مصريون في كوريا الجنوبية.. بين مطرقة السجون وعنصرية اللجوء

لاجئون مصريون في كوريا (مصدر الصورة عبد الرحمن زيد)
عدد اللاجئين المصريين بكوريا الجنوبية الذين يستحقون اللجوء لاحتمال التعرض لخطر حال عودتهم لمصر، يصل إلى 180 شخصا (الجزيرة)

قبل نحو 4 سنوات، خاضت الشابة المصرية زينب تجربة اللجوء إلى كوريا الجنوبية، وقاست خلالها ألوانا من المعاناة، بعد أن دفعتها ظروف الاعتقال في مصر إلى البحث عن وطن بديل.

تجربة زينب واحدة من بين عشرات التجارب المصرية المريرة في طلب اللجوء السياسي لكوريا الجنوبية، والتي تعدّ قبلة للذين لاحقتهم أحكام قضائية ومتابعات أمنية.

ويصل عدد اللاجئين المصريين بكوريا الجنوبية الذين يستحقون اللجوء على أساس التعرّض للخطر حال عودتهم لمصر، إلى نحو 180 شخصا، بينهم قرابة 18 أسرة، لم يحصل منهم سوى 13 شخصا على حق اللجوء على أساس سياسي، وفق حقوقيين.

وتحدث لاجئون وطالبو لجوء مصريون للجزيرة نت عن رحلتهم القاسية من القاهرة إلى سول، كما عانى ذوو بعضهم من مضايقات أمنية في مصر، لكن لم يتسن الحصول على تعقيب من القاهرة أو سول بشأن هذه الشهادات.

تهديدات وعنصرية

تروي زينب عبد الغني في شهادتها أنها وصلت سول أوائل 2017 -بعد صدور حكم قضائي "أولي" عليها في مصر بتهمة الانضمام لجماعة محظورة- للعيش مع زوجها اللاجئ هناك بعد فراره هو الآخر إثر ملاحقته أمنيا على ذمة قضية سياسية عام 2014.

بمجرد وصولها، مُنعت زينب من مغادرة المطار، كما تعرّض زوجها للتهديد بالترحيل الإجباري، رغم تقديمهما ما يثبت موقفهما القانوني ومخاوف تكرار تجربة اعتقالهما.

عانت زينب نفسيا وجسديا على مدى 10 أيام داخل أروقة التحقيق، من تهديد بالترحيل والعنصرية، فضلا عن تكذيب روايتها، وبعد انقضاء مدة التحقيق، وافقت السلطات على دخولها البلاد في مارس/آذار 2017، لتبدأ حياة جديدة مع زوجها، عاشا خلالها أياما صعبة.

قالت إن زوجها كان يعمل يوميا، وأحيانا يجلس في المنزل أسابيع متواصلة، وحين رزقا بطفل تعرّض الزوج لحادث عمل جلس على إثره في المستشفى الذي زوَّر تقريرا طبيا لصالح شركة العمل، بينما رفضت الشركة منحه مستحقاته المالية، لتعيش الأسرة أياما أخرى قاسية. ولاحقا، تعرّض زوج زينب لتهديدات على حسابه في موقع فيسبوك بالقتل، على خلفية دعمه مظاهرات طالبي لجوء مصريين في سول.

زينب عبد الغني وزوجها أنس العسال وطفلهما (لاجئان مصريان في كوريا (مصدر الصورة زينب عبد الغني)
زينب عبد الغني تعيش حياة صعبة في سول وقد تعرّض زوجها للتهديد بالترحيل الإجباري (الجزيرة)

أرض الأوهام

لم يختلف وضع الناشط عبد الرحمن زيد كثيرا، فقد وصف في شهادته كوريا الجنوبية بأنها "أرض الأوهام لا الأحلام".

راود الاستقرار والوطن البديل أحلام زيد بمجرد وصوله سول في أبريل/نيسان 2016، والتي وصلها بعد ترحال بين عدة دول آسيوية، وذلك عقب خروجه من مصر مطاردا على خلفية نشاطه الثوري عام 2012، لكن ما لمسه في سول كان صادما.

فخلال فترة طلب اللجوء، رأى الناشط المصري في كوريا الجنوبية "دولة تعاني مشاكل اجتماعية، وتمييزا عنصريا رسميا وشعبيا ضد الأجانب".

لم يسلم من الإهانات خلال التحقيق من قبل موظفي مكتب شؤون اللاجئين، الذين لم يتركوا كبيرة ولا صغيرة دون التطرق إليها.

ورغم تقديم الأدلة التي تدعم موقفه بتعرضه لانتهاكات سياسية وأمنية في بلاده، فإن جهات التحقيق رفضت طلبه أكثر من مرة، مبررة أن ظروفه لا ينطبق عليها تعريف اللاجئ.

كما فوجئ الناشط السياسي المصري بما أسماه تواطؤ منظمة حقوقية كورية ومحام وكلته الأخيرة للدفاع عنه مع جهات التحقيق التي أخفت هي الأخرى أدلة قضيته أكثر من مرة، مما دفعه للدخول في إضراب مفتوح أمام مكتب الرئاسة الكورية.

وقال زيد إنه التقى ضابطا في جهاز المخابرات الكورية، حاول إثناءه عن مساعيه بكل الطرق، مشيرا إلى دعوته أيضا "بطريقة غير مباشرة للتعاون مع السلطات الكورية، ومدها بمعلومات عن جماعة الإخوان المسلمين -التي لا ينتمي إليها- ومنتسبيها في كوريا الجنوبية".

لكنه أكد رفضه كل هذه المحاولات، ليبدأ إضرابا جديدا وسط متابعة إعلامية محلية لقضيته، ليواجه -حسبما أكد- سلسلة وقفات نظمتها "تيارات عنصرية" طالبت بترحيله ورفاقه.

وبعد فترة من الإضراب وصل صوته إلى الرئاسة الكورية، حيث التقى سكرتير الرئيس الذي دعاه للتوقف عن الاحتجاج والاستمرار في المسار القانوني، غير أن زيد عاد مجددا لإضرابه مع "تعنت" المسؤول الكوري الكبير.

وبعد أيام تواصلت معه ومع آخرين، رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان في كوريا، وبعد تعهدات بالدعم أنهى الإضراب وانصرف اللاجئون.

وبعد شهرين، قوبل طعنه بالرفض مرة أخرى من قبل وزارة العدل الكورية، بعد أن اشتملت أسئلة إحدى لجانها لفحص طعون اللاجئين على "استفزازات متكررة"، بالتزامن مع إيقاف تجديد إقامته المؤقتة وإقامات آخرين داعمين له.

 

تنسيق أمني

أشار زيد إلى دلائل أكدت وجود "تعاون وتنسيق أمني بين مصر وكوريا الجنوبية ضد طالبي اللجوء المصريين". وفي مطلع 2019، انتهى الحال بزيد إلى الرحيل عن كوريا الجنوبية نهائيا، بعد 3 سنوات من صراع طلب اللجوء.

بدوره، أكد الناشط السياسي والحقوقي عبد الرحمن عاطف، وجود تنسيق أمني لتعقب اللاجئين المصريين في كوريا الجنوبية، مجددا اتهام السلطات المحلية بالتضييق الأمني والتنسيق مع نظيرتها المصرية التي لاحقت عددا من أهالي المتقدمين بطلب اللجوء.

عاطف -وهو أحد طالبي اللجوء في كوريا الجنوبية- أكد أن غالبية اللاجئين يتم احتجازهم بمجرد وصولهم المطار لمدة تتراوح بين 8 و15 يوما، للتحقيق في صحة أقوالهم، مقدرا عدد طالبي اللجوء السياسيين المصريين هناك بأنه لا يتعدى 180 فردا حاليا.

يتفاجأ أغلبية طالبي اللجوء -ومن بينهم عاطف- بأسباب رفض غير قانونية، بينها: "خروج متقدم الطلب من مصر بجواز سفر صالح، مما يعني أنه ليست لديه مشاكل مع النظام المصري على عكس الواقع تماما".

وأوضح أن "هذا الشرط وُضع لأشخاص حُكم عليهم بالإعدام أو المؤبد، في خطوة غير إنسانية أو قانونية"، مشيرا إلى تعمد السلطات تغيير أقوال البعض أو إخفاء مستنداتهم.

كما اتهم السلطات باستغلال طالبي اللجوء كعمالة رخيصة في أماكن العمل الشاقة، فضلا عن استفادتها منهم عبر فرض ضرائب ومبالغ مالية تدفع لتجديد الإقامة وعقود العمل.

عمل عاطف محاميا وناشطا، مثل عقبة كبيرة له في سول وضعته في مقدمة الإقامات المؤقتة الموقوفة، في محاولة لإجباره على مغادرة البلاد، قبل منحه إياها لاحقا.

وأمله لم ينقطع، حيث أسفرت الاعتصامات التي نظمها ورفاقه في انفراجة بسيطة تمثلت في تجديد إقاماتهم كل 6 أشهر بدلا من 3، بمقابل مادي.

تقدم عاطف بطعن على أسباب الرفض، لينتظر منذ قرابة عامين الرد عليه، مشيرا إلى أن من الصعب الرفض، لما أرفقه من عشرات المستندات المرئية والورقية في ملفه.

اضراب طالبي لجوء اغمصريين اغسطس ٢٠١٨ (مصدر الصورة عبد الرحمن غيث
غالبية اللاجئين يتم احتجازهم بمجرد وصولهم المطار لمدة تتراوح بين 8 و15 يوما للتحقيق في أقوالهم (الجزيرة)

مطالب حقوقية

من جانبه، انتقد الباحث الحقوقي أحمد العطار تعامل السلطات الكورية مع قضية اللاجئين، مشيرا إلى رصد وتوثيق انتهاكات ضد طالبي اللجوء منذ اللحظة الأولى لوصولهم سول.

وطالب العطار السلطات بالعمل على تسهيل وتيسير إجراءات منح حق اللجوء، والعمل على سرعة دراسة الملفات وعدم وضع العراقيل أمامها، كما نصح طالبي اللجوء من المعارضين السياسيين بالعمل على تقديم كافة الإثباتات الدالة على تعرضهم للانتهاكات في مصر، وعدم مخالفة قانون الهجرة الكوري، واتباع كافة السبل القانونية للحصول على حقهم في اللجوء.

المصدر : الجزيرة