassem would like it, she did all that without telling him how she felt.

All that and she never knew how to put these feelings into words he could actually hear. Yet she expressed it through her acts, and thought it was enough, she didn’t speak them out.

Souad turns to Jassem with a smile, tells him with tears still on her cheeks, breathing fast, “It wasn’t just you’re fault Jassem, because I never told you that I love you. I never told you that you’re my whole life, and my soul. I’m just like you Jassem; I never managed to express my feelings to you. Maybe that’s the way our families are, our people, no one taught us to reveal our feelings or express our emotions. But, now I want to tell you, that if I didn’t know how to express my feelings before, you now taught me, and made able to tell you… I love you Jassem, I love you. And that is a bit of what I feel.”

 

 

 

 

THE END

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] A reference to the Kuwaiti national football team that wears a blue T-shirt and white shorts.

[2]  A Kuwaiti comedian player and actor

[3]  A Kuwaiti comedian player and actress who shared Abdulhussein Abdlulredah a lot of his plays and TV dramas.

[4]  A district on an island between two branches of the River Nile always inhabited by the high class people of the Egyptian society. It is, also, famous fro the large numbers of diplomats, actors and actresses who live and frequent its luxurious and expensive apartments and villas.

[5] The italicized words are all name of children songs recited in folk tales.

[6]  Karkaan: children game in which they used to gather after breakfast in Ramadan to play with their small candle-lamps. They used to knock at the doors of the neighbors’ houses asking for some gifts, money or even food. This practice has nothing to do with begging.  It is done by children as a practice encouraged by all classes to strengthen the relationship between kids and the elders of each community in the individual living areas. Ramadan is the month of fasting for Muslims. The time of fasting is from dawn till sunset.

[7]  A Lebanese male singer who lived in Egypt and made all his songs in the Egyptian dialect. The majority of his songs are about love and the sufferings of lovers. His most famous son is dedicated for the arrival of the Spring- The translator’s note.

[8] An Iraqi singer- the translator’s note

[9]  An Egyptian singer of Syrian origin- the translator’s note.

[10]  A Lebanese singer who lived and made most of her songs in the Egyptian dialect. She is famous foe marrying too many husbands of different ages.

[11]  An Egyptian belly-dancer

[12] A Kuwaiti female singer

[13]  Home land

[14]  Ruby

[15]  Job

شئ من مشاعرى

شئ من مشاعرى

 

 

 

كريمة شاهين

 

 

 

 

 

 

 

شئ من مشاعرى


 

 

 

 

لوحة الغلاف إهداء

 

من الفنان القدير …

 

سيد حليم


 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يَا عِبَادِ  لاَ  خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ  * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ  *  ادْخُلُوا الجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ

 

صدق الله العظيم

(سورة الزخرف – الآيات 67 – 70)


 

 

إهداء

… الأحداث التى وقعت سنة 1990 أثرت على كل إنسان عاش فى الكويت .. وعانى مما أصاب الكويت .

هذه القصة .. شئ من مشاعرى

أهديها إلى من أحب ، وأعتدت دوماً أن أحب ، وأحب …

الكويت

تحياتى

كريمة شاهين


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

شئ من مشاعرى

قصة ليست من وحى الخيال ، فكل جزء منها يعكس واقعاً حقيقياً حدث ، كل ما فعلته هو أننى بحثت عن هذه الأجزاء التى تناثرت مع طلقات الرصاص فى الكويت ، وقمت بتجميعها وتركيبها .. لكن .. كل جزء حقيقى .. حقيقى ، لذا أتمنى أن لا تثير هذه الوقائع الحقيقية الأحزان مرة أخرى ، وإذا أثارت فاليّعد هذا ثمناً لابد أن ندفعه ، فهذه الأشياء لا يمكن أن ننساها ، لا يمكن أن ننساها .. لسبب بسيط .. كى لا تتكرر !

نعم .. يجب أن لا ننسى الشر ، يجب أن لا نغفل عن الشر ، كى نتجنب الشر !

هذه القصة التى كتبت وقائعها ، حدثت لسعاد وجاسم ودلال ، هى لم تحدث لكريمة شاهين ، أنا غير موجودة فى هذه القصة ، وإن كنت موجودة فى الأحداث ، التى أثرّت على كل إنسان فى الكويت .. وأنا من بينهم !

وهذه الأسماء ، فى حقيقة الأمر ، أسماء خيالية ، لأننى لا أستطيع إستخدام الأسماء الأصلية لأبطالها الحقيقيين ، لهذا أحب أن أوضّح قبل النشر ، إننى لم استخدم اسم أى شخص حقيقى ، والأسماء التى وردت فى القصة ليست لها علاقة بالواقع .

أيضاً ، أحب أن أقول أن هذه القصة ليست قصة حرب التحرير ، وإنما هى قصة رجل وامرأتين ، تصادق أنهم كويتيون ، وكأى رجل ، وأى امرأة ، تتحكم العواطف فى سلوكهم ، وكأى رجل ، وأى امرأة أيضاً ، تتحكم الظروف فى هذه العواطف !

إذن .. كان لابد أن تؤثر حرب التحرير على سعاد وجاسم ودلال ، ذلك ، لأن حرب التحرير حدثت فى أرضهم ، ولأنهم كويتيون .. المسألة غير مقصودة .. !

فى الواقع لم يكن تأثير حرب التحرير على سعاد وجاسم ودلال وحدهم ، بل إن هذا التأثير طالنى أنا أيضاً ، لذا ، لم يكن بمقدورى على أية حال أن أكون موضوعية تجاه ما حدث على أرض الكويت ، لقد أثارت هذه القصة فى نفسى أثناء كتابتها مشاعر كثيرة
متعددة ، ومتضاربة ، ومتناقضة !

لقد أعادت إلى ذاكرتى تلك الأيام السوداء التى مرت بى عندما رأيت حياتى أنا ، وأسرتى أنا ، وحياة أولادى وأهلى ، وقد تلخبطت ، وتمزقت ، وتعرضّت فى أوقات عديدة للشعور بالخوف والوحدة والضياع !

آه .. إننى لا أنسى تلك الأيام السوداء التى قضيناها فى لندن ونحن لا نعلم شيئاً عن زوجى ، ولا ندرى ماذا حدث له ، كذلك لا يمكن أن أنسى ذلك العذاب الفظيع الذى بدأت أعانيه ، عندما بدأت تتسلل معا لوقت قصص التعذيب البشع الذى صار الناس يتعرضون له داخل الكويت ، ومن بينهم أصدقائى وزملائى ومعارفى !

آه .. كان إحساساً لعيناً ، عنيفاً ، موجعاً !!

حقاً .. كانت أياماً طويلة ، ذات ليالى أليمة رهيبة ، لم نعرف النوم خلالها ، ولا الراحة ولا الاستقرار فى نهارها ، فالأخبار تأتى دوماً بكل ما هو مخيف ومرعب ، والخوف والقلق على الأحباء فى الكويت يتخطى كل الحدود ، يوجع كل القلوب .. !

نعم .. كانت أخبار القتل والتعذيب والإغتصاب تغّص بها الصدور ، تتمزّق لها النفوس ، تعتصر لها القلوب ، ولم تكن العين وحدها تبكى ، الروح كانت تبكى ، النفس كانت تبكى !

آه .. كم كان هذا الحزن ساحقاً ، وكم كان لعيناً ذاك العذاب !

فى الحقيقة .. هذه القصة أعادت لى تلك الذكريات السوداء ، ذكريات الحزن والتعاسة والعذاب ، كما أعادت لى ذكريات الفرح والبهجة والسرور ، أذكر لحظة فرحة التحرير ، وكيف قفزت من على الأرض فرحاً بعودة الكويت .. !

نعم .. أذكر كيف لم ينم الناس حتى الصباح فى حى المهندسين ، بالتحديد فى شارع جامعة الدول العربية ، وكان من بينهم أبنى أحمد مع مجموعة من الأصدقاء من مصر ومن الكويت ، الذين ظلوا يرقصون ويهتفون حتى الصباح .. !

لم يكن تحرير الكويت تحريراً لأرض ، إنما جاء تحريراً للإنسان ، تحريراً
للأصدقاء ، تحريراً للأحباب .. تحريراً لزوجى ، وأولادى ، وأصدقائى ، وبيتى ، وعملى ، وكتبى ، تحريراً لحياتى !

نعم .. لقد أرتبطت حياتى بالكويت منذ اللحظة التى حصلت فيها على ليسانس الآداب قسم الصحافة .. حتى الآن ! إنه عمر .. عمر .. عزيز وغالى ، يحفل بتحقيق أحلام الطموح والنجاح والأمانى .. حمداً لله . حمداً لله . حمداً لله .


معاً سنعود بعون الله

.. أحياناً تلعب الصدفة وحدها دوراً هاماً وحساساً فى حياة الإنسان ، وهذا ما حدث معى بالفعل ، عندما غادرت الكويت إلى لندن فى الشهر السابع قبيل الغزو ببضعة أيام !

شاءت الصدفة وحدها أن تنأى بى عن مواجهة هذا الحدث المؤسف البشع ، كما شاءت أن تتيح لى فرصة لقاء صحافى آخر مع قراء ” سيدتى ” تلك المجلة السعودية ذائعة الصيت ، الغنية عن التعريف ، التى يوجد مقرها الرئيسى فى لندن .

من هنا .. صنعت الصدفة هذا اللقاء الإعلامى ، الذى أعطانى مجالاً عظيماً فى أن التقى أيضاً ، قراء مجلة ” اليقظة ” الكرام ، منذ بداية الغزو ، وذلك بعد أن إحتيجت قسراً عن الصدور !

وكان أول مقال نشر لى فى مجلة سيدتى ، قد صدر فى العدد رقم 496 فى الصفحة 18 ، بتاريخ 10/9/1990 ، وإعتباراً من ذلك التاريخ ، وأنا أكتب ، أصف ، أقول ، أعبّر عن كل ما أشعر به نحو الحبيبة الكويت ، رافضة تماماً تلك الممارسات البشعة اللاإنسانية ، التى كانت تصل إلى أسماعى كصحفية ، والتى نشرت على لسان أبطالها الحقيقيين ، طوال فترة الغزو وحتى ما بعد التحرير ، إلى أن عادت ” اليقظة ” تلك المجلة الحبيبة إلى الصدور .

معاً .. سنعود بعون الله

لذا .. أرجوا أن يعذرنى القارئ لأننى أجد نفسى مضطره أن أعيد نشر مقالاً لى سبق نشره فى مجلة ” سيدتى ” فى الشهر الثانى من الغزو لأن له علاقة مباشرة بأحداث هذه القصة ، رغم أننى أعلم أن هذه القصة ليست بحثاً فى حرب التحرير ، وأن من غير المألوف أن يضع الكاتب مقالاً صحفياً فى مقدمة القصة ، لكنى أرجو من القارئ أن يفهم أن هذه القصة ليست قصة فحسب ، إنما هى جزء من كيانى ، ومن عمرى ، ومن حياتى !

هذه القصة ، فى حقيقة الأمر ، لا تعّر عن شئ من مشاعر سعاد ، أو شئ من مشاعر جاسم ، أو شئ من مشاعر دلال .. وإنما هى أيضاً ، تعبر عن .. شئ من مشاعــرى .

كريمة شاهين

معاً .. سنعود بعون الله

هل تعتقد حقاً أنك لن تجلس على المقهى الشعبى أمام شاطئ البحر فى السالمية مرة أخرى ؟!

هل تعتقدين حقاً أنك لن تذهبى مع أطفالك إلى المدينة الترفيهية حيث يلعب ويلهو الصغار ؟!

هل تعتقد حقاً أنك لن تذهب إلى سوق السمك صباح الجمعة وتعود إلى البيت قبل أن يستيقظ الأطفال ؟!

هل تعتقدين حقاً أنك لن تذهبى إلى محل العالمية لشراء ” البيتزا ” الساخنة والحلوى الطازجة فى المساء ؟!

وهل تعتقد حقاً أنك لن تقود الأبناء إلى المدرسة قبل الذهاب إلى عملك فى الصباح وأنت حانق على زحام السيارات فى شارع الخليج ؟

هل تعتقدين حقاً على أنك لن تذهبى إلى ” الهيلتون ” و ” الشيراتون ” لحضور الأفراح وأعياد الميلاد ؟!  و .. هل تعتقد أنك لن تذهب إلى جمعية الشامية لإحضار طلبات الأهل وأم العيال ؟بالنسبة لى فأنا أعرف أنى معكم سأعود بعون الله ، وسأحمل طفلتى فى سيارتى إلى مدرستها فى سلوى ، وسأصحبها مساء الأربعاء فى جولة بمجمع زهرة وأداعبها وهى تركب القطار الخشبى الأحمر ، وأضاحكها وهى تلعب وسط الكرات الملونة هناك مع باقى
الأطفال ، وسأشترى لها سندوتش ” الشاورما ” من ” كافيتريا ” فرح قبل العودة إلى البيت فى المساء بإذن الله . أنا أعرف ذلك .


معاً .. سنعود بعون الله

… هذا هو المقال الذى أحببت أن أضيفه الآن بعد تلك المقدمة السابقة ، وقد أخترته عن عمد ، لأنه نشر فى مطلع الغزو فى مجلة سيدتى ” فى العدد رقم 498 بتاريخ 30/9/1990 ، فجاء حافلاً بالأمل والتفاؤل ، رغم الشعور العام السائد باليأس ، الحافل بالخوف والقلق والإحباط ، رغم الظروف الصعبة العصبية السوداء ، التى جعلت بعض الناس لا يتوقعون عودة سريعة وعاجلة للكويت ..!

رغمّ ذاك الشعور ، ورغم تلك الدموع ، ورغم كمّ الرعب والجزع ، أتى مقال
معاً .. سنعود بعون الله شعاع ضوء ينير قلوبنا عجزت عن الشعور بالأمان والإطمئنان ، فى زامن لعين افترس فيه الإنسان ، بكل خسة ونذالة .. أخاه الإنسان !!

 


الفصل الأول

فى المدرسة

دق جرس المدرسة معلناً إنتهاء الحصة الأخيرة ، فاندفعت الطالبات نحو موقف الباصات ، وبينهن سعاد التى تمشى فى دعة وهدوء ، تحتضن حقيبتها بين ذراعيها ، تقترب من الباص ، تصعد السلم وهى تضمها إلى صدرها ، ثم تتجه بصعوبة تشق طريقها وسط الزحام حتى تصل إلى المقعد الأخير ، حيث إعتادت أن تجلس كل يوم .

تستريح سعاد ، تلتقط أنفاسها بمشقة من شدة الحر والتدافع والإزدحام ، تضع حقيبتها أسفل المقعد ، تدنى وجهها من فتحة النافذة الجانبية ، تأخذ نفساً عميقاً طويلاً ، ثم ، تنظر فى فتور إلى الساحة الواسعة ، حيث تقف السيارات الخاصة الكثيرة ، تطالع بلا مبالاة وجوه الأهالى الذين حضروا لأصطحاب بناتهن من المدرسة .

تمضى اللحظات مملة ثقيلة خانقة ، فالباصات ما تزال تربض فى موقعها بإنتظار صعود الطالبات ، وسعاد ما تزال تقبع فى مكمنها ترجو أن يخف الزحام المهيمن على المكان كى تبدأ رحلة العودة اليومية إلى البيت .

فجأة … فى وسط هذا الإنتظار الممل الرتيب ، يخرق سمع سعاد صياح الطالبات اللاتى تدافعن كلهن نحوها ، وقد لمعت عيونهن وارتفع صوتهن ، وهجمن على المقعد الأخير فى هوس وجنون ، حيث التصقت وجوههن بزجاج الباص العريض ، وهن يصرخن ويصحن فى هستيريا جاسم الناصر .. جاسم الناصر .. وأيديهن تلوح فى إنفعال فظيع وفرح وحشى حماسى منقطع النظير ، لتحية اللاعب الشهير كابت المنتخب الوطنى لكرة القدم ..
جاسم الناصر !

تبقى سعاد تحاول بكل جهدها أن تحتفظ لنفسها بتلك المساحة الزجاجية الضئيلة التى ظلت تنظر من خلالها إلى جاسم الناصر ، وهى تبذل كل طاقتها لترفع جسدها المتكور الذى يكاد ينقصم تحت ثقل أجساد الطالبات اللاتى يشتد ضجيجهن ، ويرتفع صياحهن عند إقتراب جاسم الناصر بسيارته ” السبور ” الحمراء من الباص الخاص بهن ، فتتلاصق أكتافهن ، تنحشر رؤوسهن تغلق فتحان النوافذ تماماً بأجسامهن ، حتى تكاد سعاد تختنق فترفع رأسها تلتقط أنفاسها ، وهى تصارع كى تبقى تتابع الموقف الخارجى ، و … تظل تنظر إليه !

تلمح سعاد ليلى تكلم جاسم الذى نزل من السيارة ليقف يحيى صديقاتها اللاتى ركضن نحوه والتففن حوله ، ووقفن يتحدثن معه فى لهفة وفرحة وإنبهار ، تنفضّ الطالبات من حول جاسم ، بعد أن أخذ سائقوا الباصات يرطنون بالهندية ويضغطون على النفير بعصبية ، ويحركون عجلاتها ، فركضن عائدات ، إلاّ واحدة وقفت ، رفضت أن تتحرك ، كأن لا أحد فى الدنيا يعنيها غيره ، وكأن الساحة قد خلت من ناسها إلاّ هو .. كانت هذه هى دلال التى انصرفت مرغمة بعد أن رأت الباص يوشك أن يرحل بدونها !

يسأل جاسم أخته ليلى :

وين سعاد ؟! ليش ما جاءت معانا نوصلها البيت ؟!

ترد ليلى ضاحكة وهى تشير نحو أحد الباصات :

سعاد قاعدة فى الباص .. تستحى تركب معانا !

يتبع جاسم إشارة أخته فيلمح وجه سعاد الجميل من وراء الزجاج .. تلتقى العيون فى نظرة خاطفة ، تخفض سعاد عينيها فى حياء وإرتباك ، بينما ينظر جاسم نحوها مبتسماً متسائلاً عن عدم مجيئها .. !

لحظات .. وينفض الازدحام بعد إنصراف جاسم ، واختفاء سيارته ” السبور ” الحمراء عن الأنظار ، تعود الطالبات إلى مقاعدهن وهن يرددن فى حماس شديد :

– أووه يا الأزرق .. ألعب فى الساحة يا كويت .

ترقبهن سعاد وهى تبتسم فى حياء ، فهن ما زلن فى غاية الإثارة ولإنفعال حتى بعد اختفائه عن أعينهن ، بل وما زلن يذكرن أسمه ويتكلمن عنه ، ويسهبن فى وصف طوله وعرضه ووسامته وشهرته ، بل وحتى ملابسه الرياضية وسيارته الحمراء ! تتسع إبتسامة سعاد أكثر وهى تباهى نفسها ، فهذا الشاب الرياضى الشهير ، حل كل بنات المدرسة ، هو جاسم … ابن خالتها !

فى الحقيقة لم يكن من عادة جاسم أن يحضر كثيراً لإصطحاب ليلى ، فقد حضر مرتين منذ دخولها المدرسة الثانوية هذه السنة ، اضطر أن يأتى تلبية لرغبتها ، بعد إلحاح شديد منها ، تعلم ليلى ذلك تمام العلم ، لكنها فى نفس الوقت سعيدة فخورة بأخيها وبشهرته التى تجعل منه نجماً لامعاً فى سماء المجتمع ، فهو هدف الفريق ، والمهاجم الأول الذى يحرز بقوة خارقة أهداف النصر للمنتخب الوطنى ، ولناديه الرياضى .

كانت ليلى تعرف أن مجرد ظهور جاسم معها أمام باب المدرسة كفيل بأن يحدث ثورة بين الطالبات ، هى تحب ذلك وتفرح بذلك ، فهى أخت البطل ، وهى الوحيدة التى سيلتف حولها الطالبات فيما بعد يخطبن ودها ، يدللنها ، يسألنها عن رقم هاتفها ، وأى الأرقام الأنسب للاتصال بها ، ومتى يكون جاسم فى البيت ، ما هى مواعيده ، متى يروح النادى ، ماذا يأكل ؟! كيف يتعامل معهن فى البيت ، هلى هو متعجرف أم مغرور ؟! وما هو أكثر شئ يحبه ؟! وكيف ؟! وماذا ؟! وأين ؟! ومتى ؟! وما ؟! ولماذا ؟!

تضحك ليلى فى خبث وهى تتخيل منظر الطالبات فى اليوم التالى ، وقد أنتظرن على نار لحظة وصولها المدرسة ، هى تعرف أن الأمر سيكون مختلفاً هذه السنة ، فطالبات الثانوية أكبر وأجراً من طالبات المتوسطة ، وهن بالتأكيد سيطلبن منها أن تخبر جاسم عن إعجابهن  وسيطلبن رقم تليفونها ، وبعضهن سيرغبن فى الكلام معه فى موضوع هام ، هام للغاية ، والأخريات سيسألن متى سيأتى ليأخذها من المدرسة مرة ثانية ، ليكنّ مستعدان لإستقباله بشعر مرتب ووجه مزوّق .. وأخريات .. وأخريات !!

تعرف ليلى أن معظم طالبات المدرسة لن يمانعن فى إظهار إعجابهن بجاسم ، وإبداء رغبتهن الأكيدة فى صداقتها ، بل سوف يتقرّبن منها ، يتوددون إليها ، رغم أنها طالبة ما زالت فى الصف الأول الثانوى ، فى حين أن معظمهن فى الصف الرابع الثانوى ، وكانت على رأس هؤلاء الطالبات .. دلال .. تلك الفتاة النضرة ، رائعة الجمال ، الممشوقة القوام ، أما سعاد بنت خالتها ، الطالبة بالصف الثالث الثانوى ، فقد كانت تستحى أن تظهر مع جاسم أمام الطالبات ، فهى رغم إعجابها العميق به ، تخشى أن تتكلم عنها بنات المدرسة ويسئن إلى سمعتها ، مثلما فعلن بزميلتهن دلال التى لم تتركها ألسنتهن فى حالهـا !

نعم ، لم يتركن دلال فى حالها منذ ذلك اليوم ، عندما رأينها تقف مع جاسم مدة طويلة تحدثه حين حضر لأخذ أخته من المدرسة ! منذ ذلك اليوم وهن لا ينقطعن عن الهمس والغمز واللمز ! والغريب أن دلال لم تعبأ بهن أيضاً هذه المرة ، لم تهتم بغيرتهن وألسنتهن ووقفت تبدى إعجابها بجاسم ، وإهتمامها بالحديث معه ، رغم صعوبة الظروف المحيطة ، وعدم ملاءمة المكان .. والزمان !

كانت سعاد ترقب الموقف من مكنها الأمين فى الباطن الأخير ، وهى تتعجب من جرأة دلال الزائدة عن الحد ، وتدهش من حركات دلال التى تكاد تطير من على الأرض طيراناً ، والتى لا تكاد تقف على بعضها ، فكل شئ فيها يهتز ، يرتجف ، يتحرك ، رأسها يهتز ، يتحرك ، كتفاها ، يداها ، وسطها ، قدماها ، كل شئ .. كل شئ !

تشعر سعاد بلسعة غيرة حارقة ، فهى تعرف إعجاب دلال العظيم بجاسم ، كما تعرف صلة القرابة البعيدة التى تربط بين أبيه وأمها ، لكنها تنتهد فى إرتياح فهى تعرف أيضاً أن أم جاسم لا تحب دلال ولا ت طيق أمها ، لذا لا تقلق كثيراً من ناحيتها ، فهى واثقة من حب خالتها التى تعتبرها كأبنتها ، و … تعود تسرح بخيالها فى دنيا أحلامها مع جاسم ، الذى تعجب به منذ كانت طفلة صغيرة فى العاشرة من عمرها ، والذى تتمنى أن تمضى معه العمر لتعرف الدنيا بأسرها أن جاسم حبيبها ، وحدها ، دون غيرها !

تذكر سعاد فى حنان كيف ظلت تحب جاسم فى صمت سنوات طوال ، تذكر كيف كانت تقضى ليها تفكر ، تحلم ، تتمنى ، أن تأتى اللحظة السحرية التى يعلن فيها حبه لها ، وتعلم الدنيا كلها إن سعاد حبيبته .. حبيبته .. لكنه .. للأسف لم يفعل ! لم يفعل !! لماذا ؟! لا تدرى ! لا تدرى !!

كان النادى كله فى الواقع يعشق جاسم ، يعجب بأخلاق جاسم وشخصية جاسم ، تلك الشخصية الرياضية التى إزدادت بريقاً وشهرة أثناء تصفيات دورة موسكو الأوليمبية التى عقدت فى بغداد قبل سبعة شهور ، عندما لعب منتخب الكويت ومنتخب العراق فى شهر مارس هذه السنة ، وإنتهى الشوط الأول 2 / صفر لصالح العراق .. !!

لكن .. فى الشوط الثانى ، بعدما أجرى المدرب تعديلاً فى صفوف الفريق ، إنقلبت المباراة وأصبح لاعبو الكويت يسيطرون على الملعب ونجحوا فى تسجيل هدفين سريعين .. وسرعان ما أحرزوا الهدف الثالث لتنتهى المباراة لصالحهم .. وتتأهل الكويت لنهائيات موسكو .. !

يتعالى الهتاف ، تصيح جماهير الكويت فرحاً ، تغمر البهجة الشوارع كلها ، يخرج الشباب يرقص داخل وخارج السيارات وهم يرفعون أعلام الكويت فخراً بهذا الإنتصار الرياضى الكبير الذى انتزعه أبطال المنتخب الوطنى بجدارة وقوة إقتدار فى تلك المباراة الحاسمة .. آه .. عاشوا .. عاشوا .. وعاشت الكويت .. عاشت الكويت .

تذكر سعاد أيضاً كيف كان أخوها فيصل لاعب كرة اليد فى النادى يغار من جاسم ، مرات كثيرة كانت تحدث بينهما مواقف صغيرة تؤدى إلى التوتر بينهما ، لكن جاسم كان يأخذ الموضوع بروح رياضية وينهيه ببساطة ، فى حين لم يكن الأمر هيناً على فيصل الذى كان يرفض أن ينهزم بسهولة أمام جاسم منافسه الأوحد فى النادى ، فلجأ إلى وسيلة أخرى
وهى لفت الأنظار إليه بإقتناء أحدث الساعات والسيارات ذات الأثمان الباهظة والشكل المبهر المثير !

لكن ، رغم تفاوت المستوى المادى بين الشابين ، إلا أن شخصية جاسم المنطلقة المؤثرة ، لم تجعل لهذه المنافسة الطفيفة أدنى اعتبار ، فالبنات ما زلن يفضلن جاسم ، ولا يستطعن إخفاء إعجابهن به ، رغم كل شئ ، يبقى جاسم الناصر ، نجم النادى الأول المحبوب من الجميع ، ونجم المنتخب الوطنى اللامع فى دورة موسكو الأوليمبية ، التى لعب فيها بتألق مباراة الكويت والاتحاد السوفيتى ، حتى إن الرئيس الروسى بريجينيف أجل اجتماعاً مهماً حتى يشاهد هذه المباراة الهامة !

تبقى تدور الأحداث ، تتشابه المواقف ، تبقى تركض الأيام ، تتعاقب الأسابيع والشهور والفصول ، وجاسم مشغول بكرة القدم التى يعشقها منذ صغره ، تقول أمه ضاحكــة :

– جاسم لعب الكرة قبل ما يتعلم المشى .. أكيد كان بيتمرن وهو فى بطنى !

كما تبقى تدور سعاد فى فلكها الخاص ، تظل تخفى عن الجميع مشاعرها ، حتى تكاد تخفيها عن نفسها ، فهى تخشى أن يدرك أحد مكنون قلبها ، حتى أقرب الناس إليها ، أمها ، وليلى بنت خالتها ، فسعاد بطبعها خجولة ، حساسة ، هادئة ، وادعة ، خفيضة الصوت والنظرة ، وإن كانت غزيرة الشعور ، زاخرة الاحساس .

.. تظل تدور الأيام ، تمضى الليالى والساعات ، وظروف الحياة تجمعهم حيناً ، وتباعد بينهم أحياناً ، ينتهى العام الدراسى بنجاح الجميع ، تلتحق دلال بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية ، فتتاح لها فرصة أوسع لملاحقة جاسم والإتصال به ، والسعى للقائه ، حتى فى مستشفى الصباح بعد أن عيّن طبيب إمتياز بها !

كانت تذهب إليه بإستمرار مدعية كل يوم مرضاً مختلفاً ، أيضاً لم تكن تكف عن حضور كافة مبارياته دون أن تفوتها مباراة واحدة ! فى حين كانت سعاد تسبح فى دنياها الواسعة الساكنة ، تحاول أن تقضى وقتها بين صفحات الكتب ، والإستماع إلى الموسيقى الهادئة ، ذات الإيقاعات الحنونة الحالمة ، خاصة أغانى مطربها المفضل عوض الدوخى
الذى تعلقت بصوته منذ تخرج وهى طفلة مع أبيها فى سيارته ، وهى تدندن معه أغنيته المفضلة :

يا ليل دانا لنا

يا ليل دانا لدانا

والليل حلو الندامة

والزين عدى الكلام

عديت باب الغوى

قالوا العواذل علام

يا ليل دانا لنا

يا ليل دانا لدانا

فى الحقيقة .. كان جاسم حلماً بعيداً من أحلام سعاد ، كان بقامته المديدة الفارعة وعضلاته القوية المفتولة ، وأكتافه الكبيرة البارزة ، وصدره الواسع العريض ، وشعره الأسود الغزير الذى يبلله العرق ويتساقط منه على رقبته الضخمة القوية .. بطلاً أسطورياً يحكم ويتحكم فى مملكتها ، لكنه رغم هجومه الساحق بالكرة على مرمى الفريق الآخر مسجلاً دوماً أهداف الفوز والإنتصار ، لصالح فريقه فى معظم المباريات ، للأسف ، لم يفكر يوماً واحداً فى مهاجمتها .. أو حتى النظر إلى مرماها !!

تتنهد سعاد فى حسرة ، توقن أنها لم تكن يوماً ما هدفاً لجاسم ، تقتنع أنه لم يرها ، ولن يهتم حتى أن يراها !! تعود تواسى نفسها معزية فى رثاء :

– يجوز يشعر بى فى يوم من الأيام !!

تنهض سعاد من مقعدها ، تلقى فى ملل قصة لم تكملها ، آه .. فشلت المحاولة للمرة الألف ! لا جدوى .. لا فائدة .. جاسم يسكن عمق أعماقها ، فكلما حاولت أن تتباعد عنه ، أو تتناساه تجده بقوة وثبات يحتل تفكيرها ، يملأ وجدانها ، يطغى على إحساسها ، وعواطفها ، وأفعالها !! إحساسها به أنه دوماً موجود .. موجود .. لكنه .. يا للعذاب .. مشغول عنها بدلال ، تلك الفتاة التى تتأجج نضارة وجمالاً وفرحاً ومرحاً ، والتى تستطيع بمظهرها المبهر المثير أن تدير الرؤوس ، وتسلب العقول ، فهى ذات شعر بنى طويل ، عيونها فى لون العسل الذهبى ، بشرتها صافية خمرية اللون ، جسمها يتفجر أنوثة وإغـــراء !

لا تحتمل سعاد الموقف طويلاً ، تحرقها نار الغيرة من دلال ، تقف تطالع نفسها أمام المرآة الطويلة المثبتة فى دولابها ، تتأمل قامتها الطويلة وعودها المتناسق الجميل ، تهز شعرها الأسود الأملس الذى يقف عند كتفيها ، تنظر حانية إلى عينيها الواسعتين الداكنتين ، يزداد شوقها وهى تذكر عينى جاسم ، فتبتسم .. وتبتسم ، فالشبه بينهما واضح فى العيون بالذات .. !

ترجع تجلس فوق مقعدها الوثير ، تلقى رأسها إلى الوراء ، تسندها على ظهر
المقعد ، تدرك يائسة أن دنيا جاسم واسعة ، واسعة ، وأنها دنيا لا تتسع لها ، فهو لا يشعر ولا يحس بها ! رغم حبها العميق له ، وإعجابها الشديد به ، وشوقها الدائم إليه ، تبقى سعاد تتألم . تتعجب . وهى تسمع أخبار مقابلاته الكثيرة المتعددة مع دلال ، تلك التى لم تخف إعجابها به ، وحبها له ، منذ كانت طالبة معها فى المدرسة الثانوية !

تنهض سعاد من جلستها على صوت أبيها يناديها كى تكلم شقيقها الكبير عبد الله الذى يدرس الهندسة فى أمريكا ، تركض تتحدث مع أخيها ، تسأل عن أخباره ، تجلس مع أبيها الذى يحبها أكثر من روحه ، ويتعلق قلبه بها منذ ولادتها ، تجلس سعيدة بقربه ، فهى تأنس بصحبته الحلوة التى تشغلها عن قلبها ، وتنسى معه أفكارها ، التى تذكرها بحبها اليائس ، وعذابها المستمر .. !

تنتهى المكالمة ، فيلحظ بدر أخوها وجومها ، كما يلمح الدموع فى عينى أمه ، فيقفز مقلداً لهم النجم المفضل عبد الحسين عبد الرضا فى مسرحيته الناجحة الضاحكة ” عزوبى السالمية ” التى شاهدها بالأمس للمرة الخامسة حتى حفظها صم !

ينهمك بدر فى تمثيل كل من دور عبد الحسين عبد الرضا وسعاد عبد الله بطلة المسرحية ، حتى يزن من يسمعه عن بعد ، أن سعاد وعبد الحسين موجودين بالفعل هنا ، وأنهما يقفان فوق خشية المسرح يؤديان دورهما أمام الجمهور !! صدق ، تقليد بدر جاء متقناً كل الإتقان حتى فى الصوت ، والحركة ، والأداء .. !

تضحك سعاد من قلبها ، فى حين تتفرج أسرير أمه عن ابتسامة سعيدة بخفة دم ابنها المغرم بالفنان الكبير ، الذى يعرف أنها تحبه وتحب تشوف تمثيله ، لذلك هو ما يقّصر أبداً فى تقليده لها ، لإضحاكها وإدخال السرور إلى قلبها !

حقاً .. منذ مجئ بدر إلى الدنيا ، قبل سعاد بخمس سنوات ، وأمه متعلقة به ، فقد ولد ملون العينين ، أشقر الشعر ، أبيض البشرة ، مستدير الوجه كالبدر ، لذا أطلقوا عليه إسم بدر وأحبوه وأحاطوه بكل مظاهر الحنان والعطف ، ودللوه كل التدليل حتى شبّ حنوناً ، عطوفاً طيباً ، حافلاً بالحب والعطاء الذى لا يبخل به على أحد ، وعندما أنهى دراسته الثانوية ، إعترض إخوته الكبار على إختيار المعهد العالى للفنون المسرحية ، إلا أن والده أيده فى رغبته تأييداً مطلقاً ، فهو يؤمن بالفن وبرسالته السامية فى تهذيب النفوس وبدوره الأساسى فى تغيير أفكار الناس والمجتمع .

وفى ليلة من ليالى الصيف الحارة الساخنة ، وبينما كانت سعاد فى زيارة بيت خالتها جلست تتحدث مع ليلى عن العطلة والصيف والسفر ، وعما إذا كانوا سيذهبون إلى لندن هذه السنة أيضاً ، فالخال أبو إبراهيم وأسرته سبقوهم ، وشقة أبيها المجاورة لشقة خالها خالية ما فيها أحد ، لأن فيصل لن يسافر لندن هذه السنة لأن زوجته تريد تروح باريس مع أهلها ، وعبد الله مسافر أمريكا ، والشقة خالية بإنتظارهم .

وقبل أن تنتهى الفتاتان من حديثهما إذ بصوت السيارة ” السبور ” المرتفع يقتحم
الآذان ، يدخل جاسم محيياً الجميع فى ضجة وصخب كعادته ، ينحنى يقبل خالته الجالسة على الأرض بشوق وحرارة ، يقترب من غرفة ليلى ، يطرق الباب ليرحب بسعاد وليسلّم على أخته الصغيرة التى يحبها ويحب أن يدللها ، فهو ما زال يعتبرها طفلة تستحق الدلع والتدليل ، يسألها مازحاً :

– هاه .. كنتم بتنمّوا فى مين ؟

تضحك ليلى وهى تجيبه عابثة :

– كنا بنّم فيك أنت يا جاسم .

يسأل فى دهشة وإستغراب :

– فينى أنا ؟! كنتم بتقولوا عنى خير ولا شر ؟!

تجيب ليلى متخابثة :

– كنا نقول أنك قاسى ومغرور وما تفهم .. !

– ما أفهم ؟! مين يقول هالكلام ؟!

تشير ليلى نحو أبنة خالتها وهى تقول :

– سعاد .. أصلها تقول أنها تحبك وتموت فيك وأنت ما تهتم بها ولا منتبه لها ..!

ينفجر جاسم فى الضحك وليلى وراءه تشاركه ضحكته ، بينما تصمت سعاد ، يصفر وجهها ، ثم يحمر ، ثم يصفر ، ثم يحمر ، تتلعثم فى الكلام ، تحاول أن تدارى عينيها عن عينّى جاسم وهى تنظر نحو ليلى كمن يبحث عن مخرج !

تطالعها ليلى بدهشة .. وبنفس الدهشة التى ينظر بها جاسم إليها ، يتبادل الشقيقان نظرات تدل على أنهما قد فهما حقيقة مشاعرها ، التى حاولت وجاهدت بصعوبة بالغة
إخفاءها .. وكتمها .. ومدارتها !

الفصل الثانى

أنين الحب !

يفهم جاسم بعض مشاعر سعاد فى تلك اللحظة الحرجة التى داعبته فيها ليلى ، لكنه لم يكن واثقاً من حقيقة هذه المشاعر ، فهو لا يستطيع التأكد من مشاعر إنسان نتيجة مداعبة عابرة من شخص آخر ، لذا ، لم يفكر فى الأمر كثيراً لأنه كان مشغولاً بأشياء كثيرة جداً إلى جانب إنشغاله بعلاقته بدلال ، وسرعان ما نسى الموضوع برمته !

و .. تبقى الظروف كما هى تتوالى ، تتابع ، وأسرة جاسم لها عاداتها وتقاليدها ، فالوالد أحمد الناصر ، العميد فى وزارة الدفاع ، رجل عسكرى حياته الضبط والربط ، والدقة والنظام وهو يرغب دوماً فى تطبيق أسلوبه العسكرى على كل شئ فى حياته ، لذا قبل أن يتكلم ، يعرف كل من فى البيت ماذا يريد ؟ ماذا يجب أن يقدم ؟ ماذا يجب أن يكون ، أو لا يكون ؟ دون عجرفة أو تكبر ، إنما بالتفاهم والاحترام .

فور دخوله البيت يتصرف الجميع بطريقة شبه عسكرية ، تثير إعجاب جاسم بهيبة والده ، وقوة شخصيته ، وهو يرى مظاهر الانضباط تسود البيت كله ، كان الجميع قد تحولوا فجأة جنداً مدربة تحت أمرة هذا القائد العنيد الذى يحكم ويتحكم بنظرة قاطعة حاسمة لا تحتاج أن تصحبها أوامر مكتوبة أو منطوقة ، فكل شئ يتم إعداده فى ميعاده ، وكل شئ محدد ومعروف ومنظم ، فالفوضى لا تعرف طريقها إلى حياة هذا العسكرى .

كان جاسم شديد الانبهار بشخصية أبيه ، ذلك الرجل السهل الصعب ، الدقيق ، المرتب ، المنظم ، الذى يعرف متى يتكلم متى يصمت ، ماذا يقول ، أين يتوقف ، أنه حقاً رجل قادر ، يعرف بالتحديد ماذا يريد ، ويقدر دوماً أن يصل إلى كل ما يريد ، دون حاجة إلى كلمات كثيرة ، أو عبارات فارغة ، وإن كان أحياناً يبدو عليه التأثر بموقف ما ، لأنه فى حقيقته طيب القلب ، عاطفى ، حنون . لذا .. هو رجل الموقف الصعب ، الذى يتعامل مع الواقع بطريقة أقرب ما تكون إلى الإنسانية الحقة ، بعيداً عن التعالى والترفع ، دون غرور أو تكبر ، فهو مفرط الثقة بالنفس ، ولديه قناعة عظيمة بقيمة الذات .

أيضاً لم يتوقف إنبهار جاسم بوالده عند هذا الحد ، كان أكثر ما يثيره فيه تلك العلاقة العاطفية الحميمة التى تربطه بأمه ، فهما فى حالة تفاهم دائم ، وحب كبير مستمر ، وهى بمرحها الزائد وخفة دمها تستطيع أن تمتص غضبه ، وأن تهدئ ثورته ، فهى لا تطيق أن تراه منفعلاً عابساً ، فهو صاحب المكانة الأولى فى هذا البيت ، له كل الحقوق ، وعلى الجميع أن يؤدوا له كل الواجبات .

فى الواقع لم تكن مكانة جاسم تقل كثيراً عن مكانة والده ، كانت له أيضاً نفس الأهمية ، وإن كان جاسم يختلف عن أبيه فى طريقة التعامل مع الآخرين ، فهو كثير الصخب والدعابة والمرح مثل أمه ، يثير البهجة دوماً مع كل من حوله ، ولا يكف عن الضحك والمزاح ، خاصة مع ليلى .. !

ليلى .. قطة البيت المدللة .. حلوة ، حنون ، ذات روح فيها خفة ومرح ، هى شديدة الشبه بجاسم ، لكنها ليست فى طوله ، كما أنها أنحف منه بكثير ، إلا أنها تمتلك نفس العينين ذات النظرة المخترقة النافذة ، القادرة على تقليب أعماق الأعماق ، وهى مثله شديدة الولع والإعجاب بأبيها ، خاصة عندما يدلف إلى البيت بقامته الضخمة المديدة ، مرتدياً زيه العسكرى الأنيق الذى يستهويها ، ويجعلها تباهى العالم أجمع بأن هذا الرجل الفارس هو أبيها ، الذى يهيم بها ، ويحظر عليها أن يقترب المقص من شعرها ، الطويل الأسود المسترسل .

أما دلال ، فقد كانت لا تعرف الكثير عن والدها ، فهو رجل يحب العمل والسفر ، يرحل من بلد إلى آخر طلباً لعقد الصفقات والراحة والإسترخاء ، وكانت نوال ، أمها ، الزوجة الرابعة الأثيرة المفضلة لدى هذا الرجل فى وقت من الأوقات .. كان والدها يهوى الترحال من الكويت إلى البصرة ، ثم من البصرة إلى القاهرة ، ثم من القاهرة إلى دمشق ، ثم من دمشق إلى الكويت ، هكذا .. أنه رجل يبحث عن الإثارة والمال والأعمال ، وهو لا يكف عن ترديد عبارته المشهورة :

– ترى العمر مرة واحدة .. والإنسان ما راح يعيش مرتين !

تولد دلال ، تجئ إلى الدنيا ، وهى لا تقل جمالاً عن جمال أمها ، نوال .. تلك المرأة الجميلة المثيرة التى كانت تتفجر أنوثة وسحراً ، فهى ذات بشرة ناعمة بيضاء ، وعيون عسلية واسعة ، وجسد بض يتيه بمعالم الأنوثة التى تبرز بوضوح لا يخفى على عين الناظر ، وكان أجمل ما يميزها شعر أملس ناعم طويل يكاد يغطى ظهرها ، وقد استطاعت بحسنها وجمالها أن تمتلك زمام هذا الرجل المغرم بالنساء فترة طويلة ، إلى أن تزوج عليها .. فصدمت فيه صدمة كبيرة زلزلت كيانها ، وأثّرت فى أعصابها !

ولم تكن نوال ، والدة دلال تملك الرفض إزاء إصرار أمها على إتمام هذا الزواج ، فانصاعت مرغمة ، قبلت ، رضيت بالواقع أملاً فى حياة مستقرة تحقق من خلالها أحلامها التى تتيحها إمكانيات هذا الرجل الثرى ! لكن .. لم تمض إلا سنوات معدودات حتى بدأ يتعالى الهمس بوجود زوجة جديدة فى حياته ، زوجة مصرية اشترى لها شقة على النيل فى الزمالك ، وبدأ يقضى معظم وقته فى القاهرة بجوارها ، فى حين تجاهل وتناسى وجود زوجته الرابعة نوال ، كما نسى وجود زوجته الأولى بنت عمه ، وأم عياله جمال وسناء وعادل ، كما لم يعبأ بالمرة بزوجته الثانية التى أصرت أن تقيم فى دمشق مع أهلها
فطلقها ، أما الثالثة فكانت تقيم معظم الوقت فى الكويت ، وإن كانت كثيرة السفر إلى أهلها فى البصرة !

جن جنون نوال التى تأكدت من صحة الإشاعة فأصرّت على الطلاق ، فلم يبد زوجها رفضاً أو ممانعة ، وافقها على الفور ، طلقها ، ودلال ما تزال طفلة صغيرة فى يدها ما تدرى شيئاً عن الدنيا ! وسرعان ما غاب عن حياتهما هما الإثنتان بعد أن ترك لهما مالاً وفيراً ، ولم تعد دلال تراه إلا فى المناسبات ! إذا سمحت ظروف سفره وترحاله !! ولم تلبث أن جفت مشاعرها نحو والدها تماماً ، كان ذلك على النقيض من سعاد ، التى لم تكن تحب فى حياتها مخلوقاً قدر حبها لأبيها ، ذاك الرجل المعطاء الذى يمنح الحب والمال بسخاء ، بلا حدود ، كما يمنح العطف والحنان لكل من حوله بلا استثناء !

كان هناك دائماً نوع من الحب القوى الذى يربط بين أفراد هذه الأسرة ، كانت الأمور هادئة مستقرة تحت سقف هذا البيت الكبير الواقع فى منطقة الشامية ، الذى تحيطه حديقة واسعة رائعة التنسيق ، باسقة الأشجار ، والذى يخيم على جو رائع وديع من المحبة والود والترابط والإيثار .

كان أهل البيت يفرحون كل الفرح بدخول رب الأسرة الطيب عليهم ، الذى يبعث بمجرد دخوله البيت شعوراً عارماً يغمر الجميع بالإرتياح والفرح ، وأولهم سعاد التى تركض نحوه تحضنه ، تقبله ، تضمه فى شرور وشوق ولهفة ، وتاليهم زوجته أم عبد الله ، تلك المرأة الوديعة الطيبة ، التى لا تقل عنه حباً وعطاء وسخاء . صراحة .. الكل يحبه ، حتى الهنود الذين يقومون بخدمة البيت يحبونه ، يفرحون لقدومه ، السائق الهندى نفسه رفض أن يأخذ أجازته العام الماضى وأبى أن يسافر إلى بومباى لأن أبو عبد الله كان مريضاً ..!

و .. تبقى تدور عجلة الزمان ، تلف الأيام والساعات ، يبقى يتعاقب الليل والنهار والشواهد كلها تؤكد استمرار علاقة جاسم بدلال ، التى ازدادت وضوحاً وإنتشاراً ، فدلال تحب أن يعرف الجميع بأمر هذه العلاقة ، بالذات سعاد ، لأن دلال تفاخر وتباهى بأنها صديقة جاسم وتتمنى أن ينتهى هذا الحب بالزواج !

فى الحقيقة ، كانت دلال تعتبر علاقتها بجاسم علاقة طيبة ، سوف تنتهى بطريقة طبيعة ، كل ما فى الأمر إن جاسم ما زال يحتاج بعض الوقت كى يستسلم للأمر الواقع ، ويقّر موضوع الزواج . المشكلة الوحيدة فى حياتها ، أنها لم تكن مطمئنة إلى نتيجة علاقتها بجاسم ، فهناك دوماً سعاد ، بجمالها النفاذ وتأثيرها العميق ، وشخصيتها الساحرة ، وعقلها الكبير ، وسمعتها النظيفة النقية وثرائها اللامحدود ، كما أنها قبل ذلك كله بنت خالته ، ودلال تعلم علم اليقين مدى الحب الكبير بين الأختين ، أم جاسم وأم عبد الله ، لذا يظل هذا الخاطر يقلقها كثيراً ، يؤرقها دائماً ، فكانت كلما فكرت فى هذا الموضوع بعمق تستشعر الخطر من تلك المنافسة غير العادلة بينها وبين سعاد !

لكن لا .. دلال لا تيأس أبداً ، تظل تقاوم شعورها بالقلق حيال سعاد ، ترفض فكرة الاستسلام للهزيمة فى هذه المعركة المصيرية ، فتعيد تخطيط سياستها ، تقرر تكثيف الهجوم والإقتراب من الهدف ! لذا .. تسميت فى مطاردة جاسم ، تقتفى أثره فى كل مكان ، تبحث عن حل يرضيها ويساعدها على تفهم الكثير عن شخصيته ، فهى تعرف أنه لن يفكر يوماً فى أمرها لأنه يختلف عن هؤلاء الشباب الذين يضعون عقولهم فى أقدامهم ، ويفقدون إرادتهم أمام البنات ، لا .. جاسم قادر على ضبط نفسه على التحكم فى عواطفه ، ومراعاة كلامه وأفعاله ، فهو عميق الشعور بالذات ، كبير التقدير لأسمه ومكانته .

إذن .. الحل فى رأى دلال أن تتواجد هى فى حياته ، أن لا تدع له وقتاً كافياً يخلو فيه لنفسه كى لا يفكر فى غيرها ، يجب أن لا تعطيه الفرصة لأن يفعل ذلك ، لابد أن تبقى دوماً أمام عينيه وبالتالى فى قلبه ، فالبعيد عن العين بعيد عن القلب ، ثم أن التعود عليها ، والإرتباط بها ، سيجعله ضعيفاً أمامها ، لا يقدر على بعادها ، لأن الألفة والإرتباط الزائد يساعدان على إستمرار الحب ، هذه هى وجهة نظرها ، كان هذا منطق دلال ، وكان ذلك محور تفكيرها ، لذا أخذت تفتش عن جاسم فى كل مكان ، بدأت تتصل به فى أغلب
الأوقات ، كل الأوقات ، لا يردها عنه شئ .. !

تبدأ دلال تشن حملة مطاردة رهيبة ، لم تعد تسمح لجاسم أن يغيب عنها نصف نهار دون أن تعرف أين ذهب ، مع من تكلم ؟ ماذا قال ؟ متى رجع ؟ لماذا لم يخرج من البيت ؟ ماذا كان يفعل فى البيت ؟! من كان عندهم .. سعاد كانت عندهم ؟! ولا تكف دلال عن الاتصال به فى جميع الأماكن ! حتى فى البيت عرفوها ، أمه وأخته وأبوه ، إلا أنها كانت تتصرف معهم بحذر ، فهى لم تكن تفعل ذلك كثيراً ألا لو كانت مضطرة بالفعل .

ظلت دلال تحاول أن تحى صلة القرابة القديمة ، إلا أن أم جاسم لم تعطها وجهاً ، بينما كان والده لطيفاً بشوشاً معها ، كثيراً ما كان يسألها عن أحوالها ، وأحوال أمها وجدتها ، فهو ما زال يحس حنيناً خاصاً نحو دلال ، إنها تذكرة بصورة أمها الحسناء الساكنة ما تزال فى أعماقه ، كما لا ينسى حب جدتها له ، وترحيبها به ، حين كان يدخل عندهم ، فى بيتهم القديم بالمرقاب ، وهو عطشان ، فتسقيه بينما كان يتصبب عرقاً بعد طوال اللعب مع صبيان وبنات الفريج وبينهن نوال .. ماركور طاح بالتنور ودوامة وهمايا ودرباحة وحيلة ..!

يتذكر أبو جاسم أيضاً ليالى القرقيعان عندما كان يطوف بالأبواب ومعه نوال والصغار ، صبيان وبنات وكيف كانت أمها تجزل له العطاء ! يتنهد .. يا لها من أيام . يعود يتنهد :

– إييه .. كانت أيام .. والله كانت أيام ..!

الحين .. كل شئ تغير . الدنيا تغيرت . الناس تغيرت . حتى أبو جاسم نفسه تغير بعد عمله العسكرى فى وزارة الدفاع ، وقبل ذلك دراسته للعلوم العسكرية غيرته ، جعلت منه إنساناً آخر ، منضبطاً ، متزناً ، منطقياً ، حاسماً ، حازماً ، لذا لم يكن ممكناً أن يتفق فى الرأى والقول مع عديله أبو عبد الله ، الذى يختلف عنه فى كل شئ ، فى الشخصية ، فى الطباع ، فى الأفكار ، فى التصرفات ، فقد كان الأخير يأخذ أمور الدنيا ببساطة وسهولة ويسر ، فى حين يأخذها أبو جاسم بحزم وحسم وجدية .

الظريف فى الموضوع ، إن الشقيقتن تتجاهلان تماماً هذه الفجوة النفسية بين
الزوجين ، لا تهتمان مطلقاً بهذا النفور أو الجفاء – ما علينا – بل كثياً ما كانتا تتندران به ، وتضحكان عليه ، وتبقيان كما هما ، محتفظتين بعاداتهما الطبيعية فى تبادل الزيارات شبه اليومية التى لا تنقطع ، وفى حبهما ورعايتهما لسعاد وليلى اللتان تجمعهما ألفة ومحبة منذ الصغر ، آه .. أنهما أيضاً تتمنيان أن يتزوج جاسم وسعاد ..!

لكن .. جاسم اعتاد أن ينظر إلى سعاد على أنها طفلة صغيرة تلعب مع أخته ، فهما تلهوان معاً ، تضحكان معاً . تتخانقان معاً . معاً . وكانت نظرة جاسم تشملهما هما الاثنتين معاً ، خاصة وأن سعاد تكبر ليلى بحوالى أربع سنوات ، فى حين كان جاسم يكبر سعاد بثمانية أعوام .

لم يكن جاسم يتردد على بيت خالته كثيراً ، كانت صلته بأشقاء سعاد فاترة ، خاوية ، اللهم إلا من بعض ذكريات لعب الصبيان وشقاوتهم ، بعدها .. حين كبروا ، سافر عبد الله إلى أمريكا لدراسة الهندسة ، وفيصل ، الأخ الثانى الذى يقارب جاسم فى العمر ، والذى يلعب كرة اليد فى نفس النادى ، التحق بكلية الشرطة ، ثم صار أكثر تباعداً ، بعد أن تخرج وتزوج وانشغل بعمله وحياته الخاصة .

أما بدر ، الأخ الأصغر ، فهو أكثرهم خفة ظل وخفة دم وخفة روح ، فهو يحب التمثيل ويهوى محاكاة الآخرين ، وما أن يشاهد مسرحية أو فيلماً ، أو يتابع مسلسلاً إلا ويقلد الأبطال فى كل شئ ، الصوت ، الحركة ، طريقة المشى ، طريقة الكلام ، حتى يقتنع من يراه ويسمعه ، أنه يشاهد العمل الفنى متكاملاً ، لأن بدر فى الواقع يقدر يتقمص عدة شخصيات فى وقت واحد !

أما سعاد ، وهى الأخت الوحيدة التى أتت إلى الدنيا بعد كل هذه السنوات ، ظل إخوانها الصبيان يتخاطفونها كالدمية بين أيديهم يداعبونها ويلاهبونها ، فازداد جو البيت بهجة بوجود هذه البنية الصغيرة ، وتعالت ضحكات أبيها وجدها وهما يمزحان معها ، وكانت فرحة أمها لا تقّدر وهى ترى ابنتها الصغيرة الجميلة ، تكبر وتنمو وتزداد جمالاً أمام عينيها يوماً بعد يوم .

فى الواقع .. تغير الإحساس العام فى البيت بعد أن أتت هذه البنت اللعبة التى ملأت البيت بضحكاتها ، وصتها ، وحتى بكائها ، فرحة وحياة . جاءت سعاد وجاء الخير والسعادة معها لأهلها فبعد مولدها مباشرة قفزت أثمان العقارات إلى أرقام خيالية ! ارتفع سعر
الأرض ، جاء التثمين من قبل الحكومة التى إحتاجها لشق طرقاً جديدة ، فتدفقت الأموال على أبيها كالمطر ، فتفاءل بوجودها وإعتبرها هدية من الله .

فى الواقع ، لم يكن والد سعاد وحده المغرم بصغيرته ، فجدها أيضاً كان متيماً بها ، وهو الذى أطلق عليها اسم زوجته رحمها الله ، كان الجد صاحب هذا الخير ، فهو الذى إنتقى وإشترى قطع الأراضى المتميزة ، وهو الذى بدأ العمل فى مجال العقارات من زمان ، ثم سار أبنه الكبير سالم على دربه ، ساعده فى ذلك دراسته للتجارة فى جامعة القاهرة .

ظلت سعاد طوال طفولتها تنهل حباً متصلاً صافياً ، من الجد تارة ، ومن الأب تارة ، ومن الأم تارة ، ومن الأخوة الثلاثة أغلب الأوقات ، كانوا يحنّون ويعطفون عليها ، بل كانوا يبالغون فى سبغ هذا الحب والعطف والحنان ، إلى درجة أنهم كانوا يخشون من النسمة العابرة أن تهز شعرها ، لكن هذا النبع السخى المتصل من الحب لم يجعل سعاد طفلة لاهية ساذجة ، لا .. بل كان هذا الحب المتدفق سبباً مباشراً فى تعليمها كيف تكون أمور الدنيا منذ نعومة أظفارها ، وكيف يمكن معاملة الناس ، وكيف تتم طرق البيع والشراء ، وما هى أسس النجاح فى إختيار العقار ؟! وعرفت سعاد إجابة هذا السؤال ، وهى طفلة ما تزال تبدل
أسنانها ، كما تبدل موقعها بين حجر أبيها وحجر جدها !! ألا وهو الموقع . ثم الموقع . ثم الموقع !

سمعت سعاد الحوار المتصل بين والدها وجدها وهى تلهو حولهما ، عندما كانا يتناقشان فى أمور البيع والشراء أمامها ، عرفت كيف يتم تحديد الثمن وكيف يكون أسلوب السداد وما هى طرق المساومة والفصال ، وشروط البيع لقطع الأراضى ، سواء تلك التى على البحر فى السالمية ، أو غيرها فى بوحليفة .. أم الأفضل إختيار قطعاً أخرى فى المناطق التى لم يصلها العمران بعد ، فى الفروانية والصليبخات وجليب الشيوخ وخيطان ؟! أم تلك التى تقع على البحر مباشرة فى الفحاحيل والفنطاس وسيكون لها شأن كبير فى المستقبل القريب بعد شق الطريق الجديد ؟!

وهكذا ، عرفت سعاد سر النجاح فى مجال العمل بالعقارات ، وهى تأكل الحلوى ، أو تمضغ العلك ، أو تشرب العصير ، سمعت سعاد الكثير من المشاكل وتعلمت كيف تتم مواجهتها وكيف تقدر على حلها ، كما عرفت كيف تعقد الصفقات ، بينما كانت تنط وقفز فى جو مشوق ممتع فيه أنس وفرح ، فقد كانت سعيدة بوجودها مع أبيها وجدها ، اللذين كانا يصحبانها معهما بالسيارة لمشاهدة قطعة أرض جديدة ، أو عقار يودان تقدير ثمنه ، وأحياناً كانا يطلبان رأيها لأنهما يتفاءلان بوجودها ، ويستبشران بها .. وكانا يطلقان عليها سعاد ، أم السعد .

فى حقيقة الأمر ، إمتصت سعاد هذا الكم الهائل من الإحترام والحب ، وعكست هذا الكم الهائل من الإحترام والحب بروحها الحلوة ، ودفء إبتسامتها ، ومشاعرها الجياشة ، وحرارة ترحيبها وصدق إهتمامها ، دون تصنّع ، فهى بطبيعتها تجيد التواصل مع الناس ، وتتقن فن التعامل مع الآخرين برقة وذوق وإحساس .

سعاد ، فى الواقع ، تعلمت الكثير من حكمة جدها وبراعة أبيها ، فأكتسبت منهما الكثير ، فنشأت رزينة ، عاقلة ، غير متسرعة ، عميقة التأثير ، دافقة العطاء ، مسئولة ، ملتزمة ، طيبة ، تترك أثراً حانياً يبقى فى الناس .. حيث ينطبع ولا يزول !

هذه هى سعاد التى تفيض حباً وحناناً وعطاء لكل من حولها ، والتى تصدق فى كلامها ووعدها ، وتحترم وتعتز بنفسها ، وهى تخشى أن تخدش كرامتها أو يهان شعورها أو يطعن قلبها ، لذا لم تأخذ مزاج ليلى معها أمام جاسم بسهولة ، ظلت تسترجع الموقف نظرة . نظرة . كلمة . كلمة . حركة . حركة . و .. ضحكة . ضحكة !

نعم .. لم تزل نظرة الدهشة التى رأتها سعاد فى عينى جاسم تجرح روحها ، لم تزل ضحكاته ترن بين جدران قلبها ، لم يزل صداها يضج فى أعماق أعماقها !! إنها تذكر تلك الليلة الصيفية الطويلة ، وكيف ظلت ساخرة مسهدة حتى آذان الفجر ، منذ مازحت ليلى جاسم وأوحت له بحبها . آه .. كيف جرؤت ليلى أن تفعل ذلك بها ؟! كيف خطر ببالها أن تخضع حبها لنكتة أو مزحة كهذه ؟!

كان الصراع الداخلى فى قلب سعاد يتفاوت بين السخط على مزاج ليلى ، وبين الرضا عن مصارحتها جاسم بما تكنّه من مشاعر نحوه ، كان يمنعها حياؤها وكبرياؤها عن كشفها والبوح بها ..!

أيضاً .. كان الشئ المؤلم فى الموضوع ، الذى ظل يسحق شعور سعاد ، أن جاسم اعتبر الموقف ضحكاً أو هزاراً من ليلى ، ولم يفكر فى أهميته بالنسبة لها ، ولم يدرك خطورته وحساسيته عندها ، لأنه تجاهل كل شئ ، ومضى فى حياته كما هو ، مبقياً على صلته بدلال .. كأن شيئاً لم يكن !!

بالتأكيد دلال خططت لذلك من زمان ، وهى ماضية فيما تفعل إلى النهاية ، لذا ، تستسلم سعاد للأمر الواقع ، تترك مكرهة الأمور تسير كما هى ، خاصة وأن الظروف أيضاً ساعدت دلال على الإقتراب من جاسم ، بعد أن صممت أمه على إلحاق ليلى معها بمدرستها ، رغم أنها خارج منطقة كيفان ، إلا أن أبو جاسم إستطاع بالواسطة الحصول على موافقة وزارة التربية ، كما أن دلال لم تكن قد أنتقلت مع أمها إلى بيتهم فى السالمية بعد ، وبقيت فى بيت جدتها بالمرقاب .. وهكذا .. شاءت الظروف أن تجتمع البنات الثلاث فى مدرسة ثانوية واحدة .. يتردد عليها جاسم من وقت لآخر ..!!

ومع الوقت .. لا تعود سعاد تعبأ بشئ آخر غير حبها لجاسم ، ذاك الحب الذى يحلو لها أن تحبه ، وتحبه ، حتى لو كان حباً يائساً ، حباً من طرف واحد .. لا أمل فى تبادله !

وذات يوم رمادى الهواء والسماء ، تعلم سعاد أن جاسم على وشك السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن قبل ضمن أفراد البعثة الطبية فى وزارة الصحة ، تسمع سعاد هذا الخبر ، فتكاد تفقد وعيها حزناً على فراق جاسم .. كان لديها بصيص أمل فى أن تجعله يشعر بها ، يحس بها ، يلمس مدى حبها ، لكن .. ضاعت الفرصة ، فدلال ما تزال تقطع الطريق ، وتسد بوجودها باب الأمل أمام قلبها !

فى ذلك المساء القاتم ، قبل سفر جاسم بساعات ، أقام النادى حفلاً كبيراً لوداع البطل كابت الفريق ، حضره عدد كبير من اللاعبين والمشجعين ، تقترب مراسم الحفل من
الانتهاء ، يبدأ جاسم يودع من حوله ، يقترب من أخته ليلى التى يبدو عليها التأثر العميق يقول لها مداعباً ، ضاحكاً ، وهو يربت على كتفها فى حنان :

– منذ متى وأنت تحبينى بهالشكل يا ليلى ؟! والله اللى يشوفك الحين يقول صدق تحبينى ..!!

يدنو من دلال التى تعجز عن النظر إليه ، تبدو فى حالة إنهيار تام ، وبكاء ونحيب متصل ، ودموع لا تنقطع ، يطالعها محرجاً من تأثرها البالغ البادى أمام الجميع ، يقول لها مازحاً :

– دلال .. سكتى الله يخليك .. يا دلال أنت لو شفتى قطة مسافرة الحين راح تبكين عليها .. سكتى أرجوك .

تحاول دلال أن تتماسك وأن تتظاهر بالهدوء ، لكنها تعجز عن ذلك ، تظل تبكى بنفس الدرجة ، ونفس القوة ، ينصرف عنها جاسم مقترباً من سعاد التى تقف ساكنة جامدة كتمثال بلا روح .. ولا حياة !

يدنو جاسم منها ، يقترب ، يقف ينظر إليها نظرة عميقة نافذة مسائلة فتطرق إلى الأرض بعينيها وقلبها يرجف ، ومشاعرها تشتعل ، وهى تحس دماء ساخنة تصعد ناراً تحرق كيانها .. تتشاغل بالنظر إلى ليلى ودلال الغارقتين فى بحر من الدموع ، فى حين يبقى جاسم واقفاً يرنو إليها وحدها ، يطالعها وحدها ، كأنه يبحث عن شئ ما يسكن أعماقها .. شئ يود العثور عليه ! لكنها سعاد .. العميقة عمق البحر الذى لا قرار له ، والذى لا يقدر أحد على سبر أغواره السحيقة لا توحى له بشئ ! يصمت جاسم هنيهة ، ثم يضحك وهو يرنو إلى الفتاتين الباكيتين قائلاً :

– شوفى حالتهم كيف صارت ؟! أنا ما أدرى ما هو السبب .. أكيد فيه سبب تانى غير سفرى !

يعود يقول لسعاد وهو يشد على يدها بقوة ، بينما ينظر إليها بإعجاب :

– خذى بالك من نفسك يا سعاد .. فى أمان الله .

يبتعد جاسم متجهاً إلى مبنى إدارة النادى ، يغادر بعد لحظات إلى المطار بصحبة عدد كبير من الإداريين ، واللاعبين ، والمشجعين ، حيث يلتقى فى المطار بالأطباء المسافرين ضمن بعثة وزارة الصحة ، والأطباء المودعين لزملائهم المغادرين .

ترجع سعاد إلى البيت وهى ما تزال تلتف بالسكينة والهدوء ، تتستر باللامبالاة والبرود ، تخبر أمها بحفل النادى الذى أقيم لتوديع جاسم ، تصف الاحتفال لها بطريقة عادية طبيعية كأن الأمر لا يعنيها نهائياً .

تدخل غرفتها . تغلق الباب خلفها فى هدوء . تقف تبدل ملابسها فى هدوء . ترتدى قميص نومها فى هدوء . وهى تنعى نفسها . تلعن ضعفها . تكره عجزها عن التعبير عن مشاعرها .. وكشف حبها ..!

تفتح جهاز التسجيل الموجود بجوار سريرها . تضغط زر التشغيل . ينساب صوت عوض الدوخى فى حنو وحنان بين أرجاء الغرفة :

 

ظالم أقول .. وإلا أنــا

ويايا دومك فى الهــوى

ظالم أقـــــــول..

منيت قلبى بالمنـــى..

ما كان أكثر من النــوى

تتحرك سعاد ساهمة تبحث عن لا شئ . تتوه هائمة فى كلمات الأغنية التى تملأ جو الغرفة الساكنة بألحانها الحانية الآسية ، فتنساب دموعها أكثر وأكثر ، وهى تتمعن فى المعانى التى تحسها تنطبق بصدق على شعورها فى هذه اللحظة الحزينة التعسة !

تعود تفكر فى حنق وغيظ وثورة على نفسها ، وهى تعتبر تعلق جاسم بدلال
خيانة لها ، وأمتهاناً لحبها ، فهو حبيبها منذ طفولتها ، وهو حلم خيالها منذ أحست بنفسها وأدركت طبيعة شعورها .. تنهمر دموعها ، يشتد نحيبها ، لا تستطيع أن توقف بكائها ..!

تبحث عن حبوب تخفف آلام الصداع الذى يفتك برأسها ، تعود تفكر وهى تلوم
نفسها ، كيف لم تستطع أن تنفث عن حزنها لحظة وداع حبيبها .. كيف ؟! لماذا ؟! لماذا ؟! أليس من حقها أن تفصح عما فى نفسها ؟! أم أن ذلك كله من حق دلال وحدها ؟! دلال .. كيف تسمح لنفسها أن تبكى كل هذا البكاء ؟! بأى حق تعلن حبها لجاسم بهذه الطريقة الواضحة المكشوفة أمام كل الناس ؟! بأى حق ؟! بأى حق ؟!

تصارع سعاد يأسها وإحباطها ومرارة إحساسها ، تقاوم شعورها بالعجز وقلة الحيلة ، تحاول أن تأخذ نفساً عميقاً ، لكنه يخرج ثقيلاً مكتوماً ، مهموماً تتناوبها تنهيدة ترفر ناراً حامية تخرج من أعماق أعماقها ..

تنظر إلى جدران غرفتها مخنوقة . مكدودة . محبطة . لا تدرى ماذا تفعل بعد أن ضاقت الدنيا فى عينيها وأطبقت الجبال على صدرها فسحقت قلبها . تبلع حبتين مسكن للصداع . تتمدد على فراشها كارهة التفكير فى نفسها التى منعتها أن تكون ضعيفة ، فحالت بينها وبين التعبير عن ذاتها ، وإظهار مشاعرها ، وكشف إحساسها ، والبوح .. بحبها !

تتقلب سعاد فى فراشها مسهدة ، تمد يدها تطفئ النور ، تخفض بعض الشئ الصوت الذى ينساب ممتزجاً مع الليل والوحشة والأسى والأنين :

آه من حيك ويلى … هولى مرّ المذاق

تتأمل سعاد سماء سوداء تتشح برداء من النجوم المسهدة الساهرة ، وضوء خفيف يتسلل من النافذة إلى فراشها .. تحس شاعرية اللحظة تنزف ألماً خارقاً فوق ضعفها ، فوق تحملها ، فوق طاقتها ، تزداد نقمة على قوتها وثبات شخصيتها وإحساسها البالغ بكرامتها ، تلك التى منعتها أن تبكى فى حرقة وضعف ووهن .. كما بكت دلال !!

تنكفئ على وجهها ، تضع يدها على فمها تكتم زفراتها ، تنقلب على جنبها وهى تفرك عينيها بأصابعها ، تشد المخدة من جوارها تضعها فوق رأسها ، و .. يبدأ يصحب حزنها صوت عوض الدوخى ساهراً ساحراً هائماً بين جنبات الحجرة :

عذبنى هواك .. لوعنى جفاك وحبى بعده فى أولــــه

أنساك واشتاق .. وليل الشوق .. على العشاق ما أطوله

مهما تنسى .. ومهما تجفى .. من الصعب قلبى تهونـه


الفصل الثالث

.. عشـقّ الشـــوق !

يصبح كل شئ فى نظر سعاد خاوياً .. خالياً .. بعد سفر جاسم ! هذه المرة طعم الحياة يختلف . الهواء نفسه يختلف . فهى منذ ولدت لم يبعد عنها جاسم كل هذا البعد . كل هذا الوقت . صحيح هو بطل رياضى كثير الأسفار ، كثير الرحلات ، إلا أنه هذه المرة قد رحل بعيداً . هناك فى أمريكا ، لكن .. لا يهم ، فهو على الأقل موجود . يكفى أنه موجود ، ويكفى أنه حبيبها .. حبيبها .. حبيبها .

تعيش سعاد بعد سفر جاسم أصعب أيام عمرها . تضطرب نفسيتها . تهتز ثقتها بنفسها . تحاول أن تعيش حياتها وأن تتحرر من عبودية حبها . لكنها لا تقدر . لا تستطيع . فقد كانت تتمنى أن يصارحها جاسم بحبه قبل أن يسافر . آه .. لكنه سافر . سافر ! تكره سعاد كل شئ حولها . تفقد الرجاء فى تحقيق الأمانى الحلوة التى طالما حلمت بها . تحذف حقائق كثيرة تحيطها ، ولا يبقى يؤنس وحدتها سوى حقيقة وحيدة أكيدة ثابتة هى .. حبها لجاسم !

تشرب سعاد مرارة الفراق فى صبر وهدوء وسكون . هذا الشوق المرّ المذاق . هذا العشق الشديد المرارة كالعلقم ، لا يغير طعمه سوى سماع صوت جاسم من وقتِ لآخر ، عندما تكون عند ليلى ، فهو لا يتصل بها فى البيت أبداً !

تحاول سعاد رغم ذلك العذاب أن تحتفظ بهدوئها وسكونها ، فتمسى كالبحر الهادئ السطح ، الهادر الأعماق ، تمضى أوقاتها لا يسرى عنها شئ إلا وجودها بعض الوقت عند خالتها حيث يملأ طيف جاسم البيت ، كما يملأ فلبها بالمزيد من الشوق إليه .. فتنهض ترتدى ملابسها على عجل . تستأذن أمها فى السماح لها أن تذهب لإحضار كتاب من عند ليلى . تعد أمها بأنها لن تتأخر .

تدخل سعاد بيت خالتها ، فتفاجأ بأن ليلى لم تصح من نومها بعد ! تتندم لأنها لم تتصل بها قبل حضورها ، لكنها كانت متضايقة وتريد الخروج من البيت فى الحال ! تفاجأ أيضاً بأن خالتها ليست موجودة فى البيت ، فتسعد بتلك الفرصة النادرة كى تبقى وحدها فى بيت جاسم ، فزوج خالتها لم يعد من عمله فى وزارة الدفاع بعد ، تعرف سعاد أنه لا يرجع قبل الساعة الرابعة ! مواعيده منضبطة جداً . أوقات خروجه ودخوله فى منتهى الدقة !

تنتهى سعاد فرصة خلو المكان . تجلس مرهفة السمع . مشحونة الحواس . فهى هنا الآن فى بيت جاسم . لا .. بل هنا فى معبد تقدم فيه قرابين الحب لجاسم ! ذلك الحبيب الغائب الذى صار عنها بعيداً . تحس سعاد الجو داخل البيت ينعم بهدوء وصفاء نادر ، إنها تكاد تلمس طيف جاسم يملأ أرجاء المكان ! آه .. إن مقاومتها الحين تضعف . تتلاشى . إنها لا تستطيع أن تبقى مع نفسها دقيقة واحدة . أنها تتعجب من تلك الظروف الغريبة التى شاءت لها أن تأتى بيت خالتها ، وأن لا يقاطع أحد خلوتها . آه .. إنها تخلق بأحاسيسها . بمشاعرها عبر الزمان . عبر المكان .. !

آه .. تتنهد . تتساءل .. أين تلك الأيام الحلوة ؟! أين تلك الأيام التى كان يدخل عليها جاسم ضاحكاً مرحّباً ؟! .. بل .. أين جاسم ؟ أين جاسم ؟ وسرعان ما تستسلم سعاد لخيالها والشوق يملأ قلبها والرغبة الجامحة لرؤية جاسم تستبد بها . تستحوذ على ذاتهـــا ..!

تجلس سعاد على المقعد الوثير . نفس المقعد الذى يحبه جاسم ، والذى كانت تراه دوماً مسترخياً فوقه . تجلس ساهمة شاردة وقد تورّد وجهها ، وأحمرت وجنتاها ، وخيل إليها أنها تصغى بقلبها إلى صوت جاسم الضاحك وهو يرحب بها قائلاً :

– هلا واللّه سهاد .. هلا واللّه

آه .. إنها تكاد فعلاً أن تسمع صوته !! أنها تكاد فعلاً أن تراه باسماً ، محيياً كما إعتاد دوماً أن يفعل ! تحس سعاد حنيناً جارفاً ، وشوقاً حارقاً ، فكل شئ حولها يذكرها بحضور جاسم . بل إنه هو حاضر بالفعل . إن طيفه يحيطها . يلفها . يرحب بها !

تسرح سعاد فترى جاسم بعين خيالها .. فتردد كلمات أغنية حلوة تحبها . ينساب صوت عوض الدوخى من أعماق أعماقها . يؤجج حرارة الشوق ويزيد – لا يخفف – لوعة الفراق !

يا حبيبى .. يا حبيبى

كم رسمنا الحب طفلاً

حالماً عند الغــروب

وملأنا الكون لحنــاً

سابحاً فوق الجنـوب

يا حبيبى .. يا حبيبى

يا ربيب البحر زهـواً

طيفك الحانى رهـيب

آه .. تجلس سعاد ساهمة حالمة ، شاردة فى بحار الشوق ، سابحة هائمة مع هذا اللحن الحلو ، والكلمات الحانية ، تبقى بعض الوقت تستجمع قواها ، ثم ، ما تلبث أن تلقى نظرة حولها ، تنحنى تمسك حقيبة يدها ، وفى نفس الوقت تتحسس بيدها الأخرى مسند المقعد حيث إعتاد جاسم أن يفرد زراعه ! تبقى تتلمس القماش بكفها ، وهى تتنهد وتطوف القاعة بعينيها تطالع صور جاسم التى تغطى الجدران ، فها هو يقذف الكرة بقوة فى الملعب أثناء المباراة بين الكويت وتايلاند فى تصفيات كأس العالم التى أحرزت فيها الكويت 6 – صفر فى الشوط الأول و 4 – صفر فى الشوط الثانى ! عاشوا .. عاشوا .. عاشت الكويت .. عاشت الكويت .

وها هو يسلم على صديقه الحميم الشيخ فهد الأحمد رئيس اللجنة الأوليمبية الكويتية ورئيس الاتحاد الكويتى لكرة القدم ، وها هى صورة أخرى يوم الاحتفال باستلام جاسم عمله كطبيب إمتياز فى مستشفى الصباح ، ويبدو فيها وزير الصحة الدكتور عبد الرحمن العوضى وعدد كبير من الزملاء الأطباء ، وها هى صورة هنا وصورة هناك وصورة هنا
و .. و .. و .. !

تتلفت سعاد فى قلق حولها ، تستحى أن يدخل زوج خالتها فيراها جالسة فوق مقعد جاسم ، كما تخشى أن تأتى خالتها فتراها قاعدة وحيدة بدون ليلى ، فتنهض واقفة ، وهى تلقى نظرة شوق وحنين حولها .. تمضى تطرق باب غرفة ليلى فى رقة وخفة ، تود أن توقظها من نومها لعل الحديث معها عن جاسم يخفف عنها ويهون عليها نار البعاد الذى يفتك بقلبها !

تستيقظ ليلى من أغفاءتها على صوت سعاد . تفتح عينيها قليلاً وابتسامة واسعة تضيئ وجهها ، وسرعان ما ترفع جسدها . تنهض تحتضنها فى حب وفرح بهذه المفاجأة الحلوة التى غمرتها بموجة لطيفة من الحب والوّد والترحيب .

يتبخر الوقت سريعاً ، تغادر سعادة عائدة إلى بيتها ، فقد وعدت أمها أنها لن تتأخر عليها ، ولم تنس أن تأخذ معها كتاباً مسلياً من عند ليلى . تغادر بيت خالتها التى تقبلّها مودعة ، وهى تدير رقم أختها ، تكلمها ، تطمئنها أن سعاد فى الطريق إليها ، فهى تعرف تعلق أختها بأبنتها ، كما تعرف مدى إرتباطها بها ، وخوفها الشديد عليها .. وبالفعل تصل سعاد بسرعة ، فالطريق من كيفان إلى الشامية ليس طويلاً ..

تتساقط الأيام فى حياة سعاد رتيبة مملة راكدة ، فكلها متشابهة . كل يوم يشبه اليوم الآخر . فهى عند ليلى أو ليلى عندها . هذا كل ما تفعل . اللهم إلا تلك الأيام التى تسمع فيها بالصدفة صوت جاسم إذا اتصل ، وكانت هى بالصدفة عند خالتها ، فيكلمها ، يسأل عنها ، يطمئن على أحوالها ، وهنا .. تختلف المشاعر ، فتختلف معها الأشياء .. كل الأشياء !

.. يطول البعاد . لم تعد سعاد تحتمل أى شئ حولها . يصبح أقل شئ يضايقها ، وأبسط موقف ولو عادى يثيرها . كل الظروف تصبح بالنسبة لها مرهقة مرهقة . فمعظم الناس صاروا مزعجين لا تحتمل وجودهم بجوارها ، حتى بنات أخيها عبد الله مريم ومنى وفضة ، تلك الرضيعة الصغيرة التى تحبها وتدللها ، المعروف حبها لها ، وتعلقها بها ، نعم ، حتى فضة ، لم تعد سعاد قادرة على البقاء معها أكثر من دقيقة واحدة ، ثم تختفى بعيداً بين جدران حجرتها ، حيث تحتمى من شقاوتهن وصخبهن !

صارت سعاد الحين تفضل العزلة بعيداً عن الجميع ، بلا ضجة ولا صخب ، أنها تحب الإعتكاف داخل غرفتها أغلب الأوقات ، حتى علاقتها مع ليلى ، أصبح يشوبها بعض التوتر ، فقهى تخشى أن تلحظ ليلى إنفعالها ، وقلقها ، بعد التغير الجديد الذى طرأ عليها ، رغم أنها ظلت حريصة على التظاهر بأن الأمور طبيعية ، وأن الأحوال تسير على ما يرام ، كأن شيئاً لم يختلف عليها بعد سفر جاسم !

وذات يوم تلتقى سعاد ودلال فى الجامعة ، فتتبادلان حواراً سريعاً عابراً ، تعرف منه سعاد أن جاسم على إتصال دائم بدلال ، وأنه متضايق ويشكو من الغربة والوحدة ، ويعانى من الإرهاق بسبب الجهد المتصل فى المستشفى ، إلى جانب الدراسة المستمرة المكثفة ، كما تعرف سعاد أنه سوف يأتى قريباً إلى الكويت !!

تتماسك سعاد . تأخذ الموقف بهدوء . تنسحب متعللة بميعاد المحاضرة التالية ، كما تعتذر عن عدم ذهابها إلى النادى لمقابلة دلال هناك ، وإن كانت وعدتها بأنها ستحاول يوماً الحضور مع ليلى .

تقف دلال مع مجموعة من الزملاء والزميلات . تلفت الأنظار إليها بأناقتها وأسلوبها المتميز فى إنتفاء ثيابها . إذ تبدو كعارضة أزياء حسناء تعلن آخر خطوط الموضة . كما أنها تجذب إليها كل المحيطين بها بطريقتها اللطيفة الودودة ، وشخصيتها المرحة البشوشة المحبوبة التى تمنح محبة ومودة وإهتماماً لكل من حولها !

صراحة .. لم يكن ذلك كثيراً على دلال ، فهى بجمالها الأخاّذ وطبيعتها اللطيفة ، شخصية جذابة مؤثرة ، تزلزل هدوء المكان بحيويتها الصارخة المتدفقة ، وتبدد مشاعر الجمود والجفاء بإبتسامتها الساطعة وأنوثتها الصارخة ! صدق . دلال دوماً قادرة على أن تشعل أى مكان حولها بكل فنون الفتنة والإغراء ، بالتالى ، لم يكن صعباً عليها بما تملك من جرأة وقدرة على التعبير أن يغفل أحد وجودها فى أى مكان تذهب إليه !

وكان من بين هؤلاء .. جاسم الذى لم تكن دلال تخجل أن تطارده ، وأن تتبعه فى كل مكان ! نعم .. كثيراً ما كان جاسم يفاجأ بوجود دلال أمامه ، كان يتعجب من حضورها غير المتوقع ! فكان يضحك مبهوراً بجرأتها ، مندهشاً من إصرارها على حصاره ومتابعته ، حتى أنه كان يتندر ويقول :

– والله .. أخاف يوم أفتح شنطة النادى ألاقى دلال قاعدة فيها ..!

حقاً .. لم تكن دلال واحدة من هؤلاء البنات الهادئات الوادعات ، التى يمكن أن تيأس وتنسحب بسهولة . لا .. كانت جريئة . مندفعة . تعرف كيف تسحر الآخرين . كيف تسلبهم أنفسهم . كيف توقعهم فى حبائلها . كيف تخضعهم لسطوة إغرائها ونفوذ تأثيرها ، مستخدمة قدراتها الأنثوية المتميزة ، وأساليب شخصيتها النافذة المؤثرة ، فلم تنقطع عن ممارسة حياتها كما هى ، بلا تغيير ، إلى أن حان وقت رجوع جاسم من السفر .

فى البيت ، كان الجميع فى سعادة بالغة وفرحة طاغية ، وحركة نشطة لإستقبال
جاسم . زفت ليلى الخبر إلى سعاد تنبئها بموعد وصوله اليوم . فرحة أمه كانت تملأ البيت كله . والده أيضاً يخرج عن وقاره لأول مرة وتزمته ويعبّر بمنتهى الفرح والبهجة عن سعادته بقرب وصول جاسم .

تلتقى الشقيقتان ، تتكلمان فى سعادة وبهجة لقرب حضور الحبيب الغالى :

– بالسلامة إن شا الله .. بالسلامة .. يا الله .. الدنيا .. الدنيا كلها ما تسوى شئ فى غياب جاسم .. طالت الغيبة هذه المرة .. ياه .. متى يرجع يملأ البيت علينا مرة ثانية ؟!

.. هذه فعلاً حقيقة واقعة . جاسم يملأ البيت . وأى بيت . وأى مكان . وكل مكان يتواجد فيه بالفرح والمرح ، فضحكته عالية مدوية ، وحركته كثيرة نشطة ، وقفشاته ضاحكة خاطفة ، وتعليقاته ذكية ناطقة تثير الضحك وتبهج كل محيطيه . فهو خفيف الدم والظل والروح . ومع ذلك جاسم شاب قوى العزيمة ، واثق من نفسه ، يعرف كيف يحدد أهدافه ، وكيف يصيبها بدقة متناهية ! يعرف كيف يحرزها بنجاح منقطع النظير ، فهو مهاجم فى فريق الكرة ، وهداف فى واقع الحياة !

جاسم بحق ، شخصية اجتماعية جذابة خلابة ، يحبه الجميع ، يريده الجميع ، لا يمل أحد جلسته ، بل يتسابق الكل للقائه ، والفوز بصحبته . وفى وسط هذا الجو المفعم بحب
جاسم ، وتقدير جاسم ، والفخر والإعتزاز بجاسم .. نشأت سعاد . فكان طبيعياً أن تشعر بالحب نحوه ، خاصة وأن الوالدتين كانتا تلمّحان من وقت لآخر إن سعاد عروس جاسم ، وإن جاسم عريس سعاد !

تحدث سعاد نفسها فى آسى ، تسأل روحها فى ألم وضعف وعتاب :

– كيف ما قدرت أخلى جاسم يحبنى ويحس فينى كل هالوقت ؟! كيف ما عرفت أخليه يعرف أنى باحبه كل هذه الفترة ؟! كيف ؟! كيف ؟!

حقاً .. كانت تربية سعاد جادة ، قويمة ، حازمة ، حانية ، فأمها إمرأة كبيرة متدنية ، واخوتها الشباب يخافون عليها من الهواء ، بإعتبارها الأخت الوحيدة الصغيرة التى يحيطونها برعايتهم وحبهم وحرصهم ، حتى أبيها وجدها رحمة الله عليه ، كانا يعاملانها مثل باقى أخوتها ، فقد كانا يعدانها منذ الصغر لتدير ذات يوم عملاً عظيماً ، ولتتحمل مسئولية كبيرة فليس عندهما فرق بين بنت أو صبى .

لذلك .. لم يكن مستغرباً أن تنشأ سعاد قوية ، قادرة ، تتقن السيطرة على تصرفاتها ، تستخدم إرادتها وعقلها ، لهذا لم تدخل دنيا المراهقات ، ولم تكن لها تجربة عابثة ذات
أخطاء ، كما لم تكن تلقى بالاً لاهتمام الفتيات بمثل هذه الأشياء ، فنالت بذلك إحترام الجميع ، وتقديرهم منذ صغرها ، مما منحها بالتالى إحساساً ضخماً بذاتها ، وكيانها ، ونظرتها لنفسها .

و .. يأتى اليوم الموعود . يتأهب الجميع منذ الصباح الباكر للقاء جاسم القادم اليوم من نيويورك . تأمر والدته بإعداد وليمة عشاء شهية تضم كل أصناف الأطعمة والمأكولات والمشروبات التى يحبها جاسم ، والتى يحب أن تكون جاهزة فى إنتظاره لحظة وصوله .

تذهب سعاد مع والدتها إلى بيت خالتها بعد أن ارتدت أجمل ثيابها ، كما ارتدت أيضاً قناعاً آخر غير مرئى تخفى شعورها الحقيقى ، وتدارى به فرحها الداخلى ، حقيقة .. كانت سعاد فى غاية الإنفعالى رغم مظهرها الهادئ الذى يوحى به سلوكها ، ولن فستانها البيج الحريرى الذى منحها مزيجاً من السكون ، والبراءة ، ومزيداً من الدعة والروعة والجمال ، الذى تؤكده بشرتها السمراء ، وشعرها الأسود الناعم الكثيف ، وعينيها الواسعتين السوداوتين العميقتين .

لا يمضى وقت طويل قبل أن يصل جاسم مقتحماً البيت صائحاً ضاحكاً مهللاً كعادته ، يحيى الجميع بحب وترحاب . يحتضن أمه بقوة . يعانقها بحماس يثير الإنفعال . فتسقط الدموع حارة غزيرة ترق لها القلوب ، بعد أن حّركت حرارة اللقاء العنيف شجون الموجودين وأثارت مشاعرهم ، فى حين كانت سعاد تتشاغل عنهم وهى تشيح بوجهها حتى لا يغلبها التأثر فتسيل دموعها !

كانت سعاد تفضل أن تموت . أن تدفن قبل أن يرى مخلوق دموعها . كانت تحس أن هذا الضعف البشرى لا يليق بها ولا يجب أن يرى يوماً إنساناً دموعها . حتى أقرب الناس إلى قلبها . هذا ما نشأت عليه وتعلمته وحدها . ربما لأنها كانت مركزاً للحب والرعاية وكانت إذا بكت وهى طفلة صغيرة تقوم الدنيا ولا تقعد . ينقلب البيت فوق تحت ، كأن بركاناً ثار فجأة . إنفجر فجأة . تغطى ثورته الجميع بلا إستثناء . أو كان عاصفة عاتية هّبت تهدد أمن وسلامة البيت ، وكل من فى البيت !

كان أبوها يحتمل أى شئ . يقبل كل شئ . ألا أن يرى دموع سعاد . كانت تسيل فى قلبه ناراً حامية كاوية ، فكان يترك كل ما فى يده . كل ما أمامه وخلفه ويجلس يدلل سعاد . يأخذها فى حضنه . يربت على ظهرها . يقبل رأسها ، وجبينها ، ووجهها ولا يتوقف ، ولا يكف إلا بعد أن تكف سعاد عن البكاء !

بعدها .. يصحبها فى نزهة بسيارته ، يأخذها فى جولة حول محلات العصير والحلوى ، يدخل معها جمعية الشامية يشترى لها اللعب والشيكولاته وكل ما تشتهى نفسها ، فهو يتركها تنتقى ما تريد ، وتختار كل شئ على كيفها !

تتابع سعاد النزهة مع والدها ، الذى يستمع إلى صوت عوض الدوخى بأذن حساسة مرهفة ، فيظل يردد معه مقاطع أغنيته العذبة الشجية التى تحبها سعاد لأنه يحبها وينفعل بها ، فتسعد لسعادته بسماعها ، وهى تراه يهز رأسه طرباً وهو يطرق بأصابعـــــه مقــــود السيارة
نشوة :

يا ليل دانا لنـا

يا ليل دانا لدانا

يا ليل دانا لنـا

يا ليل دانا لدانا

تسمع سعاد الأغنية ، فتنسى زعلها ، يتبدد سبب غضبها ، ولا يتركها أبوها إلا بعد أن يرى الابتسامة على وجهها ..! ثم يطالعها بحب ، وهو يحدق بعينيه فى وجهها ، ويقترب برأسه يلامس به رأسها .. فتضحك فى فرح وهى تسمعه يغنى لها وحدها :

جميل وبالخد شامة

بس لو يرد السلام

يا ليل دانا لــنا

يا ليل دانا لدانـا

وحين تضحك سعاد ، تضحك الدنيا كلها . يقبلها أبوها فوق خدها ، وهو يبتسم إبتسامة عذبة صافية تشجى قلبها ، لهذا كله عرفت سعاد قيمة دموعها ، وغلاوة مشاعرها ، فحرصت أن تحافظ عليها ، أن تداريها حتى عن أعز الناس إليها خشية أن تقوم الدنيا
ولا تقعد ، لذلك كانت حريصة كل الحرص على إخفاء إحساسها ، كى لا يشعر جاسم بعذابها وما يعتمل فى قلبها !

يتابع جاسم تحية الجميع ، لا يهمل أحداً فى البيت دون أن يخصه بشحنة حب وافرة ، يتجه نحو سعاد ، يدنو منها بشوق يبرق يلمع فى عينيه ، ولهفة واضحة تبدو عليه ، حين إحتضن كفها بين يديه ، فتركتها سعاد راضية مستسلمة لقوته الضاغطة عليها ، وهى تصغى إليه وهو يقول لها بصوت قلبه الذى تعلق شوقاً بعينيها الواسعتين الجميلتين :

– وحشتينى سعاد .. واللّه وحشتينى وايد .. وايد .

ترجف أعماق سعاد من حرارة هذا الإستقبال الحافل باللهفة والحنين والأشواق . تهتز مشاعرها . يخفق قلبها بشدة بسبب هذا اللقاء الحار غير المتوقع . تحس فرحاً هائلاً يحيطها ، يلفها ، تذكر على الفور يوم حضرت فجأة لزيارة ليلى ووقفت وحدها فى هذه القاعة التى كانت بدونه ، خالية ، إلا من طيفه الذى إحتواها ، ملأها ، وسيطر بقوة على إحساسها وروحها وقلبها :

– آه يا جاسم .. حمداً لله على السلامة . أنت الحين هنا .. ؟ أنت الحين هنا .. ؟ حمداً لله على السلامة .

تعود سعاد تتساءل :

– معقول جاسم هنا ؟!

تعتقد أنها تحلم .. آه .. هى أكيد تحلم ، أنها تكاد من شدة الفرح والإنفعال أن تفقد وعيها . نعم . ليس سهلاً أن تستوعب الموقف ، ليس سهلاً أن تعيش اللحظة ببساطة هكذا ! إن جرعة الشعور العاطفى الغزير هذا فوق طاقتها . فوق قدراتها . فوق توقعاتها . لا تستطيع سعاد أن تمنع عينيها من التسلل خلسة نحو جاسم ، حبيبها ، حبيب قلبها ، وروحها وعمرها ، فتلاحظ ما طرأ من تغيير عليه بعد أن أخذت نظراتها الوالهة تسجل ما تراه من تغيرات .. فرأت له إزداد جاذبية ورجولة ، بعد أن زاد وزنه ونما شعر شاربه ولحيته ، كما طال شعر رأسه وكاد أن يلامس ياقة البالطو الكحلى الغامق الذى يلبسه :

– الله يحميك يا جاسم .. الله يحفظ .

تتنهد سعاد بعمق من القلب وهى تناجى جاسم :

– آه يا جاسم لو تدرى عن حبى لك .. آه لو تعرف إيش كتر اشتاق لك ؟! آه لو تعرف كيف يتعذب قلبى بسبب جفاء قلبك ؟!

تناجى سعاد روحها عاتبة على جاسم :

– كيف قدرت تصبر يا جاسم على هالبعاد ؟! كيف قدرت تتحمل هالوقت وأنت بعيد عنى ؟! كيف .. كيف يا جاسم ؟! كيف يا حبيبى .. يا حبيبى .. يا بعد روحى .. يا بعد عمرى ؟!

يلتفت جاسم نحوها فجأة ، يصوب عينيه داخل عينيها موجهاً إليها نظرة نافذة مساءلة تخترق كيانها ، ترج أعماقها ، فترتبك سعاد ، تضرب عواطفها ، تختلط أفكارها ، تخشى أن يكون جاسم قد أحس بها ، وأدرك مناجاتها ومعاناتها ، فتدير رأسها ، تخفى عنه نظراتها ، تتشاغل بالحديث مع ليلى ، تتظاهر بالبدء فى تناول طعام العشاء !

تمضى الدقائق حميمة ممتعة فى صحبة الأسرة ، لكن .. قبل أن يتناول جاسم باقى أصناف الطعام التى إعدت خصيصاً له ، تأتى الخادمة الهندية تخبره أن له مكالمة ، فينهض جاسم يذهب إلى حيث التليفون فى ركن القاعة ، يتكلم كعادته بصوت عال يقتحم أسماع الجميع :

– هلا دلال .. هلا هلا .. لا .. لا .. لسة داخل البيت من ساعة يا دلال .. أرجوك .. إستنى شوى .. ياه .. يعنى ما فى صبر يا دلال ؟ ما فى صبر ؟ زين .. زين .. حاضر .. حاضر .. حاضر .

يقف جاسم مبتسماً معتذراً للجميع عن عدم إستطاعته متابعة السهرة معهم ، يخرج مسرعاً ينطلق بسيارة والده البيضاء التى أحضرته من المطار ، و .. يمضى متلهفاً متشوقاً للقاء دلال !

ينقطع الجميع عن تناول الطعام . تنسد شهيتهم مرة واحدة ، يخيّم عليهم نوعاً من الضيق والغم بعد إنصراف جاسم المفاجئ عنهم . تنتفض ليلى واقفة ، تدخل غرفتها حانقة . تغلق الباب وراءها فى غيظ وغضب . فى حين تتسمر سعاد مكانها . تبقى تمضغ اللقمة فى تؤدة وتمهل بين ضروسها . تبقى تمضغ . وتمضغ . وتمضغ ، بعد أن عجزت تماماً عن بلعها ..!

أخيراً .. بصعوبة تزدردها مصحوبة بدمعها الذى ينحدر داخلها ، يتجمع فى معدتها التى توشك أن تنفجر ..!


الفصل الرابع

صـدى الصمت !

يضطرب الموقف بعد خروج جاسم المفاجئ لمقابلة دلال دون أن يتناول طعام العشاء ، تفقد أم جاسم صبرها وهدوءها فتقول ثائرة :

– الله بلانا بهالبلوى اللى اسمها دلال .. الله يفكنا منها إن شاء الله .. ما خلته حتى ياكل ؟!

تجيبها أختها أم عبد الله حانقة غاضبة هى الأخرى :

– صدق ماتستحى .. والله ماتستحى !

يتعكر صفو الجلسة ، يعاف الجميع الطعام ، ماعدا أبو جاسم الذى يتابع تناول عشائه كأن شيئاً لم يكن ، يبدو أن هناك تعاطفاً خفياً بينه وبين دلال التى تمّت له بصله قرابة لا يعتبرها بعيدة فجدتها خالة أمه ، يخاطب نفسه مؤيداً :

– شاب .. واللى نفسه فيه يسويه .. خليه على كيفه .

تفتح سعاد فى تردد باب غرفة ليلى ، تدخل ، فتدهش لرؤيتها منهارة باكية ، تحاول أن تخفف عنها حدة الموقف ، لكنها قبل أن تتفوه بكلمة واحدة ، تنطلق ليلى هادرة كالطوفان :

– والله ماراح اتركها هالملعونة .. راح أشوف شغلى وياها عدل .. وأنت سعاد .. ليش ما تساعدينى ؟ ليش ما تحاولين تخلصى جاسم منها ؟ ها .. ؟ أنت ماتحبين جاسم ؟!

تبهت سعاد . تحار كيف تجيب هذا السؤال . تفاجأ بموقف ليلى المباغت ! لا تعرف كيف ترد عليها ، كما لا تعرف ماذا تقول لها ، ولا كيف تخرج من هذا الموقف المتأزم .. فتسكت !

منذ تلك الليلة الحافلة بالغيظ والحرقة والغضب ينشب نوع غريب من الصراع الغامض بين ليلى وسعاد من جهة ، ودلال وحدها من جهة أخرى ، صراع خفى ، غير
مرئى ، لكنه الآن يصبح صراعاً محسوساً ملموساً ! كما ينشأ أيضاً نوع جديد من التحالف الودى بين أبنتّى الخالة اللتان تشنان نوعاً من التحدى العاطفى للإطاحة بعرش تلك المغرورة الطائشة .. دلال !

– الله فوق .

بصبر وأناة يبدأ تخطيط دقيق منظم للأيام التالية ، صدق ، من ضحك أخيراً ضحك كثيراً ، صبراً جميلاً يا دلال ، العبرة بالنتيجة والعظة فى النهاية على أى حال !

تنتهى عطلة جاسم . تطير . تتبخر . تقفز الساعات قفزاً تنذر بقرب موعد الرحيل ، كأنها فى سباق محموم مع نفسها !

– ياالله .. صحيح الأيام الحلوة تجرى بسرعة !

الكل الحين فى حالة استنفار فجاسم على وشك الرحيل . البيت كله يقف على قدم وساق من أجل تلبية طلبات جاسم الخاصة . البن . البخور . العيش . البسمتى . الدشاديش الصيفى والشتوى . المبخرة . اللبان البصرى . التوابل المشكلة وأهمها الهيل والزعفران . كل شئ كل شئ . حتى الصابون الرقى ، حتى ليفة الحمامّ الخشنة التى يحبها جاسم .. نعم ، كل شئ تم إعداده بسرعة ، بعد أن مضت أجازة جاسم فى لمح البصر ، تلك الأجازة القصيرة التى لم يره فيها أحد ، والتى كان مشغولاً فيها طوال الوقت بلعب كرة القدم فى النادى مع لاعبى المنتخب .

ولم يكن لدى جاسم أى وقت ليلتقى بسعاد ، أما دلال فقد بقيت على عادتها .. تلاحقه ، تطارده ، فى كل مكان يذهب إليه ! تجلس تشاهد مبارياته الودية حتى فى أوقات التدريب ! حقيقة .. لم تكن دلال تريد جاسم أن يغيب عن عينيها لحظة واحدة .. يبدو أنها كانت ترفض أن تنام ، ولا أن تقفل عينيها دون أن تراه .. أو تنظر إليه ! أما سعاد ، فقد إستسلمت للأمر الواقع كعادتها ، قبلت به ، رضيت ، قنعت ، فهى لا تستطيع أن تفعل ما تفعله دلال !

و .. تأتى لحظة الرحيل الواجفة .. الوداع هذه المرة بعيداً عن أعين دلال وتأثير دلال . تجلس ليلى وسعاد فى السيارة التى يقودها جاسم بنفسه إلى المطار ، فى حين يجلس والده فى المقعد المجاور له . تضحك ليلى بينها وبين نفسها وهى تناجى روحها :

– مالك مكان بيننا الحين يا دلال .. خليك بعيد أحسن .

تشعر سعاد أيضاً ذات الشعور ، فتسعد بإحساس صلة القرابة ولذة الانتماء ، لكن .. كم تكون المفاجأة ساخرة ماكرة بانتظارهم حتى يصلون المطار ، فيجدون دلال وقد سبقتهم إلى هناك وهى تقف دامعة باكية على وشك الانهيار ! .. بعد أن ظلت تترقب حضورهم بفارغ الصبر من طول الانتظار !

تلمح دلال جاسم فتركض نحوه فور نزوله من السيارة ، تسلم عليه بشوق وشغف ، تكاد أن ترتمى فى أحضانه دون أن تضع أى اعتبار لوجودهم معه ، كأنها لا ترى مخلوقاً غيره ! تسلم عليه بإنفعال وحماس وبكاء ، وهى تنصرف بكليتها إليه دون أن تستحى حتى من أبيه الذى ينظر بعطف إلى دموعها بينما تهمس ليلى ثائرة :

– صدق ما تستحى .. ما تستحى .. هذه المعلونة مايفوتها شئ فى الدنيا .. بسيطة دلال .. صبرى علىّ !

تؤخذ سعاد بهذه المفاجأة غير المتوقعة ! تقف ترقب صامتة هذا الوداع الغرامى العنيف بين جاسم ودلال ، وعرق بارد يثقب مسام جلدها ، فى حين يجف حلقها من شدة الغيرة والغيظ والغضب !

يقف جاسم يودعهم ، يسلم عليهم بسرعة ، فالطائرة على وشك الإقلاع . يدخل دائرة الجوازات متعجلاً وهو يضع حقيبته على كتفه والأخرى يرفعها بيده . يدخل يركض فى حين ينصرف الجميع عائدين إلى حيث تنتظر والدة سعاد عند أختها أم جاسم . تصمت ليلى . لا تنطق سعاد بحرف واحد طول الطريق ، فالحوار لا ينفع الحين ، لأن والد ليلى يقود السيارة ، ولن تفوته كلمة أو همسة ..

فى البيت ، تقتل الفتاتان الموضوع بحثاً ، تقلّبان الخطط على جميع الوجوه ، تفكران فى كل الطرق والوسائل المتاحة والممكنة لإبعاد دلال عن جاسم بأى طريقة ! فى النهاية بقاوة وخبث ومكر البنات تقترح ليلى ضرورة السفر إلى أمريكا لقضاء عطلة الصيف عند جاسم هذه السنة ، تؤيدها فى ذلك سعاد بفرح وارتياح . فهذا هو المكان الوحيد الآمن خارج حدود سيطرة وتأثير ونفوذ دلال .. !

هى أمريكا إذن . فليبدأ الاستعداد لتنفيذ ذلك المخطط الصيفى من الآن . تستدرك سعاد ، تسأل ليلى فى جزع :

– تعتقدين ليلى أنهم يوافقون على سفرنا عند جاسم ؟! لا .. ما أظنهم راح يوافقوا ! أنت ما تدرين شئ عن فيصل وتزمته يا ليلى .. فيصل صعب .. أنت ما تعرفين طباعه ولا أخلاقه .. أكيد ما راح يوافق .

لا تعترض ليلى ، توافقها الرأى ، فهى أيضاً على دراية بطباع فيصل الذى يتصرف مع الجميع بصرامة رجل الشرطة الذى يتوقع الخطر ، ويتشكك فى كل شئ فهو لا يأخذ الأمور بسهولة ويسر مثل والده ، وإنما يسأل ويستفهم ويفكر .. ثم يقرر .

كانت سعاد تتوقع معارضة أخوتها ورفضهم لهذه الفكرة . لذا كان لابد من دراسة الموقف بتأنى . دون تسرع . فالمهم هنا رأى فيصل بالدرجة الأولى ، فيصل لازم يقتنع أولاً قبل أن يوافق ، فإذا وافق . وافق الجميع دون نقاش . أما والدها فهو لا يرد لها طلباً أبداً ، ويثق فيها ثقة مطلقة . لذلك أخذت سعاد تبحث عن سبب معقول ، ومبرر قوى يقنع الجميــع .

فجأة تقفز ليلى صارخة وهى تخبط رأسها بأصبعها وتقول فى فرح :

– وجدتها .. وجدتها .. خالتى أم عبد الله مريضة بالقلب .. زين ؟! وهى لازم تسافر أمريكا عشان تعمل الفحص الطبى هناك .. ؟! وجاسم لازم يشرف بنفسه على حالتها لأنه راح يترجم لها ، ويشرح لها ، ويتابع كل شئ بنفسه .. زين ؟!

تضحك سعاد من أعماق قلبها ضحكة صافية منطلقة .. تقول فى ارتياح شديد :

– برافو عليك يا ليلى .. برافو عليك .. حليتى المشكلة ..!

فى الحال يبدأ تنفيذ الخطة ، الجانب الطبى منها بالذات ، فكلما شكت أم عبد الله من الصداع تقول ليلى فى شفقة واضحة وصوت مؤثر :

– خالتى حرام عليك صحتك .. لازم تفحصين قلبك .. ترى القلب هالأيام يسبب الصداع !

وإذا حدث فى البيت وتوجعّت أم عبد الله من ألم عابر فى قدميها تهرع إليها سعاد موحية بضرورة فحص القلب . لأن من علاماته هذه الأيام وجع المفاصل ، بالذات الركب والأقدام .. تنصح سعاد أمها فى محاول إقناع :

– يّوما حرام عليك صحتك .. حرام عليك .. لازم تفحصين قلبك بسرعة عشان نطمئن عليك .

وهكذا حتى لو شكت أم عبد الله فى وجع ضروسها تنصحها الفتاتان بعد أن تتبادلان نظرات التفاهم والإتفاق بضرورة الكشف على القلب !

– بس شرط خالتى تشوفين طبيب شاطر مثل جاسم .. يقدر يشخّص الحالة عدل .. صراحة ماكو دكتور أشطر من جاسم !

وذات يوم تتكلم ليلى مع أمها عن صحة خالتها الحبيبة أم عبد الله فتقول :

يا ليت يوّما تقولين لخالتى ما تهمل فى صحتها .. ترى هى لازم تفحص قلبها .. أنا خايفة عليها وايد .. هى لازم تروح أمريكا تفحص قلبها هناك فى المستشفى عند جاسم .. وهو أكيد ما راح يقصرّ فى شئ .. وساعتها نطمئن عليها كلنا ونرتاح من هذا الوسواس مرة واحدة .. ترى صحتها هالأيام موعجبانى .. أنا خايفة عليها وايد ..!

تقلق أم جاسم على صحة أختها الكبرى ، فينتابها الخوف والقلق بسبب تكرار هذا الكلام الموحى بخطوة حالتها الصحية ، فتبدأ تختمر الفكرة فى ذهنها ، ثم ما تلبثت أن تبدأ تأخذ حيز التنفيذ العملى بعد أن اصاب القلق الجميع بعدواه ، حتى فيصل نفسه وافق على السفر ببساطة ، على العكس تماماً مما كانت تتوقع سعاد ، لم يعترض أحد من أخوتها على فكرة سفرهم إلى أمريكا ، طالما هذه هى رغبة الأم التى يحترم الجميع إرادتها .

وبنظرة حب تفيض بالحب ، يوافق أبو عبد الله على سفر زوجته وابنته التى يحبها ويتفاءل بها ، والتى شاف الخير ، كل الخير منذ قدومها ، سعاد وجه السعد ، وجه الخير ، فيها البركة والسعد ، حتى أبوه الله يرحمه كان دوماً يتفاءل بها ، كان يحب أن يتصبّح بوجهها قبل أن يخرج إلى عمله فى الصباح الباكر ، حتى لو كانت نائمة يصحيها من عز نومها ، يقّبل وجنتيها ، خدودها ، ويمضى مستبشراً متفائلاً إلى عمله ، حيث يشوف الخير ، كل الخير على نيتها ، وأسمها !

كان من عادة أبو عبد الله أن يداعب صغيرته سعاد ، بأن يناديها أمى ، وكان إذا دخل البيت ولم يجدها يسأل عنها فى لهفة :

– وين أمى ؟ وين راحت ؟ متى ترجع ؟ لا .. لا .. أخرجوا أنتم كلكم .. بس أتركوا لى أمى .. لا تأخذوها منى ..

وكانت سعاد تنعم بحب أبيها الذى لم ينقطع يوماً عن تدليلها ، حتى بعد أن كبرت وصارت صبية تستحى ، إلا أنه لم يكن يقدر أن يتحكم فى حبه لها ، ولا أن يمنع نفسه من تقبيلها ، وضمها ، وإستمراء عطفها وحنانها .. نعم .. كان يحبها أن تشعره بالحب ، والعطف ، والحنان وكان أبوه رحمة الله عليه ، هو الآخر شغوفاً بسعاد ، عاشقاً لسعاد .

وكما تعلمت سعاد فنون الإدارة التى أخذتها عن أبيها الذى درس علوم التجارة ، وإدارة الأعمال فى جامعة القاهرة ، تبدأ تنظيم شئونها ، فتضع تخطيطاً كاملاً لرحلة الصيف القادم !

– شنو راح نحتاج ؟! شنو راح نسوى هناك ؟! شنو نبى نحضره من الحين و .. و .. و .. !

كان أول شئ تعلمته سعاد فى أبجدية صنع النجاح ، هو التعامل مع الوقت باحترام ، أن يتم إعداد كل شئ مسبقاً بوقت كاف قبل الحاجة إلى إستعماله ، حتى لا يسرقها الوقت ، وتضيع منها الفرصة المواتية لإكتساب أى شئ ، لذا ، كانت تعد العدة اللازمة لترتيب شئونها دون ارتباك أو سوء تقدير .

تنتهى سعاد من ترتيب كل شئ ، ليس على الورق فقط ، بل تبدأ فى تنفيذ الجزء العملى ، فتلتحق بالدراسات المسائية فى المجلس البريطانى ، حيث يتلقى دروساً فى اللغة الإنجليزية ، فهى لا تنسى أن دلال تتقن هذه اللغة بحكم دراستها فى كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية وهى لا تريد أن تتفوق دلال عليها فى شئ ، فقد تعلمت كيف تصنع النجاح منذ نعومة أظفارها ، أيضاً ، تستخرج سعاد رخصة قيادة دولية ، وتبدأ تقرأ كتيبات سياحية عن أمريكا ، وعلى الأخص عن نيويورك حيث يعيش جاسم !

فى الحقيقة لا يتوقف تطلع سعاد عند هذا الحد ، بل تحرص على إتقان وإجادة صنوف الطعام التى يحبها جاسم ، كما تضيف إليها أصنافاً أخرى مطهوة على الطريقة الأمريكية والفرنسية أيضاً .. !

فى الواقع سعاد لا تدع شيئاً يفوتها صغيراً كان أو كبيراً ، حتى طريقة إعداد أطباق السلطة العالمية الروسية ، والفرنسية ، أخذت تتفنن فيها كل التفنن .. وصارت الحين سعاد جاهزة لبدء النزال ، وخوض المعركة !

صحيح الخصم ليس سهلاً ، والهزيمة مرّة لكن ، الحمد لله ، سعاد لم تهزم من قبل ، لأنه لم تقرر قبل الآن أن تخوض المعركة بطريقة إيجابية .. حقاً .. هى لم تفكر فى منافسة دلال من قبل ، لكنها كانت دوماً ترفض هذا الأمر الواقع الظالم الذى تحاول أن تفرضه دلال دون وجه حق ..!

– صدق هى ما تستاهل جاسم .. ما تستاهل جاسم !

يدخل الصيف حاراً قائظاً ، يشكو الجميع من حرارة الشمس ، وسخونة الهواء هذه السنة ، يتأهب الكل للسفر إلى أمريكا ، ليلى وأمها وسعادوأمها ، التى تحتاج إلى إجراء الفحوص الطبية اللازمة للتأكد من حالة قلبها الصحية !

– الحمد لله جاسم هناك وراح يرتب كل شئ .. كل شئ .

تحلق الطائرة متجهة إلى نيويورك ، تجلس ليلى بجانب سعاد تتهامسان وتبتسمان وهما تتذكران أيامهما فى لندن التى توفقوا بها عدة أيام حيث التقوا خلالها بالأهل والأصدقاء المصيفين ، وأولهم الخال أبو إبراهيم المقيم هناك ليؤسس شركته الجديدة التى يريد أن يجعل مركزها الرئيسى فى لندن ، بالإضافة إلى شركاته التجارية العديدة فى الكويت والإمارات والبحرين .

تسترجع الفتاتان أحداث هذه العطلة القصيرة فى لندن ، تتذكران مواقفهما الكثيرة المتعددة مع بنات خالهما سهام ومنال وصديقاتهما اللاتى يعرفن دلال واللاتى قلن أنها ستموت من القهر بسبب سفرهن إلى أمريكا عند جاسم !

تتذكر ليلى دلال فتقول ضاحكة لسعاد :

– ها .. لا تنسين هدفنا يا سعاد .. ترى لازم نفتّك ونخلص منها مرة واحدة !

تهز سعاد راسها مؤيدة دون أن تنطق أو تتكلم ، خوفاً أن تسمعها خالتها أو أمها الجالستين أمامهما مباشرة ، وحرجاً من الخوض من حديث مباشر وصريح هكذا عن جاسم ، حتى ولو كان مع ليلى !

الموقف فى الواقع غير عادى بالنسبة لسعاد كما تظنه ليلى ، فهو موقف حساس ومحرج ، ومخجل للغاية ، فمجرد الحديث عن جاسم يجعل سعاد تشعر فى الحال بالحرج والخجل ، فهى تخشى أن تخوض تجربة صعبة مثل هذه ، لكنه الحب ، أحياناً ، يخلق نوعاً من الحنين والعناد .. والتحدى !

تهبط الطائرة مطار نيويورك .. لحظات عابرة ويلتقى الجميع بجاسم الواقف من بعيد بارزاً عن الجميع بوسامته العربية الشرقية الملامح التى تميزه عن العشرات ، بل المئات من الشباب والرجال الذين يغّص بهم المكان ، فالجبهة عريضة ، عالية ، فيها ومض الذكاء ، والعينان سوداوان فيهما بريق يخطف الأبصار ، والأنف فيه قوة وشموخ وإعتداد بالذات ، والفم فيه ضخامة وفحولة ورجولة ، والشنب يضع خطاً مؤيداً لكل هذه السمات وتلك الصفات!

تتأمل سعاد ملامح وجهه الوسيم الجذاب الشديد الجاذبية ، تعود تتأمله بإفتتان شديد ورجفّة خفيفة تنتفض فى جوارحها الفتية تزداد كلما دنت منه ، لذا لم تسرع خطواتها إليه .. كانت تمشى متمهلة فى سيرها ، تتحرك ببطء شديد لتعطى الفرصة لأمها وخالتها لسبقها ، حتى تكون هى آخر من يسلم على جاسم ، كى يأتى سلاماً طويلاً ، بطيئاً ، ليس متعجلاً .. بل ، متمهلاً .. متمهلاً !

تلتقى العينان ، تنفذ النظرات إلى الأعماق فتشعل فيها نيران الأشواق ، تضرم فيها اللهفة إلى العناق . ترتبك سعاد . تلقى نظراتها فوق حذائها ، ثم تعود إلى ترفع إليه وجهها المتورد ، الشديد الإختقان ، وإبتسامة ساحرة تحمل كثيراً من الشوق المخزون فى الأعماق ، ورغبة عنيفة فى محادثة جاسم ومصافحته .. تستبد بها !

تتهاوى لحظات الإرتباك والحرج حين يسلم جاسم عليها مرحبابها فى إنفعال واضح لا يخفى على عينيها ولا على قلبها ! هنا .. تحس سعاد جاذبية عارمة تشدها نحو جاسم ، تدخلها معه ضمن نطاق سعادة عظيمة مطلقة !

… يسيرا متجاورين ، يشقان طريقهما بصعوبة وسط الزحام فى مطار نيويورك ، ورغم الضجيج والازدحام الشديد ، تستطيع سعاد أن تسمع صوت جاسم بوضوح ، تمضى وادعة تمسح بنظراتها المكان لتستقر عيناها فى النهاية خلسة عند جاسم ، الذى تتشاغل عنه بالحديث مع ليلى ، خشية أن تظهر مشاعرها وتنكشف لجاسم أشياء لا يصح الكشف عنها ، فهو يملك القدرة على إختراق أعماقها ، وسبر أغوار نفسها ، هى تعرف ذلك جيداً ، تعرف أنه يمتلك تلك المقدرة العجيبة المبهرة !

دقائق أخرى وينطلق الجميع من مطار نيويورك فى سيارة مينى باص ، إستأجرها جاسم خصيصاً لنقل الحقائب والأمتعة ، وأكياس العيش ، وباقى الأغراض التى أحضروها معهم ، فالعطلة طويلة وحاجاتهم كثيرة ، وجاسم كان يتوقع ذلك ، فأعد السيارة لهم مسبقاً حتى لا يتعرض لأى مفاجآت .

يجلس جاسم بينهم سعيداً مبتسماً ، منتشياً ، يهنئهم بسلامة الوصول ، يسألهم عن أحوال الأهل فى الكويت :

– ما فى أحد راح ييجى هالسنة أمريكا ؟

يظل جاسم يستفسر عن أخبار الديرة والأهل والأصحاب ، لا يهدأ قبل أن يطمئن على الجميع كأنما مضت عليه أعوام طويلة لم يذهب فيها إلى الكويت ، وبين لحظة وأخرى كان يقطع حديثه ، يتشاغل بالنظر إلى الطريق ، متجنباً السؤال عن دلال !

ينتظر لحين وصولهم البيت ، ينفرد بليلى ، يسألها بعيداً عن أسماع الجميع عن أخبار دلال ، يستفسر عما إذا كانت تشوفها أو تقابلها ، أو تروح معها النادى ، تجيبه ليلى بطريقة ماكرة متخابثة بصوت عادى وادى برئ :

– دلال مثل ما هى يا جاسم ما تتغير .. يقولون أنها فى النادى كل يوم .. عندها أصحابها يروحون سوا كل يوم .. كل يوم .. !

وعلى الرغم من إتصال جاسم ودلال المستمر ، فالحديث بينهما لا ينقطع ، إلا أن دلال لم تذكر له شيئاً عن ذهابها اليومى إلى النادى !! كما لم تقل له كلمة واحدة عن هؤلاء الأصحاب اللى تروح معاهم كل يوم النادى !! عجيب !!

يغصّ المعنى الواضح فى قلب جاسم . يبلع المغزى الهادف فى هدوء . يصمت . لا يعلق بكلمة . يتّوه الموضوع بالسؤال عن أشياء أخرى بعيدة ، يسأل عن أخبار النادى ، والشيخ فهد الأحمد وعن اللاعبين حمد بوحمد والعنبرى وفيصل الدخيل والطرابلسى ..

يسأل أيضاً عن باقى اللاعبين والإداريين ، ويخص بالسؤال خالد الحربان ، الجيران أيضاً يسأل عنهم ، كل فرد فى البيت يسأل عنه ، هل هم كما تركهم ؟ هل هم بخير ؟! حتى منطقة كيفان كلها يسأل عنها ، هل صارت تغييرات عليها ؟! يسأل عن كل شئ فيها ، عن الجمعية ، والجامع ، والشجر فى الشوارع ، يسأل أيضاً عن سائقهم راجان .. و هل أخذ أجازة وراح بومباى .. وألا بعده بالكويت ؟!

يتحدث جاسم مع أمه ، لا يكفّ عن السؤال عن أحوال والده . صحته . عمله . كأنما مضت عليه سنة لم يره خلالها ، وكأنما لم يكلمه اليوم وأمس وكل يوم ..! مأنما ظل فى الغربة سنوات وسنوات ، ولم يكن فى الكويت قبل خمسة أشهر فقط ، عندما صمم أن يأخذ أجازة طارئة من المستشفى ليحضر إحتفال عيد الكويت الوطنى التاسع عشر !

نعم .. كان إحتفال الكويت بعيدها الوطنى ، سبباً كافياً جداً لجاسم كى يترك كل شئ أمامه ، ووراءه ويأتى إلى وطنه الغالى الحبيب يشاركه فرحته بهذا العيد الكبير . عيد الاستقلال . الذى لا يقدر أن يتجاهله ، ولا أن يتغافل عن حضوره ومشاهدة إحتفالاته ، بل ، والمشاركة فيها بقلبه وكيانه ..

لم يكن هذا الموقف مستغرباً من جاسم ، فهو فى الحقيقة شاب وطنى ، مخلص ، شاب صادق فى مشاعره وإحساسه تجاه الديرة والأهل ، شاب يحب الوطن بأرضه ، وسمائه ، وبحره الواسع العميق ، كما يحب رجال الوطن الذين يدافعون عنه ويفدونه بالروح والدم ، لذا .. كان جاسم معجباً كل الإعجاب بشخصية أبيه أحمد الناصر العميد بوزارة الدفاع بدولة الكويت .

كان العميد أحمد الناصر رجلاً قوياً متميزاً ، يستعمل أقل الكلمات ليمارس حياته بالطريقة التى يحب ويقتنع ، أنه لا يحتاج أن يقول أنا هنا .. حضوره وحده يكفى ، مجرد ظهوره يكفى ، مجرد تواجده فى المكان يكفى بأن يقول للجميع ها أنا ذا ، رغم صوته الخفيض وكلماته القليلة وإبتسامته النادرة .. إلا أن تأثيره الخارق لا يخفى على أحد !

كان تعبيره الفصيح عن النفس ، عما يريد ويشتهى ويرغب ، يتم دون أن يفتح فمه بكلمة واحدة . ياالله يالك من رجل قدير يا أبو جاسم .. حياك الله .

يظل جاسم فترة يسأل عن الأحوال والأخبار ، يريد أن يطمئن على كل شئ ، فالغربة نضخم الأحداث ، تجسمّ الإحساس ، تثير الحنين ، تبعث القلق . إنه البعاد بمشاعره المضاعفة ذات الصدى والرنين والأنين !

تماسك يا جاسم . تماسك . فأنت البطل . فترة من العمر وتعدى . تعبر . تمر . وبعدها .. هلا بالكويت .. ومرحبا بالكويت .

يقترح جاسم أن يأخذ الأهل إلى مطعم قريب لتناول العشاء ، أو كافتيريا رائعة قريبة من البيت تقدم أصنافاً لذيذة شهية ، لكنه يفاجأ برفض إقتراحه الذى يقابل بعاصفة من الإحتجاج ، نظراً لإرهاق السفر ، والرغبة فى فتح الحقائب وتعليق الملابس ، بالإضافة إلى الشعور العام بالتعب والنعاس والحاجة إلى الراحة والإسترخاء .

ينصاع جاسم مرغماً لرغبتهم . يفكر أن يطلب طعاماً جاهزاً ، فهو لم يكن يتوقع هذه المعارضة الصعبة على الإطلاق ! يجلس برهة حائراً يفكر فى تدبير أمر هذا العشاء بعد هذا الرفض . تضحك سعاد وهى تشعر بصعوبة موقفه ، تقول له مطمئنة ، مشجعة ، فى محاولة لإخراجه من هذا الموقف المحرج :

– لا تحمل هم يا جاسم .. راح أسوى لكم العشاء الليلة .. خليها علىّ أنا .. كلها ساعة واحدة ويصير الأكل جاهز إن شاء الله .

يرمقها جاسم بإمتنان وإرتياح شاكراً لها تخلصه من هذه الورطة التى لم يعمل حسابها ، فهو لم يحضر لهم طعاماً بالبيت لأنه كان يريدهم أن يتفسحوا من أول لحظة يصلوا فيها ، ويخرجوا يأكلوا فى مكان حلو بدلاً من البيت ، لكنهم رفضوا وهو ما يقدر يجبرهم على الخروج :

– كيفهم .. خليهم على راحتهم .

هنا .. يقرر جاسم أن يخرج ليشترى بعض الأغراض من السوبر ماركت القريب ، تصميم ليلى أن تذهب معه ، فهى لا تريد أن تظل فى البيت لحظة واحدة بعد وصولها ، تريد أن تتفرج على كل شئ فى أمريكا من أول لحظة ، دون أن فقد دقيقة واحدة !

صراحة .. كان الموقف بأكمله جديداً على جاسم ، لذا لم يعرف ماذا يشترى لهم قبل حضورهم ، أو ماذا يعّد لهم من أطعمة قد تعجبهم أو لا تعجبهم ، كان حائراً ، فالموقف غير مألوف بالنسبة له ، هذه أول مرة يصبح جاسم مسئولاً عن تدبير شئون بيت يضم عدداً كبيراً من الأفراد ، ولم يكن الأمر سهلاً بالنسبة له فهو طول عمره محاط بالعناية والرعاية ولا يعرف شيئاً عن مثل هذه الأمور الخاصة بإدارة المنزل ورعاية الأسرة ، لذلك شعر جاسم بالارتياح عندما أعلنت سعاد أنها سوف تتولى إعداد العشاء ، فعلاً .. خلصته من الإحساس بالحرج والتقصير !

تنهض سعاد تدخل المطبخ ، تبدأ فى إعداد طعام العشاء ، فى حين بدأت الشقيقتان فى أداء الصلاة بغرفة النوم الرئيسية التى تركها جاسم واختص لنفسه الغرفة الأخرى الصغيرة ذات السرير المنفرد . تنهمك المرأتان بعد أداء فريضة الصلاة فى حديث يشوبه بعض القلق عن مرض القلب ، وطريقة العلاج هنا ، والأجهزة الحديثة ومهارة الأطباء المتخصصين .. و .. و ..

تقوم أم جاسم تطمئن أختها :

– الحمد لله جاسم راح يسوى كل شئ .. لا تخافين يا أختى .. الحين الدنيا تغيرت .. الطب تطور .. ما عاد فى شئ صعب .. إطمئنى .. بسيطة إن شاء .

تتنهد أم عبد الله فى إرتياح بعد أن طمأنتها أختها أم جاسم ، وخففت عنها الكثير من القلق ، تبقى الشقيقتان فى جلستهما على الأرض تتحدثان وتتحدثان وهما ترشفان الشاى من الإستكانات الكريستال المذهبة التى أحضرتها سعاد من الكويت . تجلسان تتحدثان بعد أن تركتا الحقائب لحين رجوع جاسم وليلى لترتيب الملابس والأغراض مع سعاد ، بعد ما تفرغ من تحضير العشاء .

تتفنن سعاد فى غبداع وليمة طعام شهية لذلية ، تبتسم لنفسها مشجعة . تهمس . تطمئن روحها :

– أقرب طريق إلى قلب الرجل معدته .. عدل .. طريق الوصول إلى القلب هو المعدة ! زين .. نزيد التوابل شّوى فوق اللحم .. تضيف عصير الليمون والثوم وزيت الزيتون فوق السلطة . هاه .. ياللا .. إتكلنا على الله !

تشوى سعاد اللحم فى الفرن الذى ترفع درجة حرارته ليحمر اللحم دون أن ييبس أو يجف ، تهمس تحدث نفسها فى سعادة ونشوة :

– يا سلام .. والله صرتى خوش طباخة يا سعاد !

تضع سعاد الأكل على النار ، وجاسم وليلى لم يعودا ، فتسأل أمه :

– ليش تأخروا كل هالوقت يا سعاد ؟! هم وين راحوا ؟! كم الساعة الحين ؟!

ترد سعاد على خالتها وهى ما تزال فى المطبخ :

– يجوز راحوا مكان بعيد .. لا تخافى يا خالتى .. الحين يردون .. تدرين عن ليلى وحبها للخروج .. أكيد هى اللى عطلت جاسم ..

دقائق ويدخل جاسم يتشمم رائحة الهواء رافعاً وجهه إلى أعلى ، يمضى متتبعاً مصدر الرائحة الذى يشى بوجود أصنافاً شهية من الطعام حتى يدخل المطبخ ، فيقول منبهراً صائحاً : – الله .. شنو هالأكل ؟! شنوها لرائحة ! صار لى زمان ما شمتها .. من يوم ما تركت الكويت ما شميت رائحة مثل هذه !!

يتلفت جاسم حوله كأنما يفتش عن شئ لا يراه :

– أنا ميت من الجوع .. راح آكل خروف لوحدى .

يدخل غرفته ، يبدل ملابسه ، يذهب إلى حيث تجلس أمه وخالته فى غرفة النوم الرئيسية ، يجلس إلى جوارهما على الأرض يتحدث عن صحة خالته ، يحاول أن يطمئنها :

– ترى كل شئ سهل الحين .. ماكو مشكلة .. المسألة بسيطة وايد يا خالتى لا تخافين .. لا تفكرين فى شئ .. خليها على الله .. المشكلة الوحيدة الحين إنى جوعان .. ياللا قوموا نأكل ..!

يخرج جاسم من الغرفة مع أمه وخالته إلى صالة المعيشة ، فينظر مبهوراً إلى أصناف الطعام الكثيرة ، يجلس يأكل وهو لا يصدق إن سعاد بنت خالته الصغيرة المدللة عرفت تطبخ كل هذا الأكل اللذيذ .. وحدها ..!

يقول جاسم مازحاً :

– لا سعاد .. ما أصدق أنت أكيد جيبتى هالأكل معاك من الكويت .. معقول هذا شغل يدك ؟ معقول ؟! أعتقد هذا شغل طباخكم كومار .. مو كدى ؟!

يعاود جاسم النظر إلى سعاد منبهراً معجباً متعجباً ، فيصيح كأنه إكتشف شيئاً جديداً يراه لأول مرة :

– والله كبرت يا سعاد .. والله كبرت !

ولا يكف جاسم عن إبداء إعجابه وتعجبه من شطارة سعاد ، وكيف قدرت تطبخ كل هذا الأكل اللذيذ فى هذا الوقت القصير !

يمضى الوقت خفيفاً ، لطيفاً ، حافلاً بالنكات ، والقفشات ، زاخراً بالمرح والبهجة والفرح ، بعد قليل تنعس الشقيقتان ، يغلبهما الإرهاق والتعب من طول السفر ، فتدخلان لتناما فى الغرفة الكبيرة الداخلية ، بينما تجلس ليلى وسعاد وجاسم فى غرفة المعيشة الكبيرة التى تتناثر فيها المجلات والكتب الأجنبية فى كل مكان !

تفتح ليلى جهاز التليفزيون ، تجلس على المقعد الوثير المريح ، فى حين تتربع سعاد على الأرض تتصفح عدة مجلات عثرت عليها بجوار الكنبة التى يسترخى فوقها جاسم فأرداً ظهره الذى يوجعه من شدة التعب والوقوف طول النهار ، إلى جانب أنه لم ينم منذ الليلة السابقة حتى الآن أكثر من أربع ساعات ..!

تستغرق ليلى فى مشاهدة المسلسل التليفزيونى المثير ، ينضم إليها جاسم شغوفاً بمتابعة أحداثه ، فى حين تحاول سعاد أن توزع إهتمامها بين المجلات التى بين يديها ، وشاشة التليفزيون التى أمامها ، وجاسم الموجود بشحمه ولحمه على الكنبة بجوارها ..!!

– يا الله .. معقول ؟ معقول جاسم معى فى نفس الغرفة ؟! معقول ؟! لا .. ما أصدق .. ما أصدق !

تتنهد سعاد من قلب يتشقق من شدة الإنفعال وهى لا تصدق إن جاسم الآن موجود على بعد سنتيمترات منها .. أهذا معقول ؟! أم أنه المستحيل عندما يصبح ممكناً ؟ آه .. ما هذا الذى تشعر به الآن ؟! أهو نوع آخر من أنواع الحب المشوب بالخوف والخجل والخدر ؟! أم أنه ترقب فيه إنتظار وتوقع وحذر ؟

يتحرك جاسم فوق الكنبة حركة مفاجئة ، يرفع ذراعه إلى أعلى ، يتمطى ، ويتمطى ، ثم يضغط على كتفيه بيديه يدلك أسفل عنقه ضاغطاً بقوة ، محاولاً تخفيف الألم والوجع الذى يشعر به ، تطالعه سعاد خلسة فى حنان وحب ، وهى تشعر رغبة عارمة فى مبادلته حديثاً طويلاً مباشراً ، لكنها تخمدها إحتراماً لعواطفها التى تخشى أن تشّف عما يفور داخلهــا ..!

تتمالك سعاد مشاعرها بصعوبة بالغة ، تحاول أن تحجّم إحساسها نحو جاسم ، فهى تخشى أن تفكر فيه أكثر من اللازم ، لأنها تعرف أنه سيشعر بها ، سينتقل إليه إحساسها ، سيدرك ما تضمر من عواطف ، وما تخزن من أشواق وأحاسيس ، فهو بحاسته الثاقبة قادر على إختراق أعماقها وكشف أسرار قلبها !

تهمس لنفسها :

– آه .. يكفى هذا الحب يا سعاد .. يكفى .. يكفى !

لكن .. فى هذه اللحظة بالذات يركزّ جاسم نظره عليها وهو يسألها باسماً :

– تحبين تشوفى أفلام عربى يا سعاد ؟

يسألها وهو يطالعها بنظرة حب طويلة ممزوجة بود وعطف وحنان ، يقول مشجعاً :

– ترى عندى مجموعة كبيرة سعاد .. أحسن شئ إنك تنقى منها اللى يعجبك .. آه .. تذكرت عندى بعد مسرحية عذوبى السالمية .. إيش رأيك .. تحبين تشوفيها الحين ؟!

تشكره سعاد فى لطف ، فهى تعرف أنه منهمك بمتابعة المسلسل الذى تشاهده ليلى أيضاً ، تقول فى حياء :

– لا .. شكراً يا جاسم أنا باتصفح المجلات .. بكرة إن شاء الله نتفرج كلنا على المسرحية سوا .. أمى تحب تشوف عبد الحسين عبد الرضا .. وتموت فى سعاد عبد الله .. تحبهم وايد .

هنا يعود جاسم ينظر إليها فى إجاب ، كأنه يمنحها الرد الذى تترقبه ، والذى يخلصها من حيرتها ، فيقول هاتفاً :

– شنو عالشطارة .. شنو هالأكل اللى سويتيه الليلة يا سعاد ؟! .. متى تعلمت تطبخين كل هذه الأصناف ؟! صدق علمينى .. أنت طبختيه بنفسك واللا جبتيه جاهز معاك من الكويت ؟! علمينى سعاد أرجوك ؟!

تضحك سعاد . تغمرها موجة فرح دافقة تنبع من عمق القلب . لا تصدق نفسها ، تهمس فى سرها :

– ياه .. معقول جاسم قاعد يكلمنى ويجاملنى ويردد أسمى بدل المرة مرتين ؟ .. معقول ؟! معقول يمزح ويتقشمر بعد وياى ؟!

تؤكد سعاد لنفسها أنه حتماً يحس بها . يرتاح لها . إنه يحبها . يحبها . حينئذ يخفق قلبها بشدة ، فهى تدارى حبه فى الأعماق ، تواريه فى اللاشعور ، هى واثقة أن جاسم يحبها ، حتماً يحبها ، لكنه لا يبوح .. لا يفصح .. لماذا ؟! لا تدرى .. لا تدرى !!

تغرق سعاد فى بحار التفكير العميق ، تبقى تفكر وتفكر ، تكرر السؤال ، تلو السؤال ، وهى ما تزال تدور فى دوامة هذا التساؤل الرهيب ، معتقدة إنه ربما يفضل الصمت ، لأن الصمت – لا الكلام – ينفذ إلى الأعماق !

تعود تنظر إليه ، تبادله نفس البسمة الجذابة الساحرة ، وحلماً حانياً يضم خيالها ، يحتضن إحساسها ، يعتصر أعماقها ، يرج كيانها ، فتمرح له روحها . لأنها سوف تحيا بالقرب منه أياماً حلوة ، هنيئة فى رحاب الحب والعاطفة .. وأى عاطفة !

تصمت سعاد . تنصت . تصغى لدقات قلبها . تتحسس دبيب مشاعرها ، التى أخذت تسرى فى أنحاء جسدها . تبقى تقلب صفحات المجلات بين يديها ، لعل خشخشة أوراقها تخفى ضجيج قلبها ، الذى أخذت دقاته تتعالى وترتفع شيئاً .. فشيئاً !

.. يزداد الليل عتمة ، وهدوءاً وسكوناً ، بينما الدوّى الداخلى فى قلب سعاد يزداد ضجة ونفوذاً ، فى حين يستمر حواراً ، صامتاً ، متسائلاً ، يصدر عن القلب ، يتخفى خلال المناقشة ، التى تبدأ وتنتهى بينها وبين جاسم ، الذى تحوم حوله أحلامها وحبها ، تتسكب مشاعر سعاد فياضة غامرة ، وحنان متدفق لا يتوقف ، ينصب على جاسم ذاك الحبيب ، الذى تهوى ، وتحب ، وتعشق ، منذ صغرها ..!

فجأة .. يرتفع رنين الهاتف شارخاً هدأة الليل الجميل ، ممزقاً سكون اللحظة الحلم ، مثيراً ضيق ليلى وتعاسة سعاد ، فقد كانت المتحدثة على الطرف الآخر هى .. دلال !

يأخذ جاسم الهاتف ، يدخل الغرفة الصغيرة الضيقة ، يغلق الباب خلفه مانحاً نفسه الفرصة الكافية للإنفراد بالحديث مع دلال ، تنظر ليلى إلى سعاد وقد تملكتها الدهشة وأعماها الغضب ، فتقول متبرمة ساخطة :

– أووه .. أعوذ بالله .. يعنى يا ربى هذه الدلال ورانا ورانا فى كل مكان ؟!

تبادلها سعاد نظرة منطفئة ، خابية ، وقد شملها شعور عارم بالمذلة والهزيمة
والهوان ، تطرق إلى الأرض برأسها فى انحدار وإنكسار ، تصمت صمتاً مطبقاً ، وقد فقدت نهائياً الرغبة فى كشف مشاعرها الجريحة أمام ليلى ، لا ، بل حتى أمام نفسها ، تشعر ليلى بمعاناتها فلا تعلق بكلمة إحتراماً لإحساسها ومنعاً لإحراجها ، تنهض تجلس بجوارها
تحاول أن تخفف عنها حزنها وضيقها ، فتقول لها فى صوت خافت خفيض حرصت ألا يسمعه جاسم :

– ما يهم .. ما يهم .. راح نتصرف معاها بطريقة ثانية .. ما راح نعطيها فرصة تكلمه طول وجودنا هنا .

تستطرد ليلى فى وصف الخطة المضادة لمقاومة إحتلال دلال لمشاعر جاسم ، توافق سعاد راضخة على أمل إنقاذ الأمل فى حبها ، ذاك الحب الخالد الذى لا يبرح روحها ولا يفارق خيالها ، بل يسيطر على كل كيانها ويمتلك ذاتها ويتحكم فى شعورها !

بعد قليل .. يخرج جاسم من الغرفة حافياً .. رافعاً ذراعه المغطى بالشعر الأسود الكثيف ، يشير بيده إلى التليفزيون طالباً من ليلى فى أدب وذوق أن تخفض الصوت بعض الشئ ، تجيب ليلى طلبه على الفور . فى حين ينسل إلى الداخل فى خفة ، ساحباً الباب خلفه فى هدوء !

تتبادل الفتاتان نظرات صامتة ، ناطقة ، فى حين ينساب صوت جاسم مبهماً غامضاً ، لا يفهم منه شئ سوى أنه ما يزال على الخط مع دلال ..!

تشعر سعاد بالغيرة ، والحزن ، والإحباط ، آه .. توجد أحياناً لحظات خائنة حتى فى أوقات السعادة العابرة ، تلتف سعاد بالصمت فى حين يملؤها إحساس شامل بالنفور والرفض لما يدور حولها ، ينتابها ضيق . وغم وغضب . وغيظ من دلال ، تلك الفتاة الجريئة التى لا تكف عن متابعة جاسم ، ومطاردة جاسم ، والتى تثير حوله ضروباً من الفتنة والسحر والإغراء !

تحنى سعاد رأسها إلى أسفل ، تلصق نظراتها بقدميها ، تقاوم دموعها كاوية لا تريدها أن تسيل أمام ليلى ، تنهض واقفة بقلب واجم ، ووجه منطفئ تداريه عنها .. بينما تشتعل فى صدرها حرائق نيران حامية متأججة ..!

تحاول سعاد أن تتجنب النظر إلى عينى ليلى ، فالشبه بينها وبين جاسم شديد ، فهى صورة طبق الأصل منه ، لذا لا تحتمل النظر إليها ، حتى لا توقد فيها أسىً كبيراً ، وأسفاً عارماً ، ففى جميع الأحوال .. جاسم ليس لديه عذر واحد فى أن يفعل ذلك بها !!

تدخل سعاد غرفة النوم ، ترقد تنزوى فى حضن أمها وصوتها يهتف مذبوحاً من أعماقها ، فيه إحتجاج ورفض صارخ لهذا الموقف الصعب الأليم الذى تقاسيه فى هذا الوقت من الليل حولها ، صوت حنون . تحبه . تألفه . منذ أولى سنوات عمرها . صوت يؤنسها ، يسرى عنها ، يطربها فى رحلة حياتها .. تبدأ تسترخى ، وهى تمتص صوت عوض الدوخى .. وكلمات هذه الأغنية ..

زاد الحنين للحبيــب

وإشتقت له ولوصالـه

والشوق عندى عظيـم

والنوم جفانى عليــل

ساهر أناجى خيالــه

والرب بحالى علــم

والرب بحالى عليـم

ترقد سعاد تناجى نفسها ، تدعو ربها فى رجاء ودعاء ، أن يخفف عنها أساها ، وأن يبدد عنها حزنها .. ويرفع عنها همها ، ويهّون عليها عذاب حبها ..!


الفصل الخامس

حنان البحر

تتفق ليلى وسعاد على تدبير خطة مضادة لهذا الخط المتصل الواصل بين جاسم ودلال ، هذا الخط لابد أن ينقطع ، لابد أن ينقطع ، عموماً .. الأمر ليس صعباً فى الواقع فبعد ملاحظة الوضع ، إتضح أن دلال هى التى تتصل أغلب الأوقات ، إذن ، كان على ليلى وسعاد أن تتبادلا حراسة التليفون أثناء وجود جاسم فى البيت ، فإذا سمع صوت دلال تتظاهر إحداهما بأن هناك عطلاً طارئاً قد أصاب الخط وتقفل السكة ، أو تتعلل أى منهما بأن
جاسم نائم ، أو يتكلم مع خالته ، أو فى المستشفى ، أو فى المطبخ ، أو يحضر أغراضه من السيارة !

أخيراً .. تتناقص مكالمات دلال تدريجياً ، كما تلحظ كل منهما أنها لم تعد تلك المكالمات الليلية الطويلة الهامسة ، بل صارت فى معظمها مكالمات تحفل بإتهامات كثيرة تثير حنق جاسم وغضبه ، وتجعله منفعلاً عصبياً ! وفى نهاية الشهر الأول لوجودهم فى أمريكا ، تحولت المكالمات إلى خناق فى خناق . فقدت دلال السيطرة على نفسها تماماً ، دمرّتها الغيرة من سعاد ، وأهلكها الشك فى وجود علاقة غرامية بينها وبين جاسم !

– ليش صار الحين مشغول عنى ؟ ليش يهتم فينى من أول ما وصلت سعاد أمريكا ؟! آه .. هو أكيد معجب بسعاد .. فرحان بوجودها وياه ..!

عند هذه النقطة ينتهى صبر دلال ، تفتك الغيرة بأعصابها نهائياً إلى أن تتهم جاسم صراحة وعلانية بأنه يحب سعاد ، ويرتاح لوجودها بجانبه ، تؤكد له هازئة ساخرة :

– والله جاسم إنت معذور .. عندك حق .. ترى أنا ما الومك .. البنية حلوة وجميلة وقدامك ليل نهار فى نفس الشقة .. معذور .. معذور .. سعاد عندك فكيف تفكر فينى أنا الحين ؟! ما تقدر .. قلت لك معذور .. خلاص يا جاسم .. خلاص .. حلال عليك سعاد .. بس لا تنسى أرجوك تعزمنى فى الفرح .. فى أمان الله .

تقفل دلال الخط فى وجه جاسم ، تضع السماعة فى عصبية ، فى حين يتعجب جاسم من عصبيتها الزائدة هذه ، ، بعد أن ظل ينفى الموضوع برمته لها ! يبقى صوتها وهى تصرخ ثائرة يدوى فى أذنيه :

– فسر لى كيف صرت فجأة مشغول من يوم وصلت سعاد ؟! كيف ؟ كيف ؟ فهمنى الله يخليك !

يشتعل جاسم غضباً من شدة الإحساس بالظلم والإمتهان ، يحس أن دماءه تغلى وتفور من هذه التهم الباطلة التى تكيلها له دلال .. من غير حساب ! يظل يتلقى تلك المكالمات المتصلة المتتابعة ، التى تكرر دلال فيها نفس الإتهامات التى ترّكز على حبه لسعاد ، وإعجابه بسعاد ، فلا يعود يقدر يتحملها ، يضيق خلقه بها ، وأخيراً يقتنع بــــأن دلال :

– صارت عصبية .. ما تنطاق !

يتفاقم شعور جاسم بالنفور من دلال ، والضيق من مكالمات دلال ، التى صارت مصدراً للغيظ والغضب والعصبية ، فهى فى كل مرة تتصل تظل تصرخ وتصيح :

– سعاد .. سعاد .. سعاد .. !!

.. لكن .. ما هذا الوصف اللى قاعدة تقوله عن سعاد ؟! إنها لا تسكت ولا تكف عن الصراخ سعاد .. سعاد ! صحيح هى بنت خالتى وصحيحى هى حلوة وجميلة مثل ما تقول دلال ، لكن ما فى بيننا شئ من هذه الأمور اللى تظنها دلال ، سعاد عاقلة محترمة ، ما هى طائشة ولا متهورة ، سعاد مثل أختى ليلى ما فى فرق بينهما !!

آه .. لكن .. يستدرك جاسم مفكراً قائلاً :

– لا .. هى مومثل أختى مثل ما كنت أعتقد .. لا .. سعاد جذابة .. فيها شئ يشد .. شئ مثير .. مثير .. !

و.. أخيراً .. تنجح دلال فى أن تفعل ما لم تستطع أن تفعله سعاد !! تنجح فى أن تلفت نظر جاسم وأن تنبه جاسم إلى ما لم يكن منتبهاً إليه !! ويبدأ جاسم بعدها ينظر إلى سعاد نظرة تختلف . تختلف . تختلف !

.. فها هى سعاد تتحرك أمامه ، تروح وتجئ بقوامها الفارع الممشوق ، الرائع التنسيق ، ها هى تحدثه بأدب وذوق ، وصوت هامس هادئ ، ها هى تكلمه وهى تنظر إليه بعينيها الواسعتين الآسرتين المليئتين بالحنان والود والإحترام .. وها هى تفعل كل شئ بمهارة وإتقان ، وها هى تنظم كل شئ بدقة . تناقش معه بعض الأمور بأسلوب ناعم . رقيق . وديع . كما أنها تعرف كيف تتصرف فى كل شئ بمنتهى الترتيب ، كما تعرف أيضاً كيف تتعامل مع الجميع بعقل وفهم وذكاء .. !

يتعجب جاسم من نفسه ، وهو يفتح عينيه على سعاد فجأة مبهوراً بها ، يعاتب نفسه كيف لم يرها من قبل ؟! كيف لم يقتنع بها ، إنها فتاة غير عادية ، غير عادية !

إنها تفعل كل شئ ، حتى نزهة نهاية الأسبوع تقوم هى نيابة عنه بتنظيمها والإعداد لها دون أن تنسى شيئاًُ من لزوم الرحلة حتى لو كان بسيطاً تافهاً .. إنها منظمة ، منظمة !

يتابع جاسم شعوره العارم بالدهشة وهو يسترجع تصرفات سعاد :

– ياه .. حتى طلبات البيت ومشتريات الأسرة تقوم بإحضارها بنفسها ..!

يزداد جاسم إنشغالاً بسعاد . كما يزداد إنشغالاً فى المستشفى . فهو يتابع نتائج الفحص والأشعة والتحاليل الخاصة بخالته أم عبد الله ، ويركض وراءها لسرعة إنجازها فيما بين الأقسام المختلفة ، فهو يحب خالته ويخاف على صحتها ، ومسئوليته الآن كطبيب أن يسرع بإتخاذ اللازم ليتم التشخيص فيطمئن ويرتاح هو والجميع .

لكن .. اليوم يحتاج حضورهم إلى المستشفى فى أسرع وقت ، يتصل بالبيت يطلب منهم ذلك ، بعد أن عرف من الطبيب الإخصائى ضرورة حضورهم لإجراء بعض الفحوصات الطبية والأشعة والتحاليل اللازمة .

كانت فرحة سعاد لا توصف وهى تدخل إليه ، تراه فى ” البالطو ” الأبيض جالساً خلف المكتب فى غرفة الأطباء ، وقد إنهمك فى قراءة تقرير بالإنجليزية ، أخذ بعدها يناقش ما جاء فيه مع طبيب آخر أمريكى !

تقف سعاد تنظر إليه فى هدوء وسعادة وإنبهار ، أنها معجبة به  ، وبهذا الجو الطبى الفخم الذى يحيطه ، فالغرفة أنيقة ، واللغة الإنجليزية العلمية المتخصصة التى يزاولها جاسم بطلاقة تبهرها .. ! الأهم من ذلك كله جاسم بقامته الطويلة ، وأكتافه العريضة ، التى يبرزها البالطو الأبيض الناصع ، ويزيدها وسامة وجاذبية وإبهاراً !

بعد ظهور نتائج الفحوصات الأخيرة ، يخطرهم جاسم برغبة الطبيب الأخصائى فى دخول خالته المستشفى لإجراء المزيد من الفحوصات الضرورية لتشخيص الحالة بدقة ، لأنهم يشتبهون فى شئ ما فى القلب ، ويريدون أن يتأكدوا منه !

يمضى الوقت بطيئاً مشوباً بقلق الترقب والإنتظار بالنسبة لجاسم وأم عبد الله وأم جاسم ، فى حين كانت سعاد وليلى فى غاية الاطمئنان ، لا خوف عندهما إطلاقاً مما يحدث الآن ، فلا ترقب ، ولا قلق ، ولا إنتظار ، لأن الموضوع أصلاً من إختراعهما ، وفكرة المرض والسفر والفحص ، أساساً من تأليفهما وإخراجهما ..!

كانت ليلى وسعاد تتفاهمان بالنظرات ، كانتا تبتسمان ، تتهامسان ، وإن كانتا تتظاهران بالخوف والتوتر والإهتمام ، حتى لا يشك فى أمرهما أحد ، ففى بعض الأحيان عندما كان جاسم يتحدث عن الفحوصات والتحاليل كانتا تتعجبان ، بالذات سعاد ، كانت تدهش من جدية جاسم فى متابعة الموضوع ، كما كانت تتعجب من تلك الأهمية الزائدة ورئة القلق التى تبدو فى نبرة صوته ..!

كانت الفتاتان تستغربان أن يأخذ جاسم الموضوع بحساسية كبيرة مثل هذه ، بطريقة مبالغ فيها هكذا ، كانتا تضحكان فى سرهما منه ، وهما تعتقدان أنه طبيب دقيق ، ينزعج بسبب وجود مرض .. غير موجود !!

لكن .. يا للمفاجأة ! يتكدر البيت ، يقلق الجميع خوفاً على صحة الخالة الطيبة الحنون ، التى صارت تعانى آلاماً مبرحة فى الصدر !! تحزن سعاد كل الحزن لمرض والدتها تكاد تحس بالذنب وهى تعرف أنهم أجروا قسطرة للقلب فى المستشفى أوضحت أن هناك إنسداداً فى ثلاثة من شرايين القلب التاجية ، وأن الحالة تستدعى جراحة عاجلة !

يأخذ جاسم التقارير يعرضها على الطبيب الأخصائى ، ثم يجرى بها من مكان آخر فى المستشفى ، يحاول أن يختصر الوقت ، فهو يعمل كل ما فى وسعه لسرعة التحضير والتجهيز لإجراء العملية فى أسرع وقت ممكن ، بعد أن ظهرت نتيجة الأشعة وجاء التقرير الثانى يؤكد إنسداد ثلاثة من شرايين القلب التاجية ..!

لابد من إجراء العملية إذن ، ولابد أن يعرف المريض حقيقة حالته الصحية ، فيعرض جاسم الموضوع على خالته ، ينقل إليها الخبر بطريقة مخففّة  ، يحرص أن يقلل فيها حجم الخوف ، فى حين أن الأسلوب الأمريكى يستلزم مصارحة المريض شخصياً ومباشرة بحقيقة حالته الصحية ، لذا طلب جاسم من الطبيب الذى أجرى القسطرة أن يترك له مهمة مصارحة المريضة بنفسه ..

فى هذه اللحظة .. تعرف سعاد حقيقة مرض أمها ، فتكاد أن تجن عندما تتأكد أن الحالة حرجة فعلاً ، وأن الموضوع ليس هزاراً كما كانت تظن وتعتقد ، لأن أمها بالتأكيد فى حاجة لإجراء عملية جراحية فى القلب !

تدخل أم عبد الله المستشفى والجميع إلى جوارها ، أبو عبد الله زوجها الذى حضر على الفور من الكويت بعد أن عرف الخبر ، وبدر إبنها الأصغر الذى جاء من لندن .. الكل يريد أن يكون إلى جوارها ، تلك المرأة الطيبة التى تمنح الحب بلا حساب ، أما فيصل فقد إكتفى بالإتصال للإطمئنان على حالة والدته لأنه لا يستطيع الحضور ، إذ أن طبيعة عمله كضابط فى وزارة الداخلية لا تسمح له أن يأخذ أجازة فورية فى هذا الوقت ، كما إن زوجته فضيلة فى المستشفى أيضاً إثر تعرضها لحادث إجهاض بعد أن سقط جنينها وهى حامل فى الشهر الثالث . كذلك عبد الله إبنها البكر إتصل عدة مرات ، وظل يتابع الوضع فى الكويت لأنه يتولى حالياً مسئولية العمل فى غياب والده .

يرتب جاسم كل شئ مع إدارة المستشفى ، يحجز لخالته جناحاً خاصاً يضم غرفة مرفقاً بها غرفة استقبال فيها سرير إضافى وصالون وثلاجة صغيرة ، ويظل بعض الوقت مع خالته فى الجناح يطمئنها ويشجعها ، فى حين يتحدث باسماً هادئاً مع الجميع يحاول أن يطمئنهم ويخبرهم أنها بخير وما فى داعى للقلق .

وقبل أن يغادر جاسم الغرفة يدق جهاز اللاسلكى المعلق فى جيبه العلوى ، فيتجه إلى التليفون يدير رقماً معيناً ، ويبدأ يتحدث بإنجليزية سليمة سريعة متقنة ، وسرعان ما ينهى الحوار ويخرج على عجل إلى حيث يريدونه ، ثم يعود بعد قليل يتابع كلامه معهم وترحيبه بزوج خالته ، وبدر ، فهو حريص كل الحرص على إزالة مخاوفهم وتخفيف توترهم وطمأنتهم ، ثم ، يستأذن معهم ليرجع إلى عمله فى غرفة الأطباء .

تضخم الأحداث كلها مكانة جاسم فى قلب سعاد . فى روح سعاد . فى وجدان سعاد . فى عقل سعاد . آه .. أنت تتربع فوق عرش القلب يا جاسم . أنت حبيب القلب يا جاسم . تنظر سعاد إلى نفسها باسمة لائمة فها هى اللغة الإنجليزية التى تعبت وطلعت روحها فى تعلمها فى المجلس البريطانى بالكويت قد تبخر جزء كبير منها هنا ! وها هى الممارسة الفعلية تثبت أنها فى حاجة إلى تعلم الكثير . الكثير . الكثير !

آه .. وهذا هو أيضاً جاسم يتألق كالقمر أثناء الإستقبال الحار الذى قابل به والدها وأخيها عندما حضرا ليطمئنا على حالة أمها .. كان منظر الرجال وهم يتعانقون فى المطار مؤثراً ، مثيراً ، لم تستيطع سعاد أن تحبس دموعها ، سالت رغماً عنها على خدها ، وسرعان ما مسحتها خوفاً على إحساس أبيها وأخيها كى لا يشعران بخطورة حالة أمها .. حقاً ، لم تتمالك سعاد إحساسها ، غلبها التأثير ، فظلت تدعو الله أن يخليهم ويطيل عمرهم ، ويحفظ أمها ويطيل عمرها .

تحمد الله سعاد على أن الصدفة وحدها أنقذت أمها من الوقوع بين براثن المرض ، تشكر الله كثيراً أن جاسم ولد خالتها ، هذا الطبيب الناجح الذى يتابع بسرعة وهمة ويستعجل كافة الفحوصات والتحاليل . تحس سعاد حباً كبيراً نحو جاسم يكبر . يتزايد . يتضخم .. يتضخم .. تقسّم سعاد وقتها بين البقاء مع أمها فى المستشفى ، وزيارة أبيها وأخيها فى الفندق فى نفس المبنى الضخم الفخم الذى يضم المستشفى والفندق معاً ، وبين ليلى وخالتها فى البيت اللتان لا تقصرّان فى الحضور يومياً لزيارة أمها فى الجناح الخاص بها .

تحاول سعاد أن تسرّى عن أبيها وتخفف عنه بعض القلق الذى يحس به عندما يأتى لزيارتهم فى المتشفى ، فتأخذ عشرات الصور لتشرح له الأماكن الجميلة التى ذهبوا إليها وشاهدوها هنا ، وكانت فى كل يوم تحاول أن تحدثه فى موضوع مختلف حتى لا يحس بالملل من طول الوقت فى المستشفى .

ينتهى الأسبوع سريعاً ، كما ينتهى وقت الزيارة . يخرج الجميع من الجناح ليتركوا أم عبد الله تنام وترتاح بعد خروجها من غرفة الإنعاش . تبقى معها سعاد ، فهى لا تستطيع أن تفارق أمها لحظة واحدة ، فهى تحبها . تحبها . وترعاها بقلبها وتمنحها حباً خالصاً ، نابعاً من أعماق نفسها ، فكانت لا تغادر غرفتها ، وتظل تقرأ القرآن الكريم أوقاتاً طويلة ، وهى تدعو لها بالصحة وطول العمر ..

و .. بعد رحيل اللحظات الحرجة الحافلة بآلام الإنتظار وقلق الترقب ، يعلن جاسم فى فرح وإنتظار أن حالة خالته الصحية قد تجاوزت مرحلة الخطر بسلام ، وأنها صارت الحين بخير والحمد لله .. يعم الفرح الجميع ، تغمرهم بهجة كبيرة عظيمة وهم يحمدون الله كثيراً أن أم عبد الله قد نجّت من الخطر ، وكتبت لها الصحة والعافية .. الحمد لله رب العالمين .

تحتاج أم عبد الله بعض الوقت إلى أن تسترد صحتها ، فلا تقّر سعاد فى العناية بها دقيقة واحدة ، كانت ترعاها بحب وحنان ورعاية ، بينما كان جاسم يتولى متابعة حالتها الصحية بنفس الحب ، ونفس الحنان ، ويشرح لسعاد ما خفى عليها من معلومات طبية ، يوضحها لها بصبر وأناة ، فقد كان الوقت كافياً لذلك ، إذ أنه لم ينقطع عن رؤية سعاد فى أوقات الغذاء والعشاء ، حيث كان يدعوها لتناول وجبة ساخنة فى الكافيتريا الخاصة بالأطباء فى المستشفى .

وكانت سعاد أحياناً تحب أن تقدم له بعض الوجبات الخفيفة التى تعدّها بيدها ، فكانا يتناولان الشاى أو القهوة معاً فى الصالون الملحق بغرفة أمها ، وكانا يجلسان يتحاوران ، ويتحدثان فى أشياء كثيرة ، كل ليلة ، قبل أن يعود جاسم إلى البيت عند منتصف الليل !

حقيقة .. لم يكن موقف جاسم مقصوداً أو هادفاً كى يقترب من سعاد ، لكنها الظروف وحدها هى التى قربّت بينهما ، هى التى خلقت الوقت ، وأتاحت له الفرصة الكافية كى يدنو من سعاد . يقترب من سعاد . يشعر بسعاد . فكان لقاؤه بها صافياً ، شجياً ، ممتعاً ، لا يقطعه موعد عمل ، أو قدوم طبيب أو ممرض ، أو حتى زائر ، فى ذلك الوقت المتأخر من الليل ، قبل أن يعود إلى البيت ، وبعد أن يطمئن عليها .. وعلى خالته !

و .. سهرت سعاد ساعات الخوف على أمها مع جاسم ، الذى كان يمنحها الإحساس بالإرتياح والسكينة والإطمئنان .. وكم كانت السويعات الخاطفة ، أحلى وأمتع اللحظات ، التى أحستها سعاد حين أتيحت لها الفرصة السانحة لتستمتع بصحبة جاسم . وجلسة جاسم . وصوت جاسم . وعيون جاسم . تلك العيون التى تحب .. وتعشق .

وهنا .. خلال تلك المواقف المتفاوتة بين الخوف ، والقلق ، والترقب ، والإنتظار ، والراحة والإطمئنان والشعور بالسكينة والأمان ، رأى جاسم سعاد فى شتى المواقف . رآها خائفة . رآها تقرأ القرآن . رآها تدعو الله . رآها نشطة . رآها ناعسة . رآها مرهقة . رآها تنتظره . رآها فرحانة . رآها ضاحكة . رآها تعد القهوة والشاى . رآها تحاول أن تتحدث بالإنجليزية مع بعض العاملين فى المستشفى . رآها تتكلم مع أبيها والحب يبرق فى عينيها . رآها تتعامل مع أخيها بمودّة ومحبة . رآها . رآها . رآها .. فى كل المواقف وشعر بها فى مختلف الأحاسيس .. وهنا .. عاش جاسم مشاعرها .. بكل مشاعره !

يمضى الأسبوع النهارى الليلى يقّرب ما بين قلبى سعاد وجاسم . حقاً .. الموقف الصعب يكشف عن معدن الإنسان الأصيل . إكتشف الإثنان معاً . فى وقت واحد . إن كل منهما قريب إلى قلب الآخر . كما تأكدت سعاد أن جاسم قد عمل كل ما يلزم لأمها . لم يقصرّ فى شئ . لم يترك لها فرصة واحدة لكى تطلب منه شيئاً . قدم لها كل ما تحتاج قبل أن تنطق أو تطلب ، كما أثبتت هى أيضاً مهارة خارقة فى فهم وإدراك بعض المصطلحات الطبية التى كان يذهل جاسم لها ، والتى أثبتت ذكاء سعاد الخارق الذى أثار إعجابه وإبهـــاره !

نعم .. تأتى الأيام بمواقف وأحداث فيها مفاجآت يعجز جاسم عن إستيعابها كلها دفعة واحدة .. كل هذه القوى الخارقة فيك إنت يا سعاد ؟! كل هذا الذكاء والثبات والصمود والقوة والإقتدار فيك إنت يا سعاد ؟ كل هذا التجلد والصبر والتماسك والتحمل فيك إنت يا سعاد ؟ حقاً .. إنها لا تضعف أمام الخطر ! لا تعجز عن مواجهة الصعاب ! يا الله .. كل هذه الصفات ، وكل تلك القدرات فى هذه الفتاة الصغيرة الهادئة ؟!

– صدق .. اللى ما يعرف الصقر يشويه !!

تغادر أم عبد الله المستشفى إلى البيت ، بحيث تكون تحت رعاية جاسم ، وفى نفس الوقت تتابع المراجعة فى المستشفى كل يوم لمدة أسبوع ، يسدد أبو عبد الله فاتورة المستشفى ، ويقفل عائداً إلى الكويت ، فى حين يستمر بدر فى إقامته بالفندق ليكون إلى جوار أمه بعض الوقت ، وحتى يطمئن عليها كل الاطمئنان .

تمتلئ الشقة بالورود والأزهار من كل الأنواع والألوان ، فأصدقاء وزملاء جاسم من الأطباء العرب والأمريكان يعرفون عن عملية خالته التى تمت بنجاح ، والتى تتماثل للشفاء الآن ، فيعد بدر حفلاً صغيراً لوالدته بهذه المناسبة السعيدة ، فيجهز غرفة المعيشة تجهيزاً مسرحياً يتحكم فى إضاءته ببعض ” الأباجورات ” ، واللمبات التى أحضرها من الغرف الداخلية ..

ثم .. يقف فى الوسط مستعداً بعد أن أزاح الطاولة الكبيرة إلى جوار الحائط ، وجعل منها بوفيهاً مليئاً بالحلوى والورود والفاكهة ، ثم يبدأ يقدم عرضاً مسرحياً ضاحكاً ، خاصاً بوالدته ، يقلد فيه الفنان الكبير عبد الحسين عبد الرضا ، الذى يعرف أنها تحبه وتفرح بمشاهدة أى تمثيلية أو مسرحية يطلع بها ، لذا يقوم بدر بدوره فى مسرحيته الجديدة ” باى باى لندن ” كما يؤدى أيضاً دور بطلتها هيفاء عادل !

لا يكتفى بدر بذلك ، بل يأخذ الغناء مقلداً أشهر المطربين ، عبد المحسن المهنا ، غريد الشاطئ ، طلاح المداح ، محمد عبده ، والفنان الذى يعشقه والده عوض الدوخى ، وحتى عايشه المرطة يغنى بعض أغانيها ، لأن خالته أم جاسم تحبها !

ينهمك بدر فى إحياء حفلته الخاصة ، الناجحة جداً ، التى إشتملت على عدة فقرات من الغناء والرقص ، والتمثيل ، والتقليد ، إلى درجة أنه غنى لفريد الأطرش ، وناظم الغزالى ، وشادية ، ونجاة الصغيرة ، بل أنه قام بتقليد مذيعة التليفزيون الحسناء أمينة الشراح ، وهى تربط بين الفقرات وتبهر المشاهدين بشبابها وجمالها !

تسعد أم عبد الله بهذه السهرة المرحة الحافلة التى عاشوا فيها مع بدر ، الذى أدخل الفرحة والضحك على قلوبهم وأسعد الجميع بموهبته ومهارته ، فأكدوا له مسرورين مبهورين أنه سوف يكون نجماً لامعاً فى عالم الفن فى يوم من الأيام !

تتماثل أم عبد الله سريعاً للشفاء . تستقر حالتها . يستأذن بدر للسفر عائداً إلى لندن حيث يلتقى خالد إبن خاله طالب الطيران فى أكاديمية ساندهيرست العسكرية القريبة من لندن حيث يقضى بعض أجازته هناك مع عدد من الأصدقاء المقربين منه ومن بدر ، الذين يتجمعون عادة فى الصيف فى عاصمة الضباب .

تمضى الأيام سعيدة يوماً بعد يوم ، وإعجاب سعاد بجاسم كطبيب يبدو واضحاً جلياً فى عينيها الواسعتين الآسرتين اللتين تكنان له الحب والتقدير والإعجاب . لكنه هذه المرة إعجاباً من نوع آخر . إعجاباً بمهارته كطبيب يعمل فى مستشفى ضخم بهذا الحجم الكبير !

رأت سعاد ذلك بعينيها أثناء وجودها فى المستشفى قبل العملية وبعدها . ورغم ضيق الوقت ، وندرته ، لا يهمل جاسم فى رعاية خالته ، تعرف سعاد ذلك ، تعرف أنه يبدأ عمله فى المستشفى منذ الرابعة صباحاً بجولة يلف فيها على المرضى لمراجعة الحالات كلها ، وكتابة التقارير عنها ، ثم يحضر الحالات التى تم الكشف عليها ويقوم بعد مراجعتها بإعداد تقرير لكل حالة يقدمه للنائب المسئول فى المستشفى .

.. يطير الوقت فرحاً يوماً بعد يوم وجاسم ينجذب نحو سعاد بدافع من هذا النوع من الإعجاب العميق الذى تكنّه له ، والذى يختلف عن ذلك النوع المألوف من الإعجاب لدى البنات المراهقات ! ذلك الإعجاب الذى ضاق به جاسم ومّل به ، وهو يراه فى عيون البنات الطائشات اللاتى يبدين ويكشفن عن صنوف الإغراء وإظهار الإعجاب بلا حساب ..!

وبصورة مباغتة .. سقطت المسافة بين جاسم وسعاد ، أحس أنه يحتاجها بعد أن شبع من تلك المشاعر الهوجاء المراهقة ، بعد أن شبع وشبع من هوس البنات اللاتى يطاردنه عقب إحراز الفوز فى كل مباراة ! إنهن يلاحقنه ، يطاردنه ، لكنهن لا يعرفن أبداً أنهن لا يتركن أدنى أثر لديه ! حتى دلال ما تزال تنظر إليه بصفته لاعب كرة مشهور ، ناجح ، وسيم ، لكن أحداً لم ينظر إليه من قبل نظرة تقدير عن معرفة ، ونظرة إحترام عن معرفة .. إنما بعد عملية خالته وبعد إقترابه من سعاد ، أدرك جاسم أنها لا تنظر إليه كشاب رياضى وسيم مشهور ، إنما تنظر إليه كطبيب ناجح قدير مسئول !

رأت سعاد المستشفى الفخم بنفسها . رأت تعامله مع الأساتذة الأطباء المختصين بعينيها . عرفت كيف ينظرون إليه كطالب عبقرى متفوق ، ورأت كيف يعاملونه كطبيب زميل له نفس المكانة ، ونفس المنزلة .. رأت سعاد ذاك وأحست بذلك .. فعكست مشاعرها كل ذلك !

يستمتع جاسم بهذا النوع الجديد من الإعجاب ، الإعجاب به كطبيب ، وليس كلاعب كرة ، يستمرئ ذلك الإحساس . يستمتع به . وهو يرى للمرة الأولى فتاة معجبة بالطب .. وبالطبيب !

كان هذا الموقف وحده دافعاً كافياً لتحقيق المزيد من التفوق والنجاح والإبهار ، ومع العشرة الطيبة والمعاملة الودودة الوادعة ، يكتشف جاسم عن قرب أن هدوء سعاد ليس غروراً أو تكبراً ، إنما هى تمارس ذاتها ، كما إكتشفت أيضاً أن سعاد لم تعد تلك الطفلة الصغيرة الوديعة التى لا تحب فى الدنيا إلا اللعب مع ليلى والإئتناس بها !

يكتشف جاسم أيضاً أنه لم يتعرف على أى فتاة عن قرب ، ورغم هذا البريق ،
وتلك الشهرة وذلك النجاح ! رغم أنه شاب لديه القدرة على التأثير على أى فتاة ، لكن .. صراحة ، لم تواته هذه الفرصة أبداً ، لإنشغاله الدائم منذ الصغر بالرياضة والتدريب على كرة القدم !

حقاً .. سرقت الكرة منه فترة صباه ، وطيش مراهقته ، وإنصرافه وهو شاب إلى دراسة الطب ومحاولته الشاقة للتنسيق بينه وبين الرياضة سرق البقية الباقية من وقته وأحلامه ! حقيقة .. لم تتح الفرصة لجاسم مطلقاً كى يتعلق بأى فتاة ، ولا أن يتعرف عن قرب على أى فتاة ! لذا ، نجحت دلال فى فرض نفسها عليه ، لكنها لم تنجح فى خلق نوع من التفاهم أو الحوار بينهما ، كانت تنظر إليه مبهورة ، مبهوتة ، مذهولة ، بكل ما يحيط به من بريق ونور وأضواء !!

كانت دلال تصدق كل كلمة يقولها ، وكل حرف ينطقه ، كانت دوماً لا تقول إلا تأييداً مطلقاً ، وتصديقاً تاماً على كلامه ، حتى لو جاء فى يوم وقال لها إن لندن عاصمة أمريكا لن تكذبه ولن تقول له أنت قلت خطأ .. ! لا .. بل ستصدق ، ستعتقد أن هذا هو الصح ، وستكون معجبة جداً بهذا الاكتشاف الجديد الذى وصل إليه جاسم ! فهى لن تنظر إليه على أنه أخطأ ، بل ستنظر له على أنها وجهة نظر جديدة فى علم الجغرافيا السياسية !!

كان جاسم يعرف دلال جيداً . يعرف كيف تفكر . كيف تتكلم . كيف تتصرف . يعرفها من الداخل والخارج . يعرف أسلوبها وطريقة رد فعلها فى أخذ الأمور . كما يعرف أنها لم تتح له الفرصة لمناقشتها ، لأنها لم تكف ، ولم تتوقف ، ولم تنقطع عن الكلام عن أحلامها . وعن أمانيها . وعن نفسها !!

لكن .. مع سعاد ، الوضع يختلف . يختلف . فكل شئ فيها مختلف . هى قارئة كبيرة . أسلوبها هادئ رشيق . مثقف . عقلها كبير . ثقافتها واسعة . شخصيتها فيها عمق . سعاد عندها شئ لم يجده جاسم فى دلال . عندها الإستماع . عندها الإصغاء . عندها الوعى . عندها العمق . عندها الإدراك .

كانت دلال تمطره بالحب . لكن مع سعاد أحس أنه يغرق فى الحب .. ! هناك عمق . دفء . إحتواء . أما الآخر .. فهو زخات مطر قوية ، لكن هذه الزخات العنيفة أحياناً لا توجد إلا مع المطر . أما مع سعاد كأن الإنسان فى بحر . فى محيط . لا يغرق مرة واحدة . لكنه كلما مشى أكثر . كلما أحس أن الماء يحيطه من جميع الجهات . هناك عمق دون أن يحس به يأخذه . يحيطه . يضمه . يحتويه . صحيح نحن نحس المطر . نجرى منه أحياناً . أحياناً أخرى نتوارى عنه . لكن السائر على شاطئ البحر يستمتع بملامسة الماء . يستمرئ أن تتبلل أقدامه شيئاً فشيئاً . يشعر دوماً أن البحر موجود . وفى أى وقت يحب أن ينظر إليه ، هو موجود . ودائماً يجده بالماء مليئاً .. مليئاً .. مليئاً .

حقاً .. تنجح سعاد أن تملأه بهذا الشعور الزاخر . الوافر . الثرى . تنجح أن تغرقه فى أعماقها . تحيطه . تضمه . تحتويه . دون صخب . دون إزعاج . إنما على مهّل . وهدوء . وحنان . وهناء . وإهتمام .. هذا الشعور الدائم الهائم يتسلل إليه على مستوى اللاوعى . اللاشعور . إلى أن يستقر فى أعماق الأعماق !

كان طبيعياً أن يحس بذلك جاسم . وأن يستمتع بذلك جاسم ، خاصة بعد سفر سعاد وأمه وأخته وخالته ، وبعد أن رأى البيت أصبح خالياً عليه وحده .. خالياً .. خالياً ..! الله .. كل هذا كان أمامى ولم أكن أراه ؟ كل هذا كان عندى ولم أكن أعرفه أو أقدّره ؟

بعد غياب سعاد ، يشعر جاسم أنه صار كالسمكة التى انتزعت من الماء ، إنه لا يستطيع أن ينسى وجه سعاد عندما كانت تضحك منه وهو واقف فى المطبخ لا يعرف كيف يقلب اللحم ! إنه يتذكر كيف إنتفض بعد أن لسعته حرارة الصينية فى الفرن ، وكيف فزعت سعاد وخافت ، وسكبت الماء البارد على يده كى تخفف أثر اللسعة عليه ، إنه لا يقدر أن ينسى أسلوبها الطبيعى الناعم الوادع البديع وطريقتها الدمثة الرقيقة الودودة الهادئة الدافئة إنه لا يستطيع .. لا يستطيع .. لا يستطيع أن يتجاهل تأثير وجودها .. !

آه .. يحس جاسم حنيناً دفيناً وإحتياجاً ملّحاً إلى الصحبة الحلو التى تبدد عنه وحشة الوحدة وضيق الفراق ، رغم أنه كان سعيداً لأن العملية نجحت ، وخالته إستردت صحتها وسافرت بسلامة الله .

كان جاسم يعتقد أنه سيتنفس الصعداء عندما يرجع إلى البيت ويجده فاضى ، كان يعتقد أنه سيكون حراً طليقاً ، لكنه وجد نفسه وحيداً . وحيداً . وحيداً .. خاصة بعد أن بدأت فى الجو تباشير برودة الشتاء التى تؤكد حاجته الملحة إلى الشعور بالدفء والصحبة الحانية والإحتماء .. فالليل صامت ساكن خامد الأنفاس ، والظلام رمادى فى الغرف المغلقة الصامتة التى كانت تزدهى بعبق روحى نافذ دافئ ، قادر على يهزم وحشة الليل ، وبرودة الشتاء !

وعلى ضوء خافت يصدر عن أباجورة فى لون المشمش عن يساره ، ينظر جاسم إلى الهاتف ، ثم ينظر إلى عقارب الساعة الذهبية الموضوعة على المدفأة أمامه ، وبسرعة يحسب الفارق فى التوقيت بين أمريكا والكويت ، ويظل راقداً بعض الوقت على أحرّ من الجمر ، يرقب مرور الزمن الذى لا يريد أن يمر ، فهو يزحف بطيئاً . بطيئاً . متماوتاً .

أخيراً .. يمسك جاسم سماعة الهاتف ، يرفعها نحو أذنه ، بينما تضغط أصابعه أرقاماً معينة يحفظها جيداً .. عن ظهر قلب .. !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل السادس

بريـق العشـق !

أدار جاسم رقماً يحفظه عن ظهر قلب ، أدار رقم دلال ، لأنه كان يحس إحتياجاً عاطفياً طاغياً ينقصه إشباعاً ، ولم يكن يقدر أن يتصل بسعاد .. وفى نفس الوقت كان يحس الرغبة العنيفة الملحّة لملأ هذا الفراغ العاطفى الذى بات يعانيه الحين مع دلال .. لكن .. لم تدرك ذلك دلال ، لم تفهم حاجته إلى الإحساس بالحب .. فلم تشبعها له .. !

رغم ذلك ، ظل جاسم يتابع حديثه مع دلال ، إلى أن يفاجأ بالتغيير الواضح فى صوتها ، ويصدم من لجهة التهكم الساخرة المستترة بين كلماتها ! يتعجب من هذا الأسلوب الجديد الذى طرأ عليها وجعلها تكلمه هكذا ، يستنكر عليها هذه الطريقة ، يحس ضيقاً خانقاً ينتابه ! .. فى حين يبدأ يطغى على إحساسه شعور شديد بالإمتهان لذاته .. مع أنه حريص كل الحرص على أن يبقى دوماً بعيداً عن أى معاملة يحتمل أن تسئ إليه ، أو أى موقف قد يجرحه أو يسبب له شعوراً بعدم التقدير وقلة الإحترام !

لا يستطيع جاسم أن يجادل دلال طويلاً ولا أن يناقشها فى تلك الإتهامات المتتابعة التى تكيلها له ، ولا تلك الشكوك المتراكمة التى تصبّها عليه بمجرد سماع صوته :

– ها .. الحين تذكرت دلال ؟ الحين بس عرفت قيمة دلال ؟ آه .. وإلا عشان سعاد ردت الكويت .. وصار عندك وقت كافى قمت تكلم دلال .. ها ؟ وينك من زامن ؟! وينك من أول ؟! وإلا صرت أنا الإحتياطى عندك ؟ لا جاسم .. ترى هذا شئ أنا ما أقبله على نفسى .. يكفى عليك سعاد .. الله يخلى لك سعاد .

يصمت جاسم دون أن يصمت داخله الشعور بالضيق ، والنفور ، والإختناق ! يبقى يستنكر على دلال رنّة الزهو والإنتصار التى تحاول أن تهزمه بها ، يرفض أن يكون تحت سيطرتها وسخريتها ، ودون أن يشعر ينهى المكالمة محبطاً خائباً :

– على راحتك .. زين .. زين دلال .. على كيفك .. على كيفك .. فى أمان الله .

يغلق جاسم الخط بعد سماع كلمات دلال ليفتح قلبه على آخره مستقبلاً كل ذكريات سعاد ! يذكر جاسم بكل الحب .. مشاعر الحب التى تدفقت داخله عندما فتح الثلاجة ووجد أن سعاد قد وضعت له الأكل الذى يحبه فى صناديق ورقية ، كتبت على كل واحد منها إسم الأكلة التى بداخله ، أيضاً ، يذكر الفريزر وقد إمتلأ بعلب صغيرة فيها كل الأشياء التى يحتاجها ، وعليها التيكيت بخط سعاد يشرح ما فى داخلها .. !

ياه .. إلى أى مدى هى ذوق ! إلى أى مدى هى تهتم به ! إلى أى مدى هى تفكر أن ترعى شئونه حتى وهى بعيدة عنه ! هنا يكتشف جاسم شيئاً جديداً يثبت إهتمامها به ويزيد حبه لها . آه .. هذا يكفى ، يكفى لأن يقتنع إن سعاد تحبه .. تحبه .. !

بصورة تدريجية .. تندلع نيران الشوق هادئة ، وقد شردت عينا جاسم فى نفس الذكريات ، ثم ما تلبث أن تستحيل نيراناً هادرة يشعلها خيال سعاد ، والحنين إلى سعاد .. تزداد هذه النيران إشتعالاً كلما مضى يوم بعد يوم ، وشهراً بعد شهر ، من شتاء شديد البرودة والوحشة .. يتأكد بعده جاسم أنه لم يعد هو جاسم ! تغير .. كل شئ فيه تغير !

بعد رحيل سعاد غاب عنه جزء هام من كيانه النفسى . سعاد أخذت معها الكثير الكثير من ذاته .. صحيح هى تركت أثراً كبيراً فى نفسه ، فى بيته ، فى حياته ، لكنها فى النهاية إستطاعت أن تسلبه أى شئ تركته عنده .. بغيابها .. وبعادها .. !

– يا الله يا سعاد كيف ما عرفتك على حقيقتك كل هالعمر ؟! كيف لم أشعر بك كل هالسنوات ؟! آه .. التقصير عندى أنا ، فلو كنت فتّحت عيونى عليها وعرفت كيف أنظر إليها ما كنت تحمدّت عند فكرة كونها طفلة صغيرة صديقة أختى الصغيرة .. صدق .. العيب فينى أنا ! 

و .. مع برودة الشتاء ، وزخات الأمطار ، وكثافة الثلوج ، وضبابية الأجواء ، وصقيع الهواء ، لم بعد جاسم يحتمل شيئاً آخر ، لم يعد يطيق مزيداً من الوحدة والبرودة والحرمان ، يحاول أن يحتمى من هذا الجو الموحش الكئيب بذكرى سعاد التى تستطيع أن تهزم البرودة . رغم بعادها . بدفء يتأجج بإحتراق داخلى ، ما يلبث أن يجعل الشوق جذوة تتقد ، ترتفع ، تتصل بقلبه وصدره ، حيث تلتهب ، وتستعر ، حتى يكاد يحترق ببعادها عنـه !

ومع ليل الشتاء .. يسود الظلام وهو فى طريقه إلى المستشفى ، الجو صقيعى لا يفيد معه إرتداء بالطو المطر والبلوفر الأسود الصوف السميك ذى القبة العالية الذى يحيط رقبته يحميها من الهواء الساقع اللاسع ، لكن .. ما تلبث أن تطارده رغبة عنيفة فى الشعور بالدفء ، بالمزيد من الدفء ، الدائم ، المستمر ، وهنا .. تراوده فكرة تظل تتابعه كظله بالبحث عن الدفء .. وهو يعرف حتماً كيف يجده .. وأين يكون !

سعاد .. سعاد لابد أن تأتى ، لابد أن تكون بالقرب منه ، إنه يفكر الآن كيف يتعامل مع حبه لسعاد الذى بات لا يستطيع الفكاك منه . إنه يفكر فيها . إنه لا ينقطع عن التفكير فيها . هى صارت جزءاً من زمانه ، حتى وهو مشغول ، صار يحس بوجودها داخل كيانه . هذا يكفى . هذا يكفى . لابد من وجود سعاد فى حياته . يتفقد جاسم فى حرارة ولهفة آلاف الأفكار وهو يتساءل فى حيرة :

– إيش لون تيجى سعاد وهى بعدها طالبة فى الجامعة .. ؟! ما أعتقد والدها المليونير هذا راح يوافق أن يعطينى إياها الحين .. !

يعود يتساءل :

– زين .. وهل سعاد نفسها راح توافق تتزوجنى وهى تعرف عن علاقتى بدلال ؟ ودلال نفسها شنو راح تسوى ؟! أكيد راح تصير مجنونة ! عدل .. هذه أكيد راح تسوى لى قصة ثانية .. راح تسوى فضيحة كبيرة قدام الناس .. آه .. كيف أتصرف معها ؟! شنو أقول لها ؟! آه .. أنا ما أقدر أحبىّ الموضوع عنها .. وفى نفس الوقت ما أقدر أصارحها لأنى ما أعرف شنو رد فعلها .. يا الله .. دلال هذه مصيبة وحدها .. أنا ما عدت أقدر أتحمل كلامها .. وصراخها .. وخناقها .. وعصبيتها .. صوتها نفسه .. صار يضايقنى .. !

يدرك جاسم أنه قد أصبح الآن فى موقف دقيق . صعب . حرج . يفكر كيف يمكن له الخروج منه ؟!

– لكن .. أنا ما وعدت دلال بالزواج فى يوم من الأيام .. أنا ما قلت لها كلمة واحدة لا عن الحب ولا عن الزواج .. هى اللى كانت تلاحقنى وتطاردنى لما خنقتنى مرة واحدة .. صدق شنو راح تقدر تسوى ؟! ولا شئ .. ولا شئ !

آه .. لابد من العمل على إتخاذ قرار ، فالوقت يمضى ، والقلب لا يحتمل مزيداً من الانتظار ، يدير جاسم رقم بيته ، ترد عليه أمه التى كان قلبها يحدثها أنها ستسمع صوت جاسم الحين ، كانت تتوقع إتصاله بها . و .. تسمع الأم كلمات تجعل قلبها يرقص من
الفرح !

– .. الحمد لله .. كل شئ فى هذه الدنيا قسمة ونصيب .. الحمد لله .. خلاص .. ربنا هداك يا جاسم .. مبروك .. ألف مبروك يا حبيبى .

– الحمد لله .. جاسم وافق يتزوج .. جاسم يريد نخطب له بنت خالته سعاد ..

تزف أم جاسم الخبر لوالده الذى يتلقى الموضوع ببرود ، يأخذه بطريقة عادية جداً ، لا يكاد يعلق سوى بكلمة واحدة .. مبروك .! يخفى أبو جاسم مشاعره الداخلية ، فهو لا يستطيع الإعتراض طالما هذه رغبة جاسم نفسه ، فهو يحترم ولده منذ كان طفلاً صغيراً ، أنه لا يرفض له طلباً ، ولا يمانع إطلاقاً فى أن يفعل ما يريد طالما أنه مقتنع أن ما يفعل هو الصح .. وأن تصرفه سليم .

وفى الحقيقة سعاد فتاة عاقلة رزينة ما فيها عيب يشينها ، لكنه لا يرتاح تماماً لفكرة إقتران جاسم بها فهو يود لو أنه إختار دلال ، فهى قريبته من بعيد ، من ناحية أمها نوال التى كان يحبها منذ طفولته عندما كان يلعب معها فى الفريج ، وكان لما يحس بالعطش يدخل عندهم يشرب فترحب به أمها وهى تسقيه الماء وتعطيه الحلوى .. آه .. سيطرت أم دلال على أحلام صباه زمناً طويلاً . لكن .. يبقى فى القلب الحنين القديم راقداً ، باقياً ، فى الأعماق .. مدى الحياة !

تطلب أن جاسم أختها فى التليفون تخبرها برغبتها فى الحضور .. تقول لها بصوت تطغى الفرحة الساطعة عليه :

– أنا راح أجيك الحين .. ترى اكو شئ مهم راح أقول لك عليه لما أشوفك .

وفى خلال وقت قياسى قصير ، تدخل أم جاسم تقبل وتحضن أختها الكبرى وهى تبارك لها ، وتهنئها برغبة جاسم فى الزواج من سعاد ، تطلب يدها أولاً من أختها .. أم عبد الله .

و .. تأتى ليلة من ليالى العمر ، يقام حفل الزفاف فى القاعة الكبيرة الواسعة فى الفيلا الفخمة بالشامية ، التى تتحول حديقتها المزدانة بالأضواء الملونة المعلقة على الأسواء والأشجار والأقواس إلى كتلة من الأضواء البراقة ، التى تشب وتضوى فى تلك المنطقة الهادئة فى الكويت .. تتلألأ الأنوار ، يصبح الليل نهاراً ساطعاً مبهجاً ، يبعث الدفء والفرح فى كل مكان ، رغم برودة الجو فى شهر ديسمبر ، فى عزّ الشتاء !

ورغم ثلجية الهواء فى هذا الوقت من الليل ، تشعر المدعوات بالراحة والدفء داخل القاعة حيث يجلسن فى أعداد لا حصر لها فوق المقاعد التى تلاصق الجدران ، وفوق المخاد التى أضيفت ووضعت على الأرض ملاصقة لها ، لتستوعب هذا العدد الكبير من الحاضرات ، فى حين تلف وتدور ، وتلف وتدور صوانى الفضة التى تغّص بالمشروبات ، والحلوى ، والشيكولاته من أفخر الأنواع ، بينما يصدح فى الأركان غناء المطربات الشعبيات ، اللاتى يجلسن على الأرض فى وسط القاعة .

تنطلق الزغاريد . تعم الفرحة . تتألق فقرات العرس الكبير الذى يتم حسب الطريقة الكويتية القديمة ، تلك التى إختارتها سعاد بناء على رغبة جاسم الذى رفض فكرة إقامة فرح ضخم ، بسبب ضيق الوقت والرغبة فى عدم المباهاة والإستعراض .. !

تنتشى الحاضرات بسماع الأغانى إلى أن تدخل العروس تجلس وسط القاعة فى ثوبها الأخضر اللامع الطويل ، وفوق رأسها هامة مرصعة بالماس تخطف ببريقها الأبصار وتعكس الأضواء وتبهر الأنظار !

تجلس سعاد فوق مقعد فى وسط القاعة وحولها ينطلق البخور يهبّق المكان ، تنطلق زغاريد الفرحة الكبرى فى حين تقف بعض الحاضرات يمسكن المحفة الحريرية الخضراء يهفهفن بها فوق رأسها بينما البخور ينطلق حولها يفوح فى القاعة برائحة الثمين ، التى تمتزج النفاذة الأريج التى تمنح القاعة أريجاً وعبقاً بديعاً .

بعد قليل تخرج العروس إلى قاعة أخرى ، ثم تعود بثوبها الأبيض الناصع الطويل حيث تجلس فى صدر المكان المخصص لها ، وخلفها الكوشة العملاقة الحافلة بعشرات المئات من الورود والأزهار التى تمنح العروس خلفية جميلة باهرة تزيدها جمالاً على جمـــال !

يستمر الفرح ، والغناء ، والرقص ، تطلق الزغاريد ، والبخور ، وتدور صوانى الشربات والحلوى والمرطبات ، بينما تصدح الأغانى بأصوات المطربات اللاتى تشجين الحاضرات بأحلى الأغنيات ، فى حين تنهض بعض الشابات من المدعوات يرقصن تحية للعروس .

يدخل جاسم مع مجموعة من أصدقائه الشباب ، يتقدم نحو سعاد كفارس من فرسان العرب الأشداء ، على رأسه الغترة والعقال وعلى أكتافه العريضة العباءة السوداء الموشاة أطرافها بالخيوط الذهبية ، التى تنسدل فوق قامته ، فتؤكد طوله الفارع وتظهر بفخامتها ضخامته ووسامته .. ثم يجلس بجانبها يلبسها الشبكة الماسية الثمينة التى تزيد أصابعها ويديها وتفترش صدرها فتعكس أشعة الأضواء حولها ، فتزيدها تألقاً وإبهاراً يخطف الأبصار .. بينما تنطلق زغاريد المدعوات مصحوبة بفرحة الكبار والصغار .. !

تجلس سعاد تخفض بصرها خجلاً ، وحياءً ، وفرحاً ، وحباً ، وهى تشعر أنها تحلّق فوق السحاب ، وما يلبث أن يغادر جاسم القاعة متجهاً إلى حيث يتواجد الرجال ، فى حين يزداد الحفل تألقاً وإبهاراً ، رغم أن جاسم أراده أن يكون فرحاً بسيطاً عادياً ، إذ لم يكن يرغب فى مظاهر البذخ الزائدة عن الحد هذه .. !

.. رغم ذلك لم يتعجب هذا الموقف والد سعاد إطلاقاً ، فقد إعترض بشدة على أن يتم زواج سعاد إبنته ، وحيدته ، الحبيبة إلى قلبه ، بهذه الطريقة العادية البسيطة ! فقد كان أبو عبد الله يريد حفلاً باهراً لإبنته الوحيدة ، حفلاً باذخاً ، ملفتاً ، مسرفاً ، يظل حديث المجتمع سنوات وسنوات ! كان يريد أن يظهر حبه لسعاد بكل الوسائل والطرق الممكنة ، كان يريد أن يسعدها يوم زفافها ، وألا يبخل عليها بشئ مهما غلا ثمنه . فالإمكانيات متاحة ، والخير كثير والحمد لله .

الغريب فى الموضوع ، إن سعاد نفسها أخذت تلح على والدها ترجوه أن يجعل حفل زفافها عادياً ، دون مبالغة ، فهى لا تريد أن تلفت الأنظار حولها ، كما لا تريد أن تضايق جاسم ولا أن تخالف رغبته ، أيضاً ، الوقت لم يكن يسمح بإجراء المزيد من الترتيبات للفرح ، فجاسم مستعجل ، ولا يريد أى تعطيل لأن إجازته كلها لا تتجاوز الأسبوعين ، وعليه أن يعود لمتابعة دراسته فى أمريكا .. وسعاد معه !

يوافق أبوها على مضض ، يقبل رأيها وإن بدا غير مقتنع به ، وغير راض عنه ، فكيف يمكن أن تكون هذه هى الفرحة الكبرى ، وليلة عرس سعاد التى ينتظرها من زمان ، والتى كان يندر لها بينه وبين نفسه ، أن يجعل فرحها حديث كل الناس ؟! لكنه يكفّ عن الرفض ويقبل بالأمر الواقع ، طالما هذه رغبة سعاد التى تصرّ بشدة عليها !!

تتدخل أم سعاد فيترك تسيير الأمور لها ، طالما هذه هى رغبة الجميع ، لكن ، الشئ الوحيد الذى صمّم عليه ولم يتنازل عنه ، هو أن يحضر المطربة الكبيرة صباح لإحياء الفرح والراقصة سامية جمال لتزف ابنته العروس فى ليلة زفافها .

يوافق الجميع على ذلك ، رغم أن الفرح جاء على الطريقة الكويتية القديمة ، وأشجت المطربة عائشة المرطة الحاضرات بأغانيها الجميلة هى وفرقتها الكبيرة اللاتى كن جالسات على الأرض فى وسط القاعة الكبيرة الواسعة ، بينما كانت معظم المدعوات ترقصن على نغمات ألحانها ذات الإيقاعات الممتعة .

وكان فستان سعاد يوم عرسها ليس فستاناً عادياً ، كان ثميناً غالياً ، وكانت الهامة المرصعة التى أعدتها أمها ليوم عرسها منذ وقت طويل ، شيئاً فريداً متميزاً لم يرّ الناس مثله من قبل ! كذلك كان البوفيه الفخم الضخم حافلاً بكمية خيالية من الأطعمة والحلوى النادرة الباهظة الثمن ! يقولون .. الحلوى والشيكولاته جاءت بطائرة خاصة من سويسرا ، أما الطباخين فقد أحضروهم من أشهر الفنادق فى الخارج !

كل شئ كان مبهجاً مفرحاً ، وكان جاسم سعيداً فخوراً بعروسه التى كانت فرحتها به لا تقل عن فرحته بها .. غمرت السعادة والفرحة الجميع ، الكل كان منتشياً مبتهجاً ، ماعدا دلالا لتى أصيبت بصدمة عصبية عنيفة ، أفقدتها القدرة على الإتزان أياماً وأياماً ! فقد كان آخر شئ تتوقعه فى الدنيا أن يتركها جاسم .. ويتزوج سعاد ! هكذا بسرعة بلا أى مقدمـات !

جاء الخير بالنسبة لدلال مفاجأة مذهلة ، كان الموقف كله عبارة عن صدمة عنيفة فظيعة غير متوقعة ! وإن كانت هناك كثير من المقدمات التى سبقته ومهّدت له ، إلا أن دلال تعامت عنها .. أنكرتها . رفضت تصديقها . رفضت أن تعترف بها . تجاهلتها . فبقيت كما هى معتقدة أنها طالما ترغب فى زواج جاسم .. إذن .. جاسم يرغب فى زواجها !

لم تشك دلال لحظة واحدة أن هناك متغيرات كثيرة قد طرأت على جاسم بعد سفر سعاد إلى أمريكا ! لم تفهم دلال أن جاسم نفسه قد تغير . وأن إحساسه بها قد تغير . رفضت أن تصدق . رفضت أن تعترف . رفضت أن تقتنع . فكان ما كان من مشاكل بينهما . وخناقات وعصبية وتوتر ونفور ، أدت إلى خصام طال .. وطال ! فكان .. ما كان .. !

يأتى والد سعاد يقدم لها هدية صغيرة متواضعة بمناسبة هذا الزواج الميمون ، عبارة عن عقد ملكية بيت قديم كان قد إشتراه فى أمريكا من زمان ، عندما كان أخوها عبد الله طالباً يدرس الهندسة فى جامعة هارفارد بولاية بوسطن ، وبعد إنتهاء دراسته وعودته إلى الكويت ، تركه لمكتب عقارات يديره ويصرف عليه . والحين .. لم تعد هناك حاجة إليه ، فقدمه الوالد إلى إبنته هدية بمناسبة زواجها !

يطير العروسان الشابان بعد الفرح مباشرة إلى أمريكا ، تحفهما آيات الفرحة والسعادة التى ملأت أرجاء المكان ، والتى جعلت ليلى تقرص سعاد فى ركبتها ضاحكة مهنئة على هذا العريس الحلو الذى تتمناه كل البنات .. وأولهم دلال ! تشاركها سعاد ضحكتها وهى تقول فى سعادة :

– عقبالك يا ليلى .. عقبالك .

تهبط الطائرة فى مطار نيويورك .. لا تشعر سعاد خوفاً أو رهبة هذه المرة ، فها هو جاسم حبيبها ، زوجها ، يقف إلى جوارها بقامته الضخمة الفارعة ، عظيماً شامخاً أمامها وهو ينهى إجراءات الدخول ، ثم يأتى يسألها عن عدد الحقائب التى أحضروها ، يقف يراجع البطاقات الملصقة بالتذكرة ، يتأكد من تطابق العدد ، قبل أن يخرجا من المطــار .

يدخل العروسان فندق ” أوستريا ” الفخم فى نيويورك ، حيث يريد جاسم أن يقضى أيام العمل الأولى قبل السفر إلى ” سيراكيوز ” والعودة إلى العمل فى مستشفى ” سيراكيوز ” الفخم هناك .. ينهى جاسم الإجراءات فى لحظات ، فهو قد حجز جناحاً فخماً منذ كان فى الكويت .

لحظات .. وتنقل الحقائب إلى الجناح الكبير الذى اختاره جاسم بعناية ، بينما كانت سعاد تجول بعينيها فى بهو الفندق الفخم عظيم الإتساع ، تطالع مظاهر الفخامة ، والأبهة ، وضخامة الثريات الثمينة وروعة الستائر المسدلة على النوافذ العالية .

تقف سعاد تتأمل فى إعجاب جمال السلم الرخامى الدائرى والدرجات المغطى بالسجد الأحمر والذى تتناثر حوله أجمل الصالونات الفاخرة ، التى تتوزع بأناقة فى بهو الإستقبال الواسع الكبير ، كما تنظر بعين الإعجاب إلى اللوحات الفنية الكبيرة المعلقة على الجدران العالية ذات الديكور المبهر الذى تبرزه باقات الورود العملاقة التى تملأ المكان فتضخ العبق والعطر والجمال .

يرتفع المصعد بهما إلى الطابع السابق والخمسين ، يقفان على مقربة من بعضهما البعض وإحساس سعاد يحلق بها إلى السماء السابعة ، فى حين تخفض بصرها إلى قاع الأرض خجلاً . نعم .. تقف خجلى منبهرة ، لاهثة الأنفاس ، لا تعرف ماذا تفعل ، أو تقول ، ولا حتى أين تنظر ، تحاول أن تبعد تفكيرها عن جاسم .. حبيبها ، جاسم .. زوجها ، جاسم .. آه .. إنها تخشى أن يحس بها كعادته ، فتقف متشاغلة عنه .. وعن نفسها .. !

.. ثوان ويصلان إلى الدور السابع والخمسين حيث يوجد الجناح المحجوز لهما فى أقصى الممر ، يدخلان فتضاء الأنوار من تلقاء نفسها ، بمجرد أن يفتح جاسم الباب ينهمر الضوء الباهر إلى عيونها ، فتبتهج سعاد لرؤية الورود التى إفترشت أغلب الطاولات ، وعليها بطاقات التهنئة من إدارة الفندق ، وعدداً كبيراً من الأصدقاء الذين كانوا على علم بموعد وصول العروسين .. ! مبروك .

تدخل سعاد إلى الجناح وإرتعاشة حب تحوم فى جوارحها ، ورجفة شوق تخفق فى جوانحها . تدلف وكأنها تسبح فى كون آخر بعيد .. بعيد .. بعيد ! تجلس على المقعد تدارى ارتباكها ، لا تقوى طويلاً على الوقوف ، لكنها تحس حنيناً جارفاً يجذبها نحو جاسم ، يشدها إليه .. حنيناً يمتزج بخجل ساحق يبقيها مكانها حائرة لا تعرف ماذا تفعل فى هذه اللحظة الحساسة الحرجة .. يحس بها جاسم – كعادته – فيقترب منها ، يدنو نحوها ، يحدق بها ، يدعوها أن تأتى وتشاهد روعة نيويورك من أعلى ..!

تقف سعاد تطل من وراء النافذة الزجاجية العريضة .. تستغرق فى مشاعرها ، وهى تطالع المنظر العلوى لمدينة نيويورك ، وقد تهاوت مقاومتها متأثرة برهبة الموقف ، إذ ما زال جاسم واقفاً إلى جوارها ، بالقرب منها ، لا يفصله شئ عنها ، فى حين تحاول هى بكل قوتها أن تفتح عينيها الهائمتين فى عوالم سحرية ، تتخللها آلاف الحزم الضوئية الباهرة الملونة الساحرة .. !

تتشاغل سعاد بما ترى خارج النافذة العريضة العالية ، فى حين يدنو منها جاسم لا يشغله شئ آخر عنها ، يقف يطالعها وهو يعاتب نفسه أشد العتاب ، ويسأل روحه نفس السؤال والسؤال ، تلو السؤال :

– إيش لون ما كنت شايف كل هذا الجمال ؟! إيش لون كنت مشغولاً عن سعاد كل هذا الوقت ؟

يقف جاسم يرقب سعاد فى حب وإعجاب منقطع النظير ، وهو لا يكف عن ترديد هذا السؤال ، ومعاتبة نفسه على ذاك التقصير والتجاهل والإهمال !! يسأل سعاد بصوت حاول أن يجعله طبيعياً هادئاً :

– تريدين تشربين شئ يا سعاد !!

تكتفى سعاد بهز رأسها ، فهى لا تقوى على النطق ، ولا الكلام ! كما لا تقوى على النظر على عينىّ جاسم ! .. تلك العينين السحيقتين اللتين تحبهما وتعشقهما ، والتى لمحت فيهما لمعة خاطفة بهرتها .. وأخجلتها ! فأدارت بصرها ، وأخذت تتابع النظر إلى نيويورك مرة أخرى .. دون أن ترى أو تشعر أو تحس بشئ غير جاسم حولها ..! فى حين بدأ جاسم يدنو منها أكثر وأكثر ، وقد إستثاره إنفعال ممتزج بالشوق ، والإعجاب ، والحيرة ، ورغبة عارمة عنيفة فى إزالة هذا الخجل والحرج عن سعاد التى كانت تزداد إنفعالاً وتورداً .. بين لحظة وأخرى !

تقف سعاد مكانها لا يتحرك شيئاً فى كيانها ، سوى حدقتّى عيونها اللتان ترسلهما إلى الخارج ، هرباً من نظرات جاسم التى تتجه نحوها كومضات كهربائية ، غير مرئية ، تصعق جلدها ، ترجف قلبها ، فيندفع الدم حاراً لاهباً متدفقاً فى أنحاء جسدها .. وخدر خفيف يسرى فى أنحاء جسمها .. يهز كيانها . يشعل إحساسها !

آه .. اللحظة حالمة تماماً . براقة الألوان . خافتة الأضواء . عنيفة الأجواء . فجأة .. تشب النيران .. تندلع الأشواق قوية مؤثرة تبعث قوى خفية تشد سعاد .. تدفع جاسم نحوها .. الذى أخذ يقترب منها ، يحيطها بذراعه الذى إلتف بعنف حول خصرها .. وهو يشدها إليه باحثاً عن شفتيها ليبثهما رسالة عاجلة ، لاهبة ، ذات لغة بليغة لا تغيب .. بينما يتلقى وجدانها هذا النداء الخفى الذى ينبع من قلب يملؤه الشوق .. والحب .. والحنين .

 


الفصل السابع

حريـق الذكريات

تفتح سعاد عينيها على الضوء الخافت البسيط المتسلل إليها من نافذة غرفة نومها ، تتقلب بعض الوقت فى فراشها ، تسرح بعيداً بخيالها ، تتذكر عندما كانت تنام فى نفس الغرفة عندما جاءت أمريكا لأول مرة ، وكيف كانت تنام حزينة مهمومة متضايقة فى حضن أمها ، تدعو الله أن يهّون عليها عذاب حبها !

تتمدد سعاد ببطء ودلع فى فراشها وهى لا تعرف ماذا تفعل بكل هذا الوقت الطويل هنا ، آه .. يا الله .. الشعور مختلف هذه المرة ! الوضع مختلف هذه المرة ، هى الآن زوجة جاسم ! هى الآن فى بيتها ، فى ” سيراكيوز ” ، هى ليست ضيفة كما كانت فى المرة السابقة ! آه .. هى تحس أنها ملكة أسرة تدير وتحكم مملكتها بنفسها ، لكن .. تحت سلطة ، وسلطان ، وسطوة مليكها المتّوج على عرش قلبها .. جاسم .. زوجها .. حبيب قلبها .. رفيق عمرها .

آه .. الحمد لله .. تتنهد سعاد تنهيدة إرتياح عميقة عميقة وهى تشعر كما لو كانت قد تسلقت جبلاً وعراً عالياً ، بصعوبة وصلت إلى قمته .. حيث تحس الآن الفرح والأمان ، ونشوة الفوز ، وبهجة النجاح .. تسترخى فى فراشها ، تستلقى سعيدة بنفسها ، وبحبها ، ذلك الذى يزيد وينمو ويتشعب فى ربوع قلبها !

تنهض تحتسى الشاى فى غرفة المعيشة ، تقترب من الشرفة ، تطل على دنيا جديدة ، بنظرة جديدة ، بفرحة جديدة ، تفتح الزجاج ، تريد أن تستشعر برودة الهواء فى هذا الوقت من السنة ، تريد أن تحس نشوة ثلوجه البيضاء ، وصمته وسكونه ، وبطء حركته ، إذ يمنحها إحساساً مختلفاً هذه المرة .. إنه شعور مشوق ممتع ، شعور لذيذ أن تعيش وحدها فى بيتها ، فى النصف الآخر من العالم مع زوجها ، شريك حياتها ، جاسم ، حبيبها .. حبيبها !

ترتاح سعاد إلى إحساسها بوجودها مع جاسم إرتياحاً عظيماً ، تمضى الأيام هادئة ، هانئة ، وادعة ، تنعم فيها بحلاوة الحياة معه وهو يحاول أن يشغلها بعمل كثير من الأشياء حتى لا تحس الضيق أو الملل ، بسبب إنشغاله طول النهار والليل فى المستشفى !

و .. تسير الحياة هكذا فترة من الوقت ، إلى أن تستقر الأمور تماماً ، ويتم تنظيم كل شئ ، ينهى جاسم إجراءات إلتحاق سعاد ” بجامعة سيراكيوز ” لإكمال دراستها تنفيذاً لوعده لوالدها ، الذى صمّم أن تكمل إبنته تعليمها وتحصل على شهادتها ، كشرط لموافقته على زواجها فى هذا الوقت .

ينهى جاسم تقديم أوراق سعاد للجامعة ، وفى اليوم التالى يتصل بها من المستشفى يخبرها أن تستعد للخروج فى خلال ساعة ، لأنه سيمّر عليها أثناء فترة الغداء كى يأخذها إلى   البنك لتوقّع بعض الأوراق بنفسها ، وطلب منها أن لا تنسى أن تأخذ معها جواز سفرها .

تذهب سعاد مع جاسم إلى البنك .. تقف إلى جواره تنظر إليه معجبة ، مبهورة بشخصيته وطريقته وهو يتحدث مع موظف البنك بطلاقه ، طالباً منه إستمارة يقف يعبئها بسرعة ومهارة ، ثم يدفعها على الحاجز الرخامى حتى تصل أمام سعاد ، فيطلب منها أن توقع فى مكان يحدده بأصبعه لها ! تكتب سعاد إسمها دون أن تفكر فى قراءة التفاصيل الدقيقة المطبوعة فوق توقيعها ، لكنها تفهم من جاسم أنها بذلك التوقيع يكون لها حق السحب من البنك فى أى وقت تشاء ، وأى مبلغ تحتاج !

يخرجان من البنك ، تسير سعاد إلى جوار جاسم وهى ما تزال مبهورة ، فخورة بشخصيته الجذابة الآسرة ، القادرة ، التى تجعلها تشعر أنها تسير إلى جوار مارد عملاق ، يحتويها ، يحضنها ، يحميها .. يحبها !

فى خلال أيام ، تصلها بطاقة البنك الآلى بالبريد ، فتفرح بها ، ولا تنسى أن تقدمها إلى جاسم عندما يأتى متأخراً عند منتصف الليل لتشكره عليها ، فقد كان شعورها بثقة جاسم بها شعوراً كبيراً ، فهو قد مكنّها أن تسحب من رصيده ما تريد ، دون أن ترجع إليه أو تراجعه ! كان تأثر سعاد بموقف جاسم هذا تأثراً عميقاً ، فقد أكد لها أنه يحبها ويثق بها ويحترمها ، وكانت هى تعرف أن ثقة جاسم بها فى موضعها ، وفى محلها .

فى خلال أيام تلتقى سعاد فى الجامعة بكثير من الطلبة والطالبات العرب المقيمين فى نيويورك ، تتسع دائرة معارفها ، تتوطد صداقتها بعدد كبير منهم ، تتفق معهم على تنسيق الوقت للذهاب إلى السوق والنادى الرياضى والسينما ، فهى تحس هنا بالعالم الجديد الذى تريد أن تكتشفه ، تحس فعلاً بالإنطلاق ..

كانت فرحة سعاد فى التقاء هؤلاء الدارسين العرب كبيرة ، لأنها كانت تتوق أن تتكلم مع أحد خارج حدود بيتها ، لأن لغتها الإنجليزية كانت تختلف ، وكانت تسبب لها مشكلة عندما تريد أن تتكلم مع الطالبات الأمريكيات ، فالمواضيع مختلفة ، والمزاج مختلف ، والثقافة ، والإهتمامات مختلفة . أيضاً . اللهجة الأمريكية ، والسرعة التى يتكلموا بها كانت مختلفة عليها ، كل ذلك كان يشكل حاجزاً نفسياً يحول بينها وبين الإمتزاج بهم ، أما لآن .. فمع زميلاتها وزملائها العرب ، الأمر أهون بكثير ، والحياة أسهل وأمتع وألطف .. الحمد لله .

ثم .. بدأت تظهر الحاجة للغة المكتوبة لإعداد الأبحاث المطلوبة منها ، صحيح كانت لغتها الإنجليزية معقولة ، مكنتّها من الإلتحاق بالجامعة ، وبالفعل دراستها للإنجليزية فى الكويت نفعها ، لكنها فى حاجة إلى تطوير وتعلم أكثر من ذلك ، وهذا ما فعلته سعاد بكل تمكن وإقتدار !

تنعم سعاد بحياتها فى أمريكا . تحس الحرية والرغبة فى تحمل المسئولية بتحدى وتصميم ونجاح . نعم .. هى تريد أن تثبت لأبيها أنها عند حسن ظنه بها ، وأنها ستنجح بإذن الله ، هكذا وعدته لتطمئنه قبل سفرها ، كما أنها تريد أن تثبت لجاسم أيضاً أنها ليست تلك الفتاة الصغيرة التى كان يظنها ، لا .. إنما هى الآن إمرأة ناجحة مسئولة ناضجة ، جديرة بأن تحمل اسمه وأن تنتمى إليه ، كما أنها قديرة أن تقوم بواجباتها كزوجة طبيب ، نحو زوجها ، وبيتها ، ونفسها .

فى الحقيقة ، سعاد تحب جاسم ، وتحب أن تكون عند حسن ظنه بها ، وتحب أن تثبت له بالفعل ، لا بالقول ، أنها حقاً تستحق أن تكون زوجة جاسم الناصر ..! فتبدأ على الفور فى تنظيم وقتها . تخطط كل شئ حولها . توزع بذكاء اهتماماتها ، فلا تبالغ فى الاهتمام بشئ على حساب شئ آخر ، الأهم أولاً ، فالمهم ، ثم الأقل أهمية !

آه .. هذه هى الإمتحانات على الأبواب ، والمذاكرة تحتاج وقتاً طويلاً ، تفكر سعاد بطريقة مرتبة فى إيجاد حلاً لذلك ، تطلب من جاسم أن يحددا معاً ساعات معينة للدرس ، هو مع كتبه ، وهى مع كتبها ، وأن يؤجلا بعض الوقت زيارة الأصدقاء فى عطلة نهاية الأسبوع لحين الإنتهاء من الإمتحانات .

كانت سعاد فى حاجة ماسة لمزيد من الوقت ، لتحقيق مزيد من التفوق ومزيد من النجاح ! يرحب جاسم برأيها ، يوافقها على كلامها ، مقتنعاً بوجهة نظرها ، فيقول لها :

– أنا مشغول وايد فى الجزء النظرى من الزمالة يا سعاد .. أريد أخلص منه عشان أتفرغ للجزء العملى فى المستشفى .. مشكورة سعاد على هذه الفكرة .. وهذه التضحية .

.. تمسى الساعات نسمات حانية الهمسات ، تمر الأيام ، تدور هادئة واعدة ، تحتاج مزيداً من النجاح والأشواق ، وذات يوم من تلك الأيام الحالمة الهمسات ، يتصل موظف المكتب العقارى المسئول عن إدارة البيت الذى أهداه لها والدها فى ولاية بوسطن ، طالباً رقم حسابها بالبنك كى يتم تحويل مبلغ الإيجار إليها ، بصفتها المالكة الجديدة لهذا العقار !

تخبر جاسم بذلك ، يهزّ رأسه مصغياً دون أن يلقى بالاً ، أو يبدى تعليقاً ، فهو لا يريد أن يقحم نفسه فى مثل هذه الأمور المالية العائلية ، التى تأتى خارج نطاق إهتمامه ، والتى لا يريد أن يكون لها تأثير ما فى حياته !

فى الحقيقة .. جاسم إنسان عاطفى ، شديد الإعتزاز بنفسه ، لذا هو مفرط الحساسية تجاه ثراء سعاد ، أنه لا يريد أن يتدخل فى مثل هذه الأمور ذات الرواسب القديمة عنده ، بسبب تفاوت مستوى الثراء بين الأسرتين ، صحيح هى مواقف قديمة ماضية ، إلا أن رواسبها ما زالت فى النفس كامنة .. راقدة .. باقية !

فى الواقع ، جاسم كان متضايقاً فى قرارة نفسه من هذه الهدية الضخمة ، فهو لا يريد لوالدها أن يعتقد أن زواجه من سعاد بنت خالته ، يعنى إستمرار ولايته عليها ! .. هى الحين أصبحت زوجته ، وهو الرجل الوحيد ، المفروض أن يكون الأوحد ، فى
حياتها ، ليس عنده شك فى ذلك ، لأنه يعرف سعاد ، كما يعرف مدى حبها ، وإعجابها وعشقها !

تنهمك سعاد فى ممارسة حياتها الجديدة بكل الحب ، والرغبة الأكيدة فى تحقيق النجاح ، تقضى أوقاتاً ممتعة بين الكتب داخل المكتبة الكبيرة العملاقة ، التى تطّل نوافذها العريضة العالية على حديقة واسعة تغطى أشجارها الثلوج البيضاء .. كل شئ الآن حول سعاد أبيض . أبيض . الطرق الطويلة الممتدة يتراكم الجليد على جوانبها ، فتقود سيارتها مستمتعة بكل ما هو جديد هنا .. !

وفى البيت ، فى أوقات فراغها ، تتابع سعاد محطات التليفزيون التى تعمل ليل نهار ، تبدأ الخطابات تأتى بإسمها تحتوى البضائع الصغيرة التى طلبتها من بعض الشركات ، فضلاً عن عشرات الإعلانات والخطابات التى تصلها ، وهى تتعجب لذلك ! كيف تصلها هذه الرسائل ؟ تتسائل فى حيرة وإستغراب :

– إيش لون عرفوا إسمى يا جاسم ؟! وايش لون عرفوا عنوانى ؟!

فيقول لها جاسم :

– عن طريق المجلات اللى إحنا مشتركين فيها .

هى تجربة جديدة بالنسبة لسعاد ، هى ناجحة فى كل المجالات ، وهى طالبة طموح مجّدة ، مجتهدة ، وهى صديقة حميمة لعدد كبير من الطالبات ، وزوجات الطلبة ، والأطباء المقيمين هنا ، كما أنها قبل ذلك كله زوجة محبة ، ودودة ، عاشقة لزوجها ، حبيبها ، الذى تتمدد بالقرب منه كقطة وديعة ، تنعم بالدفء لرقدتها بالقرب من مصدر حرارى ساخن ، حار أبداً ، لا يبرد ، لا يبرد !

الأيام تمر ، والأحلام حانية ، وسعاد تعيش وداخلها حلم كبير يتحقق لحظة بعد أخرى ، يقف الزمان بجانبها يؤيدها ففى كل يوم تنجز شيئاً جديداً ، مفيداً ، فلغتها الإنجليزية أصبحت متقنة تماماً ، صارت سعاد الحين تتكلم بلكنة أمريكية ، يصعب على محدثها أن يميزها عن غيرها ، كما أنها تحس الآن بحب جاسم لها ، وإعجابه بها ، يزداد ، ويزداد ، تحس ذلك رغم أنه لم يبح لها بذلك ، فهو لم ينطق يوماً كلمة .. أحبــك !!

تموج الليالى حافلة الأوقات بالحب ، بالوّد بالملذات ، تنساب الأوقات ضنينة اللحظات التى تتيحها ظروف الدراسة والعمل لتمنح جاسم الفرصة الكافية للحوار بينه وبين سعاد ، فهو مشغول بالجهود الكثيرة التى عليه أن يقوم بها ، تحس ذلك سعاد ، لكن ، رغم مشاغله العديدة ، ووقته الطويل الذى يقضيه بعيداً عنها فى المتشفى ، إلا أن شعورها الداخلى بالحب يحيطها ، ويربط دائماً بينه وبينها ، ويزيد من تعلقها به ، فهو إنسان قوى ، جرئ ، شجاع ، إنسان قادر على اتخاذ القرار ، إحساسه كبير بشخصه وذاته ، وهو يعرف جيداً كيف يدير حياته !

نعم .. رغم مشاغله الكثيرة العديدة ، لم تتذمر أبداً سعاد من طبيعة عمل جاسم كطبيب ، كانت تعرفها من قبل . منذ جاءت مع أمها وخالتها وأبنة خالتها . كانت تشعر به يتمزق بين عمله ، وبين رغبته فى أن يصحبهم إلى النزهة التسوق ، وقضاء بعض الأوقات بالخارج ، لكنه غالباً لم يكن يستطيع أن يفعل ذلك . لم يكن يقدر أن يصحبهم إلا فى عطلة نهاية الأسبوع .

أحياناً كانت سعاد تتمنى أن تأتلى ليلى لزيارتهم ، وقضاء بعض الأوقات معهم . كانت تكملها فى ذلك كثيراً وتطلب منها الحضور كثيراً . فالصداقة بينهما صداقة عمر . والحب بينهما لا يؤثر فيه البعاد والقرب .. آه .. الله يديم الحب .

كانت ليلى تسلى سعاد بمكالماتها الطويلة ، وحكاياتها الكثيرة المثيرة عن الأهل والأقارب والصديقات ، وخاصة عن .. دلال ، دلال ، التى حاولت أن تستأثر بجاسم لنفسها ، مع علمها إن جاسم منذ البداية حبيبها هى ، هذه حقيقة أكيدة واقعة لا تحتاج نقاشاً . كل ما فى الأمر أن دلال قد تجاوزت حدودها فى إقترابها منه ، وإقتناصها له . فمعروف منذ الصغر أن سعاد عروس جاسم ، وإن ما حدث مع دلال ، كان مجرد طيش شباب لا أكثر !

لذا .. كان إرتياح سعاد محدوداً عندما عرفت من ليلى إن دلال تزوجت طياراً حربياً شاباً ، وسيماً ، من عائلة طيبة ، تقدم لها بعد زواجهما بحوالى شهرين ، فوافقت عليه دون تردد ، وتم الزواج فى شهر مارس ، أى بعد زواج جاسم وسعاد بثلاثة شهور فقط !

تستطر ليلى فى دهشة وتعجب وهى ما تزال تحدث سعاد من الكويت :

– هذه وين تلاقيهم بهالسرعة ؟! كأنها تخبيهم فى جيوبها ..! هى ما تقدر تقعد من غير ماتعرف أحد .. على طول عندها الإحتياطى قاعد على الخط فى ملعبها !!

تضحك سعاد من تعبير ليلى الرياضى ، تطلب منها توصيل السلام لخالتها ، وزوج خالتها ، كما تطلب منها أن تهنئ دلال وتبارك لها بالزواج .. وعندما يعود جاسم بعد منتصف الليل من المستشفى ، تحكى له سعاد آخر أخبار الديرة ، تخبره عن زواج دلال من هذا الطيار الحربى ، لكن .. يندهش جاسم ! يستغرب !! يتعجب !! تفلت منه عبارة لم يرد لها أن تخرج من فمه :

– معقول دلال تتزوج بهالسرعة ..؟!

يصمت جاسم بعض الوقت ، ثم يعود يسأل سعاد :

– كم عمره ؟! ولد من هو ؟! من عائلة من بالكويت ؟! وين يسكن ؟! شنورتبته العسكرية ؟! و .. و .. و .. !!!

جاءت أسئلة جاسم كثيرة ، سريعة ، متلاحقة ، كان يتلهف لسماع كافة التفاصيل الخاصة بزواج دلال وكل الظروف المتعلقة بزواج دلال !! ولم يخف هذا الإهتمام الواضح البالغ على عين سعاد ، التى لم تعرف كيف تجيب هذه الأسئلة الكثيرة دفعة واحدة !! لأنها فى حقيقة الأمر لم تهتم بهذا الموضوع كثيراً ، وبالتالى لم تسأل ليلى عن هذه التفاصيل التى لم تكن تتوقع أنها قد تهم جاسم كثيراً ..!!

آه .. ويالها من تفاصيل ! تلك التى جعلته ينفعل ويتحمس ، ويصحو ، وينشط ، وتتبدد عنه علامات النعاس والتعب ، والتى جعلته يبدو فى حالة يقظة كاملة ! وهو يلقى السؤال تلو السؤال ، مستفسراً عن كل كبيرة وصغيرة ، حول موضوع زواج دلال ، محاولاً أيضاً أن يعرف كل شئ عن .. زوج دلال !!

كان جاسم يسأل وهو يتلهى فى تقليب الفحم الذى يوشك أن يشتعل فى المدفأة أمامه ، فى حين كانت سعاد تحتسى غيرتها وحيرتها وحسرتها ممزوجة بالشيكولاته الساخنة ، التى تمسك كوبها السميك فى يدها ، ذاك الذى تقلصت أصابعها عليه فجـــأة .. !!

أخيراً .. يصمت . يشرد . وهو ما يزال يقلب الفحم المتقد ، فى حين تتكون سعاد كقطعة تعانى البرد فى ليلة شتاء . ليلة شتاء طويلة مقيتة موحشة باردة ، نعم كانت ليلة طويلة أليمة جارحة موجعة ، ظلت العيون ترمق جمر المدفأة خلالها ، وهى ترقب النيران تتقد ، تتلظى ، فى حين هربت النظرات من مواجهة العين بالعين ..!

كانت الأحاسيس ساخنة لاهبة . تتنازعها الغيرة . والعشق . والحزن . والخوف . والغضب . كانت مواجهة مشاعر ضارية . صاخبة . صامتة . مشاعر عنيفة تتصارع فيما بينها ، تغالب بعضها .. فى حين يبدأ يضيع الشعور بالأمان ، يتلاشى ، كلما مضى الوقت و .. عبرت الساعات !

ترتفع درجة الحرارة داخل غرفة المعيشة ، فى حين تنخفض فى قلب سعاد ، تتأرجح ، تتذبذب وهى تشعر أن جاسم ما زال يفكر فى دلال ، ما زال غارقاً فى
بحار الذكرى التى كانت تموج ، وتهتز ، وتضطرب .. بطيف دلال !! دون مقدمات .. سقطت كثير من الحقائق بصورة مباغته ، فى نفس اللحظة ، شعر الإثنان بأن شيئاً ما كامناً ، إنكشف لهما ، شيئاً غامضاً ماضياً ، إنقطع الغموض عنه ، فتبدى أليماً .. قبيحاً .. شائهاً !

تتناسى سعاد الموقف ، تتحاشى التعليق عليه مع جاسم ، تتجنب الكلام فيه أو الإشارة إليه ، لكنها .. للأسف ، دون أن تدرى ، تختزن كل تفاصيله ، وآلامه ، وأحاسيسه فى حنايا نفسها !

تعيش سعاد حياة تحفل بالشوق . بالحب . بالغيرة . بالعذاب . حياة تحاول أن لا تحاسب فيها جاسم على أحداث ماضية ، فهى تحبه . تحبه . تذكر كيف كانت تعانى عذاب الفراق أثناء سفره وغيابه الكثير المتكرر عليها ، حين كان مشغولاً بكرة القدم .

تذكر كيف كيف كانت فخورة به وهو يلعب مع المنتخب الوطنى فى بغداد ، عندما أحرزوا أهداف الفوز الثلاثة مرة واحدة فى الشوط الثانى ، وكيف إنقلبت المبارة وتحولت هزيمة الكويت فى الشوط الأول ، إلى نصر محقق فى الشوط الثانى ، وكيف عاد جاسم وأبطال المنتخب الوطنى عودة الأبطال ، وكيف وقفت الكويت كلها تحييهم ، تهتف لهم ، تعبر عن فرحها بهم ، وهى تغنى لهم مع غريد الشاطئ :

أووه يا الأزرق .. ألعب فى الساحة يا كويت

آه .. كانت أيام ! أيام العمر كله مضت وهى تحب جاسم ! ظلت تباهى الدنيا كلها بجاسم ، فهو حبيبها ، قبل أن يكون إن خالتها . كانت سعاد تعرف نفسها جيداً ، وكانت تعرف تماماً نوعية حبها ، ذلك النوع من الحب الزاخر الوافر العميق ، الذى لا تزيده اليام إلا قوة وعمقاً وتمكناً وإقتداراً ، والذى يسبغ عاطفة دائمة سلسة ، متصلة ، متقدة ، تبقى تتأجج . تشتعل . تشتعل .. !

لذا .. كانت سعاد بمنتهى الهدوء والسكون ، تحيط جاسم بكم هائل من الحب ، الذى يشعره ، ويسعده ، ويرضيه ، ويقنعه ، دون أن تحس أن جاسم مازال محتاجاً لسماع كلمات الحب ، أو تعليقات الغرام ، أو حتى إشارات إشتعال الأشواق ، كانت سعاد تحب جاسم ، تعشق جاسم ، وكانت تعتقد طول الوقت أن جاسم يحس إحساسها ، يشعر شعورها ، وأنه ليس فى حاجة إلى سماع تعبيراتها .. أو تعليقاتها !

كان هذا الإعتقاد يقنعها ، يرضى حياءها وخجلها ، كذلك كان جاسم واثقاً ، متأكداً ، من حب سعاد وعشقها ، كما كان واثقاً متيقناً من صدقها ، وإخلاصها ، أما بالنسبة لسعاد فقد كان الوضع العاطفى عندها يختلف ، صحيح هى تحب جاسم أكثر من روحها ، لكنها أحياناً لم تكن تعرف حقيقة مكانتها عنده ولا مدى أهمية وضعها العاطفى لديه ، وكان هذا الوضع يضايقها ، لكنها ، لم تفصح أبداً عن حقيقة إحساسها ولم تصرح يوماً بما يقلقها أو يزعجها ويكدر قلبها !

كانت سعاد كثيراً ما تتساءل .. هل جاسم فعلاً يحبها ؟! أم أنه اضطر أن يتزوجها لأنها فقط بنت خالته ؟! ولأنها لم ترتبط عاطفياً بأى شاب من الشباب من قبل ؟! أو ربما لأن أمها وأمه صديقتان قبل أن تكونا شقيقتين ؟! كان قلبها الغض يضج . يضيق بالكثير من هذه الأفكار الدائرة ، المتسائلة ، الحائرة ، حول مركز سعاد من قلب جاسم ، وعن مدى أهميتها عنده ومدى تعلقه بها .. !

كان لدى سعاد للأسف كم كبير من الشك والريبة فى ذلك ، فقد كانت تظن وتعتقد أن جاسم لا يحبها ، رغم أنها كانت كثيراً ما ترى أمارات الحب فى عينيه ، إلا أنها لم تسمعه يوماً واحداً منذ تزوجا ، وحتى الآن ، يقول لها كلمة .. أحبك ! للأسف لم يبح جاسم بحبه لسعاد ، لم يصرح به أبداً ، فقط ، أكتفى بالمعاملة الطيبة المعبرّة عن الحب ، وإقتنع بالاحترام والتقدير المتبادل !

آه .. كم تتألم سعاد وهى تفكر بهذا الأسلوب ، وهى تعيد التفكير بهذه الطريقة ، فى الواقع .. كان هذا هو شعور سعاد العميق المرتكز فى نفسها ، المتراكم فى أعماق أعماق قلبها ! آه .. سعاد ما تزال تشعر بغصّة فى صدرها ، وهى ترى جاسم جالساً أمامها ، ساهماً ، شارداً ، كأنه راح بخياله هناك ، كأنه سافر الكويت يفتش ، يسأل ، يستفسر عن زوج دلال .. أين قابلته ؟! ولماذا قبله به ، وكيف رضيت ووافقت و .. تزوجت ؟! فهل أحبته ؟ هل أحبته ؟!

تتجاهل سعاد ما ترى ، تتعامى عن تلك الحقيقة العارية المجردة أمامها ، التى تشى بتعلق جاسم بدلال حتى الآن ، رغم زواجهما ، الذى مضى عليه أكثر من عام !! ياه .. بهذه السرعة مضى عام ؟! .. تغرق سعاد فى لجج الذكريات ! تذكر حين دخلت هذا البيت للمرة الأولى ، وكيف تجلس بعيدة عن جاسم ، لا تجرؤ على الاقتراب منه .. ولا تقوى حتى على مجرد النظر إليه !

تذكر كيف كانت غارقة فى بحور الشوق ، وكيف كانت تحدث جاسم عن بعد وهى لا تستطيع أن ترفع عينيها إليه ، وهو راقد ممدد على الكنبة يريح ظهره المتعب من الارهاق ، فى حين كانت هى صامتة .. تنصت . تسمع . دقات قلبها . تصغى . تحس دبيب مشاعرها التى أخذت تسرى فى أنحاء جسدها ! وهى تقلّب صفحات المجلات التى بين يديها لعل خشخشة أوراقها تخفى ضجيج قلبها ، الذى أخذت دقاته تتعالى ، ترتفع شيئاً .. فشيئاً !

آه .. تحقق الحلم .. الحمد لله . صارت هى الحين زوجة جاسم ، تتنهد فى ارتياح . تضع كوب الشيكولاتة الفارغ على الطاولة . تغيّر مقعدها . تنهص تجلس على الكنبة بجوار جاسم ، تدنو منه كقطة تنشد الدفء فى ليلة شتاء بارد ، تلتصق به وفى عينيها عذوبة ورقة وعشق وغرام ، بينما تلقى بعيداً عن خاطرها ، داخل نيران مدفأتها اسم دلال .. وسيرة دلال ، وكل الأفكار السوداء التى تذكّرها بدلال !

تلتصق سعاد بجاسم أكثر فرحة بهذا الحب الصادق النقى الذى يعتمل داخلها ، والذى يتفاعل فى أعماقها ، والذى يتزايد يوماً بعد يوم فى وجدانها ، مما يجلب مزيداً من الثقة ، والسعادة ، ومزيجاً من القدرة على مغالبة مشاعر الضعف والغيرة داخلها ، تلك التى لا تحتملها والتى تودّها أن تؤثر فى نفسها ، أو تحطم شيئاً ما فى حياتها .. فمهما كانت الظروف حولها .. جاسم هو الآن زوجها . وهو من زمان حبيبها . حبيبها وحدها .. دون غيرها !

ومع الليل والسكون والحب ، ينساب صوت عوض الدوخى ، صوت الحب ، ويضيف لليل جمالاً ، وللساعات عمقاً ، وللسهر سحراً . فتمسى الغيرة رماداً ، والغرام نيراناً ، تتوهج فى قلبىّ الشابين الزوجين ، العاشقين ، اللذين ينظران بعينى الحب ، والشوق ، إلى الفحم المشتعل فى المدفأة أمامهما ، وهما يسترخيان ، يتلذذان بالنظر إلى لهب النيران الحمراء ، التى توحى الدفء ، والشوق ، والغرام ، بينما يسمعان .. هذه العبارات الحافلة بالحب ، والغيرة ، والملام !

حبيبى حبيبى .. يا حبى ونصيبى

من قلبى وهبتك .. إخلاصى وطيبى

متى التمادى فى الظنون .. والغيرة هذه والجنون

الغيرة سبايب .. فى فراق الحبايب

أحبك وحبك .. حياتى وزادى

لا تصدق ظنونك .. وتكذب فؤادى

إذا كان يهون .. عليك الملام .. عليك الملام


الفصل الثامن

ليلة ساهمة .. !

تمضى شهور الحمل ، وسعاد تعيش التجربة السعيدة بنفس النشوة ، ونفس الإحساس بالفرح والحماس والنجاح الذى تمارس به حياتها ، فهى لا تستسلم للنعاس والرقاد ، ولا تتهاون فى دراستها لإدارة الأعمال ، كما لا تهمل القيام بدورها الأساسى والرئيسى فى الاهتمام بجاسم والاعتناء بطلباته ، لأن سعاد ليست من النوع الذى يمكن أن يضحى بزواج ناجح ، من أجل عمل ناجح .

عموماً .. الأمور تسير إلى الأفضل ، بسبب تفّهم جاسم وتقديره لسعاد ، واهتمامات سعاد ، فهو يعرف أن هذه هى وصية والدها ونصيحته لها ، فشجعها وأيدها وحثها على الدراسة والمتابعة . أما سعاد .. فقد كان هاجسها الأول والأخير ، هو حبها لجاسم ، لذا لم يطرأ على هذا الحب أى تغيير ، أو تعديل ، سوى أنه تعمّق ، وازداد ، وتضخم !

.. تعبر شهور الشتاء مثقلة بهوائه البارد وثلوجه الشاهقة البياض ، المتشبعة بشحنات الحماس للنجاح ، التى تحث سعاد على أن تأخذ نصيبها كاملاً منه ، فهى لا تتوانى عن مواصلة دربها بدأب واجتهاد ، دون أدنى إحساس بالذنب ، فهى لا تقصرّ فى رعاية وحب زوجها .

يأتى فصل الربيع ، مصحوباً بالأمل الوديع ، الذى يحيطها بالدفء ، والحنان ، والأمل ، فى أن تستنشق رحيق النجاح الذى لا حدود له ، بعد أن قدرت ببراعة ومهارة أن تصارع الضغوط التى تموج بها الحياة فى كل لحظة ، لأنها امتازت بالاختيار الدقيق للحدث ، والموقف ، كأنها مخلوقة لمثل هذا التحدى ، منذ تفتحت عيناها العميقتان على هذه الدنيا الواسعة !

تنطلق العصافير . تحلق الطيور . تنتشر أشعة الشمس تشّع الدفء والحب بين الربوع والقلوب ، وجاسم يولى عناية خاصة لحياة سعاد . وصحة سعاد . وحمل سعاد .
و.. حب . سعاد !

يحرص جاسم أغلب الوقت على التركيز الدائم على صحتها ، وتغذيتها ، وراحتها ، ونفسيتها ، وهو لا يكف عن تدليلها ، ومداعبتها ، والمزاح معها ، وتشجيعها على مواصلة دراستها ، خاصة وأنها فى سنة ثانية بكلية التجارة .. يظل جاسم يدللها وهو يقدم لها كل شئ ، لأنه لا يريد أن يحرمها من أى شئ ، فهو حريص على أن يكون هو الرجل الوحيد فى حياتها ، بعيداً عن سيطرة أموال أبيها ، أو ميراث جدها !

ومع الأيام الناعمة الهائمة ، تكبر الفرحة ، تزداد البهجة ، وبحضور ليلى مع بداية فصل الصيف يحس الجميع الراحة والسرور لوجودها المبهج ، فهى شخصية لطيفة ، ذات حيوية دافقة ، تبّث حولها إحساساً صادقاً بالحياة ، والحركة ، والشباب ، والإنطلاق ، فهى فى الحقيقة فتاة مرحة ، راضية ، سعيدة ، تفيض حباً هى الأخرى ، وذوقاً ، ولطفاً ، ورقة .

وذات صباح مشرق مشمس بهيج ، يتصل مكتب العقارات فى ” بوسطن ” عارضاً على سعاد بيع البيت الذى أهداه لها والدها ، حيث أن هناك شركة يابانية مهتمة بشرائه بعد أن اعتبر الحى السكنى القديم حياً تجارياً نشطاً تسعى إليه كبرى الشركات ! يلح فى ذلك مسئول المكتب العقارى الذى يتصل بين الحين والآخر ، فتطلب ليلى ، من سعاد وجاسم ، أن يذهبوا جميعاً إلى بوسطن ، لأنها تريد رؤية منطقة ” كوينسى ماركت ” السياحية ، تلك المنطقة المليئة بالمحلات التجارية ، ذات الطابع القديم الموحى بالفنون التى يجيئها الناس من كل أنحاء العالم .

تؤيد سعاد ليلى فى ذلك ، لأنها تود الذهاب إلى منطقة ” كمبردج ” كى ترى جامعة
” هارفارد ” التى تخرج منها أخيها عبد الله الذى درس الهندسة بها .. يوافق جاسم أخيراً على السفر إلى ” بوسطن ” طالما هذه هى رغبتهما المشتركة ! فترتب سعاد كل شئ ، تنسق مع جاسم لاختيار الوقت المناسب له . تتولى هى القيام بكل الأمور كعادتها ، فتحدد موعداً مع الرجل مسئول المكتب العقارى هناك ، وتحجز الفندق ، والطائرة ، والسيارة ، لا تهمل التفكير فى شئ مهما صغر ، ويذهبون جميعهم إلى ولاية ” بوسطن ” للقاء الرجل فى الموعد الذى تم تحديده من قبل .

وبعد مناقشة سريعة عاجلة ، يوافقون على البيع ، فالقرار شبه جاهز مسبقاً ، ولا يكتفى مدير المكتب العقارى بعمولة البيع ، بل يفكر فى عمولة الشراء أيضاً ، فيبدأ ترتيب شراء منزل لهم فى ” سيراكيوز ” ، فى ولاية نيويورك حيث يعمل جاسم ، فيرسل لهم صور البيت الواقع هناك بالقرب من المستشفى .

يقوم الرجل بالإجراءات اللازمة كلها ، فتتم بسهولة عملية البيع والشراء بدافع شديد من حماس ليلى ، التى تنبهر بجمال البيوت وفخامتها ، فتصرح بذلك فى إندفاع وإنفعال ، إلا أن جاسم يحتج ويرفض شراء مثل هذه البيوت الفخمة الضخمة ، التى لا يقدر على السكنى بها أى طبيب من زملائه ، فكيف يكون هو مختلفاً عنهم إلى هذا الحد ؟! تقتنع سعاد بوجهة نظره ، تحترم رأيه ، توافقه على الفور ، فينتقيا بيتاً صغيراً لا يعجب ليلى كل الإعجاب ، مقارنة بالبيوت الأخرى الضخمة الفخمة ، إلا أنها تستسلم لرغبة أخيها وزوجته ، وتحتفظ برأيها الداخلى لنفسها !

يتم دفع خمسين بالمائة نقداً من ثمن البيت الجديد ، فى حين يتم الاتفاق على سداد باقى الثمن أقساطاً ، يدفعها جاسم من مرتبه بدلاً من الإيجار الذى كان يدفعه لبيت المستشفى . يصمم جاسم على ذلك لأنه لا يقبل أن يعيش فى بيت دفع ثمنه بالكامل من فلوس والد زوجته !

تفرح سعاد بهذا الحل الوسط ، فهى تريد منزلاً مريحاً ، وغرفاً للنوم أكثر ، بحيث تخصص واحدة للطفل القادم ، وأخرى لأمها وخالتها ، وأخرى للمربية بحمامها الخاص بها ، فى الحقيقة .. البيت رائع ، فهو أجمل وأوسع من البيت الذى يعيشون فيه الآن ، هذا بعد أن رفض جاسم فكرة البيت الضخم ، كما رفض أن تدفع سعاد ثمن البيت الجديد بالكامل ، فأخذ بنصيحة مدير المكتب العقارى وإختار بيتين آخرين تقوم قيمة إيجارهما بتسديد باقى أقساط البنك . ويتولى هذا الرجل تقديمهما إلى مكتب عقارى قريب منهما ، فى ” سيراكوز ” لتأجير هذين المنزلين ، والإشراف عليهما .

تستقر الأسرة فى البيت الجديد ، تحس سعاد بالراحة التامة بعد أن تم تجهيز غرفة الطفل القادم ، وطلائها بلون المشمس المحبب إلى قلبها ، كما تم تأثيثها بطريقة فنية باهرة تجعل أثاثها كله على هيئة دببة تلعب فى حديقة نباتات وحيوانات .. !

تقترب فترة الحمل من نهايتها ، تستعد سعاد للوضع ، فتطلب حضور أمها ، التى لا تمانع فى المجئ إليها ، وخالتها أم جاسم ، فتقوم الشقيقتان برعاية سعاد إلى أن يحين ميعاد الوضع .. و .. يعود جاسم إلى البيت بزوجته ، وطفله أحمد من المستشفى ، ذلك الطفل الجميل الذى أتى إلى الدنيا مع بداية دخول فصل الشتاء .

يدخل جاسم البيت يحمل إبنه أحمد جاسم الناصر وفرحة الدنيا لا تسعه ، وإحساسه بأبوته ينمو ويكبر داخله ، وإحساسه بسعاد زوجته ، أم أحمد ، لا يضاهيه إحساس ! تنهال الفرحة والتهانى والتبريكات ، يعبّر الجميع عن سعادتهم بقدوم هذا المولود السعيد بعشرات الباقات من الورود والبرقيات والمكالمات التى لا تكاد تتوقف أو تنتهى !

يشعر جاسم ، أبو أحمد ، بأنه قد أحرز هدف الإنتصار الأول فى مباراة حياته الزوجية ، تعويضاً عن ذلك الهدف الذى كان يتمنى أن يحققه فى بطولة كأس العالم التى جرت نهائياتها فى أسبانيا عام 1982 ، كان ذلك قبل بضعة أشهر فقط من ولادة إبنه أحمد ، وكان جاسم يود أن يشترك فى تلك المباريات مع منتخب الكويت الوطنى ،
لكن الظروف لم تخدمه بسبب انهماكه فى الدراسة والعمل هنا فى أمريكا .. وكان عزاء جاسم الوحيد هو رؤية علم الكويت يرتفع خفاقاً عالياً فى سماء أسبانيا وسط أباطرة الكرة العالمية !

كانت سعاد توّد أن يطل أحمد على الدنيا يوم عيد ميلاد جاسم ، كانت تتمنى أن يولد فى نفس اليوم الذى ولد فيه أبيه ، لكن للأسف أختلف التاريخ بفارق يومين فقط ، لأن عيد ميلاد جاسم يوم 28 أكتوبر ، أما أحمد فقد ولد يوم 26 أكتوبر تقول سعاد لنفسها :

– ما يهم .. يكفى أن أحمد من مواليد برج العقرب مثل أبوه !

فى الواقع ، لا تكاد الدنيا تسع أم أحمد من شدة الفرح ، فعلاً ، لا تكاد سعاد تصدق نفسها إن أحمد هذاالطفل الجميلالوديع ، هو فعلاً ثمرة حبها ، وأن جاسم زوجها ، حبيب قلبها ، قد أصبح والد إبنها .. آه .. الحمد لله .. إكتملت فرحتها .. وكبرت أسرتها .. وعسى الله أن يديم عليهم السعادة والفرح إنشاء الله .

وبعد أسبوع من ولادة أحمد ، فى حفل النون ، أخذت الأسرة تتلقى التهانى من الأهل والأصحاب ، والزملاء ، وأتصلت ليلى من الكويت تهنئ بوصول أحمد جاسم الناصر وتطلب سرعة إرسال صورة لأنها لا تطيق الإنتظار حتى تراه ، ولأنها مشتاقة له ، ولهم كلهم .. حقيقة .. لولا إنشغال ليلى بدراستها كطالبة فى كلية الآداب قسم إجتماع ، لكانت الآن معهم ، خاصة أن أمها وخالتها لم ترجعا الكويت بعد .

أما فرحة أبو عبد الله ، والد سعاد فقد جاءت كبيرة كبيرة ، فهو للآن لا يصدق أن سعاد إبنته كبرت وتزوجت .. وخلّفت ؟!

– لا .. لا .. مو معقول .. بنتى سعاد صارت أ/ ؟! لا .. لا .. ما أصدق .. ما أصدق .. ودى أشوفها الحين .. ودى أشوف ولدها أحمد .. عسى الله يخليلها إياه .

لا يطيق أبو عبد الله الانتظار ، يحلق طائراً إلى نيويورك ، كى يطمئن على صحة إبنته حبيبته ، وليرى حفيده ، حبيبه الغالى ، إبن الحبيبة الغالية .. سعاد . يحمل أبو عبد الله أحمد بين يديه ، يقبله ، يدلله ، يناديه .. الغالى إبن الغالية ، وحب الدنيا كله يتدفق من قلبه ، يغطيه من رأسه حتى قدميه ، والصغير الوديع يتلقى قبلات جده الذى ما يقدر يدارى فرحته وسعادته وحبه .. للغالى إبن الغالية !

تمر الأيام سريعة سعيدة وادعة ، وجاسم لا يخفى ولعه الكبير بأبنه أحمد الصغير ، الذى أصبح الحين يعرفه ! صار يبتسم فى وجهه عندما يراه وهو يهز رجليه وقدميه بشدة كلما حمله فى حضنه ! فتعلق به جاسم إلى درجة أنه كان يوقظه من نومه يداعبه ويلاعبه ، فهو لا يطيق أن تمضى ليلة واحدة دون أن يرى أحمد ، ويلاعب أحمد ، ويشبع من أحمد .. !

فى الحقيقة جاسم أب حنون ، حنون ، كما أنه زوج مفرط الحنان ، فهو لا يقدر أن يخفى عشقه وتعلقه بسعاد ، أم أحمد ، حبيبته التى إستطاعت أن تستحوذ على مشاعره يوماً بعد يوم ، والتى كانت تبدى له حباً فياضاً غامراً ساعة بعد ساعة .

كانت سعاد تمنح الحب ، دون أن تبوح بالحب ، فالخجل يمنعها ، والحياء يحول بينها وبين هذه المصارحة العاطفية ، وإن كانت واثقة أن الحب له علامات ، له دلائل فلا داعى إذن للإعلان عنه لأنه موجود ، فالتصريح بالكلمات هنا لا يهم ! المهم .. الأفعال ، والأعمال ، فهذا هو ما يثبت الحب ، ويؤكد وجود الحب ، ويطيل فى عمر الحب .. !

كانت هذه هى قناعة سعادة ، وكانت هذه هى وجهة نظر سعاد فى التعبير عن الحب .. بالأفعال ، وليس بالأقوال !

وبعد فترة قصيرة من الوقت ، تصلها فى يوم واحد عدة رسائل دفعة واحدة من
البنك ، ومن مدير مكتب العقارات ، فتضعها على المائدة لحين يصل جاسم من المستشفى ، عادة ، بعد منتصف الليل ليقرأها ، فهى الآن مشغولة برعاية أحمد الذى وحشها ، بعد أن تركته فترة طويلة مع المربية اليوم ، حين كانت فى الكلية تجمع المعلومات التى تحتاجها من المكتبة .

تترك سعاد أحمد فى حضن والده المشغوف به ، والذى لا يتوقف عن مداعبته وعضه وتدليله وتقبيله ، فيضع جاسم أصبعه بين أصابعه الصغيرة التى تقبض عليه بشدة ، ثم يرفع ذراعه فوق ، واحداً وراء الآخر ، ثم يبدأ يمسك ساقيه ويهزهما له ، ليعلمه من الحين .. لعب الكرة ، وشوط الكرة .. وإحراز أهداف الإنتصار !

تضحك سعاد من قلبها وهى ترى هذاالمنظر الجميل ، تقول له راجية :

– شوىّ شوىّ يا جاسم الله يخليك .. أحمد بعده صغير .. إصبر لما يكبر .. وشوف إيش لون راح يلعب الكورة .. أكيد راح يصير بطل مثل أبوه ..

يسعد جاسم كثيراً بسماع هذا التعليق الحلو من سعاد ، فعشق الكرة يجرى فى دمه ، وبريق الملاعب يسطع فى عينيه ، وهتاف الجماهير ، وحماس اللاعبين ، وتصفيق المشجعين يدى فى أذنيه ، يحتضن طفله صغيره فى صدره ، يضمه ، يقبله ، وما يلبث أن يقذفه إلى أعلى كالكرة عدة مرات ، ثم يضعه فى حضنه وهو يحيطه بساعديه القويين ، ويطلب من سعاد أن تضع له شريط الفيديو ليشاهد مباريات كأس العالم للعام الماضى 1982 التى دخلت فيها الكويت ضمن المجموعة الآسيوية الثالثة .

يكمن أحمد كالقطة الصغيرة فى حضن والده ، الذى يجلس على الأرض فارداً ساقيه على آخرهما وهو يشاهد مباراة الكويت وتشيكوسلوفاكيا التى إنتهت بالتعادل بينهما والتى تحدثت عنها صحف العالم كله !!

يرقب جاسم المباراة التى لعبتها الكويت فى أسبانيا بمنتهى الحماس ، كأنه يشاهد اللعب للمرة الأولى ، فهو يعشق الكرة عشقاً كبيراً ، لذا يشاهد المباراة بقلبه ، وليس بعينيه ، فإحساسه كله يتركز فى الملعب ، فيشعر أنه يركض ، ويروح ويجئ مع أحمد الطرابلسى ، وفتحى كميل وسعد الحوطى ، وفيصل الدخيل وعبد الله معيوف ونعيم سعيد ويوسف سويد ومحبوب جمعة وحمود فليطح ..

آه .. إنه يلعب معهم ! آه .. ها هو يشروط الكرة بشدة فىالهواء حين أحرز جاسم يعقوب هدف التعادل فى مرمى موسكو ! آه .. آه .. إنه يهتف ، يصيح ، ويصيح ، ويهتف مع الشيخ فهد الأحمد الصباح رافعاً ذراعه إلى أعلى ملوحاً بعلم الكويت ، أنه يهتز بعنف من شدة الإنفعال ، وأحمد ما زال بين يديه ، تشهق سعاد فى فزع خوفاً على صغيرها ، تنهض تأخذه منه بسرعة ، وهى تقول ضاحكة :

– أخاف تحسبه كورة وتشوطه يا جاسم .. إعطنى إياه الله يخليك .

تضع سعاد أحمد فى فراشه لينام فى هدوء ، بعيداً عن الضجة التى يحدثها والده والتى يكررها فى كل مرة يشاهد فيها إحدى مباريات الكويت ، حتى لو كان يراها للمرة العاشرة !!

كانت سعاد ترى عشق الأطفال فى عينى جاسم ، كانت تلمس حبه الواضح وتعلقه الكبير بأبنه أحمد ، فى حين كانت تلمس نفوره ورفضه مناقشة أمورها المالية التى نتجت عن الأموال التى جلبها البيت الذى أهداه لها والدها ! كان جاسم يرفض مناقشة هذهالمسائلالمالية بوضوح أحياناً ، كما كان يتهرب بلباقة ، ويتملص بذوق ، دون أن يفصح أو يوضح فى أحيان أخرى كثيرة كثيرة .. !!

تستسلم سعاد صاغرة لرغبته ، لا تريد أن تلّح عليه فى مثل هذه الأمور التى لا يحبها ، فهذا هو طبع جاسم ، وهذا هو تصرف جاسم ، وتلك هى شخصية جاسم ! إنه لا يحب الإلحاح ، وعندما يقول كلمة لا يرجع عنها ، لأنه حين يتخذ القرار ، يصّر عليه ، ولا يتردد فيه ، فجاسم يعرف تمماً ماذا يحب وماذا يكره ، كما يعرف ما يريد وما لا يريد . لذا .. تسكت سعاد على مضض ، تسّلم أمرها لله ، فهذه هى المرة السادسة ، أو السابعة أو العاشرة ، التى يعتذر فيها جاسم عن متابعة موقف البنك .. أو مكتب العقارات .. !!

فى الواقع ، جاسم لا يريد أن يتدخل فى مثل هذه الأمور المالية ، لا يريد أن يقحم نفسه فى ممتلكات سعاد التى بدأت بذلك البيت الذى أهداه لها والدها عند زواجها .. أخيراً .. تدرك ذلك سعاد ! أخيراً .. تفهم ذلك سعاد ! فى تلك اللحظة بالذات ، توقن سعاد أن جاسم فعلاً لا يريد أن يتدخل فى مثل هذه الأمور التى تخصّها وحدها .. تفهم وجهة نظره جيداً ، فتبدأ فى الاعتماد على نفسها وحدها .. !

نعم . تبدأ سعاد تعتمد على نفسها وحدها لإدارة مثل هذه الأمور ، وفهم هذه الشئون المالية ، والإدارية ، والقانونية ، والعقارية ، التى تحتاج إلى علم ومعرفة وإطلاع ، فتقرر أن تأخذ دورة إضافية فى دراسة الاستثمار العقارى ، كى تقف على أسرار هذا المجال الواسع الكبير .

تقتنع سعاد أنها بحاجة ماسة إلى هذه الدراسة المتخصصة الآن ، كى تساعدها على فهم كثير من الأمور التى تراها غامضة فى مثل هذه الظروف المتغيرة ، فمثلاً .. كيف يمكنها البدأ فى عمل خطة المشروع ؟! وكيف يتم تمويل المشاريع الصغيرة ؟! وما هى دراسة الجدوى الاقتصادية ؟! وما هى الجوانب القانونية لمشروع وإجراءات الترخيص التجارى ؟!

أيضاً ، كان على سعاد أن تعرف الأفكار الإرشادية للمشروعات الاقتصادية ن فها هى أشياء كثيرة قد حصلت دون أن تعرف أصلاً بدايتها ، وبدون أن تتوقع حدوثها ! هى حصلت بالصدفة البحتة فى المرة الأولى ، كان عامل الزمن ، وتغير الأحوال والظروف ، هو السبب فى تلك الطفرة الاقتصادية ، وفى المرة الثانية داء التخطيط الجديد لهذه المنطقة ليرفع سعر الأرض بها ، وليكون سبب سعدها .. يا الله .. الحمد لله .. الحــمد لله .

لكن .. ما تزال سعاد فى حاجة لأن تعرف الكثير عن تغير الأسعار من الناحية العلمية الاقتصادية التى لا تفسر على أنها ضربة حظ ، كما توّد أن تعرف تغير القوانين ، وتفاوت قيمة المناطق ، كذلك قوانين البناء ، وقوانين البيع ، وقوانين الشراء ، وأيضاً .. شروط التعامل مع البنوك ، والتعامل مع الأشخاص أو الجهات التى تثق بها ، إلى جانب قوانين جمعيات البناء وقوانين الضرائب .. الخ .. الخ .. الخ !

كانت سعاد تتوق أن تعرف كل هذه المعلومات ، وكانت تضحك بينها وبين نفسها ، مزهوة ، فخورة ، بالرصيد التاريخى الذى تنتمى إليه ، والأسرة ذات الاسم التجارى المشهور فى الكويت ، وأبيها الذى زرع فيها الثقة بالنفس ، وليس الغرور ، والعياذ بالله ، إنما هى روح المثابرة ، والتحدى ، والرغبة التى تدفع إلى تحقيق النجاح .. تبتسم سعاد وهى تقول فى سرها :

– الله يطوّل عمرك يُوبّا .. الله ما يحرمنى منك .. الله يخليك لى .

تدور عجلة الزمان وتدور المواقف والأحداث ، وسعاد تدعو لأبيها بطول العمر ، فى حين تترحم على جدها ، تقرأ الفاتحة على روحه الطاهرة ، وتبقى تتابع حياتها بنفس إهتمامها ونفس حماسها .. ! تبدأ الدراسة وتنتهى وتبدأ . وتنتهى . وسعاد تبحث ، وتدرس ، وتمارس العمل فى نطاق الإستثمار العقارى بمكتب مؤقت ، وبصورة بسيطة ، وسكرتيرة وبرأس مال معقول .

تبدع سعاد فى هذا المجال الذى أصبحت تتقنه ، كما أصبحت قادرة على خوض متاهاته بتمكن ، وإقتدار ، بعد أن عرفت المعلومات اللازمة ، والإرشادات الضرورية التى تهديها وتساعدها على خوض هذا العالم الواسع الكبير ، الحافل بالطموح والنجاح .

تنطلق سعاد كالسهم الذى تحدد هدفه مسبقاً ، تتوسع دائرة أعمالها ، يزداد عدد معارفها ، تتكثف الاتصالات المتتالية على جهاز النداء الآلى حتى لا تكاد تنقطع ، بينما هى لا تتوانى عن الاعتماد على منهج العمل الذى أدى إلى نجاحها ، وهو الجدية والسرعة ، والكفاءة فى الإنجاز ، وإكتساب ثقة الآخرين .

تظل سعاد عدة مرات تناقش هذا الموضوع مع جاسم ، تحاول أن تشرح له الموقف المالى الذى وصلت إليه ، تحاول أن تتكلم معه عن الجوانب الاقتصادية ، والأشياء التجارية الضخمة التى تحتاج فيها إلى رأيه الشخصى ، كى يمنحها مزيداً من الثقة بنفسها فى بعض هذه المواقف الصعبة الحافلة بالتحدى والإنجازات ، فيقول لها باسماً مطمئناً :

– ترى سعاد أنا أدرى عنك .. أعرفك زين .. إنت وايد شاطرة وذكية .. ما ينخاف عليك .. وأنت درست كل هذه الأشياء وتعرفينها عدل .. أرجوك سعاد .. ما فى داعى تسألينى مرة ثانية عن هذه الأمور .. لإنى ما أدرى شنو اقولك عنها .. ترى .. أنا واثق إنك تعرفينها أكثر منى ..

تحس سعاد بالضيق والخجل من نفسها بعد أن سمعت هذا الرد القاطع الحاسم من جاسم ، الذى ينهى الأمر ، ويعتقها من تكرار هذا الموقف الصعب ، ويحررها من الإحساس بالحرج والشعور بالذنب ! يحاول جاسم أن يخفف عنها حدة الموقف بعد أن لمح نظرة عيونها المعذبة ، الشاردة نحو السماء السوداء ، فى نفس الوقت يقطع عليها الفرصة نهائياً ، حتى لا تعاود معه هذا الحديث مرة ثانية ، بعد أن أوصد أمامها كل الأبواب ، تومئ سعاد برأسها موافقة راضخة ، حتى لا يصيبها حرج فظيع مثل الذى أصابها هذه الليلة ، مهما كانت حاجتها لرأى جاسم ، ومهما كانت رغبتها فى أن تعرف بدل السؤال .. ألف سؤال !

تفهم سعاد من ذلك إن جاسم يقول لها بطريقة لطيفة مهذبة .. لا تعوّرى رأسى يا سعاد ! تفهم أيضاً أنه ما زال متأثراً بنفس الحساسية الماضية من فلوس أبيها .. وثراء أسرتها ! هنا .. تحس سعاد خجلاً ساحقاً لم تشعر مثله منذ أن تزوجت جاسم ، خجلاً يخجلها ، يحرجها ، يضايقها ، يؤذيها ، وهى تسمع كلام جاسم الذى أحكم الحصار حولها ~، وأغلق كل المنافذ فى وجهها ! فعلاً .. أيقنت سعاد أنها صارت سجينة وراء أسوار مكتبها ، وأدركت أن جاسم يرفض رفضاً باتراً ، قاطعاً ، إقحامه فى أمور عملها ، كما أنه يبغض أن يتدخل ، ولو بإبداء الرأى فى إدارة أموالها .. !

تنوه نظرات سعاد ، تخرج عن إرادتها ، لا تعرف أين توجّهها ، بعد أن تكاثرت عليها ندوب الروح ، وهى لا تعرف كيف تعتذر لجاسم عن هذا الموقف السخيف الذى قد يأخذه عليها ، عندما حاصرته بأسئلتها ، التى إنتهت بإجابته الجراحة لنفسه .. ولها ، عندما أعلن لها أنه لا يفهم ولا يعرف فى مثل هذه الأمور .. مثلها !!

تتضايق سعاد أشد الضيق من نفسها ، ترنو إلى السماء ، تحاول أن تبحث عن بعض نجوم ساهرة تعّدها ، تسهر معها ، تأتنس بها ، وحياءً ساحقاً يلفها ، يحاصرها ، يحيطها ، بينما تجلس ساهمة باحثة عن لحظة صفاء حلوة ، تعيد إلى علاقتها بجاسم ذاك العشق ، وذاك النقاء ، وذاك الحب ، الذى تحب .. وتشتاق !

منذ ذلك الموقف الصعب الذى أوصد فيه جاسم من دونها الأبواب ، وأغلق فى وجهها المنافذ ، صارت سعاد أسيرة مكتبها ، سجينة عملها ، كما صارت مقتنعة بضرورة متابعة إدارة أعمالها ، معتمدة فقط على نفسها ، وحدها ! فتستمر فى إدارة المكتب الخاص بها ، بعد أن تعلمت الإستعانة بالبنوك ، والتسهيلات المصرفية لمواجهة إحتياجات التوسع فى العمل ، وتصنيف المشروع ، ودراسة المشروع وجدواه ودراسة توفير رأس المال المناسب ، دون زيادة أو نقصان ، والتفرغ للعمل ، والثقة بالنفس عند التعامل مع الآخرين ، والمنافسين ، وعدم الاستعجال ، وحساب الربح والخسارة ، لمواجهة احتياجات العمل المتزايدة .

فى هذا الإطار العملى الميدانى المالى ، تنطلق سعاد .. وتظل تعمل ، وتعمل ، وتعرف أكثر ، وأكثر ، إلى أن تدرك العديد من الأمور الخاصة بتنفيذ الأعمال ، وإلى أن تفهم خبايا هذا المجال من جميع النواحى ، وشتى الاتجاهات .

وذات ليلة من ليالى عطلة نهاية الأسبوع الساهرة ، كان جاسم وسعاد يجلسان على المقاعد الوثيرة فى قاعة المعيشة الواسعة ، الحافلة بصور جاسم ، وصور العائلة المعلقة على الجدران ، أو الموضوعة داخل أطر ذهبية وفضية كبيرة وصغيرة ، تتوزع على كل الطاولات ، إلى جانب فازات الورود ، المتناثرة هنا وهناك ، وقطع السجاد الحريرى الملقاة بطريقة فنية فوق الموكيت البيج ، ذى اللون الفاتح المريح ، والتى تحمل طاولاتها العديد ، والعديد من التحف الصينية والمشغولات الفضية والعاجية القيمة ، تلك التى تعشق سعاد جمعها وإقتناءها ، والبحث عن المتميز الثمين منها .

.. فى تلك الليلة الساحرة ، كانا جالسين يستمعان بسهرتهما معاً فى هذا الجو الحالم الذى تزيده الإضاءة الخفيفة الخافتة شاعرية ، وجمالاً ، وحناناً ، وبينما كان أحمد نائماً بعيداً فى غرفته ، إذ أن جاسم صوته عالى وأحمد يصحو من نومه بمجرد سماعه هذا الصوت الذى يحب ، شعر جاسم فجأة شوقاً كبيراً يدفعه لأن يلعب مع ابنه أحمد ، فنهض من مكانه ليحضره ، فترجته سعاد أن يتركه نائماً وهى تقول له محفّزة :

– ترى النوم يطول القامة .. خليه ينام عشان يطلع طويل يا جاسم أرجوك .

يقهقه جاسم مبتهجاً ضاحكاً :

– لا تخافين سعاد .. أكيد راح يطلع طويل مثل أبوه .. بس خلينى أشوفه .. لو لقيته نايم راح أخليه .. وإذا لقيته مفتّح عيونه وقاعد يلعب فى فراشه بروحه راح أجيبه .. أحسن له يلعب وياى أنا ..

تضحك سعاد فى فرح وسعادتها لا تسعها الدنيا كلها ، تقول لجاسم فى دلال ودلع :

– يا جاسم الله هداك لا تعلمه الشقاوة من الحين .. خليه ينام أحسن .. وإلا لازم يطلع فى كل شئ مثل أبوه ؟!

لا يرد جاسم ، لا يتوقف ، يخترق غرفة إبنه كشوطة قوية طويلة ثاقبة ، يقف يطالع إبنه الحبيب الذى كان غارقاً فى نوم عميق .. ! فى هذه اللحظة .. يرن جرس الهاتف ، وإذ ليلى تتكلم من الكويت ، وقبل أن ترحب بها سعاد ، وتنادى جاسم ليأتى يسلم عليها ، تسمع خبراً ينقلب لسماعه وجهها ، يرجف له قلبها ، مع كل كلمة تنطلق ليلى
بها .. !!

تصغى سعاد ، تسمع وإنزعاجاً هائلاً يطفح على وجهها ، وغماً مجهولاً يقبض قلبها ، يخنف روحها ، يضغط على صدرها .. فيسأل جاسم قلقاً :

– خير سعاد .. اكوشى ؟! صار شئ ؟

تنظر نحوه سعاد جازعة كأنها تودعه ، تحضنه فى حزن بعينيها ، كأنه سيطير إلى الأبد من بين يديها ، تقول له وقد تبددت سعادتها ، وهبطت إلى القاع نفسيتها :

– لازم نبعث برقية تعزية للكويت .. !


الفصل التاسع

ومض الزمن !

ينظر جاسم منفعلاً متوجساً إلى سعاد يستفسر منها سائلاً فى لهفة :

– ليش .. مين اللى مات ؟!

تنظر إليه سعاد وعلى وجهها الشاحب الحزين ، أمارات التأثر الشديد :

– زوج دلال .. طاح بالطيارة العسكرية وهو بيتدرب .. الله يرحمه .. مسكينة دلال .. الله يصبرها ..

يخبط جاسم كفاً بكف من هول الخبر غير المنتظر ، ينظر ذراعه فى الهواء كأنه يضرب هذا النبأ السئ المؤسف بقبضة يده المغلقة ، وعلى وجه تعبير غريب ، لأول مرة تراه سعاد :

– اييه .. مسكينة دلال .. صدق مسكينة .. ما عندها حظ .. ما عندها حظ !

يرتمى جاسم على المقعد وهو ينفخ فى ضيق وانفعال يتبدى فى حركاته ، ونظراته ، ونبراته وهو يقول :

– لكن شنو سوّت دلال ؟ قالت لك ليلى إنها راحت لها .. عزّتها ؟! ما قالت لك شئ عنها ؟! أوه .. مسكينة .. بنتها بعدها طفلة صغيرة .. يا الله .. شنو راح تسّوى هذه .. ؟ ترى دلال ما تعرف شئ بالدنيا .. وما تقدر تدير بالها على نفسها .. لازم حد يكون
معاها .. !

يظل جاسم يتحدث عن دلال بلا إنقطاع ، وكيانه كله ينتفض فى تأثر ، وعطف ، وإشفاق ، وهو لا يكاد يصدق أن دلال عادت تواجه الحياة وحيدة ، ضعيفة ، لا حول لها ولا قوة ، بل .. للأسف .. لقد زادت الحياة من أعبائها عليها ، فها هى الآن صارت أرملة وأما لطفلة يتيمة محتاجة لرعايتها .. وهى بعدها فى ريعان شبابها !

يلتفت جاسم نحو سعاد يسألها فى حيرة :

– ها سعاد .. إيش رأيك أدّز لها برقية .. وإلا أكلمها فى التليفون ؟! لا .. أقولك .. أحسن أكلمها .. يجوز تكون محتاجة شئ .. وألا قاصر عليها شئ !

وبدون أن ينتظر جاسم رداً من سعاد ، ينهض يكلم دلال ، يعزيها ، ويواسيها ، وهو يقطر حزناً على مصابها الأليم :

– عظم الله أجرك دلال .. ديرى بالك على نفسك .. لا .. دلال .. لا تبكين أرجوك .. أنت مو لوحدك بهالدنيا .. لا .. لا .. أرجوك دلال .. ترى أنا موجود وأى شئ يقصر عليك بس خبرينى .. فى أمان الله . 

يضع جاسم السماعة ، فى حين تضع سعاد يدها على قلبها ، بعد أن إستشعرت الخطر ، كل الخطر عند سماع حوار جاسم مع دلال .. ! صحيح كان يُعزيها .. لكن .. لا .. هناك رنّة إنفعال ذات صدى عميق يضرب فى عمق الزمان .. ! هناك نبرة تعاطف تشى بإرتباط أعمق يمتد من الماضى إلى الحاضر .. وقد يطول المستقبل أيضاً !

تتضارب الأفكار فى عقل سعاد ، وآلاف الهواجس تتصارع فى قلبها ، بعد أن أقفل جاسم الخط دون أن يطلب من سعاد أن يعزيها .. ! معنى ذلك بالنسبة لها ، إن جاسم ما زال يخشى فى أعماقه الجمع بينهما .. معنى ذلك أيضاً .. أنها ما زال يُكن لدلال مشاعر خاصة .. خاصة جداً !!

تستأذن سعاد من جاسم أن يسمح لها أن تعزّى دلال فى التليفون ، فيوافق على الفور وهو يتعذر عن عدم إعطائه السماعة لها فى نهاية المكالمة متعللاً بأنه قد نـــسى .. !

تنتهى تعزية سعاد لدلال .. فى حين تبتدأ مواساة سعاد لنفسها ! .. بعد هذا الموقف الأخير الخطير ، هناك خيطاً ما يشدهما نحو بعضهما ، يربطهما .. يحركهما !! خيط لا تستطيع سعاد أن تجذبه ، كما لم يستطع الزمن أن يقطعه !!

نعم .. بدى واضحاً ساطعاً لسعاد ، أن إهتمام جاسم بدلال ، ليس إهتماماً عادياً ، كما أنه ليس إهتماماً طارئاً ، إنما هو إهتمام راسخ ، قديم ، متأصل ، كامن فى النفس .. مهما عبر الزمن .. ومضت الأيام والسنوات !!

.. تتلون الساعات ، تتغير الدقائق ، تتواثب الثوانى ، وكل شئ فى نظر سعاد يبدأ يأخذ معنى آخر ، يبدأ ينذر بأشياء أخرى غامضة ، مخيفة .. تنبعث من بين ركام الماضى ، لتبدأ تؤثر فىالحاضر ، وربما تغير .. فى مدلول المستقبل .. !

.. تمضى الأيام هادئة ، وسعاد تحاول أن تبعد عن خاطرها تلك الهواجس والأفكار ، تجتهد دوماً أن تتغافل عنها ، تتناساها ، حتى لا تفسد عليها حياتها .

تمضى الأيام .. وفى إحدى ليالى الصيف الساحرة ، بعدما وصلت ليلى لتمضى العطلة معهم ، يدخل جاسم ومعه نايف ، صديقه السعودى الحميم ، بعد أن لبىّ دعوة العشاء اليوم ، الأحد .

فى الواقع ، كانت الصلة بينهما قوية ، والصداقة عميقة ، فمنذ بدأ نايف دراسته فى المستشفى التى يعمل بها جاسم قبل بضعة أشهر ، ومنذ أن إستقبله جاسم خير إستقبال ، وقدم له يد العون والمساعدة بصفته طبيباً قديماً يسبق نايف فى هذا المضمار بثمانى سنوات .. ونايف يشعر أنه قد تعرف على أخ عزيز ، وصديق فاضل .

يظل جاسم ساهراً مع نايف ، يناقشان معاً كثيراً من أمور العمل المختلفة ، وهما يتابعان باقى السهرة فى الحديقة ، ويتحدثان على إنفراد عن الطب والمستشفى والمرضى والأطباء ، بعد أن تدلف ليلى مع سعاد إلى الداخل ، وهى مسرورة منتشية لأنها ألتقت بنايف ولو لبضع ثوان !!

و .. دون أن يشعر الإنسان المشغول حتى قمة رأسه بمرور الزمن ، تطالع سعاد الحديقة الجميلة وقد أمسى لها سحراً خاصاً فى أمسية الصيف فى أمريكا ، يزيد من سحرها سريان نسمات ندية باردة تحرك بخفة أوراق الأشجار التى توحى إختلاجاتها الخفيفة المرهفة بفرحة أغصانها ، بينما صغارها أحمد وأنوار وراكان يلعبون المساكة بين سيقانها الغليظة فى بهجة وسرور .

كان راكان الذى لم يتجاوز عامه الثانى يحاول أن يلحق بأحمد وأنوار ، إلا أنه كان يتعثر وراءهما ، لا يستطيع اللحاق بهما ، وفى أعقابه تركض المربية إيزابيلا ، تحاول أن تحميه من الوقوع بين أقدامهما وهما يجريان ويلعبان ، بينما كان هو يقف مكانه باكياً غاضباً بعد أن راح وتركاه وحيداً بعيداً عنهما !

كانت سعاد تطالع هذا اللعب الطفولى البديع وهى سعيدة منتشية ، فرحة راضية كل الرضا عن حياتها ، كما كانت تنظر إلى ليلى وهى سعيدة لها ، وبحبها ، فهى تعرف أن نايف يحتل قلبها ، وأنه محور مشاعرها ، ومركز أحلامها ، منذ أن رأته لأول مرة ، بعد أن إلتحق مؤخراً بنفس المستشفى التى يعمل جاسم بها !

منذ ذلك الوقت ، أى منذ رأته ليلى لأول مرة ، وقلبها لم يعد قلبها ، أخذه نايف ، تملكه ، لم يتركه لها ، لذا .. عندما كانت تسنح لها فرصة لقاء عابر بنايف . لقاء سريع ، ربما لا يتجاوز فى أغلب الأحيان بضع دقائق ، كانت ترتحل المشاعر ، تنمو فى أعماق كل منهما ، خيالاً ، حباً ، يستطيع أن يبقى طويلاً فى الداخل ، ولابد وأن تبدو آثاره فى الخارج ، لابد وأن تنعكس ، لابد وأن تظهر بعد أن تحولت إلى حب لا يستطيع أن يبقى طويلاً كامناً ، ساكناً الأعماق ، دون أن يسطع ويشرق فى الآفاق !

كانت هذه هى مشاعر ليلى تجاه نايف ، فهى تتحدث مع سعاد ، تبوح لها حبها ، تحكى لها عن أحلامها وأمنيتها أن يكون هذا الشاب الوسيم ، الطبيب الناجح ، فى يوم من الأيام زوجها ، تبتسم سعاد وهى تقول ضاحكة لليلى :

– إن شاالله عسى ربى يحقق كل أحلامك يا ليلى .. إنت تستاهلين كل خير .. ترى نايف طيب وأخلاقه عالية وايد .. وأنك تستحقين شاب مثله .. الله يوفقكم ويجعل لكم نصيب فى بعض إنشالله .

يستمر حوار ثنائى بين جاسم وصديقه نايف فى الحديقة ، كما يستمر داخل قاعة المعيشة الواسعة الأنيقة حواراً آخر بين ليلى وسعاد ، حواراً عن الحب والأيام الحلوة الآتية ، فتدعو سعاد لليلى من كل قلبها ، أن يصبح نايف فى يوم من الأيام زوجها .

تشرد سعاد بتفكيرها ، تذكر كيف كانت ليلى تحدثها عن علاقة دلال بجاسم ، وعن إهتمام جاسم بدلال ، وكيف كانت تؤنبها وتلومها لأنها سلبية لا تأخذ دوراً كافياً لتبديل مسار عواطف جاسم نحوها ، ثم تضحك فى سرها وهى تقول :

– الحين منو ينصح ليلى ؟ هى نصحتنى .. بس منو ينصحها يا ترى ؟

بعد قليل ، يخرج جاسم ونايف يستأذنان فى الذهاب إلى مقابلة بعض الأطباء ، الذين ينتظرونه فى الكاقيتريا القريبة من بيت جاسم ، يحييهما نايف وهو يستأذن خارجاً خافضاً بصره إلى الأرض .

تستمر السهرة بين سعاد وليلى إلى أن يدخل الصغار ليناموا ، فتقوم سعاد معهم تشرف على تهيئتهم للنوم ، وتقبيلهم قبل أن يأووا إلى فراشهم ، ثم تعود لمتابعة السهرة مع ليلى .. والحديث عن نايف .. وحبها لنايف إلى أن تنعس ليلى وتدخل تنام .

تبقى سعاد فى جلستها تتابع سهرتها وحدها ، تسلى نفسها بمشاهدة التليفزيون لحين عودة جاسم ، فهى لا تريد أن يأتى ويجدها نائمة ، فربما يحتاج شيئاً تستطيع أن تقدمه له . بعد فترة ، يعود جاسم إلى البيت ، يخلع ملابسه ، يدخل المطبخ يأخذ زجاجة مياه باردة منا لثلاجة ، يحملها معه ، يضعها على الأرض فى الصالة بجانبه ، وهو يتمدد مرتاحاً مسترخياً ، يشرب ، ثم يلتفت إلى سعاد يقول لها باسماً متحمساً :

– ترى اليوم كنا قاعدين نتكلم ونتناقش فى موضوع كبير .. !

تسأله سعاد فى مودّة :

– عسى خير يا جاسم ؟!

يقول لها بنفس الحماس والإنفعال الذى كان يتناقش به مع زملائه الأطباء القدامى والجدد :

– بعض الأطباء يفكرون فى إنشاء مستشفى متخصص فى أمراض القلب فى أمريكا .. شرط تكون الإدارة عربية بحيث لا يحتاج المريض لمرافق أو مترجم .. وشرط تكون مستشفى على أعلى مستوى علمى أكاديمى من ناحية الأطباء .. والأجهزة .. والمعدات .. والتجهيزات .. كل شئ لازم كون على أعلى مستوى بحيث لا تقل عن أى مستشفى فى أمريكا .. بس تخيّلى سعاد .. بحسبة تقريبية وجدنا هذا المشروع راح يتكلف حوالى خمسة مليون دولار تقريباً عشان نقدر نبتدى نحضرّ له ونجهزه !! 

تبتسم سعاد سعيدة بالفكرة ، تقول لجاسم بنفس الحماس والإندفاع الشديد الذى
يتحدث به :

– ترى الفكرة وايد ممتازة .. نجاحها وربحها مضمون 100٪ ليش إنت يا جاسم ما تنفذ هالمشروع بروحك ؟ ما فى داعى تشتركون كلكم فى تنفيذه ترى المشروع ما يحتاج كل هالعدد من الشركاء .. المشروع مضمون النجاح .. وإحنا عندنا فى
المكتب دراسة جدوى مشابهة لمشروع مستشفى متخصص على أعلى مستوى .. وهو مشروع مثل ما قلت لك مضمون 100٪ ما فيه مجازفة أبداً .. ليش ما تعمله أنت بروحك يا جاسم ؟

ينظر جاسم إليها وهو يقول ضاحكاً :

– قلت لك سعاد .. هالمشروع يحتاج عدة ملايين على الأقل 4 أو 5 مليون دولار عشان نقدر تجهّز المستشفى .. !

تقول سعاد بنفس الحماس والإنفعال :

– زين .. ما فيها شئ .. نفذه أنت بروحك يا جاسم .. الفكرة وايد ممتازة والمشروع مضمون النجاح .. ما فيه مخاطرة .. وإذا تريد تبدأ من باكر بالخمسة مليون دولار إعتبرهم فى جيبك من الحين .

يُبهت جاسم .. ينظر إليها فى ذهول ودهشة صاعقة ! يحدّق فيها بكل قوة حدقتيه على الإنفتاح والإنغلاق ، وقد شردت نظراته وتشردّت فى نفس الوقت ! يسألها وهو لا يكاد يصدق ما سمع منها :

– شنو تقولين سعاد .. خمسة مليون دولار ؟! ها .. من وين لك هالفلوس ؟ أبوك دز لك فلوس وأنا ما أدرى ؟!

تنظر إليه سعاد متأثرة من ذهوله ودهشته وهى غير مصدقة ما تسمع ، تقول له
واثقة :

– لا .. أنت تدرى كل شئ يا جاسم .. تدرى أنى أشتغل فى العقار من زمان .. تدرى أن الشركة ناجحة وقاعدين نبيع ونشترى لما صار الحين عندنا سيولة وافرة .. هذا غير الفلوس المجمدّة فى العقار .

يصمت جاسم صمتاً مطبقاً ! لا ينطق كلمة واحدة ! فهو لم يكن يتصور إن الأيام والشهور والسنوات قد مضت بتلك السرعة ! كما لم يكن يتوقع أن تحرز سعاد كل هذا النجاح فى عالم التجارة والمال .. ! كان الأمر بالنسبة له مفاجأة ! مفاجأة ! إذ لم يخطر بباله أن يفكر ولو للحظة واحدة فيما تفعل سعاد ، وفيم تدبر سعاد ، وفيم تشتغل سعاد !!

كان كل ما يهم جاسم فى تلك الأثناء أن تنشغل سعاد بنفسها . بعملها . أن تقضى وقتها فى إدارة شركتها الخاصة كى لا تشعر بالملل ، أو تحس الضيق بصفتها زوجة طبيب مشغول طوال النهار والليل ، إذ أن عمله فى المستشفى ينتهى قبل منتصف الليل بقليل ، ويبدأ قبيل الفجر بكثير ، وباقى الوقت كله يقضيه فى المستشفى بين الدراسة ، والعمل ، والمتابعة ، بين المرضى والأطباء ، هذه هى طبيعة العمل كطبيب يدرس الزمالة ، وهذه هى نوعية الحياة التى يقضيها جاسم !

فى الحقيقة .. لم يكن لدى جاسم إلا أقل القليل من الوقت ليمنحه لزوجته ، أو لأسرته ، ولم تكن سعاد لتعترض ، بل كانت راضية . قانعة . سعيدة بحياتها . بعملها . فرحة . فخورة بزوجها ، لم تشك يوماً من الوحدة ، أو الضيق أو الملل ، بل كانت تستقبله بإبتسامة هادئة ، هانئة ، ناعمة ، نابعة من قلب عاشق محب .

.. فى حين كان جاسم متفرغاً تماماً لعمله كدارس وطبيب .. كان لكل ما يشغل ذهنه هو التفوق فى الدراسة ، وإتقان العمل ، ومتابعة صنع النجاح . صدق .. مضى الوقت سريعاً سريعاً ، عبرت السنوات بأسرع مما يظن جاسم أو يعتقد ، إلى أن إكتشف فجأة ، بعد كل هذا الوقت ، كيف إستطاعت سعاد أن تحقق كل هذا النجاح ! صراحة .. لم يكن جاسم يتوقع أن تستطيع سعاد إحراز هذا الكم من المال ! كان الأمر بالنسبة له مفاجأة المفاجأة !!

تنظر سعاد لجاسم فتراه غارقاً فى الصمت ، فتحسب أنه سعيد بهذه المفاجأة الجديدة غير المتوقعة ! تظن أنه يحسب قيمة تكلفة المستشفى على أمل أن يقوم بها وحده ، وأن ينفذ هذا المشروع دون الإستعانة بباقى الأطباء ، إذ أن لديه الآن الكم الوافر من المال والوقت ، والخبرة والعلم الذى يسمح له بإقامة مثل هذا المشروع الكبير بمفرده !

تسأله سعاد :

– ها جاسم .. متى راح تبتدى تنفذ مشروع المستشفى ؟ ترى الفكرة رائعة .. إنشالله راح تنجح .. أكيد راح تنجح .

يهز جاسم رأسه وهو يتّقد بإشتعال ذاتى داخله ، يحس دمائه تغلى . تفور . تبرد . تجمد . ثم تعود تغلى . تفور . تبرد . تجمد . يهز رأسه . يلتفت نحو سعاد .. ونظراته إليها كانت مجرد إنفتاح للعينين ، لكنه فى الواقع كان يخترق برؤياه الخاصة ركام السنوات الثمان الماضية ، وكل سنوات العمر الآتية .. ! بصورة تدريجية ، يخرج عن شروده قائلاً بصوت أجش مشروخ مجروح مطعون فى عمق رجولته وفحولته :

– الله كريم .. الله كريم .. يصير خير .. يصير خير

تستغرب سعاد بينها وبين سعاد نفسها ردة الفعل الهادئة هذه ن تلك التى لم تكن تتوقعها من جاسم ، كانت تنتظر حماساً أكثر . تشجيعاً أكثر . تأييداً أكثر ، لما إستطاعت أن تحرز من نجاح ! جاء رد الفعل محبطاً . جاء رد فعل جاسم الهادئ زيادة عن اللازم .. بمثابة نكسة عجيبة لمشاعر سعاد !! كانت تتوقع منه فرحة أكبر . تشجيعاً أكبر .

عبرت سعاد الموقف بسهولة تامة . لم تعط الأمر حجماً أكبر من حجمه . لم تتكلم فيه كثيراً . تركت الأمور كما هى . معتقدة أن جاسم فى حاجة إلى بعض الوقت لبحث المشروع الجديد ، ودراسته ، والوقوف على كل متطلباته ، والإطلاع على تفاصيل
إنشائه .

تمضى الأيام كما هى بنفس الرتابة ، ونفس الأسلوب ، ونفس المشاغل ، ونفس المسئوليات ، فالصغار الأحباء فى مدارسهم ، وجاسم مشغول أغلب ساعات الليل والنهار فى عمله بالمستشفى ، وسعاد منهمكة تماماً فى إدارة شئون شركاتها التى نمت وكبرت وإحتاجت عدداً أكبر من الموظفين لإدارتها ، كما إحتاجت محام خاص يساعده محام آخر لمتابعة الشئون القانونية الخاصة بأعمالها ، إلى جانب سكرتير ثانى وسكرتيرة جديدة ، بالإضافة إلى مدير المكتب الخاص بسعاد وحدها .

كانت الأمور فى تطور مستمر نحو الأفضل ، والأفضل ، والأفضل . حمداً لله . كانت قناعة سعاد بقدراتها ، وثقتها بنفسها فى تزايد مستمر , مستمر . وكانت قناعتها بمقدرتها على صنع النجاح ، وبأنها قادرة فعلاً على صنع النجاح ، الذى ساهم فى صناعته ، والدها وجدها ، أيضاً فى تزايد مستمر . مستمر . حمداً لله . حمداً لله .

وفى إحدى الليالى ، بينما كانت سعاد مسهدة فى فراشها لم تنم ، فى حين كان جاسم راقداً على الكنبة فى صالة المعيشة ساهراً لوحده ، كما إعتاد أن يفعل مؤخراً .. دق جرس التليفون ، فرفعت السماعة القريبة منها ، وإذ بصوت جاسم يحدث دلال !! آه .. يا للمفاجأة المفجعة .. ! تتساءل سعاد بينها وبين نفسها فى دهشة وإستغراب :

– جاسم يكلم دلال ..؟! ليش ؟! شنو الموضوع ؟! ما السبب ؟! اكو سبب جديد الحين عندك يا دلال ؟!

تضع سعاد السماعة على الفور كأنها لسعتها ، إلا أن صوت جاسم كان عالياً بالقدر الذى يتيح لها أن تسمعه ! كل شئ قاله لدلال ، وكل ردوده عليها ، كانت توحى بأن هناك مكالمات كثيرة سابقة بينهما هى لا تدرى عنها شيئاً .. ولم يشر جاسم بإشارة واحدة إليها !!

تتعجب سعاد كل العجب لهذه الطريقة الجديدة فى الكلام مع دلال ، جاسم يقول لها أنه قام بمراجعة المكتب الصحى بنيويورك ، وعرف منهم أن التقارير الخاصة بجدتها قد وصلت منذ عشرة أيام ، وأنهم سوف يقومون بالرد فى أقرب وقت بمجرد أن تأتى نتائج مراجعة المستشفى ، يقول مشجعاً :

– بس دلال أعطيهم فرصة أرجوك .. لا تخافين .. أنا قاعد أتابع كل شئ بنفسى .. لا تخافين .. لا تخافين .. سلمّى لى على أمك وجدتك .. لا تنسى .. حبّى لى دانه .

تغالب سعاد نفسها . تحس قلقاً خفياً يعيث فى قلبها ، وهى تفكر كيف أن جاسم صار مهتماً إلى هذا الحد بها ، لدرجة أن يرسل سلامه لأبنتها الصغيرة دانه ويبعث القبلات إليها ! ؟! تتنهد سعاد بينما يدهمها سؤالاً حائراً ظل يؤرق خاطرها :

– ليش ما تزوجت دلال للحين ؟ ليش ظلت بدون زواج رغم وفاة زوجها من حوالى خمس سنوات ؟! ليش ما تزوجت دلال ؟! ليش ما تزوجت دلال ؟!

يظل هذا السؤال حائراً بلا جواب ! تتكلم سعاد مع جاسم ، تسأله عن موضوع مرض جدة دلال ، فيجيبها مبدياً ألماً عميقاً للظروف الصعبة التى تمر بها دلال ، وشعوراً أعمق بالتعاطف والتعلق بها ينسحب من داخله ليخرج مع نبرات صوته :

– مسكينة دلال .. ما فى أحد عندها يقدر يساعدها .. جدتها مريضة وأمها ما تعرف شئ عن مثل هذه الأمور .. وبنتها طفلة صغيرة يتيمة تحتاج رعاية .. ودلال بروحها ما تدرى شنو تسوى .. ولا وين تروح !! ما عندها أحد بجانبها .. ما عندها رجال .. !!

تظل سعاد ترقب جاسم وهو يتكلم عن دلال .. كأنه يحادث نفسه ، بعد أن حوّل عينيه عنها ، كأنما يريد أن ينفرد برؤية صورتها الراقدة فى أعماقه .. ! كانت نظراته هائمة ، تحوم حول ذكريات الماضى المختزنة فى القلب ، تلك التى تتجمع الحين دفعة واحدة وتتحول إلى شحنة ناسفة تنذر بإنفجار كبير يدوى .. يصم الآذان .. يدمــر القلوب !


الفصل العاشر

.. بسمة حائرة !

تجلس سعاد تغرق فى صمت شارد ، وهى ترى جاسم سارحاً بعينيه ، كأنما إرتحل فجأة إلى الكويت ! حيث نبتت ذكريات علاقته بدلال ! آه .. كان يتنهد فى أسى مبدياً شفقة عميقة على ما حل! بها .. وإذ به يقول بصورة مباغتة :

– مسكينة دلال .. ما تستاهل .. !

تضيق سعاد من لهجة العطف والشفقة الزائدة عن الحد التى يشى بها صوت جاسم ، والتى تستشف من ورائها شيئاً آخر يدور ويدور حول تلك العلاقة الكبيرة التى كانت بينهما ، وحول ذلك الغرام الفظيع الذى كانت تكنُّه دلال لجاسم !

ينقبض صدرها ، وهى تشعر الخطر عن قرب يحيق بها ! هذه المرة الخطر يقترب .. يقترب ! والهواجس أيضاً والشكوك تكاد تصبح حقائق ! فلو لم تكن دلال تحب جاسم لما رفضت أن تتزوج كل هؤلاء الرجال الذين تقدموا لها .. ! نعم .. هى تزوجت أول مرة لأنها ، كما عرفت سعاد فيما بعد ، كانت تريد أن تغيظ جاسم ، وأن ترد إعتبارها لنفسها أمامه ، وأمام الناس ! لكن .. بعد ذلك .. بعد أن خفّت حدة ردة الفعل عندها ، أخذت ترفض كل من تقدم لها واحداً .. وراء الآخر !

تتنهد سعاد . تتساءل :

– يجوز تكون منتظرة تتزوج جاسم ؟! يعنى .. هى لمّا الحين تحب جاسم ؟!

يغصّ قلب سعاد بالخوف والقلق هذه المرة .. فإهتمام دلال بجاسم لم يقل ! لم ينته ! بعد هذه السنوات الطوال !! يا الله .. يبدو أن لها ذكريات كثيرة معه ! كما يبدو أن الحب ما زال كامناً راقداً فى قلبها ! حباً لا يُنسى ! لا يُمحى ! لا يتلاشى .. !

تطالع سعاد التليفون الذى ما زال ينقل صوت دلال إلى أُذُن جاسم ، ورمبا إلى قلب جاسم .. ! ذاك القلب الذى كان متعلقاً بها يوماً ما ! نعم .. هذه حقيقة راسخة ! فمهما كانت الظروف ومهما كانت الأحوال لا تستطيع يد وحدها أن تصفق ! لابد وأن دلال قد لاقت قدراً من التشجيع ولو بسيطاً ، لابد وأنها أحست ولو بأقل القليل من مشاعر جاسم ، وإلا لما إستمرت معه كل هذا الوقت !! نعم .. لابد أنه شجعها على أن تبقى تحبه . وتحبه . وتحبه !! تتجاهل الموقف بالحديث مع جاسم عن المستشفى الجديد الذى يزمع تنفيذه ، وعن آخر عملية أجراها ، وآخر أخبار الزمالة التى يوشك أن ينتهى منها ، والتى أخذت من عمره تسع سنوات ، كى يصل إلى هذه المرحلة !

تنفعل سعاد وهى تحاول أن تفتح حديثاً ودوداً :

– ياه .. أيام يا جاسم !! تخيل إيش لون عدّت السنين بسرعة ؟! كأننا واصلين أمريكا أمس .. والحين فاتت كل هالسنين ؟! .. كأنها حلم !!

تتابع سعاد حديثها معه ، كأنها تريد أن تنسيه دلال :

– تخيل يا جاسم .. مين يصدق ؟ مين يقول إنك صار لك الحين ثمان سنوات ؟ أنت وصلت أمريكا سنة 1981 الحين صار لك ثمانى سنوات ؟ مين يقول ؟ مين يصدق إنى أنا صار لى هنا سبع سنوات ؟! والله الأيام تفوت بسرعة .. عساها يا رب تدوم على خير .

تبقى سعاد تحاول وتحاول أن تفتح حديثاً تلو الآخر مع جاسم ، تحاول أن تستعيد الذكريات الحميمة التى تجمعهما معاً ، إلا أنه لا يبادلها الحوار ! تحس كأنها تتحدث مع نفسها ! لكنها تتماسك ! تعود تطيل النظر إلى جاسم ، كأنما تريد أن تستشف ما يدور داخله ، تحاول أن تطمئن قلبها ببعض حوارات خفيفة ، متقطعة ، إلا أن جاسم يختصر الكلمات بقدر الإمكان ، فيخترق الصمت كثيراً من المساحات الزمنية بين الإثنين !!

يختصر جاسم الرد . يبتر الحديث . يفضل السكوت والصمت بعد أن تغيرات نبرات صوته ، ورنّة إحساسه ، وضاع منه الحماس لقضاء وقت أطول مع سعاد . تشعر بذلك سعاد تشعر أن دلال قد تركت ظلالاً من التوتر غطت بظلامها القاتم البغيض مساحات الضوء والأمل والشوق بينها وبين جاسم !

نعم .. لا جدوى ! جاسم يتحدث بحماس وإهتمام مع دلال ، ومع سعاد يتكلم بصعوبة ، ينطق بالعافية ، يجعلها تشعر كأنما تنتزع الكلمات من فمه إنتزاعاً ! كأنه يتكلّف ويتعنّى ليرد على كلامها ، كأنه يريد أن يقطع حوارها كى لا يسمع إلا صوت واحد يريده أن يطرق أذنيه ! وكى لا يصغى إلى لكلمات معينة يحبها أن تدخل قلبه ، تنساب إليه .. عبّر ماض بعيد ، بعيد ، محمّل .. بطيب الذكريات !

تبتئس سعاد .. لا تريد أن تشعر إمتهاناً أكثر من ذلك ! ولا أن تعانى ضيقاً أكبر من ذلك ! فتنهض إلى غرفة نومها ، تتسلل كنسيم سار عليل مريض ، وعيناها سارحتان ، هائمتان فى أفق شاحب ، باهت ، بعيد ، أفق غامض ، مجهول ، رهيب ، تمضى وعقلها شارد . يفكر . ويفكر . أيمكن تكون العملية الجراحية هذه لجدة دلال حيلة من حيل دلال ؟! أيمكن أن تكون مجرد عذر للإتصال بجاسم وإيجاد المبرر الكافى للإقتراب من جاسم ؟! آه .. تقول سعاد لنفسها :

– أنا ما أستبعد شئ على دلال .. ما فى شئ يصعب عليها .. دلال جريئة .. قوية .. تعرف شلون توصل لكل ما تريد .. نعم .. لكل ما تريد !

هنا .. عند هذه النقطة الخطرة من التفكير ، تشعر سعاد دواراً خفيفاً وخوفاً ثقيلاً
يُجثم على قلبها ، يقطع أنفاسها ، فتظل تتقلب مخنوقة فى فراشها ، مسهدة طوال ليلها ،
لا يأتى النوم عندها ، فهى قد دخلت السرير دون أن تشعر بالنُعاس ! لم تحتمل إطالة
الموقف الجارح الذى شعرته عندما شرد جاسم بعيداً عنها ، وإرتحل سابحاً فى حور الذكرى مع دلال .. !!

لم تحتمل إهانة أكثر من ذلك ، لم تستطع أن تفعل شيئاً آخر غير ذلك ، لم تعد
تطيق أن تحس إحباطاً أفظع من ذلك ، وهى تجلس إلى جوار جاسم تشحذ منه الكلمة ، تستجدى منه الإهتمام ! لا .. هذا شئ كثير عليها . هذا شئ لا يحتمله ولا ترضاه ولا تقبله .. لا تقبله !

تبقى تتقلب فى الفراش مؤرقة بلا نوم ولا نُعاس يعرف طريقه إليها ، فى حين يظل جاسم مسهداً هو الآخر ، يحملق فى القمر الذى يتابع مسيرته الساحرة بين السحب الساهرة ، كأنما يراه لأول مرة منذ زمن طويل .. طويل .. طويل !

يطفئ جاسم ضوء الأباجورة الصينى الموجودة بجواره على الطاولة الصغيرة ، المصنوعة من الخشب الهندى الغامق اللون ، المحفور باليد على هيئة ورق وعناقيد عنب ، وهو يتمنى لو كان يستطيع السفر الآن .. فى هذه اللحظة بالذات ، إلى بلاد الشرق حيث الحرارة ، والحنان ، والسحر ، والفن ، والجمال ، والدلال !

يظل جاسم ممداً على الكنبة فى غرفة المعيشة . يبقى شاخصاً ببصره إلى
السماء . يبات راقداً لا يغير مكانه ، وهو يشعر بملل من حياته ، ورغبة عنيفة فى الغياب
عن هذا المكان الفاتر ، لكنه لا يقوى على ذلك بعد أن أصبح رافضاً للحركة والنهوض والإهتمام !

يمضى الليل طويلاً ، بطيئاً ، بطيئاً ، عليهما هما الاثنين ، وما أن تمضى ساعتان
أو ثلاثة ، إلا وينهض جاسم يبدل ثيابه على عجل ، خارجاً من البيت بسرعة ، حيث
يذهب إلى المستشفى ، للإطلاع على آخر التقارير الطبية ، المتعلقة بحالة جدة دلال
الصحية . !

تمارس الأيام هوايتها فى الرحيل والترحال ، بلا جديد تحت الشمس ، ولا قديم تحت القمر .. ولا مثير فى الليل وى فى النهار ، فالأيام كما هى باردة ، ماسخة ، لا حرارة فيها ولا طعم ! كل يوم يمضى كسابقه ، بلا حماس ولا إنفعال .. إنما هى أياماً متشابهة .. أياماً تستمر كما هى دون إضافة فى الشعور ، أو فى الحدث ، أو فى الفعل ، كل شئ يمضى كما هو ، كما هو ، بلا طعم ، ولا حس ، ولا حماس .. ولا تأثير !!

لم تعد سعاد تملك أن تمنع نفسها من الشعور بالضيق ، والألم ، والمعاناة ،
من ظهور دلال فى حياة جاسم مرة أخرى ! كانت سعاد على يقين من أن هذا التغيير الجديد الذى طرأ فجأة على جاسم ، لم يكن إلا بسبب دلال ، وظهور دلال ، ومكالمات دلال !! يا الله ماذا تفعل ؟ ماذا تفعل ؟! كيف تصحح الوضع ؟! كيف تخلص من دلال ؟! كيف تسترد جاسم ؟!

يشتعل الموقف فى قلب سعاد ، حين يتجمد موقف جاسم الفاتر البارد من سعاد ! حتى يكاد أن يصبح جداراً ثلجياً شفافاً فاصلاً بين الزوجين المحبين العاشقين ..! تأسو سعاد لنفسها . تكاد تشكو . لكنها لا تعرف لمن تشكو إبتعاد جاسم عنها وتجنبه لها ؟! آه .. إنها تمقت صمته وتباعده عنها .. ذاك التباعد الذى يتلف أعصابها ويكاد أن يدمرّ عقلها ! فماذا يمكن أن تفعل ؟ ماذا يمكن أن تقول ؟

آه .. الموقف يزداد خطورة يوماً بعد يوم ، ودلال تزداد إقتراباً من جاسم ساعة بعد ساعة ! العدو يتربص بالهدف . لابد من الدفاع عن النفس . لابد من الدفاع عن
النفس . لابد من الهجوم . فخير سياسة للدفاع هى الهجوم . لابد من إتخاذ موقف عاجل فورى .. وسريع .. !!

تنتظر سعاد . لا تنام . تبقى تترقب عودة جاسم من المستشفى ، لا يهم .. ينتصف الليل أو لا ينتصف . لا يهم .. المهم أن تلتقى بجاسم ، أن تجلس معه ، تحدثه ، تخبره بما تريد . يعود جاسم فترحب به سعاد بحب ، بشوق ، تجلس تحادثه ، تسامره ، وهى تبتسم إبتسامة حانية ، تقول له وهى تقرأ بطاقة أنيقة فى يدها :

– جاسم .. شركة الحقول الذهبية للإستثمارات العقارية دعت لحفل إستقبال فى فندق ” إستوريا ” فى ” نيويورك ” .. يوم الجمعة الموافق 18/8/1989 أى بعد ثلاثة أسابيع من الآن يا ليت نقدر نروح سوا يا جاسم ؟!

لكن .. يرفض جاسم ! لا يستجيب لدعوة سعاد ! لا يبدى أى إستعداد ، لكنها
تتحايل عليه كى يسافرا معاً ، تلّح عليه أن يقبل . تكاد تتشقق من الفرحة وهى تقول له أن حفل الإستقبال هذا ، سوف يكون فى نفس الفندق الذى أمضيا به شهر العسل ، وستكون
هذه فرصة رائعة لقضاء عطلة نهاية الأسبوع معاً فى نفس المكان الذى شهد بداية
حياتهما الزوجية !! تظل سعاد ترجو جاسم وتلح عليه كى يوافق ، تستحلفه أن يقبل وهى تقول له فى تأثر :

– واللى يسلم عمرك يا جاسم توافق .. إحنا صار لنا مدة طويلة ما رحنا هناك .. ياللا نتفسح شوىّ فى مانهاتن .. أنا حاسة أننا محتاجين فترة راحة إحنا الاثنين .. أرجوك يا جاسم توافق .. أرجوك .

تظل سعاد تلح وتلح على جاسم لتلبية هذه الدعوة الهامة ، خاصة وأنها تأتى فى عطلة نهاية الأسبوع ، وهو يقدر أن يضعها فى جدوله من الآن .. تفرح أخيراً بموافقته وتعتبرها فرصة مناسبة جداً لقضاء بعض الوقت الممتع معاً ، وحدهما .. حيث يستعيدا ذكريات شهر العسل الممتزج بالحب فى ” نيويورك ” دون إصطحاب الأولاد معهما ، فالمربية هى التى ستتولى تنفيذ البرنامج الترفيهى الذى ستعّده سعاد لهم فى عطلة نهاية الأسبوع .

تتنهد سعاد فى سرور وإرتياح :

– آه .. يا ليت ترجع هذه الأيام الحلوة .. يا ليت نعيشها مرة ثانية !

لكن .. مرة أخرى يحاول جاسم أن يتهرب ! أن يعتذر بلباقة ! لكن سعاد لا تترك له مجالاً للتردد أو الإعتذار ، خاصة وأنها فى حاجة إلى الراحة والإسترخاء بعد عناء العمل ، تؤكد له أنه هو أيضاً فى حاجة ماسة إلى الراحة والتغيير كى يجدد نشاطه وحيويته ، خاصة وأن الامتحانات النهائية باتت على الأبواب .

أخيراً .. أخيراً جداً ، يوافق جاسم ، فيركبان الطائرة فى رحلة قصيرة لا تزيد عن النصف ساعة . يدخلان جناحهما بالفندق الفخم الكبير . يبّدلان ملابسهما . ثم يخرجان فى جولة حرة فى ” نيويورك ” .

كان الجو بديعاً والشمس مشرقة والحياة هنا حافلة بالضجيج .. مزدحمة بالناس والسياح الذين يلتفون حول محلات الآيس كريم والذرة المنفوشة ، والسندوتشات الساخنة ، والمطاعم ، والمقاهى ، وشباب من جميع أنحاء العالم يرتدون إل ” تى شيرت ” ” والجينز ” ، وضجيج سائقى التاكسى فى ” نيويورك ” لا ينقطع .. حياة ذات إيقاع صاخب . مرتفع . مرتفع !

تشعر سعاد بالبهجة وهى ترى علامات السرور مرتسمة على وجه جاسم ، تعود الذاكرة بها إلى الوراء منذ سبع سنوات تقريباً ، عندما وطأت قدماها أرض ” نيويورك ” لأول مرة فى حياتها .. كان كل ما تحلم به وقتها هو رؤية جاسم ومشاهدة جاسم والإقتراب من جاسم ! وها هى الآن تسير بجواره فى شوارع ” نيويورك ” ، وهو زوج لها ، وأب لأولادها الثلاثة أحمد وأنوار وراكان .

– الحمد لله .. الحمد لله .. الله يحفظه .. الله يخليه .. الله يطول عمره .

تمشى سعاد إلى جوار جاسم وهى تكاد تقفز قفزاً من فرط الفرح والنشوة والسرور ، فهى لا تستطيع أن تخفى حبها الكبير له ، فهو حلم حياتها ورجل عمرها وزوجها وكل شئ بالنسبة لها .. ! تنسى سعاد نفسها . تنسى ما ورائها . فقط . تريد أن تبقى بجوار جاسم تنعم بصحبته ، تسعد بوجوده ، خاصة وأنه قد صار له وقتاً طويلاً بعيداً عنها .. مشغولاً بأشياء أخرى كثيرة غيرها ..!

تستمتع سعاد كل الاستمتاع بصحبتها لجاسم فى هذا الوقت ، تتمنى أن تتمدد الساعات وأن يتوقف الزمن ، لكن .. ينظر جاسم فى ساعته ، ينّبه سعاد إلى وقت الرجوع إلى الفندق قد حان ، لأن موعد الحفل الكبير لم يبق عليه إلا ساعة واحدة ! آه .. تفاجأ سعاد أن الوقت هكذا ، مرّ سريعاً ، سريعاً ! يتجهان عائدين مباشرة إلى الفندق ، كى يستعدا لحفل الاستقبال ، وليأخذا دشاً سريعاً ، ويبدلان ثيابهما .

ترتدى سعاد ملابسها الأنيقة ، ينتهى جاسم من عقد ربطة عنقه الحريرية الفاخرة ، يتجهان إلى قاعة الإستقبال ، حيث يرحب مدير الشركة بسعاد وزوجها وهو يقدمهما إلى زوجته على أنهما :

– مسز السالم وزوجها مستر السالم !

تبتسم سعاد فى حرج . تلفت نظر السيد المسئول عن حفل الاستقبال فى هدوء
إلى أن اسم زوجها مستر الناصر ، وليس مستر السالم ، موضحة له أن من عادات العرب
أن تحتفظ الزوجة بإسمها وبلقب أبيها ولا تحمل إسم زوجها بعد الزواج . يعتذر مدير الشركة مبتسماً لجاسم عن ذلك الخطأ غير المقصود وهو يدعوهما إلى الدخول ، والإلتحاق بالضيوف .

تدخل سعاد القاعة الواسعة فتلفت الأنظار إليها ، بإعتبارها واحدة من كبار أصحاب الأعمال ، فى مجالات الاستثمار العقارى ، خاصة وأنها صغيرة السن جداً ، مقارنة بهم ، بالإضافة إلى كونها جميلة جداً ، وجذابة جداً ، وأنيقة جداً ! تتكلم سعاد .. تتحرك .. والأضواء تسقط على وجهها الجميل وقوامها المثير ، تحيطها كل وسائل الإبهار والإثارة التى تؤهلها لخوض لعبة الحياة العصرية بموهبة ومهارة !

وكعادة الأمريكان فى مثل هذه الحفلات ، لا تتحدث سعاد مع مجموعة واحدة ، ولا تقتصر على التواجد بين مجموعة واحدة ، بل تنتقل من مجموعة إلى أخرى ، ويأتى رجال وسيدات من مجموعات أخرى للترحيب بها والحوار معها ، فتنطلق سعاد فى الحديث المتعلق بكثير من الأمور التجارية والاقتصادية المتخصصة ، تلك التى يجهلها جاسم تماماً ، ولا يهتم بمعرفتها نظراً لإنكبابه على دراسة الطب ، والحصول على درجة الزمالة فى جراحة القلب !

يقف جاسم مبتسماً ، ضائقاً ، مختنقاً من هذا الجو المقفل المكتوم ، يشعر بالملل من تكرار سماع نفس الحوار فى مجال لا يعرف خباياه ، كما يجهل آخر أخباره ، يقف ينظر إلى تلك الأضواء الباهرة التى تنير المكان ، كأنما تفقد ضوءها ويخبو نور بريقها ! ينظر جاسم منطفئاً فى ذهق وملل إلى هذا الزحام البشرى الذى تضج به القاعة ، وهو يشعر كأنه محشور فى قمقم معتم مدفون تحت قاع الأرض ، حيث لا يشعر فيه نسمة هواء واحدة ، كما لا يحس داخله بوجود إنسان واحد !

هنا .. فى هذه اللحظة ، يتبادر على الفور إلى ذهن جاسم بريق أضواء أخرى عالية شاهقة ، تنير أرض الملعب وكيف كان يدوى تصفيق الجماهير يكاد يخرق الآذان ، وبريق آلات التصوير يكاد يعمى العيون .. !

يذكر جاسم أيضاً لحظة أخرى هائلة تقتحم عقله الآن ، مشحونة بالتصفير والتصفيق والهتاف والصراخ ، لحظة يختلط فيها هدير الجماهير العاصف بالتصفيق والهتاف المنطلق من فوق المدرجات حيث تحتشد الجماهير تنتفض تطلق الشعارات ، ترفع الأعلام ، وهى تهتف وتغنى وتصفق عند إحراز الهدف .. آه صفير الحكم
يأذن بإنتهاء المباراة .. الهتاف الآن باسم جاسم الناصر يخرق الآذان ، يحّلق فى أعالى الفضاء !!

تتسع إبتسامة جاسم حين يصل إلى هذه النقطة ، لكن .. يقطب عابساً وهو يجول بعينيه فيما حوله ، ثم يعود يحادث نفسه لائماً عاتباً :

– آه .. يا الله .. وينك يا جاسم وهذا التجاهل من هؤلاء الناس ؟ مالك أنت
وهذا الحفل المطفأ الأضواء ؟ شنو تسوى بنفسك يا جاسم ؟ شنو جابك هنية ؟ ليش أنت
جيت هنية ؟ لا .. هذا مو مكانك يا جاسم .. ! هذا مو مكانك يا جاسم ! ياللا .. قوم
يا كابتن .. أخرج .. خلاص .. أطلق الحكم الصفارة .. إنتهت المباراة .. خلاص .. إنتهت .. إنتهت !

فى هذه اللحظة ذاتها .. يحتدم صراعاً عنيفاً بين جاسم ونفسه ، فيبقى طول الوقت صامتاً ! يحاول بصعوبة أن يتماسك ! باذلاً جهده كى يتصبّر على هذا الموقف الصعب العصيب الذى أوقعته به سعاد ..! ففى نفس الوقت تظل تتكرر ، تظل تستمر عدة مرات .. محاولات تعريف مسز السالم .. وزوجها مستر السالم !! فى حين تتابع سعاد محاولاتها اليائسة لتصحيح هذا الخطأ المؤسف غير المقصود الذى بدا أثره واضحاً فوق وجه جاسم المحرج المحتقن !

لا يمضى وقت طويل قبل أن تشعر سعاد بالضيق ، وبأن عليها أن تغادر القاعة ، خاصة وأنها تعلم مدى حساسية جاسم ، ومدى إعتزازه بنفسه ، وبإسم أسرته .. تقع سعاد بالحيرة والحرج ، وهى لا تعرف تخرج من هذا المأزق ! ولا كيف تتصرف أو تتملص من هذه الورطة التى أوقعت نفسها بها ! لكنها فى نفس الوقت تعلم أنها لابد أن تخرج الآن .. فوراً !

تتجه سعاد إلى صاحب الحفل محاولة ألا يشعر جاسم بما تقول أو تفعل ، تخبره فى هدوء وهى تبتسم فى حيرة وحرج أنها تشعر بتعب غير عادى ، تعتذر بصوت خافت خفيض عن الإستمرار فى الحفل ، مع وعد منها أن تتصل به فى أقرب فرصة ممكنة .. تعود إلى جاسم تخبره ، برغبتها فى الخروج من الحفل لشعورها بصداع شديد مفاجئ ، ينظر إليها جاسم بإبتسامة باهتة ، شاحبة .. يوافقها بهّز رأسه صامتاً !!

.. تلتقى العينان فتلمح فيهما سعاد قدراً كبيراً من اللوم والغضب والعتاب ..! حاول جاسم بصعوبة ألا يظهر مشاعره ، كما حاول أن يخفى نقمته وحنقه ، بسبب إصرارها على إحضاره معها إلى مكان .. لا مكان له فيه .. !!

يمضى مسرعاً نحو باب الخروج ، والغضب يسطع فى عينيه المتقدتين ، إلا أنه
كان غضباً بلا كراهية ، حتى أن سعاد تمنت لو أنها ترتمى فى حضنه ، لكنها لم تجرؤ ،
فقد كان يسير طوال ذلك الممر الطويل ، الطويل ، فى صمت مطبق ، دون أن ينطق بكلمة واحدة ..!

.. كانا يقطعانه فى وجود مكتوم ، وسعاد غارقة فى حيرتها ، وحرجها ، وحبها ، وإحتياجها .. فى حين كان جاسم يسير صامتاً ، يشف صمته عن كبرياء جريح ينزف فى أعماقه ، يدور باحثاً عن كيانه ، يثور رافضاً أن يكون فى موقع .. غير موقعه !


الفصل الحادى عشر

بعد .. البعاد !

أيام عديدة مضت منذ عودة سعاد وجاسم من حفل الإستقبال الخاص بشركة الحقول الذهبية ، دون أن يعود جاسم لطبيعته ! ظل عابساً ، متجهماً ، قليل الكلام ، قليل الحركة بلا حضور ، كأنه غير موجود ، كأن جاسم الحقيقى قد اختفى وغاب ، ولم يعد يتبقى منه سوى شبحه ، أو ظله ، أو خياله ، ذاك الذى يتحرك بدلاً منه ، ويروح ويجئ ، فى صمت ، وهدوء ، وسكون !!

وذات ليلة أخبر جاسم سعاد دون تعليق مسبق .. أو أدنى تمهيد ! أنه يوشك على السفر إلى الكويت لحضور مؤتمر طبى سوف يعقد قريباً هناك . وبعد فترة قصيرة يغادر جاسم متجهاً إلى الكويت لحضور هذا المؤتمر الطبى الإقليمى الذى أختيرت الكويت لتكون مقراً له .. وكان دكتور جاسم الناصر واحداً من أبرز الأطباء الكويتيين المتخصصين الذين شاركوا فيه ، وبذلوا كل الجهد لإنجاحه .

وبالفعل .. تتكشف أحداث كثيرة فى الكويت ، تثبت أن جاسم الناصر ، كما كان نجماً لامعاً فى عالم كرة القدم لديه قدراً هائلاً من الإحساس الدائم بالانتصار ، والرغبة الأكيدة فى التمتع بروعة الزهو الذى يعقب تحقيق ذلك الانتصار ! هو أيضاً كوكب يسطع فى دنيا الطب والجراحة !! وها هو يواصل حياته العلمية والعملية بنجاح ساحق منقطع النظير ، حتى يحصل على أعلى قدر من الشهرة كطبيب كويتى شاب ناجح قدير ، زميل جراحى القلب فى أمريكا .

تتسلط الأضواء فى مجالات الإعلام المختلفة على الدكتور جاسم الناصر ، سواء فى الإذاعة ، الصحافة ، التليفزيون ، فيبدو وهو يحاضر فى طلبة كلية الطب . يتكلم . يشرح . يناقش أحدث النظريات الطبية فى مجال جراحة القلب ، يفسر أحدث الدراسات والأبحاث المختصة فى هذا المجال . يحرر أبواباً ثابتة عن تلك النظريات المتطورة ، فى عدد من المجلات العلمية المتخصصة .

يتركز البريق على جاسم فى الكويت ، يتوزع وقته بين الكتابة فى الصحف ، والندوات ، والمؤتمرات ، والمحاضرات ، وبين اللاعبين فى النادى الذين يقومون بحملة إعلامية ضخمة حول شخصية دكتور جاسم الناصر ، كابتن المنتخب الوطنى سابقاً ، طبيب أخصائى جراحة القلب حالياً ، مما يمنحه شعوراً كبيراً بالعظمة ، والزهو ، والتفوق ، والتميز ، وتمجيد الذات !

نعم .. بعد أن استكمل جاسم الدراسة ، وحصل على شهادة الزمالة فى جراحة القلب ، أصبح واحداً من أشهر الأطباء الأخصائيين فى الكويت ، لذا ، بدأت المستشفيات فى الخليج تتابع الاتصال به ، توجه الدعوات له لإجراء عمليات قلب مشابهة ، بعد أن أثبت مقدرة فائقة فى هذا المجال .

و .. قبل أن تنتهى زيارته للكويت ، يقوم جاسم بالكشف الطبى على جدة دلال . يفحص الحالة بدقة . يوضح أنها فى حاجة إلى إجراء عدة تحاليل وأشعات يتقرر بعدها مدى حاجتها لإجراء العملية الجراحية .. تشكره دلال من قلبها بطريقة تدل على أنها مدينة له بهذاالموقف الإنسانى ، وبهذا الاهتمام الكبير بجدتها ! تعلن تقديرها العميق لوقفته معها بطريقة تكشف أنها لا تعرف كيف تخفى مشاعرها ، ولا تستطيع أن تدارى إحساسها به ، واضح فى كل شئ ، أنها ما تزال تحب جاسم ، فهى ما تزال تطلبه فى التليفون ، كما أنها ما تزال عاجزة عن التحكم فى نفسها ، لذا .. تظل تطارده وتلاحقه فى كل مكان يذهب إليه ، كما كانت تفعل تماماً من قبل .. !

.. تمسح دلال دموعها وأوجاعها . تنهض ترتدى ملابس مثيرة جريئة كعادتها . تبدو امرأة جميلة فواّحة العطر ، ناضجة ، ذات تقدير خاص ، فهى تملك من ضروب الفتنة والإغراء ما تحيى به وتميت ، خاصة بعد أن أمتلأ عودها بعد الحمل والولادة ، وبرزت تقسيمات جسدها المثير ، كأوضح ما تكون .. ! تمضى دلال نحو مقابلة جاسم فى مستشفى مبارك الكبير فى الجابرية ، تطوى الزمن فى رشاقة ، تمشى بخطى بطيئة متحدية ، وهى تكره أن تشعر من جديد بالتعاسة ، والحسرة ، والأسى ، بعد أن تذكرت كيف كان حزنها ساحقاً .. حين ترنّحت الأرض تحت قدميها ، بعدما عرفت بخبر زواج جاسم .. وسعاد !!

تذكر دلال كيف كانت صدمتها قاتلة ، كيف كان الخبر بالنسبة لها مدمراً ، تذكر كيف تفجّرت داخلها شحنة الصدمة والمفاجأة .. فحطمتها تحطيماً ! تذكر كيف كانت تتلوى على الأرض من شدة الألم ! تصرخ ! لا تصدق أن جاسم الذى كانت تنظر إليه باعتباره أهم رجل فى العالم صار الحين أقل رجل فى العالم .. ! تذكر كيف كانت تتمرغ فوق الأرض تتعصر . تبكى . وتبكى . وتبكى .. !

آه .. غصباً عليها تذكرت كيف كانت تشعر بالقلة . بالضآلة . بالنقص . حين أخذت تتخاطفها الرياح بعيداً عن جاسم ! تذكر كيف كانت تحاول أن تحافظ على توازنها ، لكنها .. ، رغماً عنها ، كانت تسقط . تقع . ترتطم بالأرض بقوة !

.. تدق دلال باب الغرفة المغلق بأطراف أصابعها ، تسمع صوت الممرضة تطلب منها الانتظار قليلاً ، لكنها ، كعادتها ، لا تصبر . تلوى المقبض . تفتح الباب . تدلف إلى الغرفة مندفعة ، ومنها بهدوء إلى غرفة أخرى جانبية متصلة بها ، حيث ترى جاسم جالساً على المكتب ، منهمكاً فى قراءة بعض الأوراق أمامه ، فلم يشعر بدخولها ، تقف دلال صامتة . تنطلق عيناها . ترقص . تنطلق ترتمى فوقه ، تضمه ، تحتضنه ، تقبل كل ذرة فى كيانه .. وروحها تهفو ، تدنو من مكانه :

– آه .. بعد هذا العمر .. جاسم الحين قدامى ؟! ما أصدق .. ما أصدق !

يشعر جاسم فجأة بوجودها ، كأنما إخترقته سهام نظراتها ، يقف مرحباً مسروراً مبهوراً بحضورها ، تدنوا إليه ، عيناها فى عينيه ، تسلم عليه ، تمسك كفه بيديها ، تقبض عليه بشدة كأنما تخشى أن يفلت منها ، بينما تقاوم رغبة جامحة دافعة للإرتماء بين ذراعيه ، والبكاء على صدره .. والبوح بحبه .. وإبداء الشوق إليه .. !

بحركة سريعة خاطفة يسحب جاسم يده منها ، يقدم لها مقعداً ، وهو يبتسم فى وجهها بحرارة ، فاتحاً موضوع مرض جدتها ، شارحاً حالتها الصحية بعد أن أتطلع على ملفها الطبى الموضوع أمامه الآن ، يطمئنها أن لا خوف عليها ، يؤكد لها أن الموضوع ليس خطيراً كما تطن !

تجلس دلال أمامه وهى تضع ساقاً على ساق .. وتبدأ تنازل جاسم عاطفياً ، فترنو إليه بشوق جامح لا يكبحه تجاهل جاسم ، تطل عيناها تبحث عن عينيه ، تزرع فيهما عشقاً جانحاً إليه ، وفيهما نفس البريق الأخاذ الذى أشعل الحب فى قلبه زمناً .. لكنه توارى فى الرماد .. فهل تندلع فيه النيران مع هذا اللقاء الجديد .. ؟ تقول هامسة بالقرب من أذنيه :

– وحشتنى يا جاسم .. وحشتنى .. وحشتنى .

يتعامى جاسم عما يرى فى عينيها ، يتشاغل عما يسمع من همس شفتيها ، يهم بشرح الموقف الصحى لجدتها ، يتجاهل حركات الشوق والشغف التى تحاول أن تبديها ، فهى بالنسبة له امرأة جاءت من ماضيه ، من علاقة حب ساخنة توقفت فجأة .. وتزوج هو بعدها وقنع بحياة أسرية هادئة .. لذا ، يقاوم دلال رافضاً عواطفها المتاحة ، ويشرح لها مفسراً التقرير باختصار شديد :

– سمعى دلال .. ترى أنا راح أسوى العملية لجدتك بنفسى فى الوقت المناسب .. أحسن ما نستعجل يا دلال .. ما فى داعى للخوف .. صدقينى .

تحاول دلال أن تطيل اللقاء .. تظل تحلم بالحب الواعد بالاستمرار واستكمال الماضى فى الحاضر ! هى تستخدم الحين كل الوسائل الممكنة لتكسب هذه الجولة ! لا يهمها أن تسرق حلم مستقبل سعاد ! لا .. بل هى تريد أن تنتقم ، فهى تعلم أن سعاد خططت لسرقة جاسم منها ، وعاونتها ليلى فى ذلك !! إذن .. المهم .. من يكسب الجولة الآن ؟!

تستمر دلال فى حوار مستميت ، تحاول خلاله إقناع جاسم بضرورة إجراء العملية لجدتها أثناء وجوده بالكويت .. لكنه .. يصرّ على رأيه ، يطلب منها أن تنتظر حتى تظهر نتائج الفحوص والتحاليل والأشعة ، على أن توافيه بها كى يستطيع متابعة الحالة أولاً بأول ، وكى يكون على علم بوضعها الصحى بعد إنتهاء المؤتمر ، وعودته إلى أمريكا .

آه .. عودة إلى أمريكا !! تتنهد دلال حزينة محسورة ، تناجى نفسها ، وهى ما تزال تطالعه بعينين ينبت فيهما شوقاً عاشقاً زاهراً عاطراً :

– آه .. قمت تتكلم عن السفر من الحين يا جاسم ؟!

فجأة تحس دلال الموقف قاسياً . عنيفاً . فوق طاقتها . فتنكمش كالقنفد . تتكور على نفسها ثم تعود تنتفخ . تتضخم . كأنها .. تشحذ كل أسلحتها ، وتستعد لشّن معركتها ، بعد أن ثارت ثائرتها وهى تحس أنها تكاد أن تفقد كرامتها ، وكبريائها ، وجاسم يتعامل معها بتجاهل ورفض ، وهو يقول لا .. لكنها هى لا تقتنع إلا بنعم ! نعم .. لا تقتنع دلال بمنطق الرجل الأب المسئول المتزوج الذى يوحى به جاسم الحين لها .. لا .. إنه يجرح أنوثتها .. إنه يحرجها .. إنه يهينها !

– آه .. لو واحد ثانى غيرك يا جاسم هو اللى يتكلم الحين لخنقته بيدى وقطعته بأسنانى آه .. أنت ما تعرف يا جاسم شنو يسّوى كلامك بقلبى .. !!

تسرح دلال فى خواطرها ، فيخفق قلبها بشدة ، متأثراً بأحاسيس حب عنيفة جارفة ، لم تزل تتفاعل فى أعماقها ، تحرك مشاعرها ، تهز إحساسها ، فتستدير نحو جاسم باسمة ، تقول له راجية مستعطفة بلهجة ضعيفة واهنة ، وقد إنطلقت نظرة توسل تتسلل من عينيها الجميلتين الجذابتين اللتين ترسلان حباً وعشقاً وهياماً ، ينساب برفق إلى قلب جاسم .. فتتحرك مشاعره ، تسلب منه القدرة على المقاومة والرفض .. بعد أن رأى على وجهها الجميل مسحة من المسكنة والضعف ، وهو يسمعها تقول :

– أرجوك يا جاسم تعالى عندنا شوف جدتى .. ترى هى مريضة وايد .. حالتها صعبة .. وما نقدر نأخذها المستشفى ونردها ثانى بنفس اليوم .. تعب عليها .. ما تتحمل .. يا ريت تقدر تيجى يا جاسم تفحصها بالبيت .

لا يملك جاسم إلا أن يوافق ، صراحة .. لم يتردد لحظة واحدة فى الذهاب معها على الفور ، وقد إجتاحه شعور عارم بالشفقة نحوها دلال أخذ يتدفق فياضاً فى قلبه ، فهو يعرف ظروفها الصعبة القاسية ، كما يعرف إن الحياة تنزل فوق رأسها كثيراً من المحن والمصائب ، مما جعله يقول راضياً :

– ما يخالف .. بس نروح الحين الآن ما عندى ساعة واحدة فاضية .. غير هذه الساعة يا دلال .

يخرج جاسم من المستشفى ، يركب سيارة دلال التى تنطلق به مسرعة إلى بيتها ، فى نفس اللحظة التى تصل فيها ليلى إلى المستشفى لتقابله ، كى تلح عليه أن يأتى معها إلى البيت لتناول طعام الغداء ، بعد أن عجزت عن العثور عليه تليفونياً !

تلمح ليلى جاسم ودلال معاً فى سيارة دلال ! فتصاب بدهشة عارمة ، تستشيط غضباً وحنقاً وثورة ، على تلك الملعونة التى ما يهمها أحد فى الدنيا إلا نفسها !! بدون تفكير تقود ليلى سيارتها خلفهما ، تتبعهما عن بعد ، وهى تكلم نفسها عاتبة على جاسم تورطه هذا مع دلال وتفضيلها عليها .. !

– آه .. الحين صار عندك وقت كافى للخروج مع دلال يا جاسم ؟! وأنا .. ليلى .. أختك .. أظل أتحايل عليك عشان تيجى تتغذى معانا بالبيت تقول لى مشغول .. ما أقدر !

فى الحقيقة كان جاسم مشغولاً فعلاً ، ومرتبطاً بمواعيد كثيرة فعلاً ، فعنده ندوات ، ومؤتمرات ، ومحاضرات ، إلا أن ليلى لم تصدق كلامه ، أحست أنه ما يزال يفضّل دلال عليها وعلى أمه وعلى أبيه !! فازداد غضبها ، وحنقها ، وأخذت تقول لنفسها ثائرة :

– آه .. الحين فهمت كل شئ .. أنكشف كل شئ .. هذه الملعونة ما تيأس أبداً .. بعدها قاعدة تحاول تلعب على جاسم .. هى ما تبى تتركه فى حاله .. ولا راح تخليه يلتفت لزوجته ولا عياله !!

تظل ليلى تكلم نفسها وهى فى قمة الغيظ من دلال ، إلى أن تبدأ تتساءل فى دهشة:

– إيش تبى هى الحين من جاسم ؟! ليش تحوم حوله مرة ثانية بعد ما تزوج وصار أب لثلاثة عيال ؟! إيش تبى منه ؟! تريد تكون زوجته الثانية !! عشان تحرق قلب سعاد وتقهرها ؟!

يشتعل فى قلب ليلى الكره والبغض والغضب من دلال ، تمتزج هذه المشاعر كلها داخلها ، فتثور فى أعماقها ، تصطخب عواطفها ، تضطرب أفكارها ، يرتج كيانها ، فهى فى الحقيقة لم تكن تتوقع أبداً أن يستسلم جاسم لها بكل سهولة هكذا ، ولا أن يخضع لرغبتها بهذه السرعة ، ويستسلم لإرادتها بهذا الشكل ! لم تكن ليلى تتخيل أن يقبل جاسم الركوب معها فى سيارتها !! فتقول لنفسها :

– الحمد لله أنى ما عرفت أصيده فى التليفون .. ما صبرت على هذه الاجتماعات اللى كان مشغول فيها .. وإلا ما كنت جيت بنفسى وشفت اللى صار .. الله أراد لى أشوفهم بعينى عشان أكشف أمرهم وأتدخل فى الوقت المناسب !

تتأكد ظنون ليلى وشكوكها ، بعد أن ترى عن بعد سيارة دلال واقفة أمام بيت أمها !! تعرف أن جاسم ما زال موجوداً بالداخل ، فتستشيط غضباً . ورفضاً وبغضاً .. !

تقود سيارتها مسرعة عائدة إلى البيت ، وعفاريت الدنيا كلها تقفز أمام عينيها .. تمضى تسب وتلعن هذه الشيطانة الطائشة التى لا تعييها الحيل ، ولا تكفّ عن الألاعيب .. ! ترفع التليفون وهى فى قمة إنفعالها ، وعدم سيطرة على نفسها ، تطلب سعاد تخبرها بما رأت .. وتقول لها أين .. يوجد .. جاسم .. الحين !!


الفصل الثانى عشر

وداع و .. عناد !

تجلس دلال تبتسم فى فرح وهى تحس إنتصاراً مؤقتاً لقبول جاسم دعوتها لزيارة بيت أمها ، تشعر أنها قد أتت إنجازاً هائلاً بإحضاره عندهم لفحص جدتها ! تظل تنظر إليه ، تتأمله ، تلتهمه بعينيها النهمتين ، وهو جالس عندهم فى غرفة الإستقبال ، فتلاحظ بعض شعيرات بيضاء ظهرت خلال شعره الكث الغزير ، كما تلاحظ إزدياد وزنه وتضخم قامته ، ووضح سمات رجولته ! لم يعد جاسم شاباً طائشاً . أصبح رجلاً ناضجاً ، لكن .. لا .. جاسم لم يعد هو جاسم ! شئ فيه تغير ! شئ فى أختلف ! شئ ما خبا فى بريق عينيه ! تلمح دلال فى نفس الوقت نظراته الشاردة ، الساهمة ، تحس أن شيئاً ما فى أعماق جاسم قد إنطفأ ! إنطفأ !

تقترب منه وقد رسمت إبتسامة واسعة مشرقة على وجهها ، تحاول أن تجسّد بالحوار ذكريات الماضى البعيد . يفهم جاسم قصدها . يتجاهل محاولتها الواضحة . يتغاضى عن هدفها ، يكلمها عن الطب والجراحة ، يزيد من الأسئلة ، مستفسراً عن حالة جدتها المريضة ماذا تشعر ؟ ماذا تأكل ؟ كيف تنام ؟ متى ترتاح ؟ إلى آخره .. إلى آخره .. إلى آخره !

فى الحقيقة دلال تشعر دوماً بالنشوة ، بالانتعاش ، فى وجود جاسم ، كما تشعر بالأمان فى وجود جاسم ، أمان من الوحدة ، من الحياة ، من العالم القاسى حولها ! وجود جاسم إلى جانبها يحميها من مخاوفها هى نفسها ، يكون سنداً لها ، لذا لا تستطيع أن تتحكم فى حركاتها ، لا تستطيع أن تدارى أهدافها ! .. تقترب من جاسم مسلّطة عليه أنوثة صارخة ، وجمال ساحر فريد ، يجعل الرجل يشعر معها كأنه طفل كبير !

فى الواقع .. هدف دلال الدائم هو فوزها بجاسم ، الذى تحبه ، وتفتخر به ، وتتمنى أن يصبح يوماً أباً لطفلها ، طفل قادم سعيد يعيش بين أبوين عاشقين .. نعم .. كانت دلال تسعى دوماً لأن تشعر بالاستقرار . بالأمان . بالاحترام . بالمركز اللائق فى المجتمع الذى يتيحه لها الارتباط بجاسم ! لذا .. تعّبر بسهولة تامة عن فرحها به ، وشعورها بالسرور إلى جواره ، إنها لا تنتقى الكلمات ، إنها تقول كل ما تشعر ، إنها تبوح بكل ما تحس .. !

أحياناً .. تأتى تصرفاتها طائشة ، وهذا ما جعل جاسم يتعلق بها أكثر . يشفق عليها أكثر . يسعد بوجودها أكثر .. وأكثر ! بالتأكيد دلال خائفة من المستقبل ، قلقة على الحاضر ، تفكر فى مأساة الماضى ، ومساوئ الماضى ، ولا تستطيع أن تحس بالراحة والهدوء ، فليس لديها أدنى إحساس بالأمان بعد أن غدر بها جاسم .. فهى تشعر إن جاسم رجل له مستقبل .. وإنها امرأة لها ماضى ! فتحزن وتحزن !!

إنها منذ تلك اللحظة المشئومة ، تدمع ! هى ليست مرتاحة فى حياتها . فالمستقبل غير مؤكد . بل مجهول بالنسبة لها . المستقبل مخيف . مخيف . فهى لا تستطيع أن تحب رجلاً آخر غير جاسم .. كانت هذه الفكرة ضمن خواطرها التى تؤرقها ، وكان هناك يقين عميق لديها أنها لا تستطيع أن ترتبط عاطفياً بعمق قلبها ، بكل مشاعرها ، بإنسان وى جاسم !

فى الحقيقة .. رغم أنها عاطفية . مندفعة . تهتم بالعواطف . فى حالة إنفعالية دائمة . وقادرة على إظهار عاطفة مبالغ فيها أحياناً ، لأنها شخصية ذات شعور متدفق ، ذات حيوية بالغة ، إلا أنها فعلاً تحب جاسم . تحب جاسم .. من أعماق أعماق قلبها !

فى بعض الأوقات ، لا تستطيع دلال أن تدير حياتها دون الاعتماد على الآخرين فى تدبير شئونها . فى أوقات كثيرة هى سلبية . سلبية . لذا كان لأمها دور كبير فى إدارة حياتها ، فهى صاحبة الرأى وصاحبة القرار . لذلك .. ترتبط بها دلال إرتباطاً شديداً ، هى تحبها لاشك ، كما تحب جدتها وتدعو الله أن يمّن عليها بالشفاء .

كانت الاثنتان ، الأم والجدة تدعوان الله ليل نهار أن يرزق دلال بابن الحلال الذى يسعدها . يرعاها . يطمئنها ، وأن يحافظ عليها وإبنتها الصغيرة الحبيبة دانا . كانت أم دلال وجدتها تتعجبان من كثرة المحيطين بدلال . المعجبين بها الذين يقعون تحت تأثير سحرها ، وجمالها ، وكانتا تتعجبان أكثر وأكثر من كثرة هؤلاء الخطّاب الذين يتقدمون لها ، والذين كانت ترفضهم دلال .. واحداً .. تلو الآخر !!

ذات يوم صرخت أمها فى وجهها ، ثائرة ، وهى تكاد تفقد عقلها :

– إنسى جاسم يا دلال .. إنسى هالملعون اللى حطم حياتك وخلاك ما تشوفين رجال غيره .. لحد أمتى يا دلال وأنت قاعدة تنتظرينه ؟ تعتقدين جاسم راح يخلى زوجته وعياله ويحيك إنت يخطبك .. ويتزوجك ؟! .. لا .. دلال .. إصحى .. إصحى لروحك وديرى بالك على نفسك .. ترى الأيام تجرى بسرعة والسنين تركض والإنسان ما يحس فيها .. شبابك راح يولى وإنت بعدك قاعدة مكانك تنتظرين جاسم ؟!

هذا الموقف كان يتكرر فى كل مرة يتقدم لدلال فيها عريس جديد ! فيستمر الصراع عنيفاً صاخباً بين الأم وإبنتها ! ويستمر الحوار بين دلال وجدتها ، وكل إمرأة فيهما تحاول أن تقنع دلال بضرورة الزواج . لكن .. بعد أن تتضخم المشكلة ، ويستمر الرفض ، تعرفان أن دلال فى حالة إنتظار وترقب لعودة جاسم .. الذى أبدً لن يعود .. لن يعود !

الجدة بالذات متشائمة ، هى واثقة أن جاسم لن يخلى زوجته وعياله ويهدم أسرته ، ويهّد بيته من أجل دلال . هى دائماً تقول :

– والله جاسم لو كان يبى يتزوجك يا دلال لكان تزوجك من زمان .. وكان الحين عندك منه عشر عيال .. إصحى يا دلال .. إصحى .. قومى شوفى حالك .. قومى .

فى أحيان كثيرة جداً ، لم تكن دلال تهتم حتى بمجرد الرد ، كانت تكتفى بالصمت . والصمت . والبكاء . فهى فى الواقع تعرف أنها تثير شفقتهما ، وأنها أحياناً تبتز مشاعرهما بضعفهما ، وإستكانتها ، ويأسها ، وحزنها ، لذا لم تكن تريد أن تشعرهما بالذنب أكثر من ذلك ، أو التقصير فى إعطائها النصيحة أكثر من ذلك . كانت تسكت . تصمت . وتبقى على مستوى اللاشعور فى حالة حب دائم لجاسم . وحزن دائم لبعاد جاسم . وإنتظار متصل لجاسم ! وأمل مستمر فى أن يعود جاسم !

تنظر دلال إلى جاسم فى تمعن . تتفرس ملامح النضج والرجولة التى أخذت تزحف بفحولة على وجهه ، وجسده .. ثم تنهض . تختفى داخل إحدى الغرف وتعود فى يدها علبة صغيرة جميلة ، تقدمها لجاسم ، وهى تمعن النظر فى ملامحه وتظل تعيد النظر إليه فى شقاوة وتركيز ورغبة مكتومة وهى تقول :

– كل عام وأنت بخير .. عقبال مائة سنة يا جاسم ..

يتعجب جاسم ! يقول فى دهشو غلبها تأثر شديد :

– أنت للحين يا دلال تذكرين عيد ميلادى ؟!

تستدير إليه دلال ، تقترب منه ، وقد وضحت على وجهها ومضة من العشق والشغف والهيام تقول له بلهجة عميقة واثقة :

– أنا عمرى ما نسيتك يا جاسم .. عمرى ما نسيت لحظة واحدة قضيتها معاك .. ولا نسيت أى شئ يخصك .. إيش لون أنسى عيد ميلادك ؟!

تتنهد دلال تنهيدة حارة لافحة حارقة :

– آه .. أنت ما تعرف قيمة نفسك عندى يا جاسم .. أنت للحين ما تدرى غلاتك عندى يا جاسم .. !

تتوه دلال فى ماضى ذكريات ، تحس حيالها حنيناً حبيباً يفيض بين حنايا كيانها ، تبتسم فى أسى ، وهى تهمس بكلمات سمعها جاسم بصعوبة :

– آه .. وين أيامنا يا جاسم .. ترى الأيام اللى تروح عمرها ما ترد .. ما ييجى مثلها أبداً !

تبقى دلال تنظر إلى جاسم ، الذى أتم اليوم عيد ميلاده الرابع والثلاثين ، والذى تحس أنه قد تجاوز هذه السنين بكثير ، فهو يبدو الآن أكبر من عمره الحقيقى ! تعود تنظر إليه خائفة من الفراق المرتقب ، والوداع المنتظر ، والسفر القريب الذى أوشك أن يحين ميعاده بعد ساعات .. فاليوم السبت 28/10/1989 ، عيد ميلاد جاسم الرابع والثلاثين والذى شاءت الصدفة وحدها أن يأتى بيت دلال ، وأن يمضى ، بعض الوقت ، فى هذا اليوم بالذات .. مع دلال !

كانت هذه وحدها مناسبة عزيزة عظيمة بالنسبة لدلال ، كلا تعبّر لجاسم عن حقيقة حبها ، وأن تظهر له إهتمامها ، وكيف أنه دوماً محور تفكيرها ، ومركز حياتها !

– آه .. جاسم راح يسافر .. راح يغيب ثانى .. ؟!

كانت دلال تعلم إن جاسم مسافر غداً ، الأحد 29/10/1989 إلى أمريكا ، إلى سعاد ، بعد أن انتهى المؤتمر الطبى الذى اختتم أعماله أول أمس .. كانت دلال تعلم أنه بعد سفر جاسم ، سوف تعود تتكوم مطحونة من الوحدة ، مسحوقة من الحزن ، آه .. كانت تعرف أنها سوف تعود تئن فى صمت كل ليلة حتى طلوع النهار .. ! فهى تحب جاسم ، تعشق جاسم ، كما تكره الفراق والوداع ، تخاف الرحيل والسفر ، فمنذ تركها جاسم أول مرة وهى تمقت تلك الأوقات ، الممزوجة بالعذاب ، آه .. هذه المرة أيضاً .. لا مفر من الفراق .. لا مفر من الفراق !

ينظر جاسم نحوها . لا يستطيع أن يقول شيئاً . أو يضيف شيئاً . ينهض واقفاً يشكرها على هديتها بعد أن طرأ فى باله عيد ميلاد إبنه أحمد ، الذى وافق يوم الخميس الماضى ، فيؤكد لنفسه ضرورة شراء هدية حلوة يقدمها له عند عودته .

للأسف .. لم يتذكر جاسم هذا التاريخ ، تنّدم لأنه لم يتصل بأحمد يهنئه بعيد ميلاده السادس . نسى ذلك تماماً ، فقد كان مشغولاً جداً يوم الخميس بالذات فى جلسة ختام المؤتمر ، التى تكدّست فيها عشرات الأعمال ، والنتائج والتوصيات ، يأسف جاسم كل الأسف على إرتكابه هذه الغلطة غير المقصودة ، يقرر بينه وبين نفسه أن يصلح هذا الخطأ بعد عودته ولقاء أحمد ..

– أكيد هو زعلان منى وايد الحين .. ؟!

يستغرق جاسم فى التفكير فى ترضية ابنه البكر ، فينهض يودع دلال ، يشكرها على كل شئ .. يشكرها على إهتمامها وعنايتها ، وقبل أن يخرج يطمئنها على صحة جدتها التى كشف عليها فور وصوله .. وقبل أن يغادر البيت ، يدخل يسلم عليها داخل غرفتها ، هى وأم دلال ، كما لم ينس أن يترك السلام لدانا التى لم تكن موجودة بالبيت ، راحت مع مربيتها الفلبينية تلعب فى نادى الشعب البحرى هى ورفيقاتها .

تصحبه دلال وهى توّد أن يموت الزمن عند هذا الحد .. وأن تقتل الدقائق ، وأن تغتال الساعات ، كى لا يرحل جاسم بعيداً عنها .. ويذهب إلى سعاد .. ! لكنها .. لاحظت إن جاسم تغير عن زمان ! لم يعد هو جاسم الذى تعرفه من زمان ! جاسم تغير . تغير . تغير !! كله بسبب سعاد ، هى السبب ، هى السبب !

آه إن غيرتها من سعاد لا يعلم مداها إلا الله ! إن حقدها على سعاد لا يستطيع مخلوق أن يتخيله ، أو يقّدره ، إنها تكرهها . تكرهها . فهى التى خطفت منها جاسم ! هى التى أخذت منها حبيبها . حبيب عمرها .. هى التى حطمّت حياتها . حطمّت حياتها ! تصمت دلال .. فلا مجال لمثل هذا الشعور أو هذا الكلام الآن ، تصمت . تبقى تسترق النظر إلى جاسم فى حب وحنق وعتاب ! فهو بزواجه من سعاد قد جرح كبرياء الأنثى داخلها ، حطم صورتها مرة واحدة قدام كل الناس .. كل الناس .. !

آه .. للأسف .. تصل السيارة بسرعة إلى الجابرية . تقف عند مستشفى مبارك . ينزل جاسم . يشد على يدّى دلال مودعاً . شاكراً . يختصر وقت الوداع ، فهو يتحاشى النظر فى عينيها الدامعتين ، لا يريد أن يضعف أمامها ، كما لا يريدها أن تضعف أو تنهار أمامه . فهو يعرفها . نعم . يعرف جاسم دلال حق المعرفة . يعرف قدراتها العاطفية الضعيفة ، ويعرف سرعة إنفعالها ، وإشتعالها . يعرف أنها لا تستطيع أن تتحكم فى نفسها ولا أن تكبح دموعها ، خاصة عندما يتعلق الأمر به ، وبحبه ، وبقلبه !

تلف دلال السيارة عائدة . منهارة . باكية . فى عينيها دموع وغضب حتى لا تكاد ترى الطريق أمامها . لكن .. على شفتيها يرتسم وعد ووعيد ، وتصميم يجعلها تؤكد لنفسها .. ما زالت هناك فرصة باقية أمامها .. ! نعم .. ما زالت عندها الفرصة .. ما زال هناك متسع من الوقت .. فجاسم حبيبها سوف يسافر غداً .. تمضى يبكى كيانها . تبكى كل خلية من خلايا جسدها .. باقى بضع ساعات أخرى .. سوف تحاول أن تراه مرة أخرى خلالها .. ! نعم .. ما زال لديها بعض الأمل فى أن تنعم بصحبته بعض الوقت ، ولو أقل الوقت .. !

– لا .. ما راح أخليك يا جاسم .. ما راح أخليك .. أنت حبيبى .. حبيبى أنا .. ولازم تنصلح كل هذه الأمور .. لازم سعاد تعرف إنك حبيبى .. وإنك عندى فى بيتى .. لازم سعاد تعرف .. لازم أغيظها .. لازم أحرق قلبها .. لازم أقهرها قهر .. لأنها واحدة أنانية ما تهتم إلا بنفسها .. ما يهمها شئ فى الدنيا غير أنها تجمّع الفلوس وبس .. كل اللى يهمها فى الدنيا الفلوس .. الفلوس .. أما أنت يا جاسم فهى أهملتك .. غيرتك .. ضيعتك !


الفصل الثالث عشر

حنين .. ورحيل !

لكن .. لم تستطع دلال لسوء حظها أن تلمح جاسم مرة أخرى . كان من الصعب ، بل من المستحيل ، أن يعثر عليه أحد فى تلك الساعات القليلة الباقية له فى الكويت ، قبل عودته إلى أمريكا .

تصل طائرة جاسم إلى مطار نيويورك ، فتدهم فكره ذكريات الحب مع سعاد فى تلك الأيام الحلوة خلال شهر العسل ، التى قضياها فى ” مانهاتن ” ، تلك المنطقة الرائعة التى شهدت أجمل لحظات حبهما ، كما شهدت أروع ساعات غرامهما !

يذكر أيضاً فندق ” إستوريا ” ، وكيف كانت تقف سعاد فى البهو مبهورة بفخامته ، وإتساعه ! يذكر كيف كان هو نفسه وقتها يتعّجل إنهاء إجراءات الدخول الىا لجناح الخاص بهما ، بينما كانت سعاد تقف إلى جواره حائرة لا تعرف ماذا تفعل ؟ أو ماذا تقول ؟ أو أين تنظر ؟!

آه .. يذكر جاسم ” نيويورك ” ، فيطرأ على باله حفل الإستقبال الكبير الذى عقد فى نفس الفندق للقاء رجال الأعمال .. يذكر كيف كان يقف خارج دوائر الضوء والاهتمام ، بينما كانت كل الأنوار والألوان تتسلط ، تتحدث بلباقة كعادتها عن مجالات التجارة والمال والاقتصاد !

يكره جاسم هذا الشعور البغيض ! يرفض أن يدهمه مرة أخرى ! يتابع رحلته إلى ” سيراكيوز ” فى شمال ولاية ” نيويورك ” ، حيث تبدأ برودة الجو فى هذا الوقت من السنة تسرى فى أطرافه ، أنها أيام الخريف ببرودتها ، وجفافها ، ووحشتها ، تدهم مشاعر جاسم مرة أخرى !

يدخل جاسم البيت ، يحيى سعاد ببرود ، بلا أى إنفعال ، أو شوق ، أو حماس ، كأنه لم يكون مسافراً ، كأنه لم يكن عنها غائباً ! وما يلبث أن يغرق فى صمت مطبق طول الوقت ، حتى المكالمات الهاتفية التى تأتيه لم يعد يطيل فيها ! زيارات الأصدقاء والحفلات والإستقبالات قلت تماماً ! لم تعد ممتعة ، لأن جاسم فقد روح المرح والبهجة والإنطلاق !

تغيرت شخصيته ، بعد أن أحس أنه لم يعد له دور . بعد أن أيقن أنه قد فقد أهميته رغم أنه إعتاد طول عمره أن يكون هو موضع الأنظار . خاطف الأبصار . محور الاهتمام . نعم ، هذا واقع حقيقى ، لا مبالغة فيه ، لأن جاسم تربى ونشأ فى بيت والده اللواء أحمد الناصر ، رأى كيف يشّع والده فى المنزل طمأنينة وقوة ، وسلطة ، ونفوذاً دون أن يرفع صوته ، وأحياناً ، دون أن يستخدم صوته !

كان جاسم يشعر أن وجود والده فى البيت فيه سلطة . ما هفى شئ يتم إلا بعد أن يعلم الكل أنه موافق عليه . هو لا يحتاج أن يقول لا . والده عمره ما قال لا . لأنه معروف ، ماذا يحب ، ماذا يكره ، وما يريده ينفذ ! الناس تحب أن تسمع منه كلمة نعم ، لأنهم يطلبون منه ، فيقول :

– حاضر .. يصير خير .. إن شا الله .. ما يصير خاطرك إلا طيب .. ما يخالف .. عدل .. زين .. زين .

موقف جاسم فى حقيقة الأمر مشتت . ممزق . لا يقدر أن يقول لا . لم يطلب منه أحد شيئاً كى يقول لا أو يقول نعم ! جاسم ليس غبياً . جاسم يدرك أن موقفه على العكس من موقف والده . جاسم يعرف إن موقفه ضعيف ، وأن وجوده فى البيت لا يشّع طمأنينة ولا سلطة ! إنما يشع إحتجاجاً .. ورفضاً .. وضعفاً !!

هذا الدور الباهت هو لا يقبله ، ولا يستطيع أن يستمر فيه مهما حاول ، لا .. لن يأخذ الحياة باعتبارها سلسلة من التنازلات المستمرة ! المشكلة أنه لا يجد له مخرجاً ، إنه لا يقدر أن يلوم سعاد ، فهل يلومها لأن حظها حلو ؟ أنها لأنها إنسانة ذكية ؟ أم لأنها تشتغل بكل قلبها ؟؟ أم يلومها لأنها أصبحت سيدة أعمال ناجحة ؟؟

أيضاً .. هو يدرك أن اللوم لا فائدة منه ، فما هو المخرج إذن ، ما هو الحل ؟ هل تبقى سعاد فى البيت وتتخلى عن عملها ؟ وحتى لو تخلت عن عملها .. كيف تتنازل عن فلوسها ؟ أتمنحهم هبة للجمعيات الخيرية ؟ لا .. هذه ليست فلوسها وحدها ، أنها فلوس أحمد وأنوار وراكان ، وحتى لو وافقت سعاد أن ترمى الفلوس فى المحيط ، هو لن يوافق ، فهى فلوس أولاده . المصيبة .. إن هذه الفلوس أغنت أولاده عنه ، جعلتهم أكثر ثراء منه .. !!

من هنا .. إزدادت الإتصالات بدلال ! كان يكلمها كلما أحس الاحتياج للشعور بالارتياح ، فهى دائماً تطلب منه شيئاً . قائمة طلباتها لا تنتهى . شكرها لا ينتهى . دائماً تطلب . دائماً تشكر . دائماً تلّح . دائماً تقول . وهذا شئ طبيعى فينا ، إننا نحس الإنسان الذى نعطيه أكثر بكثير من الإنسان الذى نأخذ منه ! .. وهذا هو نفس السبب الذى يجعل الأم تحب صغارها الرضّع ، لأنها تمنحهم الإحساس بالأمان ، بالحياة ، ولأنها تعرف أنهم من غيرها يموتوا !

تتظاهر سعاد أمام جاسم أنها لا تعلم شيئاً عن تطور علاقته بدلال ، رغم أن الأخبار تصلها منا لخارج .. إن جاسم مهتم بدلال ، وأسرة دلال ، تخبرها ليلى بهذا الموضوع ، وهى تحذرها :

– فتحى عيونك عدل يا سعاد .. خذى بالك .. ترى دلال ما راح تسكت .. وما راح تخلى جاسم .. ديرى بالك !

تحتار سعاد . تصمت . لا تعرف كيف تفاتح جاسم فى هذا الموضوع المحرج ، فهو لم يعد يتحدث معها أصلاً ، أصبح يدور على أى مؤتمر فى أى مكان كى لا يبقى فى البيت . إنه فى حالة بحث دائم ومستمر عن المؤتمرات ، وهى طبعاً لا تقدر أن تكلمه أو تفتح معه موضوعاً مثل هذا ، فهذه المؤتمرات والمحاضرات ، وهذا الكم من العمل من صلب عمله ، فلا تفعل شيئاً سوى أن تخفف غيابه عن أولادها الذين يفتقدونه ، ويبكون لكثرة غيابه عنهم ، لأنه ذوق معهم جداً ، يحبهم جداً ، وفى اللحظات التى يشوفهم فيها يكون فى منتهى السعادة .. لكنه غالباً لا يراهم !!

فى هذا الوقت ، تنظر دلال إلى جاسم على أنه من حقها وحدها ، وأنها لازم تسترد حقها الذى سلب منها ، فهى لا تنسى ما فعلته سعاد وليلى بها عندما أفسدتا العلاقة بينها وبين جاسم عندما قطعتا الإتصال بينهما ، فهى تحب جاسم وما تقبل تعيش من غيره ! ولازم جاسم يرجع لها .. نعم .. جاسم لازم يرجع لها .. إنها تعانى العذاب الآن بعد سفره ، وإبتعاده عنها !

ترفع دلال التليفون تتصل به تشكره على إهتمامه بجدتها . حتى أمها أيضاً تكلمه تشكره . تحييه . تخبره أن أمها بخير ، وأنها تتابع الفحوصات التى قال لها عليها ، حتى دانه تكلمه ، تطلب منه فيلم كارتونى للأطفال لم يصل إلى الكويت بعد . الكل يطلب منه . الكل يحييه . الكل يشكره .. الكل يحتاج إليه . الكل يمنحه إحساساً حقيقياً بأهميته .. بدوره .. بقيمته !

تظل دلال تتابع أخبار جاسم .. وتظل تنقم على سعاد ! تلك المرأة الغنية اللى فلوسها عندها . أبوها عندها . إخواتها عندها . حتى أولادها عندها . كل شئ عندها ! هى ليست محتاجة لجاسم مثلها .. هى صحيح أخذت جاسم منها .. لكنها ما حافظت عليه ! دمرته . ما أسعدته . تغير جاسم . ما عاد جاسم . صار واحد ثانى .. ما له علاقة بجاسم الذى تعرفه !

الأخبار تصل دلال إلى الكويت ، إن جاسم ما صار يشوف أحد ! ما عاد يقابل أحد ! ما عاد يتكلم مع أحد ! ما عاد أحد من أصحابه يروح البيت ! الكل لاحظ أن جاسم لم يعد يبتسم ! لم يعد يضحك ! لم يعد يرحب بهم ! لم يعد يرغب فى حضورهن .. فأنقطعوا عنه !! وسعاد .. مشغولة على طول الوقت بمشاريعها وشركاتها وعقاراتها ! فى
الواقع .. سعاد ما عندها وقت لجاسم ، أما هى .. فعندها كل الوقت .. كل الوقت .. كل الوقت .. !!

يبقى جاسم يفكر ماذا يصنع فى هذا الصراع الذى وقع فيه ؟! .. ماذا يفعل فى ذلك الموقف الصعب الذى يعانيه ؟ إنه لا يطيق البقاء . إنه شرب الدرس . وعرف أن سعاد سيدة أعمال مستقلة . ثرية . ثرية . فى غنى تام عنه . فى عدم إحتياج إليه . حتى أولاده .. صار لا يراهم إلا نادراً ، ومع ذلك هم مجتهدون فى مدارسهم .. لا يحسون النقص فى أى شئ ! يدرك جاسم إن الظروف الحين قد تغيرت ، كما يدرك إن كل شئ فى حياته لم يعد متوازناً كما كان !! يعود يتشكك فى حب زوجته له ، وحتى حب أولاده .. ! يعود يتأكد أنه لا يستطيع أن يحتمل ولا أن يقبل مثل هذه حياة .. !

لذا .. قرر جاسم الرجوع إلى الكويت ! ، قرر جاسم الرجوع إلى الكويت لأنه شعر بنفسه فى الكويت ، لمس قيمة نفسه فى الكويت ، أدرك أنه ما زال فى نظر الجميع هناك جاسم الناصر ذلك البطل القدير المحبوب من الجميع ، المطلوب من الجميع ، المرغوب من الجميع ! كما قرر أن ترجع سعاد إلى البيت مثلها مثل أى زوجة طبيب أخرى . مجرد امرأة عادية تراعى بيتها ، وعيالها ، وبس ! لكن .. كيف ينفذ ذلك ؟ إنه لا يعرف كيف يعبّر عن رأيه .. إنه لا يريد أن يقول لا !

والده .. الناس كلها تبوس يده كى يقول نعم ، لكن .. كيف تجبره سعاد أن يتخذ هذا الموقف المستبد ؟ كيف تجعله يتصرف بهذا الأسلوب معها ؟! لماذا تضعه فى هذا الموقف ؟ هو مدرك أنها لم تقصد أن تضعه فى مثل هذا الموقف .. الظروف هى التى وضعته ووضعتها !!

لكنه يعلم جيداً ، بالرغم أنه لا يد لسعاد فيما حدث ، إنما هى الظروف وحدها ، إلا أنه لا يستطيع أن يعيش فى ظل هذه الظروف . لا يقدر أن يستمر تحت ضغط هذه الظروف . لا يستطيع أن يمارس حياته بصورة طبيعية فى مثل هذه الظروف . صحيح .. لا ذنب لأحد فيما حدث . لكنه لا يستطيع الاستمرار .. لا يستطيع الاستمرار !

إحساسه الدائم والخفى بتفوق سعاد مادياً عليه . يشقيه . يعذبه . هو غضبان لأنه لا يقدر أن يمارس دوره . غضبان لأن سعاد استغنت عنه ، ولم تعد تطلب منه شيئاً . غضبان لأنها لا تطلب منه ويقول لها حاضر . غضبان لأنه لا يقدر أن يرشدها أو يشرح لها الأخبار بالإنجليزية ، أو يأخذها إلى مكان جميل تنبهر به . مكان لم تره من قبل . غضبان لأن أى مكان يذهبان إليه الناس تعرفها هى . تنظر إليها هى . تتهامس عليها
هى !!

غضبان منا لدراسات والأبحاث والنظريات الإقتصادية التى إحتلت الجانب الأكبر فى المكتبة ، فتضاءلت إلى جوارها أبحاثه ودراساته فى الطب .. ! غضبان لأن الأرض بجانب السرير مغطاة بالتقارير التى يجب أن تأخذ فيها سعاد قراراً محدداً قبل أن تنام ! غضبان من الكمبيوتر الذى دخل البيت ، وإتصل بالعمل ! ومن جهاز النداء الآلى الذى تحمله سعاد معها للإتصال بها عند الضرورة ، وكلما إليها !

صراحة .. لم ينتبه جاسم لكل ذلك من قبل ! لكنه وجد فجأة أن البيت صار بيت سعاد ! وأن الإتصالات المستمرة بها هى ، وإنشغالها وتفكيرها فى عملها لا ينقطع ! واضح الآن أن سعاد تبذل مجهوداً كى تسأل عن شغله . واضح أنها مجاملة . فى الأول كان إهتمامها حقيقياً ، لأنه لم يكن فى حياتها غيره ، لكن ، الآن .. أصبح سؤالها عنه وظيفة تؤديها ! وجاسم لاحظ أنها تهتم به عشرين دقيقة كل يوم !!

لاحظ جاسم أن سعاد وضعت فى جدولها اليومى ، عشرين دقيقة للسؤال عن عمله ! عن عمل جاسم ، والإهتمام بجاسم !! نعم .. لاحظ جاسم أن دور سعاد تجاهه أصبح وظيفة ، وليس من طبيعة الأمور ! لم تعد سعاد هى التى تنظر إليه على أنه البطل الوحيد فى حياتها . يعتقد جاسم أنه لم يد محور حياة سعاد . فحياتها مليئة مليئة . وهذا ما كان يضايق جاسم ويقتل فيه الإحساس بالرغبة فى الإستمرار فى مثل هذه حياة .. !

لم يعد جاسم يطيق البيت . لم يعد يطيق نفسه بعد إحساسه بالضآلة والقلة ، والرغبة الدائمة فى الإنزواء .. والإختباء ! كان الإحساس بالمرارة لديه سببه شعوره أنها هى التى ترغبه ، هى التى تريده ، إنه صار شيئاً فى حياتها ! شيئاً له أهمية خاصة لديها ! ربما لإستكمال مظهرها الاجتماعى الناجح ؟ ربما لأنها ترغب أن يكون لديها زوجاً شاباً ، وسيماً ، مشهوراً ، رياضياً ، طبيباً ناجحاً ، لإستكمال المظهر الاجتماعى المطلوب المناسب لمكانتها الحالية !

لكن .. جاسم يرفض أن يكون مرغوباً . يرفض أن يكون شيئاً . يرفض أن يكون إستكمالاً لمظهر إجتماعى . جاسم كغيره من الشباب العرب الذين يحبون ممارسة دورهم الطبيعى . أن تستمر سعاد معه ، لأنها حلوة . إمرأة . أنثى . يرغبها . يشتهيها . يريدها . نعم .. أن تستمر سعاد معه لأنها أم أولاده . لأنها تشرفه أمام غيره من الزملاء .. هو الذى يريدها أن تستمر معه لأنها زوجة ناجحة .. وأنثى مثيرة !

حقيقة الأمر .. لم يكن عند جاسم أى مانع أن تكون سعاد إستكمالاً لمظهره
الإجتماعى . لكن .. هو لديه ألف مانع أن يكون جاسم الناصر إستكمالاً لمظهر سعاد الإجتماعى !!

وذات يوم .. وهما يتناولان طعام الإفطار ، كالعادة ، مبكر جداً ، قبل طلوع النهار ، بلا حوار . بلا جدال . بلا نقاش ، يخبر جاسم سعاد :

– آه .. ترى سعاد .. بقولك . أنا حجزت يوم 21 فبراير عشان نرد الكويت مرة واحدة .

هنا .. تفاجأ سعاد لأنه يقول لها سنرجع الشهر القادم ! كانت مفاجأة صاعقة لها إلى درجة جعلتها لا تعرف كيف ترد وهى تسمع جاسم يقول ببساطة :

– آه .. ترى سعاد بقولك .. إحنا راجعين الكويت إن شاء الله بعد حوالى ثلاثة أسابيع .. لأنى حجزت يوم 21 فبراير بدل ما ننتظر لحد شهر سبتمبر .. !

مفاجأة خطيرة لسعاد ! هى من فترة تشعر أن جاسم ينسحب منها ! يتباعد عنها ! يتهرب إلى المؤتمرات !! تتذكر تحذيرات ليلى على الفور ، وهى تنبئها أكثر من مرة ، وتلمّح لها ألف مرة ، كى تأخذ بالها ، وتنبهها كى تحترس من دلال .. تعود تقول لجاسم :

– أنا أدرى أن عقد الوظيفة مستمر لغاية 15/8/1990 فأيش لون تقدر تسافر الحين يا جاسم وتخلى المستشفى ؟!

يرد بهدوء :

– هذا صحيح .. بس أنا تفاهمت معاهم فى المستشفى .. قلت لهم إنى راح اشتغل نصف المدة وما راح أكمل السنة .. وأنا الحمد لله رتبت كل شئ فى الكويت .. وقبلت عرض وزارة الصحة لتعيينى رئيس قسم القلب فى مستشفى مبارك الكبير .

آه .. تصرخ سعاد ملتاعة من قلبها ، تقول جازعة لنفسها :

– رتبت كل شئ يا جاسم .. وأنا آخر من يعلم ؟! إيش أقدر أنهى كل أعمالى هنا فى قلاقة أسابيع بس ؟! إيش لون ؟! ليش ما قلت لى من الأول يا جاسم .. ليش ؟! 

تسأل بصوت متلهف :

– ومدارس الأولاد والشركة والبيت ؟! إحنا ما قدمنا للأولاد فى مدارس الكويت .. وهذه أشياء تحتاج وقت طويل يا جاسم .. ما يصير نرجع فى نصف العام الدراسى .. ما يصير الحين نسا .. يقاطعها جاسم فى إصرار :

– لا تحملين هم .. كل شئ راح يتدبر .. هذه كلها أشياء بسيطة .. ما عليك .. خليها علىّ أنا .. راح أدبر كل شئ هناك ..

تغلى دماء سعاد فى عروقها . لكنها تكظم غيظها . إنه حتى لم يعطها فرصة للسؤال عن التقديم للأولاد فى المدارس !! متى ستلحق تستعد لهذه النقلة الكبيرة المفاجئة ؟! كيف ستقدر أن ترتب حياتها فى الكويت بعد كل هذه السنوات من الغياب ؟!

آه .. تعود سعاد تتساءل بينها وبين نفسها ومليون استفهام يلف ويدور فى عقلها :

– .. ما هو قصد جاسم بهذه الحركة ؟ هو ما ينسى شئ بالمرة .. هو إنسان دقيق منظم .. طول عمره يقدر يوفق بين كرة القدم والطب .. هو حصل على أعلى شهادة فى جراحة القلب .. مثل ما وصل إلى أعلى مستوى فى الكورة وصار كابتن فريق المنتخب الوطنى .. فكيف يتصرف وياى بهالطريقة العفوية ؟! لا .. لا .. هذا الشئ ما يفوت على جاسم .. ليش ما قال لى أول ما إتخذ القرار ؟ ليش يجعل الموضوع بالنسبة لى كأنه جاء صدفة ؟! وأنا أدرى أنه مرتب أموره من أول .. وأن هذا الموضوع ما هو صدفة ؟! 

تتنهد سعاد .. تناجى ذاتها فى حيرة وأسى وألم :

– آه .. ليش يهملنى بهالطريقة ؟ ليش يريد لى إنى مانى مهمه فى حياته إلى هالحد ؟! ليش يريد يشعرنى إن أرانى غير مهمة .. وأن قرارى غير مهم .. حتى علمى بالموضوع .. غير مهم .. غير مهم ؟! ليش ؟! ليش ؟!

تبقى تتساءل سعاد وهى غارقة فى حيرتها ، حول مغزى هذه الحركة الغريبة من جاسم ، وهذاالموقف العجيب الذى بدر منه ، تتساءل دون أن تفهم السبب ، دون أن تعرف السبب ، وفى داخلها سؤال واحد يهّز أعماقها :

– ترى جاسم يريدنى .. وألا صار الحين يبى دلال ؟!

و .. تبدأ سعاد تربط هذه المتغيرات التى أخذت تحدث فى حياتها بعد ظهور دلال على خريطة حياة جاسم ! نعم .. دلال ظهرت فى نفس وقت رحلة ” نيويورك ” وإكتشاف جاسم لأمر الملايين فى حساب شركة سعاد ! سعاد لم تكن تدرك أن دلال ظهرت فى نفس اللحظة التى أفاق فيها جاسم ، وعرف أن حياته تغيرت وأن سعاد لم تلك الطفلة التى تزوجها وإنما أصبحت سيدة أعمال تملك شركات إستثمارية ضخمة تقدر بملايين الدولارات !

لم تفهم سعاد أن ظهور دلال جاء فى نفس الوقت الذى أدرك فيه جاسم حقيقة الوضع المادى الجديد ! لذا .. كانت سعاد معذورة فى إعتقادها أن دلال هى السبب الوحيد والمباشر فى تغير جاسم نحوها ! .. ففى الواقع لم يخطر ببالها أنه ربما يكون هناك سبباً آخر
غيرها !

وتمضى فى لمح البصر المهلة البسيطة التى حددها جاسم لسعاد .. وفى صباح يوم السفر ، تستيقظ الأسرة مبكراً . تقوم المربية بإعداد الأطفال للسفر . يحضر السائق لإنزال الحقائب ، يخرج الجميع لركوب السيارات متجهين إلى المطار . تترك سعاد خطاباً لمدير الشركة على المائدة يحوى آخر التعليمات وشكرها وتقديرها للمجهودات التى بذلها خلال السنوات التى عمل لديها .

تقف سعاد تنظر إلى البيت بحب وحنين ، فهذا هو البيت الذى حملت فيه ، وتربى فيه أحمد وأنوار وراكان . هذا هو البيت الذى سهرت فيه الليالى الحلوة مع جاسم ، ثم سهرت فيه الليالى الطويلة لدراستها ، والليالى العديدة لرعاية أطفالها ، كما سهرت فيه لإدارة أعمالها ! هذا هو البيت الذى أحبت فيه رائحة القهوة فى الصباح ، وموائد الإفطار قبل ذهاب الصغار إلى مدارسهم . هذا هو البيت الذى إكتمل فيه حبها ، ونجاحها ، وأنهى فيه جاسم دراسته وحصل على درجة الزمالة فى الجراحة .

.. هذا هو البيت الذى شهد مآدب الغذاء فى عطلة نهاية الأسبوع ، وموائد الإفطار فى شهر رمضان لزملاء وأصدقاء جاسم .. هذا هو البيت الذى صارت فيه أم أحمد وأنوار وراكان .. هذا هو البيت الذى شهد سبع سنوات من أجل سنوات عمرها وأسعد فترة فى حياتها .. !

تنظر سعاد مرة أخرى إلى البيت بحب .. لكنه كان حباً يشوبه الحزن ، إذ هى تغادره خائفة ! لم تكن تود أن تغادر هذا البيت بهذه الطريقة ، وبهذا الشعور .. فهى تجهل سبب هذا الموقف الطارئ الذى إتخذخ جاسم نحوها ! حقاً .. لم تعد تعرف ما يوجد فى رأس جاسم .. ولا فى قلبه !!

تنطلق السيارة فوق طرق بيضاء . تنظر سعاد إلى البياض الذى يغطى كل شئ فى المدينة . فتشعر إن قلبها يهبط . ينقبض . هذا البياض مخيف . مخيف . إنه لون الكفن .. ترى .. هل سيموت حبها ؟ هل سيدفن ويتوارى فى مثل هذا البياض ؟!

تتذكر سعاد منظر المدينة عندما رأتها لأول مرة قبل أن تتزوج جاسم ، عندما كان يموج كل ركن فيها بالفرح . بالحياة . كانت كل زاوية فيها تعكس أشعة الشمس ، فتظهر من كل ثغرة فيها نبتة .. كانت مدينة مبهجة خضراء . مدينة تبتسم فى مودة ، تستقبل القادمين بحب وترحاب ..!

تنظر سعاد إلى الطريق أمامها . فتلتاع نفسها . تجزع روحها ، فهذه الأشجار مخيفة .. أشجار شبة ميتة ! مستحيل أن تكون أشجاراً فيها حياة .. لا .. إنها أشجار مرعبة ! ترقب سعاد المنظر فى ذعر ، كأنها تشاهد فيلماً من أفلام الرعب .. ! يا إلهى .. أهذه هى نفسها ذات الأشجار الجميلةالتى رأتها لأول مرة ؟! .. لا .. مستحيل .. مستحيل .. أنها تختلف ! تختلف !

تستمر السيارة فى سرعتها تنهب الأرض نهباً إلى المطار ، فى حين تشيح سعاد بوجهها عن هذه المدينة البيضاء الشاحبة الباهتة ، التى يبدو أنها قد نزفت دمائها ، قطرة قطرة ، حتى لم تعد بها نقطة واحدة توحى أنها ما تزال .. على قيد الحياة !

الفصل الرابع عشر

أنوار العيــــد

تطول الرحلة ، تستغرق حوالى ثمانية عشر ساعة ، يبدو الإرهاق النفسى على ملامح سعاد ، التى تشعر قلقاً خفياً يعترى قلبها ، وإنقباضاً مخيفاً عميقاً يسمم إحساسها ، يضخ فيها شعوراً حاداً بالتوتر والتوجس ، وتوقع الخطر !

تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، تحاول أن تبعد الهواجس عن نفسها ، تحاول أن تبدو أكثر تفاؤلاً مما تشعر ، تبحث بعناء عن إبتسامة ترسمها على وجهها ، لكنها ، تأتى إبتسامة باهتة ، شاحبة !

.. فى حين يبدو جاسم طول الوقت أكثر خفة ونشاطاً على غير عادته ! تصرفاته الآن فيها حيوية زائدة ، وحركة كثيرة ، تختلف عما كانت عليه فى الفترة الأخيرة فى
أمريكا ! واضح أنه الحين أكثر سعادة من زوجته ، التى تكاد تسقط من طولها ، خوفاً ،
وقلقاً ، ورهبة ! أما الأطفال فكانوا يلتفّون حول والدهم الذى يفرحهم وجوده معهم كل هذا الوقت المتصل ، صار لهم زمان لم يجتمعوا كلهم معاً .

 يحادث أحمد المربية البرازيلية يصف لها الكويت ، وبحر الكويت ، والرمال الناعمة على الشاطئ الطويل ، والأبراج الزرقاء التى يوجد بها مطعم جميل ، وأرض تدور تخليها تشوف الكويت من كل الجهات ! يعدها أحمد بأنه سيأخذها يوماً إلى هناك ، وسيأخذها
فى نزهة بحرية فى اليخت الخاص الذى يملكه جده سالم ، وأنه سوف يعلمها كيف تصطاد السمك !

يعدها أحمد أيضاً بأنه سيأخذها معه إلى النادى لتراه وهو يلعب الكاراتيه والجودو والتايكوندو مع منصور ابن خاله فيصل .. وما أن تسمع أنواع اسم منصور حتى تقاطع أحمد فتكلم مربيتها عنه فى حماس شديد وهى تصفه لها :

– ترى منصور بطل .. منصور يقدر يغلبك أنت لو لعب معاك كاراتيه .., منصور قوى وايد ما حد يقدر يغلبه !

و .. تبدأ إحتفالات عيد الكويت الوطنى التاسع والعشرون .. يأخذ بدر أحمد وأنوار وراكان ، ومربيتهم البرازيلية معه فى السيارة المكشوفة ، كما يأخذ منصور ابن أخيه فيصل ، ومريم ومنى وفضة بنات أخيه عبد الله ومربيتهم الفلبينية ، ويذهب بهم جميعهم مع أصحابه ، مع الربع ، إلى حيث ينضم للركب الكبير الذى ينطلق يعبر عن الفرحة بالعيد الوطنى فى شارع الخليج العربى !

ترتدى البنات اثواباً على هيئة علم الكويت ، فى حين يلبس الصيبان ” تى شيرت ” عليه العلم الكويتى ، وهم يرفعون صور الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير البلاد وولى العهد الأمين الشيخ سعاد العبد الله الصباح ، كما يلوحون بالأعلام عالياً فى أجواء الكويت .. الكل يرقص . الكل يغنى . الكل يعبر عن الحب الكبير للكويت .

تنطلق الفرحة من القلوب ، تخرج إلى كل أنحاء الديرة ، تشمل كل الكويت الحبيبة ، فيشعر الجميع بجمال عيدها وبهجة أهلها وحلاوة أيامها ، الفرحة تطغى كل شئ ، تعم الهواء والأرض والسماء ، حتى البحر تضحك ، كل شئ فى الشارع الكبير يضحك ، الشباب فى السيارات من الجنسين يعبرّون عن سعادتهم بإطلاق الألعاب الصغيرة على بعضهم البعض ، ذاك النوع من الرغاوى التى تيبس بمجرد أن تلامس الهواء ، وتتحول إلى خيوط جميلة ملونة من البلاستيك تلتص بالشعر والملابس .. البالونات أيضاً والزمامير ، الصفافير ، الطراطير الملونة ، شرائط الأوراق الذهبية والفضية وكل الألوان ، كل شئ .. كل شئ يبتدى من صنوف الزينة والفرحة .. صدق عيد .. عيد الكويت الوطنى المجيد .

تظل الكويت ساهرة تطلق فرحتها بعيدها الوطنى ، فالمنشآت الحكومية ، والمبانى العامة ، ومجلس الأمة ، والوزارات ، والفنادق تغطيها حبال اللمبات المضيئة الملونة ، والأعلام ترتفع فوق هامات الأبنية ، كل شئ فى الكويت يضحك ، يفرح بعيد الاستقلال التاسع والعشرين ، الأغانى الوطنية الحماسية تسمع عن بعد فى مسجلات السيارات ، يتوقف الشباب أحياناً ، يفتحون الأبواب وينزلون يرقصون فى الشارع ثم يقفزون يركبون السيارات ثانية ، وكل من فى الكويت يغنى للكويت :

يا كويتنا يا حبيبة من عندنا غيرك وتدومى فرحانة

يقف الشباب فى السيارات المكشوفة السقف ، يرقصون ، يلوحون ، يغنون ، يعابثون الشباب فى السيارات الأخرى ، وهم يضغطون على الإسبراى الذى يجمد ويصير كالمطاط بمجرد أن يلامس الهواء .. فرحة .. فرحة طاغية وبهجة كبيرة عارمة ، وشعور رائع بالانتصار والسرور بالديرة ، وأهل الديرة ، والأمير وولى العهد الأمين ، والشعب الكويتى الأصيل ، والأرض الطيبة :

يا أرضنا يا لطيبة من عندنا غيرك .. والمولى يرعانا 

تستمر إحتفالات عيد الكويت الوطنى طوال يوم الأحد الموافق 25/2/1990 ، يعقبها إحتفال آخر رائع بديع يقام يوم الثلاثاء 27/2/1992 عيد ميلاد أنوار .. الذى تم الإعداد له فى بيتهم فى كيفان ، حيث وجهت الدعوى لأطفال العائلة لحضوره وأولهم منصور ولد خالها فيصل ، الذى تحبه أنوار وتموت عليه ، كما تأتى مريم ومنى وفضة بنات خالها عبد الله ، ومجموعة كبيرة من تلاميذ فصلها ، جاءوا يحضرون الإحتفال بعيد ميلادها الرابع ، الذى تم الترتيب له منذ لحظة وصولهم إلى الكويت !

تتجمع البالونات اللامعة المنفوخة بالغاز فى سقف القاعة الكبيرة ، التى تكاد تتغطى بالزينة البراقة الملونة ، وترتفع فى الركن كومة من الهدايا الملفوفة بالأوراق اللامعة لتقدمها أنواع أثناء عيد ميلادها عبر مسابقات مختلفة إلى الأطفال أصحابها ، وفى ركن آخر تبدأ ترتفع كومة أخرى حيث تضع أنوار الهدايا التى تتلقاها من أقاربها وأصدقائها ، وبنات وأبناء جيرانها ، وأصدقاء أبيها وصديقات أمها .

كان الحفل جميلاً بهيجاً حرص جاسم هذه المرة أن يحضره ، فازداد بهجة وجمالاً ، كان جاسم حريصاً على حضور عيد ميلاد أنوار ليعّوض غيابه عن حفل عيد ميلاد أحمد عندما كان فى الكويت فى شهر أكتوبر الماضى ، و .. ربما لأنه كان فى شوق لأن يتواجد مع أسرته وأبنائه ، بين أهله وأصحابه وزملائه ، الذين حرصوا جميعهم على الحضور والتجمع فى هذه المناسبة الجميلة المفرحة ، التى كانت أنوار تتألق فيها كعروس لعبة جميلة بفستانها الوردى الطويل ، الذى يظهر روعته شعرها الناعم المنسدل على ظهرها ، ويزيده جمالاً الأساور الذهبية ، والمحزم الذهب حول وسطها ، والحذاء والشراب المطرز بالفصوص الماسية .. كانت حقاً عروساً تتحرك ، تثب ، تقفز ، تخطر وسط الحاضرين كأجمل ،
وأبهج ، ما تكون .. وأشيك ما تكون !

الحفل كان رائعاً ، والفرقة الموسيقية التى أحيته كانت مدربة خير تدريب على إحياء حفلات الأطفال ، وأغانى وموسيقى الأطفال ، ومسابقات الأطفال ، التى كان منصور يفوز بأغلب جوائزها ، فهو سريع الحركة ، ، خفيف الدم ، لمّاح ، يعرف كيف يقتنص الحل ، ويفوز بالجوائز .. كما يعرف كيف يحظى بالتصفيق .. وينال الإعجاب !

كان الكل يضحك ويمرح . صدق .. أعياد الكويت كلها أعياد ، والفرحة فى الوطن ما لها مثيل بين الأحباب ! عاشت الديرة وعاش أهلها ، تسلم الكويت ، عاشت الكويت .. فعلاً .. الحياة بين ربوع الوطن شئ آخر ، يختلف عن الحياة بعيداً عن الأرض ، الأهل ، الناس ، هؤلاء الذين يمنحون الحب ، الوّد ، التعاطف ، الإحساس .. !

كانت هذه المشاعر كلها تتجمع خلال الحفل الذى حضره عدد كبير من أصدقاء جاسم لاعبى كرة القدم ، الذين حرصوا أن يشاركوه فرحته بعيد ميلاد أنوار ابنته ، حيث أنها المناسبة الأولى التى يحتفل بها جاسم بين أهله ، وأصحابه ، وزملائه ، فى وطنه ، فى
ديرته ، بين أبناء عشيرته .. الله .. ما أروع العودة إلى الوطن بعد طول غياب .. وما أجمل لقاء الأحباب .. بعد طول إغتراب !

فى الواقع ، كان جاسم سعيداً كل السعادة بتواجده فى الكويت وسط الأهل ، وسط الأحباب ، وسط الناس الطيبة ، فوق الأرض الطيبة التى تسبغ الحب والحنان على أهلها ، ومواطنيها ، وشعبها ، دامت الكويت .. عاشت الكويت .. حفظ الله الكويت وشعبها ، دامت الكويت .. عاشت الكويت .. حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه وشر .

ينتهى الحفل .. يمعن الليل أبحاراً وإنحساراً .. وجاسم لم يعد بعد ! خرج مع أصحابه ، لكنه حتى الآن لم يعد .. ! آه .. الليل الطويل الممّل يبيت حزيناً ، يزيد إلحاحاً ، يفيض احتياجاً ، مثلها ، إلى وجود جاسم الغائب دائماً !! تنظر سعاد إلى الفراش الخالى ، الفاضى بدونه ، البارد من غيره ، الذى لم يعد يعّطره بعبق أنفاسه ومشاعره ، تلك التى تحبها وتشتاقها .. يالله .. الصبر يا رب .. الصبر .

يضيق صدر سعاد وهى ترى جاسم يتمادى ، يستمر ، يتزايد ، يمتد ، تتنهد فى اسى ، تتساءل فى عذاب :

– يا رب .. شنو سوّيت بحياتى عشان جاسم يعاملنى بهالأسلوب ؟! ليش يعاقبنى كل هالعقاب ؟! أنا ما سو!يت شئ غلط .. ما سوّيت شئ غلط !!

آه .. لا تدرى ماذا تفعل سعاد ، عزاؤها الوحيد فى هذه الفترة العصيبة من عمرها إن ليلى ووالدها وأمها يحبونها كل الحب ويعوضونها بعاطفتهم الجياشة عن هذا الجفاف العاطفى الذى أخذ يتسرب إلى أعماق نفسها .. فتكاد تيبس روحها .. وتجف بدورها !

صدق .. سعاد تحس إن أهل جاسم فرحين بوجودها ، لكنها تحب جاسم ، تريد جاسم ، وهى لا تدرى ماذا تفعل كى تقضى على هذا الصّد ؟ كى تزيح هذا السد ؟ أنها لا تجد وسيلة لوقف هذا الهجر ! فى جميع الحالات جاسم ليس له عذر فيما يفعل ! تعود .. تفتح صوتاً ينساب إليها عبر الأثير ..

تشكى لى ما يفيد أنا فى هجرك أزيد

العوازل خلّى تفيدك وأنا عن عينك بعيد

كم تزجيتك ولكن أنت يا ظالم عنيد

و .. تمضى سعاد ليلة أخرى ، ليلة مثل غيرها من تلك الليالى الطوال الطوال ، تبات تعد نجوم الليل واحدة ، واحدة ، تبات تحدق فى جو معتم ، أسود ، مقبض ، تتنهد ، تقول تواسى نفسها :

– صحيح .. جاسم مشغول وإهتمامه الحين كله ينصب على عمله لأنه طبيب بارز له مكانته ويجوز يكون مشغول زيادة عن اللزوم هذه الأيام عشان إحتفالات يوم الصحة العالمى اللى راح تبدأ الشهر الجاى .. فى أول مايو .. بس هذا مو سبب كافى إنه يتجاهلنى بهالشكل .. مو معقول يظل هاجرنى كل هالأيام والليالى كانى مو موجودة قدامه .. ؟! مو معقول ؟! يعنى أنا مالى وجود فى حياته ؟!

ينغلق قلب سعاد على كم هائل من الهم والأسى والحيرة والعذاب ، بسب هذا الهجر والبعاد ! ينطفئ وجهها كمداً وغيظاً ، تحس قهراً وحزناً ، وهى تفكر بينها وبين نفسها فى أمر جاسم الذى يتجاهلها ، يهجرها ، ينصرف عنها  .. !! آه .. هى دلال إذن ! نعم .. دلال أخذته مرة ثانية منى ، عرفت كيف تناله كله هذه المرة !!

.. تنهض سعاد فى الصباح تتابع إعداد أطفالها للمدرسة ، تعتذر لهم عن عدم ذهابها معهم اليوم بسبب تعبها وإرهاقها ، تطلب من السائق أن يوصلهم بدلاً منها ، تعود تنزل إلى المطبخ تعد لنفسها قدحاً من القهوة ، تجلس تحت فى القاعة الكبيرة على نفس مقعد جاسم الذى تشتاق إليه ، تتشمم رائحته ، تحن إلى وجوده بجانبها .. تجلس تحتسى القهوة وحدها .. !

.. فى تلك اللحظة تلمح سعاد سيارة بلون سيارة أمها ، وما تلبث أن ترى سائقها الهندى يدفع باب البيت الخارجى الذى تركته أنوار مفتوحاً خلفها ، تنهض سعاد مضطربة من مقعدها ، تقفز السلم جازعة بسبب رؤية أمها التى تتجه إليها مسرعة فى هذا الوقت المبكر من الصباح ، وقد لفح الهواء أطراف عبائتها السوداء إلى الوراء .. !

تفاجأ سعاد بحضور أمها فتسألها فى لهفة :

– خير يوماً أبوى فيه شئ ؟ صار عليكم شئ ؟!

تهدئ أمها روعها ، تقول لها وهى تبتسم :

– ما فينا إلا الخير يا بنيتى .. بس أبوك يبيك الحين تجين وياى البيت .. هو يبى يشوفك عشان يتكلم معاك .. هو ما نام طول الليل .. قعد قبل الفجر وقال لى لازم تروحين تجيبين لى سعاد .. بنتى فيها شئ .. أمى فيها شئ .. أنا مانى مرتاح .. ترى حال سعاد هالأيام موعاجبنى .. مانى مرتاح .. هاتى لى سعاد .. هاتى لى أمى !

ترتدى سعاد ملابسها على عجل ، فهى تعرف حب أبيها لها ، وتعلقه بها ، وقلقه عليها ، تجلس أم سعاد تشرب الشاى مع أختها ، فى حين كانت ليلى تستعد للخروج إلى الجامعة ، بينما كانت سعاد تتأهب للذهاب إلى بيت أبيها ، وقبل أن تغادر البيت ، توقظ جاسم من نومه تستأذنه ، فيبدأ يتقلب فى فراشه إستعداداً للنهوض والخروج إلى عمله فى مستشفى مبارك .

يهم أبو جاسم بمغادرة البيت ، يسلم على أم عبد الله ، يطلب منها السلام إلى أبو عبد الله ، يسأل عن أحواله ، ثم يغادر إلى عمله فى وزارة الدفاع ، وبعده تذهب سعاد مع أمها إلى بيت والدها فى الشامية وهى ما تزال حزينة الروح ، جريحة الفؤاد ، فالحال أصبح لا يحتمل .. لا يطاق !

تسأل أمها فى حنان :

– مالك سعاد .. أيش فيك يا بنيتى ؟!

تنفجر سعاد :

– أنا ما عدت أقدر أتحمّل يوماً .. ما أقدر .. صبرى نفد .. خلاص ما عاد فينى صبر مرة واحدة !

تسأل الأم فى جزع :

– خير يا بنيتى .. أكو شئ مزعلك ؟!

خير .. فيك شئ ؟! قاصر عليك ؟! .. جاسم سوى شئ ؟!

تقول سعاد باكية :

– يا ليته سوى شئ .. يا ليته .. جاسم ما عاد يشوفنى .. ما عاد يحس فينى .. ما عاد يعتبرنى زوجته .. جاسم خلاص .. راح .. راح .. !

تجيبها الأم فى عطف وإشفاق :

– لا .. طوّلى بالك .. جاسم يحبك ويخاف عليك .. بس يجوز أنه مشغول شوىّ هالأيام .. أكيد عنده شغل وايد .. زوجك طبيب يا سعاد ومسئولياته كثيرة .. طولّى بالك عليه شوى يا بنيتى .. طوّلى بالك .

– لا يومّا .. جاسم راح من زمان .. بس أنا ساكته ما أتكلم .. ما كان ودّى أبوح وأقولك بس لولا جيتك اليوم .. ما كنت قلت شئ ولا تكلمت فى شئ .. و .. و .. و .. !!

تقترب السيارة من البيت الأبيض الكبير فى الشامية ، تمسح سعاد دموعها بسرعة كى لا يلمحها أباها ، لكنها تفاجأ به واقفاً أمام باب البيت الخارجى .. منتظراً حضورها .. مشتاقاً لرؤياها !

تنزل سعاد من السيارة وهى لا تتمالك نفسها من آثار هذا الانهيار الذى فجرّته أسئلة أمها ، تسلم على والدها وهى تتباعد عن عينيه بعينيها حتى لا يرى آثار الدموع على وجهها ، تدلف إلى الداخل ، وهى تطرق إلى الأرض برأسها ، كأنها تعد أزهار الحديقة المزروعة فى تنسيق بالقرب من أقدامها !!

تدخل القاعة ، تجلس ، فى حين يتجه أبيها إلى جهاز التسجيل يضغط زراً .. فينساب صوتاً يحبه كلاهما ، صوتاً يرتبطان به كلاهما ، صوتاً له ذكريات عزيزة غالية عليهما .. !

تجلس سعاد تغالب بصعوبة دموعها ، وهى تسمع أغنية عزيزة تحمل ذكريات حميمة حبيبة إلى قلبها ، يعود أبيها يجلس بجوارها ، يبحث عن إبتسامة حلوة ، يحبها ، يريدها ، يقترب برأسه يلامس به رأسها ، وهو يهزها مع كلمات الأغنية العذبة التى يرددها بصوته الدافئ ، الحنون ، فى حين يغنى لها وحدها ، وهو يلصق خده بخدها .. !

يا ليل دانا لنا ..

يا ليل دانا .. لدانا .

مجروح وقلبى إنكوى

هايم فى حبه وغرامه

يزداد شوقه هيام

يا ليل دانا لدانا ..

تظل سعاد تسمع ، وتسمع ، تظل تتماسك ، وتتماسك ، تظل تقاوم وتصارع دموعها ، لكنها ، ما تلبث أن تنهار فى بكاء حاد رهيب ، بعد أن أحست دموع أبيها تسيل ، وتسيل ، تبلل وجهه .. ووجهها !!


الفصل الخامس عشر

.. هــول المفاجأة !

ترتاح سعاد للقرار الذى أتخذه أبوها نيابة عنها ، بعد أن صمم أنها تسافر أمريكا وتروح تغير جو ، وتعود بعض الوقت إلى عملها ، الذى يشغلها عن نفسها ، وعن مشاكلها مع زوجها ، يضمم أيضاً أن تسافر معها أمها لتكون فى صحبتها ، تسليها وتؤنسها ، بهد أن لاحظ أنها مصابة باكتئاب حاد يكاد يقضى على حيويتها ، ويبدد طاقتها ، ويتلف جمالها ! يصمم الأب على ذلك بشدة ، وهو يقول لأبنته :

– إذا ما وافق جاسم على سفرك خلينى أنا أكلمه .

تجيبه سعاد مهزومة يائسة :

– لا تخاف يوّبا .. جاسم ما راح يرفض .. راح يوافق على طول .

وبالفعل .. لا يعترض جاسم على سفر سعاد والأولاد إلى أمريكا ، خاصة وأن عطلة الصيف قد بدأت ، وهو مشغول تماماً بين عمله فى المستشفى ، ولعب الكرة فى النادى !

ترحل سعاد عائدة إلى أمريكا ، تقبع فى مقعدها داخل الطائرة تنظر إلى الكويت حزينة ، مهمومة ، منقبضة ، رغم أنها تأبى أن تفكر فى موقف جاسم المخزل المحبط ، ترفض أن تعترف بوضعها الحالى ، فتحاول أن تحارب شعورها بالحزن والأسى والانسحاق الذى جعلها تتضاءل وتتضاءل ، حيال صورة دلال التى ظهرت عند خط الأفق ، وأخذت تكبر وتكبر وتكبر .. فى حين بدأت تحلق الطائرة !

.. تدخل سعاد بيتها فى ” سيراكوز ” فتدهمها الذكريات . كل الذكريات . ترنو إلى الصور التى تغطى الجدران وتملأ الطاولات فى البراويز الصغيرة التى تتناثر فوق رف المدفأة الرخامى ، فتعتريها رجفة شوق ورعشة وحشة وهى تجوب بقلبها أرجاء المكان غارقة فى صمت شارد ، غائصة فى حزن جارف ، فى حين تتقدم نحو غرفتها تستضئ بومض الذكرى الذى يحيل عتمة البيت ضوءاً باهراً ينير ظلام روحها المطفأة !

تنحدر دموعها مستنكرة ما وصل إليه حالها مع جاسم ! تتداعى الذكريات ، تنهمر دفعة واحدة ! هذه صورتها معه ، ألتقطت لهما فى شهر العسل . وهذه صورتها لوحدها وهى حامل . تبتسم ، وهى تذكر كيف إلتقط لها جاسم هذه الصورة من زاوية معينة توضح ضخامة بطنها ! كان جاسم يصورها وهو غارق فى الضحك . يكاد يقع على ظهره . كانت حامل فى شهرها التاسع فى أحمد ، وكان الوقت بارداً ، ورغم البلوفر الصوف الثقيل وبالطو المطر إلا أن الصورة أظهرت حجم بطنها الضخم المنتفخ !

وهذه صورة أخرى ألتقطت لهما فى حى ” مانهاتن ” فى ” نيويورك ” ، حينما كانا يتناولان العشاء فى الفندق أيام شهر العسل وهما فى حالة حب متصل ! وهذه صورة جاسم وهو يتناول طعام الغداء مع صديقه نايف وعدد آخر من الأطباء فى عطلة نهاية الأسبوع أثناء إجتماعهم لمناقشة مشروع المستشفى الخاص بهم ! وهذه صورتهم كلهم ومعهم ليلى وهم يلتقطون أنفاسهم ، والعرق يبلل ملابس ، بينما هم يجلسون يأكلون السندوتشات والبطيخ بعد أن لعبوا الكرة فى إحدى الحدائق يوم الرابع من يوليو وهو عيد إستقلال أمريكــا .

تبتسم سعاد فى حنان .. تناجى نفسها ودموعها ما تزال تفيض فوق وجهها . تسرح بعيداً تحلق بخيالها .. تتنهد .. آه .. ما أحلى تلك الأيام ! ما أحلى تلك الأيام !! ها هى صورة جاسم لوحده وهو يبتسم . تحس سعاد أنه يبتسم لها ، وهو يحدق فيها بعينيه الواسعتين العميقتين اللتين إعتادتا أن تخترقاها .. حتى عمق الأعماق ! فتحس إنها تموت شوقاً إليه ، تعتب عليه كل هذا الغياب بعيداً عنها .. تتنهد .. آه يا جاسم .. الأيام تمر من غيرك كأنها سنوات .. تتساءل سعاد فى حسرة آسية :

– ترى شنو تسوى الحين يا جاسم ؟

يعود ينطلق داخلها لحن شجىّ تحبه . تطرب إليه . تصحبه كلمات كالحلم . تنصت بإحساسها .. وحبها .. وشوقها .. وحنينها ..

إنت ياللى عنى غايب فى ديارك البعيدة

مثل قلبكِ إنت دايب وألا أيامك سعيدة

قلت شسّوى شوقى زايد

طال غيابك عنى وايد

إنت ياللى عنى غايب

تصحو سعاد من خواطرها على صوت أمها يناديها ، تمسح دمعها بسرعة ، تمضى إليها ، لكنها لا تستطيع أن تخفى سمات الحزن بنفس السرعة ، فتظل مرتسمة واضحة على وجهها ، فتسألها أمها جازعة واجفة :

– مالك سعاد .. فيك شئ ؟!

تحتوى سعاد أمها فى حنان . تضمها بين ذراعيها فى حب . تقول بصوت تدارى
فيه شعورها اليائس المشوب بالألم والأسى وهى تسند رأسها على كتفها وتدس وجهها بالقرب من وجهها .

– أنا بخير يوّما .. ما فينى شئ .. ما فينى شئ .

تسكت الأم على مضض ، فهى لا تريد أن تنكأ جراح إبنتها بكلامها ، ولا تريد أن تثير مشاعرها مرة ثانية ، ولا أن تحرك أحزانها ، فهى تفهم سبب علّتها ، وتعرف سر تعاستها ، فالأمر الحين لم يعد سراً يخفى على أحد .. الكل يعتقد إن جاسم يركض وراء دلال ، والكل يدرى أن جاسم صار يهمل سعاد .. وما عاد يسأل عنها مرة واحدة !

تطلب الأم من سعاد أن تتصل بأبيها فى الكويت ليطمئن على وصولهم . تتصل سعاد . تكلمه . يرتاح . يهدأ . فى نفس الوقت تتصل بالبيت لتخبر جاسم بسلامة وصولهم . لكنها لا تجده ! تكلم ليلى وخالتها تطمئنهم على وصولهم بالسلامة ، أما زوج خالتها فقد كان نائماً .

بعد قليل ، يأتى أحمد يطلب أن يكلم أبيه ، فتخبره سعاد أنه ليس موجوداً بالبيت الحين ، فيطلب أن يتحدث إلى جده :

– ترى جدى وحشنى وايد .. وايد .

تتصل سعاد بأبيها مرة أخرى ، فيكلمه أحمد فى حماس شديد :

– وصلنا بالسلامة .. لا تخاف عليهم .. ترى أنا وياهم .. لا تحمل همهم .. راح أظل شوىّ فى أمريكا .. وبعدين راح أجيك الكويت نقضى العطلة سوا .. إنشا الله .. ماراح أتأخر عليك .. !

تمضى الأيام ، وسعاد لا تكف عن سلب نفسها من نفسها ، تنهمك فى العمل حتى رأسها ، لا تريد أن تمنح ذاتها لحظة فراغ أو راحة واحدة حتى لا تتعذب بغياب جاسم ، فهى ما زالت عاجزة عن الرد عندما يسألها أحمد :

– متى راح ييجى أبوى ؟!

وألا أنوار لما تقول لها :

– ودى أشوف أبوى .. ودى يلعب معاى المساكة .. ودى يركض وراى فى الحديقة.

تحترق سعاد فى أتون الذكرى ، تناجى جاسم بإحساسها ، تحاول أن تخمد نيران الشوق والحب فى قلبها ، لكنها لا تقدر ، تتصل بجاسم تقول له :

– أحمد متضايق وايد يا جاسم .. يبيك تيجى .. متى راح تقدر تيجى .. ؟!

لكن .. يعتذر جاسم بسبب الشغل ، ويعتذر بسبب ضغط العمل ، ويعتذر بسبب ضيق الوقت ، ينفد صبر سعاد ، تقرر ألا تطلب منه الحضور مرة أخرى ، وأن تتركه على كيفه إلى أن يقرر أن هو بنفسه متى يأتى .. تتنهد مهمومة هامدة :

– آه .. ما فى فايدة .. ما فى نتيجة .. صدق ..

وأعذر ما تنفع

وأنا بالشوق

مقلتى تدمع

وفى يوم ، يتصل نايف بسعاد يسأل عن جاسم ، فتوضح له سعاد أنه ربما يأتى
قريباً ، فيقول لها :

– متى ييجى جاسم بالتحديد .. لأنى أبغى أتكلم معاه فى موضوع مهم .

يؤكد لها نايف :

– أرجو أنكم تعتبرونى مثل جاسم .. كأنه موجود .. وإذا احتجتم أى خدمة أو أى طلب أرجوكم تخبرونى .. رجاء أخت سعاد لا تترددن .

تسألها أمها :

– منو هذا اللى قاعد يكلمك يا سعاد ؟!

– هذا نايف يوما صديق جاسم .. هو طبيب سعودى بيشتغل مع جاسم فى نفس المستشفى ، وهو اللى جاءنا الصيف الماضى ، وحضر عندنا حفل عيد ميلاد راكان .. تذكريتــــه ؟!

وهو اللى جاءنا الصيف الماضى ، وحضر عندنا حفل عيد ميلاد راكان .. تذكرينـــه ؟!

ذاك الشاب الطويل النحيل اللى إنت قلت عليه يشبه فيصل أخوى .. ها .. تذكرتى ؟!

تجتهد الأم أن تتذكر ، لكنها تعجز ، ما تقدر ، فتقول :

– والله يا بنيتى ما اذكر شئ .. لو سألتينى شنو أكلت البارحة ما أعرف أرد عليك !

تنهض سعاد . تتصل بالكويت . تقول فى فرح تبشر ليلى بهذا الخبر المثير :

– ليلى .. سمعى .. نايف إتصل اليوم بنا وسأل عن جاسم .. أعتقد أنه يبى يقول له شئ مهم .. ما أدرى يا ليلى شنو يريد .. يجوز راح يطلب يدك منه .. أنا قلبى يحدثنى أن هالإتصال فيه شئ غير عادى !

تطلب سعاد من ليلى أن تحاول الحضور بأى طريق . تقول لها مؤكدة :

– لا تطولى الغيبة يا ليلى .. ترى وحشتينى وايد .

وفى الكويت تقوم ليلى باللازم . تلح هى وأمها على جاسم تطلبان منه السفر .
تقول له :

– ترى أنا ملّيت من الإنتظار ومستعدة أسافر الحين يا جاسم .

يقول لها جاسم راجياً :

– الله هداك يا ليلى .. أرجوك صبرى شوّ بس أخلص عملية جدة دلال .. وأسافر وياكم على طول .. ترى ما باقى ألا الأيام !

تصيح ليلى غاضبة :

– أى أيام هذه يا جاسم اللى قاعد تتكلم عنها ! ترى الصيف خلصّ .. ما باقى شئ عليه ؟! حنّا الحين فى شهر يوليو .. وإلا راح تنتظر لما الجو يبرد هناك وما نعرف نتحرك ؟! لا يا جاسم .. أرجوك خللى دكتور ثانى غيرك يسوى لها العملية .. وياللا ويانا نسافر .. ترى أنا مت من الحر .. !

يقول جاسم فى دهشة وإستذكار :

– ما أقدر يا ليلى .. ما يصير .. أنا الطبيب المختص اللى متابع الحالة من أولها .. ولازم أنا اللى أسوّى العملية بنفسى .. ما أقدر أعطى هذه الحالة بالذات لأى طبيب ثانى ..!

تسكت ليلى تبلع غيظها . تدمدم حانقة على دلال وأم دلال وجدة دلال . تتمتم فى ثورة مكتومة وهى تنفخ فى غيظ :

– ما أدرى متى راح تفتّك من دلال وأمها وجدتها بعد .. ! ياااه .. الله يخلصنا منهم كلهم مرة واحدة .. !

وفى عصر نفس اليوم ، تتصل دلال بجاسم توقظه من نومه ، تطلب منه الحضور فوراً إلى البيت ، إذ أن جدتها أصابتها غيبوبة سكر ، ولا تعرف ماذا تفعل لها ، تلّح دلال :

– أرجوك يا جاسم .. أرجوك .. لا تتأخر .. جدتى شكلها يخوف .. حالتها خطيرة !

يثب جاسم من فراشه بعد أن طيرّت دلال بصوتها المفزوع النوم من عينيه ، يبدّل ثيابه فى عجل ، يخرج فى لمح البصر مسرعاً إلى بيتها ، فهو يدرك الظروف الصحية الحرجة التى تتعرض لها جدتها ، بعد أن أظهرت نتائج التحاليل والأشعة والقسطرة إصابتها بإنسداد فى الشريان التاجى بالقلب .. الحالة فعلاً خطيرة لا تحتمل تأخير أو تأجيل !

يدخل البيت عندهم مسرعاً ، يتجه إلى غرفة الجدة مباشرة ، يفحصها بدقة ، يعطيها حقنة تساعدها على تجاوز هذه الأزمة الصحية ، ثم يجلس فى غرفة الجلوس يحتسى الشاى بإنتظار أن تفيق من غيبوبتها ، كى يطمئن عليها ، يقول لدلال :

– جدتك لازم تدخل المستشفى الحين يا دلال .. راح أرسل لكم سيارة إسعاف .. جهزى أغراضها .. هى الليلة لازم تبات فى المستشفى عشان الصبح نسوى لها التحاليل الخاصة بالعملية .. خلاص .. ما فى داعى للإنتظار .. ما فى مجال . 

تنهمر دموع دلال . تسأل جاسم خائفة :

– هى حالتها خطيرة يا جاسم ؟

يقول لها جاسم :

– لا تخافين .. إتركى الأمور لله .

يحتسى جاسم الشاى ، ينهض يستعد للعودة إلى المستشفى ، وإذ به يفاجأ بدلال تبكى وتبكى وتنهار فى بكاء حاد ، يطالعها مستغرباً ، قائلاً :

– قلت لك لا تخافين .. حالتها ما هى خطيرة لهذه الدرجة .. !

تجيب دلال فى لهجة غريبة :

– لا .. أنا مانى خايفة على جدتى .. أنا بس أريد أسألك .. إنت كيف تزوجت غيرى يا جاسم ؟!

يدهش جاسم من حدّة المفاجأة ، وعدم توقع هذاا لموقف العاطفى المباغت الذى جاء فى وقت غير وقته ! يقول بسرعة وهو فى غاية العجب والحرج :

– أنا عمرى ما وعدتك بالزواج يا دلال .. ترى إنت الحين أم .. وأنا رجل متزوج .. وأب لثلاثة أطفال .. هذا الكلام ما يفيد فى شئ يا دلال .. !

تقول دلال وهى شاردة فى متاهات الذكرى والشوق والحنين ، كأنها لم تسمع من جاسم جملة إعتراضية واحدة :

– لكن هذا كان شئ متوقع .. كان شئ معروف .. للكل مو بس لى أنا وحدى .. !

يقول جاسم بنفس اللجهة الحافلة بالحيرة والإستغراب :

– بس إنت تزوجت يا دلال !

تقول فى نفاد صبر :

– أنا صحيح تزوجت .. لكن كنت بأتزوج عشان أنتقم منك يا جاسم .. كان لازم أرد إعتبارى قدامك وقدام نفسى وقدام الناس كلهم .. لكن .. أنا عمرى ما نسيتك .. عمرى ما حبيت غيرك .. وهذا هو الشئ اللى كان معذبنى لأنك دايماً كنت فى بالى .. ودايماً كنت فى حياتى .

تتابع دلال لومها وعتابها بصوت متهدج تشوبه نبرات بكاء مختنق :

– أنت ظلمتنى يا جاسم .. ظلمتنى .. أنت أول إنسان حبيته فى حياتى وآخر إنسان راح أحبه .

يفاجأ جاسم بهذا الهجوم العاطفى الساحق ، فيقول بصوت خفيض ، يحاول أن يجعله هادئاً متماسكاً :

– هذا شئ راح وانتهى من زمان دلال .. ترى هالكلام فات أوانه .. ما فى داعى لفتح هذا الموضوع أرجوك دلال .. لا تنسين إنى الحين رجل متزوج !

تصرخ دلال فى هيستريا :

– متزوج .. متزوج .. !!

تستمر فى بكاء حاد عنيف يكاد يقطّع قلبها ، تبكى فى حب ، ويأس ، وحزن ، تظل تبكى ، وتبكى ، وتبكى !!

يرتبك جاسم بسبب هذه المفاجأة الإنفعالية العصبية التى وجد نفسه محاصراً بها ، فيصاب بضيق مباغت يفقده القدرة على البقاء مع دلال فى نفس المكان دقيقة واحدة ، فيخرج من الغرفة ، يمضى لا يلوى على شئ دون أن يسلم على أحدٍ من أهل البيت !

يتعكر دم جاسم ، لا يرغب فى العودة إلى البيت مرة أخرى ، كما لا يود الذهاب إلى المستشفى ، يحتار .. وين يروح بهالوقت ؟! يفكر أين يذهب بعد أن صار عاجزاً عن تكملة النوم .. ومتابعة العمل !

يقطب جاسم ما بين حاجبيه حين يتذكر إتهام دلال له بالظلم ، فيحس أنه هو المظلوم ، كما يحس بالضيق والألم لأنه لم يعرف كيف يرد عليها ويوضح لها كل الأمور ، ليدفع عن نفسه هذا الإتهام الباطل الذى فاجأته به ! يلف سيارته حانقاً ، راجعاً إلى النادى ، يتصل بالمستشفى قبل أن يدخل طالباً من الطبيب المقيم اتخاذ اللازم لإرسال سيارة إسعاف إلى العنوان والإسم الذى حدده ، يملى عليه أيضاً رقم الهاتف ليتم إخطار المريضة بأن سيارة الإسعاف فى الطريق .

يدلف جاسم إلى النادى حيث يلتقى بعض الأصدقاء واللاعبين الذين يرحبون به كل الترحيب ، وعلى الفور يتشكل فريق يلعب مباراة كرة قدم ودية . يلعبها جاسم بفتور . بلا حماس .. فلا يستطيع أن يسجل ولو هدفاً واحداً .. !

يجلس بالنادى بعد المباراة يتحدث مع بعض الإداريين عن تطوير دورة الخليج فى المستقبل ، وكيف أن الشيخ فهد الأحمد رئيس اللجنة المنظمة لدورة كأس الخليج العاشرة ، ورئيس الإتحاد الكويتى لكرة القدم أعلن اليوم أنه سيلتقى مع رؤساء اتحاد الكرة بدول الخليج فى وقت لاحق بالبحرين لمناقشة إستمرارية دورة الخليج فى المستقبل ! يؤكد أحد الإداريين أن الشيخ فهد الأحمد أعلن فى مؤتمر صحفى اليوم أن الكويت كبلد مضياف يتجاوز عن الغرامة المالية التى تقضى بها اللائحة ، والمفترض أن يدفعها منتخب العراق لكرة القدم بسبب إنسحابه من الدورة !

يستمر النقاش مع جاسم وباقى اللاعبين والإداريين حول مستقبل الكرة وموقف العراق من الدورات الخليجية اللاحقة التى لن تتوقف فى المستقبل ، وإن كانوا غير واثقين مما إذا كانت الدعوة للمشاركة فيها ستوجه للعراق أم لا .. !

ينصرف جاسم من النادى ، بعد أن خففّت المباراة توتره وإنفعاله ، وأعاد اللعب إليه بعضاً من هدوئه ، ومرحه ، وإنسجامه مع نفسه وعمله وحياته ، فيتصل بدلال من السيارة يطمئن منها على وصول جدتها إلى المستشفى ، مؤكداً لها أنه سوف يجرى لها العملية باكر إنشا الله .

وما هى إلا أيام قليلة .. حتى تجاوزت جدة دلال مرحلة الخطر والحمد لله ، تخرج من غرفة العناية المركزة إلى غرفتها الخاصة بالجناح ، فيخبر جاسم دلال إن حالتها فى تحسن مستمر ، وإنها قد إستقرت الآن ، فلا داعى للقلق ، كما يعرفهم أن زميله الدكتور هاشم سوف يتابعها أثناء غيابه ، لأنه مضطر أن يسافر غداً إلى أمريكا !

تسكت دلال ، كارهة فكرة رحيل جاسم عنها ، لكنها لا تستطيع أن تفصح عن شعورها الحقيقى ، فهى تعلم مدى تعلقه بإبنه الصغير راكان ، هذا الذى يأخذ عقله ، ويأكل قلبه ، والذى يظل يتكلم عنه طول الوقت ، فهو الذى أختار له هذا الإسم القديم الذى يعبّر عن مدى شوقه وحبه للكويت ، عندما كان مقيماً فى أمريكا .

لم تستطيع دلال أن تعترض ، فجاسم قد أدى ما عليه وزيادة ، وهو يشكر على كل ما قدمه لها ، وعلى هذا التعب الشديد الذى تعبه مع جدتها ، وحرصه العظيم على متابعة حالتها ، تشكره أمها أيضاً كل الشكر ، وهى تحمد الله أن ربنا بعثه لهم لنجدتهم ، وإنقاذ أمها ، كما تدعو الله ألا ينحرموا من وجوده ، فتظل تدعو له وهى تقول من قلبها :

– الله يخليك لنا يا جاسم .. الله يطول عمرك ويحفظك ويحميك .

.. يسافر جاسم ، يدخل بيته فى أمريكا ، يضيئه بحضوره الحلو المحبوب ، تنظر إليه سعاد فرحة مبهورة بوجوده !! يا ألهى .. ألا يعرف أنه حبيبها .. حبيبها ! يتأجّج إحساسها برؤيته ، يلتهب حنينها إليه .. آه يا جاسم آه ..

يا أجمل شئ فى عمرى وفى بالى

يا مالك مهجتى وفكرى وآمالى

يلتقى الجميع على العشاء ، نايف وجاسم وعبد الرحمن ، الطبيب الجديد القادم من دولة الإمارات العربية المتحدة ، يجلس الأطباء الثلاثة ، يتناولون طعام العشاء الذى أعدته سعاد وليلى ، وفرحة غامرة تملأ القلوب ، فاليوم 31/7/1990 يوم عيد ميلاد راكان الثالث ، والحفل مبهر ورائع ، حضره عدد كبير من الأصدقاء المقيمين هنا ، والزملاء الأطباء العاملين فى المستشفى مع جاسم ، الذين حضروا جميعهم لتهنئته بسلامة الوصول وبعيد ميلاد صغيره راكان .

تكتمل الفرحة بذاك الخبر السعيد الذى أثلج صدر ليلى ، عندما أخبرها أخوها جاسم عن رغبة نايف فى الزواج منها ، وسألها عن رأيها .. تهز ليلى رأسها فى حياء لتعّبر عن موافقتها . يحمل جاسم البشرى إلى نايف ، فقط ، يطلب منه الإنتظار بعض الوقت لحين أخذ موافقة الوالد .. تغمر الفرحة سعاد التى تقّبل ليلى عشرات القبل وهى تهنئها مبتهجة :

– مبروك يا ليلى مبروك .. ألف مبروك .

تتلقى ليلى التهانى من أمها وخالتها ، وأحمد ابن أختها الذى يعبّر عن إعجابه بنايف ، وأيضاً من أنوار التى تقول لها فى براءة :

– نايف وايد حلو يا ليلى .. وايد حلو !

ولأول مرة منذ فترة طويلة ترى سعاد إبتسامة جاسم .. يا الله .. كم وحشتنى هذه البسمة ! يتغير جو البيت الذى تملؤه الورود والزهور والهدايا التى إنهمرت عليهم فرحاً بهذه المناسبة السعيدة التى بدى أثرها على وجوه الجميع .. حمداً لله . عسى تدوم الأفراح ، وكل عام وراكان بخير . وما هى إلا ساعات قليلة حتى يأتهم خبر آخر جميل ، ينّم عن الفرحة الثالثة ، هو ولادة عبد العزيز ابن عبد الله ، شقيق سعاد الكبير ، الذى جاء شقيقاً لمريم ومنى وفضة .. مبروك ألف مبروك .

تنطلق الفرحة تزغرد تملأ البيت كله .. الحمد لله .. الحمد لله .. ربنا أكرم عبد اله وزوجته إبتسام ، بالولد الذى كانا يطلبانه من الله ، وينتظرانه من زمان .. الحمد لله . صحيح ولد ناقص النمو ، لكنهم وضعوه الآن فى الحضانة بمستشفى الولادة فى الشويخ .

– ياللا .. بسيطة .. بكرة يكبر ويصير رجال قد الدنيا !

فى هذا اليوم يخبر جاسم سعاد أنه سيناقش مع نايف الليلة موضوع زواجه من ليلى ، وكيف سيتم ترتيب كل الأمور ، وراح يتفاهم معه على تلك الإجراءات الشكلية البسيطة .. تؤيد سعاد كلام جاسم وإبتسامة واسعة تضئ قلبها ، فها هو جاسم يتحدث إليها ، ها هو يقول لها أين سيكون الليلة .. الحمد لله ها هو يعاملها مرة ثانية بإعتبارها زوجته !! آه .. إنها كانت تنسى ذلك .. لا .. بل أنها قد نست منه ذلك ! نست كيف يعاملها كزوجة !! آه .. كل ذلك بسبب دلال .. !

دلال .. دلال .. كانت دلال تجلس فى ذلك الوقت فى بيتها بالكويت مع أمها التى تكاد تفقد عقلها ، خوفاً على والدتها الراقدة بين الحياة والموت فى مستشفى مبارك ، والتى فقدت تماماً سيطرتها على أعصابها حنقاً وغيظاً ، فظلت تقول لدلال وهى تتمزق من الغيظ :

– ليش خلانا جاسم بروحنا وسافر يا دلال ؟! ليش ما إنتظر ويانا لما أمى تطلع من المستشفى وترد البيت ؟! يعنى خلاص .. الدنيا طارت ! يعنى أنت يا دلال مالك خاطر عنده ولا إعتبار ؟! كيف يترك أمى ويخليها لدكتور تانى غيره ؟! مو جاسم هو اللى سوى لها العملية ؟! يعنى من هو أحق الحين بجاسم .. أنت يا دلال وجدتك إلى بين الحياة والموت .. وألا هذه سعاد اللى بس عندها حفلة عيد ميلاد ولدها بو سنتين ؟! هذا يصير ؟! والله ما يصير .. والله عيب عليه !

هنا .. تتمزق دلال من الغيرة والغيظ والغضب بعد أن سمعت كلام أمها هذا ، فتعود تذكر كيف تآمرت عليها سعاد وليلى ، وكيف أدت مؤامراتها الدنيئة إلى أن تسرق سعاد منها جاسم !

آه .. يشتعل الغيظ داخلها ، يتفّجر الغضب بركاناً ثائراً فى أعماقها ، تتطاير الغيرة شرراً يحرق أعصابها ، فلا تقدر أن تمنع نفسها من البكاء من شدة القهر ، وهى تندب حظها ، وتقارن حالها بحال سعاد !!

ينتهى حديث دلال مع أمها التى تهّب واقفة ، حانقة ، تدخل تنام فى غرفتها ، كى تصحو مبكراً تروح تطمئن على صحة والدتها فى المستشفى ، فتثور ثائرة دلال ، تنهض تمسك التليفون تدير رقم جاسم فى أمريكا ، لكن .. كالعادة تجيبها ليلى ببرود :

– جاسك طلع .. مو موجود الحين بالبيت !

تستشيط دلال غضباً وغيظاً ، فتصرخ فى ليلى :

– قلت لك أعطينى جاسم .. وإلا راح أروايك شغلك يا كذابة .. جاسم عندك .. أعطنى إياه .. تصرخ ليلى فى ثورة عاتية :

– إنت اللى كذابة وستين كذابة .. ياللى ما تستحى .. جاسم الحين متزوج وعنده ثلاث عيال .. إيش تبين منه أنت ؟!

تغلق ليلى الخط فى وجه دلال ، وفى خلال دقيقة أخرى يرن الجرس ، ترد ليلى :

– ها .. أنت مرة ثانية ؟! إيش تبين من جاسم ؟! أنت ياللى ما ..

وقبل أن تكمل ليلى جملتها .. تمد سعاد يدها تأخذ السماعة منها ، تتكلم مع دلال ، مستسلمة لسيطرة اللحظة ، فهى لا تستطيع أن تتجاهل هذا الموقف الإنسانى المعقد ، وهى تسمع دلال تبكى ، وتصرخ ، وترجو أن تكلم جاسم لأن جدتها المريضة فى حالة خطرة وتوشك أن تموت !!

تستسلم سعاد لسطوة الموقف ، فهى لا تستطيع أن تتناسى إن جاسم ، زوجها ، هو طبيب .. أولاً !

تعطى سعاد رقم بيت نايف لدلال وهى تقول لها فى هدوء :

– تقدرين تتصلين فيه الحين على هذا الرقم يا دلال .

تضع سعاد السماعة ، وبدنها كله ينتفض ، تبقى جالسة فى مكانها ، قلبها يخفق ، لونها يمتقع ، تصمت ، لا تنطق ، بينها تتسع عينا ليلى على آخرها دهشة وذهولاً مما سمعت ! فى حين إستنكرت عليها خالتها وأمها أن تعطى الفرصة لدلال كى تتصل بجاسم .. حتى عند نايف !!

بعد هذا الموقف المثير ، يسكت الجميع ، كأن إتفاقاً خفياً عقد بينهن بانتظار رجوع جاسم الذى سيظهر عليه تأثير مكالمة دلال بعد خناقتها مع أخته ليلى ، يضيق خلق أم جاسم خوفاً أن تشكو دلال ما فعلته ليلى بها ! تسكت دون أن تعرف كيف تخمد غضبها أو تنفث عن ضيقها ، فتطلب من ليلى أن تشغل لهم فيلماً عربياً يسليهم ، لكن .. قبل أن تنهض من مكانها ، يجرى أحمد يحضر مسرحية ” باى باى يا عرب ” للفنان عبد الحسين عبد الرضا ، والفنانة حياة الفهد ، كما يحضر مسرحية ” فرسان المناخ ” لعبد الحسين عبد الرضا أيضاً .. ويسألهم أى مسرحية من هذه تفضلون ؟! يقولون له :

– اختار على كيفك يا أحمد .

يجلسن جميعهن يشاهدن أحداث المسرحية الضاحكة الساخرة ، فى حين تطالع سعاد أبنها فى حب بين فترة وأخرى ، وهى ترى إعجابه وإندماجه وإنفعاله بأداء هذا الفنان المسرحى ، فتبتسم فى حنان لأنها تعرف أن أحمد طالع مثل خاله بدر يحب الفنان عبد الحسين عبد الرضا ، كما تعرف أنه أكتسب هذا الحب منذ صغره ، لما كان يراقب خاله بإنبهار وهو يقلد هذا الفنان الكبير !

فجأة .. يدخل جاسم دون توقع ! يحضر مبكراً جداً اليوم على غير عادته ! ، فالساعة الآن حوالى السابعة مساءاً بتوقيت نيويورك وهو لا يعود إلى البيت أبداً قبل منتصف الليل !!

يدخل عليهم جاسم بوجه متجهم ، منزعج ، وسحنة حادة مقلوبة ! كانت حالته غريبة .. مخيفة ، فهم لم يروه أبداً بهذا الشكل !! يجلس عابساً صامتاً متجاهلاً وجودهم ، حتى وجود أحمد ابنه بينهم ، يتجاهله أيضاً كأنه لا يراه .. !!

يجلس صامتاً عابساً ، دون أن ينطق كلمة ، كأنما فقد القدرة على النطق تماماً ،
يظل يهز قدميه فى عصبية بطريقة لا إرادية ، وقد بدى عليه وجوم ، وغضب شديد وحزن وذهول !!

كان يبدو حائراً يفكر كيف يبدأ الحديث معهم ، كيف يفتح الكلام ! تحس ليلى خوفاً هائلاً من شكل جاسم الغريب ! تطالع أمها فى وجل وهلع تبحث لديها عن ملجأ يحميها من غضبه جاسم ، ويقيها من ثورته المرتقبة التى حتماً سوف تكون ثورة عاتية عارمة !!

تنكمش ليلى داخل نفسها تكتم أنفاسها ، وهى لا تقوى على النظر إلى أخيها ، الذى بدى وكأنه قنبلة موقوتة .. على وشك الإنفجار !! لكنها تتماسك ، تقول :

– أنا آسفة يا جاسم .. أنا ما كنت أقصد أجرح دلال .. أنا كذ …. !

وقبل أن تكمل ليلى إعتذارها ، يرفع جاسم نحوها عينيه الشديدة الإحمرار ، كأنما غمستا فى بحار من الدماء .. ثم .. ينفجر فى بكاء رهيب ، رهيب ، يرجّ بدنه رجاً .. يصيح وهو يخفى وجهه المحنى بين كفيه .. راحت الكويت .. راحت الكويت !!!


الفصل السادس عشر

الصدمة الصاعـقّة !

تخيم ظلال الحزن على البيت . تنفجر الآلام من الأعماق . تطغى على الوجوه التى لم تستطع أن تصدّ عن ملامحها آثار الصدمة والذهول والرهبة . بعد أن انقطع الإتصال بالكويت عند منتصف الليل ، وإنعزلت الديرة بمن فيها عن العالم أجمع !!

الرحمة بعبادك يا رب .. يا رحمن يا معين .

يتكلم الجميع فى وقت واحد . يصمت الجميع فى وقت واحد . يتساءل الجميع فى وقت واحد ، عما يمكن أن يحدث ! وعما يمكن أن يكون !!

تظل سعاد تلف . تدور . تحاول الإتصال بوالدها الذى كلمته أول يوم الغزو . تعود تحاول ، وتحاول ، لكن .. دون جدوى .. إنقطع الإتصال بالمرة !!

آه .. ينقطع الإتصال ، يتصل الحزن ، والعويل ، والبكاء ، الكل يبكى ، كبيراً وصغيراً ، الكل يرفض أن يصدق ! الكل فى ذهول !!

مائة ألف جندى من القوات العراقية تجتاح الأراضى الكويتية ، تستولى على قصر سمو الأمير ، والمبانى الهامة فى هجوم مباغت عند الساعة الرابعة والنصف صباح يوم الخميس الثانى من أغسطس 1990 !!

يتسع شرخ الخوف . يسرى الرعب . يستمر البكاء . والنحيب . والنواح . يتخبط الصدى بين الجدران حتى تكاد تهتز . تفيض بالدموع والهموم والأحزان . يغرقا لكل فى الآلام . الكل يبكى . حتى راكان الصغير يبكى . يبكى دون أن يفهم سبباً لبكائه ! لكنه يبكى ويبكى ، فكل من فى البيت يبكى ! الكل فى حالة حزن حزين وخوف مخيف يصيب هذا الطفل الصغير بالذعر والهلع ! خوف رهيب منقطع النظير يجعله لا ينقطع عن البكاء !

الله .. يا رب . يا مغيث . يا سامع الدعاء . ارفع عنا هذا الغم وهذا البلاء .

تتوقف الدنيا . تنفجر اللحظة . لا يعود أحد يعرف ماذا يفعل بعد أن جاء هذا الخبر المفجع ! الكل ينصت ، يصغى . يسمع . تشحذ كل الحواس فى الأذهان ، تتلقف الأعين والآذان شتى الأخبار ، المعلومات ، الأنباء ، عبر كل وسائل الإعلام .

الجميع بعد أن قطعت الأخبار نهائياً عما يجرى فى الكويت ! يغزو الخوف القلوب . يتأصل القلق . يستفحل كمرض خبيث يستشرى فى النفوس . يحاولون إدراك الموقف بكل أبعاده ، لكنهم يفشلون ، لا يفهمون شيئاً ، فليس هناك مبرر على الإطلاق لما حدث ! كما أنه لا يوجد سبب واحد مقنع ، لما يكون !! الوضع غير مألوف !!!

يتساءلون .. أهو الزمن الذى يبطئ فى سيره ؟! أم هى الساعة التى صارت معتلة كسيحة تعجز عن الحركة والدوران ؟! إنهم قابعون فى إنتظار الأخبار التى تنهال على قلوبهم كالأحجار ! تهيل الهم والغم والحسرة على نفوسهم ، والحزن .. بلا حساب .. تتساقط الأنباء كما تتساقط الصخور والجبال بلا رحمة فوق رؤوس الجميع ، الذين يتلقونها فى ذهول ، وصدمة ، وهلع ، جزع ، وإعياء !

تهبط النفوس إلى القاع ، بينما تبقى القلوب واجفة داعية ، راجية ، تترقب الأخبار فى جميع المحطات ، وعلى كل القنوات . يجلس جاسم متعباً . مرهق النفس ، والروح ، والقلب . يرفض ما يتوارد من أنباء . يأبى أن يصدق ! لكنها للأسف ، حقيقة أكيدة ، واقعية ، فالأخبار مخزنة مؤسفة ، وإن كانت غير منطقية .. غير منطقية !!

صرخة حزن ملتاعة تخرج من القلب عندما يهجم الحزن حاملاً هذا النبأ :

قوات الغزو تحتل قصر دسمان .. مقر إقامة أمير الكويت ، وتحوله إلى ثكنة عسكرية !

آآآه .. آهات حزن طويلة ملتاعة تصرخ . ترج الجدران .. راح الشيخ فهد الأحمد ! راح وهو يدافع عن القصر والأرض والعرض !! إستشهد البطل ، وهو يفدى بدمه الطاهر أرض الكويت .. بكاه جاسم من القلب ، كما لم يبك أحداً فى حياته من قبل !!

دهم الغزاة قصر دسمان ! كان الشيخ فهد خارج القصر عندما سمع النبأ ! فأخذ سيارته وإتجه مسرعاً إلى القصر ، وهناك إشتبك مع الغزاة ، وقاوم قدر المستطاع إلى أن نال الشهادة !

يبكى جاسم الشيخ فهد الأحمد بكاءً مريراً وهو يخبط كفاً بكف ! يقول وهو حزين مذهول لا يكاد أن يصدق حزنه وذهوله وفجيعته :

– كان يحارب وياهم فى الفاو !! كان يحس أنهم أخوانه ويعتبر إن هذا واجبه نحوهم وإنه لازم يقف يدافع عنهم وعن وطنهم .. والحين .. هم اللى يقتلونه ؟! بأيديهم يقتلونه ؟! بعد كل اللى سواه عشانهم !!

تجلس سعاد فى جزع فوق المخاد على الأرض ، تمسك فى يدها المرتعشة زجاجة الكولونيا تنثر منها فوق جبهة أمها التى غابت عن الوعى عندما وصلها خبر إستشهاد فيصل ، ابنها الشاب الرائد فى وزارة الداخلية ، أستشهد فى مخفر شرطة العاصمة ، وهو يؤدى واجبه فى الدفاع عن الوطن ، عندما إقتحم المعتدين المخفز ، وقتلوا كل من فيه ، فى أولى ساعات الغزو اللعين ! 

.. يا رب .. يا رب .

يجلس جاسم يرتل آيات الذكر الحكيم :

وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ”

صدق الله العظيم

تتسرب الأخبار والأنباء عن هذا الهول اللعين الذى يجتاح أرض الوطن كالطاعون ! يجزع كل من يسمع هذا النذير الأسود الذى يحيق بالأرض الطيبة ، يفتك بها ، وبمن عليها من الناس الطيبين ! ترجف القلوب . تجزع النفوس . يزيد البكاء . تتورم الجفون . ينمو الخوف . يتضخم ، فلا أحد يعرف ماذا يجرى ؟ أو ماذا يدور ؟! لا أحد يعرف مصير الأحباء الغاليين الموجودين فى الكويت !

يشتد الجزع بعد سماع نبأ أوردته وكالة رويتر تعلن فيه أن :

حوالى 600 إلى 800 كويتى قد لقوا مصرعهم أو أصيبوا منذ اليوم الأول للغزو العراقى .. !

يزداد الهلع عندما يسمعون الشيخ سعود ناصر الصباح ، سفير الكويت بالولايات المتحدة وهو يعلن أن :

القوات العراقية تواصل إنتهاك حقوق الإنسان بممارسة الأعمال البشعة ضد المدنيين !

آه .. صرخة حادة من القلب تخرج تشق الحنجرة :

– آه .. يا ترى مين حى ؟! يا ترى مين ميت ؟ يارب سترك . يا رب رضاك . يارب الرحمة بعبادك يا أرحم الراحمين . يارب أحفظهم . يارب نجهم . يا منجد . يا منقذ . يا مغيث .

تنفجر سعاد فى بكاء متصل ! وهى تفكر فى أهلها ، فى والدها ، فى أشقائها ، فى زوجاتهم ، فى أطفالهم :

– آه .. يارب .. الله معهم .. الله معهم .. ترى شنو يسوون الحين ؟! إيش لون يقدروا يتحملون كل هالأهوال ؟! وأبوى .. سالم .. هذا الرجل الطيب المسالم .. شنو يسوى وياهم .. آه .. يارب .. يارب .. ! 

تبكى سعاد ملتاعة جازعة :

– آه يوبا .. وينك يوبا ؟ وينك يا عبد الله .. آه .. الله يرحمك يا فيصل .. الله يرحمك .. آه .. إيش لون منصور الحين قادر يعيش من غيرك ؟!

تنخرط سعاد فى بكاء حاد يقطّع القلوب . تتعذب خوفاً وقلقاً على الأهل فى الكويت . تدعو الله أن يفرّج عنهم :

– يارب نّجى الجميع يارب يا قادر .. يا معين .

تنسدل ستائر الحزن السوداء . تزداد قتامة وحلكة الليالى والأيام . لحظة بعد أخرى ، يحاول جاسم المستحيل لمساعدة من حوله والتخفيف عنهم ، فحالتهم الصحية والعصبية تتدنى بصورة مخيفة ، واضحة ، مقلقة ، فالحزن طاغ يطحن الروح ، والقلق ساحق يرهق النفس ، يذيب القلب ، يزيد من إحتمالات الخطر ، خاصة ، أن خالته فلبها ضعيف ما يتحمل كل هذا التوتر والإنفعال ، ولا كل هذا الحزن والأسى والبكاء !

تتسرب الأنباء إليهم ، يعرفون أن قتالاً ضارياً نشب بين قوات الغزو والعسكريين فى منطقة كيفان ، إستمر لمدة ثلاثة أيام ، إستخدمت فيه مختلف الأسلحة ، وتم تبادل إطلاق النيران ، وبعدها وقع فى قبضة قوات النظام عدد كبير من العسكريين والمدنيين الكويتيين ، الذين تم أسرهم ، ولا يعرف أحد مصيرهم !!

يزداد الموقف بشاعة وحزناً وهلعاً ، بعد إنهيار أم جاسم وليلى ، اللتان غابتا عن الوعى بعد سماع تلك الأنباء المؤسفة التى يتعرض لها المواطنون هناك ! الذين ظلوا يصارعون العدوان قدر طاقتهم ، إلا أن قوى البغى طغت وتجبّرت ، وتمادت فى الظلم والقهر والعدوان !

تظل ليلى تحاول الوقوف على أخبار والدها اللواء أحمد الناصر فى بيتهم بكيفان ، وهى فى حالة جزع لا توقف ، بعد أن إنتابها خوف داهم على مصيره إثر تلك الأنباء المروعة التى وصلتهم .. لكن .. لا أمل .. لا جدوى !

تصرخ ملتاعة :

– آه .. ياربى .. شنو راح يسوون فيهم .. شنو راح يعملـــــــون وياهم .. آه .. آه .. !

تنهار ليلى فى البكاء تشاركها أمها وخالتها ، وسعاد وأولادها ، أولهم أحمد وآخرهم راكان ، حتى المربية البرازيلية تبكى لبكائهم ، تحزن لحزنهم ، حتى السائق والموظفين الأمريكان فى شركة سعاد يشعرون ويتأثرون بما حل بهم ، الكل يشاركهم أحزانهم ، فالمصاب فادح . فادح . أليم . أليم !

مع الوقت ، تتأزم الظروف ، يزداد الموقف صعوبة وضنكاً ، تطحنهم المحنة ، تحاصرهم ، تمزقهم بمخالبها وأظفارها ، لا يعرف جاسم ماذا يفعل بعد أن عرف أن الولايات المتحدة الأمريكية قد جمّدت الودائع والممتلكات الكويتية لديها ولدى الفروع والمؤسسات التابعة لها بالخارج !

يا الله .. ما العمل ؟! كيف التصرف فى هذه الورطة غير المنتظرة ؟! يستنفد الموقف المباغت قدرة جاسم على التحمل بعد أن أكتشف أنه لم يعد يمتلك شيئاً من المال !! كان جاسم قد حول معظم رصيده قبيل سفره إلى الكويت فى شهر فبراير الماضى ! يدرك جاسم الآن إنه قد أصبح لا يمتلك من المال إلا أقل القليل ! يا الله .. الظرف صعب . عويص . شاق . عسير . الأحوال تنحدر بسرعة إلى أسفل . تجرفهم نحو هاوية سحيقة القرار !!

 يخرج جاسم ، يذهب إلى المستشفى ، يحاول أن يلتقى مجموعة الأطباء العرب
هناك ، ليناقش معهم ظروف المحنة الحالية ، فهو لا يعرف ماذا يفعل ولا يعرف كيف يتخذ أى حل أو قرار ! وبعد تفكير مشتت سريع ، ينصحه بعض الزملاء بالعودة إلى العمل فى المستشفى ، فيقوم جاسم بتقديم طلب إلتحاق بالعمل ، فيقابل هناك بذوق وترحاب . يأخذون منه الأوراق على وعد الإتصال به فور أن يخلو المكان المناسب !

يعود جاسم إلى البيت محبطاً . يضع سلسلة مفاتيحه ونظارته على الطاولة فى غرفة المعيشة . يدخل حجرة نومه مختنقاً . منقبضاً . غاضباً من هول الموقف المفاجئ الذى يمر به . تصطدم يده بالمحفظة الجلدية التى تحوى جميع بطاقات الائتمان ، الفيزا كارت ، الماستر كارت ، الأميركان إكسبريس ، الدينرز ، يخرج هذه البطاقات من المحفظة ، يمسكها ، يفردها بين أصابعه ، يطالعها واحدة واحدة فى هم وأسى ، فهى فاضية . فاضية . لا قيمة لها . صارت مثل ورق اللعب .. لا فائدة ترجى من ورائها !!

يرميها فى قرف على الدرج الخشبى بجوار الفراش ، يكمل خلع ملابسه ، يدخل الحمام الملحق بغرفة النوم ، يأخذ دشاً بارداً ، ينهمر الماء فوق رأسه المتقد ، عله يطفئ النيران المشتعلة فى كيانه ! ينفض الماء عن شعره ، وهو يهز رأسه بشدة يميناً ويساراً ، بعد أن خرج من الحمام دون أن ينشف جسده ، لعل الماء البارد العالق بجلده يخفض درجة حرارته الآخذة فى الارتفاع ، ولربما يخفض سرعة دوران أفكاره أيضاً !

يخرج جاسم مرتدياً دشداشة بيضاء ، يجلس على الأرض ، فى صالة المعيشة بجوار ليلى ماداً ساقيه إلى آخرهما ، مستنداً بظهره إلى الكنبة الطويلة ، التى إعتاد أن يرتاح عليها ويتمدد فوقها . يدنو من أخته ، يربت على كتفها . يقول لها مواسياً مخففاً :

– لا تخافين يا ليلى .. لا تخافين .. أبوك بخير .. الكويت بخير .. إن شا الله ما راح يصير إلا الخير .ز لا تخافين .. لا تخافين .

تجيب ليلى بين دموعها :

– بس هم قالوا فى الأخبار إن الحالة سيئة هناك .. وأنت تدرى عن أبوى ما يقدر يتحمل الغلط .. أبوى ما راح يسكت .. أنا عارفة .. ما راح يقبل الإهانة .. أبوى رأسه كبير يا جاسم وأخاف يقتلونه بدون سبب لأنه عسكرى !

يرد جاسم فى محاولة يائسة لإدخال الطمأنينة إلى قلبها :

– يا ليى سكتى الله هداك .. ترى أبوك بطل ما ينخاف عليه .. هو يقدر يدّبر حاله .. لا تخافين .. ترى ما فى داعى أمك تسمعك وأنت تقولين هالكلام راح يطير عقلها طير .. حالتها ما تسمح يا ليلى .. أرجوك راعى ظروفها .. امسكى نفسك شوى .. الله كبير .

تنظر ليلى إلى أمها المكوّمة على الأرض أمام التليفزيون ، يلتصق عقلها وقلبها بشاشته الفضية ، تتمنى أن تسمع خبر الإنسحاب الذى سمعوا عنه ، حين أذاعت النبأ بعض وكالات الأنباء ، وقيل أن العراق بدأ يسحب قواته من أرض الكويت منذ الساعة الثامنة صباحاً ، بالإتفاق مع ما يسمى بحكومة الكويت المؤقتة ! تظل أم جاسم مكانها لا تتحرك . تبقى تنتظر أن يتحقق هذا الخبر ، لكنها ما تلبث أن تنهار عندما تعرف إن الشيخ سعود السفير هنا قال إنها أكذوبة لا يمكن لأحد أن يصدقها !

كانت أم عبد الله ما تزال نائمة ، إذ أن جاسم لم يتوانى عنها ، كان يواظب على حقنها بالمهدئات من وقت لآخر ، كى لا تتدنى حالتها ، ولا يتعرض قلبها إلى المزيد من التوتر والإنفعال ! فى حين تبقى ليلى مذعورة ملتاعة جازعة ، بسبب الظروف الرهيبة المفزعة التى يمرون بها ، فها هو نايف جاءهم يسلم عليهم مودّعاً ، لأنه سيسافر عائداً إلى الوطن الآن بعد أن أعلنت المملكة العربية السعودية عن بدء التعبئة العامة لقواتها المسلحة ، وأخذ راديو الرياض يدعو جميع الشبان فى سن الخدمة العسكرية إلى حمل السلاح ، كما تم تعبئة سلاح الجو السعودى .

تتمنى ليلى من أعماقها أن تنتهى هذه المحنة ، وأن لا تطول الأزمة ، وأن يسحب صدام قواته من الكويت ، وأن تعود الأمور إلى طبيعتها بعون الله . لكن .. فى خلال ساعات تنقلب الدنيا حولهم فى أمريكا ، فالرئيس الأمريكى جورج بوش يستدعى كبار مستشاريه لاستعراض البدائل العسكرية الممكن اللجوء إليها فى حرب الخليج ، كما تقوم الولايات المتحدة بعملية حشد وتعبئة قواتها البحرية ، ومشاة الأسطول وقاذفات القنابل فى المنطقة
ذاتها !

تجلس سعاد فوق الفراش فى غرفتها تتحدث مع أحمد الذى يمسح دموعه وهو يسال فى خوف الكويت ، وعما صار فيها :

– ليش قتلوا خالى الفيصل ؟! ليش هاجموا المخفر ؟! مو أحنا كنا نحبهم ونساعدهم وكنا نعطيهم فلوس وأكل لما كانوا بيتحاربوا مع إيران ؟!

تحتار سعاد ، لا تعرف كيف ترد عليه ، فقد كانت هى نفسها تسأل نفس السؤال دون أن تستطيع العثور على إجابة له ! يشتد جزعها على ولدها ، وهى تراه متأثراً كل هذا
التأثر ! كان حزنه واضحاً وخوفه أليماً . كان بكاؤه على خاله فيصل يقطّع قلب سعاد ، كان أحمد فى حالة مضنية من الحزن الشديد . كان يبكى فى صمت ، وكانت أمه تتقطع وهى تراه يبكى ، فهى تعلم أنه لا يحب أن يراه أحد وهو يبكى ، لذا كان يبكى فى صمت بعيداً عن العيون . كان لا يوّد أن تراه أنوار التى كانت تنهار فى البكاء لو أحست به يبكى . وراكان أيضاً كان لا ينقطع هو الآخر عن البكاء !

لم تتمالك سعاد نفسها وأحمد يسالها :

– بس يوّما أنا وعدت جدى إنى أرجع عشان أقضى وياه الأجازة .. الحين إيش لون أرجع الكويت ؟ كيف أشوف جدى ؟ ها .. الحين إيش لون ؟! .. كيفغ أرد الكويت ؟! أنا اتفقت معاه إنى ..

وهنا .. لا تستطيع سعاد أن تتمالك نفسها ، تنهار فجأة باكية بصوت يقطّع القلوب ، ولا يدع أحمد يكمل كلامه ، يتفجّر حزنها على أخيها ، وخوفها على أبيها ، وقلقها على حماها ، وخشيتها على أهلها وكل الناس فى وطنها .. حتى البحر .. الشاطئ .. الأبراج .. قصر المؤتمرات .. النادى .. بيتهم فى الشامية .. بيت جاسم فى كيفان .. وقصر دسمان .. إقتحموه .. حطموه .. !!

يتمزق قلبها .. تخفى سعاد وجهها بين يديها ، تنهار باكية ، تظل تبكى ، وتبكى ، يخرج أحمد من الغرفة منزعجاً ، لا يعرف ماذا يفعل ، يذهب يخبر والده عن بكاء أمه الشديد فيهب جاسم واقفاً يدلف مسرعاً إلى الغرفة ، يقترب من سعاد التى تراه فيشتد نحيبها ويظل يعلو ويهبط صدرها فى نشيج مقتطّع مكتوّم !

يجلس جاسم على الفراش بجانبها . يأخذها فى حضنه مواسياً معزياً . يربت بيده فى حنان على ظهرها . يملس بكفه على شعرها ، يستشعر خوفاً ، يهدئها ، يمنحها إحساساً زاخراً بالحب ، يملأ صدرها بالشعور بالمشاركة والمواساة ومشاطرة الأحزان .

تهدأ سعاد بعض الشئ ، فتسترخى تفرد ظهرها ، تسند على المخدة رأسها ، فتلمح بطاقات الإئتمان المبعثرة بلا مبالاة بجوار الفراش ، تفهم على الفور حقيقة الموقف الذى يمر به جاسم، فتتجاهلها كأنها لا تراها ، حتى لا تتسبب فى إحراجه . تحاول أن تتماسك وأن تكف عن البكاء إلا أنها تشعر بإعياء شديد وإرهاق أشد يجعلها ترتمى فوق فراشها ، تلتصق بظهر السرير الحريرى رأسها ، وهى تعجز عن إلتقاط أنفاسها المتقطعة ، كأنها دجاجة مذبوحة تلقط أنفاسها .. !

يظل جاسم جالساً على الفراش بجوارها يمسح بأصابعه وشفتيه الدموع عن عينيها ، وهو يقب وجهها ويربت على وجنتيها ، بينما يبقى يطالعها بحنان وحب لا يخفى على قلبها ، الذى دفع الدم حاراً إلى جلدها ، فتحولت سمرته الحلوة التى يحبها إلى اللون القانى الداكن الشديد الإحمرار !

يطمئن جاسم على سعاد ، يخفى جزعة عنها ، يود أن يعود ليزاول خفارته الليلية فى غرفة المعيشة ، حيث يطمئن على أحوال مرضاه ، أمه ، وأخته ، وخالته ، وأولاده الصغار ، هؤلاء الرافدين منتظرين ليل نهار سماعه الأخبار ، وفى مقدمتهم أحمد الذى يترجم لهم أولاً بأول ما يسمعه من أنباء ومعلومات تثير مخاوفهم ، تشد أعصابهم ، ترهق قلوبهم ، حتى تحول أفراد الأسرة جميعهم فى نظر الطبيب جاسم إلى حالات خاصة ، لكل منهم معاملة طبية معينة ، وعلاجاً صحياً محدداً !

وكان أكثر ما يقلق جاسم ، هى حالة خالته أم عبد الله ، وحالة إبنه الصغير راكان ، الذى بدا واضحاً أنه صار يعانى هو الآخر من إكتئاب حاد ، أدى إلى اضطراب نومه ، عزوفه عن الطعام !

ينهض جاسم واقفاً . يهم أن يعود لغرفة المعيشة ، لكن ، قبل أن يتحرك من مكانه ، تمسك سعاد يده ، يقبض عليها بقوة ، ترجوه أن يبقى معها دقيقة واحدة فقط !

يجلس جاسم مندهشاً مستغرباً من حركة سعاد المفاجئة هذه ، فينظر إليها ، ينتظر أن يسمع منها ما تريد أن تقول .. وبهدوء وتماسك تطلب سعاد :

– جاسم .. أرجوك .. أنا عندى كلام أريد أقوله لك .. بس مو فى البيت .. بكره إن شا الله نروح كافيتريا ” ريشو ” القريبة هذه .. عشان أقدر أتكلم معاك على راحتى .. أرجوك يا جاسم لازم نروح .. لازم .

يتذكر جاسم إن كافتيريا ” ريشو ” هذه ، شهدت أروع لقاءاته مع سعاد ، حين حضرت إلى أمريكا لأول مرة ، قبل أن يتزوجا ، وبعد أن تزوجا ، وأنجبا ، كانت هى المكان المفضل لهما فى أوقات السعادة والفرح ، لذا تزداد دهشته من طلب سعاد فى هذا الوقت المتوتر بالذات ! تجيب سعاد تساؤله الصامت قبل أن ينطق به :

– أرجوك .. لا تعتذر يا جاسم .. ضرورى نروح .. أنا مانى عارفة أتكلم معاك فى البيت .. ما فى فرصة .. أرجوك يا جاسم توافق .

يجيب جاسم طلب سعاد فى دهشة كلما نظر إليها ! وكلما أحس إلحاحها ، وشعر برجائها :

– زين سعاد .. تكلمى .. قولى إيش عندك .. قولى الحين .. لا تؤجلى الموضوع لباكر !

– لا .. ما أقدر يا جاسم أتكلم الحين .. ما عندى استعداد .. خليها بعدين .

يوافق جاسم على طلب سعاد ، ينهض واقفاً خارجاً إلى صالة المعيشة ، حيث يتواجد أفراد الأسرة كلهم ، بما فيهم راكان ، الذى يظل مستيقظاً ، يروح ويجئ بينهم وبين أمه طول الوقت ! يجلسون جميعهم بين يدى الله ، يصلون . يدعون . يبتهلون ز يرجون الله أن يحمى الأهل والوطن من هذا الهول الذى إقتحم عليهم ديارهم ، وأن يرفع عنهم هذا البلاء ! تقرأ ليلى آيات الله البيّنات دون إنقطاع داعية الله أن يحفظ الكويت وأهلها من كل شر وعدوان ، وأن يقهر هذا الظالم صدام اللى ما يخاف ربه ، وأن يبعد زبانيته عن أرضهم ، ويخرهم من ديارهم . آمين يا رب العالمين . آمين يا أرحم الراحمين .

.. يمضى الليل أسوداً . جباراً . مهيباً . مخيفاً . تتناوبه ظلمات الشك ، والريبة ، والوساوس والهواجس ، تلك التى تتكدس فى لقب جاسم فتطحنه طحناً . تسحقه سحقاً . تدمره تدميراً . وأهوال الدنيا كلها تنهال فوق رأسه . تبقى تتزايد حوله ، بعد أن تدهور الحال به من القمة إلى القاع !

يظل جاسم مسهداً ساهراً مؤرقاً لا يغمض له جفن طول ليلة .. لم ينم ليلها ! يعود يحادث نفسه للمرة المليون مسائلاً :

– شنو تبى سعاد ؟! شنو تبى ؟! هى تبى شئ أسوّيه لها ؟! وألا هى تبى تسوّى لى  شئ ؟!

لا يعرف جاسم طريقاً إلى الراحة والسكون ، فعقله ما زال يلف ويدور ، يظل يقلّب الموقف على كل الوجوه .. يبقى متيقظاً ، حائراً ، متخوفاً مما سوف يسمعه من سعاد ، متمنياً فى قرارة نفسه أن يكون الموضوع بعيداً عن دلال لأن الكلام فيه يحرج سعاد قبل أن يحرجه .. وهو لا يريد إحراجاً سواء له ، أو لها !

لذا ، يظل يفكر ويفكر ، لا تغمض له عين حتى مطلع النهار .. ! يبقى يحدق فى سقف الغرفة شارداً ساهماً . مستغرقاً فى تفكير عميق عميق . ومخه لا يتوقف عن الدوران ، حول توقعاته المرتقبة بسبب هذا اللقاء العجيب الغريب .. الذى تحدد فى وقت أعجب
وأغرب .. !


الفصل السابع عشر

اللحظة الحرجة !

 

صرخة ذعر ملتاعة تشق سواد النهار .. تهّب دلال من نومها مذعورة حوالى الساعة العاشرة على دوى القنابل ، وفرقعة الإنفجارات ، وهدير الطائرات التى تملأ عنان السماء ! وخهى تحلق على إرتفاع منخفض فيزلزل صوتها المروع سكون المكان ! ويعطى إحساساً مفزعاً كأن القيامة ! والدنيا إنهدت على من فيها .. !

تنهض دلال خائفة مذهولة تسأل عن مصدر هذه الأصوات المرعبة ، وهى تضم إبنتها دانه إلى صدرها وتحتضنها بقوة . بعد أن صحت من نومها صارخة باكية ، فى حين كانت دلال خائفة ، حائرة ، تحس قلقاً مبهماً ، وذعراً غامضاً من تلك الأصوات المتفجّرة القريبة والبعيدة التى تسمعها من الكويت لأول مرة فى حياتها !

تتمتم جازعة عاجزة عن الحركة أو ردة الفعل إزاء هذا الرعب المباغت :

– شنو هذا ؟! شنو هذا ؟!

لحظات وتخرد دلال من غرفتها ، تدخل غرفة أمها ، فلا تجدها فى فراشها ، تفتش عليها فتراها تركض فى البيت وعيونها مفتوحة على آخرها .. وهى تسأل دلال فى دهشة وذعر :

– بسم الله الرحمن الرحيم .. شنو هذا يا دلال ؟! إيش صاير ؟

ولا تنتظر أمها الإجابة ، تركض نحو السطح ، تصعد بسرعة ، تنزل بسرعة ، تركض بسرعة من غرفة لغرفة وهى لا تعرف .. شنو صاير ! .. ولا تعرف سبب الحرائق المشتعلة فى كل مكان ، ولا سبب هذه القنابل اللى قاعدة تنضرب على البنايات الكبيرة بكل الكويت ..!

تسمع دلال بصعوبة رنين الهاتف ، فتركض ترفع السماعة ، وإذ بصوت أخيها الكبير جمال :

– دلال .. سمعى .. ترى العراق دخل الكويت .. جهّزى حالك بسرعة .. راح آجى الحين آخذكم !

تسأل دلال أخيها الكبير مذهولة مما تسمع :

– شنو تقول جمال ؟ العراق دخل الكويت ؟ ليش ؟! متى ؟!

هنا تقفز أم دلال ، تنط كمن لدغها عقرب تخطف السماعة من يد دلال تعيد السؤال على جمال :

– جمال .. شنو تقول جمال ؟ العراق أخذ الكويت ؟ شنو هالحكى ؟! مين يقول ؟! شنو صاير جمال ؟! شنهى السالفة ؟!

تسمع نفس الرد المسرع المتوتر ، فترمى السماعة من يدها .. تجرى تفتح الراديو ، وما هى إلا لحظات .. حتى يصلها النبأ اليقين .!

تصرخ أم دلال ، تولول حينئذ نائحة :

– أمى .. أمى فى المستشفى بروحها .. أكد يراح تموت من الخوف .. آه يوّما .. آه يوّما .. قلبك ما يتحمل هالمصيبة .. ياربى .. أمى راح تموت .. راح تموت !

تلتقط دلال السماعة تكلم أخيها جمال ، وهى لا تعرف ماذا تقول له ، فهو يصرّ على أخذهم عندهم بالبيت فى العديلية ، لكنها تعتذر بسبب إصرار أمها على الذهاب إلى المستشفى ، فيقول جمال معترضاً رافضاً :

– ما يصير دلال تظلون بروحكم فى البيت بدون رجال معاكم .. ماحد يعرف شنو راح يصير .. الدنيا كلها ملخبطة فوق حدر .. ما يصير .. !

وقبل أن ترد دلال على أخيها ، تصرخ أمها فى وجهها ، بصوت يخرق أذن شقيقها جمال :

– لا .. أنا ما أقدر أروح عند حد وأخلى أمى بروحها فى المستشفى .. أنا باروح الحين أشوفها .. لا .. لا .. ما أقدر أسيبها .. ما أقدر أخليها .

تهرع دلال مع أمها ودانة إلى مستشفى مبارك الكبير ، حيث ترقد الجدة العودة منذ إجراء عملية القلب لها فى غرفتها الخاصة بالجناح . وبدون أى توقع يصبح الطريق القصير من السالمية إلى الجابرية ، حيث توجد المستشفى طريقاً بلا نهاية !!

ترتبك حركة مرور السيارات التى تنطلق فى كل مكان ، فإشارات المرور تحولت إلى هياكل معدنية ليس لها أهمية ، فى حين صارت ألوانها الحمراء والصفراء والخضراء بلا أى معنى أو مغزى ! فالسيارات تنطلق عكس السير ، الكل يجرى . الكل يتحرك فى كل إتجاه . الفوضى تحكم الموقف . فلا ضبط . ولا ربط . لم يعد هناك أى إعتبار لقواعد السير المتعارف عليها !

وبشق الأنفس ، تتجاوز ، سيارتهن ذلك الإزدحام الفظيع الذى دهم محطات البنزين سواء فى السالمية ، أو الجابرية ، كانت عشرات السيارات تصطف تعبئ الوقود داخلها بالإضافة إلى صفائح أخرى إضافية ، معدنية كانت ، أو بلاستيكية !!

معجز إلهية وحدها أوصلتهن إلى مستشفى مبارك ، ركضن جميعهن إلى غرفة الجدة التى وجدنها نائمة فى فراشها ، لا تدرى عن الدنيا شيئاً ، ولا تعرف ماذا يدور حولها ! ولا تعلم شيئاً عن الغزو الذى بدأ قبيل الفجر بقليل !!

تمشى دلال فى الممر ، تحاول أن تقابل أحداً تسأله عن وضع المرضى الآن ، لكنها تجد عند كل شخص تتقابل معه فى المستشفى دهشة عصبية بادية فى الأيدى ، وفى الأصوات ، وفى الحركات ، فلا أحد يعرف ماذا حدث ، أو يحدث ، أو سوف يحدث !

أخيراً تلتقى دلال أحد الأطباء .. تسأله فى جزع عن وضع جدتها ، تستفسر منه عن مكان الطبيب المختص الذى سيتابع حالتها لتعرف منه حقيقة حالتها الصحية الآن ، ولتسأل ما إذا كان فى إمكانهم أخذها إلى البيت ، أم أن هناك ضرورة تحكم بقاءها فى المستشفى ؟!

لكن .. قبل أن يقرر الطبيب ماذا يقول ، تصرخ أم دلال فى ابنتها رافضة هذا الرأى ، مصممة أن تبقى أمها فى المستشفى :

– أمى ما تطلع من المستشفى .. أمى لو دشَت الحين البيت راح تموت .. أمى لازم تظل بغرفتها تأخذ علاجها وما تخرج إلا وهى سليمة تمشى مثل الحصان !

وفى وسط هذا الحدث المباغت المخيف، وفى قلب هذا الموقف المرعب الرهيب ، تقتحم صورة جاسم بشاعة اللحظة الحرجة ، فلا أحد يدرى ماذا يفعل ؟ وماذا يمكن أن يكون ؟! وضع غريب مفاجئ بغيض . فلا أحد يتوقع سوى الموت والخطر الذى يتوفر عادة فى مثل هذه الظروف تحت سيطرة الغزو والعدوان !!

هنا .. يصير جاسم محور الأمن والأمان فى وجدان دلال التى تنادى فى إحتياج وإلتياع :

– وينك يا جاسم ؟ .. وينك يا جاسم .. ؟ ليش خليتنى بروحى .. ليش تركتنى لوحدى ؟

تبكى دلال من قلب مجروح ، وهى تمشى بين ردهات المستشفى ، تمشى تنظر إلى المكاتب الصغيرة المفتوحة الأبواب ، فتلمح فى بعضها أعضاء الهيئة التمريضية ، كما تلمح البعض الآخر وقد خلا منهم ، لا تعرف مع من تتكلم ، أو ممن تطلب الدواء اللازم لجدتها ، إلى أن تلتقى بعض الأطباء الذين طمأنوها ، ونصحوها بعدم أخذ جدتها من المستشفى ، حتى لا تتعرض للإهمال أو نقص الرعاية لأن حالتها لا تسمح بخروجها من المستشفى الآن .

تقتنع دلال أخيراً برغبة أمها فى عدم إصطحاب جدتها إلى البيت ، بعد أن تضاعف مع الوقت الشعور بعدم الأمان ، فتبكى وتبكى ، تسيل دموعها فى حرقة ، وهى تحاول أن تعرف ماذا يحدث ، وماذا يمكن أن يحدث .. وماذا يمكن أن تفعل ، بعد إحساسها بالخوف الداهم ، والإحتياج الملحّ لجاسم .. ووجود جاسم !

يظل الذهول هو الشعور الوحيد المسيطر .. الذهول .. الذهول .. !!

فالمحنة المباغتة أذهلت الجميع . لا أحد يدرى ماذا يمكن أن يكون . أو ماذا يمكن أن يفعل !!

تظل دلال تنادى جاسم .. تظل تتمنى وجود جاسم فى هذه اللحظات بالذات . لكن .. هيهات أن تتحقق أمنيها ، فجاسم الحين فى أمريكا ، وهى هنا ، داخل الكويت ، التى أصبحت معتقلاً كبيراً محاصراً .. بالجنود .. والسلاح . والخوف . والفزع . والموت !

ترجع دلال ، يرتج بدنها من شدة الخوف ، كلما أحست إحساساً متزايداً يؤكد عدم وجود جاسم بجانبها فى هذه المحنة ! نعم .. هى تحتاج جاسم .. هى تريد جاسم .. هى تدعو الله أن يأتها جاسم ..

– آه .. وينك الحين يا جاسم ؟!

فى أمريكا ، فى ” سيراكيوز ” ، يجلس جاسم فى قاعة بيته صامتاً ، ساهماً ، واجماً ، يحاول أن يمنع دموعه التى تسيل حزناً على الشيخ فهد الأحمد ، يحاول أن يبعد عن عيونه الصور المعلقة على جدران غرفة المعيشة أمامه ، ومن بينها صورة الشيخ فهد الأحمد ، رحمه الله ، وهو يرفع بيديه الاثنتين كأس دورة الخليج إلى أعلى ، فرحاً بذلك الإنتصار الرائع الذى أحرزته الكويت فى مبارياتها الحاسمة الرهيبة مع العراق !

آه .. قتلوه الأوغاد .. ! قتلوه الأنذال .. ! وهو يدافع عن الكويت .. ! البطل .. رحمة الله عليه .. يعود جاسم مرة ثانية يطالع الصور ، لا يستطيع أن يمنع عينيه عن النظر إليها ، فيرى صورته مع الشيخ فهد عندما إلتقى به فى شهر مارس الماضى ، قبل خمسة شهور فقط ، عندما قابله فى الكويت ، وكيف كان مشغولاً بسبب تلك المواقف التى إعترضت دورات الخليج ، وكادت تفشّلها .. !

إن صور الشيخ فهد الأحمد تحتل جانباً كبيراً من جدار قلبه ، قبل أن تحتل مساحة كبيرة على جدار غرفة المعيشة فى بيته ! إن جاسم لا يستطيع أن ينسى حبه للشيخ فهد ، فها هى صورة كبيرة معلقة له ، توضح إلى أى مدى هو غاضب ، حانق ، أثناء بطولة ” سيئول ” الأوليمبية ، كان ثائراً خارجاً عن طوره وعن شعوره ، عندما وضعت القدس على الشاشات عاصمة لإسرائيل ! فوقف فيها هادراً ثائراً كالأسد . وقف يعترض ويرفض هذا الوضع . وهذا الإعتداء على العروبة . ولم يسكت إلا بعد أن إعتذرت اللجنة المنظمة عن ذلك !

.. مات الشيخ فهد الأحمد وطنياً ، كان بطلاً عربياً رياضياً على الصعيد الدولى .. الله يرحمه .. الله يرحمه . تجيش المشاعر فى نفس جاسم ، فتفيض أحزانه ، تطغى شجونه ، تسيل دموعه ، يغّص قلبه بالحزن والأسى ، فلا يقدر أن يطالع باقى الصور التى تغطى الجدران أمامه .. ! ويجهش بالبكاء .

وهنا .. يوقف رنين التليفون سكين الآلم الذى يذبح جاسم ، يشق قلبه شقاً ، فيجيب بصوت حاول ألا يكون جريحاً يشئ بحالته النفسية الكئيبة ، إلا أنه لم يفلح . يعرف جاسم المتحدث على الطرف الآخر ، إنه خاله أبو إبراهيم يتكلم من لندن يطمئن عليهم ، وعن أحوالهم ، وهو وخالد وبدر ، كانوا قلقين على أحوالهم ، يريدون أن يطمئنوا عليهم ، كما كانوا مصرّين أن يتجمعوا كلهم فى لندن ليكونوا معاً حيال هذه المحنة يشدّون أزر بعضهم البعض ويشعرون بالعزوة والسند ، ويكونوا جنباً إلى جنب فى هذه الظروف الصعبة التى لم يكونوا يتوقعونها أبداً .. أبداً .!!

ينهى جاسم المكالمة بعد أن يعدهم بالاتصال ثانية عندما تصحو أمه وخالته . يسأل فى قلق عن أخبار الديرة والأهل هناك ، فيجيئه الرد مبهماً ، غامضاً ، فالإشاعات كثيرة ، والحقائق ضائعة ، لا أحد يعرف بالتحديد ماذا يحدث أو يكون فى مثل هذه المواقف والظروف والأحوال .. غير المتوقعة على الإطلاق !

يشرد جاسم مع أفكاره ، يحس خطوات سعاد متجهة إليه ، يحاول أن يرسم إبتسامة على وجهه المرهق ، إلا أنها تأتى مهمومة واهنة ، واهية ، باهتة .. !

تنظر إليه سهاد ، فتراه جالساً ما يزال بملابسه الرياضية الزرقاء .. ذلك اللون الذى يحبه ويعشه .. فهو يذكره بلون فريق المنتخب الوطنى ، كما يذكره بلون البحر .. والسماء .. والوطن .. والإنطلاق !

تعرف سعاد أن جاسم يحب أن يلبس هذا اللون كلما أحس بشئ من الضيق ، فهى تعرف أنه يمنحه إحساساً بالراحة والسكينة والهدوء أنه ينقله إلى أجواء الكويت ، وشارع الخليج ، وأبراج الكويت ، إنه يذكره بأصحابه فى الكويت ، فهو لون فانلة المنتخب الوطنى ، الذى يعيده إلى ملاعب الكويت .. وسعاد تعرف إن جاسم يتمنى ويشتاق أن يكون
هناك الآن !

يخرج جاسم مع سعاد ، يمشى مثقل الخطى ، مهموم القلب ، ساهم النظرة ، يعانى من حالة نفسية متدنية لا يستهان بها ، يبدو واضحاً أنه يعانى توتراً نفسياً وعصبياً ، وإرهاقاً بدنياً شديداً لدرجة أنه أصبح غير قادر على أن يفكر فى شئ ، ولا أن يتحمل أى شئ !

كان جاسم يرجو أن يكون الموضوع الذى تريد سعاد أن تحدثه فيه بعيداً كل البعد عن دلال ، وموقف دلال من ليلى ، حتى لا يتسبب ذلك فى إثارة ضيقه وإحراجه !

يدخلان الكافتيريا الفاخرة ، ذات الطابع الحالم القديم ، والديكور الهادئ المريح للأعصاب ، يجلسان على إحدى الطاولات الصغير المخصصة لشخصين ، تشد سعاد المقعد لتقترب من جاسم ، الذى يجلس جريح النفس ، مبعثر الرؤية ، والخاطر ، والوجدان .. يطلب فنجان قهوة إيطالى ، فى حين تطلب سعاد الشاى وطعام الإفطار .

يظل جاسم متشاغلاً برشف القهوة الساخنة ، منتظراً أن تفتح سعاد الموضوع الذى تريد أن تكلمه فيه . يرفع بصره نحوها ، فيجدها جالسة تنظر إليه بعينين يملؤهما الحزن والأسى ، يكاد الدمع يطفر منهما ، وما يلبث أن يختفى هذا التعبير الحزين الذى لم يستغرق سوى ثوان قليلة ، ليظهر بدلاً منه تعبيراً آخر يشوبه إنطباع الرغبة العميقة الصادقة فى الوصول إلى إقناع جاسم بضرورة التأقلم مع الوضع الحالى ، ومواجهة الظروف الطارئة بطريقة عملية واقعية .

تنتهى لحظات الترقب والحرج ، تخرج سعاد عن صمتها ، تتخلص من حرجها ، فى حين كان جاسم متشاغلاً عنها برشف القهوة ، يحاول أن يتهيئ ليكون على أهبة الاستعداد لما تقوله سعاد .. !

تلتفت سعاد تبحث عن عينّى جاسم الذى يتحاشى النظر إليها ، تجرد المقعد بإتجاه الطاولة مرة أخرى ، لتدنو منه أكثر وأكثر .. تقول بصوت يمتزج بالحب ، ويقظة العقل ، ورهافة الحس :

– جاسم .. أنت تدرى مكانتك عندى وتعرف معزتك .. تعرف حبى لك وتعرف إنك عندى أغلى الناس .. أغلى من الدنيا كلها .. أرجوك يا جاسم إعطينى فرصة أعبّر لك عن مشاعرى .. أرجوك .. نروح الحين البنك عشان نعمل الحساب المشترك ..

.. الحساب المشترك ؟! تعصر هذه الجملة قلب جاسم عصراً ! رغم أنه كان يتوقعها ، إلا أنه غصّ بها . يظل ينظر إلى فنجان القهوة الفارغ أمامه وهو يحركه بين أصابعه ، فجأة .. يوقف الفنجان عن الدوران ، يضع كفه عليه ، يكتمه وهو يقول لـ سعاد :

– أنا ما عندى مشكلة يا سعاد .. لا تحملين هم .. ترى أنا عندى فلوس وايد .. وراح تجينى فلوس من صديق لى فى الإمارات .. و .. و .. !

تقول سعاد فى حنان بالغ ، بطريقة هادئة ناعمة حنون ، لا توحى بعدم تصديق
كلامه :

– أنا زوجتك يا جاسم .. أنا ما أمون عليك .. ما فى فرق بيننا .. هذى فلوسنا كلنا .. أرجوك يا جاسم لا تحرمنى من الإحساس إنى واقفة جنبك فى هذه الظروف الصعبة وإنشالله تتحسن الأحوال وترجع الأمور لطبيعتها ..

تقول سعاد ذلك ، كأنها تستأذن ، أو تعتذر ، كى يسمح لها جاسم ويوافق على الذهاب معها إلى البنك . تبقى تلح عليه ، تظل ترجوه ، وفى عينيها منظر بطاقات الإئتمان الملقاة فى إهمال بلا مبالاة بجوار الفراش .. يمزق قلبها أو يخدش شعورها .. تحس حيرة جاسم ، فتقول بنفس الحنان :

– هذا الوضع ما راح يستمر يا جاسم .. ما راح يطّول .. وما تنسى إننا قدامنا سفر .. لازم نروح لندن عشان نكون جنب خالى .. هو كمان راح يخفف عن أمى وخالتى كتير .. وراح يطمئنهم كثير .. وإنشا الله يرتاحوا هناك أكثر وخصوصاً إن بدر وخالد هناك . 

يفكر جاسم بسرعة فى موقفه الطارئ . يعيد الموقف مرة أخرى ، يتحرك فى مقعده . يفرد ظهره ، ثم يعود ينظر إلى فنجان القهوة الفارغ ، ينادى على المضيفة يطلب منها فنجاناً آخر ، يسأل سعاد ما إذ كانت ترغب فى فنجان آخر من القهوة ، فتوافق .

يحس جاسم أنه مقيد أمام عينى سعاد . يحس إرهاقاً نفسياً شديداً ، إذ أنه لا يجد مخرجاً آخر غير الموافقة على الذهاب معها إلى البنك !

يعيد جاسم الحوار مع نفسه ، يحاول أن يفلسف أموره ، فهذه هى حالة الحرب ، وهذا وضع مؤقت وأمر طبيعى يحدث دوماً أثناء الحروب ، فالإنسان لابد وأن يساير الظروف ، وأن يتقبل الواقع الجديد بكل أبعاده ، وإلا خسر أشياء كثيرة لا تعوّض .. !

يوافق جاسم . يرفع رأسه فيرى إبتسامة الرضا فى عينىّ سعاد ، ينهضا بعد أن يحتسيا القهوة ، فى حين لم يلتفت أحدهما إلى طعام الإفطار ، الذى بقى كما هو على الطاولة لم يمس !

يخطو جاسم مع سعاد داخل البنك ، وهو يحاول أن يأخذ الموضوع بروح رياضية ، يهوّن على نفسه صعوبة الموقف ، فمهما كانت سعاد ، هى زوجته وأم عياله ، ما هى غريبة عليه ، بل حتى الغرباء يقفون جنباً إلى جنب فى مثل هذه الظروف لمغالبة صعوبة والواقع ، ومحاربة تحدى الظروف ، نعم .. لابد إذن من التعاون والمشاركة لمواجهة هذه الأزمة الطارئة !

يجلس جاسم على المقعد أمام مدير البنك المساعد فى إحدى غرف البنك الجانبية ، يوقع الأوراق التى عبأتها سعاد .. و .. وقعتها سعاد ! يبتسم مرغماً جاهداً أن يدارى فى نفسه ما فى نفسه ، بينما يبدأ يغوص فى أعماق بحر متلاطم الذكريات ، يرى خلال أمواجه الغزيرة الهادرة .. سعاد عندما جاءت عروساً إلى أمريكا ، يذكر كيف إصطحبها إلى البنك ، حيث كانت تقف تنتظر أن يخبرها ماذا تفعل .. وأين توقع ؟

– يا الله .. ! يا مغيّر الأحوال من حال إلى حال ! سعاد .. ما كانت تفهم فى ذاك الوقت تفاصيل هذه الإستمــــــارة .. وما كانت تعرف إيش لون تملأها .. !! والحيـــن .. أنا …. !

.. يتأمل جاسم نفسه فى عمق اللحظة ، يستحث فى ذاته مزيداً من القدرة على الإحتمال ، كى يتاح له أن يتحمل هذه المشاعر العنيفة المتضاربة ، ذات الأثر الحاد على نفسه فى هذه اللحظة الحافلة ، كى لا تترك أثراً حاداً يفقده رؤيته الواضحة بعمق الموقف !

يقف مثقلاً ، مشحوناً بهدير الإنفعال ، فى حين يحاول أن يصل فى أعماقه إلى درجة أعلى من درجات القدرة على التحكم فى الذات !

.. يستيقظ العقل فجأة ، يغالب هذا الضعف والوهن ، فيصبح من القوة بحيث يسيطر على تلك الإنفعالات المتفاعلة ذات التأثيرات الضارة الجارفة التى تكاد أن تطحنه .. بقسوتها .. وحدتها .. !

يمضى جاسم خارجاً من البنك ، منتصب القامة ، مرفوع الراس ، مشدود الظهر ، يمشى وهو يشعر أنه قادر على إختراق الجبال ، وصهر الجليد ، وعبور الصحارى ، ومناطحة السحاب !

يمضى جاسم خارجاً من البنك وهو يجعل من نفسه مركزاً للتأمل ، ومحوراً للتفكير يدور حول ذاته ، يلتف حول كيانه ، ذاك الذى يتعملق رغم ضآلة الحدث ، يتضخم رغم ضمور الموقف ، ليبقى يخطو فى إعتزاز زائد بالذات ، وثقة مطلقة بالنفس ، مناجياً موحياً لمن حوله ومن بينهم سعاد :

أنا .. جاسم الناصر .. !


الفصل الثامن عشر

البشع المشــوه !

 

فى غرفة المعيشة المتسعة ، العالية السقف ، المتعددة النوافذ ، الشاسعة المساحة ، فى شقة الخال أبو إبراهيم فى ضاحية ” سانت جونس وود ” بلندن ، فى تلك الشقة الكبيرة الواسعة المطلة على حديقة ” ريجنت بارك ” بالقرب من مسجد لندن الكبير ذى القبة الذهبية العملاقة ، وقف الجميع يؤدون صلاة العشاء ، يؤمهم الخال أبو إبراهيم ، الذى وقف أمام ربه خاشعاً ، داعياً ، أن يزيح الله عنهم هذا البلاء .

.. بعدها جلسوا جميعهم يتابعون الأخبار عن الكويت ، يتابعون الأنباء بقلوبهم ، قبل عيونهم وآذانهم ، فهم يتلهفون على سماع أخبار الغزو الغادر الذى يرمى ظلاله السوداء على أرض الكويت ، للأسبوع الثالث على التوالى ، فكانوا يبكون ويتألمون من هول الموقف ، وهم يشاهدون كيف يمارس العدو المنتصب أساليب القذرة ، وكيف يعبث بكرامة المواطنين فى قلب الوطن !

تسود أحاسيس الحزن أنحاء الشقة الكبيرة ، تزاحم أصحابها ، تعذبهم أثناء الليل ، تشقيهم أثناء النهار ، فتحرق قلوب ساكنيها بنار الأسى ، والضيق ، والوهن ، فيصبح أى تعبير يوحى بالفرحة تعبيراً مرفوضاً ، بعد أن أتفق جاسم وبدر ، وابن خالهما خالد ، الطيار الحربى خريج كلية الطيران فى ” ساند هيرست ” بإنجلترا على العودة إلى الكويت ، عن طريق السعودية لينضموا إلى صفوف المقاومة الوطنية ..

كان الموقف لحظة رحيلهم صعباً ، قاسياً ، كانت ساعة الوداع فوق إحتمال البشر ، تفّجرت الدموع فى العيون دون أن يتمالك أحد نفسه فى وقت الفراق العصيب هذا ! نعم .. فى ذلك الموقف الرهيب كان الكل يخشى النتائج المجهولة الآتية ، فالأرواح مهددة ، والموت يتربص .. يحصد المئات هناك !!

آه .. يارب الأرض والسموات . يا حافظ . يا منجّى . يا منقذ . يا مغيث .

كان الكل فى حالة من الأسى الواضح على الوجوه ، إلا بدر الذى إستطاع بموهبته التمثيلية الفذة ، أن يقتلع الإبتسامة من بين الدموع ، أن يرسمها على الوجوه التى تنضح حزناً وخوفاً ، وقلقاً ، ورهبة !

وأنوار ، وراكان ، حتى المربيتان البرازيلية والفلبينية ، لم تستطع إحداهما أن تكبح دموعها ، ولا أن تمنع نفسها من البكاء ، فيما عدا بدر ، الوحيد الذى أخذ الموقف ببساطة ، وعالج الرغبة فى البكاء ببعض الكلمات الساخرة ، والقفشات والعبارات العابثة ، التى خففت حّدة البكاء !

لكن .. ما أن يغلق الباء وراءهم ، حتى تقع أم عبد الله من طولها على الأرض مغشياً عليها بجوار الباب ، وفى نفس اللحظة ترتمى إلى جانبها أم جاسم بعد أن عجزت هى الأخرى عن تحمّل هذا الموقف المخيف الذى يتهدد حياة الشبان الثلاثة بالموت ! ..

يبكى الجميع الذين تجمعّوا حولهما ، حتى الأطفال كلهم يكون ، فيحاول أبو إبراهيم تهدئتهم ، إلا أن دموعه هو أيضاً تخونه ، فلا يملك إلا أن يفتح كتاب الله الكريم ، وهو يجلس القرفصاء على الأرض بينهم ، يقرأ عليهم بعض آياته علها تدخل السكينة على قلوبهم .. ويظل يرتل عليهم آيات الله البينات :

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ

صدق الله العظيم

يهدأ الكبار ، ترتاح قلوبهم ، لسماع كلمات الله ، فى حين يشعر الصغار أحمد وأنوار وراكان بحزن شديد ، وبوضع جديد ، يطرأ عليهم ، يدعوهم أن يغّيروا سلوكهم ، وطريقة تفكيرهم ، فلم يعد أحمد يهتم بالذهاب إلى ” البيكاديلى سيركس ” ليلعب البولينج فى ” التروكاديرو ” ، ولا سباق الجمال الخشبية ، الذى كان يشترك فيه مع خاله بدر فى الإجازات السابقة ! كما أصبح يرفض الذهاب إلى صالة التزلج على الجليد فى ” كوينز واى ” ، ولم يعد يرغب حتى فى التنزه عند البحيرة فى حديق ” هايد بارك ” .. !!

صار أحمد فجأة رجلاً ناضجاً ، يشعر بأهمية الحدث ، وجدوى الوقت ، وقيمة المال ، صار يتمنى أن يشارك فى المظاهرات التى تنظمها الجالية الكويتية فى لندن ، فهو يودّ أن يكون له دوراً كبيراً يؤكد رغبته العميقة فى المشاركة فى تحرير الوطن ، فصمم أن يمشى رافعاً أعلام الكويت وصور الشيخ جابر ، والشيخ سعد ، فى المظاهرات ، التى أصبح يصّر على الإنضمام إليها كلها ، مهما كان عددها !

تمضى الأيام مقيتة ، ثقيلة ، مقلقة .. بعد رحيل الشبان الثلاثة ! يجلس الأشقاء الثلاثة يدعون الله أن ينجى أبناءهم ، وأهل الكويت جميعهم من كل سوء وشر يتربص بهم . آمين يارب العالمين .

وفى ليلة من ليالى لندن الباهتة الباردة ، وبينما هم يتحلّقون حول التليفزيون ، إذ برسالة سمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح ، تبث إلى شعب الكويت ، فيسمعون صوته يخترقه قلوبهم ، يهّز نفوسهم وذلك بمناسبة مرور شهر على العدوان الغاشم ، فيجلسوا ينصتون بكل الحب إلى صوته الكريم ، وهم يحمدون الله ويشكرونه كل الشكر على نجاته وسلامته من الوقوع بين أيدى المعتدين ، فهو الأمير ، وهو الأب ، وهو الرمز ، وهو الملاذ ، وهو الأهل .. وهو الوطن .. يسمعونه يقول :

– يا أبناء الديرة الكرام .. يا من شاءت الظروف الحرجة أن تكونوا خارج الكويت ، إن مسئوليتكم اليوم لا تقل عن مسئولية إخوانكم فى الداخل ، فإن لم يسمح لكم الحال بمشاركتهم فى التصدى للعدوان ، فلا أقل من أن تثبتوا لهم ، وللعالم أجمع إنكم معهم تناصروهم بجهودكم وإمكاناتكم المتاحة ، وتدعمون صمودهم لتحقيق النصر بإذن الله . 

يسمعونه .. فيتأثرون ، يبكون وهم يدعون له بطولة العمر والصحة والعافية ، وأن يحفظه الله للكويت ولشعب الكويت .. يذكرون بداية الغزو عندما إنقطعت الأخبار عنهم ، وكيف كانوا يسألون فى لهفة عن الأمير ، والشيخ سعد ، وهم فى غاية الذعر والقلق والخوف عليهما ، ثم يذكرون كيف أحسوا بالإرتياح والفرح عندما أطمأنوا عليهما ، وعرفوا أنهما صارا فى مأمن بعيد عن الخطر ، بعيد عن أيدى الغزاة وغدرهم .. حمداً لله .. حمداً لله .

يظلوا يصغون ويصغون إليه بقلوبهم إلى أن يقول فى نهاية رسالته العزيزة العميقة الغالية :

– إخوانى وأخواتى .. أننا نؤمن إيماناً راسخاً بأن الله سبحانه وتعالى قد إبتلانا بما نحن فيه ، وإن من آمن وعمل وصبر على هذا الإبتلاء فإنه هو الظافر بنصر الله وتأييده ، وإننى على ثقة بأنكم ستكونون من الظافرين بعون الله .

وصدق الله عزّ وجل فى محكم كتابه :

أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ  لاَ  يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ

صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رب نار تصبح رماداً .. نحن بخير ما دام الأمير بخير .. الحمد لله على كل شئ . ينهض أبو إبراهيم من مكانه ، يجرّب شريط الفيديو ، يطمئن إلى أنه قد سجل رسالة الأمير ، كى يتمكن من سماعها وتكرارها ، ليغذى بصوته روحه ، ويسعد بصورته قلبه ، ويثلج بوجوده صدره ، الذى إزداد إحساسه بالأمان والإطمئنان بعد سماع هذه الرسالة المؤثرة التى منحتهم إحساساً خالصاً بأن المحنة طارئة ، وإن الأزمة زائلة .. وإن الأمور ستعود إلى طبيعتها فى القريب العاجل بإذن الله .

يجلس أبو إبراهيم مع شقيقتيه أم عبد الله ، وأم جاسم ، وهو يدعون الله جميعاً أن ينصر الكويت ، وأن يعيد الأمير ، وولى العهد الأمين ، إلى ديارهم بإذن الله سالمين معافين .. تمضى الأيام ، وما تلبث الأخبار أن تصل تباعاً ..

حركة المقاومة الوطنية الباسلة تصعّد عملياتها ضد قوات الغزو .. وتنفذ سلسلة عمليات ناجحة على مدى الأيام الماضية . وتوقع إصابات بين صفوف القوات الغازية !

– الله أكبر .. الله أكبر .. الله يسترها معاكم يا ولادى .. الله ينجيكم .. وينجى الكويت من أيديهم .. الله يحفظكم .. الله يخليكم .. يارب .. أنت الحافظ .. يارب .. أنت المعين .

ينهمر الدعاء مختلطاً بالدموع والبكاء بينما يتصاعد نداء من الكويت ، من قلب الوطن الغالى ، توجهه القوى الوطنية الكويتية إلى كل المنظمات الشعبية ، والشخصيات الوطنية العربية ، تطالبهم فيه بالوقوف ضد إحتلال الكويت .. الله فوق الجميع .

تمسك أم جاسم قلبها بيدها . تضغط صدرها وهى تدعو الله دامعة أن ينقذ ولدها ، وشباب الكويت من أيدى هذه الطغمة الظالمة الباغية فى الأرض ، وأن ينجيه هو ومن معه ، تظل تبكى وهى تقول بمنتهى الألم والعذاب :

– يا ليتنا كنا رحنا وياهم .. واللى يصير عليهم يصير علينا .. يا ليتنا كنا هناك قاعدين فى بيوتنا مع أهلنا .. كان أهون وأرحم من هالعذاب اللى إحنا فيه الحين .. يارب .. يارب خفّ عنا وهو علينا وأرحمنا يا قادر يا كريم .. يا أرحم الراحمين .

يتصاعد الدعاء ، فى حين تتدهور حالة أم عبد الله تدهوراً سريعاً بعد أن وصلت الأخبار الخطيرة من الكويت عن الصراع العنيف الدائر هناك ! تحاول سعاد أن ترفع روح أمها وخالتها المعنوية ، فهى لم تفقد الأمل لحظة واحدة فى عودة الوطن وسلامة الأهل الغاليين هناك .

كانت أم عبد الله تعانى من خوف داهم يفقدها القدرة على الاستمرار ، وعلى تحمل ذلك القلق المرهق المروع ، الذى يفتك بقلبها الضعيف ، ساعة بعد ساعة ، ويوماً بعد يوم ، منذ مقتل أبنها الشاب الشهيد وسماع الأهوال اللى يشيب لها الولدان ، فقد كانت الأخبار التى تأتى مع القادمين من الوطن تنقل صوراً بشعة من ألوان التعذيب والهوان والإمتهان للأهل هناك !! يارب أنت الحافظ .. أنت المنجى .. أنت خير الحافظين .

بطبيعة الحال كانت الأخبار تصل شنيعة . فظيعة . بشعة . مقززة ! لدرجة إن بعضها كان لا يحتمل التصديق ! لكن .. رغم ذلك ، كان واضحاً أن معظم الناس ليس لديهم سوى فكرة واحدة تسيطر عليهم ، أن هذه الظروف الصعبة الطارئة سوف تتغير ، وإن هذا الوضع لابد وأن ينتهى . نعم . حتماً .. لابد وأن ينتهى .. ينتهى .. ينتهى .

يجلس الجميع فى صالة المعيشة الكبيرة الواسعة ، يلتفون حول بعضهم البعض أمام المدفأة ، التى تشيع نيرانها الحمراء الدفء فى الأطراف ، التى يؤذيها برد الشتاء هذا العام ، فالثلوج البيضاء تغطى الشوارع ، والشتاء عنيف هذه السنة ، لم يأت مثله منذ سنوات ، فالهواء ثلجى النفحات ، والبرودة خارج البيوت لا تطاق ، لا تحتمل ، فالتدفئة داخل البيت نعمة ورحمة .. ويل لمن يخرج إلى الطريق .. البرد له بالمرصاد !

أيام .. وترد رسالة صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح تريح القلوب من عناء القلق . تجلب الهدوء للنفوس الحائرة الملتاعة ، حين يؤكد صاحب السمو لأبناء الكويت فى الداخل والخارج قائلاً :

– بين فترة وأخرى أجد نفسى بحاجة إلى أن أتحدث إليكم حديث القلب للقلب .

.. إن التضحيات الغالية التى يقدمها أبناء الكويت ، وهم يواجهون جنود الباطل ستشكل قاعدة صلبة وراسخة لإنطلاقة الكويت المستقبلية .

و .. تنطلق من داخل الكويت أسمى آيات البطولة ، وأعلى إمارات السرور والفرح بعودة جاسم ، التى أشاعت جواً من البهجة ورفعت الروح المعنوية ، وأدت إلى راحة نفسية عميقة غمرت دلال وأمها وجدتها ، وكل من عرف هذا الخبر العظيم ! كانت فرحة دلال برؤية جاسم بعد الغياب ، أضخم شعور ، وأحلى شعور ، أحست به منذ ولدت وجاءت إلى هذه الحياة !

تصرخ دلال . تقفز . تنط ، لا تصدق عينيها ، تفركها بعنف بيديها ، عندما رأت جاسم واقفاً أمامها ! كادت أن تكذّب نظرها ! وأن تكذّب سمعها ، وأن تكذّب كل حواسها ، وهى تصيح وتصرخ فى هوس وجنون :

– معقول ؟! جاسم ؟ إنت رديت الكويت ؟! إنت فى الكويت ؟! متى جيت ؟! متى جيت ؟!

تنهار دلال فى بكاء فظيع ، فجرتّه مفاجأة الصدمة عند رؤية جاسم ، تستمر تبكى وتبكى وهى عاجزة عن التصرف أو الكلام ، بعد أن أجَج الفراق نار الحب وزادها وهجاً ولهباً وإشتعالاً ! صراحة .. كانت فرحتها برجوع جاسم فوق كل توقع ، وفوق كل تحمل ، وفوق كل المفاجآت !!الحمد لله . الحمد لله .

كانت هذه العودة أشبه بمغامرة خيالية ، إذ لم يكن دخول الكويت سهلاً ، ولا متاحاً ، إلا لهؤلاء الأفراد الذين يعرفون الطرق الخاصة بذلك .. صدق .. أهلها أدرى بشعابها ! كانت هناك عدة وسائل منها التنكر فى ملابس المزارعين ، وأسهلها الدفع وشراء الدخول ! .. وكان هذا هو الطريق الأضمن والأسهل ، فقد كان معروفاً إن كل ضابط له ” خط ” فى الصحراء خاصاً به ! ومن يدفع الثمن يستطيع أن يمر وسط هذا الحشد من الجند ، وذاك الكم من السلاح !!

يبدأ جاسم يتحرك بحذر شديد بين شوارع منطقة كيفان ، تلك المنطقة التى شاهدت طفولته وصباه ، والتى يحفظ طرقاتها ، وشوارعها ومعالمها ، عن ظهر قلب ! أنه يعرف كيف يؤدى دوره بمهارة كطبيب جراح يقوم بمعالجة جرحى المقاومة .. هؤلاء الأبطال الذين لم يبخلوا بالروح ، والدم من أجل تحرير الكويت .

يرفض جاسم العمل فى مستشفى مبارك ، بعد أن سيطر عليه جنود الإحتلال الذين أخضعوا جميع المستشفيات تحت سيطرتهم بعد إستيلائهم عليها ! وكان أى طبيب يرفض أن ينصاع لهم ، أو ينفذ طلباتهم ، يقتل على الفور ! لذلك بدأ جاسم يمارس عمله كطبيب ، بعيداً عن أعينهم ، وخارج حدود سيطرتهم !

.. يقف جاسم فى السرداب ، فى أحد بيوت منطقة كيفان ، حيث توجد طاولة خشبية ، وقليل من الأدوية ، ومقصات وأدوات جراحية ، وبعض المعدات الطبية ، من قطن وشاش ، ومطهرات وكل ما أمكن بعض المواطنين الإستيلاء عليه ، من المستشفيات ، ومخازن وزارة الصحة ، قبل أن يسلب العدو ما تبقى بها !

كان السرداب أشبه ما يكون بغرفة العمليات ، وكان جاسم يقف يمارس عمله كطبيب بأقل الإمكانيات المساعدة ، فكان يجرى عملية جراحية إثر أخرى لوقف نزيف غزير من ساق شاب أطلق عليه الرصاص ، بينما كان يتمدد آخر على الأرض ، يتأوه من شدة الألم ، بعد إصابته برصاصة ما زالت مستقرة فى كتفه !

هذا إلى جانب جرحى كثيرين تم تخديرهم ، أو فقدوا الوعى من شدة الألم ، فرجال القوات الخاصة قد ألزموا المستوصفات ، والمستشفيات ، بإخطارهم عن أى جريح يرد إليهم كى يتأكدوا من سبب إصابته ، ليعرفوا كيف إصيب ، ليعتبروه فى النهاية واحداً من شباب المقاومة إذا لم يستطع تبرير السبب ، فيهتمون بذلك ، ويعتقلوه .. ثم لا يعود أحد يعرف له مكاناً .. !

كان الجو مشحوناً بالتوتر والخطر ، حين أنتهت دلال من تلقى دورة فى التمريض ، فى مقر جمعية الهلال الأحمر ، فتخرج بعدها تقود سيارتها متجهة إلى كيفان ، وهى تحاول أن تلفظ ذكريات ليل طويل ، مخيف ، عانت فيه العذاب ، كل العذاب من شدة التفكير ، والتركيز على أمور حياتها الحالية ! فماذا تستطيع أن تفعل ، وهذا الهّم يحيطها ، يحاصرها ؟ كيف تستطيع أن توزع جهدها بين جدتها ، وأمها ، وأبنتها ، ونفسها ، ووطنها !!

آه .. ها هى تتوقف الآن مرغمة وسط الطريق أمام إحدى نقاط السيطرة ، يسألها الجندى الواقف فى صلافة عن الهوية ، ورخصة القيادة ، ووجهتها ، ونظرات عيونه النافذة الثاقبة تخترقها فى تحد ، تقدم له الأوراق المطلوبة دون أن تجرؤ على النظر إليه . تنكس رأسها بإنتظار إسترداد الأوراق التى أخذها منها ، والتى مازال يحملها فى يده ، ويلف ويدور بها .. حول السيارة ، وهو يطالع أرقامها ، ويقارنها بالأوراق التى بين يديه .. تشتد سطوة المواجهة بينهما ، وهو يسألها عن وجهتها . تقول له وقد إزدادت رغبتها فى الصبر والتحمل والتحدى :

– باروح أشترى خبر .

فى النهاية يعطيها أوراقها ، ونظرات عينيه كافية بأن تخرس الحوار الصامت بينهما . يشير لها بيديه أن تمضى ، فتحرك سيارتها وهى تتنفس فى إرتياح ، وتشد الحجاب على جبهتها ، وتتأكد من إحكام ربطته حول عنقها .

تجرى السيارة فوق طرق خالية بلا روح ، بلا إحساس ، مجرد شوارع عارية مرعبة مجردة من الحياة ، حافلة بالخوف والتوجس والقلق ، فها هى منطقة كيفان قد صارت شبه خالية من المارة ، بعد أن إمتدت إليها أيدى المعتدين الآثمين ، بالتخريب والدمار ، الذى يظهر واضحاً للعيان ، إذ لم يبق منزلاً إلا وأعتقل واحد من أفراده ، أو أكثر ، إلى جانب الخطف والإغتصاب والحرق والقذف بالقنابل والهدم بالمتفجرات !!

أخيراً .. تلتقى دلال بجاسم . تحاول لا إرادياً أن تحتمى به ، تلوذ بجانبه ، لكنها تلمح إلى جواره أحد الشباب وقد ظهرت إمارات الألم بادية عليه ، تلمح كدمات غامقة على ذراعيه وأثار جراح ، وبقايا دماء سوداء على جانب رقبته ! فتنحدر دموعها فى صمت ، وحزن يجرفها يخلخل تماسكها ، ويزعزع إتزانها !

تجوب دلال بعينيها الباكيتين فى أرجاء السرداب ، فتلمح خطوط دماء جافة ، وبقايا ثياب ، وعلب أطعمة فارغة ، ومعدات طبية ـ وبقايا عقاقير وأدوية ، وبعض مخلفات تثبت أن هذه القاعة الكبيرة قد تحولت بفضل الله ومجهود جاسم إلى مستشفى عملاق ، تجرى به عمليات عاجلة لإنقاذ حياة الكثير من الشباب الأبطال ، الذين اختاروا تقديم أرواحهم فداءاً للوطن .

يتحدث بعض الشباب بعضهم مع بعض أثناء وجود دلال ، فيأتى ذكر بدر فتسأل عنه ، فيقولوا لها أنه موجود الحين فى مقر سرى مع خالد ابن خاله فى منطقة الرميثية ، لأن هناك بعض الشكوك تدور حولهما ، بالذات حول خالد إذ يقال إن بعض الوشاة قد أخطروا جنود صدام عنه ، وكشفوا هويته العسكرية ، وأخبروهم أنه ضابط طيار فى الجيش الكويتى ، لذا أخذه بدر كى يخفيه عن الأعين ، ويؤمن له مكاناً آمناً مع بعض الشباب المنضمين إلى مجموعة المقاومة التى تتخذ لها مقراً فى المنطقة هناك ، وهم كاظم ، وجابر ، وعلى ، ومناور ، وعبد الرضا وسعاد ومحمود وعبد العزيز وغيرهم وغيرهم .. هؤلاء الأبطال .. حياهم الله .

تدور العيون فى صمت ، وجاسم لا يقدر أن يضيع دقيقة واحدة فى الكلام ، الكلام مع دلال ، فالعمل أمامه كثير والوقت قليل ، والسباق مع الزمن عسير ، عصيب ، فالحالات حرجة تتطلب جراحة فورية لابد وأن تتم بأسرع ما يمكن ، لكى يتم إنقاذ حياة هؤلاء الجرحى النازفين أمامه !

لابد أن تتم هذه الجراحة بأسرع ما يمكن قبل أن تتضاعف الخسائر ، إذ أن هجمات المعتدين ، ومداهمتهم للبيوت لا تجعل الأعصاب فى حالة إسترخاء ! تشتعل دلال حماساً ، وهى ترى همة جاسم ، وحرصه وبذله ، وعطائه ، فتخلع عباءتها ، وتشمر من أكمامها ، وتبدأ على الفور تنظيف المكان ، وتقديم المساعدة للجميع ، ومعاونة جاسم فى عمله رغم صعوبة النظر إلى الجراح ، ورؤية الدماء ، وسماع أنين الجرحى ، وتأوهاتهم ، لكنها تتماسك ، تصمد ، تستمر ، وهى لا تشعر كم من الوقت مضى عليها ، قبل أن تفكر فى الرجوع ، والعودة إلى البيت !!

تقترب دلال بسيارتها من البيت فى السالمية ، فتطالع فى حسرة ذلك المستطيل الكبير الذى يضم عدة محلات تحيطها ساحة وقوف سيارات واسعة ، تنظر إلى محل السمك المغلق على اليمين ، ذاك المحل الذى كان يحلو لجدتها أن تشترى منه السمك الطازج وهى سعيدة بقربه بدلاً من الذهاب إلى سوق السمك فى المباركية ، والعناء فى شيله وإحضاره .

آه .. تنبض الذكريات فى قلب دلال ، تخفق ساعات السعادة فى العام الماضى عندما ذهبت تشترى تورتة عيد ميلاد دانا على شكل ” ميكى ماوس ” من محل الحلوى العالمية ، تذكر كيف كان يضج بالناس ، والزحام ، والحياة فى حين تتصاعد رائحة الكعك والحلوى ، كان كل شئ فى هذا المستطيل يثير مشاعرها ، فهذا هو محل لعب الأطفال فى الواجهة ، ما زالت اليافطة الوردى التى تحمل إسمه باقية ، إلا أنه صار خاوياً فارغاً ، بعد أن كان يغصّ باللعب ، خاصة تلك العروسة الكبيرة التى تحبها دلال والتى إشترتها لها فى عيد ميلادها الماضى .. !

تتنهد دلال وهى تعود تطالع محل الأسماك الخالد قبل أن تستدير بسيارتها نحو بيتها ، وهى تتمنى فى قرارة نفسها وتحلم ، وتتخيل ، لو كان مفتوحاً لأشترت منه السمك لجدتها الذى تحبه وتفضله على اللحوم والدجاج ! هى فى الحقيقة تكاد لا تأكل غيره .. لذا كانت زبونة شبه دائمة لهذا المحل القريب ، الذى ينظف السمك بطريقة صحيحة ، ويقطعه ، ويجهزه حسب رغبة الزبون فى الحال . آه .. متى يعود الحال إلى ما كان عليه ؟! متى تفتح هذه الأبواب المغلقة .. وتمتلئ هذه الساحة بالسيارات كما كانت من قبل ؟! متى ؟! متى ؟!

تتحسس دلاء الدواء الذى أحضرته لجدتها بإرتياح شديد ، بعد أن أخذته بصعوبة من عند جاسم ، الذى كان يدبر الأدوية لعلاج المصابين بشق الأنفس ، تحمد ربها أنها قدرت أن تنفذ هذه المهمة الصعبة بنجاح ، بعد أن أخفت الدواء فى جيبها ، وغطته بعبائتهــا .

تقترب دلال من البيت سعيدة بإحضارها الدواء وعبورها به ، تحمد ربها أن إحدى نقاط السيطرة لم تقم بتفتيشها ذاتياً ، وإلا كانوا صادروه منها ، بل .. وصادروها هى نفسها ، وساعتها لا يعلم سوى الله ماذا يمكن أن يصيبها ويحدث لها !!

تصل دلال إلى البيت ، تنزل من السيارة وهى فرحة سعيدة بغنيمتها ، تقترب من باب البيت الحديدى الخارجى ، فتجده مفتوحاً ! تقفز مسرعة فوق الدرج ، فتفاجأ بأن الباب الداخلى أيضاً مفتوح ، فتحبس أنفاسها ! ينقبض قلبها ! وهى تدلف إلى الصالة ، فتفاجأ بآثار الدماء تغطى الأرض !!

تشهق فزعاً ، ترتجف كريشة فى مهب الريح ، تقول وهى تغرق فى هول اللحظة المرعبة التى لا ترى فيها أحداً بالبيت ، لا إبنتها ، ولا أمها ، ولا جدتها .. !!

– وينهم .. شنوصار عليهم ؟!

تحدق دلال حولها مثلجة الأطراف ، تخطو إلى الداخل مكبوتة ، مرعوبة ، تُقدم رجلاً ، وتؤخر أخرى ، وهى تكاد تموت رعباً ، عندما يخرق سمعها أنين أمها ، ونشيج بكائها ، الذى يذكرها بأنين جرحى المقاومة .. فتكاد أن تقع من طولها ، وهى تنظر مذعورة إلى جسد أمها المكتوم وراء الكنبة فى الصالة وهى غارقة فى دمائها .. فى حين تتساقط من فمها وأنفها الدماء التى تغطيها وما تزال تسيل من رأسها حتى أخمص قدميها !!

ينحبس صوتها . تنشل حركتها . حين تلمح جدتها منبطحة على الأرض .. جثة هامدة ! مفلوجة الرأس منتفخة العينين ! بينما كانت أمها تحاول أن ترفع وجهها المتورم ، المُنتفخ ، من شدة الضرب ، وتجاهد بصعوبة كى تفتح عيونها المتقرحة من شدة البكاء ، وهى تلملم ثياباً ممزقة تدل على هول الإغتصاب الذى تعرضت له على أيدى هؤلاء الجنود الذين سفحوا شرفها وهدروا كرامتها ، بالتناوب ، واحداً تلو الآخر على أرضية المطبخ .. أمام عينى دانة .. حفيدتها . !!

وما أن رأت الأم إبنتها دلال حتى أخذت تصرخ فى هيستريا وجنون :

– كانوا هنيه .. كانوا هنيه !

تترنح دلال فى الهواء ، وهى تعض شفتيها بأسنانها حتى تدميها ، تبقى تعض أصابع يديها التى وقع منها الدواء وتبعثر على الأرض حواليها ، وهى تسير مصدومة مكلومة ، تتحرك فى هلع وذهول نحو غرفة إبنتها .. فى حين أخذ يموت قلبها رعباً وخوفاً وهى تبصر فراشها خالياً بدونها ..!

تجرى دلال نحو المجهول ، تفتش المنزل فى هلع وجنون ، بحثاً عن وحيدتها ، صغيرتها ، وهى تصرخ حتى تتمزق حنجرتها بصوت يعوى بين الجدران ..

– دانه .. دانه .. دانه !

 


الفصل التاسع عشر

ليالى العذاب !

 

تلمح دلال إبنتها دانه وقد إنحشرت بين البوتاجاز والثلاجة فى المطبخ فتسحبها ، تشدها ، تحضنها ، تعصرها بين ذراعيها فى هيسيتريا وهى تصرخ وتبكى ، فى حين كانت الصغيرة مفتوحة العينين على آخرهما ، وقد إرتسم فيهما الرعب والفزع ، بعد أن رأت ما رأت ، وشاهدت ما شاهدت ، وبعد أن صارت عاجزة عن النطق !

كان الموقف بشعاً ، فظيعاً ، مقززاً ، كان فوق طاقة البشر ، فوق إحتمال بنى الإنسان ، فما بال طفلة صغيرة بريئة ترى الجنود يضربون جدتها نوال بشراسة ، وعنف ، كما رأتهم وهم يمزقون ثيابها ، ثم رأتهم وهم يتناوبون إغتصابها على أرضية المطبخ .. أمامها .. !!

كان الموقف بشعاً شنيعاً مشوهاً ، فقد إقتحموا البيت بأسلحتهم ، وذخيرتهم ، وملابسهم العسكرية ، فجأة .. رأتهم دانه حولها فى المطبخ ! كانت الطفلة المسكينة جائعة ، فنهضت جدتها تحضر لها الطعام ، حين دخلوا البيت بدون توقع أو إنتظار ! وأطبقوا عليها كالوحوش المفترسة ، بينما كانت الجدة العودة نائمة مريضة فى غرفتها ، بعد أن طردها الغزاة من المستشفى قبل أن تستكمل عرجها ، وذلك ليتاح للجنود الجرحى أن يحلوا مكانها !

سمعت الجدة العودة صراخ إبنتها ، نوال ، وبكاء حبيبتها دانه ، وأحست بحركة الجنود فى البيت ، فأدركت بغريزتها ماذا يمكن أن يحدث ! فتحاملت على نفسها ، ونهضت من فراشها ، وأخذت تستعطفهم وتسترحمهم ، كى يتركوا إبنتها ولا يهينوا كرامتها ، ويهدروا شرفها ، لكنهم لم يسمعوا .. لم يسمعوا .. !

فظلت العجوز المريضة العاجزة تصرخ عليهم ، تسبهم ، تلعنهم ، تضربهم ، وهى تحاول أن تمنعهم من هتك عرض إبنتها وهدر شرفها وتمزيق ثيابها وإغتصابها ، إلا أن أحدهم فقد صبره وطقها بكعب البندقية فى رأسها ، فسقطت صريعة على الأرض فى الصالة .. أزعجهم صراخها ، وإعتراضها ، وعويلها ، فأزهقوا روحها !

وبعد أن إنتهوا من ممارسة جريمتهم البشعة المقززة ، لم ينسوا أن يكسّروا البيت ، وأن يسلبوا أغلى ما فيه ، وأن يخّربوا ما تركوه ، وأن يحطموا ما لم يستطيعوا أن يأخذوه معهم ، قبل أن يمضوا باحثين عن ضحايا جدد ، متعللين بالبحث عمن يشارك فى أعمال المقاومة .

تستند دلال على جدار البيت الخارجى ، بجوار والدتها التى ترتمى نظراتها حزينة ذليلة على الأرض تحتها ، تسقط أيضاً كلماتها ضعيفة مهانة واهنة لا تكاد تقوى على نطقها ، ولا تكاد دلال تقدر على سماعها ، وهن جالسات على الأرض بالقرب من باب البيت
الداخلى ، بإنتظار وصول جمال شقيق دلال الأكبر ، ليتولى الأمر نيابة عن أخته ، التى تبدو خابية العين ، قتيلة القلب ، ضريرة النظرة ، وهى تتعامى عن رؤية دانه القابعة كالحجر الساكن بلا صوت ، ولا حراك ، كأنما سلبت منها روحها ، وسرقت منها بهجة طفولتها ، وفرحة عمرها ، لهول وقبح ما رأت .. ولبشاعة وشناعة ما شهدت !

يطول الوقت ، يتضخم الزمن ، يزداد الترقب ، والخوف يثير التساؤل والوجع فى النفوس ! يطغى الصمت الأخرس .. حين يتراوح إلى إسماعهم صوت سيارة غريبة تقف بالباب ، يقفز منها جمال ، الذى يحدق فى أخته مصدوماً ، وإن كان متوقعاً ماذا يمكن أن يكون قد حّل بهم .. بعد أن ظل يطالع نوال أمها التى تفترش الأرض ممزقة ، مهانة جريحة ، ذليلة ! وما أن حوّل بصره إلى دانه حتى كاد أن يفقد أعصابه بعد أن رأى أمارات الذعر ما تزال مرتسمة على وجهها .. وتعبيرات أخرى شائهة بدلّت ملامحها وغيرت شكلها !

يستشيط جمال غضباً ، يشتعل نقمة وثورة وغيظاً ، وهو يقسم أن يثار من هؤلاء الذئاب الشرسة الجائعة ، وأنه سوف ينتقم منهم أشد الانتقام !! يعبر فى ذهنه خاطر معين ما يلبث أن يكبر ، يتعملق ، حتى يحتل كل تفكيره ، يعد أن إجتاحت آلام الحنق ، وأوجاع المرارة أعماق مشاعره ، فرجتّها رجاً ، وحطمتها تحطيماً !

يعود جمال بأخته دلال وأمها وأبنتها إلى بيتهم بالعديلية ، فى حين تنخرط دلال فى بكاء ونحيب يقطّع القلوب ، مما يعمّق وقع الحدث فى نفس جمال الذى يصمم على ضرورة الثأر والانتقام . يصل جمال إلى مرحلة إتخاذ القرار ، فى حين يرتج عليه القول ، فلا يعرف ماذا يقول إزاء صعوبة الموقف .. لا تعد لديه القدرة على النطق .. ولا الكلام . فقط ، ينخرط فى بكاء صامت أخرس . بكاء .. بلا دموع !

ترقب دلال الطريق من وراء الزجاج فى سيارة أخيها ، تلتفت إلى محل لعب الأطفال المغلق ، فتتذكر عروسة دانة التى تحبها ، والتى لا تقدر أن تنام بدونها ، فتطرأ ببالها فكرة العودة إلى البيت لإحضارها .. لكنها تلفظ هذه الفكرة فوراً ، تطردها بعيداً عن ذهنها ، فهى لا تقوى على الدخول ثانية بعد الهول الذى حدث به ، ولا تقدر حتى على مجرد النظر إلى آثار العدوان ، خاصة وأن جثمان جدتها ما زال ملقى على الأرض فى الصالة هناك .. !! آه .. تلك اللحظات العنيفة القاتلة ! دمرتها .. دمرتها .. !!

تغلق دلال زجاج نافذة السيارة لأنها تخشى لفح الهواء أن يلامس أمها ، وإبنتها ، تعود تبكى فى إنفعال هيستيرى ، لا تعرف كيف تتحكم فيه أو توقفه .. أنه بكاء تلك
اللحظات التعسة ، والساعات الشقية ، التى تجلب البؤس والخراب ، إلى النفوس والديار فتسحقها سحقاً !

آه .. ماذا حل بالدار ؟! ماذا أصاب أهل الدار ؟! ماذا حل بالديرة .. ماذا دهى أهلها الكرام ؟!

آه .. كيف يمكن أن ينسى الإنسان ذاته ؟! كيف يقدر أن يتجاهل عذابه ؟! عندما يصبح فى بيته غريباً بلا بيت ! عندما يصبح فى مأواه شريداً بلا مأوى ! عندما يصبح فى وطنه طريداً .. بلا وطن .. بلا وطن !!

الرحمة يارب . ألطف بعبادك يا قادر يا كريم .

كان رجال العدو يجوبون المنطقة بحثاً عن شباب المقاومة ، الذين لا يتوانون
لحظة عن الفتك بهم حال رؤيتهم ، كما أن آثار عدوانهم على المنطقة صارت أكثر وضوحاً فى هذه الأيام بعد أن إزدادت حركة المقاومة شراسة وعنفاً ، فإزداد رد فعلهم ضراوة
وقسوة ، وإزداد عدد البيوت المحترقة ، كما إزدادت نقاط السيطرة التى إنتشرت فى كل شوارع الكويت !

يستمر جاسم فى عمله البطولى منقذاً شباب المقاومة من الموت المحقق ، بتضميد جراح الكثيرين منهم الذين لو سقطوا بين أيدى الأعداء لما قدّرت لهم الحياة ! كان بين يوم وآخر يغير مكان عمله الإنسانى ، قبل أن تتسرب الأخبار التى تشى به ، وتدل عليه ، يساعده فى ذلك بدر الذى يتقن جميع اللهجات العربية المتعددة ، كما يقدر أن يتنكر فى زىّ أهلها ويتكلم بلسان مواطنيها بطريقة لا يمكن الشك بها !

كانت تنطلى حيلة بدر على الجميع ، فهو بارع فى التمثيل ، والتقليد ، والمحاكاة ، إلى درجة تجعله فوق الظنون والشبهات ، كما أنه يعرف كيف يضبّط حالة ، ويرتب مظهره ، ويغير حركاته ، حتى طريقة مشيته ! كأنه واحد من هؤلاء الذين يحاول الإنتماء إليهم !

فى الحقيقة ، بدر يتمتع بمقدرة نادرة وغريبة على تقّمص الشخصية التى يختارها ، مستعيناً على ذلك ببعض الهويات المزورة التى يقتنيها ، والتى تمنحه المزيد من القوة ، والقدرة على الإقناع !

كان بدر يفلت مثل الزئبق ، دون أن يتعرض للخطر ، رغم أنه كان كثير الخروج من البيت ، فهو يخرج ويدخل بعد أن ينتحل فى كل مرة شخصية جديدة مختلفة ، يعّد نفسه لها مسبقاً بالأوراق اللازمة التى تثبتها ، وتؤكد حقيقتها ، مستخدماً الأدوات والملابس التى تبرزها ، وتزيل الشك عنها !

وبالطبع ، قبل ذلك ، كان بدر شديد الذكاء ، حذر ، حريص ، إلى درجة أنه كان يحصّن نفسه بإقتناء بدلة ضابط عراقى فى جهاز المخابرات آمر الفرقة 606 وهويته المزورة ، التى جهزها له شقيقه الأكبر عبد الله ، الذى ساعدته دراسة الهندسة على إجراء هذا العمل بدقة متناهية !

تعلم بدر الكثير من حيل الخداع والتمويه والإختباء ، فهو يفكر بطريقة سريعة فى معالجة المواقف الطارئة ، والمفاجئة ، وكان يتخذ القرار فى الحال ، بلا أدنى تردد ، فلا يتلعثم ولا يرتبك ، ولا يبدو عليه أى إضطراب أو توتر .

وهنا .. ينتصب الخوف شبحاً هائلاً مذهلاً يفتك بالذات ، يسلب النفس الإحساس بالأمان ، والراحة والسلام ، فالكل هنا فى لندن يعانى الأسى ، يقاسى العذاب ، الكامن فى طيات الزمان ، الذى يزلزل الذات ، ويرهق الفؤاد ، ويحطم الفؤاد .. !! يا الله .. يا الله .

الكل هنا فى لندن يتمنى العودة إلى حضن الكويت . يشتد بهم الشعور بضراوة الغربة وقساوة سلب الوطن . ينتمون أن تنتهى هذه المحنة ليطمئنوا على الجميع الذين لم تعد تصلهم الأخبار عنهم ، ولا كيف يعيش الأهل بالداخل !

تبكى أم عبد الله ، وأم جاسم بكاءاً مريراً ، وهم يسمعون عن التكبير ، وكيف صعد أهالى الكويت كلهم يوم الثانى من سبتمبر إلى الأسطح يكبّرون ويكبّرون . يدعون الله أن يزيح عنهم هذا البلاء ، وتظل تدوى تحت سماء الكويت الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر .

كانت فصائل المقاومة تدعوا إلى هذا اليوم . فجاء يوم الحزن والبكاء ، وكان الدعاء الله والوطن والأمير .. عندما أنتصف ليل يوم الثانى من الشهر التاسع فوق أسطح المنازل ، فكان الرد من هؤلاء الغزاة هو إطلاق الرصاص عليهم .. رصاصات الغدر والقتل والموت !! رصاصات الظلم تسفك دماء الأبرياء .. فوق أرض الوطن !!

آه .. كما يشتد الحنين للعودة إلى حضن الوطن ! فالأيام هنا مرهقة ثقيلة خانقة بعيداً عن أرض الوطن ! رغم رصاص الغدر .. وبشاعة العدوان .. فرغبة التعبير والمشاركة فى عمليات تحرير الوطن تستبد وتسيطر على الجميع .

تشترك سعاد وليلى وأحمد وأنوار فى مسيرة صامتة ، تجوب أنحاء لندن فى ذكرى مرور أربعة أشهر على غزو الكويت ! تبكى سعاد ، تنتحب ليلى وأنوار ، فى حين يبكى أحمد وهو يرفع علم الكويت عالياً بذراعه ، محاولاً أن يدارى به دموعه ، ويخفى أحزانه ، كى يظل رجلاً قوياً ، يدير باله على نساء أسرته ، فهو الرجل الوحيد الآن الذى يصحبهم إلى كل مكان يذهبون إليه ، بعد إن رغب الخال أبو إبراهيم عن الخروج ، فهو لا يكاد يبرح شقته .. يبقى بها يتابع أخبار العالم ليل نهار ، بكل اللغات التى يفهمها ، والتى لا يفهمها !

الجو هنا بارد ، مثلج الهواء ، الأشجار مجردة من الأوراق ، الأغصان كأذرع خشبية عملاقة لا حياة فيها ، الشتاء هذه السنة فى لندن موحش ، كئيب ، شديد البرودة ، رمادى الأجواء ، يزيد فى القلب مشاعر الوحشة واللوعة والوحدة ، والإحساس بمرارة الإغتراب ، ومعاناة البعاد عن الوطن .. وأرض الوطن .. وتراب الوطن ، لا يضاهيه فى ضراوة
العذاب إحساس !

يعودون للبيت مرهقين باكين وعلى صدورهم شعارات تؤكد حرية الكويت ، وفى قلوبهم حب الكويت ، وعشق الكويت ، والرغبة العميقة فى العودة إلى الكويت .

تفاجأ سعاد بأن أمها ما زالت غاضبة لأنهم رفضوا مشاركتها فى تلك المسيرة
الوطنية ، بعد أن صممت أن تساهم فى هذا العمل الوطنى البسيط ، على قدر طاقتها ، ولم يثنها عن عزمها إلا بقاء أختها أم جاسم معها ، بعد أن تعبت حتى أقنعتها بالعدول عن هذه الفكرة خوفاً عليها من الإرهاق والتعب ، ومضاعفات الموقف والإنفعال والتأثر الذى قد يضر بقلبها !

يخفف عنها أبو إبراهيم مؤكداً :

– والله أكيد كنت راح تتعبين يا أم عبد الله .. ترى المسافة طويلة والعدد كبير حوالى عشرة آلاف كويتى كانوا ماشيين فى المسيرة .. لا .. حرام عليك .. هذا تعب عليك .. ما تقدرين . كل الناس كانوا هناك .. كل الخليجيين اللى فى لندن كانوا هناك .. الدنيا فوت تحت .. وكالات الأبناء والصحف العربية كلهم يتابعونهم .. ورجال الشرطة الإنجليز كلهم ماشيين جنب المسيرة من اليمين والشمال .. الدنيا كانت زحمة وايد كأنه يوم الحشر .. إحنا خفنا عليك يا أم عبد الله .. أرجوك لا تزعلين .. حنا ما قصدنا نزعلك .

لم تهدأ أم عبد الله رغم هذا الكلام والتبرير والإعتذار ، تفجّر إحساسها بالقهر والغبن ، لإنهم أجبروها على البقاء فى البيت غصباً عليها ، فى حين كانت هى تصرّ على المشاركة فى هذه المسيرة ، فظلت غاضبة حانقة ، لا يعرف أحد كيف يهّدأ من ثورتها ، الكل يعجز عن تهدئتها حتى أخيها أبو إبراهيم لم يشفع له إعتذاره عن هذا الخطأ غير المقصود الذى وقع فيه بسبب الحب لها ، والحرص على صحتها وراحتها !

كانت أم عبد الله تبكى وتندب وهى تدعو الله أن يعيدها إلى الكويت ، وبيتها فى الكويت مع زوجها وعيالها هناك ، كانت تبكى وهى تقول :

– ردونى الكويت .. أنا ما بى أقعد هنيه .. أنا أبى أراد الكويت .. شوفوا لى طريقة تردونى بها الكويت .. مثل ما دشوا بدر وجاسم وخالد أنا راح أدش مثلهم .. بس أنتم خذونى هناك .. وما عليكم أنا بأدس بروحى .. واللى يصير عليهم يصير علىّ .. أنتم بس خلونى أروح .. ترى أنا مليت وايد من لندن .. وبرد لندن .. !

كانت المشكلة الحقيقة التى تواجههم فى تلك اللحظة ، كيف يجعلون أم عبد الله تتخلص من هذا الغضب ، فالجميع يقّدرون حزنها على إبنها الشهيد فيصل الرائد بوزارة الداخلية ، فالحزن ما زال متأججاً لاهباً ، وثورتها لا تنتهى على هذه الظروف الصعبة التى تعيشها فى بلاد الغربة ، بلا وطن ، بلا أهل ، بلا بيت ، بلا أسرة ، بلا لغة ، فهى لا تعرف تتكلم إنجليزى ، ولا تقدر أن تفّسر الأخبار ، كما أن لسعة البرد الحالية صارت تؤذيها ، يوماً بعد يوم ، صار الوجع ينخز فى مفاصلها ، كما تفاقم الوجع النفسى أيضاً ، صار ، أقسى ، وأصعب ، وأفدح ، كان يتزايد كلما شاهدت نشرات الأخبار ، وشافت الفظائع التى ترتكب فى الكويت .

مع الوقت ، تدنت درجات الحرارة كثيراً تحت الصفر ، فتكثفت وحشة الشتاء ، صارت بغيضة لا تطاق ، وصار الإنتقال إلى بلد عربى خليجى ، قريب من الكويت ، هو الهدف فى هذه اللحظة ، وكان بديهياً أن يتم إختيار المملكة العربية السعودية ، حيث الأهل هناك ولأنها على مقربة من الطريق البرى الذى يؤدى إلى الكويت ، ذاك الذى يسلكه الناجون من عذاب الغزو ، وبشاعدة العدوان ، فيكونوا بالتالى قريبين من طريق الإتصالات بينهم وبين من هم فى الداخل !

يتم ترتيب كل شئ للسفر .. وكم كان صعباً عليهم أن يسافروا وحدهم بدون جاسم الذى تعودوا أن يكونوا دوماً فى صحبته . بكت أمه كثيراً ، وأخته ، أما زوجته ، فقد كانت دموعها تسيل من القلب ، وهم يأخذون طريقهم إلى مقاعدهم فى الطائرة السعودية ، المتجهة إلى الرياض ، فى حين وقف أبو إبراهيم فى الممر يطمئن عليهم ، حتى يأخذوا أماكنهم ويقعدون كلهم ، ثم يجلس أخيراً فى مقعده المخصص له .

تهبط الطائرة فى مطار الرياض ، حيث يتدفق الشعور بحرارة الشوق ، ودفء الأمان ، وراحة الاطمئنان ، والتلهف لسماع أخبار الغاليين الأحباء ، الذين تتسرب أخبارهم من الكويت إلى هنا مع النازحين من جحيم النيران !

يتوجه الجميع إلى فندق ” إنتركونتيننتال ” المكتظ بأعداد وفيرة من أبناء الكويت ، الذين جمعتهم المصيبة ، وجعلتهم الأزمة يداً واحداً ، لا هم لها إلا السعى والدعاء ، والرجاء ، لإعادة الوطن السليب ، ومتابعة أخبار من هم فى الخارج ، المتواجدين هنا معهم ، وأخبار الأهل فى الداخل .. !

نعم .. كان الوضع فى الداخل عسيراً ، رهيباً ، لا يطاق ، فبعد ، أن وصلت دلال إلى بيت العديلية ، على الفور يخبر جمال أخيه عادل بما حدث فى بيتها ! فيهب عادل إلى زملائه من شباب المقاومة ، ثم يتجهون جميعاً إلى بيت أخته فى السالمية ، ليقوموا بحمل جثمان جدتها الطاهر إلى مثواه الأخير ، ليدفن فى مقابر الرقة ، قبل أن يصل الجنود ، ويلقون به ضمن مئات الجثث التى يمنع دفنها ، وتتكدس أكواماً فى صالة التزلج على
الجليد !!

.. يدفع عادل باب البيت الخارجى ، يصعد بضع درجات ، يدخل إلى الصالة ، يبحث عن جثمان جدة دلال فى المكان الذى وصفته له .. لكنه يقف مشدوهاً ، مستمراً فى مكانه ، كأنه أصبح تمثالاً من حجر .. !

.. إختفى الجثمان .. ! فى حين رأى عادل مكانه شيئاً آخر مرعباً .. ! لم يكن ينتظره أبداً .. أو يتوقعه !!


الفصل العشرون

الديسـكو السفلى .. !

 

يدخل عادل ورفاقه بيت شقيقته دلال فيرى بدلاً من الجثمان عدداً من الجنود المسلحين القابعين فى صمت وسكون فى ” كمين ” بانتظار وصول هؤلاء القادمين الذين سيقومون بالدفن !!

كان الجنود العراقيون يعرفون إن ” المخربين ” الذين يتولون هذه المهمة لن يتأخروا عن الحضور . لابد أنهم سيأتون فى أسرع وقت للقيام بهذا العمل ” الإجرامى ” المضاد للقانون الذى لا يحتمل تأجيل أو إبطاء ! ..

نعم .. كانوا يتوقعون وصول هؤلاء ” الملاعين ” ” بهالوقت ” لأخذ الجثمان ونقله .. ودفنه ! مع إنهم ” هذولة الشياطين ” يتحدون بذلك أوامر ” القيادة ” الواضحة والصريحة ، التى تحرم ، دفن الموتى !! وهم بذلك يستحقون أن توقع عليهم أشد أنواع العقوبة ، وأقسى أنواع العذاب !!

آه .. شلتّ هذه المفاجأة المذهلة عادل ورفاقه الشباب من أبطال المقاومة الوطنية ! فتسمّروا فى أماكنهم ، بسبب هذا الموقف المباغت الذى أوقف عقولهم ، وأعجزهم عن الحركة والتصرف والتفكير !!

آه .. يا للأسف .. يا للأسى .. سقط الأبطال فى الفخ .. صادوهم ! فوقعوا على الفور تحت طائلة تعذيب وحشى ، كى يعترفوا ويرشدوا عن الباقين المشتركين معهم فى أعمال الشغب والتخريب .. ومقاومة السلطات !

.. يستمر العذاب ساعات وساعات ، آناء الليل وأطراف النهار ، يتحول بيت دلال إلى ” مقر ” تعذيب رهيب ، تقشعر له الجدران ، تشمئز منه الحجرات .. حين تنطلق بين أرجائه صرخات الألم . وعويل الوجع . وصيحات العذاب !! تحول البيت الآمن المسالم إلى ” مقر ” مرعب تقع بين جنباته أقذر أنواع التعذيب وأخط أساليب الهوان !

كانوا يستخدمون فى ذلك ، أسوأ الأدوات وأبشع السبل والوسائل ، التى تحطم إنسانية الإنسان ، وتسحق وتدمر قدرته ، وتبدد طاقته على الصبر والجلد والإحتمال ، فقد كان لديهم الكثير من الكيبلات والحبال والحراب والفلقة والسكاكين العسكرية و .. و .. و .. ألخ !!

يتساقط شباب المقاومة البواسل تحت سيطرة أيديهم القذرة الظالمة الباغية ، وهم يقاسون ويئنّون ويتأوهون ، بعد أن مارسوا عليهم ما لا يحتمله بشر من تعذيب وهوان ، وما لا يطيقه أن يصمد حياله إنسان .. أو حتى حيوان !!

وما يلبث أن ينقلوهم إلى مقر التعذيب الرئيسى فى مخفر ميدان حولى بالطابق السفلى الذى أطلقوا عليه إسم ” الديسكو ” حيث توجد كميات ضخمة من أدوات التعذيب الكثيرة كالهوزة المكهربة والعصى الكهربائية والدريل الكهربائى ، والأسلاك الكهربائية ، وصورة صدام المكهربة التى يجبرون المعتقلين على تقبيلها ، فكان شباب المقاومة البواسل ينتفضون . يسقطون . يرتمون . يقعون على الأرض من شدة الألم وهول العذاب !

.. تعلم دلال الخبر ! فتظل تصرخ وتصرخ وقلبها يتمزق قطعاً ، تسيل دماً وحزناً على عادل أخيها وفاقه من أبطال المقاومة ، أصحاب الشهامة والمروءة الذين ذهبوا للقيام بهذا العمل الإنسانى لدفن جثة جدتها ، والذين وقعوا بين أيدى هؤلاء الطغاة الغزاة !

ترتعش دلال خوفاً وهى تتوقع الإعتقال فى أى لحظة من الحين ، لأنها حتماً ستكون ضمن هؤلاء المطلوب القبض عليهم ، هى وجاسم أيضاً ، وباقى الشباب المشتركين فى نفس مجموعة المقاومة !

لهذا ، تنهض فى الحال ، تثب ، تركض ، تنطلق إلى كيفان بأسرع ما يمكن ، حيث تستطيع الإختباء هناك بعيداً عن الأعين التى تطاردها وتبحث عنها .. فى حين يبدأ أخيها الكبير جمال فى تخطيط عدة عمليات إنتقامية ، ثأراً لما أصاب أخته واسرتها ، ولما حّل مؤخراً .. بأخيه ورفاقه !!

تتصاعد أعمال المقاومة ، وفى نفس الوقت تشتد محاولات مناهضتها وسحقها ، فتتخذ كافة أنواع العنف والقمع طريقها إلى تلك القلوب المؤمنة الطيبة المدافعة بيقين عميق ، وإيمان مطلق عن حقها الكبير فى تحرير أرضها ، وتخليص وطنها من هذا المعتدى الظالم البغيض !

تشتعل الأماكن . يتزايد القهر . يستمر العدوان . كما تستمر مقاومة العدوان . لا يأس مع الحياة ، لا قبول بالظلم . ولا تقبل للواقع المفروض ، إنما هى المقاومة ، المقاومة ، مهما كانت الأحوال ، ومهما كانت الظروف !

فى تلك الأثناء .. يتمادى الظالم فى غيّه وبغيه وعدوانه ، تتفشى وحشيته . ينتشر فجوره وظلمه وإمتهانه لهذا الشعب الطيب ، وذلك البلد المسالم ! .. تمضى فترة كئيبة سوداء كالليل ، فلا أخبار تصل عن الأهل .. لا أحد يعلم ما صار عليهم أو حلّ بهم ! .. ففى كل يوم والتالى ، يظلوا يترقبون حضور بعض شباب المقاومة الخارجين من الكويت ليطمئنوا على ذويهم ، فلربما تستطيع سعاد وأهلها الاطمئنان على من بالداخل بإحدى الرسائل السرية ، أو عن طريق بعض المكالمات اللاسلكية .

لكن .. يزداد التعتيم الإعلامى كثافة . تنقطع الأخبار تماماً عن سعاد وليلى وأمهاتهما اللاتى صرن فى حالة يرثى لها ، فمنذ الأيام الأولى للغزو ، والخوف على الأهل فى الداخل يصبح وحشاً مفترساً ينهش نفوسهم ، تحاول سعاد أن تتعزى عن هذا الواقع العنيف الذى يعذبها ، بعدما عرفت أيضاً أن جاسم ودلال صارا لا يفترقان منذ إنضمت دلال إلى نفس مجموعة المقاومة التى يرأسها جاسم !

تظل سعاد تفكر وتفكر فى موقف جاسم نفسه من دلال ! بل .. ومنها هى نفسها !! تصمت سعاد مقهورة مرغمة ، فهى تعرف إنها لا تقدر أن تفعل شيئاً فى مثل هذه الظروف الصعبة الطارئة . تستسلم مضطرة مجبرة للأمر الواقع عليها .. تنرك الزمن الصعب يمارس طقوسه الشاقة القاسية كما يشاء ! تبقى تحاول قدر الإمكان أن تتغاضى عن مشاعر الغيرة والغضب ، وأن تحذف أحاسيس الغيظ والمذّلة والهوان التى تعانيها ، فظروف الإحتلال وسلب الوطن تتطلب أن يتسامى الجميع ، وأن يترفع الكل عن مشاعره الخاصة ، وأحاسيسه الذاتية !

تتشاغل سعاد بالحديث مع ليلى عن نايف ، وكيف أنه إتفق مع خالها أبو إبراهيم على ألا يبقوا فى الفندق يوماً واحداً بعد الآن ، تقول لها :

– خالى قال لى إننا راح ننتقل الليلة إلى بيت نايف فى حى صلاح الدين .. هو وافق بعدما أخبّره نايف أنه إتفق مع جاسم أول ما وصل من لندن على إننا نبقى بالبيت عندهم .. وما فى داعى نظل فى الفندق .

– ومتى راح نترك الفندق ؟!

– إنشا الله اليوم يا ليلى .. اللى أنا دريته من خالى إنهم راح ييجوا يأخذونا الليلة عشان نروح وياهم لأن خالى قال لى إن عندهم فيللاً خاصة بالحريم ، وفيللاً خاصة بالرجال.

وفى المساء ، بعد صلاة المغرب ، يحضر نايف وأمه وأخواته مذنة ونورا ومشاعل ، إلى الفندق ، حيث تستقبلهن أم عبد الله وأم جاسم وسعاد وليلى ، ترحبن بهن ، فى حين
يجلس نايف مع الخال أبو إبراهيم فى غرفته الخاصة ، ثم ينزلان تحت حيث يقوم أبو إبراهيم بتسديد الحساب .

ينتقلون إلى البيت الفخم فى حى صلاح الدين ، فيرى أحمد وأنوار وراكان حمام السباحة فيفرحون به كل الفرح ، إذ أنهم يدركون أنه سيسبحون هنا بلا مواعيد تحدد
للأطفال ، وبلا مربية ترافقهم ، وإن كانت أمهم لن تسمح لهم بالنزول دون إشراف .

يخبر نايف الخال أبو إبراهيم إنه سيضطر أن يقيم فى المستشفى العسكرى ليل نهار لأن البلد فى حالة طوارئ ، وأنه لن يكون متواجداً على الإطلاق هنا فى البيت ، وإن
كان الوالد سيكون موجوداً لتلبية أى شئ يحتاجون إليه . يشكره أبو إبراهيم من قلبه
ويقول له واثقاً :

– لا تحمل همنّا يا نايف أنت بس خليك فى حالك وشوف شغلك . 

يقوم نايف بتعريف أبو إبراهيم على والده ، الذى يهّب مرحباً به مسلماً عليه .. فاتحاً ذراعيه ، وهو يقول باسماً :

– حياك الله .. حياك الله يا أبو إبراهيم .. البيت بيتك يا خوى .. إنتم أهل الدار وحنّا ضيوف عندكم .. يا مرحباً .. يا مرحباً ..

فيرد أبو إبراهيم ضاحكاً :

– ترى حنّا فى بلدنا ما معّود .. وهذا بيتنا ما فى فرق .. كلنا أهل .. حنّا مو أغراب ..

وفى اليوم التالى مباشرة ، يغادر أبو إبراهيم البيت ، بعد أن يطمئن على سلامة الحريم ، وأنهن صرّن الحين فى أيدى أمينة .. يسافر إلى القاهرة ليطمئن على أسرته المقيمة بها ، حيث أن زوجته وكريمتيه سهام ومنال وعيالهما بروحهم هناك ، منذ أن إلتحق إبراهيم بالجيش الشعبى ضمن القوات المرابطة فى حفر الباطن .

يلتقى ابو إبراهيم صديق عمره ، صديق دراسته ، أبو جمال الذى جاء إليه يسلم
عليه ، ويستفسر منه عن آخر أخبار الكويت وعما إذا كان يعرف شيئاً عن أخبار الأهل
داخل الوطن . ينهمكان فى حديث طويل حول الوضع السياسى الحالى عن الكويت ،
وأزمة الكويت .

وبعد قليل يغادر أبو إبراهيم وأبو جمال ليذهبان إلى مقهى فى ميدان ” سفنكس ” بالمهندسين ، حيث يجلسان يتحدثان عن توقعاتهما المرتقبة للموقف السياسى ، وما يلبث أن ينضم إليهما عدد كبير من رجال الكويت المقيمين حالياً فى القاهرة .

يطمئن أبو إبراهيم على أحوال أبو جمال ، يعرف منه أنه بخير وكل الأخوة الموجودين هنا بالقاهرة بخير ، وأنهم يتقابلون من وقت لآخر ينظمون أمورهم ، ويحلّون مشاكلهم ، ويتابعون آخر أخبار وطنهم ، ويرتبون لمقابلة كبار المسئولين لشرح وجهة نظرهم والمناداة برفع الظلم عن مواطنيهم وتحرير وطنهم ، ففى الواقع الجالية الكويتية فى القاهرة لها دور سياسى كبير بارز ونشط ، أيضاً رجال السفارة أنفسهم ما قصّروا فى تقديم كل المساعدات المطلوبة لمواطنى الكويت .

تمضى ساعات المساء رتيبة بطيئة ، فى حين كانت أعداد الأخوة الكويتيين المنضمين إلى الجلسة تتسع بطريقة سريعة .. فأخذوا يتناقشون فى كل الأمور المتعلقة بالوضع السياسى ، وتوقعات إنهاء الأزمة وهم يعانون من مرارة الظروف والشعور بالألم ، والظلم ، والقهر ، فيستغرقون فى متابعة الأخبار عبر شاشة التليفزيون ، بينما تدور حولهم طلبات القهوة والشاى والشيشة .

فى هذه الأثناء .. يشاهد أبو جمال وإلى جواره أبو إبراهيم وباقى الرجال الرئيس حسنى مبارك ، وهو يؤكد للعالم أجمع فى مؤتمر صحفى تبثه وسائل الإعلام العالمية ، وتنقله شاشة التليفزيون أمامهم ، فيسمعونه وهو يعلن :

– إن العالم كله يتفق معنا فى السعى لحل أزمة الخليج سلمياً مع الإستمرار فى الإستعدادات العسكرية .

كما ركّز الرئيس على ضرورة الإنسحاب الكامل للقوات العراقية من الكويت ! يشرد أبو جمال بذهنه .. حيث تحلق روحه تحوم سماء الكويت ، حول عياله وبيته فى العديلية ، يتنهد وهو يتأمل حاله وحيداً بعيداً عنهم .. جمال وسناء وعادل .. وأبنته دلال التى صار له مدة طويلة ما شافها ، لم يطمئن على أخبارها ، يحس ضيقاً يطبق على صدره وهو يفكر فيهم ، كما يشعر بقلق عميق يعتريه ، يصيبه فجأة نوعاً غامضاً من الخوف على مصيرهم ، يظل يدهمه ، يرهبه بعد أن سمع عن الأهوال التى يتعرض لها المواطنون هناك !

فى نفس اللحظة ، داخل الكويت ، كانت دلال حائرة كل الحيرة ، وهى تحس أنها وحدها فى هذا الموقف الشاق الذى يعترضها ، ويسبّب لها كل هذا الضيق والإرهاق ، فهى لا تعرف كيف تتصرف حيال هذا الخطر الذى يحيق بها طوال الوقت ! كما لا تعرف كيف تتقيه ، وكيف تتجنبه ، وهى ترى الرغبة فيها تتلظى فى عيون الناظرين إليها ، خاصة من هؤلاء الجنود المتحكمين فى نقاط السيطرة والمنتشرين فى كل مكان ! هذا ، مع إن دلال كانت تحرص أن تدارى معالم أنوثتها قدر الإمكان بعد أن حذفت تماماً من قاموس حياتها شيئاً أسمه ” الزينة ” أو الإهتمام بالشكل والمظهر بأى أسلوب كان !

ومع الوقت تزداد الظروف صعوبة ومشقة ، فيبدأ تطبيق حظر التجول مما أدى إلى تقلّص نشاط المقاومة القتالى ، وإزدياد العمل السرى ، الذى يشمل البحث عن الأسرى ، ومساعدة الأسر المحتاجة ، وإستلام المساعدات المالية ، وتوزيعها على الأسر ، وحرق القمامة ، ودفن الموتى .. وغير ذلك كثير من الأعمال الفعلية التى تعتبر نوعاً من أعمال المقاومة الوطنية الإيجابية .

ورغم فظاعة الأعمال القمعية وقسوتها ، إلا أن ذلك لم يمنع أن يستمر المواطنون فى المقاومة ، وذلك على الرغم من أن سياسة التعذيب قد تزايدت إلى درجة مخيفة ، مما جعل ساحات النوادى نفسها تتحول إلى ساحات تعذيب ، حيث يتم جلوس المقبوض عليهم فى حلقات كبيرة واسعة داخل الملعب ، ويتم التعذيب واحداً واحداً فى الوسط أمام الجميع ! بحيث تكون نتيجة التعذيب مزدوجة على من يقع عليه التعذيب وعلى من يشاهده !!

لكن .. رغم ذلك لم يتورع جمال عن الإستمرار فى المقاومة ، لم يردعه أو يخيفه شئ يحول دونه والدفاع عن أرض الوطن ، فها هو يشترك فى عملية نسف مركز تجمع الشاحنات التى راح فيها عدد كبير من جنود العدو ، وكان ذلك بعد أن شارك هو وبدر فى عملية تحرير وإنقاذ حوالى سبعين كويتياً كانوا فى أحد السجون العراقية بمنطقة صفوان ، كان من بينهم راشد وعبد النبى وعلى الذين تم تحريرهم إستطاعوا بحمد الله أن يعودوا جميعهم فى سلام هم والمجموعة التى شاركت معهم فى هذه العملية إلى الكويت ، وكان من بينهم محمد وناصر وكاظم الذين استطاعوا إنقاذ عدد كبير من الأسرى وتحريرهم .. حمداً لله .. سلمت يد أبناء الوطن البواسل .

فى الواقع .. الكل سواسيه أمام رجال الفرق الخاصة ، الذين تربطهم بصدام حسين صلة قرابة مباشرة والذين أرسلهم بعد أن صار يخشى تذّمر الجيش العراقى عليهم ، مما جعله ينفذ حكم الإعدام فى أعداد كبيرة من الضباط ذوى الرتب المختلفة الذين أدانوا ورفضوا المشاركة فى غزو الكويت .

كان عدد كبير من ضباط الجيش العراقى فى حالة إستنكار ونفور من تلك الأوامر العسكرية الصادرة إليهم من صدام حسين والتى تأمرهم بممارسة أعمال العدوان البشعة ، مما جعل حالة من الرفض تنتشر بينهم ، لذا قام صدام بتدعيم الحرس الجمهورى بهؤلاء القوات الخاصة المرتبطة مباشرة به وبأسرته ، ليباشروا بأنفسهم تنفيذ تلك الأوامر اللاأخلاقية واللاإنسانية !!

لذلك .. كلما إزدادت حركة المقاومة الكويتية من أجل الدفاع عن الوطن ، إزدادت بالتالى حركة مناهضتها ، مما أدى إلى وقوع الكثير بين أيدى هؤلاء الظالمين الذين لم يتورعوا عن إيذائهم وتعذيبهم ، والتنكيل بهم ، إلى درجة القتل والتمثيل بجثثهم ، بعد التعذيب أمام أهاليهم وأقاربهم ومنع دفنهم .. ! يا الله .. الصبر يا رب .

لهذا .. كان طبيعى أن يزداد العبء النفسى والبدنى على جاسم ، الذى بدا مرهقاً بعد أن فقد الكثير من وزنه فقد كانت الحالة الصحية فى الكويت متدنية للغاية ، إلى درجة أن المؤتمر السابع والثلاثين لشرق البحر المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية بدأ يعرب عن قلقه إزاء تدهور الأوضاع الصحية فى الكويت ، وأكد أن الإحتلال أدى إلى تدهور كبير فى الرعاية الصحية للمقيمين فى الكويت وإلى تردى الأحوال الصحية ، الأمر الذى يعتبر خرقاً صارخاً لدستور منظمة الصحة العالمية !!

.. ولم يكن يخفى على عين أحد مظاهر الضعف والوهن والإرهاق التى بدت على دلال أيضاً ، فهى لم تكن تنام بالقدر الكافى ، ولم تكن تأكل بالقدر الكافى ، كانت فقط تفكر كيف تقاوم ، وكيف تنتقم . وتنتقم . وتنتقم !

نعم .. تنتقم من أجل وطنها ، من أجل أمها المغتصبة التى يكاد يختل عقلها ، من أجدل جدتها التى لا يعرف أحد حتى الآن مصيرها ؟! وهل دفن جثمانها ؟! أم أنها كانت فى غيبوبة السكر كما تقول أمها وإستردت وعيها وخرجت على غير هدى للبحث عنهم فضلت طريقها ؟! أم أنهم أسروها ؟! .. عذبوها ؟! .. إغتصبوها ؟! سواء حية كانت .. أم ميتة !!

يلتاع كبد دلال ، عندما تتذكر منظر أمها والدماء تسيل من فمها ، حتى تبلل أقدامها .. ومنظر جدتها ودمائها تنزف من رأسها فتخفى ملامحها وتغطى رقبتها وصدرها .. ! آه .. هنا تسترجع دلال المنظر الدامى بكل تفاصيله المرعبة .. فيبدأ يتسرب الشك داخلها .. تبدأ تساورها أفكاراً رهيبة مخيفة ، تحوى إحتمالات صحة إتهام أمها ، بأن جدتها لم تمت بعد .. وأنها ما زالت على قيد الحياة !! لكن .. تستعيذ دلال بالله من الشيطان الرجيم الذى يتعسها ويشتقها بهذه الظنون والشكوك .. فجدتها كانت مفتوحة العينين على آخرهما .. وكان الموت مرتسماً فيهما !!

تتعذب دلال بمصير إبنتها ، بعدما ساءت حالتها الصحية ، التى ترتب عليها إصابتها بعاهة نفسية بالغة الأثر ، أدت إلى تعثرها فى الكلام ، وإضطرابها ، وخلخلة سلوكها ، وتبولها اللاإرادى ! وكانت الحاجة إلى وجود طبيب نفسى مختص حاجة ماسة ملحة وأساسية .. لكن كان ذلك مطلباً مستحيلاً فى ظل هذه الأوضاع الصحية المتردية !

كذلك .. كان العمل بالنسبة لجاسم كطبيب عملاً صعباً عسيراً ، بل مستحيلاً ، فكمية الدواء ظلت تتناقص إلى حد يشّل حركته كطبيب جراح ، كما أن المواد اللازمة والمساعدة ، والأدوات المطلوبة لإجراء العمليات الجراحية ، أخذت تقل وتقل ، رغم أنه قد إستطاع بفضل معاونة الزملاء الأطباء الحصول على كمّ وفير من الدواء ، إلا أنه أخذ يقل ويتناقص .. ويتناقص !

ولم يكن يخفى هذا الوضع الصحى المتردى على رجال الحكومة ، فطلبت الكويت من الأمم المتحدة إرسال إمدادات طبية عاجلة لإنقاذ المرضى فى الكويت الذين يموتون بسبب نقص الأدوية ، بعد أن تمت السيطرة على جميع المستشفيات التى سلبت ، وجردت من الأدوية والأجهزة .. !!

كان الوضع متردياً ، كما كان جرح الروح غائراً ، فهاهو ملعب النادى الذى يحبه جاسم ، والذى طالما لعب فوق أرضه وركض تحت أضوائه ، قد تحول إلى ساحة شاسعة للتعذيب الجماعى ! وهاهى الطرق المؤدية إليه صارت خاضعة لنقاط السيطرة المحكمة ، التى لا يبعد بعضها عن بعض ، أكثر من مائة متر والمزودة بجميع صنوف الأسلحة حتى صواريخ أز. بى. جى. !!

يتأزم الوضع أكثر وأكثر ، فيصبح الشعور بالخطر الداهم مسيطراً على قلوب الجميع ، فأقل حركة تنذر بالمداهمة والقتل ! والتعذيب لا يحتاج إلى شرح أو وصف بعد أن تجاوز كل حد !!

لذا .. يشتد الصراع فى نفس دلال فهى تفكر الحين فى العودة إلى العديلية لتطمئن على أمها وابنتها ، لكنها تتردد لأنها تودّ أن تبقى إلى جوار جاسم تشد من أزره ، تشجعه على الإستمرار فى عمله الذى يحتاجها معه ، بالذات بعد أن زادت أعباؤه ومسئولياته ، وبعد أن أصبح رمزاً للمقاومة والصمود والتصدى ، وبعد أن صار فى عينيها بطلاً وأخاً وصديقاً عزيزاً ، تتمنى أن تسانده وقت المحنة ، وقت الضيق ، وأن لا تتخلى عنه وهو فى أمس الحاجة إلى وجودها ومساعدتها .. !

حقاً .. الإختيار صعب ، والأصعب أتخاذ القرار ، قبل أن يبدأ خطر التجول الذى يسرى عى الجميع مع حلول المساء .. وبينما كانت دلال تفكر فى الذهاب إلى بيتها ، رغم إحتمالات الخطر التى تعرّها للقبض عليها بعد أسر شقيقها ، وبينما كانت تفكر حائرة مترددة بين البقاء والرحيل ، إذ بها تشهق شهقة رعب مكتومة وهى ترجع فجأة إلى الوراء ، فترتطم بالحائط بشدة وهى ترى باب السرداب يفتح بهدوء .. ويدلف من خلاله ضابطاً مسلحاً من ضابط القوات العراقية العسكرية !!

ترفع دلال يدها تكتك صرخة رعب تكاد تخرج من فمها ، وهى تضع يدها الأخرى فوق قلبها ، فهى تعرف ماذا سيحل بهم ، كما تعرف سوء مصيرهم ، لكن .. إذ بها تصرخ فى فرح وحشى وجنون وقتى :

– بدر .. بدر .. خوفتنّى .. ظنيتك واحد منهم .. ظنيتك واحد منهم !

يسكتها بدر بإشارة من يده ، وهو يقول لهم فى صوت خفيض وتوتر بالغ ، وقلق ظاهر موجهّاً كلامه إلى جاسم بحيث يسمعه الجميع :

– ياللا .. بسرعة .. قوموا .. ترى راح يحاصرون المنطقة كلها الحين يفتشون عن شباب المقاومة .. قوموا .

ينظر جاسم حوله وقد قطّب جبينه ، وتصلبتّ أصابعه على المشرط الذى يخرج به رصاصة من كتف أحد شباب المقاومة وقد وقف حائراً بين إتمام العملية وبين إتمام العملية وبين المبادرة بالفرار والهرب ، لكنه قبل أن يتحرك من مكانه ، يسمع الجميع بمن فيهم بدر صوت سيارة جيب عسكرية تقف أمام باب البيت .. يهبط منها جنود عراقيون تدل عليهم لهجتهم وقرقعة أسلحتهم !

تسند دلال ظهرها للحائط خلفها قبل أن تقع على الأرض من شدة الفزع ! فى حين تبرز عيناها هلعاً ورعباً مما ينتظرها على أيدى هؤلاء الجنود المدربين على فنون القتل والتعذيب ! يجمد جاسم مكانه . تتغير ملامحه . تتصلب أصابعه ! .. فى حين يخيم الظلام .. يكف الهواء عن الحركة .. تتوقف الأنفاس تماماً .. بينما يدور بدر بسرعة حول نفسه يقفز السلم صاعداً رافعاً سلاحه فوق رأسه صارخاً بأعلى صوته .. !


الفصل الواحد والعشرون

الحفيد بن الشهيد !

يصعد بدر الدرج فى سرعة الصاروخ ، يصرخ فى وجه الجنود بلهجة عراقية
متقنة :

– حرك .. ياللا .. قبل .. قبل .. هربوا المخرّبين .. ماكو أحد داخل .. ياللا .. لحقوهم .. حرك قبل ما يروحوا مخبأ ثانى ..!

ينظر بدر إلى السائق نظره مخيفة نافذة وهو يقول بلهجة آمرة :

– ياللا .. حرك .. قبل .. قبل ..

ينطلق الجنود بالسيارة مسرعين ، طاعة لأمر ضابط المخابرات من القوات الخاصة ، الذى لا ترد له كلمة ، ولا يعصى له أمراً ! تنطلق السيارة بهم بأقصى سرعة لمطاردة المخربين الهاربين .. دون أن يعرفوا إلى أى طريق يتجهون ! .. ولا .. من هم هؤلاء المطاردون المخربون الهاربون !

يدور بدر بسيارته دورة قصيرة ، وما يلبث أن يعود فى الحال ملتفاً بظلام الليل ، فينزل إلى السرداب ، يتعاون مع جاسم ودلال فى نقل الجرحى إلى سيارته ” الجيمس ” ذات الأقرام العسكرية ، بعد أن إنتحل شخصية ضابط الإستخبارات القتيل الذى زوّر عبد الله هويته ، وإرتدى هو ملابسه !

كان عبد الله شقيق بدر يتقن عمل الهّويات ، ينفذها صورة طبق الأصل ، ساعده فى ذلك تدربه الدقيق على رسم الخطوط الهندسية ، وإتقان الرسومات الفنية التى إعتاد أن يقوم بها منذ التحاقه بكلية الهندسة بولاية ” بوسطن ” بأمريكا ، فى الحقيقة ، لم تكن تواجهه أدنى صعوبة فى تقليد أى هوية ، لذا كان لدى بدر عدداً ضخماً منها ، يضم جميع الجنسيات ، فكان يتصرف فيها كيفما يشاء ، مما ساعده كثيراً على التنكر ، والتقمّص ، وإنتحال أى شخصية يريدها ، فقد كانت موهبة بدر ومقدرته على التمثيل ، طبيعة فطرية ، لا تحتاج إلـى جهد كبير ، ولا تتطلب منه أداءاً مصطنعاً !

.. كان من المستحيل أن يكشفه أحد ، أو يشك فى أمره أحد ، فقد كان ما يفعله ، من صوت وحركة وطريقة كلام ، كلها تصرفات تجعل منه صورة طبق الأصل من الشخصيــة .

كان بدر يمتلك إلى جانب تلك الموهبة والمقدرة وخفة الحركة ، وسرعة البديهة ، وحدّة الذكاء .. كان أيضاً يمتلك أسلحة أخرى أساسية ، أهمها خفة الروح والدم الظاهرة ، والقدرة على الخروج بسرعة خارقة من الموقف المتأزم ، إلى جانب أنه كان يتقن ألعاب الجودو والكاراتيه والتايكوندو !

ينتقى بدر إحدى البنايات المحترقة ، يحدد موقعها ، يأخذهم إليها بسرعة ، يتركهم داخلها فى هدوء وصمت ، ينطلق مبتعداً حتى لا تدل السيارة الواقفة أمامها بأن أحد بداخلها ، وذلك بعد أن وعد جاسم وأكد لدلال ولباقى الشباب ، بأنه لن يتأخر كثيراً عنهم وبمجرد أن ينفك الحصار ، وينصرف الجنود ، سوف يعود إليهم فى أول فرصة تسمح بذلك لإخراجهم من هذا المخبأ المهدم ، وأخذهم إلى مكان آخر أنظف وأرتب . فقط .. يجب الإنتظار إلى أن يغادروا المنطقة ، ويبتعدوا عنها .. !

كان هذا هو الحل الوحيد المتاح أمام بدر ، أن يخبئهم فى هذه البناية المحترقة
المدمرّة التى قصفها الجنود بمدافع آر. بى. جى منذ أيام ، والتى لا ينّم مظهرها عن بادرة واحدة توحى بالحياة ! لأن منطقة كيفان قد تم محاصرتها الحين ، وصارت محاطة كلها من الخارج ، ثم بدأوا يفتشون عن بعض الشباب المشتركين فى أعمال المقاومة فى الداخل ، بعد أن وصلتهم إخبارية عن ممارسة نشاطهم التخريبى كما يقولون ! لذا كان لابد من الصبر والتحمل إلى أن تنتهى هذه المداهمة ، ويكفون عن عمليات التفتيش ، ويعودون من
حيث أتوا .. !

ولم تكن هذه هى البناية الوحيدة التى تم إحراقها ، بل كانت هناك بنايات كثيرة مثلها ، بعد أن هاجم الجنود المعتدون المنطقة بأكملها وعاثوا فيها فساداً لدرجة أنهم إستعملوا أعمدة النور المنتصبة فى شوارعها ، لتعليق جثث الرجال الأبطال ، بعد شنقهم عليها .. !!

.. تظل دلال داخل المخبأ تنتفض رعباً ، فالظلام دامس ، والمكان مقبض ، وآثار الحريق تترك السواد مفروشاً على الحوائط والأرضيات ، وبقايا الأثاث تتناثر فى فوضى كأنها أشباح الفزع والهلع فى قلبها ! كأنها ترى مشهداً فى أحد أفلام الرعب التى يتوقع المشاهد أن يرى فيها ” دراكولا ” خارجاً من بين طيات الظلام كاشفاً عن أنيابه الطويلة البيضاء ، وقد غطتها الدماء الحمراء ، بعد أن إمتص سائل الحياة من ضحاياه !!

كان الموقف مخيفاً .. مخيفاً .. فصوت عجلات السيارات اللاهثة التى تعبر الشارع بجنون يثير الفزع ، يدفع الدمع إلى عينّى دلال التى تتوار خائفة خلف بقايا مقعد محترق ، وهى تكاد أن تغيب عن وعيها ذعراً ، وخيالها بعيداً حول إبنتها اليتيمة ، وأمها المريضة ، وأهلها فى العديلية ، الذين لا يعرفون مقرها ولا مصيرها .. !

فى تلك اللحظة الحرجة المحبطة كان جاسم يقف ملتصقاً بالجدار يرقب الطريق بإحدى عينيه حتى لا يلمحه أحد ، بعد أن سمع صوت إحدى السيارات المجنزرة التى تجوب المنطقة بحثاً عن شباب المقاومة .. تقف بالقرب من البيت الذى يختبئون داخله .. !!

تمضى دقيقة ، تعقبها دقيقة أخرى تمر بسلام ، فيشعر جاسم ومن معه بأنهم قد تجاوزوا حد الخطر ، لكن .. الموقف برمته ، كان يهز وتراً حساساً فى قلب دلال التى بتأثير هذا الإنفعال الشديد ، وهذا الجهد النفسى والعصبى المتصل ، يعاودها حلمها التعس القديم ، الذى يم يتحقق منه شئ ، تعود تحتل مخيلتها أحداث حياتها كلها دفعة واحدة ، فتضيق نفسها بعذاب السنين التى عانتها وقاستها ، وتعود تعانى عبء الماضى بكل همومه وإحباطاته ، وهول الحاضر بمخاطره وعدم إستقراره ، فتبدأ ترقب فى أسى المستقبل الغامض عبر ذلك الغد ، الذى لا ملامح له ولا تفاصيل .. !!

فى الحقيقة ، كانت دلال تعانى حالة من العجز والجزع ، بعد أن إكتشفت أن الشعور بينها وبين جاسم قد أصبح شعوراً غريباً ، يزيد من العطف والشفقة والصداقة ، لكنه ليس شغفاً ، ولا شوقاً ، ولا حتى حباً بأى حال من الأحوال ! نعم .. لم يعد حباً ، إنما هو شعور آخر عجيب غامض غريب ! شعور نشأ بعد أن غيّرت الظروف المشاعر ، وتدخلت الأحداث فى تسيير الإحساس ، وجعلت المواقف المحبطة المتكررة من دلال واحدة أخرى ، تختلف عن دلال التى تعرفها عن نفسها ! شعور ظهر بعد أن صهرت صعوبة الواقع الجديد جاسم ، وجعلت منه رمزاً من رموز المقاومة ، وحوّلته إلى واحد من هؤلاء الشباب الأبطال الذى يحفل بأحاسيس التضحية والفداء ، وبذل الروح رخيصة من أجل الوطن !

.. وفجأة اختلطت هذه المشاعر داخل أعماق دلال .. فبدت من بين طيات الظلام مخاوفها ، أخذت تتحرك حولها كالأشباح – ! فبدأ بدنها كله يرتجف ، وفشلت فى حبس دموعها التى أخذت تنهمر بشدة ، وهى تعانى شعوراً ساحقاً بالضآلة والقلة والنقص يجعلها تعتقد أنها قطة ضالة ضائعة مشردة .. بلا مأوى .. ولا مأمن .. ولا معين .. !!

كانت دلال تتفجّر فى بكاء حار بحثاً عن شئ من الطمأنينة والأمان ، كان بدنها يهتّز من شدة التأثر والإنفعال الذى ينذر بإنعدام هذه السيطرة وفقد أعصابها وإتزانها ! فتحرك نحوها جاسم بحذر وخوف مبتعداً عن مكانه فى هدوء مقترباً منها فى قلق ملطفاً ، محاولاً التخفيف عنها ، خشية أن تتفاقم حالتها ، وتصاب بنوبة هيسيترية تجعلها تصيح وتصرخ ، فتلفت النظر إليهم ، ويضيعون كلهم !

يقترب منها جاسم ، لكنه يقف حيالها مرتبكاً ، منزعجاً ، حائراً ، عاجزاً ، لا يدرى ماذا يفعل كى يطمئنها ، ويخفف عنها إنفعالها وخوفها ، إنقاذاً لحياتهم وحياتها ، وهنا .. ينطلق صوت شاب من جرحى المقاومة الراقدين على الأرض ، ينطلق صوته شعاعاً من نور سماوى مبدداً ظلمات الليل ، منيراً للقلوب بضوء الأمن والأمان والإيمان .. فتتبدد عتمة الخوف ، ووحشة اللحظة ، حين يرتفع صوت الشاب عذباً ، عميقاً ، عالياً ، مرتلاً آيات الذكر الحكيم :

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللَّهُ  لاَ  إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ  لاَ  تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا  فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا  خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ ”

صدق الله العظيم

.. عندئذ يسبغ الله السكينة والهدوء عليهم ، والطمأنينة والراحة والأمان . ترتاح دلال .. يزول عنها التوتر والعصبية والشعور الطارئ بالضعف والوهن . تحمد الله الذى رفع عنها هذا الإحساس الثقيل ، المقبض ، الذى كان يطحنها ، يهدّها ، يخيفها .. تغمغم دلال وهى تغمض عينيها من الإعياء ، إعياء الخوف الذى كان يرهقها ، وكاد يضعفها ، يهدمها ، وهى تقول :

– الحمد لله والشكر لله .. لا تخاف علىّ يا جاسم .. أنا بخير .. أنا بخير .

يعود جاسم يقول بصوت هادئ واثق :

– إشتّدى يا أزمة إنفرجى .. وانشا الله تتحسن الأمور يا دلال .. ما تضيق إلا ما تنفرج .. تحملّى يا دلال .. تحملى .. أنت أخت الرجال .

وهنا .. تحس دلال أنها حقاً صارت أختاً لجاسم ، وأختاً لكل هؤلاء الشباب الأبطال الموجودين بجوارها ، أختاً عزيزة كريمة فاضلة ، لا ينقص قدرها شيئاً ، ويفرض إحترامها وتقديرها على الجميع ، فتهدأ .. وتسكن .. وترتاح .

يطمئن جاسم على حالة دلال ، فيق ينظر فى حزن وأسى إلى هؤلاء الشباب الراقدين على الأرض بجراحهم المفتوحة التى ما تزال تنزف ، فيلتصق الرماد والتراب بأجسادهم مما يعرضهم للتلوث ، ويتهدد حياتهم بخطر الموت .. ! كان جاسم يتمزق من القهر والغيظ ، وهو يشعر بالعجز التام وعدم القدرة على عمل أى شئ لإنقاذهم ومساعدتهم فى مثل هذا الموقف .. !!

فى الواقع .. لم يكن جاسم قادراً على فعل شئ ، أى شئ ، سوى التفكير فى أسرته ، خاصة صغاره الذين إشتاق إليهم ، وظل يحمل همهم لو أصابه شئ الحين ، فيتربون بعده أيتاماً .. ! كان قلبه يتحرق شوقاً لرؤيتهم .. والإطمئنان عليهم ، فقد كان يعرف أنهم يعانون كثيراً لغيابه عنهم ويتعذبون بسبب خوفهم عليه .. فهو يعرف أن إبنه أحمد طفل ذكى ، نبيه ، حساس للغاية وأنه يعانى كواحد من الشباب الكبار من هول الأحداث الجسام ، وربما أكثر !

وكان أحمد فى ذلك الوقت فى الرياض ، يمسح دموع حزنه . يحاول أن يعود إلى نفسه ، يتماسك قليلاً كى يتحدث مع جدته أم جاسم ، عن والده :

– يا ترى وين أبوى الحين ؟! .. أنا خايف وايد عليه .. ودى أشوفه .

تتأثر جدته لمرأى الحزن على وجهه ، فتثور مشاعرها خوفاً على أبنها ، وحسرة على زوجها فتبكى بكاءاً مريراً ، وتظل تنتحب وتنتحب وتنتحب ، فى حين يظل أحمد يتعذب ويتعذب ، فهو يتشاق العودة إلى الوطن ليلتقى مع أبيه وجده وإخواله وليعود إلى بيته ، ليقضى العطلة مع بنات خاله عبد الله ، ومنصور أبن خاله فيصل صديقه وحبيبه .

لكن .. كانت الأيام تمضى ثقيلة ممّلة ، فالإنتظار قاتل رهيب ، والخوف فظيع ، والقلق وحش يفترس النفوس ، مع أنهم كانوا ساكنين فى بيت أهل نايف فى حى صلاح الدين بالرياض ، وكان أحمد ونوار وراكان يلعبون مع أولاد مذنة ، وبنت نورة ، ويلهون معهم فى حمام السباحة طوال النهار .. !

كانت مذنة ونورة ومشاعل وأمهم فى غاية الذوق والمودة معهم ، والترحيب بهم ، فى حين كانت مشاعل مخطوبة ، وفى أغلب الوقت مشغولة بالحديث مع ليلى عن حياتها المقبلة مع خطيبها ، فقد كانت تجمعهمها لغة الشوق والحب والإنتظار والفرح القادم السعيد بعد إنتهاء الأزمة بإذن الله .

كان للفتاتين أحاديثهما الخاصة ، ولغتهما الخاصة عن الحياة الجميلة فيما بعد الحرب ، إنشا الله ، وكانت مشاعل تسعى دائماً للتخفيف عن ليلى حزنها ، وخوفها ، بالحديث عن نايف ، وعن خطيبها ، كى تحيد بعض الشئ بأفكارها ، فلا تتركز دائماً حول الوضع الحالى للأزمة ، الذى يرهق قلبها ، ويشقى نفسها !

فى الحقيقة .. أخوات نايف كن فى غاية اللطف مع ليلى ، كن متعلقات بها ، يحببنها وكن معجبات بأخلاقها الحلوة ، وذوقها ونعومتها ، وكن يتألمن كل الألم ، ويشفقن عليها وهن يرينها تبكى والدها ، وتبكى ظروفها الصعبة التى تجعلها تعيش الخوف والقلق على أخيها ، وأهلها ، وعلى سير الأحداث .. التى سوف تحدد مصير حياتها .. !

أما الأب والد نايف فلم يكن يراه أحد ، لم تكن تقع عليه عين إنسان ، فهو مقيم فى جناح الرجال ، دائم التواجد فى غرفة مكتبته الواسعة ، التى تغّص بآلاف الكتب ، باللغتين العربية والإنجليزية ، وهو مشغول دوماً بالقراءة والصلاة وترتيل القرآن ، داعياً الله أن تنزاح هذه الغمة وأن يفك الله هذا البلاء .

آه .. إنها أياماً سوداء على الجميع ، فطول الوقت النساء لابسات السواد وهن فى حالة ترقب وإنتظار ، وطول الوقت توجد مساندة من مذنة ونورة ومشاعل ، والأهل عموماً ، لكن الأمهات ، كل واحدة منهما تقاسى حزنها ، فهما لا تستطيعان أن تناما ، أو تأكلا ، صار القلق .. لا يحتمل .. لا يحتمل .. لا يطاق .. !

ولم تكن سعاد أقل من غيرها حزناً وعذاباً .. كان الواجع يلوى أعماقها ، يكاد أن يفقدها عقلها ، بعد أن طال وقت الأزمة ، وتشابكت الظروف ، وأصبحت الأحوال تتراوح بين أحاسيس الخوف والذعر والرعب والتوتر والقلق .. ! أصبحت سعاد تشعر أن الحياة صارت بالنسبة لها معركة شرسة حامية ، تدور رحاها داخل القلوب والصدور التى يمتزج بها الحب بالحرب .. !!

نعم .. هذا شئ واقع ، فالأحداث فوق قدرة البشر ، ولا يستطيع أن يتدخل فى صياغتها أفراد ، لا هى ، ولا جاسم ، ولا دلال .. لذا .. لا تستطيع سعاد أن تتصور من التى ستنتصر فى نهاية هذه الحرب ومن التى سوف تغنم جاسم ، ومن التى سوف تنهزم وتسحق .. وتمضى بعيداً عن جاسم ؟! حقاً .. لا تعرف سعاد إجابة لهذا السؤال !!

و .. كالجمر القانى المتقّد تكوى دموع الحزن وجناتها . تحرق قلبها حرقاً . فهى لا تستطيع أن تبوح بأحاسيسها التى تحفل بالحب .. والغيرة ، والحنق ، والغضب . الغضب الصامت الأخرس الذى لا تقّدر أن تنطق أو تبوح به ، فهى تستحى أن تتحدث مع أحد
ولو بكلمة واحدة فى هذا الموضوع ، بالذات فى مثل هذه الظروف الصعبة ! فهذا ليس وقته ولا أوانه !! هى تدرى ذلك . هى تعلم ! لذا .. هى تحترق بنيران مشاعرها ، وتتلظى
بجمر حبها .. !

تنطوى الليلة ، مثل كل ليلة ، على الحزن والألم الذى يفتك بنفس سعاد ، فيذيب بدنها ، ويجرح روحها التى تطوى الليل تدارى به جراحها .. ! وتنطوى الليلة كواحدة من الليالى السابقة التى صحبت سعاد فى وحدتها وحسرتها وحنينها وحبها وأنينها ، وهى تبات ساهرة ، مسهدة ، مؤرقة ، لا تعرف كيف تواسى نفسها ، كما لا تعرف كيف تطفئ النيران المشتعلة فى قلب قلبها !

كانت سعاد تستسلم للواقع الصعب فى هدوء وصمت ، منذ أن خيّم شبح الحرب المفزع على الجميع ، وتحكم فى تسيير حياتها ، بأن فرض عليها البعاد قسراً عن زوجها ! وقرّيه فى نفس الوقت من دلال ، غريمتها فى غرامه ، التى ظلت تقترب منه بنعومة قاتلة .. وفى يدها سلاح حاد هو حبها العنيد المستميت لجاسم ، ورغبتها الدائمة فيه ، وإصرارها على الوصول دوماً إله !! فهى لا يردعها ولا يبعدها عنه شئ فى هذا العالم ، وهى تستغل ببراعة كل الظروف والمواقف ! نعم .. حتى ظروف الحرب عرفت دلال كيف تستفيد منها !
عرفت كيف تتقن إستخدامها ، لتقترب من جاسم أكثر ، ولتكون إلى جواره أكثر ..
وأكثر .. وأكثر .. ! . 

تسرح سعاد بذهنها ، وإحساسها يختلع فى صدرها ، وهى تعّد الأيام والليالى
والشهور الطويلة التى مضت وجاسم بعيداً عنها ، وفى نفس الوقت قريباً من دلال !!
بعد أن تحكمّت الحرب فى مصير قلبها .. وتدخلت فى صياغة إحساسها وشعورها ، كلما أيقنت أن جاسم ، زوجها ، حبيبها ، موجوداً أغلب الوقت مع دلال .. هناك ، داخل الوطن .. بعيداً عنها ، بعيداً عنها .. ! فتنطلق سعاد بجناحى قلبها ، تحوم تحلق فى سماء الكويت ، ترفرف روحها تبحث عن زوجها ، لكنها لا تعرف له مقراً ، ولا مكاناً ، فتزداد قلقاً
وخوفاً .. وهواناً !

وتبدأ .. تتسرب إليهم الأخبار عن إختلال الأمن داخل الوطن المغتصب لدرجة أن الشيخ سعود الصباح سفير الكويت فى الولايات المتحدة الأمريكية ، دعى الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى وضع قانون جنائى دولى تتم بموجبه محاكمة الجرائم كالإحتلال العراقى للكويت ، وقال إن الإحتلال العراقى يستهدف تدمير الكويت ! وهو ما يؤكد الحاجة لمثل هذا القانون .

لكن .. على الرغم من ذلك ، لم يكن رجلاً مثل سالم المشهور عنه الكرم والشهامة والوفاء ليقبل أن يتغاضى عن حاجة إخوانه فى الشدة ، فها هو يمد لهم يد المساعدة ، ويتبرع بما لديه من أموال يساهم بها فى التخفيف عن الأهل والصحاب ، حتى مع الأجانب اللذين كانوا يختبئون خوفاً من جنود صدام فى بعض البيوت التى يعرفها سالم جيداً هو وأصحابه ، كانوا أيضاً يزودونهم بالأموال والمؤن ويساعدونهم على الإستمرار والبقاء إلى أن تتغير الظروف وتتبدل الأحوال .

فى الواقع .. لم تكن المقاومة الوطنية الكويتية قاصرة على الشباب وحدهم بل كانت مسئولية الرجال كلهم شباباً ورجالاً ، بل حتى الأطفال ، الصبية الصغار كان لهم دوراً لا يستهان به ! نعم .. لم تكن أعمال المقاومة مسئولية عبد الله وبدر بل كانت مسئولية أبو عبد الله وأبو بدر ، فهاهو سالم الرجل الطيب اللطيف المسالم ينقلب بطلاً من أبطالها ، لا يقل عن لديه تضحية وإنفعالاً وبذلاً وعطاءاً !

فىالواقع .. كان سالم نواة خلية من خلايا تقديم الخدمات داخل منطقة الشامية والمرقاب وما يجاورها من أحياء ، وقد لمس الرجال المتواجدين معه هذا الدور الكبير الذى يقوم به حتى مع الأجانب أو الرهائن ، فقد كان له معهم دوراً كبيراً فى معاونتهم ، ومساندتهم ، بشكل عفوى وسريع .. وعظيم !

كان الدور الذى يقوم به سالم ملفتاً للنظر ، داعياً إلى إثارة الشكوك حوله ، فالأموال الكثيرة التى يمنحها للآخرين والتى تساندهم وتساعدهم على الإستمرار فى تعزيز العصيان المدنى ، كانت شيئاً ملفتاً للنظر ، مما يثبت أمن القضية كانت منظمة جداً ، وأنها ترتبط مباشرة بالحكومة فى الخارج وتشّكل تنظيماً دقيقاً فى الداخل .. !!

لذا أصبحت العين تتجه نحو سالم ، تفتش عن سالم ، لكنه لم يلق بالاً إلى هذا التهديد الخفى ولم يهتم بما يمكن أن يناله ، فقط ، كان إهتمامه مركزاً حول دوره الوطنى ، وما يجب أن يقوم به فى مثل هذه الظروف وفى مثل تلك الأحوال ، التى يحتاج فيها المواطنون إلى مساندة بعضهم البعض بغض النظر عن الأخطار التى تحيط بهم !

لم يستمر الوضع طويلاً كما كان عليه ، تغيرت الظروف بالفعل ، صارت عمليات المتابعة والمراقبة مستمرة ، إلى أن جاء يوم كان سالم على موعد مع الرجال هناك بالمسجد وكان لابد أن يذهب للقائهم ، فقد كان يدرك إن وجوده بينهم يرفع من روحهم المعنوية ، وأنهم بلقائهم جميعهم يتخففون من بعض الأحزان والآلام ، ويتصبّرون على ما يلاقونه من تعذيب تقشعر له الأبدان !

لكن .. حين بدأ سالم يهم بالخروج لأداء فريضة صلاة الجمعة فى المسجد القريب من البيت ، المجاور لجمعية الشامية ، وقف منصور متعلقاً به مصمماً أن يصحبه على أمل أن يصلى فى المسجد معه ، ثم يروح الجمعية بعد الصلاة ليشترى الأغراض التى يحتاجها الأهل فى البيت رغم أنها فقدت الكثير من بضائعها ، وقلت ساعات بيعها ، إلا أنه كان يعتبرها نزهة يحب أن يحظى بها !

فى البداية رفض أبو عبد الله أن يأهذ حفيده الصغير معه ، طلب منه أن ينتظره فى البيت لحين رجوعه فهو لن يتأخر كثيراً ، وسوف يحضر له كل ما يريد من الجمعية ، إلا أن منصور أصرّ على الذهاب معه وصمم على ذلك ، وأخذ يبكى وهو يتحايل على جده كى يأخذه معه .. وهنا نظرت إليه أمه بعين العطف والشفقة وقالت فى حنان :

– خليك فى البيت يا منصور .. ما فى داعى تروح المسجد الحين .. خليك قاعد معانا .. وجدك راح يجيب لك كل شئ لما يرجع .

لكن .. إستمر منصور فى الرفض والبكاء ، وأمام إصراره وتشبثه بالذهاب مع جده تستسلم أمه ، وتسمح له بالخروج ، فهى تعلم تعلقه الشديد به . تسكت على مضض . لا تعترض . تقول لجده :

– ما يخالف يا عمى .. خذه معاك إذا ما كان يضايقك . 

تقبل فضيلة خروجه مضطرة مرغمة ، فيخرج منصور من البيت ، ومعه يخرج قلبها الذى يعتريه شعور كبير بالضيق والإنقباض .. شعور غامض بغيض رهيب .. لا تدرى له سبباً ، ولا تعرف له تفسيراً أو تعليلاً .. !

يقف المصلون يؤدون شعائر صلاة الجمعة ، تنتهى الصلاة ، فيبدأون الدعاء وبينهم سالم وحفيده منصور ، يخرجون من المسجد أفراداً وجماعات ، لكن .. قبل أن يبتعدوا عن بابه الكبير ، يفاجأ المصلون بوجود سيارة عسكرية تربض أمام المدخل وعدد من الجنود والضباط يأمرون أبو عبد الله بالركوب فيها بعد أبلغوا المصلين إن قانون حظر التجمعات يسرى أيضاً على المساجد !!

يبهت الحاضرون . يسقط فى يد أبو عبد الله ! فحفيده منصور معه ، لا يدرى ماذا يفعل ؟! أذهلته المفاجأة ! وهو يخشى عليه أن يناله شر وأذى ، فيطلب منهم أن يذهب الطفل مع أحد الرجال الموجودين فى المسجد ليعيده إلى البيت عند أمه ، لكنهم يرفضون تلبية هذه الرغبة الإنسانية ، ويصرّون على أن يركب الحفيد معه .. لا .. بل قبله إذا أمكن ذلك !

ويرفض منصور أيضاً أن يترك جده ، يظل متشبثاً به ، يمسكه بشده وهو يبكى خائفاً من منظر الجنود وشراستهم التى بدت فى معاملتهم الخشنة لجده ، وصراخهم عليه حين أمروه بالركوب معهم بالقوة .. يطبق الطفل على كف جده بكلتا يديه ، وهو يبكى ويقول :

– لا .. لا تخلينى .. أنا باروح وياك .. راح آجى وياك .. !

وحيال هذا الموقف المأساوى الذى يمرّ سريعاً فى لمح البصر ، لا يستطيع أبو عبد الله أن يفعل شيئاً آخر لإنقاذ الحفيد ابن الشهيد ، سوى أن يقبض بقوة على ذراعه ، ثم يرفعه ، يحمله ، يضمه ، يحضنه ، وهو يصعد به السيارة العسكرية ، وأصابع منصور الصغيرة ما تزال تتشبث به ، تتمسك به ، فى حين يبقى منصور متعلقاً بجده ، يحضنه باكياً خائفاً وهو يأبى أن يفارقه .. بينما تنطلق بهما السيارة إلى جهة مجهولة .. ومصير غير معلوم .. !!


الفصل الثانى والعشرون

الباطل الواضح

لم يعد أبو عبد الله ! ولم يرجع منصور ! يجن جنون عبد الله عندما يعرف خبر القبض على أبيه وأبن أخيه !! بعض الجيران وشهود العيان أخبروهم بما حدث ! يتمزق عبد الله من الغيظ والقهر من هذا الفعل الإجرامى اللاإنسانى الذى لم يفرق بين رجل كبير وطفل صغير تم أسرهما معاً .. بلا رحمة ولا تمييز ! يريد عبد الله أن يذهب إلى المخفر فى الحال يسأل عنهما لكن ، الكل يمنعه .. قالوا له أنت لو رحت المخفر برجليك فلن تخرج منه إلا على ظهرك ! .. سيصدونك ، سيقتلونك ما راح يخلوك تطلع حىّ .. إلا لو نقلوك أسير إلى سجن من السجون هناك .. حاذر .. لا تروح .. لا تروح !

يأخذ عبد الله بالنصيحة ، لكنه يستشعر الخوف والقلق ، فهذا مؤشر معناه أنهم سوف يحضرون سريعاً إلى البيت يفتشون عن أى شئ يدين والده ، يثبت أى تهمة عليه ! فإذا وجدوا فى البيت علم ، أو كاميرا ، أو طلقة رصاص .. سوف يعتبرون ذلك دليل إدانة يقتلونه بسببها .. رغم أنهم ليسوا فى حاجة إلى دليل يبرر القتل .. ذاك الذى يمارسونه دون حاجة إلى دليل .. أو ضمير !

تندفع الأحداث بسرعة البرق .. تتداخل .. تتداخل الظروف فى لمح البصر . تمضى الساعات أشد سواداً من السواد نفسه ، وعبد الله يأخذ حريم بيته ، يتحرك بهن بصعوبة طوال الطريق إلى بيت أهل فضيلة من ضاحية عبد الله السالم .

كان السير والوقوف متقطعاً ، فنقاط السيطرة تنتشر فوق الشوارع والطرقات ، تنشلا الرعب ، وتهدد بالخطف والإيقاف والمصادرة .. والقتل ! يتمنى عبد الله ويدعو أن يبتعد بأقصى سرعة عن بيتهم فى الشامية ، بعيداً عن أعين الجند الذين سيأتون حتماً يقبلونه رأساً على عقب ، ويعتدون على كل من فيه بلا إستثناء ! نعم .. كان عبد الله يتوقع بين دقيقة وأخرى مداهمة بيتهم فى الشامية ، من قبل قوات الرعب العراقية .. !

يجلس الجميع فى البيت بالضاحية ، عند أهل فضيلة ، الذين عرفوا مدى الخطر
الذى يتعرضوان له ، فحاولوا تهدئتهم ، وإدخال الطمأننة إلى قلوبهم ، فالحين الكل يشعر
روح التآخى والتآزر ، تألق مفهوم الأسرة الواحدة ، الذى تنمو معانى المحبة والتضحية والإيثار !

شئ يدينه ، لذا .. كان عليه أن ينفذ شيئين على درجة بالغة من الأهمية .. تبديل أسمه ، وتغيير شكل !

وكان على عبد الله أن يصل إلى بدر بأسرع طريقة ممكنة ، بعد أن تعّذر للغاية الإتصال به طوال الأيام القليلة الماضية .. ! وكما يقولون .. تصل الأخبار إلى من يريدها ويهتم بمعرفتها ! بالفعل ، بطريقة ما ، يعرف بدر أن أخيه عبد الله يبحث عنه ، فيأتى إليه ، يعانقه فى تأثر بسبب إختطاف والده ومنصور ، إلا أنه يداعبه ، ويقول له باسماً مخففاً وقع الحدث خلال هذا اللقاء :

– ها .. أنا قلت لك من أول .. أبو الخبز ينّدل أبو المرق !

يبتسم عبد الله وهو يهز رأسه لأخيه مؤيداً ، معجباً بروح الشجاعة والمرح التى يتعامل بها مع أعتى أنواع الشدائد ، وأصعب المواقف ! يتفق الشقيقان على ما يجب عليهما عمله بعد إعتقال والدهما ، وإبن أخيهما الشهيد ، فيقررا ماذا يجب أن يتم بعد أن أكد بدر لعبد الله أنه قد قام منذ فترة طويلة بتجريد البيت من كل ما فيه من أوراق ومستندات قد تكشف أسمائهم الحقيقية وتدّل على هويتهم الأصلية .

وفى التو واللحظة .. يبدأ عبد الله يمارس عمله الدقيق الذى يتقنه ، فيبدأ فى تصميم وتنفيذ هوية جديدة تتناسب والظروف الحالية التى باتوا يتعرضون لها . كما يبدأ بدر على الفور حملة بحث وإستقصاء وإستفسار – بطريقته الخاصة – عن المكان الذى يحتمل أن يكون والده موجوداً به .. ويستعد هو ومجموعة من شباب المقاومة لتنفيذ عملية جريئة ربما تقودهم إلى التوصل لمعرفة الحقيقة وملابسات الحادث وظروفه !

بعدها .. يسمع عبد الله خبر إغتصاب طفلة عمرها 12 سنة ، تناوب الجنود إغتصابها !! فيعتصر الذعر قلبه عصراً ، وهو ينظر إلى بناته الثلاث ، مريم التى تناهز الرابعة عشر ، ومنى التى تجاوزت الثانية عشر ، وفضة التى تبلغ التاسهة من عمرها ، ويكاد يموت من الخوف عليهن خشية أن ينالهن سوء .. فيظل يقرأ آيات الذكر الحكيم داعياً ربه أن يستر عرضهن ، وأن يحفظهن من كل سوء وشر .

آه .. المسئولية جسيمة فادحة ، فالآن عبد الله مسئول عن زوجته إبتسام ، وبناته الثلاث ، وفضيلة زوجة أخيه الشهيد فيصل وأمها !! آه .. يارب .. الحمل ثقيل يا عبد الله .. الله معك .. كان الله فى عونك .

.. اللحظات تمضى حادة ، عنيفة ، حارقة ، محرقة ، فالظروف تتدنى ، والأحوال تنحدر ، تتدهور ، والخطر يحيق بأهالى الكويت ، يحيط بهم ، يقترب منهم ، وأخبار إعتقالات الشباب تتزايد بعد أن زادت شراسة العدو وتفاقمت وحشيته وضراوته !

تمسىا لحياة فى الكويت فوق تحمّل البشر ، فالموت كما نعرف ، أصبح هو الشئ الوحيد المتاح والمتوفر فى ذلك الوقت ، فهو يأتى فى لمح البصر ويصيب الجميع على أهون سبب !

صراحة .. كان بدر يتعامل مع الواقع البشع بروح التحدى والمغامرة والقوة والمثابرة ، وكان عندما ينجح فى الخروج من مأزق ، أو يتخلص من موقف عصيب ، أو يوفق فى إنقاذ بعض الزملاء المشتركين فى المقاومة ، يقتنع هو ذاته بقدرته أكثر وأكثر ، ويزداد إيمانه بموهبته أكثر وأكثر وأكثر !

وهذا ما حدث ، عندما نجح بدر بعون الله وفضله فى نقل جاسم ودلال وجرحى المقاومة ، فى وضح النهار ، من منطقة كيفان إلى منطقة الرميثية ! حيث تم إخفائهم هناك ! رغم كثرة نقاط السيطرة وإنتشارها ! الحمد لله أعمى عنهم عيونهم .. إنه على كل شئ قدير .

وعلى الفور ، يبدأ جاسم يباشر عمله فى الحال كطبيب جراح إنقاذاً لهؤلاء الأبطال الذين لم يتهاونوا فى التضحية بأنفسهم من أجل الوطن ، ساعده على ذلك توفر بعض العقاقير والأدوية والمعدات والأدوات المعاونة ، المساعدة له على ممارسة عمله الإنسانى .

كان جاسم يناض ضد الظلم بطريقته الخاصة ، بمزاولته الطب رغم كل الظروف المحيطة المحبطة التى تحّد من قدراته كطبيب .. ! لكنه لم يكن من هذا النوع من الرجال الذى يقبل بالهزيمة أو الإستسلام .. ! كان جاسم يقاوم الإحتلال بكل ما يملك من عزيمة وإرادة ، وبكل ما يمتلك من علم ومعرفة ، ولم يكن جاسم ليقبل أن ينحنى إزاء تلك الظروف القهرية غير العادية .

ورغم الحزن والغضب لما حلّ بوالد زوجته ، ذلك الرجل الطيب أبو عبد الله ، وحفيده منصور ، اللذان قام جنود صدام بإعتقالهما .. ! إلا أنه لم يدر ماذا يفعل إزاء هذه المصيبة الفادحة التى حلّت بالعائلة ، فهو يلعم مدى حب سعاد لأبيها ، وتعلقها بمنصور ابن أخيها !

وغم هذا الظلم الدائم الوقوع على الأبرياء ، ورغم هذا العدوان المتصل المستمر الذى يصيب هؤلاء القوم الشرفاء ، فإن النفوس لم تنكسر ، والرؤوس لم تنحنـى .. حمداً لله .
رغم كل شئ ، تبقى المقاومة الوطنية فى الكويت ، التى يقوم بها العديد من شباب الكويت
فى مختلف المناطق ذات دور رئيسى وأساسى فى رفع معنويات الشعب الكويتى ، كما كان لها فى نفس الوقت أثراً كبيراً أدى إلى إرباك وقع فى صفوف قوات الإحتلال الذين إحتاروا أمام هذا العدد الهائل من الشباب الذى تطوع ، وحمل السلاح ، ليقّتص من هؤلاء المعتدين الآثمين !!

كان بدر يوزّع وقته بين مجموعات المقاومة التى تشكّلت فى كل مناطق الكويت الرئيسية ، وكانت أغلب المجموعات تضم بينها بعض العسكريين ، والمدنيين فى حين كان بعضها الآخر على إرتباط بالحكومة فى المنفى ، وبعضها يعمل مستقلاً ، فكان يأخذ على عاتقه التنسيق والتعاون فيما بينها ، خاصة فيما يتعلق بتبادل الأسلحة والذخائر والمتفجـرات !

نعم .. كان بدر يتحرك بخفة ويسر وسهولة ، كالدينامو ، فكان يفلت من قبضة الآثم المعتدى مثل الزئبق ، وكان فى كل ينتحل شخصية مختلفة ، ذات جنسية مختلفة ، بلهجة مختلفة ، بهوية مختلفة ، بحيث لا يقدر أحد أن يمسك عليه شيئاً ، ولا يستطيع أحد أن يتعرف على شخصيته الحقيقية !!

فى الواقع .. بدر كانت لديه المقدرة على أن يبدو هادئاً وادعاً ، يساعده على ذلك شكله البرئ الوسيم ، الذى توحى به ملامحه الجذابة التى تمنح إحساساً دافقاً بالراحة والدعة والإطمئنان ، بعيداً عن أعمال القتل والشراسة والعنف ، التى يقوم بها دفاعاً عن الوطن .. وأهل الوطن .. إنقاذاً للوطن من هذا المحتل البغيض ، الذى لا يرعى حرمة ، ولا يصون عرضاً ، ولا يحفظ عهداً !

وهكذا .. ظل بدر يتصرف بمهارة وخفة ، أخذ يتحرك من ديوانية لأخرى كى يعرف آراء الشباب وأفكارهم لنسق فيما بينهم ، فكان له فى الحقيقة دوراً إيجابياً كبيراً ساعد على إستمرار أعمال المقاومة الكويتية التى تضم عدداً كبيراً من العسكريين الذين زودها بمصادر السلاح ، التى لا يعرف غيرهم أماكن مخازنها التابعة لمعسكرات الجيش ، والشرطة ، والحرس الوطنى .. وكان بدر يستطيع أن يوصل هذه المعلومات من هنا إلى هنا ، إلى هناك ، بحرية تامة وسهولة مطلقة فى الحركة ، كانت تدعو دوماً إلى الدهشة والعجب .. والإعجاب !!

بعدها .. بدأت تشاهد عشرات الآليات العسكرية العراقية المحترقة ملقاه على جوانب الطرق بعيداً عن المناطق السكنية حتى لا تتعرض للإنتقام والقذف والقصف ، فى حين تركزّت مظاهر وآثار المقاومة على الطرق الرئيسية ، وطالت أيضاً سيارات الأجرة العراقية التى فجرّت المقاومة أعداداً كبيرة منها ، وقتلت من فيها ، مما حدّ من هجمة مدنية عراقية كبيرة ، كانت تستهدف الكويت بأعداد غفيرة !

صار بدر ورفاقه فى مختلف مناطق الكويت مثالاً ناجحاً للشباب الكويتى ، الذى رفض إحتلال بلاده ، فلم يهدأ ، ولم يستسلم للظلم الواقع عليه ، ولم ييأس من رؤية الأعداد الهائلة المسلحة للجيش العراقى تجوب أرض بلاده ، بل إندفع فى عمليات مقاومة إنتحارية تثبت للعالم أجمع ، أن الشاب الكويتى بطل يستهين بالروح فى سبيل تحرير الوطن ، وأنهم وقت الشدة .. رجال من خيرة الرجال .. وفقهم الله .

ولم تكن دلال لتقل إندفاعاً عن بدر فى التعبير عن حبها للوطن ، فقد ساعدت كثيراً فى أعمال المقاومة ، فكانت تقوم بنقل السلاح ، كما كانت تشارك فى تلغيم السيارات ، التى كان عبد الله يقوم بتزوير دفاترها ، والتى يوقفها بدر فى مكان تجمّع العدو .. ثم يتم تفجيرها عن بعد !

نعم .. كانت دلال مثالاً ناجحاً للفتاو الكويتية ، ورمزاً طيباً للمرأة الكويتية ، التى كان لها دوراً كبيراً فى مقاومة ومناهضة الإحتلال ، مما أثار حولها كثيراً من الدهشة ، لما تحلّت به من صفات بطولية ووطنية ! حياها الله .

ورغم التهديد الواضح والصريح الذى كان مسلطاً على دلال ، ورغم أعمال الإعتداء والعنف التى كانت تقع على الفتيات والنساء من قبل وحوش الطاغية ، والتى كانت تنفّذ وتمارس بقسوة وشراسة ووحشية ، إلا أن دلال لم تنصرف عن متابعة دورها النبيل فى الدفاع عن أرض الوطن .. وكرامة الوطن .

وكم كانت دلال ثائرة غاضبة ، عندما علمت بإعتقال أعضاء مجلس إدارة جمعية الهلال الأحمر الكويتية ، بعد أن تمت مصادرة كل محتويات الجمعية ، من السيارات النصف نقل ، والسيارات الجيمس والأدوية ، والمواد التموينية والنقود .. تمت مصادرة كل ذلك .. ثم نقل إلى العراق !

أيضاً كانت دلال غاضبة ، وحزينة بسبب إعتقال أبو عبد الله ومنصور حفيده ! كما كانت تتمزق غضباً بسبب أسر أبو جاسم الشخص الوحيد الذى كان يحبها ، ويرحّب بها ، فى أسرة جاسم كلها ! ظلت دلال تحترق من الحزن بسبب إعتقال أخيها عادل وأسره وتعذيبه فى قلب بيتها .. منذ ذهب يدفن جثمان جدتها الذى إختفى .. وإختفى بعده شقيقا !!

تذكر دلال أخيها بكل لوعة الحزن . بكل حسرة الأسى . بكل حرقة الألم . بكل أحاسيس الوجع !! آه .. آه تطلق دلال صيحة حزن تقّطع نياط قلبها ، وهى تذكر والدها وحبه لعادل ، فتتوجع وتتمزق وتتقطع ، وهى تتخيل ماذا سيفعل عندما يعرف نبأ إعتقاله وتعذيبه ؟! آه .. ماذا تراه يفعل عندما يصله هذا الخبر المشئوم ؟!

يشتد حزن دلال ، كما يشتد إحساسها بالظلم والهوان ، فتغرق فى البكاء والعويل ، والنواح ، وهى تكاد تجن كلما تخيلت أن أخيها عادل ، يتعذب ! يتمزق من الألم داخل بيتها هى ! على أيدى هؤلاء الطغاة الذين لا يعرفون ربهم ! ولا يرحمون عباده ! تتعذب هى نفسها حين تصل إلى هذا التخيل ، وهذا التصور ، فتبكى ، وتبكى ، وهى لا تعرف ماذا تفعل ، وهى تحس بنفسها فى هذه الدنيا وحيدة .. وحيدة .. بائسة !

تعود دلال تتنهد فى حزن وأسى وهى تذكر حياتها السابقة مع أسرتها قبل أن يدهمهم جنود الإحتلال ، ويفعلوا بهم ما فعلوا ، قبل أن يقتحموا البيت فيقتلوا جدتها ، ويغتصبوا أمها ، ويتسببوا فى مرض إبنتها ، ويأسروا أخيها !

يارب .. أصبح البيت الآن معتقلاً ! صار يضم بين جنباته عدداً غير قليل من شباب المقاومة الذين وقعوا بين أيدى جنود الإحتلال .. فيتعرضوا الحين لأقسى أنواع العذاب الذى لا يرحم شبابهم ، ولا يرأف أبداً بحالهم !

آه .. يا الله .. يا قادر يا معين .. وبنفس الحرقة والحزن والألم يبكى أبو جمال وينتحب بعدما وصله خبر أسر إبنه الشاب عادل ! لم يستطع أن يكتم دموعه أمام كل هؤلاء الرجال الذين حضروا للتخفيف عنه ومشاركته حزنه واساه عقب تسرب هذا الخبر المشئوم وإنتشاره !

يتجمع الرجال فى شقة أبو جمال فى الزمالك بالقاهرة ، يظلوا يدخلون ويخرجون عليه ، وهم يحاولون أن يطمئنوه ، ويهّونوا عليه صعوبة الموقف ، وأن يزرعوا الأمل فى نفسه ، فالله معهم ، قادر على قهر الظلم ، قادر على نصرهم ، وهو القادر على كل شئ .

ينصرف الجميع .. ماعدا أبو إبراهيم الذى يصمم أن يصحب أبو جمال معه زميل شبابه ، ورفيق دراسته ، وصديق عمره إلى شقته فى المهندسين . يرفض أبو جمال الخروج ، لكن أبو إبراهيم يصرّ قائلاً :

– لا يا معود .. ترى ما راح أخليك بروحك .. ما أقدر .. والله تزعل علينا
أم إبراهيم .. هى اليوم مسّوية مكبوس لحم ومرق بامية ودقوس طماط حار .. كل هذا
عشانك .. !

– والله يا أبو إبراهيم .. ما أشتهى آكل شئ .. خلينى بروحى أرجوك .

لكن .. يصمم أبو إبراهيم على إصطحابه معه ، وهو يقول له :

– قوم يا معّود .. ترى عورّت قلبى .. قوم خلنا نشوف أم إبراهيم شنو صاير عليها .. تعال خلنا نلهيها شوية عن نفسها .. ترى هى على طول قاعدة تبكى .. تدرى أخوها عبد الرحمن ؟! ما ندرى عنه شئ من يوم الغزو .. ّّ وهذه سهام زوجها أسير وقاعدة تبكى هى وأمها على طول .. تعال تعال يا أبو جمال .. قوم .. ترى مصيبتنا واحدة .. ياللا .. الله معنا كلنا .

يظل أبو إبراهيم يلح ويلح محاولاً أن يخفف حزن أبو جمال على ولده ، إلى أن ينجح أخيراً فى إقناعه فى الذهاب معه إلى البيت ، خاصة وأن الأهل كلهم هناك يوّدون رؤيته ، وينتظرون حضوره .. !

يدخل الرجلان شقة أبو إبراهيم بالمهندسين ، فيجهّز طعام الغذاء . يجلس الجميع يفترشون الأرض . يتبادلون فيما بينهم نظرات الأسى والألم لأن عادل عزيز عليهم . فهو يعتبر إبناً لهم ، وهو صديق إبراهيم ولدهم وكان دائماً فى البيت عندهم ، وهو غالى عليهم مثل إبراهيم بالضبط .

لكن .. يرفع الطعام كما هو ، لم يستطع أحد أن يأكل منه شيئاً ، يأتى الشاى ، يحتسيه أبو جمال وهو يتشاغل عن عذابه ، بمشاهدة التليفزيون ، بحثاً عن خبر يطفئ به نيران قلبه . خبر ربما يطمئنه على ولده ! ويظل يدور الحديث حول الهول فى الداخل ، وهؤلاء الهاربين منه ، الذين يتسللون خارجين من وقت لآخر ، ويجوز يكون عادل واحداً منهم .. إنشاالله .

يداعب هذا الأمل خاطر أبو جمال ، الذى يظل عاتب نفسه طويلاً على غيابه الماضى عن أسرته ، وعن عياله ، ويلوم روحه كيف كان لاهياً بنفسه عنهم كل تلك السنوات ، يتمنى أبو جمال ، يدعو الله أن يعود عادل إليه كى يعوضه بحبه وحنانه عن ذاك الوقت الذى ضاع ، كما يدعو الله أن يحفظ إبنه البكر جمال ، وزوجته أم جمال ، وسناء ، ودلال ، وأن يبعد عنهم جميعاً الخطر وأن يحفظهم رب الكون العظيم .

يعود ينظر أبو جمال لنفسه لائماً معاتباً ، كيف لم يكن مع عياله من أول الزمان ؟! ولماذا كان مشغولاً بنفسه كل هذا العمر ؟! لماذا لم يمنحهم حبه وعطفه وحنانه ورعايته ؟! بدلاً من أن يصّب كل إهتمامه على نفسه ولنفسه .. ! يبقى أبو جمال حزيناً صامتاً يعاتب نفسه ، ويلومها ، خاصة وأن التليفزيون لم يشغله عن خواطره ، إذ لم تأت الأخبار بجديد ، فالحال هو الحال .. ما زال !

يتشاغل الجميع بمتابعة الشاشة الفضية ، وبالحديث عن أمور الدنيا ، بينما هم يشربون الشاى والقهوة وهم لا يشعرون لها بطعم أو مذاق ! وهنا .. يبدأ يذاع تسجيل حفل ” الليلة المحمدية ” وإذ بمطرب الكويت عبد الله الرويشد يقف ينشد ، يناتشد ، يشكو ، بصوت يرّج الصدور .. يخترق القلوب :

أشكو إليك يا واهب النعم يا اقدم القدم

إنت اللى أعلم باللى بى من ألم بلدى إنظلم

بلدى إتظلم             بلدى إتظلم

واللى ظلمنى ولاد عروبة ودين ودم

كانوا مع الشيطان يا رب على ميعاد

واللهم لا إتراض .. واللهم لا إعتراض

يا يا الله     يا يا الله     يا يا الله

بكاء حار يتفجّر بركاناً من العيون . نحيب حاد متصل يقّطع يمزق القلوب . كل منهم يبكى ويبكى ويبكى .. فى حين يتابع عبد الله الرويشد إنشودته :

وما دام يا ربى خلقت لى دمعى

من حقى أبكى من حقى أبكى

انشالله أبكى دم

ومادام يا ربى خلقت لى صوت

هاأصرخ لو العالم حجر أصّم

يا يا الله     يا يا الله     يا يا الله

تنقطع الأنفاس . يسود الصمت . يصحبه الألم والعذاب والدمع . فى حين يناجى صوت الكويت ، إبن الكويت أمة الإسلام ، صارخاً عذابه ، ناطقاً آلامه ، مناجياً ربه :

سامحنى يا الله هاتشق قلبى الآه

سامحنى يا الله هاتشق قلبى الآه

الباطل الواضح فيه مسلمين تابعاه

على دمى ماشيه وراه

أنا فى واد يا ربى وولادى فى واد

أنا فى واد يا ربى وفؤادى فى واد

أنا فى واد يا ربى وبلادى فى واد

واللهم لا إعتراض واللهم لا إعتراض

واللهم لا إعتراض واللهم لا إعتراض

لا إعتراض

يشتد الحزن . يصرخ القلب . تبكى الروح . يدمع الوجدان .. وأبو جمال يقضب غترته بيده يغطى رها وجهه .. فتغرق فى الدموع ولا يتمالك أبو إبراهيم نفسه فيخفى وجهه بين يديه ويجهش بالبكاء .. يبكى أبو إبراهيم إحساسه بالغربة ، بالضياع ، بالهوان .. بعد أن صار الحين بلا وطن . بلا هوية . بلا كيان ! فى حين تنفجر النساء والأطفال والصبيان والبنات ، كلهم فى بكاء يعمى العيون .. يدمى القلوب !

تثور المشاعر ، تفور الأحاسيس ، يستمر البكاء ، يستمر الدعاء ، يستمر العناء ، فأخبار المواطنين الكويتيين فى الداخل والخارج ، فى كل مكان تهم كبار رجال الدولة المسئولين وعلى رأسهم سمو الأمير وولى  عهده الأمين ، الذى أعلن للجميع منذ بدايات الغزو أنه يحس بهم ، يشاركهم أحزانهم ، يشعر بشعورهم .. وها هو يقول لهم فى حب وحنان أثناء وجوده فى جدة بالمملكة العربية السعودية ، ديرة الحب والعطاء والوفاء :

” أبناء ديرتنا الحبيبة .. كنا دائماً معكم وبينكم ليل نهار بقلوبنا ووجداننا وأفكارنا ومشاعرنا صورة كويتنا الحبيبة وأهلنا الصامدين فيها لم تفارقنا لحظة واحدة فى صحونا وغفوتنا ، ويعلم الله كم نعانى لمعاناتكم وكم نشقى لشقائكم ، وكم نتألم عندما نسمع ما يفعله المجرمون بكم ” .. !

وفى الرياض .. لم تكن سعاد وليلى تألوان جهداً فى تلبية تعليمات الوالد القائد ، أمير البلاد ، فإنضمتا إلى حركة المقاومة الكويتية المتمركزة فى السعودية ، التى تضم عدداً من المتطوعين الكويتيين النازحين ، وكان من بينهم أعداداً كبيرة من السيدات ، وكانت خالتها أم جاسم تحب أن تشارك فى هذا العمل التطوعى من وقت لآخر كلما سمحت لها الظروف ، لكنها ، أحياناً كانت تصرّ على متابعة حالة أختها الصحية ، أم عبد الله ، كما تتولى الإشراف على الأولاد الصغار ، خاصة أحمد الذى كان يبدو حزيناً شاحباً ، وهو يتابع أحداث الإحتلال أولاً بأول كأنه واحد من هؤلاء الشباب الكبار !

كان أحمد فى غاية الحزن لما يحدث فى وطنه ، كان حزنه كبيراً لما حلّ به من خراب ودمار ! بعد أن عرف أن الحيوانات التى كان يحبها وكان يذهب لمشاهدتها فى حديقة الحيوان ، قد أكلها الجنود ! كما دمروا وسرقوا معدات المدينة الترفيهية بأكملها ! قتلها الغزاة .. قطعوا كل خطوطها ، وسرقوا أغلب معداتها بعد أن فككوا أوصالها !!

كان هم أحمد كبيراً ، فقد كان طفلاً فى مظهره ، إلا إن إحساسه كان ناضجاً مرهفاً ، فقد كان يتابع الأخبار ، لا يفوته خبراً كبيراً أو صغيراً ، وكان خوفه على وطنه ، وقلقه عليه واضحاً عظيماً ، وفى نفس الوقت كان يحرص أن يخفى مشاعره عن أمه ، حتى لا يثير أحزانها هى الأخرى ، فقد كانت فى حالة نفسية سيئة ، وهى تعانى أشد أنواع القلق على والده ، وعلى اخوانها ، وعلى أبيها .. وكل الأهل هناك !

كان الخوف عليهم كبيراً بسبب تدهور الأوضاع وتدنى الحالة المعيشية ، التى كانت أخبارها تتطاير كالشرر المشتعل من وقت لآخر ، فتحرق القلوب ، وتكوى النفوس ! كانت أنباء الحياة المرعبة تسرى كالنار فى الهشيم ، وكان أكثر هذه الأخبار إيلاماً ما أعلنته طبيبة كويتية ، عن معالجتها أربع حالات إغتصاب كان من بينهن طفلة عمرها 12 سنة تناوب الجنود إغتصابها !!

يصل هذا الخبر إلى الأهل فى الرياض فيجن جنونهم ، إذ أن هذه الطفلة ينطبق عمرها تماماً على عمر منى إبنة عبد الله ، فيفقدون وعيهم خوفاً وذعراً ، وهلعاً ، خاصة بعد أن مضت عليهم فترة من الوقت والأخبار مقطوعة تماماً عنهم .. ! حتى جاسم نفسه لم يعودوا يعرفون عنه شيئاً ! فأمست سعاد فى غاية القلق ، وأصبحت فى اشد الخوف عليه ، بعد أن تأكدت من صحة المعلومات الحساسة والهامة التى وصلتها والتى تفيد أن زوجها الدكتور جاسم الناصر ، قد أصبح معروفاً لدى القوات العراقية المحتلة ، كما صار مطلوباً لها ، لأنه يعتبر مندوب الخلية الطبية داخل الكويت !

فى صباح اليوم التالى .. يرن جرس الهاتف ، ترفع مشاعل السماعة ، وإذ بها تقول بصوت خفيض مهذب :

– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. نعم .. موجودة .. لحظة واحدة معى .

تدنو مشاعل من سعاد ، تخبرها فى هدوء إن السفارة الكويتية فى الرياض تطلبها على الخط !! تجرى سعاد ملهوفة إلى حيث يوجد جهاز الهاتف :

– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. إيه نعم .. أنا أم أحمد زوجة الدكتور جاسم الناصر .. متى ؟!

خير ؟! أكو شئ ؟! زين .. زين .. حنا بإنتظاره .. خليه يتفضل

تسألها ليلى فى جزع :

– خير سعاد .. ليش السفارة يتصلون فيك ؟! قالوا شئ ؟! صار شئ ؟!

تلتفت سعاد نحو ليلى وهلع الدنيا يلمع فى عينيها ، ورعب العالم يشتعل فى قلبها ، وهى تجيبها فى فزع :

– يقولون .. مندوب من السفارة راح ييجى الحين ومعه رسالة من الكويت لازم أتسّلمها أنا شخصياً .. !


الفصل الثالث والعشرون

برحمتك أستغيث

تقبض أصابع سعاد على الرسالة .. تطويها .. تبرمها . تلفها . تجعلها عوداً رفيعاً تمسكه فى يدها . وهى تضغطها بشدة بأصابعها ، بينما كانت عيناها ترسلان نظرات إستغاثة جازعة ، فيها تساؤل .. نظرات يائسة تستجدى بها كلمة إطمئنان واحدة من مندوب السفارة الكويتية الذى يقف وعلى وجهه تعبير صامت صامد صابر .. !

وما تلبث أن تختفى سعاد بسرعة تاركة مندوب السفارة فى ضيافة أبى نايف الذى يتابع حديثه  الودّى معه ، وترحيبه الحار به .

تخرج سعاد .. وإحساس مبهم غامض ثقيل يحيق بقلبها .. تدور .. تترنح .. وهى تكتم صيحة ذعر مرعبة .. تبحث عن ليلى صامتة .. وأصابعها تقبض على الرسالة بقوة وعنف وهلع ، فهى تخشى أن تفتحها لأنها تتوقع ماذا جاء بها !! تستمر تضغط عليها بكل قوتها ، إلى أن تتغرز أظافرها فى لحم كفها ، والرسالة مبرومة وما تزال فى يدها المرتجفة ، بينما هى لا تشعر بنفسها ، وجسدها يتأرجح أكثر من اللازم فى الفراغ الذى يحيطها ..!

تنادى سعاد ليلى بصوت مرتعش خافت مرتجف متحشرج .. تقترب منها فى خطوات ثقيلة تستنجد بها ، وكأنها تمسك فى يدها لغماً أو قنبلة توشك أن تنفجر فى قلبها ، تنسف كيانها !

تصل سعاد إلى ليلى .. قف تحملق فى عينيها ، ثم تدفن وجهها فى كتفها وهى تنوح بصوت هامس لاهث مبحوح وبدنها كله ينتقض ، يرتجف :

­- جاسم .. جاسم يا ليلى .. جاسم !

تجفل ليلى من منظر سعاد الخائف المذعور ، فتسأل فى ذكر بصوت خافت وقلب منقبض :

– خير سعاد .. إيش فيه جاسم .. إيش فيه جاسم ؟!

تمد سعاد ببطء ووهن يدها الباردة المرتعشة نحو ليلى ، ويقدر ما تسمح به قوتها الضعيفة وطاقتها الضائعة .. تفتح بمشقة أصابعها المرتعشة ، فتأخذ ليلى الرسالة التى عجزت سعاد عن فتحها وقرائتها .. !

يتعلق قلب سعاد بالرسالة التى بدأت ليلى تقرأها على مسمعها وكأنها ترمى عليها قنابل ناسفة ، فى حين أخذت قوى سعاد تخور ، وبدأ السعير يشتعل فى صدرها ، يتأجج بين ضلوعها .. !

وفجأة تنهدم سعاد .. تنكسر .. تتبعثر .. تتناثر فى الهواء مقدرتها على التحمل والصمود فتطلق صيحة حزن صارخة تقفدها توازنها ، وتسقط غائبة عن وعيها ، بعد أن عرفت خبر أسر أبيها .. وإبن أخيها !!

.. تمر الأيام بطيئة ، ممطوطة ، مريضة ، معتلة ، لا نهاية لها ، والأخبار قنابل قاتلة تتفجر فى قلبها ، فلا تقتلها ، فلقد صارت مقتولة بالحياة بعد غياب والدها .. فهى ترفض قبول هذا الأمر الواقع الجديد ، كما ترفض الإعتراف به .. !

– لا .. لا .. مستحيل .. مستحيل .. أبوى ومنصور أثنينهم مرة واحدة ؟! حرام .. حرام .. حرام !

وتبقى تتفجر الآهات والأيام تدمر الصدور ، تنسف القلوب فى حين سقطت سعاد مريضة بالصدمة العصبية إثر سماع هذا النبأ المؤسف والمصير الرهيب الذى أصاب أبيها .. ومنصور .. ابن أخيها !!

ولم يكن والد سعاد وحده ، هو الرجل الطيب المسالم الذى تم أسره ، كما لم يكن ابن أخيها وحده هو الطفل الصغير الوديع الذى تم أسره .. كانت هذه مشكلة شعب بأكمله ! وكان ذلك مصير يواجهه شعب بأكمله وجب عليه الدفاع عن الوطن ! ورفض إحتلال الوطن الذى بدأ يأخذ أشكالاً كثيرة وصوراً عديدة !

وفى قلب الوطن الجريح الأسير .. تعود دلال متخفية إلى العديلية ، تدخل بيت والدها ، الذى كان يقضى الصيف قبل الغزو فى القاهرة ، وإن كانت لا تعرف عن أخباره شيئاً ، فربما يكون قد غادرها إلى دمشق ، أو بقى بها .. هى لا تعرف ولا أحد غيرها يعرف !! تدخل البيت ، تتلقف دانه فى حضنها ، تتلهف على تقبيلها وضمها ، فقد إشتاقت إليها ، ولم تعد قادرة على تحمل بعادها أكثر من ذلك .. وكانت دلال أيضاً مشتاقة لرؤية أمها ، التى بدأت مظاهر الإضطراب النفسى تتضح أكثر فى كل تصرفاتها .. فهى لم تزل تؤمن وتعتقد أن أمها حية ترزق ، وأنها أسيرة عند صدام والعراقيين اللى قاعدين يعذبونهــا .. !!

صراحة .. كان عذابها رهيباً ، وكان حجم ألمها لا يمكن تحمله ، فبدأ المرض النفسى يطغى عليها ، ويستبد بها ! أيضاً ، أم جمال لم تكن تختلف كثيراً عناه ! أصيبت هى الأخرى بنفس الداء اللعين ! فقد كانت تعانى من وجودها فى هذا الجو المشحون بالذعر ، المضطرب ، الحافل بالخوف وبالضغوط النفسية ، ومن حسن الحظ كانت دانة تحت رعاية خالتها سناء ، مما خفف عنها الكثير من شوقها لأمها ، لأن سناء كانت هى الأم البديلة بالنسبة لها بعد أن ظلت دلال مشغولة بأعمال المقاومة ، وإن كانت أمومتها تلزمها أحياناً بالهدوء والتروى لتقضى مع صغيرتها بعض الوقت .

تترابط المشاعر بالعيديلة ، وغيرها من مناطق الكويت ، بعد أن نما داخل النفوس مفهوم الفريج القديم ، وبعد أن تعمّقت الصلات بين سكانه الذين ينشطون إلى العمل على مساعدة بعضهم البعض ، وعلى توزيع المسئوليات ، كما يلتقى الرجال فى المساجد والدواوين ، يؤكدون عمق الروابط والصلات مما جعل الجميع يشعرون أنهم عائلة واحدة تجمعها هموم واحدة وأحزان واحدة !!

تغيرت الدنيا . أزدادت كآبة الحياة فى تلك الأيام . أخذت تحاصر الجميع . تسحق الجميع . بعد إعتقال عادل .. ! فمنذ تلك اللحظة ودلال وأمها وأختها وزوجة أبيها متشحات جميعهن بالسواد ، حتى أن دانه لم تعد تميز بين واحدة من الأخرى بسبب تشابه مظهرهن ، وتطابق سلوكهن ، فقد كان السواد يغطيهن من الداخل والخارج ، فلم تعد البسمة ، ولا الضحكة تعرف الطريق إلى وجوههن ، ملامحهن نفسها ، سلوكهن نفسه .. أصبح متحشاً بالحزن ، مغطى بالسواد !!

فى نفس الوقت كان جمال يرتدى الجينز أثناء عمله فى الجمعية ، أو عندما يقوم بحرق القمامة ، وكان يختفى عن البيت أوقاتاً كثيرة ، للقيام ببعض أعمال المقاومة الأخرى ، مما كان يصيب والدته بكم هائل من الذعر والقلق والخوف عليه ، فكان يصالحها عندما يعود ، ويضاحكها ويطمئنها ، ثم يأخذ دانه معه إلى الجمعية حيث يحلو لها أن تذهب معه ، فهى تحبه ، وتفرح بوجوده لأنه حنون عليها ، ودائماً يدخل الفرحة إلى قلبها الصغير الذى تعلق بخالها الشاب الذى يعوضها بحبه وحنانه عن فقد والدها ، الذى تركها يتيمة ، وهى طفلة رضيعة مازالت ! رحمة الله عليه .

وكانت أم دلال تتصل دائماً من وقت لآخر بأقاربها . وأصدقائها وجيرانها ، تسألهم عن أمها ! وعما إذا كان أحد منهم شافها ! فقد كانت تعتقد أحياناً أنها ما تزال فى بيتهم بالسالمية .. ! وكانت تتحدث عن أمها ، كما لو كانت رأتها فعلاً صاحية قدامها ! كما كانت تكيل لدلال السباب واللعنات تصبّها على رأسها لأنها هى السبب فيما أصابها !!

وكانت دلال تختفى أغلب الوقت ، بعيداً عن عيونها ، لتمارس دورها فى العمل الوطنى مع جاسم ، وما أن تعود حتى تتخانق معها أمها ، التى تكون قد فقدت أعصابها خوفاً عليها ومما يمكن أن يحدث لشابة جميلة مثلها ! وخوفاً عليها أن يمسكوها ويحبسوها هناك فى البيت مع أمها !!

وكانت سناء تتدخل لتخفيف الخلاف والخناق بينهما ، خاصة عندما كانت أم دلال تبكى بمرارة وعندما تخرج دلال وهى لا تعرف عنها شيئاً :

– ما أدرى والله وين راحت .. ولا متى راح تيجى ؟! يجوز راحت لأمى .. هى أكيد الحين فى البيت هناك مع أمى !

كانت الظروف حقاً صعبة مخيفة رهيبة ، والمواقف غير متوقعة ، والحزن متسلطاً على الجميع بلا إستثناء ، والخوف على الأبناء فى تزايد مستمر ، والأمهات لديهن شك فى أنهم يشتغلون فى المقاومة ، حتى لو أنكروا .. ما يفيد إنكارهم ، فهن يشعرن أنهم موساكتين .. الله كبير .. الله خير الحافظين .

تعيش دلال تعانى التمزق والصراع بين الرغبة فى تواجدها فى البيت مع إبنتها وأمها ، خاصة بعد تفاقم حالتها المرضية ، وحتى يرتاح قلبها ، وتهدأ وتكف عن الشكوى ، وعن مشاجراتها معها ، وبين واجبها نحو وطنها الذى تحتمه اللحظة ، والذى يحدد دورها ، ويلزمها بضرورة التواجد فى أحد السراديب ، حيث يعالج جاسم شباب المقاومة !

كانت حيرتها بالغة ، خاصة بعد أضفت الظروف القهرية التى يتعرض لها الوطن الشئ الكثير من المشاعر النبيلة السامية ، فتحددت نوعية عاطفتها الصادقة لجاسم صارت نوعاً آخر من العواطف الأشمل ، والأنبل ، والأسمى .. ! صار الحب صداقة وأخوة عزيزة غالية ! أيقنت دلال من ذلك تماماًَ .. لم يعد لديها ذرة شك فى صحة مشاعرها الحين نحو جاسم !!

كذلك صار جاسم بعيداً كل البعد عن التفكير فى أى شئ آخر ، سوى إنقاذ حياة هؤلاء الجرحى المتواجدين بين يديه ، بعد أن تحولت معظم مستشفيات الكويت إلى أماكن غير آمنة ، يمارس فيها إضطهاد المرضى ، وإغتصاب النساء ، سواء كن مريضات ، أو ممرضات ، أو طبيبات !! ..

وفى غاية الحزن والألم يتلقى جاسم فى صبر وصمود وجلد أخبار مقتل عدد كبير من زملائه الأطباء الذين كانت تربطه بهم أواصر الصداقة والزمالة ! نعم .. تعرّض الأطباء فى الكويت إلى محنة ساحقة قاسية حينما كانوا يّقتلون لأتفه سبب أمام أعين زملائهم ، ومرضاهم ، ومساعديهم ! داخل المستشفى التى يعملون بها .. وهكذا عومل ملائكة الرحمة بلا إنسانية ولا شفقة .. ولا رحمة !

كان تفكير جاسم كله منصباً على الكفاح والنضال من أجل مقاومة هذا المعتدى الأثيم . لم يكن يخطر بباله أى شئ آخر غير ذلك .. حتى زوجته نفسها نسى أمرها تماماً .. الشئ الوحيد الذى كان يخطر على باله الحين هو رغبته فى أن يرى أمه ، ويطمئن على أولاده . كان يحمل همهم . كان يتمنى أن يلتقى بهم . لكن ، الأحداث أحياناً تتدخل لتحدد مسار الإنسان وترسم له الطريق ، حتى لو لم يكن أن يختار هذا الطريق !

لذا .. كان جاسم أحياناً يحاول أن يعرف أخبارهم وأخبار الدنيا من حوله ، وكانت وسيلته الوحيدة لمتابعة هذه الأخبار ، أن يستمع إلى إذاعة الكويت فى المنفى ، وأن يشاهد رسالة الكويت التليفزيونية ، التى كان ينتظرها ببالغ الشوق كل ليلة فى الساعة الحادية عشر إذا سمحت الظروف بذلك وكانت عنده فرصة كافية من الوقت ، أو إذا توفر لديه جهاز التليفزيون فى مكان غير مهدد بالخطر ، لأن عقوبة من يُضبط وهو يشاهد هذه البرامج .. كانت تبدأ بالإعتقال وتنتهى بالإعدام !!

وكانت دلال أيضاً تحرص على مشاهدة هذا البرنامج ، لكن بحذر شديد جداً ، فالويل كل الويل لمن يضبط وهو يفتح التليفزيون على غير إذاعة بغداد ! لكنها لم تكن تعبأ ، كانت تحرص على مشاهدة البرنامج لمعرفة أخبار الأهل فى الخارج ، وكانت تحصر على متابعة أخبار الجالية الكويتية فى القاهرة ، علها تسمع شيئاً عن والدها هناك .. كانت تريد أن تطمئن عليه وعلى صحته ، خاصة بعد إعتقال عادل ، فقد كانت دلال على يقين من أنه قد عرف الخبر .

الشئ العجيب الذى كانت دلال تندهش له ، أنها لم تعد تفكر فى سعاد كثيراً ، تبدلت مشاعرها نحوها أيضاً فلم تعد تكرهها ، ولا حتى تغير منها ، صارت بالنسبة لها واحدة ثانية لا يهمها أمرها فى شئ ، فقد كان كل ما تفكر فيه الآن هو العمل على تخليص الوطن من يد المحتل الغاشم ، ولتفعل الدنيا بهم بعد ذلك ما تشاء ! المهم أن تتحر الكويت أولاً .. واللى يصير .. يصير .. !

صدق .. غيرت الأزمة كثيراً فى دلال ! أيضاً متابعتها للدروس الدينية ، وحرصها على إرتداء الحجاب ، وأداء الصلاة فى أوقاتها ، كان له تأثيراً عميقاً فى تغيير مشاعرها ، وتطوير أفكارها ، وتحسين نفسيتها ، وتبديل شخصيتها ، حقيقة .. تغيرت دلال .. إن الله قادر على كل شئ ! سبحانه .. يغير ولا يتغير .

فى الواقع .. دلال تغير .. وسعاد أيضاً تغير ! أصبحت إنسانة أخرى ! تحس شعوراً مختلفاً ! تحس أن ما فى شئ فى الدنيا يستاهل الغيرة والعناء ، والبغضاء ، وأن أفضل نعمة على الإنسان هى راحة البال والعيش بسلام مع الذات والأهل داخل حدود الوطن . نعم .. داخل البيت فى قلب الوطن .. تذكر سعاد طفولتها ،وسعادتها عندما كانت طفلة صغيرة سعيدة ، لم تحرمها الدنيا من شئ .. فتحس بالنار تشتعل فى صدرها حزناً على أبيها ، حبيبها ، بعد عمرها .. بعد روحها .. !

أيضاً .. تحس سعاد بالأسى والضيق من تلك الظروف التى حرمتها من زوجها حبيبها الذى تنتظر حضوره لها ، ولقائه بها على أحر من الجمر . تنوى سعاد بينها وبين نفسها أن تقتلع مشاعر الضيق بسبب دلال من قلبها .. فالدنيا لم تعد تستاهل شيئاً فى نظرها .. والمهم الحين أن يلتم الشمل ، ويرجع أبيها .. ويعود منصور ابن أخيها .

تتلوى الأيام حزناً على ما صار إليه حال سعاد ! الجميع حولها يشعرون بمصابها ، لكن .. لا أحد يجرؤ أن يفتح هذا الموضوع أمامها ، حتى أمها ، رغم آلامها ، إلا أنها تسكت حتى لا تحرك أحزانها ، وتزيد تعاستها .. ودموعها ! فكان اللجوء إلى الله بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن هو الحل ، وهو الرجاء .

.. كان البيت الأبيض الجميل الذى يعيشون فيه ، بالقرب من جامع أبيض رائع ، وكان صوت المؤذن الذى يصحبهم فى أوقات الصلاة ، من الأشياء التى يحبونها ويرتاحون إليها ، لكن .. المشكلة عندما بدأت الحرب .. أصبح هذا الموقع فى مقدمة الضرب !! المطار القديم أيضاً أثناء الحرب تحول إلى قاعدة عسكرية ! وكانت الصواريخ تسقط على مدينة الرياض لدرجة أن السرير كان يهتز ، والصغار تصرخ فزعاً ، فيطفئ الكبار الأنوار خوفاً من سقوط الصواريخ وانتشار الغازات !

وكان أكثر ما يخيف الأطفال هو رؤية الكبار وقد إرتدوا الأقنعة السوداء ضد هذه الغازات السامة !! كان يصيب الصغار نوع غريب من الرعب ! خصوصاً راكان ، كان يحاول دائماً أن يخلع هذا القناع عن وجهه ، وعن وجه أمه ، كان لا يطيق أن يراها وقد إرتدته وظهرت أمامه به ، فقد كان منظرها يخيفه ويثير رعبه وبكائه ، أما أحمد فقد كان يريد أن يكون بطلاً قوياً ، حتى أثناء الغارات الجوية ، يستمر صلباً متماسكاً ، لا يريد أن يبكى أمام مخلوق بعد أن عرف حبر إختطاف جده .. وابن خاله منصور !!

نعم .. احترقت القلوب منذ أن وصلت هذه الأخبار المؤسفة إلى الأهل فى الرياض ، فكانت الفجيعة فادحة ، والمصيبة عظيمة ، والموقف أليماً ! ظل الجميع يتعاملون مع الخبر بين مصدق ومكذب !! لا أحد يريد أن يعتقد أن أبو عبد الله ، ذلك الرجل الطيب ، المسالم ، ومنصور ذلك الطفل الوديع ، البرئ قد غابا عن حياتهما ؟! وأنه قد تم فعلاً إختطافهما وأسرهما !!

– لا .. لا .. غير معقول .. غير معقول ؟! ما يصير .. حتى الجهال ؟! يأسرون الجهال ؟! لا مومعقول .. مومعقول !! 

ظل الجميع يعيشون على أمل أن يصلهم خبر آخر جديد يطمئن قلوبهم الواجفة ، الحزينة ، المُلتاعة ، اليائسة ، التى لا حول لها ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .. كان الخبر غير قابل للتصديق ! رفض الكل أن يأخذه على أنه أمر واقع جديد مسّلم به ، فهو تصرف لا يمكن تفسيره تحت أى منطق ! ولا يمكن قبوله تحت أى مسمى !! فهذه مأساة سخيفة غير إنسانية ، تثير فى النفس ألف مليون سؤال !!!

نعم .. لماذا هذه القسوة ؟ لماذا كل هذه الأفعال ؟ لماذا تلك الهمجية والوحشية ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا النزوح نحو العنف ؟! لماذا هذا العدوان وهذا الهوان ؟! لماذا كل هذه السلوكيات اللإنسانية ؟!

آه .. ويالها من آه .. إن الآهة طويلة ، طويلة ، عميقة ، ممتدة ، تخرج من قاع القلب تتخطى الأمكنة ، تتجاوز الأزمنة ، ترتحل عبر الحواجز والحدود ، تقفز فوق الموانع والسدود ، تتجاهل نقاط السيطرة ، فلا يتجاهلها إنسان ! يعرفها كل من كان ، فهى تسيطر بعذابها وهما على الروح الجريح ، والزمن الدبيح ، والليل الحزين ! نعم .. الحزن يغزو كل شئ .. حتى القمر صار حزيناً غاضباً متوارياً عن الأنظار والعيون .. !!

إن اللحظة المتوقعة الآن تعصر النفس . تستخلص الألم . لم يعد هناك سوى الأمل ، لكن .. الأمل راح وراء سحابات حزن سوداء ، توارى خلفها وجه فضيلة التى جفت دموعها حزناً على زوجها الشهيد الرائد فيصل ، وجزعاً على إبنها الطفل المفقود .. منصور .. !

منذ خروج منصور من البيت بصحبة جده أبو عبد الله لصلاة الجمعة ، والذهاب إلى الجمعية ، لم يعد الإثنان إلى البيت ! من بعدهما غاب القمر . إنكسفت الشمس . إنطفأ الأمل شق الحزن حواجز النفس ، جرح الحدث حجاب الروح ، صارت الأيام جنائزية الإيقاع ، لم يعد يُرى بالأجواء سوى الريح والخوف والظلام والموت والبرد والعذاب !

آه .. إن الدمع يعصر العين عصراً ، والقلب ينكسر كسراً كلما أيقن أن اللحظة القادمة سوف تخلف المزيد من الخوف والجزع والفراق .. جاء الخبر فوق طاقة البشر ! فوق تحمّل الإنسان !

” اللهم لا تحملنا مالا طاقة لنا به وأعف عنا وأغفر لنا وأرحمنا أنت مولنا فأنصرنا على القوم الكافرين ”

” صدق الله العظيم “

كان الشعور بالخوف والجذع بسبب الأسر والرحيل والفراق ، هو نفس الشعور السائد فى نفس فضيلة ، التى كانت ترفض فكرة الرحيل والسفر ومغادرة الكويت قبل العثور على إبنها منصور ولقائه وأخذه معها فى حضنها .. !

أخيراً .. تقتنع فضيلة بأن إصرارها على البقاء فى الكويت ، وإنتظارها رجوع منصور فى البيت ـ يعنى الموت بالنسبة للجميع ! كما تقتنع بأن تواجدها الحين خارج حدود الكويت سوف يساعد فى العثور على ولدها منصور قبل فوات الأوان ، فهى قد تجد وسيلة أسرع ، أو تعثر على واسطة أقوى ، تعمل على إعادته وإسترداده ، فكان هذا هو المدخل الوحيد لإقناعها بجدوى الرحيل والمغادرة ~، كى تبدأ تأخذ شكلاً آخر من أشكال المناورة ، أملاً فى إسترداد إبنها ، فلذة كبدها .

فى النهاية تقتنع فضيلة بأن الحواجز بين المدن ليست حواجزاً حديدية ، وأن ما يحدث هنا ، يعرف هناك ! تقنعها أمها باكية بضرورة الرحيل والمغادرة ، فالبقاء لن يساعد على عمل شئ ، والإستمرار فى هذا الإنتظار اليائس ليس فى صالح أحد ، فالجند يطقون البواب بأقدامهم وفى أى وقت يقتحمون الديار بلا إستنئذان ، يفتكون بأهلها ، يعبثون بشرفهم ، يهدرون كرامتهم !

إذن .. لا معنى لإهلاك النفس ، ولا فائدة من الإنتظار ، مع الخوف واليأس ،
والعجز ! تظل إبتسام تستعطف أم فضيلة كى تقنعها بضرورة الرحيل ، والخروج بسرعة قبل أن يحدث لهم ما حدث لأختها أمل ، الطالبة بالجامعة ، الشابة الجميلة ، التى أغتصبها جند صدام ، عندما دهموا البيت ودمروا كل من فيه !! .. ثم أخذوها معهم بالقوة ، لم يشفع صراخها ولا عويلها ، ولا نواحها .. ! وما زالت للحين أسيرة ، لا أحد يعلم عنها شيئاً حتى هذه اللحظة .. ! ترجوها رجاءاً حاراً نابعاً من عمق القلب ، وهى تبكى من القلب :

– واللى يسلم عمرك يا خالتى .. إقنعى فضيلة نطلع قبل ما يصير فينا شئ .. ترى أنا خايفة وايد على بناتى .. بناتى صبايا ، وأخاف الجنود يسوون فيهن شئ .. الله يخليك يا خالتى كلميها .. اقنعيها .. قولى لها .. هذا أحسن حل .. وإنشا الله لما نوصل الرياض يصير خير وراح نقدر نتصرف أحسن من هنا .. إحنا هنا مشلولين .. عاجزين .. ما إحنا قادرين نسوى شئ .. !

تدور الأيام والزمن قيد يشل القلب . يهش الروح . يجرح الجرح , والخوف من الخطر الخفى الآتى عبر الساعات يهدر قدرة العقل و يبدد طاقة الروح .. يا رب . يا رب . كان واضحاً للجميع أن الحالة الأمنية تزداد سوءاً يوماً بعد يوماً ! وان الأحوال المعيشية تنحدر من سئ إلى اسوأ ! ولم يكن من الرحيل بد فى مثل تلك الظروف التى يعيشها عبد الله , ومن معه , فالمسئولية كبيرة جسيمة والخطر فادح .. فادح , لو حصل أى إهمال قد يؤدي للعرض إلى الخطر ! .

وأخيراً .. يعرف عبد الله من زوجته إن فضيلة واقفت على الرحيل . يتنفس الصعداء بإرتياح عميق بعد أن عرف أنه يقدر يغادر الكويت الآن , لكن , يعود ينظر إليهن فى قلق , فقد أصابه الهم من كثرة عددهن ! وتفاوت أعمارهن ! فيظل عبد الله يناجى ربه طالباً الستر وسلامة الوصول إلى بر الأمان حيث الإخوة , حيث السلام , حيث الأمان , بعيداً عن هؤلاء الخونة , اللصوص , الشياطين , المنتشرين فى كل مكان !

يعد عبد الله عدة الرحيل , يضع المؤن وزجاجات الماء فى السيارة , تركب البنات والنساء وقد إتشحن جميعهن بالسواد , حتى مريم ومنى وفضة لبسن ثياباً سوداء اللون , رغم صغر سنهن , لكنه الخوف عليهن من الاغتصاب , فالمعتدى لا يرحم , ولا يميز فى عدوانه بين النساء , فالجرائم شملت كل الأعمار , وطالت بعض العجائز الكبار .. وحتى الأطفال الصغار !

تجلس أم فضيلة بجوار عبد الله فى مقدمة السيارة ، فى حين تجلس زوجته وبناته مريم ومنى وفضة مع فضيلة فى المقعد الخلفى ، وقد حملن فى أيديهن المصاحف وبدأن يرتلن آيات الذكر الحكيم ، داعيات الله ، أن ينجيهن من الهلاك ، وأن يكتب لهن الخروج والوصول بسلام .

تتحرك السيارة والكل يذرف الدمع حزناً على ما وصل إليه الحال . تنظر إبتسام حولها ، تودع أرض الوطن التى تضم رفات إبنها عبد العزيز ، الذى ما زالت شقيقاته مريم ومنى وفضة تبكين عليه . تتنهد إبتسام وهى تبتهل إلى الله أن يعوضها خيراً عنه :

– الله كريم .. الله عليه العوض .

كانت إبتسام تنتهد وتتأوه حزماً على وفاة إبنها عبد العزيز ، فى حين كانت فضيلة تنشج نشيجاً مكتوماً حزناً على منصور ، كانت تنتحب بصوت يقطّع قلوب من حولها ، وهى تنظر من زجاج السيارة الخلفى إلى الجمعية والمسجد فى الضاحية ، فالمكان يشبه المكان الذى إختطف الغزاة فيه فلذة كبدها منصور فى الشامية ، فربما يكون منصور قد جاء مع جده هنا .. ! فهى تعرف تعلّق منصور بالذهاب إلى الجمعية وحبه فى اللعب بالسيكل أمامها وداخلها وهو يقلب ويختار أصناف الكاكاو والبسكويت والب!رد الذى يحبه .. آه .. تصيح فضيلة :

– يجوز يكون منصور واقف مع العيال داخل .. !

كانت لا تزال تفتش عليه بعينّى قلبها ، كانت ما تزال تتذرع بالأمل ، لعلها تراه يركض أمامها يأتى ضاحكاً إليها بحضنها ، يضمها ، كما إعتاد دوماً أن يفعل !! آه .. كيف يمكنها أن تغادر أرض الوطن ، وهى لا تعلم شيئاً عن مصيره ؟! ولا تدرى أين هو ؟! كيف يأكل ؟! كيف ينام ؟! .. ماذا يفعلون به الآن ؟!

– آه .. منصور .. منصور .. وينك الحين يا منصور ؟! وين ألاقيك ؟! وين ألاقيك ؟

تنهار فضيلة باكية فى حالة هيسترية تكاد تفقدها وعيها . تهتز السيارة لبكائها ، وبكاء كل من حولها ، حتى عبد الله لم يستطع أن يكبح دموعه . إنهمرت غصباً عنه حزناً وألماً على فراق الغاليين .. يا الله .. الصبر يا عطوف يا رحيم .

تتحرك السيارة مبتعدة ، وكلما إبتعدت .. كلما إنهارت فضيلة أكثر ، وبكت أمثر وأكثر .. كانت تود أن توقفها عن الحركة .. أن تمنعها من الرحيل ! كانت تود أن ترجعها إلى الوراء ، تشدها بأسنانها .. حتى لا تأخذها بعيداً عن إبنها حبيبها ، الذى تتمناه أن لا يكون خائفاً مذعوراً ، وأن يكون الحين مرتاحاً جالساً فى حجرها ، تضمه بذراعيها فى حنان ، تقبله برفق فى رأسه ، وهى تدفئه فى أحضانها وتحفظه وتخبئه فى قلبها حتى لا تضيع مرة ثانية منها .. !

وكانت فضيلة قد قامت بالبحث عن إبنها فى كل مسجد ، وكل جمعية بالكويت ، قبل أن توافق على مغادرة الكويت ، فى الشامية ، فى الضاحية ، فى السرة ، فى الفيحاء ، فى الروضة ، فى النزهة ، فى الشويخ .. ثم عادت تبحث وتفتش مرة ثانية من الرميثية وسلوى ومشرف وبيان .. إلى الجهراء !! معرضة نفسها بذلك للخطر بسبب إنتشار نقاط السيطرة ، لكن .. حزنها الشديد على أبنها كان دافعاً قوياً للمجازفة بالنسبة لها .

ظلت فضيلة تتذرع بالأمل وهى تجوب بعينيها المساجد والجمعيات .. لعلها تعثر على منصور .. لعلها تلقاه .. وكانت أمها ترافقها ، فى حين كان عبد الله يطول باله عليها لا يريد أن يحزنها ، أو يفقدها الأمل فى العثور على ولدها ، الذى صارت تجوب مناطق الكويت كلها بحثاً عنه ، ولم يستطع أن يمنعها أحد لأن إختطاف منصور جاء بعد إنتهاء العدة على وفاة زوجها الشهيد فيصل .. !

أخذت فضيلة تطالع تراب الطرقات ، تود أن تنبش الأرض وهى تنظر إلى الوراء فى رجاء فلربما تلقاه قبل أن ترحل السيارة مبتعدة عن هذا المكان .. ! كان الموقف أليماً ، وكان الواقع أشد إيلاماً وفضيلة تنهار فى بكاء هستيرى يفقد الجميع إتزانهم ، يُضعف أعصابهم فيشاركونها بكائها على إبنها ، وعلى جده الرجل الطيب الأمين ، الذى راح ضحية الواجب حتى اختطفه مغتصى الوطن !

يتماسك عبد الله ، يظل يرتل آيات الذكر الحكيم ، التى تدخل السكينة على القلوب ، وتسبغ على الجميع هدوءاً يحتاجونه لإتمام هذه المهمة الصعبة الشاقة ، التى يدعون الله أن يتم عليهم نعمته وأن يكتب لهم السلامة والنجاة .

.. تتجه السيارة خارج حدود الكويت ، وعبد الله يرقب الطريق فى قلق ، وهو يتجه إلى المملكة العربية السعودية ، حيث الأمان والطمأنينة والسلام . تمضى السيارة مسرعة ، تهتز عجلاتها فوق الطريق الطويل المتجه إلى أفق الأمل ، وباحة الرجاء ، فى حين كانت النفوس تهتز رعباً وجزعاً من المجهول الذى ينتظرهم ، وربما يتربص بهم ، فالمسافات بعيدة شاسعة ، والشر ينتشر فى كل الأمكنة . ترى .. من يحمى هؤلاء الأبرياء الضعفاء من الخطر ؟!

تتجسد المحنة الآن بكل أبعادها ، يطل الخوف الحين بكل بشاعته ، يبرز الخطر ينذر تلك اللحظات العصبية الرهيبة فتعصف بقلوب الجميع ، يتحصن الكل بآيات القرآن الحكيم ، وهو يتنفسون الصعداء كلما عبروا إحدى نقاط السيطرة بسلام .. !

الحمد لله .. الحمد لله .. تتجه السيارة نحو بر الأمان يرتجفون خوفاً وهم يواجهون هذه اللحظة المحمومة ، وهم يقاومون بإيمانهم العميق الخطر الساحق المحدق بهم ، ويعبرون بفضل الله نقطة أخرى وأخرى من نقاط السيطرة ، فتعرف القلوب طعم الراحة والإطمئنان شيئاً .. فشيئاً .. !

– الحمد .. الحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه .. !

الحمد لله .. أخيراً عبروا النقطة الأخيرة بسهولة وسلام ! الحمد لله .. الحمد لله . فى الحقيقية كان تغيير شكل الملامح الذى صنعه بدر لأخيه عبد الله متقناً للغاية ، فقد حوله عبد الله من شاب فى الثلاثينات ، إلى شايب فى الخمسينات ! يتجاوز عمره العمر المطلوب ، والمحدد للإعتقال !!

كانت ملابس عبد الله وهيئته ، وحركته ، تدل كلها على أنه رجل شايب عجوز ، فهاهو شعر رأسه الأشعث الأشيب ، الذى عالجه بدر بالبودرة والأوكسجين ، قد صار أبيضاً شعثاً ، والغترة التى ربطها فوق رأسه ” شريمبا ” دون عقال زادته كبراً على كبر ، وسمحت لشعر رأسه الشايب أن يظهر على جانبى وجهه المغضن النحيل ! أيضاً جلوس أم فضيلة إلى جواره أعطى إنطباعاً وإيحاءاً بأنها زوجته ، التى تناهزه فى العمر .

فى الواقع .. كان الموقف مقنعاً ، رجل شايب وزوجته ، وفى الخلف بناته . إذ لم يكن هناك ما يوحى بشبابه ، ولا بعمره الحقيقى ، فقد رسم بدر كل شئ وعالجه بمهارة بالغة ، حتى كفى يديه وضع عليهما نوعاً من الصمغ أصابعها بالتجاعيد ، ولم يكن يوجد مخلوق واحد ، يشك أن هذا الشايب العجوز ، الذى يحمل هوية مفتش متقاعد فى بلدية الكويت ، هو نفسه المهندس الشاب عبد الله سالم خريج كلية الهندسة بجامعة ” هارفارد ” بولاية ” بوسطن ” بأمريكا !!

تنطلى الحيلة على الجند ، حمدا لله .. هناك تعليمات جديدة صدرت لتيسير خروج المواطنين من الكويت ، ليتم إحلال العراقيين محلهم ، لذا لم يعترضهم عائق والحمد لله ، عبروا بسلاح جميع نقاط السيطرة ، بعد أن أفلحت يد بدر الماهرة المدربة فى إكساب وجوه الجميع قبحاً .. لا يعادله قبح ! يدل عليه السواد الداكن حول العينين والتجاعيد فوق الجبهة .. كان العمل الفنى متقناً أدى نتيجة هائلة مذهلة ، كانت سبباً مباشراً والحمد لله فى دفع أعين الجند عنهن ، ونفورهن من الإقتراب منهن !

يأخذ عبد الله طريقاً آخر عبد الصحراء ، طريقاً بعيداً آمناً لا يعرفه الكثيرين ، إذ كان يخشى أن يناله شر ، فقد كان لا يريد أن يجازف ! بحال من الأحوال بالوقوع بين أيدى هؤلاء الشياطين ومعه هذا العدد الكبير من الحريم ، كان عبد الله يسلك طريقاً معيناً يعرفه أهل الكويت جيداً ، طريقاً هو أخبر الناس به ، فكما يقولون ” المية تعرف مجاريها ” ! آه .. الحمل ثقيل يا عبد الله والهم كبير والمسئولية جسيمة . إثبت يا رجل .. أعانك الله .

تطالع العيون فى وجل وخوف الصحراء الشاسعة المترامية الأطراف .. التى يتحرك سطحها تحت تأثير الرياح ، التى أخذت تعابث برعونة أمواج الرمال .. كان السكون سائداً ، يلف الزمان بغلالة من الخوف والرهبة والغموض ..! وكانت عيناً عبد الله تعانق فى قلق خط الأفق الملتهب ، وهدوء صاخب يدوى فى أعماق نفسه ، وآه رجاء حارة تتصاعد من قلبه ، تدعو الله وترجو الله أن يصلوا بسلام .

تترصد الروح اللحظة الحلم التى يصلون فيها حدود البعد عن الخطر ، حدود المملكة العربية السعودية ، حيث الأمن والأمان والسلام والإطمئنان .. ينبسط الأمل واسعاً ، والسيارة تنهب بهم الأرض نهبأ فتشرئب الأعناق تهفو إلى تحقيق الحلم الحلو للوصول إلى الأهل والصحاب .

يمتد الصمت والهدوء ، فتعرف القلوب الواجفة لأول مرة منذ زمان ، طال ، وطال ، عذوبة الشعور بالأمان .. فيتواصل الحديث ويسود الشعور بالخير والأمن والأمل والرجاء . لكن .. فجأة .. تقترب طريق السيارة ! توقفها ! يقفز منها على الفور جنود شرسو الملامح ، حاملو السلاح ، يمنعون السيارة من الحركة ، يحيطون بها ، يدورون حولها يأمرون من فيها بالنزول والخروج منها .. !

تتجمد الحركة ! تتصلب الأبدان ! تتخشب الأطراف من خوف عظيم يغطى الأرض كلها بمن فيها ومن عليها ! فالخطر يلفهم . يحاصرهم . يحيطهم . والغدر يطل فى عيون الأعداء يحدق فيهم . يحملق فيهم . يتفرس فى وجوههم !! آه .. المواجهة تهور . والمهادئة مذلة . والرجاء ضعف . والقتل إجرام . الإغتصاب أشد أنواع العذاب .. !! يارب إحمنا من شر هؤلاء الذئاب !!

الموقف فوق الجميع ! يرقب عبد الله الوضع الخطير جازعاً ، بعد أن إقترب الجنود من السيارة ، ونظرات الرغبة الجائعة تتلظى فى عيونهم ، تكشف عما تخفى نواياهم الخبيثة الخائنة ! فى حين بدا الذعر والهلع على تعبير الوجوه البريئة الرقيقة ، الخائفة ، الواجفة ، التى تشع الطهر والصفاء والنقاء .. ! بينما أخذت تنهمر دموع الخوف والذعر تعجز عن تحدى الخوف ! كما تعجز عن الصمود أمام القهر والرعب والفضيحة والقتل والعذاب .. والإغتصاب !!

لحظة ضعف محمومة يذوب فيها العمر كله دفعة واحدة ! يعجز الجميع عن مواجهة هذا الخطر الداهم المحدق بهم ! يضعهم أرواحهم على أكفهم ، فى حين تنتفض الأجساد . تهتز . تتشنج . تصرخ القلوب . تتلوى . تتمرغ نازفة فى الرمال . وألماً هائلاً يسحق
الروح . وعرقاً بارداً يتصبب يبلل الجسد تعجز أن تجففه رياح الخريف الجارفة اللافحة .

وحينئذ .. تصعد آهة رجاء حارة صارخة طالبة من الله النجاة والخلاص .. ودعاء صادق من القلب يخرج يخترق عنان السماء مناجياً المولى عز وجل أن يرفع عنهم الكرب ويزيل هذا البلاء ..

” لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم ”

” يا حى يا قيوم برحمتك أستغيث “

 

 

 


الفصل الرابع والعشرون

مصرع . . الجمال !

 

فى هذه اللحظة الحرجة ، تظهر فجأة سيارة جيب عسكرية كأنه هبطت من السماء ! يكتم الجميع أنفاسهم فى حين يدوى فى الفضاء صوت الضابط العراقى الغاضب آمراً الجند بالعودة إلى الدبابة والإبتعاد عن هذا المكان فوراً ، بعد ان عنفهم بشدة على سوء فعلتهم وتهددهم بأقصى العقوبة على ما بدر منهم ، إذا لم يكن مسموحاً لهم بالتواجد فى هذا المكان على الإطلاق !!

فى لمح البصر .. يختفى الجنود فجأة ، كما ظهروا فجأة ، يلتفت الضابط العراقى إلى عبد الله يول له بلهجة فيها تأثير شديد وإعتذار أشد :

– سامحنا يا خوى .. سامحنا .. حنا يا خوى أخل .. جيران .. اكو بينا صلات
دم ونسب .. حنا عرب فينا شهامة .. فينا رجولة .. حنا قبل كل شىء مسلمين
وموحدين بالله .. 

ينظر الضابط العراقى إلى نفسه ، وهو يطالع ملابسه العسكرية فى إستنكار ، ثم يطالع سيارته الجيب العسكرية فى رفض وقرف ، ثم يقول بلهجة ناقمة غاضبة :

–  ترى حنا إتغرز بنا مثلكم بالضبط .. إضحكوا علينا هذولة الإنذال .. قالوا لنا .. اكو ثورة بالكويت بيوتا نخمدها ! والحين . إنكشف الكذب .. إنكشف الغش ..إنكشف كل شىء .. بينت الحقيقة .. !

يقترب الضابط العراقى من سيارة عبد الله يدنو نحو الجميع مشيراً لهم بالركوب ، يتوجه نحوهم بالحديث وهو مازال غاضباً ، تأثراً ، يقول لهم بأسف عميق ، وإعتذار بليغ :

– سامحونا .. سامحونا ولا تؤاخذونا .. ترى حنا مظلومين مثلكم .. حنا مظلومين مثلكم .. حنا ما نريد نحاربكم .. وما نريد نكون هنيه .. بس هذولة فرق الإعدام وكوادر الحزب .. ما يخلونا .. الى ما ينفذ الأوامر ينطق بالرصاص !

يستدير الضابط نحو اليمين ، يرفع ذراعه بإتجاه الأفق ، وهو يؤكد لعبدالله الذى ظل يتصبب عرقاً رغم شدة الرياح :

– توكل على الله يا خول .. خذ حريمك وتوكل على الله .. أطلع سيدة .. لا تدور يمين ولا يسار .. حرك عينى .. حرك .. فى أمان الله  .

يشكر عبد الله الضابط العراقى الشهم الذى أنقذهم من مصير مروع رهيب ! ينطلق بالسيارة مسرعاً لا يلوى على شىء ، وتعبير واهن باهت يكتسى ملامح وجهه الشاحب الذى صار فى لون الأموات ! يمضى يقبض على مقود سيارته بيد مرتجفة ، ومشاعر ملتهبة ، يمضى متجهاً نحو الجنوب ، وهو لاى يكاد يصدق بالنجاة ، ودموع فرح حقيقى تغطى وجهه .. تبلل دشداشته .. ترطب روحه ، وإحساس صادق عميق بالجميل والعرفان يفيض فى وجدانه . الحمد لله رب العالمين .

و .. تتواصل مسيرة الحياة فى صمت سحيق لا يقطعه سوى صوت نجيب النساء  اللاتى عجزن عن الكلام  والتعبير عن الفرح بالنجاة ، وإن كانت قلوبهن تضج بالتقدير ، والشكر لله العلى القدير الذى ساق لهم الضابط العراقى الشهم الذى أنقذهم من بئس العذاب ، وسوء المصير .

تمضى السيارة براكبيها نحو خط الأفق ، والضابط العراقى ذى الرتبة الكبيرة يرقبها عن بعد إلى ان يطمئن عليها ، فينقل عائداً .. وسرعان ما يختفى عن الأنظار ! كان هذا الضابط ملاكاً عبط عليهم فجأة من السماء ! الحمد لله .. حياه الله .

و.. أخيراً تصل السيارة بسلام ، حيث تتلفقهم الأيدى الأمينة فى حنو وحنان ، حيث تضمهم أحضان الأخوة الأشقاء .. حمداً لله على السلامة .. حمداً لله . يطمئن الأهل فى الرياض على وصول عبد الله ومن معه بسلامة الله ، بينما يحاول بدر المستحيل بواسطة شباب المقاومة كى يعرف أخبار شقيقه وصحبه ، ويطمئن على سلامة وصولهم بسلام إلى بر الأمان .

.. وبواسطة تليفون يخفيه أحد الشباب عن الأعداء ، يتأكد بدر من وصول عبد الله بالسلامة ، فيرتاح قلبه ، يهدأ خاطره ، يعلن الخبر السعيد للجميع ، وأولهم جاسم ، ومن معه ، هؤلاء الأبطال ،المطلوبين لقوات العدو ، والذين بدأت الدوائر تضيق بهم ، تقترب منهم ، تبحث عنهم ، بعد ان شدد المحتل قبضته على أعناق الشباب المقاوم للظلم ، الرافض للإستبداد ، فبدأ يضيق فرص الهرب عليهم ، وأخذت بالتالى تتضاءل أمامهم فرص النجاة من الوقوع بين أيديهم .. !

لذا شهدت ساحات الاندية شتى أنواع التعذيب وفنون الإرهاب ، هى وغيرها مثل قصر بيان ، والمشاتل والمدارس ، وبعض البيوت الخاصة ، ولا يكتفى المحتل بذلك ، بل يطلق آليات الرعب نحو البيوت العادية من بينها بيت أهل دلالة فى العديلية ، تدهمه قبيل الفجر .

عصابات الرعب ، تطلب  حضور جمال شقيق عادل للتحقيق معه فى المخفر .. فالمسئول هناك لديه أخبار معينة عنه ، يريد أن يستفسر عنها ، ويحقق فيها !

كان ما يحدث فى هذه الساعة من الليل ، أفظع من الكابوس ، فالعصابة تقتحم البيت ! تكسر الباب ، يدخل الجنود مدجحين بالسلاح . يدخلون بخسة ونذالة مطالبين بالمدعو جمال المحمود ! محذرين أن لا يتحرك أحد من مكانه ! ينهض جمال من نومه .. فيفاجأ بهذه المداهمة الليلية ، فيحدثه الضابط بلهجة عادية :

– ياللاعينى .. تعال ويانا .. نريدك فى المخفر نتافاهم معا هناك .

تقترب منهم أم جمال ، وهى تنتقض فى خوف ورعب على ولدها فتسأل الضابط :

– خير يا وليدى .. خير .. ليش تبون جمال .. إيش سوى ؟!

يقول لها الضابط بنفس اللهجة الودية :

  • لا تخافين يوماً .. ما كو شىء .. ما كو إلا الخير إن شاء الله .. المسألة بسيطة .. بس     إحنا نبى نتكلم معاه وراح يجيكم هالساعة .. ما راح يتأخر .. لا تخافين

  يخرج الجنود ومعهم جمال ـ يقتادونه إلى السيارة ، ينسحبون خارجين ، فى حين يأخذون معهم ما خف حمله وغلا ثمنه ! يخرجون دون أن تؤثر فيهم توسلات أم جمال ، ولا بكاء أم دلال ، ولا صراخ دانه .. ! كان الكل فى حالة حزن وإحباط فظيع وهو يريدون جمال ولدهم الحبيب الطبيب يخرج معهم دون أن يعطوه فرصة للكلام !

وكانت اللغة الوحيدة التى يتفاهمون بها ، ويتكلمون بها ، هى لغة القوة التى يزيدها فصاحة وبلاغة كم السلاح الذى يحملون ، فى حين كام هو أعزلاً .. مجرداً من أى سلاح !! اللهم .. إلا سلاح الإيمان بالله ، وحب الوطن ، والغربة الصادقة فى التضحية بالروح من أجل الوطن .

.. كان الشىء الوحيد الذى لم تكن تعرفه أم جمال عن ولدها الشاب ، أنه وجه بارز فى إحدى مجموعات المقاومة ، وأنه هو رأس المدبر لعملية تفجير مركز الشاحنات ،  تلك العملية الكبيرة التى نفذها جمال ثاراً وانتقاما لما أصاب أخته دلال ، وأمها ، وجدتها ،  ولما أصاب أخيه الأصغر عادل الذي اختفى منذ ذهب لدفن جثمان جدة أخته ! والتى حولوا بيتها إلى معتقل .. !

يخرج جمال من البيت .. وتخرج معه كل المشاعر الدالة على الحياة يتحول البيت فجأة قبراً يملؤه الدمع ، والحزن  ، والقهر ! يتعمق فيه الخوف .. يصبح كل من فيه جثثاً على قيد الحياة ! وكانت سناء واحدة من هؤلاء الأحياة الاموات ، التى دفعها الخوف للأقامة شبه الدائمة داخل غرفة صغيرة فوق السطح ، وكانت بمجرد أن تسمع أى صوت غريب يثير مخاوفها ، نقفز على الفور ، فى لمح البصر داخل خزان المياه الممتلىء حتى نصفه

بالماء حتى تختبىء بجسدها النحيل داخله وتمكث به ساعات طوال ، وهى تنتفض البرد .. إلى ان تشعر بزوال الخطر .. !

آه .. ماذا تقدر الكلمات أن تقول فى مثل هذه المواقف اللا إنسانية ؟! ماذا يمكن أن تفعل إزاء هذه البلاء ؟! آه .. ماذا تفيد النوافذ والأسوار والبيت منتهك ؟ والأمان ضائع مفتقد ؟ .. والإحساس بكرامة الإنسان غائب .. تائه .. ممتهن ؟! آه .. يالها من ليلة بكى فيها الكون! يا له من زمن تداس فيه إنسانية الإنسان بالأقدام !!

تسقط الأم على الأرض غائبة عن الوعى ، دامعة محتقنة العين بعد ان بكت طويلاً الإبن والوطن ، ولعنت كثيراً الغدر والخيانة والهوان .. ! كانت أم جمال تتمنى أن تفتدى إبنها بروحها ، فظلت تلعن من أعماقها ذاك اليوم الأسود الذى رأوا فيه وجوه هؤلاء الظالمين المعتدين .. !

يتوارى النور عن البيت .. تغشاه ظلمة داكنة تغمره كآبة قاتلة ، ومن القلب تطلق صرخة دامية تضم آذان الجميع بعد أن أفاقت الأم من أغمانتها :

– جمال .. جمال .. وين أخذوا جمال ؟

تظل الأم تبكى ، وتبكى ، مر البكاء ، وهى تنعى حالها ، وما وصلت إليه بعد أخذ إبنها أمام عينها ! كما تبكى أم دلال بكل كيانها ،  بكل الهول المختزن فى ذاكرتها ، الكامن فى أعماقها ، وهى تتذكر كيف قتلوا أمها |، وكيف إعتدوا عليها وانتهكوا جسدها … فتنهار هى الأخرى على الأرض فاقدة وعيها !

بعد قليل .. تهبط سناء من السطح مبللة الثياب ، ترتجف من شدة البرد ،  لا تكاد تقوى على الوقوف من شدة الخوف ، والهول الذى شعرت به ، عندما أحست بالإقتحام ، وسمعت أصوات الخبط ، والدق ، والأرتطام  ، ثم كانت المفاجأة الفاجعة ، عندما عرفت أنهم أخذوا جمال نعم أخذوا جمال .. أخذوه .. أخذوه !

لا تستطيع سناء أن تكف عن البكاء لدرجة أن دموعها إمتزجت بثيابها المبللة .. تدخل غرفتها تبدل ثيابها ، وهى لا تكاد تعرف كيف تمسك أعصابها ، ولا كيف تفعل لتهدىء دانه ، وتزيل الخوف عن نفسها ! فلقد كانت الطفلة الصغيرة مذعورة فهى تحب خالها جمال ، الذى لم يكن بالنسبة لها خالاً ، وإنما كان أباً حنوناً ،  يعطف عليها ليعوضها عن يتمها ، ثم زاد من عطفه بعد ان شعر بظروف الحرب الرهيبة وقد يتمتها ظلماً من امها !

كان جمال يعرف أن أخته دلال تعيش فى صراع عنيف لهذا السبب ، فكان يشحعها على الإهتمام بدورها الوطنى فى تمريض جرحى المقاومة وكان دائماً يحرص على المشاركة فى تحمل مسئولية دانه وتخفيف أثر غياب أمها عليه ، زكان يسولف وياها ويحكى لها حكايات كثيرة عن شجاعة أمها اللى قاعدة تطق ” العراقيين ” وأنها ” بطلة  ” وكانت دانه تسعد كثيراً بسماع هذه القصص والمغامرات عن بطولة أمها .. فكانت تصبر عليها وما تضايقها بالإلحاح أو البكا كى تذهب معها !

كانت دلال تقدر الموقف الإنسانى الرقيق لأخيها جمال الذى يمتلىء قلبها بالحب نحوه ، ودائماً يخاف عليها ويدير باله عليها ، “ويحاتى ” لما تتأخر فى الإتصال به .. ! صدق ؟؟ .. جمال أخ فيه كل صفات الإنسان الطيب القلب ، النقى النفس .

تتسرب الأخبار عن تعذيب جمال بعد إعتقاله فى مخفر ميدان حولى ! لا يعرف أحد ماذا يحدث أو يدور هناك ،  فى ذلك السراب الذى أطلقوا عليه إسم الديسكو !! تكاد الأم أن تجن ، تكاد أن تفقد عقلها ، وهى تعجز كل العجز عن فعل أى شىء من أجل أنقاذ أبنها ، ورحمته ورضاه . فالله قادر ان يفعل ما يشاء لاراد لحكمته وقضاه .

يطغى هذا الشعور العرام على الجميع ، يختلج الضعف الإنسانى يمتزج بالأمل والرجاء الربانى ، راجياً وقوع معجزة إلهية ، تعيد جمال إلى أهل البيت قبل أن يفترى عليه هؤلاء الظالمين ، يارب .. أمين يارب العالمين . 

تعلم دلال بما حدث ، وتعرف من واقع خبرتها بالعمل مع شباب المقاومة إن خطوط الهاتف صارت الحين مراقبة للإيقاع بهم ، وإقتناصهم كما حدث لبعض أصدقائهم! لذا ، ترصد حركة أمها ، إلى أن تقابلها فى مسجد الشعب القريب حيث تتلقى دروساً دينية ، فتتحرك معها فى حذر ، وهى تترقب وقوع الخطر فى أى لحظة ،  مما عكس هذا الإثر الكبير من الخوف على دانه ، التى بدت لهما كالحلم الجميل الذى يخشون عليه أن يتبدد فى لحظة .. فى لمحة .. حفظها الله وحماها .

تستمر المقاومة ، لا يستسلم الشعب الكويتى لصفوف الفهر والترويع يزداد بأساً وإصرار وصبراً وتحملاً وإيماناً ،فقد كانت المقاومة تتبدى العين ، فى القلب  فى العقل ، فى كل شىء ، كل شىء ! فى الصمود ، فى التصدى فى الصبر . فى الإستمرار فى الحياة فى رفض العمل . فى رفض التعاون مع العدو بجميع الأشكال .. وتستمر المقاومة .. تستمر المقاومة !!

الكل يتحرك وروحه فى كفة ، وكفنه على كتفه ، الكل أيقن أنه معرض للموت فى لمح البصر ، فلم يعد أحد يهتم بما يمكن أن يحدث أكثر من ذلك .. الحياة لا تهم نموت وتحيا الكويت نموت ويحيا الوطن . الله والوطن والامير .

نعم .. يتم عبور مرحلة الخوف ..فلابد للحياة أن تستمر . تتصل . تدوم . تتجدد . ولابد للوطن  أن يرجع ، يعود ، يرد ، ولابد أن تعود الحكومة الشرعية للبلاد ، وعسى الله ان يحفظ الأمير وولى العهد الأمين ، تستمر إمارات العصيان المدنى ، فتقديم الخدمات الضرورية مازال  متاحاً والحمد لله ، ويد الحكومة تصلهم  بالخير ، والرزق ، والاموال ، منذ اليوم الأول للغزو ، والكل يعلن ان سياسة أمير الكويت الشيخ جابر الاحمد الصباح الإقتصادية ، قد حفظت للكويت وشعبها ومكانتها الدولية حتى بعد الغزو ! وقد نشرت صحيفة ” برافدا” السوفيتية مقالاً حول هذا الموقف لصاحب السمو قالت فيه :

من الصعب أن تجد اليوم فى التاريخ العالمى حاكماً إستطاع وهو فى المنفى أن يؤمن الحياة لأكثر من 300 ألف لاجىء من  أبناء شعبه ، وأن يساهم كذلك فى تمويل القوات المتعددة .

        حقاً  .. كان صاحب السمو الأمير وولى العهد الأمين لا يألوان جهداً فى سبيل قضية الوطن ، وإسترجاع الحق .. والأرض كذلك كان للأخوة الكرام فى دول  مجلس التعاون الخليجى دوراً كبيراً بارزاً أكد الموقف الأخوى الكريم الذى وقفوه جميعاً قادة وحكومات وشعوباً أثناء إنعقاد مؤتمر القمة الذى أعلن التضامن المطلق مع الكويت مواجهة عدوان النظام العراقى  ، وكان ذلك ما أشاد به الشيخ سعد معرباً عن تقديره وإمتنانه لهذا الموقف الأخوى الأصيل .

        كان الناس لا يضعفون ولا يملون من بذل المزيد من الجهد والصبر والصمود والتصدى ، كما أدت الظروف الصعبة فى معظم الأيام إلى إحداث نوع جميل ورائع من الترابط بين الناس بعضهم بعض ، وإلى بث روح التفاهم والتواد والتواصل والتراحم فيما بينهم .. وهذا ما جعل أهل الكويت يعيشون من جديد بذات الروح القديم حين كانت  الناس كلها تعيش أسرة واحدة ، ويداً واحدة .. ! خوش .. خوش !

        تمضى الأيام بشعة مروعة ، منذ إعتقال جمال الذى لا يعلم أحد ماذا يحدث له بالتحديد ! وكانت أمه ترفض أن تضع شيئاً فى فمها ، كانت لا تكف عن البكاء والأنين ، وهى تتخيل هؤلاء العتاة الظالمين ، وما يمكن أن يفعلوا بإبنها جمال ، وفلذة كبدها عادل ، كانت تقول فى حزن وجزع :

– إيش لون تبونى آكل .. انا يا المرة الكبير .. وهذولة عيالى شبان عادل وجمال ما أدرى شىء عنهم ؟! ما ادرى لو كانوا يعطونهم آكل .. إلا خلوهم جوعانين .. آه .. يا ربى .. منه لله الظالمين .. منه لله .

        وذات يوم جاءت مجموعة من الجنود المدجحين بالسلاح قبل الظهر ، إقتحموا البيت ، أخذوا يفتشون حجراته ويقبلونفى الأغراض يلقون الأشياء على الأرض يبعثرونها هنا وهناك ، فسألتهم أم جمال :

  • شنو تبون ؟ شنو تدورون ؟!
  • ندور على السلاح يا خالة .

بكت أم جمال وهى تترجاهم أن يعيدوا ولدها ، ظلت تقول لم تستعطفهم ، عسى أن يرقوا لحالها ، ويردوا ولدها جمال إليها .

– والله ما عندنا سلاح .. أرجوكم ردوا لى ولدى جمال .. جمال ما يعرف هذه السوالف .. فقال لها أحد الجنود باسماً :

– على أمرك يا خالة .. حالاً راح نجيبه لك .

        وفى مساء اليوم نفسه ، جاء الجنود ومعهم جمال ! فرح كل من سمع الخبر ، خبر وصول جمال ، لكن .. لا .. لم يكن هذا هو جمال !! كل من رآه بالبيت إستنكر منظره ، لا .. ليس هذا هو جمال .. لا . جمال مارجع .. جمال ما رجع .. !

        كان هذا الشاب النحيل ، الممزق الجلد ، المنتفخ الوجه ، الشديد النحول والهزل ، العاجز عن الوقوف ، والمغطى بآثار الدماء ، كان شاباً آخر يختلف عن جمال ، لكن ! لا .. إنه هو ، لكنه لم يعد هو .. صار بقايا إنسان !! فقد كان يقف متهالكاً أمامهم . زائغ النظرات ، شارد الذهن ، لا يستطيع أن يتعرف على أحد ! فى حين كانت تبدو عليه آثار التعذيب الشديد ، والحروق البادية على جلده ، ونزع بعض اظافره !

        هرعت أن جمال تعطيه كوباً من الماء كى يشرب ، لكنه .. يا ولداه لا يستطيع الوقوف ! يسقط على الأرض ! فتنحى أمه تحاول أن تضع كوب الماء على فمه لتسقيه بعض قطرات منه ، لكن يركل الجندى الكوب بقدمه .. فيسقط على الأرض يتكسر ، ينسكب منه الماء ، تتوسل إليه الأم باكية أن يتركه يشرب فهو عطشان ، تصرخ فيهم متوسلة :

  • حرام عليكم .. حرام عليكم .. خليه يشرب يا وليدى .. خليه يشرب .

لكن .. يزجرها الجندى صارخاً فى وجهها :

  • خليه اول يعترف وين باقى الملاعين رفاقه .. وين المخربين ؟! وين السلاح ؟!

يشده الجندى ، يجذبه لعنف ، يطلب إليه أن يعترف وإلا قتله . تسقط رأس جمال على كتفه ، يرفعها يتحامل على نفسه ، ينهض . يمشى . لكن .. يجذبه الجندى نحو الباب . يدفعه أمام .. وما يلبث أن يصوب إليه رصاصة خلف أذنه .. تتلوها رصاصات أخرى فى رأسه ! فيرديه قتيلاً أمام أمه! وأهل بيته ! وأمام دانه التى أصابتها حالة فزع هيستيرى رهيب ! وأمام أم دلال التى صرخت من القلب ووقعت مغشياً عليها هى وأم جمال ! فى حين ظلت دانه وحيدة مع جثة خالها وهى تصرخ وتصرخ وتصرخ .. بعد أن مزقت أصوات الرصاص المدوية سمعها .. ورأت ورأت الدماء تنزف من جسد خالها الحبيب .. الذى قتل أمامها ؟!

        وفوق السطح .. تسمع سناء صوت طلقات الرصاص ، فتنتابها رعشة  رهيبة تفقدها وعيها ، تهددها بالسوطق مغشياً عليها فى خزان المياه ، التى تكاد ان تغرق فيه ، فى حين يظل بدنها يرتجف وهى لا تعرف من الذى قتل من أهلها ؟ ومن الذى أصيب من أفراد عائلتها ؟! تتحامل على نفسها ، تنزل من فوق السطح بثيابها المبللة ، تنزل تنتفض من البرد ، تتسلل وهى ترتعش من الخوف ، والذعر ، بعد أن سمعت صوت الجندى وهو يهدد صارخاً ، قبل ان ينطلق بسيارته :

– حذراً واحد منكم يلمس هالجثة .. حذار تقربون منها !

        يمضى الجندى فى سيارته ، ينصف تصحبه اللعنات . والدعوات . فى حين يتجمع الجيران فى محاولات إغاثة لتلك الأم الثكلى والأسرة المغلوبة على أمرها ، التى فقدت واحداً من .. أعز شبابها !  !

الفصل الخامس والعشرون

وقفـة خاصــة !

 

يستمر إحتلال الكويت ، تستمر العمليات البشعة الظالمة ، تنهش نفوس أبنائها ، سواء فى الداخل أو فى الخارج ، الكل فى حالة رفض ، فى حالة إعياء ، فى حالة توتر ، فى حالة عذاب !

وفى الرياض .. تلك المدينة الأنيقة ، الهادئة ، يتطور الأمر ، يتضاعف حجم الخطر مرات ومرات ، حين تصبح تلك المدينة الرائعة على خط المواجهة مع العدو ، حيث تنطلق صواريخه تقتحم سمائها ، تسقط تهز أرضها ، فأخذ الناس يرحلون عنها إلى القصيم وجدة ، وتحولت المدينة الجميلة إلى جبهة على خط الناء .. !

نعم .. فها هو البيت المجاور لبيت نايف ، حيث تقيم سعاد وليلى وأمهاتهما والأطفال الصغار ، يقع عليه صاروخيدمر واجهته ! نعم .. أصبح البيت ، والمنطقة المحيطة به كلها معرضة للضرب ! وبدأت الأفكار تنادى أن يرحلوا عن موقع الخطر بالرحيل إلى القصيم أو جدة .

لكن .. الأب محمد ، أبو نايف ، يرفض الفكرة نهائياً فلا يتحرك أحد من أهل البيت من مكانه ، تبقى مذنة وأولادها ،ونورة وبنتها ، ومشاغل ، يدون جميعهم واجبهم ، كأحسن ما يكون فى الترحيب المستمر ، والتأهيل الدائم بضيوفهم  الكرام ، حتى الأطفال الصغار ، فى منتهى اللطف والذوق مع أطفال سعاد ، فالمحبة والمودة سمة من سمات أهل هذا البيت الذين لا يقصرون أبداً فى حق ضيوفهم .

.. ولم تسنح الفرصة لليلى ، ولم تسمح الظروف لمشاغل لأن ترى واحدة منهما خطيبها ! فقد كان نايف مقيماً بصفة مستمرة فى المستشفى العسكرى ، فى حين كان خطيب مشاعل ضابطاً طباراً فى القوات العسكرية السعودية ، التى كانت فى حالة  إستنفار ، أما سعاد فلم يخطر ببالها لحظة أن ترحل بعيداً عن مدينة الرياض ، رغم أن المدينة كلها كانت فى حالة تأهب فصوى ، فأغلقت أسواق العليا ، ومحلات شارع الستين  ، حتى أصبحت مدينة شبه خالية !


وكانت الكآبة فى الشوارع المقفرة تنتقل منها وإليها ، كان واضحاً للجميع أن الرياض صارت مدينة على الجبهة ، وكانت هى المدينة الأولى التى يتم فيها تصوير هجوم الصواريخ شهدت قتالاً ضارياً عنيفاً هناك ، إنتهى بتطهيرها من قوات العد ببسالة ، مما جعل الشيخ أبدتها القوات السعودية والقطرية فى تطهير هذه المدينة وقال :

– إن مشاركة قوات من دول التعاون الخليجى فى عملية تحرير الكويت عمق اللحمة الخليجية الواحدة والترابط المصيرى المشترك فى وجه المعتدى  الأثيم .

        وكانت سعاد كعادتها ، لا تعلن ألمها ، ولا تكشف شدة حزنها على ابيها ، رغم أنها قد تلقت معلومات من الوطن فى رسالة جاسم إليها ، تفيد أن والدها واين أخيها قد أختطفا من قبل القوات العراقية ! وأنهما مازالا تحت الأسر ! لكن .. سعاد بكل عقلها وكامل وعيها ، كانت ترعف كيف تدراى عن الجميع آلامها ! فكانت تحاول أن لا تطهر معظم أحزانها ، كما كانت تدعو لجميع أفراد المقاومة ، ؟ان يحفظهم الله ، وان يحفظ الكويت وطناً عزيزاً حبيباً غالياً حراً بإذن الله .

        فى الواقع سعاد كانت تؤمن فى قرارة نفسها إن الله لن يخذلها ، وان والدها وإبن أخيها سوف يعودان بإذن الله ، لذا .. تعايشت مع الحزن العميق الاليم بمنتهى القوة والتحكم والإقتدار ! نعم .. لم تشأ أن تظهر الألم اللعين بوضوح للمحيطين بها ، بل كانت تحرص على إظهار صورتها بطريقة طبيعية ، كى تحاول مساعدة كل من معها على التصبر والتحمل ، فالواقع الحالى بشع ، بغيض لذلك .. كان لابد من التصرف بذكاء ، وعدم الخضوع لسيطرة الحاضر بضعف وتخاذل .. إستسلام !

        ظلت سعاد تنهمك فى العمل الوطنى بكامل طاقتها ، وقدرتها وأعصابها ، إلى ان أصبحت مشغولة للغاية ، حتى عن نفسها ، بنفسها! إلا أنها صارت مع الوقت فى حالة يرثى لها من القلق والروع .. ! صارت تعانى من الشعور بالخوف والفزع على الجميع ، وإن كانت فى نفس الوقت تحاول جاهدة أن تخفى تلك المشاعر المرعبة ، كى لا تؤثر على المحيطين بها !

        لكنها .. فجأة ، طلبت من خالتها أم جاسم ومن امها ومن ليلى أن يسمحن لها أن تسمع أحدى أغانى عوض الدوخى لإنها تذكرها بوالدها ، فرفضن خوفاً عليها ، وعلى أعصابها ! لإنهن يعرفن أنه سوف تبكى مر البكاء ، خاصة فى هذه الحالة ، بعد أن عرفت إن والدها أسير ، لكن ، ترجو سعاد وتلح ، وهى تنهار باكية قائلة :

– تقولى لى لا ما راح تسمعين عوض الدوخى ؟! لا .. ما أقدر تحرمونى من أبوى .. كأنكم تقولون لى لا تشربين الشاى فى استكانة .. كأنكم تقولون لى لا تأكلين هامور .. كأنكم تقولون لى شبلى مجلة ” سيدتى ” لإنها تذكرنى بالكويت .. كأنكم تقولون لى لا تشوفين البحر لأنه يذكرنى بالكويت !!

        وفى النهاية .. لم يقدروا أن يقسوا عليها أكثر من ذلك ، كان واضحاً أنها ستموت لولم تعطها خالتها الشرائط ، فتدخلت أمها لدى أختها وأعطوها لها .. فأخذت سعاد وهى تتنفس بعمق كأنما إسترددت حياتها .. ودخلت بها غرفتها ، حيث إستمعت إلى كل الشرائط التى تحبها والتى كانت دوماً تسمعها مع والدها منذ صغرها .. !

        وبعد هذا  البوح مع الذات ، وهذا السيل المتدفق من الحنين والذكريات ، تحس سعاد بالهدوء والإرتياح ، فتعود إلى نفسها تتمالك من جديد قدراتها ، وتسجل للإشتراك هى وليلى فى إحدى اللجان المتخصصة التى شكلتها اللجنة النسائية التابعة للجنة شئون المواطنين الكويتية بالسعودية ، والتى عليها أن تتولى مهام تلبية الحاجات الآتية واللاحقة لمرحلة ما بعد التحرير

        وفى يوم .. دخلت عليها أمها الحجرة فوجدتها غارقة فى البكاء ، تنشج نشيجاً مكتوماً يقطع القلوب ، فحاولت تهدئتها ، لكنها لم تفلح ، إذا أرتمت سعاد فى حضن أمها باكية ، تنتفض من شدة الحزن والآلم وهى تقول شاكية :

– مانى قادرة يوماً .. مانى قادرة .. وين زوجى .. وين أبوى .. وين أخوي .. أنا خلاص ما عاد فينى أتحمل .. مانى قادرة .. مانى قادرة

        تتأثر الأم تأثراً عميقاً يهز كل مشاعرها ، فتحاول تهدئتها ، وإن كانت هى الأخرى فى حاجة لمن يهدئها ، ويخفف عنها أساها وحزنها ، لكنها لا تنجح فى ذلك ايضاً ، لأن سعاد تعرف من الاخبار التى تخرج من الداخل ، إن زوجها الطبيب جاسم هو الذى يتكلم مع الاطباء ، ويخربهم بنتيجة اتصالات مع وزير الصحة الدكتور الفوزان الذى يعطيع التعليمات الصحية ، التى ينقلها جاسم بدوره إلى بعض الأطباء داخل الكويت المحتل .

        فى الواقع .. أصبح جاسم فى خطر محيق ، بعد أن عرفت القوات العراقية كل شىء عنه ! صار لابد من خروجه من الكويت بأسرع وقت ! الصراحة .. كثير من الزملاء فى المقاومة ، والزملاء الاطباء ، بذلوا محاولات جسمية لإرغام جاسم على الخروج من الكويت إلا انه كان يرفض بشدة مقتنعاً بأن دوره الوطنى كطبيب يحتم عليه أن يبقى بجانب جرحاه الذى يحتاجون وان لا يتخلى عنهم بحجة إنقاذ حياته ، او بسبب الخوف على حياته !

        .. ويظل هذا الرفض مسيطراً على فكر جاسم فترة طويلة ، إلى ان ينفذ رصيد الأدوية الذى يحتفظ به فى أماكن سرية متفرقة ! ينتهى الدواء عن آخره ، كما تنتهى كل المعدات  المساعدة كالشاش والخيوط ، فلا يعود جاسم يجد ما يمكن أن يمارس به عمله كطبيب ! يصبح فى هذه الحالة فرداً عاديا مجرداً من أى قدرات خاصة ! إذن .. لابد من الخروج يا جاسم ، فأنت لم تعد فعالاً بالنسبة للمرض  ، كما أنك أنت نفسك أصبحت مهدداً بالموت !!

        آه .. أخيراً .. يلتقى الشقيقان ، عبد الله وسعاد بين ربوع المملكة العربية السعودية ، فتهدأ نفسية سعاد بعض الشىء وتحس قدراً كبيراً من الراحة والأمان ، بعد لقائها بأخيها واسرته ، وفضيلة وأمها بعد ان وصلوا كلهم سالمين بعون الله ، كما تهدأ بعد سماعها أخباراً مطمئنة عن زوجها وأخيها ، وأنهما بخير فى الكويت والحمد لله . تنتهد فى ارتياح .. تدعو الله ان يفيض عليها من كرمه ، وان يرفع الظلم عن أبيها ويفرج عنه هو وكل من معه ، وأن يقك ضيق كل محتاج .

        وكانت دلال هى الأخرى مهددة بالموت ! كانت مطلوبة بدورها من القوات العراقية المحتلة ، ورغم ذلك لم  تورع عن الحضور إلى جاسم فى مخبئه بمنطقة الرميثية ، وظلت تلح عليه :

– أرجوك يا جاسم .. طلع قبل ما تقع فى أيديهم ويصير فيك مثل اللى صار فى أخوى عادل اللى قاعدين يعذبونه ليل نهاء .. وإلا مثل اللى صار فى اخوى جمال .. عذبوه وهلكوه وبعدين قتلوه قدام أمى .. ! أرجوك يا جاسم أطلع .. ما تعطيهم هالفرصةة أنهم يعذبونك ويقتلونك .. حرام عليك  يا جاسم ..حرام عليك نفسك وأهلك .. حرام عليك زوجتك وعيالك .. حرام عليك .

        وهنا .. يضعف جاسم أمام دموع دلال ونجيبها الذى يقطع القلوب ، فيعدها قائلاً :

– خلاص دلال .. خلاص .. لا تبكين .. باطلع .. والله باطلع فى أقرب وقت .. بس أنت ديرى بالك على نفسك .. وخذى بالك .. لا تردين البيت الحين .. مهما وحشتك دانه .. تحملى دلال .. بس لا تخاطرين بحياتك .. أرجو .

        يودع جاسم دلال ، وهو مقتنع تمام الإقتناع بأنها تغيرت .. تغيرت .. ! يحادث نفسه شارداً :

– صدق دلال تغيرت.. ! ما أصدق أنها تلح على عشان أطلع وأروح لسعاد .. تقولى لى حرام عليك زوجتك وعيالك ؟! مانى مصدق نفسى .. معقول دلال تتغير إلى هذا الحد ؟! معقول الحرب تغير الإنسان هالتغيير ؟!

        يستغرق جاسم خواطره ، يظل شارداً يفكر متعجباً فيما آل إليه حال دلال ! وكيف بدلتها الظروف ، وغيرتها الاحداث ، يظل يفكر فى أمرها وهو فى قمة  الحزن والألم من أجلها ، بعد فقدت شقيقها الاكبر جمال الذى كانت أبنتها تحبه وتعتبره والدها ، وفى نفس المخفر .. كانوا يعذبونه قدام بعض !!

        يصحو جاسم من شرودة على صوت بدر يناديه بينما تتسلل دلال بحذر شديد ظن وهى تتشح بالسواد إلى مخباً آخر قريب ، وأفكارها كلها تدور حول أبنتها دانه ، التى حرمتها الاحداث منها ، وحالت دون رؤيتها ، رغم أنها تعلم أن امها مريضة ، مضطربة نفسياً ، وإن زوجة أبيها تعانى من نفس المرض ، وإن أختلفت درجته ، وهى اختها سناء ، ما تزال تتلوى من آلام الكلى المبرحة التى تعصرها عصراً .. !

        لا تستطيع دلال أن تتمالك نفسها ، ولا أن توقف شلال دموعها ، التى أخذت تنحدر بشدة على وجهها  ، وهى لا تعرف كيف تخفف شوقها إلى ابنتها .. حبيبتها .. صغيرتها .. دانة ! التى جعلت إحساسها بالذنب تجاهها ، يتضخم ، حتى كاد أن يفتك بكيانها .. !

        نعم .. فى الحقيقة ، دلال مقتنعة كل الإقتناع بدورها الوطنى ، وبواجبها المقدس نحو وطنها الحبيب ، وهى لا تتردد فى القيام بأى مهمة قد تطلب منها ، أو توكل إليها .. لكنهافى نفس الوقت ، أم تشتاق إلى إبنتها الطفلة اليتيمة ، الوحيدة ، التى تعيش فى بيت يمتلىء بأشباح الحزن والخوف والعتاب .. !

        كانت دلال كلما تخيلت معيشة دانة وهى وحيدة خائفة ، مذعورة ،  لاتجد من يعطف عليها أو يأخذها فى أحضانه ليدفع عنها خوفها ، وليبدد ذعرها وهلعها ، كلما بكن وإنتحبت وتمزق قلبها ، فهى تعرف إن اختها سناء تخاف من خيالها ، وأى طقة فى الشارع تخليها تركق فوق السطح ، وتنط فى قلب التنكر ..!

        وكانت دلال تعرف أيضاً أن امها ” مو صاحية ” وإن أم جمال زوجة أبيها ، هى بعد “مو صاحية” ! وكانت تعرف كذلك إن دانة تظل بروحها فى البيت وهى لا تعرف ويت تروح ، ولا مع من تتكلم ، ولا حضن من تختبىء .. ولا فى صدر من تجد الحب والحنان .. والامان من الخوف ، الذى تحتاجه ، وتطلبه .. وتطليه !

        تنتحب دلال ، تظل تبكى وتنتحب ، وهى تدعو الله العلى القدير أن يكتب لها الحياة ، وان ينعم عليها بالسلامة وطول العمر من أجل أبنتها اليتيمة التى تحتاجها كى تربيها وترعاها وتعتنى بها .. فمن سيتولى أمرها بعدها ؟! .. تظل دلال غارقة فى بحار همومها ، وأحزانها ، وهى لا تعرف  كيف تواسى روحها ولا كيف تعزى نفسها ؟!

        يقوم بعض الشباب بإيصال المعلومات إلى جاسم ، فيخبرونه بوصول عبد الله إلى الممكلة العربية السعودية بسلام ، كما يخبرونه بمعلومات عسكرية تفيد بوجود جيش كويتى قوامه 18 ألف جندى يخدمون بالممكلة العربية السعودية ، كجزء من القوات الدولة ، إضافة إلى عشرين ألف كويتى يتدربون حالياً فى مواقع القوات الكويتية الامامية ، كما يصل الخبر أن عبد الله شقيق زوجته قد إنضم إلى لواء الشهيد هو وإبراهيم إبن خاله .. ويعرف جاسم أيضاً أن خالد أبن  خاله الأصغر ، قد إنضم إلى سلاح  الطيران التابع للجيش الكويتى ، بمنطقة حفر الباطن بالمملكة العربية السعودية ، بعد أن عرف بتمركز القوات هناك .

        آه .. لم يعد هناك بد ولا مفر من الخروج يا جاسم ! .. الحكمة تقول : إعقلها وتوكل ، والمحافظة على الروح هنا واجب وطنى يتحتم إتخاذه ، لكن .. كيف الخروج إذن والطرق كلها مراقبة ونقاط السيطرة منتشرة فى كل مكان ، ولا يكاد يفصل بين واحدة وأخرى أكثر من مائة متر ؟! ما هو الحل إذن ؟! وما هو طريق النجاة والخلاص ؟! خاصة وإن جاسم أصبح مطلوباً بالإسم ، ومعروفاً بالصورة والشكل ، فهو بطل رياضى مشهور وصوره كثيرة ومتعددة !

        آه لابد من الحيلة إذن !! لابد من تدخل بدر صانع المستحيل ليض خطة فنية محكمة تضمن هروب جاسم وخروجه سالماً من هذا المأزق الكبير الذى يتعرض له ، والذى يتهدده ، بعد أن أصبح فى حكم اليقين أن قوات الغزو تبحث عنه فى كل مكان ، وتريد القبض       عليه بأسرع ما يمكن ، بعد أن صدر تعميم بأوصافه ، وطبعت صوره على منشورات تم توزيعها على كافة نقاط السيطرة .. ! .. ما الحل  ..؟! ما الحل ؟!

        يتفتق ذهن بدر عن حيلة ذكية بارعة ، ساعدته العوامل والظروف على تنفيذها ،
فقد كان عبد الله شقيقه قد قام بتزوير وتزييف عدة هويات إحداها كانت لضابط فى القوات الخاصة ، تلك التى إستخدمها من قبل عندما تدخل لإنقاذ جاسم ودلال وشباب المقاومة فى منطفة كيفان !

        كان عبد الله بارعاً فى هذا الشأن ، تشهد له خبراته  فى عشرات الهويات التى أنجزها لبعض الشخصيات المطلوبة لدى قوات النظام العراقى ، الذى لم يستطع الوصول إليها بعد  ان إنتحلت تلك الشخصيات أسماء وشخصيات أناس بسطاء عاديين جداً وخارج نظاق وإهتمام المتابعة !

        يضع بدر خطة متقنة محكمة ، لم يشأ أن يعلن عن تفاصيلها لأحد ، فالقوات العراقية تشن حملة إرهاب منظمة ضد  المقاومة الكويتية ، والقتل مباح لمجرد الإشتباه ! والإعدام العلنى فى الساحات العامة صار شيئاً معروفاً ! فليس هناك ما يعوقه أو يمنعه ، كما أن  القوات العراقية تشن هذه الأيام حملة مداهمة واسعة النطاق ، فتقتحم البيوت على ساكنيها ، وتنسف المبانى والمجموعات السكنية على من فيها !!

        إذن .. لابد من الرحيل قبل الوقوع بين ايديهم ، فالوقت يضيق ، والزمن ليس فى صالح جاسم على الأطلاق ! كان هذا هو هاجس بدر  الأكبر ، وكان هذا هو التحدى الأعظم لقدرات فنان يتقن المحاكاة والتقليد ، كما يقدر على التخيل والإبداع والإختراع والتنفيذ .. إنه التحدى الأوحد فى حياتك كلها يا بدر !! أن تقدر على إختراق الحدود وجاسم معك ، ورغم هذا التضييق المفروض على كل الطرق والأماكن ، والجسور ونقاط السيطرة ، ومنافذ العبور ، لكن .. كيف ؟! كيف ؟!

        يرتب بدر كل شىء فيستسلم جاسم مرغماً لرغبته ، وإرادة جماعته من الشباب الوطنى المخلص ، فيتخلص من كل شىء يمكن ان يدل عليه ، يلبس دشداشة داكنة الون ويلف رأسه ( شريمبا) بغترة حمراء ، حتى يبعد عن نفسه إبحاء  الرياضة ولعب الكرة ، فقد كانت صوره معروفة تماماً لدى مسئولى النظام المحتل ، الذى صاروا يعممونها على رجالهم المنتشرين فى كافة نافط السيطرة !

        فكر بدر وحاول أن يغير من ملامح جاسم بعض الشىء ، ولكن للأسف ، باءت محاولاته كلها بالفشل ، لأن مواد التنكر التى كانت عنده إنتهت عن آخرها ! أه .. يا للحظ السيىء ؟ ما العمل ؟ لابد من الخروج الآن من الكويت بأٌصى سرعة ! لابد من إنقاذ جاسم ، فالأخبار إنتشرت فى كل مكان وأصبح  معروفاً أن الدكتور جاسم الناصر ، صار مطلوباً لدى القوات العراقية بإعتباره رأساً كبيراً من رؤوس المقاومة  الكويتية !

        كانت المهمة شاقة وعسيرة إذا لم تعد لدى بدى أى وسيلة من وسائل التموية والإخفاء تساعده فى عملية إنقاذ جاسم ، او تغيير ملامح وجهه المعروف ، والمشهورة ، والتى تكاد أن تكون محفوظة عن ظهر قلب ! إذن  .. لابد من التفكير فى خطة أخرى !

        يطلب بدر على جانح السرعة  دجاجة وحبلاً وقطعاً صغيرة من الخشب والورق ، وبعض الأربطة ، فيذبح الدجاجة ، ويضع بعضاً من دمها على رفبة جاسم ووجهه ودشداشته  ، كما يقيد ذراعيه خلف ظهره كى يبدو كأنه خارجاً لتوه من غرفة تعذيب مستعيناً على ذلك ببعض السواد والهياب الناتج عن الورق والخشب المحترق !! عافية عليك يا بدر !

        يرتدى بدر زى ضابط القوات الخاصة الذى يحمل هويته ، بينما يتكوم جاسم فى السيارة المرسيدس السوداء ذات الأرقام العسكرية ، راقد على الكنبة الخلفية وهو يتظاهؤ بالوهن والآلم من شدة الوجع الى يسببه إرتجاج السيارة ! يقترب بدر من أولى نقاط السيطرة فلا يهتم أن يقف ، فقط يحدق بقوة فى أعين الجند الواقفين ، ويمضى لا يلوى على شىء ، فى حين تؤدى له التحية العسكرية بهمة واهتمام وتعظيم ووجل !!

        وهكذا .. يظل بدر يعبر نقظة تلو الآخرى ، والحظ فى كل مرة يخدمه فى ان الواقفين عليها يكونوا سوى جنوداً بسطاء عاديين يدينون بآيات الطاعة والولاء لضباط القوات الخاصة من الحرس الجمهورى بالذات ، هؤلاء الضباط الذين لا يستطيعون مناقشتهم فى أمر من الأمور ! أو مسائلتهم ،  فى موقف من المواقف ! فقط ، ما عليهم سوى الطاعة المطلقة العمياء عند تنفيذ الأوامر ، دون أدنى نوع من التفكير فى الرفض أو الإعتراض ، مهما كانت نوعية هذه الأوامر وغرابتها ! كل ما عليهم هو الطاعة فقط لا غير ، فالسلطة هنا تصاعدية بحتة !

        لكن .. آه .. ها هى إحدى نقاط السيطرة يقف مجموعة من الضباط ذوى الرتب العليا ، ففيهم الرائد والمقدم والعميد !! آه .. إنهم يستوقفون عدداً من السيارات بعرض الطريق ، مما أضطر بدر أن يقف مدة أطول من اللازم اتاحت لأحدهم فرصة أن يقترب من السيارة ويطيل النظر داخلها ..!

        يحدق الضابط فى وجه جاسم الراقد على جنبه مدققاً فاحصاً ، وهو ينقل بصره بين الأوراق المطبوعة التى يحملها فى يده ، وبين وجه جاسم الذى يطيل النظر والتحديق إليه ! وما يلبث أن يصرخ منادياً على باضى الضباط ، مشيراً لهم أن يقتربوا بسرعة ثم ينحنى مدنياً وجهه من نافذة السيارة الخلفية ، وهو يحدق يعيينيه حيث يرقد جاسم الذى عممت قوات الغزو صورته على جميع نقاط السيطرة فى كافة أنحاء الكويت طلباً للقبض عليه حياً , أو ميتاً !!

الفصل السادس والعشرون

الحبيب الجريح

 

ينتفض بدر من شدة الغضب والإنفعال ، يفتح بسرعة زجاج النافذة الخلفية ، حيث ينحنى الضابط يحدق فى وجه جاسم ، يلتفت فى لمح البصر إلى الضابط الذى ما زال يدنى رأسه من السيدة ويبصق بقوة وعنف على وجهه ، فيرفع رأسه منسحباً على الفور إلى الخف منكمشاً على نفسه ، مبتعداً راجعاً إلى الوراء ، فى حين يجمد باقى الضباط فى أماكنهم ، لا يجرؤ واحد منهم على أختلاف رتبهم من الاقتراب من السيارة المرسيدس السوداء التى يقودها ضابط الإستخبارات الشاب الذى ينتمى إلى الحزب الجمهورى الذى تربط رجاله صلة قرابه حميمة بصدام حسين !!

يحرك بدر السيارة ، يخترق بصعوبة حصار السيارات الكثيرة المتراصة حوله وأمامه وهو يضغط بعنف وقوة على نفير الذى ينطلق علياً مدوياً يثير البلبلة والإرتباك حوله ، إلى أن تنلطق السيارة مسرعة تسابق الريح ! تعبر بإعجاز باقى نقاط السيطرة الآخرة بنفس الاسلوب ! بالعبوس ، أو الشتم ، أو السباب بلهجة عراقية متقنة ، أو البصق على الوجوه وهكذا ، إلى أن يتم خروجها إلى عرض الصحراء .. حيث بعرف بدر الطريق ، ويحفه عن ظهر قلب !

نعم .. يحفظ بدر الطريق عن ظهر قلب ، لأنه دائم الخروج والدخول منه ، فهو سبق وساعد خالد إبن خاله الطيار على الخروج للإلتحاق بجيش الكويت هناك / كنا ساعد كثيراً من الإخوان الراغبين فى الدخول إلى الكويت من شباب المقاومة ، فى بدأ الإحتلال ، منذ رجع وهو وجاسم وخالد من لندن وإنضموا إلى مجموعات المقاومة فى الداخل ،كذلك كان بدر عوناً كبيراً لكثير من أرباب الأسر الذين رغبوا ى الخروج والنجاة بنسائهم وبناتهم اللاتى خافوا عليهن من الوقوع ضحايا الإتصاب !

تصل السيارة بسلام إلى نقطة حدود السالمى ، فلا ينسى بدر أن يستبدل ملابس ضابط الإستخبارات العراقى قبل أن يصلها ، ولا يغفل أن يلقى بها فوق رمال الصحراء ، حيث تذروها رياح الشتاء الباردة ، ومعها الهوية المزورة ، كما لا ينسى أن يلبس دشداشة صوف كويتية ، وان يبرز هويته الحقيقية .. شاب كويتى .. يعشق الكويت . ويبذا الروح .. فداء الوطن .

صوف كويتية ، وان يبرز هويته الحقيقية .. شاب كويتى . يعشق الكويت ، ويبذل الروح .. فداء الوطن .

يصل جاسم إلى المملكة العربية السعودية حيث  يلقى الود ، والأمان والحب ، والترحاب ، فيلتقى هو وبددر بالأهل فى بيت نايف ، يلتقى الجميع هناك ، فتنساب الدموع ، تنفجر المشاعر  فى تلك اللحظات العنيفة اقاسية ، فلا يعود هناك مجال لكتم الحزن ، والأسى ، والألم ، فينتحب الكل لهذا المصاب الجلل الذى حل بهم ، ما بين إستشهاد فيصل ، إلى أسر منصور وأسر الرجال الطيبين أبو عبد الله وأبو جاسم ..!

فى الحقيقة .. كان مشهد هذا اللقاء العاطفى العاصف ، عنيفاً ، مروعاًً ، مؤثراً ، فالحزن عملاق يطغى على النفوس ، والكل فى بكاء  وحيب يقطع القلوب ، ولم يعرف أحد كيف يمنع هذا الأسى من إحتلال المشاعر والأحاسيس ، لم يعرف أحد ,, ولم بقدر أحد !! حتى نايف نفسه لم يقدر أن يقضب نفسه ، ذوف الدمع هو الآخر تأثراً إنفعالاً ، وهو يرى لحظات العناق الحار بين الشباب عبد الله وجاسم وبدر الذى إلتقوا بعد عناء فراق ، وعذاب بعاد !

وبعد أن تهدأ النفوس ، يودع دكتور جاسم دكتور نايف ، كما يودع أهل البيت جميعهم ، ومن بينهم سعاد ، التى كانت تود وتتمنى لو انه تحيا طول العمر مع جاسم .. بلا وداع !

لكنها الحرب وظروف الأزمة الحالية تؤثر فيهم كلهم ، تؤلمهم تعذبهم ، تشقيهم ، تفرقهم .. فها هى الحين تباعد بينها وبين زوجها .. حبيبها ، الذى ما صدقت على الله أنها تشوفه وتقابله بعد كل هذا الغياب وهذا الخوف .. وهذا العذاب !

وكان الاطفال الصغار لا يقلون عذاباً عن الكبار بسبب هذه الحرب فها هم يقفون حزانى مضطربين متأثرين لفراق والدهم ، فيقفوا يلتفون حوله ، يعانقونه ، يقبلونه ، فى حين كان جاسم يحاول أن يصطنع المرح ، وان يغالب التأثر بنفسه  ، وهو يحصن راكان بين ذراعيه ، الذى كان يبكى ويريد أن يخرج مع أبيه بعد أن شعر أنه يوشك أن يغادر البيت الحين .. ويتركه مرة ثانية !

أيضاً كانت أنوار متأثرة لفراقه وهاهى تطلب منه هذا الطلب بمناسبة عيد ميلادها القريب ، وتقول :

  • يوبا .. خلى صدام يرجع منصور عشان يحضر عيد ميلادى .. قل له أنوار تقولك هى تبى منصور .. هو ليش يخليه عنده ؟! وقل له يترك جدى أبوك .. وأبو أمى عشان تبطل أمى تبكى .. خليهم يبجوا .. لا تنس يوبا .. زين ؟!
  • زين .. زين .. على أمرك حبيبتى

أما احمد ، فقد كان يقف واجماً صامتاً ، فهو يعرف أن والده سوف يخوض حرباً عنيفة شرسة ضد عدو ظالم عنيد ، فكان يدعو الله فى سره أن يحفظه ويرعاه ، ويرده لهم سالماً منصوراً بإذن الله .

ولم ينس أحمد أن يعطى والداله مصحفاً صغيراً كان قد أشتراه خصيصاً له ، وهو يحضنه ويعانفه .. ويشد على يده بقوة .. ويسلم عليه سلام الرجال الأبطال !

ينصرف جاسم إلى لقاء وزير الدفاع الشيخ نواف الاحمد ، الذى يكشف عن أن الجيش الكويتى أقترب من إعداد لواءين كاملين إستعداد لمعركة التحرير ، وإن أحدهما قد إلتحق بالقرب من حدود الكويت ، فإنضم جاسم كطبيب يعمل لخدمة القوات العسكرية الكويتية ، فى حين ذهب كل من بدر وعبد الله ، للإنضمام إلى قولت المقاومة الشعبية الكويتية التى تخضع لتدريبات عسكرية معينة إستعداداً لمعركة التحرير .

.. تنكمش الأيام تكمن ، تقبع ، تتحرك ببطء ، كسلحفاة معتلة مريضة ، ضالة ، لا أحد يعرف وجهتها ، ولا أتجاهها ، فالكل يعانى مرور الساعات الكسيحة ، التى لا يعرف لها أحد بداية من نهاية ! الكل لا يعرف ماذا يمكن أن تسفر عنه الإحداث من مفاجأت !

تجلس النساء فى مدينة الرياض ، متشحات بالسواد ، غارقات فى الترقب ودموع البكاء ، فى حين كان الرجال كا فى موقعه يأمل ، يترقب ، ينتظر ذلك اليوم الكبير الذى يشاركون فيه فى تحرير الأرض ، وتخليص الوطن من المحتل الأثيم ، وعودة الشرعية إلى البلاد .

بمرور الأيام .. يكبر الأمل يعانق قلوب الناس ، فتدفاً أرواحهم رغم برودة الشتاء ، الذى جاء شتاءاً قارساً هذه السنة ، لكن ، تظل النفوس تهفو لتحقيق الرجاء بالخلاص من هذا الإحتلال البغيض الذى يشيع الشر حوله ، وينثر بذور الغدر والظلم والعدوان ، فتثبت أشواك الأذى تصنع سياج الألم والعذاب !

آه .. أنها القيود  تكبل حرية الأنسان ، إنها الحواجز المضروبة تحاصر حلمه الجميل فى التحرير ، فى النجاة فى الخلاص ، أنها الأمنية الحلوة .. فى أن يعود الإنسان مرة أخرى إنساناً !

.. يجىء الليل ، ويجىء معه ظلام إسود دامس حالك ، يربض مع برودة الشتاء ، ورمادية الأجواء ، التى تحولت إلى سواد قاتم ! بعد أن شبت حرائق آبار النفط ، التى تم إشعال ستة آبار منها فى الأحمدى على سبيل تجربة التلغيم والتفجير ، ثم تلبث أن تزايدت إلى أن إشتعلت النيران فى 618 بئراً دمر منها 462 بئراً تدميراً تاماً !!

آه .. يتدفق النفظ بفعل التخريب من سبعة وسبعين بئراً ، حتى تكونت مياه الخليج حوالى مائتى بحيرة نفطية ، يتراوح سمكها مابين حوالى عشرة سنتيمترات إلى مترين ياالله ! يالظلم الإنسان لأخيه الإنسان ! ياللقهر عندما يطغى الإنسان ويتجبر ، فيحرق ثروات الخير والنماء والرخاء ..!

آه .. تبدأ رائحة الزيت المحترق تحاصر الناس حتى تكاد تخنقهم ، كما يتم حفر خنادق وإستحكامات على طول شاطىء الكويت فى حين تزرع الصحراء بالألغام ! كالجو العام سواداً فى سواد ، فالظلام دامس ، والكهرباء مقطوعة ، والليل يتساوى بالنهار فى البرودة وكثافة الظلام ، وزاد من عبء الحياة إنقطاع المياه أيضاً ، وإتصال الخوف ، بلا إنقطاع ، فى كل الأوقات ! !

كانت دلال فى حالة يرثى لها ببعد إستشهاد شقيقها جمال ، وإختفاء أخيها عادل الذى لم تعد تعلم عنه شيئاً ، منذ ذهب إلى بيتها لدفن جثمان جدتها ، إختفى عادل هو ومن كان معه من الشباب الذى لم يرجع واحد منهم لأهله ! ! لكنها كانت تلتقط بعض همسات تفيد بأنهم قد رحلو إلى أحد سجون البصرة بعد أن عذبوه فى مخفر حولى !

ولم يكن عادل وحده عو الذى تعذب .. دلال أيضاً كانت تتعذب بسبب مرض سناء أختها ، التى صارت تقاسى آلاما مبرحة فى الكلى ، إثر تعرضها المستمر للبلل فى مياه الخزان فوق السطح ، التى كانت شبه مثلجة بسبب برودة الشتاء الشديدة هذه السنة ! حقاً.. كانت دلال نفسها تعانى كل العناء بسبب الظروف المحيطة بها ، تلك الظروف الصعبة التى ازدادت صعوبة بعد سفر جاسم وبدر إلى المملكة العربية السعودية .

أصبحت دلال تعيش أياماً صعبة بعد رحيلهما ، صارت تعيش فى جو من الذعر والفزع ، فقد كانت  متهمة بمحاولة تمرير السلاح لمجموعات المقاومة هناك ! لذا تركت البيت هاربة ، وإختفت من جديد فى منطقة بيان ، بعد أن عرفت أن قوات النظام العراقى تبحث عنها وتطلبها بالإسم ، لذلك كان من المستحيل أن تستمر دلال فى العيش فى بيتها فى العديلية ، بعد أن صار خالياً من الرجال ، وأصبح الحريم بروحهم ، وحدهم بدون رجل يحميهم !

الله فوق .. الله مع الجميع .

وعقب مرور الأيام والأسابيع فى هذا الشتاء الثلجى الهواء ، وبعد أن تستفيد كل الوسائل والسبل لإقناع صدام حسين بالإنسجاب وحقن الدماء ، وبعد أن انتهت المهلة المحددة للإنذار .. تصحو دانة ذات يوم وهى تصرخ من شدة العرب والفزع بسبب أصوات الإنفجارات التى بدأت  تسمع فى كل مكان !

كان الخوف عاتياً عارماً ، فالنيران ترتفع فى الفنادق والمدارس ، التى أحتوت مراكز الذخيرة الخاصة فى القوات الخاصة ، ولم تكن دانة وحدها هى التى تعيش الفزع . كان كل من فى البيت فى نفس الحالة من الإنفعال ! حقاً .. لم ينم أحد يوم الإنذار ! ظلت المقاومة حتى آخر لحظة مستمرة ، وظل العصيان مستمراً ، فالجدران ما تزال تنطق بالشعارات الساخنة التى تكتب فى الليل وتمزق أعين المعتدين فى النهار ! تطعنهم فى الصميم !!

الكويت للكويتين         لا حاكم إلا جابر        كويتنا حرة

كلنا للكويت والكويت لنا عاش جابر وعاش سعد

يا كويت عزك عزنا              أنا كويتـــى أنا

نموت وتحيا الكويت             الله والوطن والأمير

        و.. يعاود الليل إرخاء سدوله ، فى حين ترتفع إرادة شعب حر كريم ، يأبى أن يستسلم للعدوان ، يرفض الهوان ، شعب ينبذ اليأس ، والغبن ، شعب يأبى ألا أن يموت ويحيا الوطن .. عاش الوطن .. عاش الوطن

وتظل تضىء جدران الوطن رغم الظلام ، عبارات تشع النور والحق والأمل والرجاء .. تنقطع الكهرباء .. فتلمع الشموع ، تبرق القلوب .. تظل تضىء بنور الإيمان .. الله أكبر الله أكبر .

        يستمر المطر والبرد ، وأصوات الرصاص والبنادق الآلية تخترق السمع ، ترهق النفس بضجيجها ، يضم الليل أذنيه عن صرخات الإستغاثة ، ودوى الإنفجارات ، والأصوات الصاخبة التى تزلزل الارض ، وتزلزل معها المبانى ، فتهتز الإبواب والنوافذ فى المنازل ، وتنخلع لها القلوب خلعاً ..!

يرتفع بكاء دانة وعويلها ، يرتفع يجرح النفوس ، يدمى القلوب وهى تركض خلف أم دلال وأم جمال فى كل أنحاء البيت تبحث مثلهن عن ملجأ ، عن مأمن ، عن مخبأ ، فهى خائفة بعيداً عن أمها التى لا تجرؤ على العودة إلى البيت لتأخذها فى حضنها ، تطمئنها ، تهدئها ، تخف عنها ذعرها ، تزيل عنها خوفها ورعبها !

أما سناء التى كانت تحنو فهى ما تزال تختبىء فهى ما تزال تختبىء فى مكمنها فوق السطح ، الذى يحيطه الظلام الدلمس فى منتصف الليل وفى عز النهار ، والذى ينهمر المطر فوقه ممتزجاً يلزوجة الزيت المحترق . انها مذعورة هى الأخرى ، لا تقدر ان تنزل إلى البيت خوفاً من الإعتقال والوقوع بين أيدى جنود صدام الذين لا يعرفون الرحمة ، ولا يتورعون من الإغتصاب .. !

تتصاعد سحب الدخان الأسود النبعث من النفط المحترق ، تسمع أصوات المجنزرات والسيارات والشاحنات العسكرية ، وهى تتحرك فى فوضى هيستيرية بعد إنذار بوش النهائى الذى كانت مدته 48 ساعة تنتهى عند منتصف الليل !

ويعطى قائد القوات المشتركة الجنرال  نورمان شوارتزكوف وصاحب السمو الملكى الفريق أول ركن خالد بن سلطان بن عبد العزيز قائد القوات المشتركة الضوء الاخضر لشن الهجوم البرى لتحرير الكويت الذى تم على مراحل متتابعة .. الله أكبر .. الله فوق المعتدى

تبدأ معركة التحرير .. يسمع الجميع أصوات المدافع ، القنابل  ، القذف ، الطائرات ، البارجة الأمريكية تقصف الشواطىء الكويتية ، تبدأ قوات مشاة البحرية الأمريكبة ، والقوات المشتركة فتح الثغرات فى الدفاعات العراقية ، فى حين يقوم سلاح الطيران بالتحليق فوق سماء الكويت ..!

تخترق القوات المشتركة فى المنطقة الشرقية ، ومشاة البحرية الامريكية إلى الغرب منها ، خط الدفاع العراقى الأول بسرعة كبيرة دون أن تواجهها مقاومة تذكر .. تدور رحى المعركة ، تستمر ، والخوف وأراد من أن تصبح هذه القوات هدفاً للمدفعية العراقية .. ! وقبل حلول ظلام يوم 24 فبراير تنجح هذه القوات فى إقتحام خط الموانع الثانى ، فى حين كانت نيران المدفعية العراقية تقوم بالقذف المتصل !!

تستمر أكبر معركة برية فى التاريخ ! يستمر الهجوم البرى لتحرير الكويت .. يتقدم جاسم ضمن القوات البرية المشتركة بكامل عدادة فى زيه العسكرى ويده على زناد بندقيته ، فى حين يحلق خالد ابن خاله فى إحدى الطلعات الجوية ، يقصف الكويت وعينيه تدمع ، وقلبه ينعصر حزناً ، لأنه يقصف وطنه ! تدمع عيناه وهو يحى الكويت تحته .. يقبل بقلبه أرضها ، يتمنى أن تلمس قدماه ترابها .. بعد طول غياب وحب .. وإشتياق .

تنساب دموع الناس فرحاً وتأثراً .. تمتزج التهنئة بحرب التحرير مع الفرحة والبكاء والنحيب ! يجلس الأهالى فى السراديب يسمعون إذاعات العالم اجمع ، فى حين يتحمس الاطفال لرؤية الطائرات تدق معقل العدو ، تشن الحرب على ما تسبب فى الظلم والعدوان . الحمد لله . كل شىء وله أوان ، وكل ظالم له نهاية .. مهما طال الزمان !

وفى تلك الساعات الحامسة ، يتراجع الفليق العراقى الثالث إلى مدينة الكويت بشكل فوضوى ، فيشترك مع قوات الإحتلال الموجودة فى المدينة فى أعمال السلب والنهب ! وتبدأ تجوب أرجاء الكويت الباصات والسيارات العسكرية تشن حملة إعتقالات جماعية فى الأماكن المزدحمة ، حيث يتجمع المواطنون ..!

فى حين أخذت قوات الإحتلال العراقية تدمر المنشأت الحكومية والمبانى العامة ومجلس الأمة ، بينما بدأت تنسحب الآليات العسكرية العراقية على الطريق السريع الشمالى الذى تحول بفضل الضربات القوية والقصف العنيف إلى .. طريق الموت ..!

ويقول المتحدث باسم قيادة القوات المشتركة الجنرال ريتشارد إن قوات الإحتلال العراقية قامت خلال الساعات القليلة الماضية بحملة إعدامات فى الكويت ! شملت أعداداً من الكويتين وخاصة من بين الذين تم تعذيبهم وذلك حتى تخفى أى دليل على التعذيب !

يستمر القذف الذى ترقب سناء أضواء نيرانه من فوق السطح ، وهى تستمر فى البكاء ، ولا تنقطع عن الدعاء ، من قلب مكلوم محسور ، فها هى قد ترملت بعد أن إستشهد زوجها الضابط فى معارك معسكرات الجيش فى الجيوان لحظة إقتحام العدو أرض الوطن ، وهاهر صارت مريضة الحين ، صار فيها كلى !!

تستمر سناء فى الدعاء من قلب جريح برىء ، يدعو الله أن ينصر الكويت ، وأن يحرر الكويت وأن يتغمد الله برحمته أخيها جمال ، وأن يدخله فسيح جناته ، وأن يعيد أخيها عادل ، وأن يمن عليها الصحة والشفاء ، من هذه الآلام المبرحة التى لا يطاق ، وأن يشفى أمها ، وخالتها أم جمال ، وأن يحفظ دانة وأمها ، وأختها .. حبيبتها .. دلال  .

تتضخم الأصوات ،  ترتفع جلبة وضوضاء شديدة خارج البيت ، تتزايد أصوات الشاحنات والآليات  العسكرية ، وأصوات الجنود المنهزمين ينادون بعضهم العبض فى إرتباك وفوضى .. تبدأ تتحرك السيارات فى شكل فوضوى وعاجل ، تظل أم دلال ترقب الوضع من خلف ستائر نافذة الغرفة النوم فى الطابق الثانى ، ثم ننزل إلى الحوش ، وما تلبث أن تدخل  البيت خشية أن تصيبها شظايا القصف المستمر !

فى تلك اللحظة .. انت دلال بيان ما تزال تتوارى عن الأنظار فى المخبأ هناك ، وهى لا تدرى ماذا تفعل .. فخوفها على إبنتها دانة يكاد يقتلها ، وضميرها كأم يشقيها ويعذبها لأنه تركتها وحيدة بعيدة عنها فى ذلك الوقت المرعبة المخيف ، آه .. أكيد دانة خايف الحين .. خايفة .. آه .. أنها لا تدرى ماذا تفعل .. لا تدرى .. لا تدرى  .. وتنهار دلال فى بكاء ونحيب متصل رهيب .. !

آه .. إنها لا تدرى لماذا خطر جاسم ببالها فى تلك اللحظة بالذات ؟! أنها لا تدرى حتى نوع الشعور الذى يختلج فى قلبها فى هذه اللحظة ؟! بالتأكيد ليس عشقاً ، وليس شوقاً ، وليس حباً .. فماذا يكون إذن ؟! ولماذا تفكر فى جاسم فى هذا الوقت ؟! أنها لا تدرى .. ! وربما لأن دانة تحبه ، وربما لأنه تحتاج إليه كأب بديل يقف بجانبها  يمنحها إحساساً حانياً بالأبوة ، والأمان ؟ إحساساً ملحاً تحتاج اليه الآن ؟! ربما .. لأن وجود رجل قوى كبير إلى جانبها فى هذه اللحظات الحرجة لا يساويه شعور آخر فى الدنيا فى مثل هذه الظروف .. خاصة بعد إغتيال جمال الذى كانت دانة تحبه كل الحب !!

وفى نفس اللحظة .. تفكر سعاد فى جاسم أيضاً ، تفكر فى إحتياجها إليه ، فى إحتياج أولاده إلى وجوده معهم ، بينهم ، فى هذا الوقت العصيب ، فالخوف والقلق ينتاب الجميع بعد أن بدأت المعركة البرية ، وبدأت الاخبار ترد إليهم أولاً بأول عبر شاشات التليفزيون ، فها هى التصريحات حول سير المعركة تصلهم بإستمرار ، فتطمئن القلوب وتهدأ النفوس ، ويكبر الأمل ، ويتضاءل الإحساس بالخوف ولترقب والقلق !

تدعو ليلى من قلبها ان يتحرر الوطن ، وأن يحفظ الله الرجال الأبطال الذين يشاركون فى المعركة ، وأن يرجع الكل سالماً معافياً ، بإذن الله ، بإذن الله ، تدعو ليلى من قلبها للجميع ، كما تدعو لخطيبها الدكتور نايف الذى يقوم بواجبه الوطنى فى معالجة جرحى الميدان ، وكذلك مشاعل أخت نايف ، تبقى تدعو الله أن يرجع الجميع بالسلامة ، وأن لا تصيبهم الحرب بدئها الخبيث ، تدعو الله ان يرجع الجميع بالسلامة ، وأن لا تصيبهم الحرب بدائها الخبيث ـ تدعو الله راجية أن يعود خطيبها الضابط فى القوات البرية فى سلاح المدرعات السعودى سليماً معافياً بإذن الله .

تمضى الساعات بطيئة ، الكل يحبس الأنفاس فى إنتظار اللحظة الحاسمة ، والنفس تعانق الأمل المتوهج الذى تحبه . تريده . ترعاه . فاللحظة المتوقعة شديدة الإيقاع على القلب .. لحظة تحرير الكويت .. ترجف الروح فى أنتظار سماع الخبر الكبير .. أنها الامنية الحالية الغالية تحوى كل أحلام الإنسان المقهور المظلوم ، إنه التطلع إلى الغد السعيد .. إلى الأمل الجديد .. آه .. ما أقسى الإنتظار !

ينتظر الجميع فى تلهف وشغف أن يأتى  الخبر الذى يروى القلوب العطشى إلى نبع الحياة ! تنقضى لحظات تذوب النفس فيها ، فلا مصدر لها إلا تلك القوى الغربية التى تتبدى فى عمق اللحظة .. أنها قوة الإيمان ، وصلابة اليقين ، برجوع الحق إلى أصحابه المظلومين . الحمد لله .. الحمد لله رب العالمين .

يستعيد شعب الكويت والفرحة بنشوب حرب التحرير تملأ القلب نشوة ، والروح بهجة ، يستعيد كلمة صاحب السمو أمير البلاد ، حين قال فى رسالة وجهها لشعب الكويت :

  • أيها الأخوة والأخوات :

إنا علينا الآن أن ننظر إلى المستقبل بمنظار الأمل المشرق ، فلتمتلأ قلوبما بالإيمان ونفوسنا بالثقة ، ولنكن يداً واحدة لبناء كويت تشع نوراً وخيراً وتنشر المحبة والإخاء والسلام فى ربوعها وبين أشقائها وأصدقائها .

والله سبحانه وتعالى يوفقنا ويسدد على طرق الخير خطانا وهو نعم المولى ونعم النصير

                                                    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تستمر المعركة البرية بكل نيرانها وأسلحتها وذخائرها .. تنهال قذائف المدفعية المضادة من جانب العدو على القوات المتقدمة لتحرير الكويت ومن بينهم جاسم الذى يندفع بكل فرح وحب نحو الأمام ، يحدوه الأمل والحماس والإحساس بالكرامة والشرف فى المشاركة فى معركة تحرير الوطن .. تستمر المعركة .. تطول اللحظات .. تطول .. حتى تتحول دهراً فى عمر الزمان !

    وفى الرياض يجلس الجميع يتابعون سير المعركة ، وهم فى عاية التوتر والإنفعال ، لكن . تغفو سعاد  قليلاً رغماً عنها ، فالإرهاق والتعب فى حل بها ، إذا لم يغمض لها جفن منذ فنرة طويلة ، لكنها تصحو من نومها مفزوعة والدموع تبلل وجهها ! وهى تنتفض بشدة وتحس أنا أنفاسها تختنق ، وقلبها ينقبض ، وخوف غامض فظيع يغرق صدرها ، ومشاعر مرعبة مبهمة لا تعرف مصدرها أو سببها تحتاج روحها ، وقلق عارم يخترق وجدانها ،

  • جاسم .. جاسم .. صار فيه شىء .. جاسم صار فيه شىء !

بعد ذلك بقليل .. يخرج دكتور نايف مستمراً مكانه ، وهو ينظر فى دهشة وذهول إلى وجه هذا الجريح الغارق فى دمائه ، المغطى بالضمادات ، التى تكشف بعض الشىء عن ملامحه . كان هذا الراقد أمامه هو صديقه الحميم .. جاسم الناصر ..!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

       

الفصل السابع والعشرون

كواكب التحرير

كانت لحظات عنيفة مباغتة .. لكن ! ما يلبث نايف أن يتمالك أعصابه بسرعة ، فيأمر بالتجهيز لإجراء العملية فى الحال ، وإستدعاء أكثر من طبيب مساعد ليكونوا معه أثناء هذه الجراحة الطويلة التى يحاول خلالها إستخراج الشظايا من جسد جاسم .

.. كانت العملية طويلة ، طويلة ، وكان نايف مستمتيتاً فى بذل كل جهوده لإنقاذ حياة صديقه ورفيقه ، فالشظايا كثيرة متناثرة فى الجسد الشاب مما أدى إلى تهتك العضلات ، وإحداث جروح قطعية متعددة ، وإصابة إحدى فقرات الظهر .. !

حقاً .. كانت العملية من أكثر العمليات تعقيداً وصعوبة لأن الخطر هنا يتضاعف عدة مرات ، فالأعصاب مشدودة متوترة ، لأن المصاب هنا صديقاً ، عزيزاً ، غالياً ، من أخلص أصدقائه ، ومن أقرب الناس إليه .. !

كان جاسم قد أصيب فى المعركة البرية إصابة بالغة نتيجة إنفجار إحدى الدانات المعادية التى أطلقتها المدفعية العراقية ، مما سبب له الإصابة بأكثر من عشرين شظية فى أماكن متعددة من جسمه ، أسالت دمائه الطاهرة ، ولحسن حظه لم تكن إصاباته قاتلة إذ أنه كان خارج حدوده الدائرة المؤترة للإنفجار ، لكنها أثرت على ساقيه ويديه فأصابته بشلل مؤقت ، ومنعته من الحركة ومن إستخدام يده وساقيه بصورة مثلى !

وبالرغم من إصاباته المتعددة ، إلا انه حاول جاهداً الإستمرار فى عمله ، وتقديم قدراته الإنسانبة فى معالجة الغير ، لكنها وصلت به فى النهاية إلى عدم القدرة على التحمل مما أدى إلى ضرورة إنتقاله بعد ان كان معالجاً لأن يكون هو نفسه تحت العلاج ..!

وهان قام بعض زملائه بحمله على أكتافهم إلى أقرب ساتر ترابى ، ثم طلبوا من قيادتهم سرعة إستدعاء سيارة إسعاف ، ولم يؤثر فيهم على الإطلاق نيران العدو التى قد تعرضهم لأخطار الإصابة ، إيماناً وحرصاً منهم على بقاء زميلهم الطبيب ذى الأصابع الذهبية التى تساهم مساهمة إيجابية فى سرعة وعلاج وشفاء زملائهم الذى يتعرضون للإصابة فى العمليات الحربية !

وأخيراً .. نجحوا فى توصيل زميلهم إلى اقرب نقطة إسعاف ، حيث قدمت له الإسعافات الأولية ، ونتيجة لضخامة الإصابات المتعددة بجسدة ، أمر بأخلائه إلى أقرب وصل إلى مستشفى القاعدة بطائرة هليوكوبتر ومناه نقل إلى المستشفى العسكرى بالرياض بطائرة هليوكوبتر مجهزة على هيئة مستشفى ، حيث قام الطبيب المرافق بالإتصال للإبلاغ عن الحال قبل الوصول.

تهبط الطائرة ، فيتم نقل جاسم بعربة الإسعاف إلى التروللى الذى يحملع إلى غرفة العمليات ، حيث رأه صديقه الحميم الطبيب نايف الذى أجرى له تلك العملية الحساسة ، التى أتضح خلالها أنه قد أصيب بعدد كبير من الشظايا التى بات معظمها داخل الأعصاب ! والتى تأكد بعد الفحص أنه فى حاجة إلى عدة عمليات لإستخراج تلك الشظايا والربط على العصب لإيقاف النزيف الداخلى ، وللكشف على الطحال للتأكد من سلامته ، كذلك لفحص الكبد والتأكد من عدم إصابته .

.. يأتى نايف البيت زيه العسكرى ، يسمع الجميع صوت السيارة الجيب العسكرية ، يدخل مسرعاً متهجماً .. تتوجس سعاد خيفة ، وهى تترقب خبراً تتمنى أن لا تسمعه ، وهاجساً مخيفاً يفور داخلها ، يثير رعبها ، وفزعها .. !!

– عسلا الله يجعله خير .. عسى الله يجعله خير ..!!

        تنقلب الدنيا ، ينتشر الخبر بسرعة البرق ، يعرف الجميع أن جاسم الناصر اصيب إصابة بالغة ، وإنه يصارع الحياة والموت فى هذه اللحظات داخل غرفة العناية المركزة فى المستشفى العسكرى بالرياض !

فى الواقع ، كانت الجراحة التى أجراها الدكتور نايف فى غاية الصعوبة ، والمهارة ، والمقدرة ، فقد قام بإستخراج ما لا يقل عن عشرين  شظية من جسد جاسم ، إلا أن بعض هذه الشظايا لم يتمكن هو أو زملائه من إستخراجها وإستقر رأيهم على تركها فى أماكنها ، حتى لا تسبب لجاسم آلاما فوق آلامه ، إلى أن تحين الفرصة المناسبة مستقبلاً لإستخراجها.

        ترك دكتور نايف بعض الشظايا بعد أن استقر رأيه هو ومجموعة من الاطباء على ذلك ، لأنهم يرون أن هذا الوضع هو الافضصل بالنسبة لحالة جاسم ، مع أنهم يعلمون تماماَ أن تركها قد يؤدى إلى بعض الآثار الجانبية وإصابته يشلل حركى فى بعض أجزاء جسده لفترة زمنية ، لكنهم فضلوا ذلك لأنهم لو استخرجوا كل مكا فى جسده من شظابا دفعة واحدة ربما تعجز قدراته عن تحملها .. وقد يؤدى بحياته نهائياً !

        حقيقة .. لقد تمكن الدكتور نايف من تقديم أقصى قدر من العلاج الطبى .. وبعد أن شعر الدكتور نايف أنه د أكثر مما يمكن نقديمه لصديقه الحميم ، وأنه لم يعد هناك شىء يمكن أن يقدمه له سوى الوقت الذى يستلزمه العلاج الطبيعى المكثف لتقوية عضلات الظهر الذى أوصى به إستشارى جراحة العظام الذى رأى ضرورة إخضاع جاسم له ، بدأ دكتور نايف يرتب لذلك بالإتفاق مع إحدى المستشفيات المختصة فى الولايات المتحدة الأمريكية .

        وبهدوء ودماثة الطبيب المخلص الصديق ، وبدون تضخيم وبدون تخويف أوضح الدكتور نايف لسعاد حقيقة حالة جاسم الصحية كما ورت بالتقرير الطبى الذى سلمه لها ، فأخذته بيد ترتعش وبدأت تقرأه بصعوبة بالغة ..

 

 

 

 

 

 

 

تقرير طبى

الإسم   :             جاسم أحمد الناصر      

الجنسية        :              كويتى

تاريخ الميلاد :         28/10/1955

التشخيص :            ….           ….           ….

….        ….        ….

….        ….        ….

وقفت سعاد تقرأ التقرير المشتمل على الفحوصات الخاصة بجاسم ، التى تحتوى على نتائج الأشعة المقطعية للفقرات الصدرية والقطنية ، واختيار العصب الحسى ، وتخطيط العضلات .. بينما أخذت الدموع والأحزان والأشجان تنسج على عينيها غشاوة حالت دون أن تعى فى النهاية غير كلمة بشعة واحدة … شلل …شلل ..شلل !!


يوصى دكتور نايف أم أحمد بأن تلازم جاسم خلال فترة العلاج فى أمريكا ، يشرح لها ضرورة مرافقته طوال هذه الفترة لأنه فى أمس الحاجة إلى الحنان الذى لن يتحقق إلا بوجودها بجواره ، وخاصة أنه سوف يعرف قريباً أنه قد أصبح غير قادر على الإستمرار فى تقديم واجبه المقدس وعاجز زملائه المحاربين ..!

صراحة .. لم يكن جاسم يتصور مدى حجم إصابته بالرغم من كونه طبيباً ! لم يكن يدرك الوضع الصحى الذى صار عليه ، لذا كان يهوى على نفسه أنه سرعان ما سرعان ما سيقوم على قدميه ، وستكون له القدرة مرة أخرى على الإستمرار فى تقديم واجبه الإنسانى تجاه أخوانه المحاربين ، لكنه ، فوجىء بأنه قد اصبح غير قاجر على تحريك قدميه ..وساقيه .. وحتى تحريك أصابعه ..!

وفى هذا الوقت ، بعد إنتشار الخبر الذى إنفجر كالقنبلة أخذت الدعوات تتصاعد من قلوب تحب جاسم أكثر من روحها ظل الجميع يدعون له راجين من الله أن يهبه الحياة والصحة وطول العمر ، تنهمر دموع سعاد كما ينهمر  المطر ، يختلط الحزن بالنحيب والرجاء ، والدعاء بالعويل والبكاء ، الكل يدعو لجاسم بالنجاة من المحنة الصحية الصعبة .. الكبار والصغار والاطفال ..

يختلط الحزن بالفرح .. والكويت تتحرر ، تتعافى ، تتخلص من آثار الجناة الظالمين ، وجاسم مازال راقداً ، لا يدرى شيئاً عن الدنيا ! غائباً عن الوعى لا يستطيع أن يشارك فرحة التحرير التى كان ينتظرها من كل قلبه ، والتى كان يتمنى أن يشارك فيها بنفسه ، لكن .. كانت لطمة الواقع أقوى ، فها هو مازال طريح الفراش مشلولاً عاجزاً ، غير قادر على الحركة على الإطلاق !

آه .. مشاعر غريبة متضاربة ، تتراوح بين الحزن الشديد ، والخواف على جاسم ، وبين الراحة الكبرى ، والفرح الغامر بعودة الكويت محررة من الأعداء ، الذين إندحروا ، وإسحبوا ، بعد أن أعلنت الخبر الإذاعات العربية ، والعالمية وبعد أن أعطى رئيس النظام العراقى أوامره للجيش فى لكويت بالإنسحاب فوراً !

الله أكبر .. الله أكبر  .. الخبر اكبر من أن يصدق !

الإذاعات تتوالى .. الخبر يتكرر :

أعطى الرئيس النظام العراقى أوامره للجيش العراقى بالإنسحاب  فوراً من الكويت !

        تنفجر دلال فى البكاء وهى تحضن أمها التى لا تكف عن إطلاق الزغاريد ، فى حين تظل دانة تدور حول نفسها ، وهى تضحك وتبكى ، بينما تقرأ سناء آيات الذكر الحكيم على روح زوجها الشهيد ، وأخيها البطل الذى مازال منظر دمائه ماثلاً على الأرض أمام عينيها !! وتسهب فى الدعاء من أجل نجاة أخيها عادل الأسير ، أما والدتها فقد عجزت عن النطق  والحركة ، وإن لم تنقطع عن الصراخ والصياح والبكاء والعويل !

        لا ينام أحد الليل .. الكل يريد أن يطمئن إلى صحة الخبر ، لكن للأسف .. الهواتف مقطوعة ! يسهر الجميع الليل فى ترقب وإنتظار وما يلبث أن يبرغ الفجر .. فجر الحرية والخلاص والإنتصار ! وما تلبث أن تشرق الشمس .. شمس الفرحة .. شمس الحرية .. شمس الحياة !

        يدق الجيران عليهم الباب وهم يصيحون ويصرخون فى فرح حقيقى وصخب بلا حدود .. ردت الكويت .. ردت الكويت ! الحمد لله .. الحمد لله.

        تخرج دلال وسناء ودانة تستقبلن الجيران الذين تجمعوا فى الشارع وفى الحوش أمام البيت ، يهنئون بعضهم بعضاً بفرحة رجوع الوطن ، وهم يدفعون الأعلام وصور الأمير وولى العهد الامير ، وشعارات وهتافات عالية مدوية تخرج من الاعماق .. تملأ الحناجر .. تحرك القلوب .. عاشت الكويت .. عاش جبر .. عاش سعد .

        تظل تدور الأيام ودلا تنهمك فى العمل فى إحدى دور الرعاية للمعوقين  تتابع حالة إبنتها دانة التى أصيب من جراء أهوال الحرب بتلعثم فى الكلام وثل فى اللسان ، إستدعى علاجها طبياً ، كما كانت مشغولة تماماً بمتابعة حالة أمها التى ثبت أنها مضطربة نفسياً ، إمكانياتها المفقودة ، وتسترد طاقاته وقدراتها على العمل

        كانت دلال نفسها فى حاجة مساة إلى الوقوف مع نفسها  من جديد بعد عبور هذه المحنة العنيفة ، اتى أثرت فيه تأثيراً عميقاً ، والتى أحست إثرها بتغيرها الداخلى ، بعد أن زالت الغمة ، وبدأت الحياة تعود شئياُ فشيئاً لطبيعتها ..!

        وبالفعل ، تبدأ الامور تنتظم ، تبدأ تتخذ الترتيبات اللازمة لبدأ عودة الكويتين الموجودين خارج حدود الوطن تدريجياً إلى الكويت .. إلى حضن الوطن .. كما تبدأ الامور ترجع إلى طبيعتها ، بعد أن تو وقف إطلاق النار نهائياً فى حرب الخليج .

        وفى المملكة العربية السعودية يستقبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز سمو ولى العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله الصباح وعو يقول له :

– إن الأيام أثبتت أن الكويت والسعودية بينهما ود وإتصال لم تشبه شائبة يوماً من الأيام ، وإن زادت هذه الاحداث هذا الإلتصاق والإلتفاف ، وسوف تزيدها خيراً مما كانت عليه .

      فى حين يؤكد سمو ولى العهد ورئيس مجلس الوزراء إعتزار الكويت حكومة وشعباً بمواقف خادم الحرمين الشريفين إيزاء العدو العراقى الغاشم على الكويت ، وقال :

– إن العلاقة بين السعودية والكويت سوف تشهد فى المستقبل القريب مزيداً من التعاون والتلاحم فى جميع الميادين الإقتصادية والعسكرية والسياسية والأمنية .

        آه .. حقاً .. المواقف صنعت ملاحم من البطولة سوف يعتز بتدوينها التاريخ ، وها هى عاصفة الصحراء تعتبر بجميع المقاييس ملحمة بطولية لقوى التحالف هذا ما يؤده نائب رئيس الأركان العامة اللواء الركن خالد جابر الصباح ، الذى شارك فى رفع العلم الكويتى ، على أول أرض كويتية من أرض الوطن يتم تحريرها وهى النويصيب المركز الحدودى الكويتى الذى قام رجال الكويت الأبطال بأداء صلاة الشكر لله والحمد لله كما قاموا بتقبيل الأرض الطيبة  التى طالما أشتاقوا وتمنوا أن يخطوا فوقها وأن يطأوا ثراها .. ! حمد لله .. حمداً لله .. ردت الكويت .. ردت الكويت .

        كذلك فعل اللواء الركن خالد جابر الصباح ، الذى شارك فى الأعمال العسكرية التى حررت الكويت بقيادة الجنرال شوار تزكوف ، وصاحب  السمو الملكى الفريق أول ركن خالد بن سلطان بن عبد العزيز ، الذى كان يتعامل طوال مدة الحرب بحسة الدينى والعربى والإنسانى ، إلى جانب قادة القوات الأخرى البريطانية والفرنسية والمصرية والسعودية وبقية الأخوة من دول مجلس التعاون الخليجى دون إستثناء ، سواء فى غرفة العمليات المشتركة ، أو فى القيادات المتقدمة ، وما تم إتخاذه من كافة الإستعدادت والخطط .

        وكان الأبناء الكويت الذين  شاركوا فى هذه الحرب دور اساسى ، فقد كان الجميع ينظرون للشهادة على انها شهادة على ارض الكويت ، واكنت الفرحة عظيمة فوق الوصف والتصوير والتعبير عندما تقدمت القوات المتحالفة ، وأخذت تعانق أرض الكويت ، حيث رفع علم الكويت الحرة المستقلة فى إحتفال مهيب ، أقيم وسط العاصمة شارك فيه أفراد القوات المسلحة الكويتية ، الذين قاموا بأداء النشيد الوطنى وسط جموع الجماهير التى إحتشدت تعبر عن الفرحة الغامرة وهى تصفق ، وتهتف ، وتهلل ، فى سعادة بالغة بهذا الإنتصار الكبير !

        يرفع العلم الكويتى فى ساحة الصفا ، حيث دخلت القوات المشتركة مدينة الكويت ، تصاحبها قوات المقاومة الوطنية الكويتية ومكان يقف بينهم بدر وعبد الله وإبن خالهما إبراهيم وسط هتاف ، وتصفيق وتهيليل الجماهير الغفية التى غمرتها الفرحة بهذا الإنتصار الكبير .. حمداً لله .. حياهم الله .

        تستمر السيارات تتحرك تحمل الفرحة إلى كل القلوب ، والاعلام الكويتية تخفق عالياً فوقها ترفرف شامخة تحت سماء الكويت وهوائها .. ومياه البحر تعانق أرضها ، تبارك لأهلها ، أه .. لوحة فرح حلوة ترسم السعادة على قلوب عاشت طويلاً تنتظر هذه اللحظة الحلم ! اللحظة الأمنية ! لحظة عناق المواطينين لفرحة تحرير الوطن ! لحظة تنطلق فيها أصوات الرجال بالإذان :

        الله اكبر .. الله أكبر

        أه .. الحمد لله .. أخيراً تتحقق الأحلام . أحلام العودة إلى الكويت المحررة , وكان خالد واحد من هؤلاء الحالمين بالعودة إلى أرض الوطن ، كان يشعرها من عل رغم أن الطائرة كانت تحلق وسط سحب مظلمة  سوداء ! .. كان يدمع حزناً وفرحاً وشوقاً ، وهو يحلم باللحظة الأمنية التى تطأ فيها قدماه أرض الوطن الذى ظل يقلبه بعينيه وقلبه ، وروحه ، وهو يحلق تحت سمائه بطائرته العسكرية يقصف معاقل الظلم وجحافل العدوان .. !

لكن .. لأسف ، لم يتحقق الحلم الذى طالما راود خياله ، فقد فقدت طائرته فى إحدى الطلعات الجوية .. ولم تعج إلى القاعدة بعد إقلاعها .. وبقى خالد فى عداد المفقودين ، الذين قدموا أنفسهم فداء الوطن .

        وفوق أرض الوطن .. تألق الحب الحقيقى ال1ى يربط بين المواطنين والوطن ، فى لحظة شوق وعناق خالص ، صادق ، صاف .. فى لحظة حب جارف ، عارم ، غامر ،  أخذ الرجال خلالها يكبرون ويهتفون ويؤذنون فى حين أخذت تنطلق زغاريد النساء تنشر البهجة والفرح ..!

        يتجمع اهل الكويت مع جنود التحالف عند مبنى السفارة الأمريكية يلتقطون الصور مع الجنود ، يقدمون لهم الهدايا والحلوى . فى حين ترتفع أعلام الكويت وأعلاه أمريكا .. آه .. هذا هو الفرح الكبير .. الكبير .. الحمد لله .. الحمد لله .

        الكل فرحان ، الكل مبتهج ، لكن .. سناء .. ما تزال تبكى ، أنها حقاً لا تقدر ، لا تستطيع أن تكبت إنفعالها ، فتنهار باكية وهى تندفع تحو صورة صدام حسين تلقى عليها الحجارة ، وهى تبكى جمال شقيقها الكبير الذى قتله جنود الطاغية ، وعادل شقيقها الصغير الذى أسره زبانية صدام .. ! وفى الحزن ، وهذا الرثاء ، لا تنسى أن ترفع سناء رأسها إلى السماء ، داعية ، راجية ، ان يحفظ الله الكويت .. وشعب الكويت .

        تظل الهتافات ، والمظاهرات ، تدور ، تلف ، مصحوبة بفرحة التحرير ، فتشمل العديد من العواصم العربية والاجنبية ، حيث تتجمع أعداداً زاخرة ، من الشعب الكويتى تعبر عن الفرحة ، الفرحة النابعة من قلب القلب .. الحمد لله .. الكويت حرة .. الحمد لله .

        وفى تلك الأوقات التى عم فيها الفرح بتحرير الكويت معظم العواصم العربية ، والعالمية شهد شارع جامعة الدول العربية فى حى المهندسين بالقاهرة حشداً هائلاً من الشعب الكويتى والمصرى ومعظم الشعوب العربية التى شاركت الكويت فرحتها وبهجتها . الله .. ما أحلى ساعات الفرح !

        .. كان الكل فى الشارع الكبير يتسابق فى الهتاف ، والرقص ، والغناء ورفع الأعلام ، واليفط ، واللافتات ، وكان أبو جمال وسط هؤلاء يرفع العقال يلفه فى يد ، يرقص به ، بينا يرقع بيده الأخرى علم الكويت خفاقاً عالياً .. ناسياً متناسياً فجيعيع فى ولديه ، الشهيد جمال .. والأسير عادل ..!

        ورغم الحزن ، رغم الأسى ، رغم الجرح ، كان الفرح كبيراً .. كبيراً ، عظيماً .. عاتياً .. مدوياً ! تعبر الفرحة النفوس تاركة وراءها الأمل والرجاء فى تصحيح الاوضاع ، نحو غد مشرق حافل بهج ، غد عامر بالخير والحب .. والرجاء .. والعطاء . وتبقى تطوف الفرحة بتحرير الكويت كل شوارع الكويت ، فترتفع اعلام الكويت خفاقة عالية فى ساحة الصفاة ، تخفق تحت سماء الوطن ، ترفرف فوق رؤوس أبناء الوطن ، وأصدقاء الوطن .. هؤلاء الرجال البواسل الذين ساهموا فى تحرير الأرض .. والإنسان !

        وفى هذه اللحظات الحاسمة ، الحانية ، تنطلق من الأفواه والحناجر ، كلمات تنتع من القلوب ، تهتف من الأعماق :

وطنى الكويت سلمت للمجد              وعلى جبينك طالع سعد

يا مهد أباء الاولى كتبوا                سفر الخلود فنادت الشهب

الله أكبر إنهم عرب                      طلعت كواكب جنة الخلد

وطنى الكويت سلمت للمجد              وعلى جبينك طالع السعد

 

 

 

 

 

 

الفصل الثامن والعشرون

اشباح العذاب !

   تدخل دلال بيتها فى السالمية .. تقف فى صمت ووجوم  وأسى ، إلى الجدران القاتمة الصامتة ، وبقايا الأثاث المبعثر الذى تناثر فى كل مكان ! تعود دلال تنظر إلى أرضية البيت ، فتتصور شكل أمها وجدتها وما حل بهما ، وعلى صوة رأتهما بعد تلك المداهمة الملعونة ، فيمتلىء وجهها رغم برودة الشتاء بحبات عرق ساخن تزيحها بأطراف أصابعها ، وسرعان ما يتساقط فوق جلدها ، فيغرقها فى تيارات من الذكرى المريرة الأليمة ، التى لا ققب لها بإحتمالها ، فتسيل دموعها ، ولا تعرف كيف توقفها ، ولا كيف تمنع سقوطها !

        تقف دلال ساكنة جامدة فى مكانها .. ترقب فى وحشة وخشية الصالة الواسعة وقد أحست بها صندوقاً معدنياً صغيراً ، يعصرها ، يطبق عليها ، يخنقها ، يسحقها رغم أنها تعرف أن تلك الجدران قد تحررت من أسر المعتدي ، وتخلصت من زبانية صدام ، هؤلاء المجرمين العتاة الذين جعلوا البيت معتقلاً يضم جدرانه صنوف التعذيب والعرب والهوان !!

        نعم .. مالزال هواء البيت مشحوناً بعذاب الذكرى .. آه .. جو لا يطاق .. فالخوف ملتصق بالنوافذ والأبواب والجدران !! تنظر دلال فى قرف ونفور لإلى المقاعد المحطمة والكنب المكسر والتائر المحترقة الممزقة ، تتلفت حولها وهى تشعر برغبة عنيفة فى تغيير كل هذا الأثاث ، الى يحمل أثار الإحتلال ، فمازال حطامه مشحوناً بأنات الألم ، وحريق الأحزان !!

        حقيقة . آثار الإحتلال . وعذاب العدوان وهوان الهوان / ما تزال تجثم على النفوس ، ما تزال تبقى تطحن القلوب ! آه .. إن الآثار باقية .. باقية ، حتى وإن أختفت المسببات ، فهاهى الحقن الفارغة متناثرة على الأرض ، والله وحده يعلم ما إذا كانت مليئة بالإيدز أم الموفين ! وهاهى أمواس الحلاقة ، وأعقاب السجائر تملأ المكان ، وهاهى بعض السكاكين الحادة والأسلاك وبقايا  الثياب الممزقة المليئة ببقع الدماء الجافة ! وها هى الحبال التى كانوا يستخدمونها فى بط وتقييد الأسرى !! وهاهى بعض القضبان المعدنية والزجاجات المهشمة .. و.. و..و ..و ..و .. ألخ .. ألخ .. !!

تجرى بسرعة من مكانها تتجه إلى الحمام ، تتقيأ ، تفرغ ما فى أمعائها .. تستند إلى الجدار تلتقط أنفاسها .. وهى تتلفت تنظر حولها .. فتفاجا بوجود أسطل قذارة مقززة تزيدها غثيياناً وهلعاً وعذاباً ، وهى ترى الأسنان والضروس والاظافر والشعر والدماء الجافة السوداء تغطى الارض داخل الحمام وتتناثر بقعاً فوق جدرانه الصفراء ..!

        تزداد دلال شحوباً ، وغثياناً ، وقشعريرة رهيبة تخشن جلدها ، فيق رعباً شعر رأسها ، وصرخات العذاب وأنات الألم ، تدوى تنقب قلبها وهى تتخيل عادل شقيقها وكيف كان يتلوى من الألم والوجع والتعذيب  ، وهو ورفاقه الأبطال ، هنا .. داخل بيتها !!

        تزداد دلا رعباً وهى تلمج أشباح العذاب تحوم داخلها تلتف بالظلام ، بالسواد والأسلاك والدماء ، وهى تملأ المكان كله الذى تحول من بيت مبهج إلى قبو مظلم مخيف !! قبو غرق فى ظلمات الليل .. وطيات العرب .. ودموع الألم .. الذى يستحق قدرات
الإنسان !

        تحاول دلال بكل ما تملك من قوة ومقدرة أن تتحمل هذا الهول الذى تعيشه هذه اللحظات الحارقة ، تتصبر على ما ترى وهى تفكر فى مخرج لهذه  الازمة التى تعيشها  ، فهى لازم ترجع مع أمها وإبنتها لتعيش فى بيتها .. بعد أن انتهت الحرب .. ولابد أن تعود الامور إلى ما كانت عليه قبلها ..!

        وهنا .. مع الصمت واظلام والسكون ، تحس دلال ثقل الوحدة ، وبشاعة الذكري ، وهول الآبة ، ورعب الظلام ، فتشن الهخجوم ، عليها جحافل الأحزان ، وأشباح العذاب ، فقشعر بدنها هلعاً ، وفكرة رهيبة بشعة تهجم هى الأخرى عليها بدروها ..!

        نعم .. تنتقض دلال جزعاً وفزعاً يقشعر من الرعب بدنها ، لهول هذه الفكرة الرهيبة التى دهمتها ، وسيطرت على عقلها ، فى هذه اللحظة العينة ، التى جعلتها تتساءل فى هلع وجزع وجنون :

– يجوز أمى تكون على حق ! يجوز تكون جدتى صحت عقب ما تركنا البيت وخليناها بروحها ! يجوز تكون طلعت تدورنا وهى ما تدل الطريق .. ولا تدرى وين إحنا !!

        آه .. تتنهد دلال جازعة مهمومة حزينة وهى تناجى خواطرها :

– يجوز تكون صحت من غيبوبة السكر ولما شافت العراقيين قدامها تكون سبتهم ولعنتهــم ؟!

يجوز يكونوا طقوها مرة ثانية وأخذوها وياهم وأسروها ؟! آه . ما ادرى . ما آدرى .. بس قلبى يأكلنى عليه ..  صدق .. يجوز أمى عندها حق .. كان لازم نتاكد من موتها قبل ما نروح ونخليها ! بس .. حنا كنا خايفين .. كنا مرتبكين .. ما كنا عارفين شنو نسوى ولا وين نروح !! وما كنا نتوقع أن جثتها تختفى ..وإن عادل ما راح يقدر يدفنها .. ما كنا نتوقع إن هذا الموقف راح يصير أبداً .. ما كان نتوقع !

        تشعر دلال بأسى دفين ، وهى تغوص فى ذكريات حياتها التى تقطعها بالنظر إلى الواع الذى آلت ، وذاك الواقع القاسى الذى يظهر الآن على حقيقته بالقرب منها ! واقع صارخ صريح يجعلها تنحنى تحت وطأة الظروف ، واقع يحاتج إعادة النظر إليه من جديد ، والبحث فى سلبياته ، وضرورة الوصول إلى إيجابياته !

        آه .. كم مضى من الزمن عليها فى محنتها هذه ؟! تنظر دلال إلى ساعتها ، وسرعان ما تفيق من شرودها ، فتطرد عنها أشباح عذابها وحزنها ، تقف وعيناها مسلبتان ، وجفناها مسدلان ، ودمعها ما يزال يسيل ، تستعيذ دلال بالله من الشيطان الرجيم ، تقرأ سورة الناس :

– بسم الله الرحمن الرحيم ” قل أعوذ بربد الناس .. ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذى يوسوس فى صدور الناس من الجنى والناس ”

                                                                صدق الله العظيم

        ترفع دلال ناظريها ، ترفض أن تصر على أن تأمل الجدران القاتمة حولها ، رغم أن عينيهات ما تزال تدمع ، فتمضى تفتح الباب ، تخرج إلى الطريق ، تقود سيارتها متجهة إلى جمعية الهلال الاحمر الكويتية ، حيث تتلقى مع الطبيب النفسى … دكتور نجيب الذى تطلب منه المساعدة والعون ، لإبداء الرأى فى حالة أمها وإبنتها وإخيها عادل الذى رجع من الأسر بعد أن حررته بعض فصائل المعارضة العراقية ، وأطلقوا سراحه مع عدد كبير من السجناء بأحد السجون فى العراق ، عند بدء حرب التحرير !

        يصل دكتور نجيب ، حسب الموعد المتفق عليه مع دلال ، التى تجلس فى صالة البيت تحب به ، ثم تبدأ تشرح له حالة خالتها أم جمال ، وأمها ، فى حين وقفت دانه تنظر إليه فى خوف من بعيد ، أما عادل ، فقد كان قابعاً فى غرفته ، يغلق بابها عليه ، رافضاً أن يخرج منها ، ويظل يهذى طوال الوقت صارخاً  

– جمال .. جمال .. لا .. لا تطقوه .. تركوه .. فكوا أخوى .. لا .. لا .. لا تحرقوه .. لا تكهربوه .. خلوه .. خلوه .. جمال .. جمال !

        يشتد صراخه ، يرتفع صياحه ، ثم ينهار فى بكاء رهيب ، وما تلبث أن تنتابه حالة هياج عصبى عنيف تجعله يركض فى الغرفة يرتطم بالجدران ، يصطدم بالأثاث ..!

.. وحين فتح باب الغرفة ودخل عليه دكتور نجيب لتهدئته وفحص حالته ، إذ به ينتفض
خائفاً ، راجعاً إلى الوراء مذعوراً منه ، بل .. ومن أى شخص أخر يدنو ويقترب منه ..
حتى أمه !

        .. تعود دلال تجلس فى الصالة مع دكتور نجيب بعد أن خرج من غرفة أخيها عادل تجلس تشرب دموعها مع الشاى ، وهى تشكو حالها الدكتور نجيب فى تأثر شديد ، وبكاء متصل مستمر :

– ما أدرى شنو أقولك وإلا شنو أحكى لك .. مدرتنا الحرب .. خربت نفوسنا .. وانت الحين دكتور نجيب راح تشوف بنفسك حالة بيتنا .. وراح تشوف سنو صاير فى أهلى .

        تنتهد دلال ، وهى تلتفت وراءها ، كأنها تخشى أن يسمعها أحد من أفراد أسرتها ، ثم تعود وتتابع حديثها :

– ترى أما ما ادرى أبتدى بمن فيهم .. ولا أعف شنو أحكى .. لا شنو أوصف لك .. مانى عارفة بمن أبتدى .. ببنتى وألا أمى وألا اختى وألا أخوى وألا زوجة أبوى اللى من يوم ما انقتل ولدها الشاب جمال قدام عنيها .. وهى صار فيها هياج عصبى صارت تكسر كا شىء قدامها .. وهى تصرخ وتبكى .. وراح عقلها مرة واحدة وحنا مو عارفين شنو نسوى وياها .. نخاف يصير فيها شىء ! حنا خايفين عليها .. وخايفين منها بنفس الوقت ! دكتور .. أرجوك ساعدنا .. ساعدنا .. ! ترى ما عاد فينى شدة ولا قادرة أتحمل .. مانى عارفة أروح لمين ؟!

        .. تنهار دلال فى بكاء شديد وهى تقول له :

– حتى أنا نفسى دكتور رغم إنى قاعدة أقاوم الضعف فى نفسى .. وأظل اتعلق بحبال الأمل .. إلا إنى مرات أحس بنوبات ضعف حادة  تصيبنى .. مثل الحالة اللى انا فيها الحين .. مرة أحس إنى قوية وقادرة على كل شىء بفضل الله .. ومرات أحس إنى رايحة مرة واحدة .. وما فينى شدة .. ولا صبر .. ولا تحمل .. !

        تتابع دلال حديثها وهى تشعر بأنها كما لو كانت تدلى بإعتراف يريحها ، يخفف عنها عينها النفسى ، ويزيح بعض العذاب عن قلبها ، تعود تتكلم مع  دكتور نجيب ، تسأله عن سبب توترها وإضطرابها :

– أعتقد دكتور نجيب إنى مانى صاحية .. أعتقد إنى أنا محتاجة لعلاج نفسة مثله ..!

        ويقرر دكتور نجيب أن افراد أسرة دلال بحاجة ماسة إلى علاج نفسى ، كما يقرر أنه لابد من الأنتظار بعض الشىء إلى ان تعود لخدمات الصحية إلى سابق عهدها .. وفى نفس الوقت يطمئن دلال ، يؤكد لها أنها انسانة قوية ، قدرته تصمد ، وتتحمل ، وأنها ربما تعانى الآن بعض الشىء من تأثير الاحداث .. إلا أن حالتها لا تدعو للقلق نهائياً والحمد  لله…

        تسعد دلال بما تسمع ، ويسعدها أكثر وأكثر أنها تشعر بتفجر قوتها الكامنة ، وإنطلاق قدراتها الذاتية فها هى تحس ثانية أنها قادرة بفضل الله على مواجهة أعباء  الحياة ، وتحمل كل همومها وحدها !

        تظل دلال تفكر وتفكر فهى تعرف أنها تعرضت لإمتحان شديد ، كما تعرف أن الضغوط التى تعرضت لها كانت ضغوطاً رهيبة هائلة ، لا يقدر كثير من الناس على مقاومتها ، والصمود أمامها ، فهى تدفع إلى الأضطراب والإهتزاز .. لكنها لن تستسلم .. لن تستسلم .. هى قوية بعون الله ، وستعرف كيف تغالب الضعف وتثبت فى موقعها ، وكيف ترفض أن تكون شخصية مضطربة مهزوزة .. هى ستحارب الوهن فى ذاتها ، وهى لن تعجز عن ذلك حتماً وستعرف كيف تنقذ بعون الله !

        عندئذ .. يبدأ صوت هامس يلح داخل دلال ، يدعوها للحركة ، يدعوها لأن ترفض معاناة تأثير الصدمة النفسية القاسية ، وذاك الفزع الذى ظلت تنتفسه طوال الليل والنهار ، أثناء فترة الإحتلال .. ! وهنا .. تذكر دلال على الفور كلمات سمو الامير ، الوالد الغالى الحبيب ، حين قال فى رسالة وجهها إلى كل فرد من شعب الكويت :

– أيها الإخوة والاخوات :

        إن علينا الى أن ننظر إلى المستقبل بمنظار الأمل المشرق ، فلتمتلأ قلوبنا بالإيمان ونفوسنا بالثقة ، ولنكن يداً واحدة لبناء الكويت تشع نوراً وخيراً وتنشر المحية  والإخاء والسلام فى ربوعها وبين أشقائها واصدقائها

        والله سبحانه وتعالى يوفقنا ويسدد على طريق الخير خطانا وهو نعم المولى ونعم النصير .

                                                        والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

        تظل دلال تسترجع كلمات الوالد الحبيب ، سمو الأمير ، مرات ومرات ، فتحس بالإرتياح العييق .. نعم حينئذ ، تشعر دلال أن قلبها قد إمتلأ إيمان ، ونفسها قد حفلت بالثقة والامان ، وأنها تستطيع أن تنظر بالفعل نحو المستقيل بمنظار الأمل .. بدلأ من نظرات اليأس والقنوط والإحباط ..!

نعم .. بدأت دلال تنهض من جلستها الكنبية المحبطة ، بدأت تسعى نحو تحقيق الذات عملياًَ ، بدلاً من أن تستمر فى تعذيب نفسها بالنظر نحو الماضى ! نعم . صارت تسعى بكل جهدها ، لتأخذ حقها من الحياة ، ولأن تعطى ما تسخو به لمن حولها ، دون أن تذوب فى بحار الوحدة والتية ، والإنسحاب من الحياة !

فى الواقع .. ثبت لدلال بما لا يدع أدنى مجالاً للشك أنها تغيرت ، تغيت ! أصبحت قوية قادرة على مواجهة الواقع وماحربة الشعور بالحاجة والإحباط داخل نفسها ، نعم مهما كان الامر ، ومهما كانت الظروف فهى ستفتدى الآخرين بجياتها ، وسوف تناضل الحياة من أجل أسرتها .. ولن تهمل فرداً واحداً منها ، وأنها بعون الله قادرة على هزيمة اليأس ، ومحاربة الضعف .. وأنها سوف تعرف كيف تصنع لنفسها دوراً هاماً وحساساً فى هذه الحياة

تظل دلال تنتظر بعين الرجاء أن تتحسن الظروف ، لتبدأ فى علاج أسرتها التى تاعنى آلاما نفسية وعضوية بشعة رهيبة مبرحة بسبب الحرب المدمرة التى كشفت لهم عن وجهها البشع القبيح ، ذلك الوجه المرعب المخيف الذى أفرز خوافاً ساحقاً حطم نفوسهم .. وها هاى نتائج آثاره السيئة تظهر عليهم الآن شيئاً ,, فشيئاً !

لكن هناك فى المستشفى العسكرى فى الرياض ، بينما كان جاسم فى فراشة مغطى بالأربطة ومحاطاً بكل أنواع العناية وشتى صنوف الرعاية والإهتمام ، لاحظ جاسم أن هانك إهتماماً زائداً عن الحد يدور حوله ! بالإضافة إلى إتصالات دائبة تعود كلها لتشخيص حالته ! كما لفت نظره كثرة  دخول وخروج زملائه الأطباء المترددين عليه إلى جانب حركة زوجته ! وأخته وأولاده وأسرته ! !

وفى موعد الزيارة التالى ، عندما حضرت سعاد بدون الاطفال حسب رغبة جاسم ، وحسب رغبتها هى أيضاً ، كى تبقى مع أطول فترة ممكنة ، دون أن يسبب له الصغار ضجة وضوضاء تزعجه وتضايقه وخاصة ما قد يسببه أحمد بالذات الذى كان يتحدث مع أبيه فى كل الأمور ، ويناقشه فى مسائل حساسة قد تسبب له حرجاً عندما يتكلم فيها أو يشعر بالألم على وجه إبنه الكبير وهو ينظر فى حزن إليه خلال رقدته على السرير وهو مغطة بالضمادات !

.. حينئذ أخذ جاسم ينظر إلى زوجته طويلاً بعينيه العميقتبن السحيقتين ، اللتين يجيد التحدث بهما واللتين لا يخفى تاثيرهما على الآخرين .. من خلال نظراته العميقة الناطقة النافذة المعبرة .. جون حاجة إلى أحرف وكلمات !

        ينظر جاسم إلى سعاد وهو يحاول أن يكون متماسكاً قوياً كما إعتاد دوماً أن يكون ، يقول لها ، وهو يركز بصره على عينينها ، ويطالع مؤخرة السرير ، محدداً لها بعينيه .. ما يريد .

        لأنه بمجرد أن يقرأها سوف يعرف كل شىء ! سوف يكتشف فداحة إصابته ! سوف يعرف أنه قد أصبح مشغولاً !!!

        ولم تفلح المحاولة إزاء إصرار جاسم وإلحاحه على الإطلاع على التقرير .. تظل سعاد راكعة على الأرض ، تحول أن تلملم نفسهها ، وإن تلتقط أنفاسها ، وهى تسمع صوت جاسم يناديها بإلحاح يرحق قلبها ، يجرح إحساسها :

– سعاد .. إعطينى التقرير .. أرجوك سعاد .. إعطينى التقرير .. سعاد .. .. .. !!

        لا تحمل أعصاب سعاد صوت جاسم الخافت الواهن وإلحاحه المتصل ، ورجائه المستمر .. ! كما لا يحتمل قلبها العاشق رءيته راقداً ضعيفاً هكذا أمامها .. لا حول ولا قوة ! .. لا تحتمل أعصاب سعاد رؤية جاسم طريحاًَ فى فراشة ، أسيراً بين أربطة ضماداته محروماً من صحته .. مجرداً من عافيته ..!!

تنهض سعاد وهى لا تقوى على حمل الأوراق التى سقطت منها على الأرض ، فتبعثرت .. وتناثرت حولها ! وإذ الدموع  التى كانت تخفيها ، والتى كانت تحاول جاهدة أن تبلعها ، وأن تداريها ، وأن تواريها ، إذ بها تنهمر كالمطر .. وإذ بسعاد تنفجر كالبركان فى بكاء حارق ملتهب ، وهى ترتمى على جاسم ، تقبل رأسه ، تمسح وجهها فى شعره ، وهى تنتحب وتقول له من بين أنفاسها المتقطعة الممزقة :

– أنا ما راح أخليك يا جاسم .. ما راح أخليك يا جاسم .. أنا ايديك ورجليك .. راح أكون العمر كله تحت رجليك .. وأنا مهما فعلت ومهما سويت ماراح أقدر أرد لك يا جاسم ذرة واحدة من اللى أنت عملته لوطنك .. انا لك يا جاسم والشر مش لك .. انا لك والشر مش لك .. !!

الفصل التاسع والعشرون

دموع القمر

 

تمر الأيام فى قلق متزايد ، فحالة جاسم الصحية خطيرة ، متدهورة ، يعمل دكتور نايف ومجموعة من الاطباء المستحيل لإنقاذه ، تتخلع قلوب الجميع خوفاً عليه ، تتصل الصلاة بالدعاء ليل نهار من أجل جاسم :

– اللهم إنا لانسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه .

        تستمر النفوس الجازعة تطلب من الله أن يمن على جاسم بالصحة والشقاء .. حمداً لله ، يتجاوز جاسم أخيراً مرحلة الخطر ، ومرحلة الشعور بالصدمة ، ويصبح فى حاجة إلى بدء العلاج الطبيعى ، بعد أن اصبح عاجزاً عن النطق ؟؟!

تهدأ المخاوف قليلاً على جاسم تطمئن  سعاد بعض الشىء لأنه بدأ فى التحسن ، تسجد لله شكراً أنه حى يرزق وأن اله قد كتب له النجاة ، كما ترتاح ليلى وتنزاح عنها مخاوف الشعور بالخطر على أخيها والحمد لله . أما أم جاسم فقد كانت معلقة بين الحياة والموت وروحها لا تبرح أبنها ، حتى أنها نسيت كل همومها ، بعد أن أنصبت مشاعرها وتركزت على جاسم .. ومصير جاسم .. !

أما الحين .. فهى تشكر الله فى كل صلاة ، وهى تسبح بحمده ليلاً ونهاراً على نجاة ابنها من موت محقق أكيد .. حمداً لله ، وفى نفس الوقت تبدأ ترتيبات عودة المواطنين إلى الكويت ، التى إتخذتها السلطات الكويتية بعد التحرير ، لكن ..  ما تزال سعاد فى مأزق لأنها مع جاسم ، وجاسم يحتاج إلى علاج طبيعى طويل والحالة الصحية فى الكويت لم تزل فى حاجة إلى إعادة البناء ..!

نعم .. الظروف داخل الوطن لا تسمح الحين بمتابعة مثل هذا النوع من العلاج الذى يتطلب عناية خاصة ، وأجهزة معينة غير متوفرة الآن فى مستشفيات الكويت التى نهبت عن آخرها !! لم يترك الغزاة فيها شيئاً ، لا أدوية ، لا أجهزة ، لا معدات ، ولا حتى أطباء ، قتلوا عدداً كبيرأ منهم وإعتدوا على الكثير منهم ، وعلى أفراد الهيئة التمريضية الذى تناقص عددهم بشكل رهيب مما أثر وما زال يؤثر على الحالة الصحية فى الكويت !

تشعر سعاد بصعوبة الموقف ، فخالتها أم جاسم تود العودة إلى الكويت ، لأنها سمعت أن كثير من الأسرى الكويتين قد رجعوا بعد أن حررهم  ثوار المعارضة العراقية الذين ذى رتبة عالية فى الجيش العراقى إستطاع أن يحرر وحده عدداً كبيراً من أسرى الكويت يتراوح ما بين ستمائة إلى سبعمائة أسير ، كان قد أخذ قوائم بأسمائهم وأطلق سراحهم ، وكانت أم جاسم ترجو الله أن يكون زوجها من بينهم إنشألله

أيضاً .. كثيراً من أفراد المقاومة الشعبية فى الكويت ، إستطاع إطلاق سراح إعداد كبيرة ممن كانوا معتقلين فى المخافر والمدارس ، والمشاتل ، والبيوت ، والقصور ، والاندية الرياضية ، حمداً لله . تم تحرير كثير من الأسرى ، وعسى أن يعود الباقون ، الذين مازالوا رهن قيود الأسر فى سجون طاغية العراق !

يسافر الجميع فى صحبة باقى أفراد الأهل ، بعد أن يودعوا أحمد الذى يوصيهم بضرورة  الإتصال فور أن يسمعوا خبراً عن جده سالم ، فهو يعتقد إعتقاداً عميقاً بأن جده موجوده هو ومنصور فى مكان ما بالكويت ! كما يؤمن أنوار وتعتقد بأن منصور بطل الكاراتيه سيعرف كيف يعود مع جده إلى البيت بعدما يغلب العراقيين ويطقهم طق .. ! لأن منصور قوى ويعرف يغلب  كل اليهال ” ؟

– منصور بطل .. أنا أدرى عنه .

        تبقى سعاد تترقب أخباراً عن أبيها إبن أخيها الصغير الحبيب منصور ، وهى تتمنى أن تصلها الأخبار قبل أن ترخل بعيداً عن الرياض  ، تدعوا أم جاسم وأم عبد الله دعاء من القلب أن يعيد جميع الأسرى ، والمفقودين ، وأن يدخل الشهداء الأبرار فسيح جناته .

        يلتقى دكتور نايف مع سعاد ، يخبرها مؤكداً لها كطبيب ، أن أى شىء فى العالم ممكن أن يعمل من أجل جاسم قد نفد بالفعل ، موضحاً لها قائلاً :

 

– واجبى كطبيب أقولك شوفى رأى ثانى .. ذى فرصة ثانية للعلاج فى الخارج لأن الحالة راح تطول .. وجاسم محتاج وقت إلى ان يسترد صحته بعون الله .. !

        يتلاقى الصديقان بعد الإياب ، وفى القلب غصة ، وفى الروح جرح ، وفى النفس عذاب على ذلك الصديق الحميم الأسير أبو عبد الله ، الذى كانت لهما معه ذكريات وزكريات ، منذ كانوا طلبة يدرسون فى الكليات المصرية فى القاهرة ، وكانوا يعيشون ثلاثتهم فى إحدى الشقق المفروشة ، حيث كانوا يقضون معاً أحلى أيام .. أيام الوناسة .. أسام  .. أيام الشباب الذى ولى وراح ..

        آه .. كبرتهم المحنى : ! زادتهم سنيناً على سنين ! أضافت إليهم عمراً على عمر ! أرهقهم ، نكبتهم بالهموم ووجع القلب المبكرة ! حقاً .. كان حزنهم كبيراً ، إحتوى أسباباً كثيرة .. فراق الوطن القهرى ، ومرارة الغربة .. وفراق الأبناء المأساوى ,, مقتل جمال ، وفقد خالد !  وإستشهاد وأسر زوجى سناء وسهام !

        أيضاً .. فراق ذلك الصديق الوفى ” ضلع المثلت الثالث ” كما أعتادوا أن يطلقوا على أنفسهم .. ! نعم للأسف .. أخترت المثلث . . فأختلفت النسب .. ولم تعد تتساوى الزورايا بعد أن تحطمت الأضلاع .. بعدما غاب أبو عبد اللخ .. وراح !

        يشعر جاسم بالعنية التامة ، والرعاية الشاملة ، والحب العميق ، لكنه  يستمر فى الرفض ! رفض الواقع ! رفض كل شىء ! وتستمر سعاد توضع لجاسم أنهاة تحبه ، تظل تعبر له عن مدى حاجتها إليه ، تبقى تؤكد له أنها من غيره ولا شىء ! ولا حاجة أنها وحدة كل شىء فى حياتها !

        يشرح الطبيب المعالج لسعاد أن جاسم يمر الآن بظروف نفسية حرجة ، وأن أى إنسان يشعر أنه عاجز ، يكون رد فعله عنيفاً أما أى شخص يحبه ، يشرح الطبيب لسعاد أنها لابد أن تتفهم دورها ، ولابد أن تؤكد له انها محتاجة إليه ، محتاجة لحبه ، محتاجة لحنانه ، محتاجة لعطفه ، وإن تظهر له كل الحب أن تبذل له كل الرعاية ، مهما كانت مشاغلها ، ومسئولياتها ، وظروفها !

        و.. مع الوقت ، مع عبور الليالى ، والأيام ، روغم صعوبة الغربة ،، ووحشية البعاد فى مثل هذه الظروف الإنسانية الصعبة ، فالزواج راقد طريق الفراش ، والأخ شهيد ، والأب أسير ، وحتى إبن الأخ الصغير منصور .. أيضاً أٍير ! ووالد الزوج .. أسير !

        لكن دوام الحال من المحال ، وسبحان من يغير ولا يتغير . ! فها هى سعاد تحس بعض الفرح فها هو جاسم قد بدأ يتغير .. نعم بالفعل بدأ جاسم تيغير ! فها هو يبدأ يتجاوب معها ، ها هو يصبح فى حالة إسترخاء ويبدأ يتقبل الدواء من بين يديها .. وتصبح عنده غبة عميقة فى تلقى العلاج هناك ، لأنه فى حاجة لأن يبقى مع أهله ، حتى لا يحس بالوحدة والضيق فى غيابهم عنه .

        تتابع السفارة الكويتية فى أمريكا حالة جاسم الصحية ، يبدى الملحق الصحى إهتماماً خاصاً به ، يزوره هو وبعض أركان السفارة فى المستشفى للإطمئنان عليه ، قبل أن يغادرها إلى البيت ، فهذا هو البطل الوطنى الغنى عن التعريف ، إبن الكويت البار ، الدكتور جاسم عبد الناصر .. حياه الله

        وفى أثناء الزيارة يلاحظ أحد الأطباء القريبين من جاسم ، أنه لا يبدو على ما يرام هذه المرة ، فهو لا يتجاوب فى الحديث ، ولا يشارك فى الحوار ، إذ يبدو شارداً ، ساهماً ، حزيناً ، مهموماً .. يائساً ! فحوال هذا الطبيب أن يخفف عنه حزنه ببعض السوالف عن المرضى وعن المرض المستعصى الذى يزول بأمر الله .

        يحكى له الطبيب قصة سيدنا أيوب وكيف أبتلاه الله بالمرض ، الذى طال طال ، لكنه صايراً ، راضياً ، إلى ان من الله عليه بالشفاء . يقترب الطبيب من جاسم ، يربت على كتفه ، وهو يشجعه ، ويذكر بقدرة الله سبحانه على إزالة هذا المرض ، ثم يضع يده  على رأسه وهو يتلو آيات من الذكر الحكيم : بسم الله الرحمن الرحيم

” وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وانت أرحم الراحمين  فأستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وءاتينه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعبدين ”          صدق الله العظيم

        وينجح جاسم بالفعل فى الوصول إلى هزيمة المرض بفضلا صلابة إرداته ، وقوة عزيمته . . لم تنكسر فيه قوة العزيمة ولا جساة الروح تحت وطأة المرض الذى إستطاع أن يغلبه بفضل عظم إيمانه بالله سبحانه وتعالى .. يخرج جاسم من المستشفى على كرسى بعجل متحرك ، تبلع سعاد دموعها ، وهى تراه على هذا المنظر من الضعف والوهن ، بعد أن كان يصول ويجول فى ملاعب كرة القدم يسابق الريح كالحصان العربى الأصيل الذى يربح السباق دون منافس .. دون أن يكون له مثيل

– آه يا جاسم .. آه يا حبيبى .. ياليتنى أنا اللى كنت مكانك .. آه .. ياليتنى أنا . ياليتنى أنا !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثلاثون

شىء من مشاعرى

يعاود جاسم حياته بطريق يحاول أن يجعلها طبيعة ، تبقى سعاد فى محاولاتها المستمرة للإقتراب منه ، وإن كان الحزن طاغياً على ملامحها ، فهى مازالت حائرة غير متأكد ، إذا كانت هى كسبت جاسم أم لا ؟! .. فبعد هذا الوقت الطويل كل واحد منهما فى غرفته الحاصة ، هى لا تعرف ، إذا كان  جاسم يرغبها كزوجة . ام أنه أكتفى بحياته ..
هكذا .. بدونها ؟!

        تسألها أمها ذات يوم عن أسلوب حياتها ، وكيف إن جاس هكذا يعيش بعيداً عنها تسأل المرأة الكبيرة فى براءة وبساطة :

– هذه هى أوامر الطبيب يا بنيتى .. يعنى لسة هو بيتعالج من الشلل ؟

لا تعرف سعاد كيف تجيب هذا السؤال المحرج الذى وجهته لها أمها ! فتقول وهى تتنهد :

– والله يوماً لو كان الدكتور طلب منه كدى .. لكان هو  من نفسه نام بروحه وخلانى .. كأن راح يظل على سرير لوحده .. وأنا لوحدى !

        وهنا تفيض مشاعر الألم داخلها ، تطغى على كيانها ، فتنفجر فى بكاء مكتوم ظل حبيس جدران صدرها ، فتقول أمها وهى تحاول أن تسرى عنها وتخفف حزنها :

– لا تاخفى يا بنيتى . ترى زوجك يبحك وأيد .. والل ما يقدر يستغنى عنك .. لا تخافبن حبيبتى .. لا تخافين .. انت بس اللى بتحبيه وايد .. وأنت الى بتغارين عليه .. جمدى قلبك شوى .. حبيه بعقل مو بها الإندفاع يا سعاد ..!

        تمشى الحياة بهدوء ودعة ، يمارس جاسم عمله الإرادة فى مستشفى مبارك الكبير بعد أن حالت رجفة أصابعه دون ممارسة عمله كجراح ، فكان يذهب إلى المستشفى ويرجع ، وهو مازال بعيداً عن ممارسة  العمل الجراحى فى غرفة العمليات .

 

        تأتى إليه دلال تهنئه بسلامة العودة والنجاة من الخطر ، تكمله فى تحشم وإحترام يتناسب ، وإرتداء الحجاب الذى يلف رأسها ويستر شعرها ، ويكبح جماح عواطفها الغزيرة التى تحولت الآن إلى منحى آخر ، بعد إن أصبح جاسم الناصر بالنسبة لها عبارة عن أخ غال ، و صديق عزيز على قلبها  

        تتحدث دلال مع جاسم عن ذكرياتهما معاً ، عن أيام المقاومة ، وعن المخاطر ، الجمة التى تعرضا لها ، وكيف كانا يكمنان معاً فى مخبأ تلو الآخر عدة ساعات معرضين فى لحظة لخطر الموت حرقاً ، أو تفجيراً ، او تعذيباً !

        ساعات وساعات .. وهى تشعر جاسم بجوارها أخاً عزيزاً يصونها ، يحميها ، يفديها بنفسه ، يحافظ عليها بعمرة ، يقدم نفسه للخطر دفاعاً عنها ! حقاً .. لم تنس دلال ولم ينس جاسم كيف تشهد على نفسيهما ، وآخذ يقرآن القرآن الكريم مرات تلو المرات ، وهما يعتقدان أنهما لن يبقيا على قيد الحياة بعد دقائق قليلة !

        الآن المقاومة انتهت ، تحررت الكويت بحمد الله ، ولم ينس الجميع أن جاسم كان بطلاً كبيراً ، لذا كان إستقباله لحظة عودته إلى الكويت وهو يستند إلى عكاز إستقبالاً كبيــراً ..

نعم . كان إستقبال جاسم هو نفسه إستقبال الأبطال الكل يعلن الحب ، يعنل التقدير ، يعلن الإمتنان

        أما دلال فقد أولت كل إهتمامها الحين لمتابعة قضية الأسرى الكويتين الموجودين لدى السجون العراقية ، وصارت تشارك فى إجتماعيات اللجنة الوطنية لشئون الأسرى والمفقودين  أيضاً دخلت مجال رعاية الاطفال المعاقين الذين يستحقون فى نظرها كل العطف والعناية ، حقاً .. تيرت دلال ، تحجبت من الداخل والخارج أضاء نور الإيمان قلبها ، بعد أن رأت العظة فى الموت حولها وعاشت الاهوال ، وهداها الله إلى طريق الحق والصواب .

        تعيش دلال تمارس دورها فى الإهتمام بشئون الأسرى والمفقوجين ، ودور رعاية الأطفال المعاقين ، فأثبتت العلاقات الإنسانية كثيراًَ من الصلات العاطفية بينهما وبين من تحتاج إليها .. نعم .. نعم هاجس دلال الأكبر الآن هو عودة الأسرى .. عودة السرى لتلكتمل بعودتهم الأفراح ، وتنسدل ستائر الاحزان فوق الجراح ، تخفف عن قلوبهم ما غاب وما راح!

        يبدأ جاسم يشعر الحب تجاه تجاه كل شىء فى حياته ، فهو يحب الكويت ، يحب كل شىء فيها ، يحس أن التنافس الذى بينه وبين سعاد لا جدوى منه ! خلاص :

– إلى متى سيبقى فى حالة تنافس ؟! إلى متى ؟! كان متنافساً فى فريق الكرة .. متنافساً فى الجامعة .. متنافساً فى عمله كطبيب ناجح مشهور .. إذن لابد أن يتقبل سعاد بتفوقها .. بكل شىء فيها .. ليس شرطاً أن يكون هو الاحسن .. بالعكس .. أنه يعرف أنه عو الاحسن لأن المفروض أن سعاد مكسب له ، وهو طبعاً محظوظ جداً لأن لأولاده مثل هذه الام  الذكية جداً يبدأ جاسم يدرك أنه لو لم يكن متزوجاً من إمرأة مثل هذه لما كان إستطاع أن يشفى من رجاحه ، لما قدر أن يتعافى من الامه ، فسعاد بحبها ، برعايتها ، بعنايتها ، إستطاعت أن تعاون معه لصنع هذه المعجزة .. ! أن يعود إلى صحته ، أن يرجع إلى حياته ، وأن يمارس ذاته مرة أخرى من جديد !! لأن .. عرف جاسم أنه فى نهايةو الأمرة ، إذا كان ممكن أن يتنافس مع أى شخص ، فهو حتماً أن يتنافس مع سعاد .. !

        يبدأ جاسم يدرك إن هذه الفلوس ليست فلوس سعاد وحدها ، لا .. إنها فلوسنا كلنا ، حقيقة الأمر . إن سعاد ملأت عليه حياته ، نعم .. سعاد ملأت عليه حياته ، جاسم يعرف أنه كان دوماً يجدها عندما كان يحتاج إليها ، جاسم يعرف أيضاً إن سعاد تشعر بحاجة الآخرين لحبها ورعايتها ، فهى تشهر بحاجته إلى هذا الحب ، فلم تحرمه من ذهذا الحب !

        سعاد اسبغت عليه الكثير .. حولت أن تمنحه الوقت الكافى لياتفت إلى دراسته وصنع مستقبله ، وأدرات حياتها بكل جدارة ، وكل مقدرة .. سعاد كانت دوماً تؤدى ما يوكل إليها بدقة ، وكانت دوماً تعامل مع مبدأ : خير الأمور الوسط .

        يعيد جاسم إسترجاع حياته فيحس كم كانت سعاد إنسانة عاطفية ، ذات روح شاعرية ! كان جاسم يعرف  أن سعاد حريصة أن لا تدع أحداً من الناس يعلم ما فى الداخل صدرها من أفكار ، فقط كانت تنتظر الفرصة المناسبة أن تسمح لها لتنال ما تريد ، دون تهديد ، دون صخب ، دون ضجيج ، بل .. بكل هدوء ، وحب ، ومودة ، لم تفرط سعاد يوماً فى الإهتمام بتنظيم حياتها ، فهى مرتبة ونظيفة ، تنزعج من الفوضى ، تحب النظم ، حريصة دوماً على تأدية واجباتها .

        يتنهد جاسم وهو يراجع نفسه ، ويعرف أن سعاد لم تجرح مخلوقاً يوماً بتصرفاتها ، بل هى دوماَ ذوق . مهذبة تحترم الآخرين ، تجيد فن التعامل مع الناس .. والحياة ! يعرف جاسم أيضاً أن ساد تحب الشمس والهواء النقى وتعشق البحر كما يعرف أنها إنسانة طموحة لا شىء يعوق صعودها حتى القمة ، فسعاد  فى الواقع ليست شخصية ضبابية ذات أمنيات عاطفية تتحكم فى حياتها . ، لا .. أنها سيدة يمعنى الكلمة ، لا تصدر عنها كلمة نابية ولا تأتى موقفاً فى غير محله ، إنها ا تضيع وقتها فى الثرثرة فهى مشغولة بحياتها بمسئولياتها ..!

        .. عندما يصل جاسم إلى هذه النقطة ، لا يستطيع أن يغالب مشاعره ، فينهض يجرى أتصالاً هاتفياً مع أحد الأصدقاء ، يأخذ موعداً ، يخرج إلى حيث يتلقى به فى فندق المريديان حيث تتناقش معه بعض الوقت فى موضوع يهم جاسم جداً أن ينجزه ، ثم يدلفان من باب الفندق الثالث حيث يدخلان أحد المكاتب هناك ..!

        ينهى جاسم التعاقد على غتسلام هذا المكتب ، الذى أمر بتجهيزه بالكامل من أجل سعاد حتى اللوحة النحاسية الخراجية يكتب عليها “شركة سعاد السالم للإستثمارات العقارية”

ينتهى من الأتفاق مع السكرتيرة ، يدخل خطوط الهاتف ، يجهز كل شىء .. كما يتمنى دوماً أن يكون !

        يعود جاسم إلى البيت وإحساسه بذاته يتضخم ، يتعملق ، فهو سعي بذلك لأنه شخص موضوعى ، منطقى عرف كثيراً من قبل كف يتدرب على السيطرة على المواقف ، كما عرف كيف يتخذ الموقف المناسب فى الوقت المناسب ، لذا كانت رده على نايف فى الموافقة على زواج ليلى عندما اتصل به من امريكا يطلب يدها رداً موفقاً للغاية .. فقد كانت أمه ترغب فى إنتظار عودة أبيه من الأسر ، لكن جاسم قال لها :

– ابوى مو موجود الحين .. بس أنا اقول لك لو أبوى موجود راح يوفق .. ولو أبوى عرف الحين راح يوافق .. ولوما عرف .. وكلن عرف بعدين أننا رفضنا تزويج ليلى لأن هو مو موجود ماراح يوافق .. ولو ما عرف بعيدين أننا رفضنا تزويج ليلى لأن هو موجود ماراح يوافق على اللى أنت تقوليه ما يوماً ..!

        يتابع جاسم كلامه :

– نايف مافى مثله يا يوماً .. وإنا عشن سنين معاه وأعرفه عدل وفاهمه من الداخل والخارج .. وأنا باقول إنى مدين له بحياتى .. لكن أنا باقول موافق لأنى عارفة نايف . وما أتمنة واحد لأختى  ليلى أحسن من نايف ، وهو راغب ليلى وليلى راغبة ، وانت ما تخلى ليلى تشعر أنها محرجة . وانها يتشوى شىء غلط أنها تتزوج وأبوها أسير !

يتابع جاسم كلامه :

– أنت يوماً لو فشانى هالزواج ستكونين غلطانة .. غلطانة لأن نايف يحبها وراح يقدرها ويحسن معاملتها .. وهو طلب يدها منى وإحنا فى أمريكا قبل الغزو وإنتظر كل هالوقت لما تحين الفرصة المناسبة .. والحين .. تم التحرير والكويت ردت والفرحة عمت ومافى داعى يوماً إننا نأجل زواجها عشان أبوها مو موجود .. !

        يستطرد جاسم حديثه مع أمه ، باذلاً كل الجهد لإقناعها ، محاولاً تبسيط الموقف أمامها :

– يوماً .. أنا أخوها وأبوها وإنشاالله يتم هذا الموضوع على خير لأن نايف كلمنى كذا مرة رغم خجله الفظيع بسبب ظروفى اللى مربت بها .. بس أنا أدرى عن نايف يوماً .. هو رجل من خيرة الرجال .. شاب من خيرة الشباب ، وكان معايا له مواقف كثيرة وإحنا زملاء فى المستشفى ,, ولما إنسبت فى الحرب وقف بجانبى فى علاجى فى  الرياض وفى امريكا .. أنا ما أنسى له يوماً هالمواقف كلها .. ترى نايف رجال ماراح تلاقى حد الليلى أحسن منه صدقينى يوماً .. صدقينى

        – اللى تبون تسووه . . سووه .. بس أنا ما أقدر أتصور .. إن ليلى تتزوج وأبوك يا جاسم مو ويانا .. ما أقدر أتصور . ما أقدر اتصو .!

        تجهش الأم فى البكاء وهى تقول بين أنفاسها اللهثة المتقطعة : –

– بس خلاص .. انت تصرف يا جاسم .. هذه أختك وانت أخوها . انت اتصرف .

        تستمر الأم فى البكاء ، وهى ما تقدر تتخيل إن ليلى تتزوج وأبوها غايب ، ما تقدر تتخيل أن ليلى تتزوج والأسرة حزينة ، ما تقدر تتخيل أن ليلى تزوج والأسرى بعيدين عناك وراء أسوار السجون .. !

        يتصل جاسم بنايف فى أمريكا ، يرحب به يسأل :

– ها .. ما وراك فى أمريكا .. واله كلنا مشتاقين لك .

نايف ير باسماً :

– إذا  انتم تبغوننى فى الكويت بأحجز دالحين وأجيكم .

        يخابر نايف الأهل فى لرياض ، تستعد الأسرة كلها للسفر إلى الكويت لترتيب إستعدادات الزواج السريع لأن ليلى ستسافر إلى أمرريكا لبدء الحياة مع نايف هناك ..!

        ينتهى حفل الزفاف الذى اقتصر على الأهل والأصحاب ، والذى اقيم فى بيت أبو جاسم فى كيفان .. تستعيد ليلى لخروج مع عريسها نايف بصحبة بعض الأهل من العائلتين إلى أحد الفنادق إستعداداً للسفر فى اليوم التالى إلى أمريكا .

        تمضى ليلى تخطو ببطء بثوبها الأبيض الاطويل ، تخترق القاعة الخارجية متجهة إلى باب الخروج .. تنتاطاً أكثر وأكثر وهى ترنهو بعينيها إلى صورة والدها  اللواء أحمد الناصر فى زيه العسكرى لوزارة الدفاع ، وقد إحتلت جزءاً كبيراً من جدار القاعة عن يمينها ، .. توقف ليلى أمامها ، لا تقوى على متابعة سيرها .. تقف ، تبكى ، تقول :

– وينك يوبا  .. وينك يوبا . كان ودى تكون الليلة ويانا . كان ودى تشوفنى وأنا عروس .. آه يوبا .. آه يوبا

        آه تبكى أم جاسم  تندب غياب زوجها الاسير ، فتنبش بذلك جراح أختها أم عبد الله التى تكت فى القلب جرحها الدامى على ابنها الشاب الشهيد ، وزوجها الرجل الطيب الأسير ، وحفيدها الطفل الصعير ، فتنهار هى الاخرى فى البكاء ، فى حين يتمزق صدر أم أبراهيم من الحزن ، النحيب على ابنها خالد الذى  مازال مفقوداً للحين ، بعد أن اختفى هو وطائرته العسكرية ولم يعتر له على اثر منذ أن شارك بعدة طلعات جوية فى حرب التحرير !

        .. ولا تحتمل الموقف إبتسام زوجة عبد الله ، التى تنتحب وتنتحب حزناً على اسر أختها أمل ، الطالبة الجامعية االجميلة التى اكنت عل وشك الخطبة والزواج .. لكنهم أسروها .. حبسوها وراء أسوار سجون الطاغية ! كما تفقد سهام بنت الخال إبراهيم وعيها حزناً وقهراً على زوجها الأسير .

        لحظات حادة رهيبة حارقة ، تمتزج فيها أحاسيس الحزن والفرح ، أحاسيس اليأس بالأمل أحاسيس الترقب والإنتظار مهما راح الوقت وإمتد الزمن وطال .. هنا .. فى تلك اللحظات العنيفة المشاعر ، تبكى فضيلة زوجها الشهيد فيصل ، وطفلها الأسير منصور ، تظل تبكى وتبكى وهى لا تستطيع أن تتوقف ، رغم أنها كانت تحاول أن تمنع نفسها من العويل والبكاء ، خوفاً على مشاعر الموجودين فى الفرح .

        يقف الاطفال حولهم ينظرون إليهم وهم فى حالة تأثر شديد ، بسبب هذا الحزن الساحق والبكاء الحافل بالعاطفة ذات الإحساس الزاخر العنيف فتبكى أنوار من قلبها ، كما تبى مريم ومنى وفضة وراكان ، أما أحمد ، فيظل كعادته ، يحاول أن يتماسك وأن يتصلب

يحاول أن لا يدمع وهو الصبى الكبير وسط كل هؤلاء البنات ..!

        يطالع أحمد خالته فضيلة ، فيتأث كل التأثر لأنه يعرف أنها تبكى خالة فيصل كما تبكى أبن خاله منصور .. يعود أحمد ينظر حوله فيشعر نفسه وحيداً بلا منصور ، حينئذ .. يزداد حزنه وهو يود ويتمنى من كل قلبه لو كان منصور معه الحين ، يحادث نفسه متسائـلاً :

– .. وينك يا منصور .. ياليتك كنت ويانا الحين .. !

        فى اللحظة نفسها ، تطالع فضيلة الاطفال الصغار الذى يحرمون حولها ، تقف تنظر نحوهم وهى تتمنى من أعماق قلبها لو كان منصور ولدها موجوداً وسطهم ، يلعب معهم ، ويلهو مثلهم ، ويضحك معهم ويفرح مثلهم ، وهنا .. لا تستطيع فضيلة أن تسيطر على مشاعرها ، وإذ بها تصرخ محسورة ملتاعة :

– آه .. منصور .. منصور .. وينك يا منصور .. هاتو لى منصو .. هاتو لى منصور .. !     .. تسقط فضيلة مغشياً عليها ، بعد أن ظلت طويلاً تحاول أن تتماسك حتى لا ينقلب الفرح حزناً ، لكنها النفس الإنسانية تعصى إرادة الإنسان ، ترفض أن تخضع لرغباته ، تتغلب أحياناً على قدراته ، تريد أن تمارس وحدها ما تشعر وما تحفل به من أحاسيس ومواقف ..!

        يجرى أحمد مسرعاً نحو غرفة أمه يحضر زجاجة كولونيا ، يناولها لجدته أم جاسم مى ترش منها على وجه فضيلة ، فهو مدرب خير تدريب على إحضار الكولونيا بسرعة ، لأنه يفعل ذلك كثيراً ، كلما فقدت جدته أم عبد الله وعيها ..!

        تحضر إبتسام زجاجة ماء باردة من الثلاجة  ، تاحول أن تسقى فضيلة بعضاً منها ، وأن تمسح بيدها المبللة على وجهها .. فى حين تقف أنوار تطالع حزينة هذا المنظر المؤلم الذى يحدث أمامها، والذى جعلها تدرك بعقلها الصغير البرىء أن خالتها قضيلة تدور منصور ، وأنها مشتاقة لمنصور ، فتقول تحادث نفسها :

– أييه .. عرفت .. خالتى فضيلة تبى تشوف منصور .. زين ،، أنا عندى صور وايد فيها منصور .. يوم عيد ميلادى كان ويانا .

        تخبر أنوار أحمد بفكرتها ، فيركضان معاً نحو الطابق الثانى ، وإذ بباقى الأطفال كلهم يركضون خلفهم ، ينهك أحمد وأنوار على لافرو فى إخراج الصور من الالبوم ، وإختيار صور منصور .. وهنا .. قبل أن يخرج أحمد من الغرفة ، ينظر إلى الملصق الكبير المعلق على الجدار المطبوع عليه :

 

لن ننسى أسرانا

فيقف على المقعد الموضوع أمام مكتبه ، ينزع الملصق من على الجدار ، يضعه فوق المكتب ، ثم يفتح الدرج يخرج الصمغ ، ويلصق عليه صورة منصور بدلاً من صورة الطفل الباكى المرسومة فى الوسط ، فى حين تشترك أنوار ومنى وفضة وراكان فى لصق صور منصور كلها عليه .. فى نفس اللحظة تدنو مريم تطلب من أحمد أن يعطيها القلم الأسود المتين لتخط بيدها عبارة كبيرة واضحة :

نريد منصور ويانـــا

ينزل الصغار على السلم وهو يرفعون فوق رؤوسهم الملصق الكبير الذى تشترك أيديهم الصغير كلها فى حمله بعد أم كتبوا عليه بالبنط العريض ، الذى يقرأ عن بعد :

لن ننسى أسرانا

نريد منصور ويانا

.. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. ..

يجلس جاسم فى مكتبة ، شارداً ، يطالع كفه اليمنى ، يتحسس اصابعه واحداً واحداً ، ثم يعود يشرد بخاطره ، وبعدها يتأمل مرى أخرى أصابعه ، يتعمن فى كفه اليمنى وهو الجلوس هكذا وراء مكتب ، بلا مشرط ولا مبضع ولا مريض .. ينظر جاسم إلى نفسه فى حسة وهو يتنهد حزيناً :

– .. ولا جراح !

        بعد قليل .. تدخل دلال مكتب جاسم .. تسلم عليه ، تتحدث إليه وهو مصغياً لها بكل حواسه وكل جوارحه ، مستمعاً لها بقلبه وهى تبوح  لها بمكنون قلبها :

– صدق .. الحرب إنتهت يا جاسم .. مستحيل ننسى .. لكن .. العذاب ما إنتهى .. توقف سقوط القنابل .. لكن صوتها بعده يدوى فى اذنى .. رحل الحرس الجمهورى .. لكن الخوف بعده باقى فى صدرى .. مستحيل ننسى يا جاسم .. مستحيل ننسى .. !

        أنا اتمنى ننسى أتمنى يختفى الخوف من نفوسنا .. أتمنى يعود الأسرى من المعتقلات والسجون .. أتمنى .. أتمنى إنى فى يوم أقعد بنفس الشعور مليانة بالحب والنشاط والأمل والثقة والتفاؤل ..

        أتمنى إنى فى يوم أقعد بنفس الشعور اللى كنت أحسه قبل الثانى من أغسطس عام 1990 هذا العور بعد الحرب .. وهذا الخوف وهذا الدرمار بعده يدمرنى .. منظر بيتى المدمر المحطم وآثار التخريب والتعذيب بعدها عالقة فى عيونى .. فى قلبى .. فى قلبى .. تتنهد .. آه يا قلبى . تعود تتنهد :

– أتمنى أعود مثل  ما كنت أتمنى أعود مثل ما كنت !!

        تخرج دلال من مكنب  جاسم والدمع على وجنتيها والحسرة والحزن تملأ عينيها، وذكرى ماضيها مع جاسم تطغى ، تسود ، تسيطر ، على وجدانه ، فترتل بعض آيات من الذكر الحكيم :

بسم الله الرحمن الرحيم

” ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة أنك أنت الوهاب

صدق الله العظيم 

تمضى دلال لا تلوى على شئ والحزن على الأسرى يضج بين جنبيها ، فهى ستذهب الآن إلى مستشفى الطب النفسى لرؤية أمها المريضة التى ما زالت تعانى من آثار الغزو ، حين إغتصب الجنود روحها ونفسها وهم يفترسون جسدها !! والتى ما زالت تعتقد أن أمها حية ترزق .. لم تمت !!

كانت لحظات صعبة عنيفة مدمرة .. دانه أيضاً ما زالت تعانى هى الأخرى من آثار المرض النفسى رغم أن دلال أخذتها بالأمس إلى محل اللعب بالسالمية وإشترت لها عروساً جميلة بدلاً من تلك العروسة التى تركوها فى البيت حين غادروه فجأة بعد الحادث الأثيم الذى أودى بحياة جدتها وأعصاب أمها !

إشترت لها دلال مجموعة ألعاب كبيرة كثيرة ، من نفس المحل القريب من البيت ، ملأت بها غرفتها بعد أن أعادت طلائها وجددت أثاثها ، وغيرت كل معالمها ! حرصت دلال أن تغير كل شئ ، وأن تبدل كل شئ ماعدا عروسة دانه القديمة ، صممت دلال أن تنتقى لها عروسة طبق الأصل من العروسة التى فقدتها وأضاعتها الظروف ، وحرمتها منها ، ومن كل لعبها ، أعادت دلال كل شئ لدانه ، لكن .. دانه لم تعد هى دانه .. دانه مريضة الآن تعانى إعاقة فى النطلق وفى السلوك ، دانه ما زالت مضطربة لم تعد صحتها النفسية ولا البدنية كما كانت قبل الغزو !

تقسم دلال وقتها بين أمها وإبنتها وبين الأطفال المعاقين ، وبين الأسرى المرتهنين المحتجزين ، الذين يأسرون معهم كل أهاليهم ، ومعارفهم ، وأحبائهم ، وأصدقائهم ،
وجيرانهم ، الكل حزين من أجل الأسرى ..! الكل لا تهنأ له أكلة ولا نومة ! ولا تكتمل له فرحة من دون الأسرى .. !

عسى الله أن يفك قيد أسرانا .. عسى الله أن يعيد إلينا أسرانا .

ينصرف جاسم إلى وضع آخر اللمسات فى المكتب ، تلك هى الهدية المفاجئة التى يعدها لسعاد ، حيث يختار لها سكرتيرة فلبينية لطيفة جداً ، ومكتب صغير مجهز بتليفونات وفاكس واللوحات الطبيعية الأصلية ، التى يعرف إن سعاد تحبها .

يعود إلى البيت ، يأخذ سعاد يتمشى معها العصر كأنه يتنزه نزهته اليومية العادية التى أوصى الطبيب بها ، لكنها تفاجأ به يطلب منها أن تذهب معه إلى مشوار آخر قريب ، تدخل سعاد مجمع الصالحية تركب المصعد حتى الطابق الثالث ، تمشى مع جاسم فى الممر وكلها ترقب وإنتظار لهذا السبب الغامض الذى جعله يأتى بى هنا ! لكنها .. ما تلبث أن تقف ، تتصلب فى مكانها ، وعيناها تتشبثان باللوحة النحاسبة اللامعة !! .. المحفور عليها إسمها !! ” شركة سعاد السالم للإستثمارات العقارية ” .

تتقبل سعاد الهدية المفاجئة بهدوء ، تتعامل مع الموقف المباغت بحيرة لا تخفى على عينى جاسم ! نعم .. فهذه الهدية حيرتها ! جعلتها تتسائل بينها وبين نفسها :

– ترى .. جاسم أعطانى هالمكتب عشان يبى يتخلص منى ؟! وإلا ما هو
السبب عشان يعطينى إياه بحجة أنى أدير أعمالى فى أمريكا ؟! ليش جاسم فكر بهالطريقة ؟! ليش .. ؟!

أنها لا تعرف ، لذا ، تظل محتارة ، تظل تفكر ، وتفكر ، وهى لا تدرى ماذا يدور فى ذهن جاسم بالضبط !! نعم .. هل جاسم يقول لها خذى حياتك وإستقلى بها بعيداً عنى ؟ أم إن هذه الهدية تعبير عن الحب و‘ن تقبله لها .. وتقبله لدورها كسيدة أعمال ؟!

فى الواقع .. إعتقدت سعاد أن إهداء جاسم المكتب لها هو خطوة فى بداية النهاية ، فأخذت تحدث نفسها فى أسى . هذه هى النهاية يا جاسم ؟! هذه هى المكافأة ؟! بعد ما أثبت لك حبى وإخلاصى .. ينتهى بى المطاف بهالأسلوب ؟! معقول ؟! أهون عليك يا جاسم ؟! أهون عليك ؟!

.. تتداخل كل هذه الأمور ، تبدأ تعصف بكيان سعاد .. كيف لها أن تعيش بدون
جاسم ؟ كيف لأولادها أن يستظلوا بغير ظل أبيهم ؟ آه .. تتنهد وهى تحتسى القهوة بينما تسترخى على المقعد الوثير فى الصالة الكبيرة وحدها فى حين كان جاسم يرتدى ملابس الرياضة إستعداداً للمشى حسب المدة التى قررها الطبيب .

تزداد شجون سعاد ، تحادث نفسها .. تساءل :

– شنو يبى جاسم ؟! إيش لون يعطينى هالمكتب وهو دائم السخط على عملى ؟ ودايما كان ضده ؟!

نعم .. فالمعاملة التى لاقتها سعاد من جاسم فى أمريكا ، وإنهائه الوضع هناك بهذه الطريقة المتسرعة غير المدروسة ، وإضطرارها للإبتعاد عن مكتبها وشركاتها ، وتركها تلك الاستثمارات الضخمة كل هذه الأمور جعلتها تدرك إن جاسم سوف يتخلى عنها .. ! نعم . جاسم سوف يتخلى عنها !!

تبدأ سعاد تفكر فى والدها ، إنه وحده مصدر الحب والعطف والحنان والأمان ، تبدأ تفكر كيف كان يشجعها ويأخذ بيدها وهو فخور بها ، وكيف كان يعدها ويحضرها منذ صغرها لتكون سيدة أعمال ناجحة بارزة .. !

فى الواقع حققت سعاد حلم أبيها فيها ، وهى تعتقد أن ذلك سوف يسعد جاسم ، سوف يجعله فخوراً بها هو أيضاً ، سوف يجعله سعيداً ، لأنها قدرت أن تجمع بين كل هذه المسئوليات بنجاح ، وقدرت أن تحقق كل هذا النجاح !

لكنها .. للأسف وجدت العكس من جاسم ، هى أحست بذلك ، تكاد فى الحقيقة أن تجزم بذلك ، فهى ليست من ذلك النوع التى تجهل ما يدور حولها من أمور ، صحيح هى تتجاهلها أحياناً لكنها لا تجهلها ، وياله من فارق كبير بين الجهل والتجاهل .. !

ولم يفت سعاد أن تعرف أن دلال كانت بالأمس عند جاسم فى المستشفى ، لم يخف جاسم الأمر عن سعاد بل قال لها أن دلال كانت عنده فى المكتب وأنهما كانا يتحدثان عن تلك الساعات العصيبة التى قضياها معاً !

وقبل حلول المساء .. قبيل أن تغيب الشمس وبعد أن تداعب نسمات الربيع مياه البحر فتدفعها فى حنان تعانق الرمال الناعمة الوادعة .. فى هذا الجو الربيعى الجميل ، فى هذا الفصل المشرق البهيج الذى تحبه سعاد وتسعد به ، وتظل تتمناه طوال العام .. تتمشى سعاد إلى جوار جاسم على شارع الخليج العربى بالقرب من مركز سلطان الذى يضئ المكان عن يسارهما ، يسيران وهما يطالعان عن بعد أبراج الكويت التى يحبونها ، والتى يلمحانها عن بعد صامتة ممشوقة باسقة ، تضيف بلونها الأزرق عمقاً جميلاً يتأكد مع لون مياه الخليج الزرقاء ، ولون السماء الأشد زرقه .. !

ثم .. تتأنى الشمس وهى تنحدر نحو المغيب .. تدنو فى حنو من خط الأفق البديع .. تتمشى ” سعاد ” إلى جوار جاسم وهى تمسك بيده ، لأنه ترك العصى منذ فترة قريبة من الوقت ، وهو لازم يستند على يدها لأن رجله أحياناً تقلت وركبته تهوى فيسقط على
الأرض .. ؟!

يتمشى جاسم إلى جوارها وأصوات الموسيقى تصدح فى السيارات ، وزئير الموتوسيكلات التى تركض فى شارع الخليج ، وعليها الشباب المرح ينطلق إلى جوارهما من فترة لأخرى .. !

هنا .. يبدأ جاسم يحس شعوراً غريباً ، يحس إنه لا يخجل من الإعتماد على سعاد ، مرتين إثنتين كاد أن يقع فيهما فأمسك بيدها ، تعلق بها ، استند عليها .. فعل ذلك ، دون أن يحس أنه محرج .. !

وكانت هذه مفاجأة جديدة بالنسبة له ، لأنه أدرك أنه كان طول العمر يكافح كى يوضح أنه قوى أمام سعاد ، وأنه متفوق على سعاد ، وأنه بطل فى نظر سعاد ، عمره ما سمح لنفسه أن يحس أنه ضعيف أمامها ، فكان مستغرباً كيف أصبح هكذا على راحته دون خجل أو حرج ، وهو يستند على سعاد .. !! إنه يحتاج لها .. إنه لا يخجل أن يحس إحتياجه لها !

ويظل جاسم صامتاً كأنه رحل فجأة إلى مكان آخر بعيد ، تحس به سعاد ، تلتفت
إليه ، تسأله فى حب ، فى حنان :

– مالك يا جاسم .. فيك شئ ؟! تعبان .. تحب نرد ؟!

ينظر إليها جاسم ، لكنه لا يراها ، كأنه ينظر وراءها ، أو من خلالها ، فتكرر سعاد سؤالها مرة أخرى :

– مالك يا جاسم .. فيك شئ .. تعبان ؟!

ينظر جاسم إلى سعاد ، يختلج بدنه لرؤية الحب الفظيع فى عينيها .. كأنه لأول مرة يراها أمامه !! يدرك جاسم أنه طول عمره بيحب سعاد ، وأن الذى كان يمنعه من الإعتراف بهذا الإحساس ، بهذا الشعور ، هو الكبرياء ! هو طبعاً بيحبها ، طول عمره بيحبها ، ولما تزوجا ، كان يحبها ، وقبل أن يتزوجا كان يحبها ، لكنه .. كان ينكر الإعتراف بهذا الحــب !!

.. إنه كان يشعر بصورة غريبة ، أنه لو أعترف بينه وبين نفسه بحبها ، فإن ذلك سوف يكون ضعفاً ، أو مقدمة للضعف ، أو بداية للضعف .. آه .. ما هذا التصرف الطفولى ! ما معنى أن يدخل فى منافسة مع نفسه ؟ أنه قوى بإستمرار وسيكون أقوى بإستمرار ، وسيكون ممتازاً .. إن هذا الشعور الذى كان يشعر به ليس له معنى .. فحتى فى حالة سعاد لا منافسة مع سعاد !

هذه ، فى حقيقة الأمر ، كما حدث بالضبط ، كانت فكرة خاطئة ، أدت إلى تمزيق العلاقة بينهما ، فالمحاولة المستمرة لإثبات أنه متفوق ، كانت سبباً مباشراً فى التباعد بينهما .. كان هذا كثيراً عليه ، فكأنه داخل فى منافسة مع نفسه ! وكم كانت التكلفة عالية .. ففى علاقته بها ، عمره ما كان مرتاحاً أو على طبيعته ، فمن هو القوى فى كل لحظة فى حياته ؟ من هو صاحب القرار الصائب دائماً فى كل عمل يدخل فيه ؟! هذا كثير .. كثير .. فقد كان حتى فى علاقته مع نفسه يطالب نفسه بأكثر مما يجب ، حتى فى علاقته بها .. ! وهذه علاقة غير صادقة ، لأنه لم يكن على حقيقته ، لم يكن على طبيعته ، لم يكن على سجيته !

ينتبه جاسم ، كأنه يسترجع شريط حياته من أيام سعاد ما كانت طفلة صغيرة عندها ثمانى سنوات وهو كان عنده ستة عشر سنة ، ولما كانت داخلة المدرسة المتوسطة وهو طالب كبير فى كلية الطب .. أيضاً طفلة !

ويوم راح المدرسة وهى طلبة فى الثانوية بسيارته السبور الحمراء ، ليحضر أخته ليلى ورآها من وراء زجاج الباص وهى تنظر مرة إلى الخارج ، ومرة إلى الداخل .. وكأنها لا تراه !

يتذكر جاسم حياته فى أمريكا ، وكيف إستقبل سعاد فى المطار عندما جاءت هناك لأول مرة وكيف كانت تنظر إليه مدهوشة منبهرة .. يتذكر جاسم أيضاً حين جاء مع سعاد إلى أمريكا وهما عروسان ، وكيف كان يسأل روحه هذا السؤال .. كيف لم أكن أرى هذا
الجمال ؟! كيف ؟! كيف ؟!

يتذكر كيف كان يدنو منها يسألها تريدين تشربى شئ يا سعاد ؟ وكانت هى لا تقوى على النظر إلى عينيه .. كانت تكتفى بهز رأسها وهى تتابع النظر إلى نيويورك من فوق فى الطابق السابع والخمسين .. فى حين كان يقترب منها يدنو أكثر وأكثر .. وقد إستثار إنفعال ممتزج بالشوق ، بالإعجاب ، بالحيرة من إزالة هذا الخجل والحرج عن سعاد التى كانت تزداد إنفعالاً وحيرة بين لحظة وأخرى !

يتذكر جاسم سعاد وهى تسير بجواره فى شارع نيويورك وهو زوج لها وأب لأولاده الثلاثة أحمد وأنوار وراكان ، تذكر كيف كان الجو بديعاً والشمس مشرقة والحياة هناك حافلة بالضجيج ، مزدحمة بالناس والسياح الذين يلتفون حول محلات الآيس كريم والذرة المنفوش والسندوتشات والمطاعم والمقاهى ، وشباب من جميع أنحاء العالم يرتدون الـ ” تى شيرت ” والجينز ، وضجيج سائقى السيارات فى نيويورك ، تلك المدينة ذات الإيقاع الصاخب المرتفع المرتفع !

يتذكر سعاد وهى تطاوعه وتوافقه على العودة إلى الكويت تاركة كل أعمالها فى أمريكا مضجية بكل نجاحها هناك من أجل أن تصحبه .. وتكون معه .. وتبقى إلى جانبه !

يتذكر سعاد وهى فى الكويت تصحب الأطفال إلى المدرسة ، تذهب بهم وتعود بهم راضية بحياتها الفاترة الباردة عندما كان مبتعداً عنها بقلبه ، بحرارته ، بإحساسه ، حين كان رافضاً لوجودها فى حياته ، متمرداً على نجاحها الذى صنعته بجهودها ، وعرقها وكفاحها من أجل أن تكون كبيرة فى عينيه ، ولائقة به .. كزوجها !

يتذكر جاسم الحب ، كل الحب ، منذ طفولة سعاد وحتى هذه اللحظة ، التى تمشى بجواره تفيض عيناها بحب عميق ، لا يخفى على قلبه ، قبل عينيه !

يتذكر جاسم كل شئ .. كل شئ ، وهى يتمشى ببطء من رأس السالمية وعن
يساره مركز سلطان وأمامه أبراج الكويت .. يتمشى جاسم بمشقة فيلتقى بالشباب الذين
يلعبون رياضة ، والذين يتمشون بخفة ونشاط على شاطئ البحر ، فيرونه ، ويحيونه ، يسلمون عليه :

– هلا جاسم .. هلا .. إيش لونك ؟ عساك بخير .

عسانى بخير ؟! يقف جاسم يطالع ساقه المصابة .. فيعود يحلق بخياله فى الملاعب حيث كان يركض ويصول ويجول أثناء المباريات .. عندما كان يشوط الكرة بقوة ، بنفس هذه الساق المصابة ، فتدخل المرمى .. تقتحم الشباك .. تحرز الأهداف .. تسجل الإنتصار !

يمشى جاسم وتمشى سعاد ، فيلمح سايرة سبور حمراء ، فيها بعض الشباب الرياضى فيتابع مشيته المتعثرة هو وسعاد ، وكل منهما هائم فى بحار ذاته ، غارق فى لجج ذكرياته !

تسمع سعاد صوت عوض الدوخى ينساب من إحدى السيارات التى إضطرت للوقوف أمام إحدى افشارات الحمراء ، كانت الأغنية التى تنساب عبر الإذاعة ، هى نفسها تلك الأغنية التى يحبها أبوها والتى كانت تسمعه دوماً يغنيها لها منذ صغرها ..

يا ليل دانا لنا

ياليل دانا .. لدانا

جميل وبالخد شامة

بس لو يرد السلام

يا ليل دانا لنا

يا ليل دانا لدانا

تضعف سعاد ، تنساب دموعها ، تنهار باكية .. تعجز عن متابعة سيرها تستند بظهرها إلى الحاجز الأسمنتى الرمادى ، وهى تبكى ، وتبكى ، وتبكى ، يدنو منها جاسم ، يكلمها فى حنان وحب وهو يقول لها :

– إلى متى البكاء يا سعاد ؟! يا سعاد هذا قدرنا .. يا سعاد لابد نتقبل الواقع بدون ما نفقد الأمل .. وإذا كانت هذه إرادة الله .. لابد أن يكون عندنا أمل .. وإذا كانت إرادة الله إننا ما نشوفهم ثانى يبقى حياتنا .. لابد أن نتقبل قدرنا .. أنت ما بتشعرينى يا سعاد إنك تبكين أبوك .. إنت تبكين الأمان .. تبكين الاطمئنان اللى كان يمثله أبوك .. 

يتابع جاسم كلامه مع سعاد ، وهو يشعر أنه يتحدث بصوت قلبه ، لا .. بل بكل
قلبه ، وهو يؤكد لها صادقاً مخلصاً ، واثقاً :

– ترى سعاد أنا مو بس زوجك .. أنا أبوك .. أنا أخوك .. أنا كل أهلك .. أنا عمرة ما قدرت أعبر لك عن مشاعرى يا سعاد .. يجوز لأنهم ما علمونا إننا نعبر عن مشاعرنا .. لكن إذا ما كنت قدرت أعبر لك من قبل عن شعورى ناحيتك فخلينى الحين أعبر لك واقول لك أنك إنت حياتى .. وأنا من أول يوم وأنا بأحبك .. بأحبك .. بأحبك يا سعاد .

تبقى سعاد منهارة من البكاء وهى ما تزال ترتكز على الحاجز الأسمنتى ، وجاسم واقف إلى جوارها يستند عليها ، يضع يده على كتفها وهو يقول لها ، متابعاً حديثه النابع من القلب ، بعد أن أدرك أنه يحبها ، وهى أثبتت له بالفعل أنها تحبه :

– أنا كنت غلطان يا سعاد .. كنت غلطان لأنى بأحبك .. وما كنت أريد أعترف لنفسى إنى بأحبك .. أنا صدق كنت غلطانى لأنى سمحت لنفسى أن تضيع كل هذه
السنين بدون ما أصارحك وأعبر لك عن حبى وأقولك باحبك .. باحبك .. طبعاً يا سعاد أنا ما كنت متعود أعبر لك عن مشاعرى ، بس الحين أنا بأحاول أعبر لك ولو عن .. شئ من مشاعرى !

تسمع سعاد هذه المفاجأة فتنساب دموعها فى هدوء ، دموع الفرح ، فهذه المشاعر صادقة ، هى فعلاً تحسها ، فإذا كان فى دماغها شئ هى طول عمرها تتمناه من قلبها ، إنها تعرف إن جاسم بيحبها ، وإنه يعرف إلى أى مدى هى تحبه .. ! كل ما كانت تتمناه طول عمرها هو ما عبر عنه جاسم الحين .. بعد هذه السنوات من الزواج .. بعد ثلاثة أطفال !!

تسمع سعاد هذا الكلام الآن .. تسمع هذا الإعتراف الآن .. لكن ، العجيب أن جاسم لفت نظرها إلى شئ مهم جداً ، إن جاسم بطل كرة القدم ، كابتن منتخب الكويت الوطنى ، الطبيب الجراح المشهور ، بطل المقاومة الوطنية ، بطل المقاومة الوطنية ، قدر أن يعبر عن مشاعره ، فى حين أنها هى حتى هذه اللحظة لم تقدر أن تعبر عن مشاعرها ؟!

تكتشف سعاد إنها عمرها ما قالت لجاسم أحبك ! عمرها ما قالت لجاسم إنه هو
حياتها ! مع إنها من يوم ما شعرت بنفسها ، وجاسم فى عينيها ، فى قلبها ، فى وجدانها ، فى
روحها ، فهو حبيب قلبها .. إحتمال إنها شافت صورة وجه جاسم قبل أن ترى وجهها ، إحتمال إن قلبها خفق بحب جاسم ، قبل أن يخفق لها .. إحتمال .. إحتمال .. !

تدرك سعاد إنها تحب جاسم قبل أن تدرك وجودها ، الفكرة التى كانت مسيطرة عليها أنها تدرس إنجليزى عشان جاسم ، أنها تتعلم فى الجامعة عشان جاسم ، أنها تعمل وتنجح فى العمل عشان جاسم ، وإنها تحمل وتلد ولتكون أماً .. لأطفال جاسم ، إنها تطبخ وتتقن
الطهى ليكون أكلها مستساغاً لجاسم ، كل هذا دون أن تصرح أو تبوح بشئ من تلك المشاعر لجاسم !

.. كل هذا دون أن تعرف كيف تسوغ تلك الأحاسيس فى كلمات يسمعها جاسم ! .. إكتفت إنها وضعت مشاعرها فى أعمالها ، وإعتقدت إنها بذلك تعبر عنها ، إكتفت بذلك ، دون أن تنطقها فى كلمات !!

تلتفت سعاد مبتسمة إلى جاسم ، تقول له فى هدوء :

– أنت ما كنت وحدك يا جاسم اللى غلطان .. لأنى عمرى ما عبرت لك عن مشاعرى .. وعمرى ما قلت لك إنى بأحبك .. عمرى ما وضحت لك إنك إنت حياتى وروحى .. وبعد روحى .. وبعد عمرى .. أنا مثلك يا جاسم ما ثدرت أعبر لك عن مشاعرى .. يجوز مثل كل عائلتنا ، مثل كل ديرتنا ، ما حد علمنا إننا نكشف مشاعرنا أو نعبر عن أحاسيسنا ..

بس .. أنا الحين أريد قولك .. إذا ما كنت عرفت كيف أعبر لك عن مشاعرى .. فأنت الحين خليتنى اقدر أعبر واقدر أبوح واقولك .. بأحبك .. بأحبك يا جاسم .. بأحبك ..

وهذا .. شئ من مشاعرى

تمت بعون الله

شئ من مشاعرى

  • قصة المشاعر الإنسانية الملتهبة .. !
  • قصة صراع النفس الإنسانية فى ضعفها وقوتها ، فى حنّوها وقسوتها ، فى يأسها وشجاعتها .. !
  • قصة تدور أحداثها فى خمس مدن ، وأربع قارات .. !
  • قصة تحرك أحداثها عواطف الحب والحقد والتحدى .. !
  • قصة تصنع أحداثها قوى المقت والبغض والتردى .. !
  • قصة تشتعل فيها القلوب .. والمدن .. !
  • قصة كل جزء فيها واقعى ، هى فى الحقيقة عبارة عن أجزاء من الواقع ، كما حدثت فعلاً ، قامت كريمة شاهين بتجميعها وربطها فى رائعتها .. شئ من مشاعرى .. التى تهديها بكل الحب إلى .. الكويت .


 

شئ من مشاعرى

  • قصة يحتدم فيها الصراع بين الحياة والموت ، وبين قوى الخير والشر !
  • قصة حياة تمزق أحداثها البشر ، فتحيلهم ضحايا تنهشهم أنياب الغدر والظلم والعدوان !
  • قصة النفس الإنسانية فى صراعها مع نفسها ، وصراعها مع الأحداث التى تتحكم فى تسيير مصيرها .. !

حقيقة الأمر ، مرة أخرى ، وهل يمكن أن نقول مرة أخرى .. تبين كريمة شاهين قدرتها على النظر إلى أعماق النفس البشرية .. !

.. مرة أخرى ، تثير فينا كريمة شاهين الإحساس بالسعادة والألم ، بالفرح
والحزن ، بالطموح والإحباط .. !


شئ من مشاعرى

  • قصة لم تحدث فى الواقع بالشكل الذى جاءت به ، لكن .. كل جزء فيها حدث فعلاً كما جاء !
  • قصة توضح لحظات الضعف الإنسانى حين تكشف كيف تتحكم الأحداث فى صياغة العواطف ، وتوجيه المشاعر ، حينما يجد الإنسان نفسه أمام قوى لا قبل له بها .. !
  • قصة تصور صراع النفس الداخلى ، وتحكى كيف يتحكم الحقد فى الحب .. وكيف تفّجر الأحداث .. الإحساس !

طبعاً ، لا داعى للإشارة إلى أن الأسماء التى وردت أسماءُ غير حقيقية ، لكن ، الوقائع التى تشير إليها القصة ، هى وقائع حقيقية .. حقيقية ، وإن كانت الأماكن التى تشير إليها القصة ، ليست لها علاقة بالقصة ، سوى علاقة المساعدة فى البناء الدرامى .


شئ من مشاعرى

مسلسل                                         العنوان

الفصل الأول                                           فى المدرسة ..

الفصل الثانى                                           أنين الحب !

الفصل الثالث                                           .. عاشق الشوق !

الفصل الرابع                                            صدى الصمت !

الفصل الخامس                                         حنان البحر .

الفصل السادس                                         بريق العشق .

الفصل السابع                                          حريق الذكريات !

الفصل الثامن                                           ليلة ساهمة .. !

الفصل التاسع                                          ومض الزمن !

الفصل العاشر                                          بسمة .. حائرة !

الفصل الحادى عشر                                    بعد .. البعاد !

الفصل الثانى عشر                                     وداع و .. عناد !      

الفصل الثالث عشر                                     حنين .. ورحيل !

الفصل الرابع عشر                                      أنوار العيد .

الفصل الخامس عشر                                   .. هول المفاجأة !

الفصل السادس عشر                                   الصدمة الصاعقة !

الفصل السابع عشر                                    اللحظة الحرجة !

الفصل الثامن عشر                                     البشع المشوه !

الفصل التاسع عشر                                    ليالى العذاب !

الفصل العشرون                                        الديسكو السفلى .. !

الفصل الحادى والعشرون                               الحفيد ابن الشهيد .

الفصل الثانى والعشرون                                الباطل الواضح .

الفصل الثالث والعشرون                                برحمتك أستغيث .

الفصل الرابع والعشرون                                 مصرع .. الجمال !

الفصل الخامس والعشرون                              وقفة خاصة !

الفصل السادس والعشرون                              الحبيب الجريح .

الفصل السابع والعشرون                               كواكب التحرير .

الفصل الثامن والعشرون                                أشباع العذاب !

الفصل التاسع والعشرون                               دموع القمر !

الفصل الثلاثون                                         شئ من مشاعرى

 

 

!حتى لا نحشر مع قارون وفرعون و

!حتى لا نحشر مع قارون وفرعون و

       الصلاة سواء كانت في الليل أو النهار, تعتبر بمثابة جسر متين يعبره العيد يتجه اتجاهاً مباشراً نحو ربه… فيتصل به إتصالاً وثيقاً خاصة وهو ساجد, فيصبح حينئذ أقرب ما يكون إلى ربه تبارك وتعالى.

       عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله علي وسلم صلاة الظهر أو العصر فقال: (أبكم قرأ خلفي سبح اسم ربك الأعلى) فقال رجل : أنا ولم أرد بها إلا الخير, فقال (قد علمت أن بعضكم خالجينها, أي نازعينها وهذا الكلام يعنى الإنكار على ذلك الرجل في جهره, أي رفع صوته بحيث أسمع غيره, لذا, علينا أن نحذر من رفع الصوت بقراءة أو تسبيح أو دعاء أثناء الصلاة, حتى لا تشوش على غيرنا من المصلين, روى المصلين! (كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) كما روى أيضاً: (أربع فرضهن الله في الإسلام فمن أتي بثلاث لم يغنين عنه شيئاً حتى يأتي بهن جميعاً ( الصلاة والزكاة والصيام والحج لمن استطاع إليه سبيلاً) قال تعالى : (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة وأتبعوا الشهوات فسوف يلقين غياً) والغي هو واد في جهنم والعياذ بالله ومن أضاع الصلاة هم الذين أخروها عن وقتها .. فما بالنا إذن بمن لا يصلى؟! يقول صلى الله عليه وسلم: (من حافظ على الصلاة كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة, ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نور ولا برهان ولا نجاة, وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف ولماذا نحضر مع هؤلاء بالذات؟!

       لأنه إذا أنشغل عن الصلاة فكان بالتالي أشبه بقارون فيحشر معه أو بملكه أشبه به فيحشر معه أو بوزارته أشبه بهامان فيحشر معه أو بتجارته أشبه بأبي خلف تاجر كفار مكة فيحشر معه, نعوذ بالله من التشبه أو الجمع معهم, وجعلنا من أولئك المؤمنين الذين يحافظون على صلاتهم ويقيمونها في وقتها قال بعض العارفين: من حافظ على الصلاة أكرمه الله بخمس خصال, يرفع عنه ضيق العيش وعذاب القبر, ويعطيه الله كتابه بيمينه, ويمر على الصراط كالبرق وبدخل الجنة بغير حساب.

      

كلمات من نور

(  أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة : 5]