نحو تأصيل لعلم نفس أمني

نحو تأصيل لعلم نفس أمني
ملخص:
لقد تناول البحث في ثناياه محاولة من قبل الباحث للتأصيل لفرع جديد من علم النفس يخدم الجانب الأمني على غرار علم النفس العسكري.
وقد هدف البحث إلى إرساء قواعد وأسس لبناء فرع جديد من فروع علم النفس التطبيقي، الذي يخدم مباشرة الفرد والمجتمع والمؤسسة الأمنية ويوفر غطاءً مناسباً للحياة الأمنية على جميع الأصعدة والمجالات.
وقد تبين من خلال البحث أن وجود علم نفس أمني قد كان من الأهمية لدرجة أنه أصبح حاجة ملحة لتغطي مختلف الأنشطة الأمنية عبر علوم النفس التي برزت الحاجة إليها من خلال الأهمية القصوى لهذا العلم لكونه يدخل في حياة الفرد والمجتمع والمؤسسة بشكل متلاصق ومتواصل.
وقد ظهر ضرورة متابعة البحث في هذا المجال ومواصلته باعتبار أنه محاولة بسيطة من قبل الباحث لتضع المتخصصين على بداية الطريق لهذا العلم الذي بالتأكيد سوف يخدم مجالا واقعيا وعلميا في علم النفس.

For founding of the security psychological science

Abstract:
Through this research, the researcher tried to establish new branch of psychology that could serve the security side similar to the military psychology.
The goal of this research is to settling the bases of a new branch of the applied psychology that could be employed in the service of the individuals, society and security institution and save suitable cover for the security life on all the fields and levels.
It was ascertained that the existence of security psychology science have great importance whereas it becomes a deed need to cover different security activities through the psychology science , the need for such science manifested because of its interrelation in the life of the individuals, society and security institution in a cohesive and continuous mode.
The research illustrated the importance in continuing the research in this field as it is considered as a simple trial from the researcher to lay the bases for the specialists in this field and pave the way for further researches that certainly could serve a scientific and practical field in the psychology.
خلفية البحث
مقدمة:
انه لأمرُ طبيعي يمليه الواقع الفطري والغريزي لأي كائن عضوي، أو أي منظومة اجتماعية تمثل هذا الكائن، سواء على المستوى الذاتي أو الاجتماعي، أو على مستوى العلاقات بين الدول وبعضها البعض، أن يبحث عن مصادر قوة وحماية داخلية وخارجية تحمية من الأخطار التي قد يتعرض لها. (عباس،2000: 6)
والتي من أبرز هذه الأخطار والمشاكل المهددة ” للوجود الإنساني، فقدان الأمن اللازم للإنسان، والذي يعايشة الإنسان في جميع مراحل حياته من الطفولة حتى الشيخوخة، وهذا الفقدان لا يعبر في كثير من الأحيان عن أي مستوي مرضي، بقدر ما يعبر عن كل تقدم يحرزه الإنسان ويشكل تهديدا وخطرا عليه، وعلي البشرية”. (البلبيسي،2002: 25)
وذلك باعتبار أن الأمن هو جوهر الحياة, ولا تستقيم الحياة في ظل غياب الأمن, لأن الأمن مفهوم واسع يستوعب في نطاقه معانٍ كثيرة ومتعددة، ولا يمكن أن ينحصر في مجرد التحرر من التهديد العسكري الخارجي، كما لا يمكن تحديد مفهومه فقط بسلامة الوطن وأراضيه وسيادته، وإنما يمتد إلى آفاق أوسع تشمل، معاني الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي الخ، حيث أن الأمن يرتبط بعلاقة ديناميكية جدلية بالاستقرار الداخلي والعدواني الخارجي. (عباس، 2006: 6)
ومن هذه العلاقة الديناميكية أن تطور الحياة وتعقدها، قد زاد من الحاجة للأمن، وزاد من الحاجة للعلوم النفسية، لما يوجد من ارتباط وعلاقة بين هذا العلم والحياة الأمنية، ونظرا لما للنفس البشرية من علاقات وطيدة مع الحاجات التي تمس جوهر وجودها، والتي تقف على رأسها الحاجات الأمنية والنفسية، حيث يمثل كلاهما خطا متلازما لوجود الإنسان. مما يؤكد مدى الالتصاق التام بين علم الأمن وعلم النفس، ومكانة وأهمية علم النفس للحياة الأمنية والعكس.
وهذا يؤكد بأن البحث في العلاقة بين الدراسات النفسية والأمنية ليس تهميشا للدراسات النفسية، بل أنها تتيح لهذه الدراسات التعرف على أهمية هذا الفرع من العلوم الإنسانية، وتسمح بفضاء أوسع لاختيار أحسن طرق مناهج البحث العلمي لدراسة لظاهرة. حيث تعتبر دراسة التراث الأمني من منظور نفسي هي بمثابة دراسة لمدى الإسهام الحقيقي الذي قامت به مدارس علم النفس في الحياة الأمنية، ومدى الانسجام بين عنصريها، مما يساعده في توليف فرعاً من فروع علم النفس يمكن توظيفه لمصلحة كلاهما، ويقدم للعلوم الإنسانية الأخرى يد العون والمساعدة, مما يجعل هذا الفرع من علم النفس ليس علماً منفصلاً أو متقوقعاً في مجال معين، بل نافعاً لجميع العلوم الأخرى.
وقد بدأ اهتمام الباحث بالموضوع بإدراكه أن علم النفس يغيب عن اغلب مجالات المجال الأمني، مما يتطلب عملاً يغطي ذلك، بالتوفيق بين هذين العلمين، ودمجهما في مجال يجمع بين كلاهما.
ومما شجع الباحث على القيام بهذا البحث -رغم إدراكه لصعوبة تناول مثل هذا النوع من البحوث التأصيلية- الحديث المتزايد عنه، وارتفاع الأصوات المشجعة لوجود علم تخصصي يتناولهما.
كما شجعه على المضي في هذا العمل، أنه قد يفتح قناة للحوار بين المهتمين بالعمل الأمني، والعاملين في الحقل النفسي، ليكونوا طرفا واحدا في هذا المشروع لرسم معالم جديدة لهذه العلاقة.
ومما شجعه كذلك أن هذا العمل قد يعمل على ردم الهوة الموجودة بين النظرية والتطبيق في مجال الدراسات النفسية والأمنية، والتي أوجدت غربه بين علم النفس والأمن، وولدت ضعف تجاوب مع الممارسة النفسية، لكون علم النفس في مخيلة البعض كلام نظري لا يتفاعل مع المشاكل الواقعية.
وهذا كله أكد للباحث الحاجة للتأصيل لهذه العلاقة الثنائية المميزة بفرع جديد من فروع علم النفس، يتناول هذا الارتباط بشكل علمي وموضوعي، ويدرس الظواهر التي تندرج تحته، ويكون فرعا مستقلا يدمج بين علوم النفس الحديثة, وبين العلوم الأمنية, فينشئ تأصيلاً يضمن له الاستقلالية.
ويعتبر الباحث أن هذا البحث مجرد مساهمة بسيطة في رسم ملامح العلاقة بين علم الأمن وعلم النفس، وان عملية التأصيل هذه بمثابة دراسة نظرية تهدف إلى وضع قواعد وخطوط عريضة قد تشكل محاولة جادة وجديدة لإنشاء فرعًا تطبيقياً من فروع علم النفس، نظرياً من حيث المنهجية، وعملياً من حيث الممارسة. وهو علم النفس الأمني، الذي يأمل الباحث أن يتم خروجه قريباً لحيز الوجود والواقع. ولهذا يعتبر الباحث أن هذا العمل لا يكتمل إلا بعمل الباحثين اللاحقين، التي تتناول أبحاثهم الظواهر الأمنية من منظار نفسي، أسوة بباقي فروع علم النفس الأخرى، التي يعتبر هذا الفرع أكثر إلحاحا وحاجة للتأصيل منها.
دواعي البحث في هذا الموضوع (مشكلة البحث): هذا البحث الذي يعتبر محاولة للتأصيل لعلم نفس أمني، يقوم على أسس، وقواعد علم النفس الحديث، ونظرياته، وهي محاولة يكمن وراءها العديد من الأسباب المدفوعة بالغيرة الشديدة والحرص على النهوض بالعملية العلمية، كما تمثل في جوهرها استجابة للمتطلبات النفسية والأمنية، لما لهذين العلمين من مكانة هامة في الواقع العملي.
مما جعل الحاجة ماسة وملحة لوجود مشروع لتأصيل علم نفس أمني، ليس فقط لتأكيد وترسيخ الأهمية لهذين العلمين فقط، بل ولسد الفراغ الذي يملأ الساحة العلمية بعدم وجود علم تخصصي يبحث الجوانب المشتركة بين هذين العلمين.
وعليه فقد صاغ الباحث مشكلة البحث في التساؤل الرئيس التالي:
ما مبررات التأصيل لعلم النفس الأمني؟ وينبثق عنه التساؤلات التالية:
ما العلاقة بين علم النفس، والعمل الأمني؟
ما مبررات القيام بعملية تأصيل لعلم نفس أمني، وأهميته؟
ما العلاقة بين علم النفس، والأمن الشخصي، والأمن المجتمعي، والأمن المهني؟
ما أهم المجالات المقترحة لفرع علم النفس الأمني بشكل عام، وفي المؤسسة الأمنية؟
ما العلاقة بين علم النفس الأمني، والمهارات والمقاييس النفسية في العمل الأمني؟
أهداف البحث:
التعرف على العلاقة بين علم النفس، والعمل الأمني.
التعرف على مبررات القيام بعملية تأصيل لعلم نفس أمني، وأهميته.
التعرف على العلاقة بين علم النفس، والأمن الشخصي، والأمن المجتمعي، والأمن المهني.
التعرف على أهم المجالات المقترحة لفرع علم النفس الأمني بشكل عام، وفي العمل المهني.
التعرف على العلاقة بين علم النفس الأمني، والمهارات والمقاييس النفسية في العمل الأمني.
أهمية البحث:
– تكمن أهمية البحث باعتباره يلبي حاجة مجتمعية تتطلب وجود فرع جديد من أفرع علم النفس التطبيقي باسم علم النفس الأمني، من حيث أهميته للفرد وللمجتمع، وللمؤسسة الأمنية.
– وقد تستفيد منه القيادة السياسية والأمنية والعسكرية في المجتمع من خلال التعرف على مفهوم الأمن من منظور نفسي .
– كما قد يستفيد منه الأكاديميون في دراستهم وأبحاثهم في المستقبل، المتعلقة بجوانب الأمن وعلم النفس.
– كما قد يثري هذا البحث المكتبة العربية من خلال التعرف على أهم جوانب العمل الأمني، وتفاعله مع علم النفس.
– كما قد يشكل هذا البحث رؤية علمية جديدة قد تشجع الباحثين على تناول موضوع الأمن بشكل يقدم ثقافة عامة في متناول القارئ.
مصطلحات البحث:
التأصيل لغةً: الأصل: أسفل كل شيء، وجمعه أصولاً ولا يكسر، وأصل الشيء: صار ذا أصل، واصل الشيء: قتله علماً، فعرف أصله، ورجل أصيل: له أصل. (ابن منظور،1119:م1-89)
التأصيل اصطلاحاً: أصل: أصالة، أصله: جعله ذا أصل. أصل جمع أصول أسفل الشيء، تأصل: صار ذا أصل، الأصول: هي القوانين والقواعد التي يبنى عليها العلم.(البستاني، 1986: 12)
علم لغةً: علم: من صفات الله، العلم نقيض الجهل، علم علماً، وعلم هو نفسه، ورجل عالم وعليم من قوم علماء فيهما جميعاً. وعلمت الشيء أعلمته علماً عرفته. (ابن منظور، 1119:م4-3083)
النفس لغةً: النفس يجرى على ضربين، احدهما قولك خرجت نفس فلان أي روحه، والآخر: معنى التنفس فيه معنى جملة الشيء وحقيقته. وتجمع أنفس. (ابن منظور، 1119:م5-4500)
النفس اصطلاحاً:” النفس هي مخلوق له كيانه الخاص وصفاته ومميزاته”.. وهي كلمة تدل على الإنسان، وهو مركب من روح وجسد”. (الشريف، 1987: 37)
علم النفس اصطلاحاً: هو ذلك العلم الذي يبحث السلوك ويدرس الخبرة، ويقصد بالسلوك هنا السلوك الظاهر، ويقصد بالخبرة النشاط الذاتي الذي لا يشعر به إلا الفرد لذاته.(عسكر،1991: 1)
الأمن لغةً: الأمان، والأمانة بمعنىً قد أمِنتُ فأنا أمِنٌ, وآمنت غيري من الأمن والأمان. والأمن: ضد الخوف. والأمانة ضد الخيانة. والإيمان: ضد الكفر. (ابن منظور، 1119:م3-2052)
أمن الأمانُ،أمِن: من باب فهم وسَلم وأماناً، وأمَنة بفتحتين فهو آمِن، وآمَنه غيره من الآمن والأَمَان والأيمان: التصديق والله تعالى المؤمن لأنه آمنَ عباده من أن يظلمهم. (الرازي،ب-ت: 26)
الأمن اصطلاحاً: يعرف الأمن البعض بأنه ” يقصد به كل ما يطمئن الفرد على نفسه وماله”. (عجلان، ب-ت: 135)
ويعرفه آخرون بأنه “الأمن ضد الخوف، لقولة تعالى ” أأمنتم من في السماء ” أي هل أمنتم عقاب الله إن أنتم عصيتموه”. (السلمان, 1981: 346)
وقيل بأنه “مفهوم يشير لمجتمع شعر أفراده بحاجاتهم إلى الأمن فقاموا بإجراء استعادوا به أمنهم”. (نافع، محمد:1992: 30)
وهو مصطلح “يشتمل إجراءات الأمن الدفاعية التي يتم اتخاذها من قبل كافه القيادات والإدارات المعينة والتي تهدف حماية المعلومات من البحث العلني والسري والمنشئات من التخريب والأفراد من الأنشطة الإجراءات الايجابية التي تتحدها أجهزة الأمن”.(جامعة مؤتة،:1996: 5)
وعرفه المشاط بأنه “حالة يوجد بها الإنسان لتستثار فيها دوافعه الغريزية للدفاع أو الهرب أو العدوان، وهذه الحالة كما توجد في أفراد توجد في الجماعة”. (المشاط، 1987: 16)
وعرفه نافع بأنه “الشعور الذي يسود الفرد أو الجماعة بإشباع الدوافع العضوية والنفسية، واطمئنان الجميع بزوال ما يهددهم من مخاطر”. (نافع،عبد الكريم:1975: 29)
واعتبر قدورة “أن حاجة الإنسان الغريزية للأمن تدفعه إلى الدأب في السعي لاستكشاف البيئة المحيطة به سواء كانت بيئة مادية أو اجتماعية للتعرف عليها، والتفريق بين النافع والضار فيها، بحيث يشبع حاجته إلى الأمن”. (قدورة،1997: 12)
وأعتبر ووالتر بأن ” الدولة تكون آمنة حينما لا تضطر للتضحية بمصالحها المشروعة لتجنب الحرب”. (ووالتر،1984: 31)
التعريف الإجرائي لعلم النفس الأمني: هو”أحد فروع علم النفس التطبيقي الذي يغطي مجال النشاط الأمني، ويعالج المشكلات السلوكية والنفسية لرجل الأمن عبر برامج تدريب وإرشاد وعلاج نفسي.
منهج البحث: سيحاول الباحث الإجابة عن مشكلة البحث، وفق المنهج الوصفي التحليلي، الذي يدرس الموضوع ويفسره ويحلله في ضوء معطياته، ويقدم الحلول والتوصيات المناسبة لذلك.

المبحث الأول: علم النفس والأمن، وأهمية التأصيل لعلم النفس الأمني
أولاً: علم النفس وعلاقته بالأمن:
إن الحياة لا تقوم بدون ترابط بين عناصرها ومكوناتها، وبالتالي فان هناك علاقة وطيدة بين علوم الحياة مع بعضها البعض بشكل عام، ومع علوم النفس بشكل خاص، وهذا الترابط لم يفد هذه العلوم فقط، بل ساعدها كذلك على التطور والتقدم والاتساع والشمول في الواقع أكثر من قبل. ولكون علم النفس علما له علاقة بجميع مجالات الحياة، وبجميع العلوم النظرية والتطبيقية، فقد أصبح من الأهمية بمثابة ملح الطعام لهذه المجالات والعلوم، حيث غطي مساحه واسعة تشمل أغلب حاجات الفرد والمجتمع.
وأما جوهر العلاقة بين علم الأمن، وعلم النفس، فهي علاقة تكاملية لا تقوم على علاقة من طرف واحد، وإنما هي علاقة تفاعل -تأثير وتأثر- تعود بالنفع ليس فقط على علم الأمن، بل أيضاً على علم النفس ذاته، من خلال إتاحة الفرصة له لإجراء الكثير من البحوث والدراسات والتجارب داخل المؤسسة الأمنية، وخارجها بشكل عملي وتطبيقي، مما قد يضيف لرصيده العلمي معلومات جديدة وهامه. حيث أن من المعلوم أن أغلب فروع علم النفس قد أنشئ في الحقيقة من خلال هذه العلاقة التبادلية والتكاملية بينه وبين العلوم الأخرى. ولذا ” ليس غريبا أن نقول أن جميع المعلومات المستمدة من جميع فروع علم النفس النظرية والتطبيقية يمكن استخدامها في المجال العسكري (وغيره) ابتداء من النمو ونظرياته، والقيادة وأنماطها، والحواس ومداها، والروح المعنوية، ومؤثراتها ومؤشراتها، إلى كل موضوعات علم النفس الاجتماعي الاتجاهات والميول الشخصية وعلم النفس المرضي والأعراض والاضطرابات النفسية..الخ”. (العيسوي، 1999: 5)
وقد يتساءل البعض عن كيفية أن يشكل علم النفس الأمني, فرعاً أو قسماً جديداً من علم النفس. وأجيب بان جميع العلوم كانت دوماً في البداية كلاً متصلاً, فقديما لم يعرف حد فاصل بين علم النفس والفلسفة, ولكن مع تطور الحياة وتقدمها وتكدس العلوم, احتاج ذلك العلم أن يطرح من أحشاء الفلسفة علماً جديداً يسمى علم النفس, ومع تقدم وتكدس العلوم النفسية احتاج الواقع العلمي تولد أقسام وفروع شرعية لهذا العلم, فكان على سبيل المثال لا الحصر “علم النفس الفسيولوجي” الذي ربط الجانب الفسيولوجي “علم وظائف الأعضاء” بعلم النفس “علم دراسة السلوك” وأعتبر بأنه ” علم التطور الكبير الذي حصل لعلم النفس وانبثقت عنه فروع أخرى حاولت قدر الإمكان توظيف مبادئ وقوانين ونظريات علم النفس في المجالات العلمية الأخرى, وخصوصا تلك التي ترتبط مباشرة بالسلوك الإنساني, فظهر ما يسمى بعلم النفس الفسيولوجي”. (الخطيب، 2005: 4)
كما أنتجت العلاقة -على سبيل المثال- بين علم الجريمة وعلم النفس، فرعاً جديدا سمي (بعلم نفس الجريمة) استطاع العلماء من خلاله أن يجروا أبحاثا ودراسات في عالم الجريمة، أفادت في تطوير رؤية سيكولوجية للشخصية السيكوباتية، تم رسم بها خطوطا للتعامل والسيطرة على هذه الشخصية وبهذا استطاع علم النفس ليس فقط أن يقدم خدماته لعلم الجريمة بل أيضا ساعد نفسه على التقدم والتطور. وهذا ليس حكراً على فروع علم النفس بل هو خاصية علمية لجميع العلوم التي تقيم جسور من العلاقة بين عمليتين لتخرج بتوليفه علمية جديدة تكون بمثابة مركب لهذا العلم، تخدم المجالات التي لها علاقة بهذين العلمين. وهذا ما يحاول الباحث الوصول إليه من خلال توليد فرع جديد من علم النفس من خلال العلاقة بين علم النفس وعلم الأمن، يمكن تسمية بعلم النفس الأمني.
ثانياً: أهمية التأصيل لعلم النفس الأمني:
تنطلق أهمية التأصيل لهذا العلم من الأهمية الذي يشكله الأمن في حياة الناس، فالحاجة إلى الأمن من أهم الحاجات النفسية للأفراد والجماعات، ومن أهم الدوافع المحركة للسلوك في هذه الحياة، وكذلك من أبرز الحاجات الأساسية اللازمة للنمو والتوافق النفسي السوي لكلٍ من الفرد والجماعة.
ومن بعض هذه الأهمية لعلوم النفس أنه يمكن توظيفها في المجال الأمني، وإنتاج من خلالها فرع علم النفس الأمني -على غرار ذلك التوظيف الذي تم في المجال العسكري وأنتج فرعاً سمي بعلم النفس العسكري- حيث أن هذا الفرع من علم النفس الذي نحن بصدد التأصيل له، سوف يقدم خدمات مهمة للعمل الأمني، عن طريق تسخير علومه ونظرياته التي يمكن أن تفيد في مجال الإدارة، وأساليب التعليم والتعلم الحديث, وبرنامج التعزيز والعقاب المناسب مع الحالة النفسية، وتكوين العادات والاتجاهات, وكذلك في التوجيه والتدريب المهني، وتوظيف المقاييس والاختبارات النفسية والعقلية في المجال الأمني, ودراسة الأمراض النفسية والعقلية بين أفراد الأمن, ومتابعة المشكلات النفسية والاجتماعية لرجل الأمن، ومواجهة أساليب الحرب النفسية والدعاية, ورفع الروح المعنوية للعاملين في العمل الأمني, إلى غير ذلك من الأمور المهمة للمجال الأمني.
لأن المجال الأمني اليوم يعتبر عنواناً مهماً, ومجالاً خصباً, تولى له جميع الدول أهمية كبيرة وقصوى, وتزداد الأهمية له في الدول التي يتعرض أمنها للخطر, وتهتز المنظومة الأمنية فيها, فيغدو الفرد والمجتمع على حدٍ سواء عرضه للخوف وانعدام الأمن والأمان فيها.
ولهذا فان الأهمية للتأصيل لهذا العلم، أنه يخدم هذا المجال الأمني الهام للمجتمع، ويخدم طبيعة العمل الأمني نفسه في المؤسسة الأمنية، حيث يتعرض العاملون فيها لاضطرابات مختلفة المصادر ومتعددة المجالات، نتيجة للضغوط التي يتعرض لها رجل الأمن، كالإغراق في المركزية، وعدم استقلالية الأداء، وعدم المشاركة في اتخاذ القرار، وسرعة التطور في المجال المهني الأمني، إضافة لما يتطلبه العمل من مواجهة مباشرة مع الناس، وعدم الفهم من قبلهم لطبيعة العمل الأمني، والنظرة المحبطة للجهود المبذولة من قبل رجل الأمن في مجال هذا العمل، وغير ذلك من العوامل التي تشكل على العاملين في مجال الأمن التوتر الدائم، وتترجم بالتالي لردود أفعال إحباطية قد تشكل فيما بعد مخاطر نفسية جمة على أداء وسلوك رجل الأمن، مما يؤكد على الضرورة الملحة لوجود جانب نفسي يعمل في المجال الأمني، يتم توظيفه لتلبية هذه الحاجات والاحتياجات.
ولكون علم النفس غني بالعديد من المصادر التي تشكل منهجًا فياضًا بالمواد الثرية وبالوسائل اللازمة لتغذية التأصيل، ابتداءً من مصادر وقياس ومباحث قد يستفيد باحث علم النفس منها في إقامة دراسته على الأدلة المتفق عليها، والاستفادة من مناهج البحث العلمي في التأصيل لعلم نفس مشترك مع علوم أخرى مثل العلوم الأمنية. وذلك باعتبار أن الأساس في عملية التأصيل لأي علم، هو إيجاد وحدة ثقافية في الدراسات، تتناول مدى الحاجة إلى الربط بين الجوانب النظرية والعملية داخل أوساط علم النفس، وهذه الحاجة تدفع بالضرورة للتأصيل.
ويرى الباحث أن محاولة التأصيل لعلم النفس الأمني من الأهمية التي ترتقي دراسته والانشغال به إلى مرتبة الضرورة لأن التعقد الهائل في الحياة المعاصرة وتشابك الاحتياجات وتعددها أدى إلى هذه الضرورة. وأن رفض ذلك هو تجاهل لمكانته ودوره، وإغفال للعلاقة التي يجب أن تكون بين العلوم وهي علاقة تعود على الإنسان والحياة بالنفع.
ولذا ييسعى الباحث لأن يبرز فرع جديد من علوم النفس -أسوة بما يسمى علم النفس العسكري- يغطي به الاحتياج المهم والملح لأجهزة الأمن, على الرغم من أن المكتبة العربية بشكل عام, والأمنية بشكل خاص، تكاد تخلو من هذا العلم الذي يغطي الجانب السيكولوجي للحياة الأمنية، والذي يمكن تسميته بعلم النفس الأمني الذي نحن بصدد تأصيل له في الواقع ليصبح فرعاً مستقلاً, فإنه لابد له أن تبدأ محاوله من أجل ذلك لكي تحدث نقلة نوعية في حياة الفرد والمجتمع، والمؤسسة الأمنية على حدٍ سواء. وهذا هو الذي جعل الباحث -باعتباره متخصصاً أكاديمياً في مجال علم النفس, وخبيراً أمنياً من خلال التجربة والمهنة- لأن يكرس نفسه للعمل على التأصيل لفرعاً جديداً مستقلاً في مجال علم النفس, وفي مجال الأمن يطلق عليه (علم النفس الأمني). ويعتبر ذلك عملاً أولياً متواضعاً على الطريق, يمهد لمحاولات لاحقه للاستمرار في بلورته حتى يصل إلى المستوى اللائق به, ويلحق بركب أفرع علوم النفس الأخرى التي سبقته، ويتمكن من توفير غطاء نفسي للعمل الأمني، يخرجه من دائرة الجمود والآلية إلى لحيز الحياة الديناميكية
المبحث الثاني: علم النفس والأمن الشخصي، والشعبي، والمهني
أولاً: علم النفس والأمن الفردي (الشخصي):
إن أمن الأفراد عبارة عن ” مجموعة الإجراءات التي يتخذها المسئولون عن الأمن لضمان وعي وولاء العاملين بالمنشأة وعدم تسرب المعلومات المتداولة من خلالهم”. (درويش، ب-ت: 51)
وأما مفهوم الأمن النفسي فيعني “الطمأنينة النفسية والانفعالية، وهو حالة يكون فيها إشباع الحاجات مضموناً وغير معرّض للخطر. والأمن النفسي مركب من اطمئنان الذات والثقة بها، مع الانتماء إلى جماعة آمنة”. أي “أن الشخص الآمن هو الذي تكون حاجاته مشبعة والمقومات الأساسية لحياته غير معرضة للخطر ويكون في حالة توازن أو توافق “. (حسن، 2006: 34)
والأفراد الأمنين نفسيا “يمكنهم الإسهام مع أجهزة الأمن، في وقاية أنفسهم وغيرهم من الجريمة، وتقديم العون في الكشف عن الجريمة ومرتكبيها في حالة وقوعها، وذلك عن طريق المحافظة على أدلتها والإرشاد عن الجناة وضبطهم، ومن خلال الشجب الاجتماعي للأعمال المخلة بالقوانين والأنظمة”. (المنشاوي، 2003: 54)
ويساهم وجود علم النفس الأمني -من خلال الأمور التي سوف يتناولها- في التعرف على أهمية الأمن النفسي الشخصي، وعلى طبيعة ودور الأمن النفسي، وخطورة افتقاد الأمن النفسي، والتعرف على الأمور التي تهدد هذا الأمن النفسي، والعوامل والعناصر المهددة له، سواء عوامل داخلية، نفسية: كالتوحد مع المعتدي، وفوبيا المواجهة، والسلوك الإنسحابي، والسلوك الاستسلامي. وبيئية (ثقافية، واقتصادية واجتماعية) أو عوامل خارجية: (الحروب والنزاعات) أو انتكاسات أمنية داخلية: (تهديدات وأنماط سلوكية سلبية) إضافة إلى كيفية مواجهة انعكاسات مهددات الأمن النفسي وأسس تحصين الشخص باعتبار أن “الشخص الآمن نفسيا يشعر أن حاجاته مشبعة، وأن مطالب نموه محققة وأن المقومات الأساسية لحياته غير معرضة للخطر، وهو يكون في حالة توازن أو توافق أمني. فالحاجة للأمن من أهم الحاجات النفسية، ومن أهم دوافع السلوك في الحياة، ومن الحاجات الأساسية اللازمة للنمو النفسي السوي، والتوافق النفسي والصحة النفسية وهي محرك الفرد لتحقيق أمنه، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بغريزة المحافظة على البقاء”.(شرطة جدة، 2003: 1)
وهذا يعضد من أهمية التأصيل لعلم النفس الأمني، الذي يسعى لتوفير الوئام الذاتي الداخلي لرجل الأمن مع ذاته ومع الآخر من حوله بان يجعل استجابات انفعالية جيدة، وبالتالي فان التمتع بحالة من الاستقرار والأمن مطلب جد هام، حيث هناك من المؤثرات التي تحيط بالعمل الأمني ما يؤدي لعمل توترات داخلية تعيق صحة رجل الأمن “فافتقاد الأمن النفسي خطيرعلى الفرد والمجتمع، لكونه يتعرض لعوامل ضاغطة متنوعة، ويزداد الخطر جراء الحروب والكوارث والانهيارات في منظومة القيم والجوانب الاقتصادية والسياسية، فيخرق نظام الأمن النفسي والاجتماعي..الأمر الذي يستلزم تحديد تلك المهددات التي تخرق الأمن النفسي، والتعرف عليها، والتعامل معها بموضوعية.
وهذا يتطلب وجود علم يهتم بذلك، وهو فرع علم النفس الأمني، (تكميلاً لمبادئ الدين والأخلاق) الذي يرسم لرجل الأمن البعد الأخلاقي والنفسي، ويجعل من تفكيره وسلوكه منظومة أخلاقية، تحمل كل معاني الفداء والتضحية، والتفاني في خدمة الآخرين، على الصعيد الذاتي بنظافة القلب واليد واللسان. كما يبين معالم العلاقة بين رجل الأمن وذاته، وبين ذاته والآخرين، ويصقل نفسيته بشكل توافقي مع رغبات النفس، ومع رغبات المجتمع. ويعمل على تحرير رجل الأمن من مشاعر الطمع والجشع والأنانية والتكالب والنظر لما في أيدي الناس.
ويجعله يمتلك قوة داخلية يستطيع من خلالها ضبط نفسه وشهواته، ويقوم بإصلاحها وتوجيهها لما فيه خير الصالح العام من خلال ضبط انفعالاته وميوله. ويوظف كل طاقته الداخلية ليحرر نفسه من ذلك، ويبذر بذور الأمن النفسي الداخلي لذاته قبل أن يبرزها للآخرين. وهذا يؤدي لبناء نفسي لرجل الأمن بصورة تجعل منه نموذجا يحتذي به، ونبراسا وعلما يقتدي به.
ثانياً: علم النفس والأمن المجتمعي (الشعبي):
إن مفهوم الأمن الاجتماعي (الشعبي) هو أحد أعقد المصطلحات، والفهم الأبسط لهذا المصطلح يعني “العمل على رصد ومراقبة متغيرات الأمن الاجتماعي عبر تحري مستوى مشاعر الأمان لدى أفراد مجتمع ما. هذه المشاعر التي تتدنى إلى حدودها الدنيا في المجتمعات المتعرضة للكوارث والمهددة بها سواء كانت هذه الكوارث طبيعية أو اصطناعية واقعية أم متخيلة”. (الشربيني، ب-ت: 11)
وتحقيق الأمن الجماعي ليس بظاهرة جديدة تميز الحياة المعاصرة، بل أنها رافقت ظهور المجتمع البشري في مختلف مراحل تطوره. فالأمن الشخصي والمجتمعي ممتداً في كل المراحل التاريخية، مما يبين أن أهمية الأمن للمجتمعات لم يبدأ في العصر الحديث ولكنه قد أصبح أكثر اتساعاً وعمقاً.
وهذا قد فرض تعقيداً إضافيا لهذه الحياة، التي تتعرض لأحداث أمنية تشكل تهديدا بارزا وملموسا , مما يتطلب إطلاق مشاعر نفسيه قويه تجاه هذه المهددات من قبل جميع أفراد الشعب، بإطلاق الدفاعات النفسية المكنونة داخل النفوس لمواجه هذا التهديد المباشر علي أمن المجتمع. مما تطلب تدخلاً أكبر من العلوم، وعلى رأسها علم النفس، لحل هذه المشكلات، فيشحذ الهمم, ويولد حالة نفسية جديدة تطلق من خلالها شحنات نفسية داخلية تحمي الفرد من هذا التهديد الأمني لوجوده.
ولهذا السبب أصبحت الحاجة للرعاية النفسية المجتمعية ضرورة من ضرورات الحياة العصرية، وأصبح المجتمع بحاجة ماسة إلى العلوم النفسية كلها، بحيث يغطي كل علم منها مجال تخصصه، ويعمل على حل مشكلات الحياة اليومية المختلفة التي تواجهه، وبالتالي يسعى علم النفس الأمني، كغيرة من العلوم النفسية (باعتباره فرع من فروع علم النفس التطبيقي، وجزء لا يتجزء من هذه العلوم) إلى توفير الحماية الأمنية للمجتمع كله، من خلال توفير وتامين أجواء الأمان والاستقرار والسكينة وعدم الخوف. مما يدعم الفرد في مواجهة مخاوفه الأمنية والمستقبلية, وينعكس وبالتالي علي المجتمع، باعتبار الأمن الفردي والجماعي متداخلان، ومكملان لبعضهما البعض، فأمن الفرد هو أمن الجماعة، وما يفسد أمن الفرد يفسد بالتأكيد أمن الجماعة، والعكس صحيح، لكون الأمن الاجتماعي هو محصلة تراكم خبرات الأمن الفردي.
ولذا يجب تعميم نظرية الأمن الشعبي لدى جميع المواطنين بحيث تكون مطلب جماعي وشعبي، وهذا يتم عبر التنسيق بين جميع الفئات والطبقات والأحزاب والمنظمات المدنية وغير المدنية في المجال الميداني الأمني، -ليس بأقل ما يحدث في الدولة اليهودية حيث إننا نرى في واقع هذه الدولة، أن جميع اليهود هم بمثابة عين ساهرة على أمنهم، خاصة وأن من طبيعة كيانهم أنه لا يوجد حد فاصل فيه بين المدني والعسكري، فالسكان اليهود جميعاً هم مدربون تحت طلب الخدمة العسكرية الاحتياطية، والمخابراتية، ويعتبرون جميعاً جنوداً في الجيش الإسرائيلي عند الحاجة، أو في لحظة الخطر، مما يجعل الحضور الأمني موجوداً في كل مرافق الحياة، بدءاً من عمال المخازن والدكاكين وسائقي السيارات، حتى أعلى أجهزة الدولة. (عباس، 2004: 235)
ثالثاً: علم النفس والمؤسسة الأمنية:
نتيجة للتطور والتقدم في المجال الأمني والنفسي الذي يشهده العلم اليوم، أصبحت المؤسسات الأمنية ” مؤسسات علمية واجتماعية وإدارية متكاملة، وتستخدم المنهج العلمي في انتقاء الأفراد اللائقين صحياً ونفسيا وتوزيعهم على أفرع المؤسسات الأمنية حسب قدراتهم الذهنية والنفسية والعلمية والمهنية، وفي عمليات الحرب النفسية دفاعاً وهجوماً، والقيادة والتمويه وعلاج الأمراض النفسية والجسدية والاضطرابات السلوكية وعمليات الإدراك الحي”. (سامح، ب-ت: 32)
لأن العمل الأمني اليوم بات يشكل كياناً متكاملاً, وتجمعاً عضوياً حيوياً, لا يمكن الفصل فيه بين المجال الأمني والنفسي, حيث ” يشكل في جميع الدول قاطبة، ليس عملاً مستقلاً, أو مجالاًً منعزلاً عن الحياة المدنية, بل أصبحت المؤسسة الأمنية إحدى مؤسسات المجتمع المدني, التي تضم في طياتها, جميع ألوان الطيف المجتمعي, وجميع نخب وطبقات المجتمع”. (المنشاوي، 2003: 12)
وهذا يؤكد بأن “مرفق الأمن لا يخرج عن كونه مرفقا من مرافق الخدمات العامة التي تضطلع بها الدولة، وكان يمكن أن يحكم بالعمل الإداري وبنفس القواعد التي تحكم إدارة أي عمل حكومي آخر، إلا أنه نظراً لأن طبيعة العمل الإداري فيه تتميز عن طبيعة الأعمال الحكومية الأخرى. (المراسي، 1994: 7)
وهكذا نرى بأن المؤسسة الأمنية عبارة عن خليط من الناس تشكل مجتمعاً صغيراً ينبض بكل معاني الحياة التي يتكون منها المجتمع الكبير، الذي هو بالتالي خليط من الأمزجة والآراء والأفكار والمواقف والميول والاستعدادات والهوايات والرغبات، ولكي تتقارب هذه جميعاً وتتجانس, لابد أن يتدخل فرع علم النفس الأمني، ليقدم حلوله وآرائه لرسم معالم صحيحة ومتناسقة لهذا الواقع. فمثلاً
يتدخل هذا العلم لحماية المستجدين من المنتسبين إلى المؤسسة الأمنية، من التعرض لأمراض انفصام الذات، جراء بعض الأخطار المهنية التي تواجهه فجأة جراء انتقاله لهذه الحياة الجديدة التي لم يتعود عليها بعد. بحيث يغيب وتذوب معانيه الذاتية الإنسانية في الكيان الكلي للمؤسسة، وهذا الأمر ينبع من طبيعة المؤسسة الأمنية نفسها، التي تحاول تطبيق قواعد عسكرية صارمة على رجل الأمن، بمجرد التحاقه بهذه المؤسسة، والذي من المفترض قبل سحب نمط الحياة العسكرية عليه أن يتم تأهيله نفسياً لمثل هذه الحياة. فيجب أن يخضع في البداية لأوامر وقواعد عسكرية اقرب للمرونة منها من تلك التي تمتاز بالصرامة والشدة. لأن حياة رجل الأمن تتراوح بين المدنية والعسكرية، وبالتالي فإن القواعد التي يجب أن يخضع لها يجب أن تكون من المرونة ما تقارب العمل المدني، ومن الحزم ما تقارب العمل العسكري، رغم كونها لا هذه ولا تلك. لكون رجل الأمن يعيش نصفه فرضا في ثكنته الأمنية, ونصفه الآخر في مجتمعه, مما يتطلب تدخل علم النفس في حياته لكي ينظم له هذين النصفين، وإلا دخل في أخطر الأمراض النفسية, كونه قد لا يستطيع التوفيق بين ذاته ومحيطة. وهذا التوفيق والتكيف بين بيئة العمل والمحيط الاجتماعي للفرد ليس حكراً على من يعمل في المؤسسة الأمنية، وإنما على كثير من الأعمال الأخرى والحاجة لهذا التكيف تزداد أكثر بهذه المهنة لحجم الضغوط التي يتعرض لها رجل الأمن داخل وخارج المهنة.
ولكن بتقديم المساعدة من قبل علم النفس، وبمرور الوقت يجد الفرد نفسه رويدا رويداً يعود لحالته الطبيعية، لأن بداية الالتحاق بالمؤسسة الأمنية هي لحظة صعبة عليه، لعدم قدرته على التأقلم فيها، ولكن صحة التوجيه والرعاية من قبل القائمين على هذه المؤسسة، ومن قبل المتخصصين في علم النفس سرعان ما يعيد الشخص لحالته الطبيعية، ويوفر له الأمن والسلام مع الذات ومع الآخر، كي لا يحتدم الصراع الداخلي بينه وبين وذاته، أو بينه وبين الآخرين. (عباس، 2003: 42)
المبحث الثالث: مجالات اهتمام دراسة فرع علم النفس الأمني
أولاً: أهم المجالات المقترحة لاهتمام فرع علم النفس الأمني بشكل عام:
مكافحة التجسس والتعامل مع العدو: إن التجسس والتعامل مع العدو من أخطر ما يمكن أن تواجهه الدولة والمجتمع، باعتبارها تعتمد على خيانة البلد، بجمع المعلومات المهمة لمصلحة عدو البلد.
وعملية التعامل باعتبارها ظاهرة سلبية، أو موقف سلبي، هي عبارة عن خليط من التفاعل بين المكونات الداخلية التي شكلت شخصية الفرد، بما تشمل عليه من صفات وسمات شخصية، وبين العوامل الكامنة التي أنشأتها العوامل الاجتماعية السيئة كالتنشئة الاجتماعية الخاطئة، والعوامل الاقتصادية والتعليمية السيئة بالإضافة إلى الموقف الضاغط، فإذا تناغمت المواقف الضاغطة ولاقت قبولاً واستجابة مع المواقف الكامنة، تحدث الاستجابة السلبية. (عباس، 2000: 39)
وأحد هذه الاستجابات وأبرزها، ظاهرة التجسس والتعامل مع العدو، باعتبار أن أي ظاهرة اجتماعية إنما هي انعكاساً للواقع الاجتماعي، وهي عبارة عن ظاهرة اجتماعية تمثل مشكلة اجتماعية يخلقها المحتل، وينشط عواملها الكامنة، ويوفر مناخ مناسب لها يكفل نماءها وبقاءها.
وبالتالي فان وجود فرع علم النفس الأمني، ضروري لتناول هذه الظاهرة الخطيرة، التي يشكل العامل النفسي أبرز وأهم معالمها، حيث يعمل هذا العلم على تناول هذه الظاهرة بالبحث والدراسة والتحليل، بأسلوب جديد من خلال الربط بين العلوم الأمنية النفسية، والخروج منها بفائدة عملية، من أجل الوقوف على الأرضية التي يساعد بروزها، ويؤدي نمائها، لإدراك متغيراتها والعلاقات التبادلية فيها. بالتعرف عليها بشكل علمي وموضوعي، والتعرف على الدوافع والعوامل التي تحركها، وفق منهج مدروس، من أجل تطويق آثارها وتجفيف منابع وروافد بقاءها.
نظرية التحقيق في السجون: يمثل التحقيق “مجموع المواقف الضاغطة التي يتعرض لها المعتقل على المستوى الجسدي والنفسي والعقلي، عبر طرق ووسائل وأساليب إجرائية، تنتهجها الأجهزة الأمنية، في استجواب واستنطاق المعتقلين، للوصول إلى المعلومة المطلوبة”.(عباس، 2005: 22)
ومن ضرورات وجود فرع علم النفس الأمني أنه يناقش أهم الوسائل والأساليب المعتمدة في التحقيق في سجون الاحتلال، بنقل واقع التحقيق كما هو، وبالقراءة الموضوعية للتجربة الاعتقالية باستخدام وسائل علمية تتمثل في الملاحظة والتجربة بشكل مباشر، من خلال المقابلات المغلقة والمفتوحة المباشرة وغير المباشرة، وغيرها من الوسائل والأساليب العلمية. وعليه فسوف يفيد وجود علم نفس أمني على المستوى المعرفي، توفير تحليلاً‏ أعمق‏ لجملة‏ المعطيات‏ والحيثيات‏ التي‏ تحكم‏ السلوك‏ البشري‏،‏ وفهم‏ نمط‏ العلاقة‏ التي‏ تربط‏ المعتقلين‏ فيما‏ بينهم‏ داخل التحقيق‏، وإدراك قدراتهم في الصمود،‏ مما قد يساعد‏ في‏ إلقاء الضوء‏ على‏ طبيعة‏ وسائل وأساليب عمل‏ الأجهزة القمعية‏ الصهيونية في استخلاص المعلومات من أفواه المعتقلين‏. كما سوف يفيد وجود علم نفس أمني على المستوى التعليمي، من التحذير‏ من‏ هذه‏ الأساليب، وتقديم‏ النصائح لما‏ يجب‏ أن يقوم‏ به‏ المعتقل، والإرشاد للصفات‏ التي‏ يجب‏ أن ينميها‏ المعتقل لديه، من خلال الاطلاع على تجارب‏ الآخرين،‏ وأساليب الشعوب‏ المختلفة‏ التي‏ عاشت‏ وضعاً‏ يشبه‏ الوضع الذي نعيشه في ظل الاحتلال، بحيث نستطيع أن نرصد التجارب‏ التي‏ تم معايشتها عبر الخبرات‏ الشخصية المباشرة‏ لنا، أو عبر خبرات‏ الآخرين، التي نتعرف من خلالها على كيفية التعامل مع طرق‏ التحقيق‏ الصهيونية، والوسائل‏ والأساليب المتبعة فيها. كما سوف يفيد وجود علم نفس أمني على المستوى الوقائي، من تقديم شرح‏ لطرق وسبل‏ الوقاية‏ من الوقوع في الاعتراف عبر أقبية التحقيق، وخاصة فيما يتعلق بغرف العار والعملاء، وأساليب الخداع المستخدمة فيها.
علم النفس الأمني والحرب النفسية: تمثل الحرب النفسية عمليات تفاعل بين طرفي هذه العملية، تأثير أو تأثر متبادل بين المنفذين والمستهدفين، باعتبار أن جوهر هذه العملية هو إضعاف الروح المعنوية للأشخاص، باعتبار أن كل الجهود التي تبذل في مختلف أساليب الحرب النفسية تهدف بالأساس إلى أضعاف الروح المعنوية، وخلق الروح الانهزامية لديه. ويسعى علم النفس الأمني في المقابل إلى رفع مستوى الروح المعنوية لدى جميع أفراد المجتمع بشكل عام، والأفراد العاملين في المؤسسة الأمنية والعسكرية بشكل خاص.
وتشكل المؤشرات التالية على ارتفاع الروح المعنوية للمجتمع، كاتجاه أعضاء الجماعة نحو التوحد والتكتل مع بعضهم البعض -ليس نتيجة لضغط خارجي بل نتيجة لتماسك داخلي- وعدم وجود الاحتكاكات والمناوشات التي تسبب انشقاق أفراد الجماعة وانفصالهم عن كيانها، ووجود قدر كاف من التخاطب الفعال والتفاعل البناء والتأثير المتبادل بين أفراد الجماعة، ووجود تناسق واضح بين الأهداف الفردية للأعضاء وأهداف الجماعة، وعدم وجود أهداف فردية متعارضة بتوفير اتجاه إيجابي من أعضاء الجماعة نحو الهدف الرئيس للجماعة والسعي لتحقيقه بأفضل صورة ممكنة.
وهذا يتطلب علم متخصص للتعامل مع هذه الأمور التي يتم استخدامها في الحرب النفسية، وهو علم النفس الأمني، (وهو أولى من علم النفس الاجتماعي بها) الذي تعتبر الحرب النفسية وأدواتها أهم المجالات التي سوف يتم التعامل معها بشكل نظري وعملي، للحاجة الماسة لذلك، مثل: التعرف على أهداف الحرب النفسية، وأدواتها كالنشرات وغيرها، وخصوصاً في وقت الحرب، وأسس الحرب النفسية، ومجالات الحرب النفسية، وأساليب الحرب النفسية، والتدريب على أساليب مواجهة الحرب النفسية والتحصين الأمني منها، ومدى خطورة تعميم إشاعات العدو، وخطورة الثرثرة بالمعلومات وعدم السرية في الأمن، وكيف يستفيد العدو من المعلومة العامة، والوسائل التي تحرم العدو من اقتناص المعلومة” لما لهذه المواضيع من علاقة بأمن ومستقبل الفرد والمجتمع والمؤسسة يجب أن تصنف في مجالات علم النفس الأمني وليس السياسي أو الجنائي أو العسكري، لأن الأمن هي حاجة دائمة لا يمكن الاستغناء عنه في حال السلم أو الحرب. (عباس، 2003: 39)
علم النفس الأمني وغسيل الدماغ : تعتمد فلسفة غسيل المخ أو الدماغ على أن الإنسان عندما يتعرض لظروف قاهرة وصعبة، تصبح خلايا مخه شبه مشلولة عن العمل والمقاومة، وقد تصبح عاجزة عن الاحتفاظ بما اختزنه من عادات، لدرجة أن مقاومتها للأذى والتهديد الواقع عليها قد ينقلب إلى تقبل واستسلام للإيحاء لعادات جديدة، وانعكاسات غريبة عن كيانه. أي أن غسيل الدماغ موجة بالدرجة الأولى إلى تغيير اتجاهات الشخص، والاتجاهات تتكون لدى الفرد أو المجموع، من الخبرة المباشرة، وغير المباشرة، باعتبار أن الفرد أو المجموع يكتسب اتجاهاته أو يتعلمها، نتيجة المواقف والخبرات التي يمر بها أثناء حياته. وعملية التعرف على كيفية تكوين الاتجاه، وأهم المؤثرات عليه يؤدي إلى تسهيل عملية غسيل الدماغ، من حيث كونها عملية تسعى للتأثير على هذه الاتجاهات، وفق مفهوم التخلية والتحلية، أو ما يعرف بميكانزمات الهدم والبناء.
وتستخدم إسرائيل عمليات غسيل الدماغ ضد المعتقلين، بطريقة منظمة ومقصودة، حيث يصل المعتقل إلى مرحلة شديدة من الإجهاد النفسي أثناء التحقيق والاستجواب تهيئة لتقبل الإيحاء المستخدم من قبل ضابط المخابرات للتأثير على قناعاته. وهذا يتطلب علم متخصص للتعامل مع هذه الأمور التي يتم استخدامها، وهو علم النفس الأمني، باعتبار أن هذه المواضيع (كمفهوم غسل الدماغ، والأساليب المتبعة لغسل الدماغ، والأسس العلمية لغسل الدماغ والإجراءات المتبعة فيها، وعملية تغيير الاتجاهات، وميادين غسل الدماغ، وسبل مكافحة غسل الدماغ، وحقيقة مفعول غسل الدماغ..الخ) لها علاقة بأمن ومستقبل الفرد والمجتمع والمؤسسة الأمنية.
علم النفس الأمني والإعلام الأمني: تعتبر وسائل الإعلام اليوم من أبرز مظاهر العصر الحديث، وقد زاد الاهتمام بها في ظل التطور التقني الهائل، باعتمادها على مناهج وأسس علمية، كان أبرزها علم النفس الذي أمدها بالأساليب النفسية المناسبة، مما جعلها تقدم نشاطًا إعلاميًا يمتاز بالقدرة والفعالية.
ومن أبرز مظاهر هذا التقدم الإعلام بشكل عام، الإعلام الأمني بشكل خاص، الذي اعتمد بشكل كبير على سيكولوجية التأثير في الجمهور من خلال إخبار المستمعين. فمثلا الفشل في إتباع التعليمات سوف يؤدي إلي نتائج خطيرة, مثل الفشل في إتباع الأساليب الوقائية أو التدريبات السليمة مما يؤدي إلى الضرر أو المرض وأحيانا الموت”. (أبو نجيلة، 2001: 66)
وفي فلسطين برز الدور الهام لهذا الإعلام الأمني، حيث أفردت وسائل الإعلام الصهيونية مساحة كبيرة من الاهتمام للحرب ضد الفلسطينيين بهذا السلاح، لما يمثله من أهمية جعلته يحتل موضع الصدارة بين أسلحته العدوانية، لما لذلك من أثر فاعل على مستوى الفرد والجماعة، في الحرب ضد الشعب الفلسطيني، تلك الحرب التي استخدمت فيها كل الإمكانيات المتاحة على صعيد تلك الوسائل الإعلامية، للتأثير على الشعب الفلسطيني بشكل يهدف إلى كسر إرادته وتحطيم معنويات المقاومة لديه، عبر وسائل الإعلام المدعمة بأحدث الدراسات السيكولوجية. (عباس، 2005: 13)
وعليه فإنه يجب أن يوظف الإعلام الأمني بشكل جيد، من خلال علم النفس الأمني، ولا يجوز أن يفصل بين أداء الإعلام الأمني وعلم النفس، فيجب على سبيل المثال أن يفرق الإعلام الأمني النفسي بين المادة الإعلامية التي توجه للمواطن، وتلك التي توجه للعدو, لأن لكل شعب وأمة خصائصها النفسية التي قد تصلح لان تكون معبرا للاستجابة للإعلام الأمني الموجه. وبهذا يتبين ضرورة التنسيق بين الإعلام الأمني وعلم النفس، بحيث يكون الإعلام الأمني قائم علي أسس نفسيه وأمنية, وإلا تحول لمجرد إعلام يسرق الوقت ويضيع الجهد, بما يحوي من مضامين لا معنى لها.
ثانياً: أهم المجالات المقترحة لاهتمام فرع علم النفس الأمني في المؤسسة الأمنية:
علم النفس الأمني والتوعية: إن “علم النفس يحتل مكانه هامة في حياة الفرد المعاصر، وحياة المجتمع المتقدم، حيث أصبحت الثروة البشرية مقياسا لتقدم المجتمعات، لذلك تتسابق الدول إلى العناية بهذه الثروة الكامنة في أبنائها، ليسهموا في تقدم الإنسانية”. (أبو معيلق، ب-ت: 4)
والعنصر البشري هو عماد هذه الثروة، وعماد كل عمل وممارسة، في المجال الأمني، ومهما بلغت وتطورت العلوم الأمنية، فلن يتم الاستغناء عن العنصر البشري وأهميته في العمل الأمني، وبالتالي فان وجود علم النفس مهم جدا لرعاية هذا العنصر البشري، والتركيز عليه بالبناء والتأهيل
من خلال التوعية الشاملة له بثقافة المجتمع بشكل عام، وبالثقافة الأمنية بشكل خاص. وتعريفه بطبيعة العلاقة بين الثقافة والتنمية المجتمعية، وبدور الأسرة والمدرسة والدين في عملية التوعية.
ومما يسهل عملية التوعية الأمنية داخل المؤسسة الأمنية أن أغلب الأشخاص الذين تم استيعابهم للأجهزة الأمنية هم من الشباب، “لأنهم عادة أكثر فئات المجتمع حماساً للتجديد والتغيير، وهم أكثر قدرة على التفاعل والاستجابة للمتغيرات من حولهم، وهم أسرع في استيعاب الواقع، وتقبل المستحدث وتبنيه”. (جامعة بن سعود، 2006: 11)
ولزيادة فاعلية المؤسسة الأمنية يجب أن يشرف علي إعداد وتأهيل وتربية هؤلاء الشباب الجدد، مجموعة من الخبراء والعلماء النفسيين الذين يعملون على تخفيف الصدمة الشعورية لهؤلاء الشباب الجدد، التي قد تؤدي إلى ثمار عكسية على نفسيتهم. وتوفر لهم تغطية سيكولوجية توضح لهم مدى أهمية هذا النمط من الحياة في المؤسسة الأمنية، الذي يهدف ليس إلى إلغاء الكيان الذاتي للفرد، وإنما يسعى لترسيخ متوازن من العلاقة بين الجماعية والفرد في الواقع المعاش. وهذا يستدعي
“تدخل علم النفس بعملية التكوين والإعداد للفرد، حتى يكون قادرا على العطاء في عمله بكفاءة. وكذلك يتدخل في عملية التأهيل الأمني التي تعني تحضير الفرد للقيام بعمل ما، أو مجال تخصصي معين، يتأهل فيه، بحيث يصبح كفوءا له”. (مركز أفق، ب-ت: 5)
علم النفس الأمني والتدريب: إن تنمية القوى البشرية تعتبر من أهم خصوصيات التدريب الأمني، حيث تعتمد العلوم النفسية المرتبطة بعملية التدريب الأمني، على برامج تعبوية وبنائية تراعي متطلبات واحتياجات العمل الأمني، وعليه فإن القوى البشرية يفترض أن لا تتم عملية تربيتها أو تنميتها بمعزل عن علم النفس، لكون البرامج التعبوية والتدريبية تمس الكينونة الفردية والجمعية للبناء الشخصي، هذا البناء الذي يجب أن يراعي الإنسان على المستوى النفسي بالدرجة الأولى، بحيث لا يمكن أن تقفز هذه البرامج التنموية مثلاً عن مراعاة الفروق الفردية للفرد، كما لا يمكن أن تتجاوز القدرات الذاتية لهم ولا المزاج العام والخاص بهم خارج داخل أو خارج مؤسسة الأمن.
ولكي يتحقق المستوى المطلوب واللائق برجال الأمن ويكونوا أهلا للأمانة، لا بد من إخضاعهم لعمليات تدريب أمنية مناسبة، ولرقابه نفسيه تهتم بأن تراعي التدريبات فيها درجة النضج الجسمي والعقلي والنفسي والعاطفي لهم، وهذا يتم من خلال دراسة العاملين في المؤسسة الأمنية، خاصة أولئك المستجدين منهم. وفحص قدراتهم وشخصيتهم من خلال العديد من المقاييس مثل: “مقياس الميول والاتجاهات، ومقياس الشخصية المتنوعة، ومقاييس التقدير والملاحظة والمقابلة، والطرق الاسقاطية، واختبارات الأداء، وغيرها من الاختبارات النفسية والأخرى”. (غنيم، ب-ت: 323)
وتتضمن عملية التدريب كذلك برامج دورات تدريبية تسير وفق خطوات منطقية تراعي فيها مبادئ التعلم: (كاستعداد المتدرب للتدريب، والتهيئة الذهنية للمتدربين، وكسب تعاونهم، وعرض البيانات والمعلومات اللازمة لهم، واستخدام وسائل إيضاح مناسبة، وقياس تحصيل المتدربين، وتقويم عملية التدريب) مع الاهتمام بتوفر عوامل تحقيق التعلم (كالممارسة، والاندفاع، والفهم) وكذلك التنويع في استخدام طرق التعلم الحديثة (كحل المشكلات، والتعلم بالنمذجة، والتعلم الذاتي) وتمتاز كذلك “سيكولوجية التدريب الأمني، أنه وهو يتناول المبادئ، وتقدير احتياجات القوى الأمنية من قوى بشرية ومادية وغيرها من العناصر اللازمة لمواجهة احتياجات هذه القوى، يحدد ما ينبغي اتخاذه لسد هذه الاحتياجات، وعلاج ما يعترضها من مشكلات”. (مركز أفق، 2003: 10)
أي يعتمد القائمين على عملية إعداد البرامج التدريبية للتنمية البشرية لأفراد الأمن، ليس على التعلم والتعليم فقط، بل على كذلك على التدريب الذي هو “عبارة عن مجموعة من البرامج المهتمة بالتعلم وتحسين أداء المتدرب ومهارته الفنية والإجرائية، وهذه الإجراءات العملية، لا بد أن يدلي علم النفس دلوه فيها بشكل كبير، باعتبار أن عمليات التدريب ما هي إلا تنمية مهارات عملية، من هذه المهارات التعرف على سيكولوجية الشخص الخاضع للتدريب، والتعرف على قدراته، ثم وضع أسس وقواعد لعملية تدريب نفسية وأمنية، وهي لا تقتصر على رجل الأمن بل تشمل كل متدرب.
وهذا يتطلب تدخل علم النفس ليدلي بدلوه في عملية التدريب من خلال الفرع الجديد المسمى بعلم النفس الأمني، حيث أن المعرفة بقواعد التدريب ومدى أهميته، ومدى خطورته يساعده على تلقي الأوامر في عملية التدريب بشكل علمي، ينبع من قناعة وتقبل داخلي، لكون العلم بالشيء يبدد الخوف لدى المتعلم، حيث يقوم التدريب على سيكولوجية تعديل السلوك التي تقوم على فكرة تعميم السلوك المعدل ليس بمؤثر خارجي، بل بمؤثرات داخلية، تنبعث وتنطلق من أعماق النفس البشرية.
علم النفس الأمني (ومرحلة التحري): تبدأ إجراءات أمن الأفراد في مرحلة التحري بالتعرف على شخصية الأفراد المرشحين للعمل في الوظائف الحساسة، شاملةً اكبر قدر من المعلومات عن تاريخ حياتهم، لاستبعاد غير الموالين ممن يدينون بالولاء لجهة أجنبية، أو يعتنقون أفكارا غريبة عن مجتمعهم، واستبعاد الأفراد غير المناسبين منهم. لذلك فإن من أهم وأدق وأخطر الإعمال الأمنية، هو عملية التحري، تلك العملية الشمولية التي تكاد تغطي اغلب النشاط الأمني بجميع جوانبه.
ويخطيء من يعتقد بأن هذا النشاط هو مجرد فحص آلي لذاتية الإنسان، لأن الإنسان هو بمجمله عبارة عن منظومة سيكولوجية، تتكون من جملة من المشاعر والأحاسيس، حيث من الممكن أن يتقلب مزاجه أكثر من مرة، وقد تصدر عنه أفعال لا تشير إلى جوهر شخصيته، فيلتقطها رجل التحري ويجعل منها محور بحثه ونشاطه. ذلك النشاط الذي يقوم في الأساس على قواعد سيكولوجية تراعي الحالة النفسية لمن يقوم بعملية التحري، وتراعي في نفس الوقت الوضع النفسي للمتحرى عنه. وهي بذلك تكون عملية تراكمية شمولية، وليست عملية انفرادية محدودة.
علم النفس الأمني (ومرحلة الانتقاء): وهي المرحلة التي تلي عملية التحري، وتعتبر مقدمة لعملية الاستيعاب، وهي تخضع لمعايير سيكولوجية جنبا إلى جنب مع المعايير الأخرى، خاصة بعد تخطي الفحص البدني التقليدي. وترتكز هذه العملية على معايير علمية يستخدم فيها اختبارات الذكاء العام، واختبارات القدرات الخاصة، من أجل فرز المجندين حسب إمكانياتهم وقدراتهم ومؤهلاتهم ومواهبهم للعمل داخل الجهاز الأمني.
وهذا يستدعي تدخل من علم النفس ليضع حداً فاصلا زمنيا بين عملية الاستيعاب وبين عملية الضم الفعلي للجهاز، يتخلل هذه الفترة الزمنية -بالإضافة إلي التدريب العسكري الميداني- تدريبا أمنيا نفسيا، يقوم على قواعد وأصول علم النفس الحديث، الذي يحسر الفجوة بين الحياة المدنية التي يعيشها الفرد، وبين ما ينتظره من حياة أمنية عسكرية تقوم على قواعد سلوكية تكاد تتناقض تناقضا جذريا مع الحياة التي تعود عليها.
علم النفس الأمني (ومرحلة الاستيعاب): وهي عملية فرز المتقدمين لشغل الوظائف الشاغرة لانتقاء أفضلهم من حيث توافر المواصفات المحددة لشغلها. حيث تختلف الأعمال والوظائف من حيث ما تتطلبه من سمات ومواصفات معينة، ويختلف الأفراد كذلك من حيث سماتهم وخصائصهم وهذه العملية ” تهدف إلى التأكد من ملائمة الوظائف للأفراد المتقدمين، وملائمة هؤلاء الأفراد للوظائف الشاغرة من حيث المواصفات المطلوبة كالخبرة أو التدريب أو التعليم أو الصفات الجسمية والذهنية، وتقوم عملية الملائمة فيها على التقدير الشخصي للقائمين على الاختيار جنبا إلى جنب مع نتائج الاختيار”. (خليل، محمد، 1993: 145)
وفي مرحلة اختيار وقبول واستيعاب المجند للمؤسسة الأمنية، يبرز دور كبير لعلم النفس الذي يشكل ضمانة حقيقية لنقاء رجل الأمن، ويخلق منه رجلا مهنيا كفوءا يكون أمينا على أمن الوطن.
وتختلف المعايير الأمنية والنفسية التي توضع للقبول في الأجهزة الأمنية من بلد لآخر، أو من جهاز أمني لآخر، أو باختلاف المكان والزمان، أو للوظيفة والمهام، ولكن تتفق في الاختيار وفق قواعد مشتركة، يشكل علم النفس نصيبا وافراً منها. وإن كانت بعض هذه الأجهزة لا تتقيد بأي معايير علمية سواء أمنية أو نفسية في تجنيد واختيار واستيعاب أفرادها.
ومن الخطوات المهمة التي تكون في نهاية مرحلة الاستيعاب خطوات متعددة تشمل سيكولوجية التلقين، وهي عبارة عن الأوامر التي يجب فيها مراعاة الجانب النفسي فيها كالقوانين واللوائح والتعليمات التي تحدد المسئوليات والعقوبات. وشرح طبيعة الأسرار الموجودة في مكان العمل. وشرح المشاكل الأمنية التي تواجه الإفراد، وكيفية التصرُّف حيالها، كالشائعات وكيفية التعامل إزاءها ومنع ترويجها. والتمكن من معرفة طرق التصرف حيال الدعاية المعادية.
علم النفس الأمني (ومرحلة التصنيف): وأما عند القيام بعملية التصنيف والتوزيع للأفراد على الدوائر والإدارات المتعددة، فتتم وفق التصنيف المهني على أسس الانتقاء المهني من خلال تجميع المعلومات عن الأعمال المتوفرة، وكذلك جمع المعلومات عن الأفراد.
وبعد أن يتم قبولهم يتم فحصهم عقليا ونفسيا بما يتناسب مع هذه المواقع، والتي يشترك فيها أخصائيون نفسيون وأمنيون من داخل الجهاز نفسه بحسب حاجته وإمكانياته. وهذا التصنيف يفيد الجهاز باعتباره عملا يحتاج إلى تنوع الطاقات والخبرات والقدرات، لتستثمر وتوظف كلها بشكل جيد من أجل خدمة الجهاز وأهدافه وتطلعاته المستقبلية .
والمؤسسة الأمنية “التي تتبنى في سياستها عملية التراكم الكمي للعناصر والكوادر، دون اعتماد منطق التوزيع والتخصص، هي أعجز عن مواجهة الأزمة الأمنية، ففاقد الشيء لا يعطيه، فالجهاز الأمني هو في الحقيقة مجموع للأنشطة العملية للكوادر الأمنية “. (عباس، 2007: 21)
وأما التوزيع الصحيح للعناصر المقبولة داخل المؤسسة الأمنية, فيتم عبر الاختبارات والمقاييس النفسية حيث ” لا يتم توزيع الفرد عشوائياً أو بمجرد النظر إليه، وإنما طبقاً لنتائج تطبيق اختبارات نفسية مقنعة ودقيقة ومنضبطة تكشف عن قدراته وذكائه وميوله واتجاهاته, وسمات شخصيته وظروفه الاجتماعية والأسرية ورغباته, وبعد أخذ صورة عامة وموضوعية واضحة عن حالته يتم وضعه في أكثر المهن ملائمةً له”. (العيسوي، 1999: 83)
ومما سبق يتضح أن الحاجة الملحة لعلم نفس أمني، يشتغل بمعالجة هذه الأمور الهامة والضرورية للعمل الأمني، وفي نفس الوقت مهمة وضرورية لرجل الأمن ذاته، حيث يتم صقل شخصية الفرد وفق الاحتياج الأمني، ويتم برمجة هذا الاحتياج وفق قدرات الفرد ومؤهلاته الذاتية والشخصية.
علم النفس الأمني وفن القيادة: تعلم مهارة القيادة وتنميتها يتطلب التعرف على السمات والصفات الشخصية القيادية للفرد، والتعرف على ميوله وطموحاته وخلفيته. لأن “العمل القيادي ليس آليا أو ميكانيكيا، وإنما هو عمل إنساني في المحل الأول تتداخل فيه وتتفاعل العديد من المؤثرات والدوافع والبواعث والحوافز والتعزيزات والعراقيل والمعوقات”. (الشعلان، ب-ت: 54)
ويعتبر علم النفس ذو باع كبير في رسم معالم فن القيادة، حيث لا يمكن تنمية المهارات القيادية بمعزل عن هذا العلم, وبدونه تبقى هذه مجرد عملية آلية جوفاء ليس للذات الإنسانية فيها نصيب. وفي تدخله يستخدم كثيراً من القواعد العلمية, ليطور من مستوى الفرد القائد سيكولوجياً، ليتسنى له أن يكون قائداً ناجحاً محبوباً, وليس مجرد أداة قمع. وبتدخله كذلك يجسر الهوة النفسية الواسعة بين الرئيس والمرؤوس, لأنه ينظر إلى العلاقة بينهما على أساس كونها علاقة إنسانية أولاً وأخيراً، وبالتالي يسعى لأن يحررها من قيود الضبط والربط, الذي قد يحيلها لجحيم، يلقى تمرداً ورفضاً نفسياً داخلياً. وفي نفس الوقت يضع ضوابط وقوانين ولوائح وأوامر أمنة يضفي عليها روحاً نفسية تحيل هذه القوانين لحياة ديناميكية متحركة, تتميز بالحيوية العضوية.
وقد يصاب القائد بمرض نفسي يسمي بسيكولوجية الكرسي، يصبح الكرسي الذي يمثل المنصب جزء لا يتجزأ من شخصيته, فلا يستطيع أن يفارقه أو يبتعد عنه, لأنه أهل نفسه سيكولوجياً بأنه والكرسي توأمان لا ينفصلان, فيشحذ طاقاته النفسية والعقلية, وقدراته المادية والسلطوية للمحافظة على هذا الكرسي, الذي ربط نفسه سيكولوجياً به حتى النهاية. وهنا يتدخل علم النفس الأمني ليعيد صقل هذا الانحراف السيكولوجي الذي أنشأه (الكرسي) للمسئول قبل أن تتجذر فيه تلك الخصائص
فيحشد أكبر قدر ممكن من البرامج والدورات والندوات مصحوبة ببعض النشاطات العملية, لتحرير النفوس من كثير من المعوقات التي تحول بين القائد وعناصره وتؤدي لفشله في سوسهم وقيادتهم.
علم النفس الأمني وسيكولوجية الثواب والعقاب: من أهم أنواع الثواب الحوافز التي يعتبرها العلماء “عبارة عن مجموعة العوامل التي تؤدي إلى إثارة كافة القوى الحركية في الفرد، والتي تؤثر على سلوكه وتصرفاته، وكلما كانت عملية التوافق بين الدوافع إلى العمل والحافز إليه الموجودة في التنظيم مكتملة كلما كانت فاعلية الحافز في إثارة أنواع السلوك أكبر” (مركز أفق، 2003: 10)
وعملية تقديم حوافز للعاملين في العمل الأمني تشكل قاعدة هامة للعمل الأمني. حيث يرفع التحفيز مستوى الأداء للفرد، وعدمه يؤدي لخفض مستوى الأداء والإنتاجية، والى خفض الروح المعنوية.
وباعتبار الحافز شيء خارجي يحفز الفرد ويدفعه باتجاه الممارسة بشكل أكبر.. فهو يخضع في الدراسة لعلوم النفس, لان نظام الحوافز قائم بالدرجة الأولى على نظريات علم النفس، وهذا تأكيد آخر على أن لعلم النفس دور هام وكبير في رسم المعالم النفسية للمؤسسة الأمنية.
كما يتم استخدام العلوم النفسية في عملية العقاب، والتي هي إيقاع الجزاء على المقصر منهم، لكي يتراجع عن الخطأ، ويحسن الأداء ويطوره. ويحرص علم النفس عند إيقاع الجزاء أن يكون هذا الجزاء مناسباً سيكولوجياً للجرم المرتكب، ومناسبا كذلك لمن سوف يقع عليه العقاب.
علم النفس الأمني والاستجواب: يستهدف الأسلوب النفسي للاستجواب ” كشف أفكار وانفعالات المشتبه فيه أو الجوانب الأخلاقية للجريمة، ومن ثم نجعله يدرك أنه قد ارتكب خطأ… وإن عملية التحقيق والاستجواب للمجرمين، والمخالفين لقواعد وقوانين المجتمع تعتمد بشكل كبير على الجانب السيكولوجي سواء للمتهم، أو للأسلوب أو الطريقة، أو حتى للمحقق نفسه.
فالمجرم المبتدئ مثلاً يختلف التعامل معه سيكولوجيا عن المجرم السيكوباتي.. حيث أن الشخص الذي يعتبر مجرم لأول مرة، أو الشخص الذي ارتكب جريمة تحت تأثير العاطفة، أو الغضب، أو الغيرة، يكون عادة مستجيبا لموقف التعاطف والتفاعل والتفاهم، وعلى المحقق أن يعامل هذا الشخص كإنسان طبيعي قام تحت ضغط الظروف أو الاستفزاز بارتكاب عمل بعيد عن الطبيعة الحقيقية له”. (جاد، 1995: 177)
ولهذا فان عمل المحقق هو بمثابة لب مجال واختصاص علم النفس بشكل عام، ويمثل موضوعاً أساسياً في علم النفس الأمني الذي نحن بصدد التأصيل له.
علم النفس والحس الأمني: الحس الأمني هو الشعور أو الإحساس المتولد داخل النفس والمعتمد على أسباب أو عوامل موضوعية، تؤدي إلى توقع الجريمة بقصد منعها أو ضبط مرتكبيها بقصد العقاب.. وهو عملية مزدوجة تجمع بين نوعين من العناصر ذات الطبيعة الذاتية والموضوعية في آن واحد.. وتنعكس تلك الطبيعة على الحس الأمني فتظهره تارة بمظهر الميل الوجداني القائم على الشعور والإحساس، وتارة بمظهر التوقع العقلاني على الفكر والاستنباط. (خليل، احمد، ب-ت: 24)
والحس الأمني كذلك هو جماع لكلا النوعين ولا يتحقق إلا بتوافرهما، ولا يتطور إلا بتكاملها، ولعل ذلك باعد بين الحس الأمني بهذا المضمون وبين غيره من وسائل الإحساس الوجداني المجرد كالحدس والتخمين، وكذلك يفرق بينه وبين وسائل الإدراك العقلاني المجرد.
علم النفس الأمني والثقة بالأجهزة الأمنية: أحد أهداف الوجود الإنساني هو إقامة العلاقات فيما بين الناس من أجل التعاون التعارف والتفاهم فيما بينهم، ولولا ذلك لما سارت الحياة بشكلها الطبيعي، ولما استطاع الإنسان بمفرده أن يستمر بالحياة، ناهيك عن تطورها.. حيث لا يعقل أن تقوم الحياة وتتطور وتتقدم دون أن تعتمد جسورا للتعارف والتفاهم والتآلف فيما بينهم. ولكي تكون العلاقة أكثر فاعلية في مجال التعامل مع المواطنين “فإن الدولة تستعين بالأسس التي يقوم عليها علم النفس وعلم الاجتماع في مجال التأثير على السلوك البشري، وجعله أكثر طواعية لتقبل ما تجمله آلية التوعية”.(السلطة الفلسطينية، 1998: 3)
والأمن في أي دولة لا يتحقق ما لم تتعزز الثقة بالأجهزة الأمنية، ولكن كثير من الأجهزة لا تعمل على دعم عوامل الثقة مع المواطن, لأنها تفقد إمكانية التواصل معه. لأن بعض المسؤلين “يوصد أبوابه أمام الآخرين، ويعاملهم بشيء من الفوقية، فإنه حتما سوف يفقد كل حب واحترام وتقدير منهم، وأما إذا تعامل مع الناس بشكل مؤدب وأعطى كل ذي حق حقه، واستأنسوا به فإنه سوف يلقى بكل تأكيد ودعم وعطف ومحبة من قبلهم”. (الرفاعي، ب-ت: 33)
وعلى هؤلاء المسئولين أن يدركوا بأن ” الشرطة (أو أجهزة الأمن) هي في حاجة إلى الحصول على ثقة الشعب، وعليها أن تسعى لكسب هذه الثقة، ومتى وثق الشعب فيها مد لها يد العون، وظفرت بتأييده في كل ما تتخذه من إجراءات”. (نصار، ب-ت، 36)

المبحث الرابع: الأمراض والمقاييس النفسية في العمل الأمني:
أولا: علم النفس الأمني والاضطرابات وبعض الاضطرابات النفسية:
علم النفس الأمني والخدمة النفسية: إن علم النفس- كعلم يدرس النشاط والسلوك الإنساني بشكل عام- يدخل بالتأكيد في نطاقه كل نشاط، أمني وغير أمني يسعى لأن يتدخل ليضع لسلوك هذا النشاط قواعد ضبط نفسية تمهد لبسط حالة من الاستقرار النفسي لدى الفرد والمجتمع برمته.
وتغطي الخدمة النفسية في علم النفس كل مجالات الحياة، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، أو المؤسسة الأمنية, وتكاد تغطي جميع مجالاتها ودوائرها. وبالتالي فان دور هذا العلم ليس مقصوراً على مجال معين بل يمتد نشاط علم النفس ليشمل جميع جوانب الحياة.
وفي مجال العمل الأمني المهني, يزداد الاحتياج للخدمة النفسية في علم النفس، حتى يصبح لا معني للحياة الأمنية بدون الرعاية والحماية من علم النفس، لكون العمل الأمني يمثل تجمعا بشريا حيويا يوجد به جميع الكفاءات والقدرات والطاقات، كما يوجد به جميع المركبات الاجتماعية والاختصاصات المتنوعة والمتعددة, والحياة في المؤسسة الأمنية تتطلب التعامل مع كل الأمور وكل الأصناف والأنواع البشرية, وبالتالي لا يمكن أن تنجح المؤسسة بمعزل عن علم النفس، الذي يتدخل ليقدم الرعاية والخدمة للحياة الأمنية، كون الحياة الأمنية لا تقتصر علي مؤسسات منقطعة عن الواقع, إنما هي نشاط يمارسه رجل الأمن في كل جوانب الحياة.
وقد ساهم علم النفس في أن تمتد خدماته لمجالات متعددة من الحياة, وغطى مساحات واسعة من الاحتياجات الواقعية والعملية للفرد والمجتمع والحياة, وقدم باعاً طويلاً في المجالات الفكرية والتعليمية والتربوية, وفي المجالات الاجتماعية والاقتصادية، والمجالات الإنتاجية والإدارية، والمجالات السياسية والعسكرية والأمنية، وغير ذلك من المجالات الأخرى.
علم النفس الأمني والاضطرابات السلوكية: “إذا تقطعت الروابط الأولية التي تمنح الإنسان الأمن، فإنه يبحث عن بدائل تمنحه الشعور بالأمن وترد إليه الإحساس بالهوية، وترفع عنه عبئ الشعور الذي لا يطاق بالوحدة والعجز واللاجدوى بالاندماج في شيء يعطيه الإحساس بالقوة والأمان”. (عيد، 2002: 213)
ومن أبرز الأمور التي تهدد أمن واستقرار الشخص الضغوط والاضطرابات التي يتعرض لها،
مما يجعله يبحث عن بدائل توفر له الأمن وترفع عنه تلك الضغوط والاضطرابات، فيلجأ إلى اتخاذ الحيل الخداعية النفسية للالتفاف حولها. وخاصة عند الضغوط والاضطرابات التي تصيب رجل الأمن جراء انتقاله من الحياة المدنية العادية، إلى الحياة الأمنية بكل سريتها وخصوصيتها، لكون هذا الانتقال يتطلب منه التنازل عن جزء مهم من طبيعة سلوكه الذي تعود عليه سابقاً، وهنا يتقدم علم النفس (الإرشاد النفسي) ليساعده على معالجة تلك الضغوط والاضطرابات، ويكفل له المحافظة على نفسيته من هذه التقلبات الحادة التي قد تطرأ عليه نتيجة انخراطه في العمل الأمني.
ويساهم وجود الأخصائيين داخل المؤسسة الأمنية على ترميم نفسية رجال الأمن بشكل ينشر روح الأمن والسكينة في نفوسهم، ويقلل من عمليات الخوف والفزع التي قد تسيطر عليهم، من خلال تحديد الأساليب السلوكية الخاصة بهم وتحديثها وتطويرها بشكل متواصل، مع العمل الدؤوب على حل ومعالجة المشكلات النفسية والاجتماعية للمنتسبين للمؤسسة الأمنية.
علم النفس الأمني وضغوط العمل: إن عمليات الضغط التي يواجهها بعض الأفراد من خلال التحاقهم بالمؤسسة الأمنية قد تعرضهم إلى فقدان الاتزان الانفعالي واضطراب الشخصية. كما أن هذا الضغط قد يبلغ أشده في أيام الطوارئ حينما يتطلب الموقف من العنصر أن يمتثل للأوامر التي تصدر إليه ويطبقها بسرعة وبشكل متواصل. وتزداد هذه الضغوط على العاملين في المجال الأمني جراء تدهور الوضع الأمني وازدياد الفجوة بين رجل الأمن، وبين رجل الشارع، والتي قد تؤدي لضغوطات نفسية حادة، تقود لحالة من الإحباط الشديد، الذي قد يؤدي إلى انهيار دفاعاته الداخلية، فتنشأ الأمراض النفسية العصابية. أو يقود هذا الوضع غير الأمن لحالات من أمراض العصاب، التي يشعر رجل الأمن فيها بنزيف نفسي داخلي متواصل يؤدي به لفقد كم كبير من طاقته النفسية التي تقوده لحالة التعب والإرهاق. وهذا يؤكد على ضرورة وجود علم متخصص (علم نفس أمني) يتناول الحياة الأمنية بشكل مركز ومكثف. ومن هنا يتدخل علم النفس في العمل الأمني ليقدم حلولا لجميع المشاكل العملية والنفسية التي يسببها ضغط العمل الأمني, ويساعد علي عميلة التكيف بين الأدوار التي يؤديها رجل الأمن في الحياة المدنية وفي المؤسسات الأمنية.
علم النفس الأمني وسيكولوجية الشك : تتعرض الحياة الأمنية أثناء المسيرة لكثير من الصدمات القاسية، كارتفاع منسوب الشك الأمر الذي قد يقود لتعميم هذا الشك علي اقرب المقربين إليه.
حيث يرتبط الشك النفسي ” بأحاسيس المرء وما يدور بخلده من مشاعر وعواطف وانفعالات. ولعل الحكم الذي يصدر في هذه الحالة، إنما يتعلق بالمعقول، والعادي من الشك، والشك منه”. (نور الدين، 1998: 9)
ودور علم النفس العمل علي نزع فتيل الشك القاتل لدي رجل الأمن من خلال تحجيم نظرة الشك لديه ووضعها في موضعها المناسب والملائم فلا تطغي علي عقل وتفكير رجل الأمن في كل حياته, فيعمم نظرية الشك في كل ما حوله, ويوجهه لكل ما يحيط به, وتنطلق سهام الشك من جعبته يمنا ويسارا في كل آن ووقت لا تفرق بين عدو وصديق, ولا بين موقف وآخر، مما يعود أول ما يعود بالضرر والعنت والمشقة علي الشخص ذاته, وتتحول حياته لوسواس قهري يسيطر علي كل حياته. أي أن العمل الأمني باعتباره حياة ومجتمع وأفراد يحتاج لكل ما يحتاجه المجتمع من تطبيقات علم النفس لعلاج الأمراض والانحرافات السلوكية.
علم النفس الأمني والميول العدوانية: إن بعض رجال الأمن غير المؤهلين والمدربين وفق معايير علم النفس الحديث، ما زالوا يعيشون ببعض مؤثرات الماضي، التي اكتسبوها من حياتهم السابقة، والتي أنشأت في نفوسهم كثير من الأمراض النفسية التي تقودهم لبعض السلوك السلبي المنعكس من رواسب الماضي. كأن يبرز لديهم رغبة جامحة في عملية التعويض عما كان يمارس بحقهم من اضطهاد أو عنف أو قسوة ، فيجدوا في الموقع الجديد متنفس من خلال عمليات رد الجميل المعكوس لما عانوه مسبقاً، فيصبوا جام غضبهم ضد جميع أبناء مجتمعهم. وهؤلاء لا بد لهم من علاج نفسي متواصل قبل تسلم أي موقع أمني لضمان صحتهم النفسية.
وتمثل العدوانية أخطر الأمراض النفسية السلوكية التي قد ينحرف إليها رجل الأمن باعتباره رجلاً مسلحاً، فيميل للانتقام من الآخرين، بالإضافة للتكبر والغرور والاستعلاء عليهم, لأن السلاح قد يتطاول في يد الذين لا يحترمون السلاح. وعلم النفس الأمني هو الكفيل بتقديم الإرشاد الملائم الذي يراعي قدراتهم وذكائهم ويتلاءم مع هؤلاء الأفراد واستعداداتهم وميولهم واتجاهاتهم.
علم النفس الأمني والقلق: جوهر القلق موجهة غالباً للمستقبل” لأنه توقع حصول شيء مكروه أو غير محبوب للنفس أو فقدان لشيء عزيز أو محبوب للنفس ينتج عن هذا الشعور أول شيء (خوف) يؤثر على النشاط النفسي والجسمي بشكل سلبي. وثمة إتفاق بين المشتغلين بعلم النفس والطب النفسي بأن القلق يمثل عصب الحياة النفسية، ويعتبر المدخل الجوهري لدراسة الصحة النفسية للإنسان، وأن القلق خبرة انفعالية كامنة ومتأصلة في وجود الإنسان، قديمة قدم الإنسان نفسه وأن درجة الشعور بالقلق ومستواه تختلف باختلاف الظروف المهيئة للقلق”(عيد، ب-ت: 97)
وأخطر ما ينمي القلق ويطوره امتلاك الفرد للشخصية التضخيمية، التي تضخم المواقف بشكل أكبر من حجمها الطبيعي، وتحملها ما لا تحتمل، أو بناء مجموعة من التخيلات والتوهمات زائدة السلبية للموقف، والتي تقود أحيانا -جراء تردي حالة الأمن الداخلي- للقلق الشديد الذي قد لا يعرف له سبب، والذي قد يصاب به رجل الأمن باعتبار مهنته تصبغ بصبغة القلق المتواصل، مما قد يعيقه عن ممارسة حياته الطبيعية، ويجعله مهيأ لتوتر دائم. مما يستدعي تدخل علم النفس ليقدم له العلاج المناسب، لمواجهة هذا المرض النفسي الذي يصيب العاملين في المؤسسة الأمنية، والذي يفقدهم كثير من طاقتهم النفسية الصحيحة. بالإضافة إلى مراقبة وملاحظة الأداء السلوكي، الذي يمثل الحالة العملية للتكيف مع الواقع الجديد، بأسس علميه نفسية تعيد للفرد حالة التوازن والتكيف.
علم النفس الأمني وسيكولوجية الخوف: إن رجل الأمن يشعر بالرهبة والخوف، من العمل الأمني في بداية الالتحاق بالمؤسسة الأمنية، وهذا الشعور ينشأ من طبيعة العمل وخطورته. ولكن يتدخل علم النفس لانتزاع هذا الخوف من خلال وضع برامج تعليمية للتعامل مع مثيرات الخوف، ففي حالة تعرض رجل الأمن مثلاً لحالة من الخوف يجب أن لا يتعامل مع هذه الحالة بشكل سيكولوجي بحيث يعكس ما بداخله على الواقع، بل عليه أن يتعامل مع الواقع بحياد وموضوعية.
ويعمل علم النفس على وضع حاجز نفسي لدى الفرد بين الاستقبال والإرسال تحكمه معايير أمنية صحيحة تتعلق بالتحكم في ردود الأفعال النفسية وتأجيل التفاعل مع الموقف سيكولوجياً انتظارا للقرار الأصوب من قبله أو من قبل المعنيين بالأمر. وفي هذا يتخلص من الذاتية من خلال الدمج بين الحالة النفسية والمتطلب الأمني، حيث لا يجوز أن يجعل من حالته النفسية تنفيساً لما فيها. فالتحكم بالنفس هو الحالة التي يربي بها علم النفس الفرد من تأجيل عملية الإشباع السيكولوجي لرد الفعل. وهكذا يتصدى علم النفس لمعالجة حالات الخوف التي تسود أحياناً العمل الأمني.
ثانيا: علم النفس الأمني والاختبارات والمقاييس النفسية:
يشكل علم النفس الداعم الأهم لضمان الصحة النفسية لرجل الأمن علي صعيد الذات والمجتمع, باعتباره يعمل على صقل شخصيته بشكل يعيد له حالة التوازن المستمر مع ذاته ومع مجتمعه.
واستخدام هذه المقاييس في مجال المؤسسة الأمنية، يعود بالنفع الكبير على هذه المؤسسة إذ يحررها من العشوائية ومن المحسوبية، بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب, وهذا له أكبر الأثر على الفرد والمجتمع والمؤسسة, لكونه يزيد من دافعية رجل الأمن, ويمده بطاقة داخلية عظيمة, ويترك في نفسيته أثر إيجابي يزيد أدائه ويحسن عمله ويضاعف إنتاجه. كما يعمق لدية الشعور بالثقة بالنفس, والرضا عن الذات, بالإضافة إلى الانسجام والتوافق مع المؤسسة التي ينتمي لها, ومع أفرادها وقيادتها على حدٍ سواء. وبالتالي تصبح وظيفته جزء من كينونته وذاته, فيدافع عنها بكل قوة وحماس, وتتلاشى لديه مشاعر الحنق والغضب والتبرم والضجر, ويقل شكواه وتتناقص لديه مشاعر الإحباط والقنوط واليأس, مما يجعله على استعداد لأن يضحي بنفسه ووقته وماله في سبيل إنجاح المهام الموكلة إليه.
“وأما في الاختبارات العملية أو اختبارات الأداء فيوضع الفرد في موقف فيه موقف فيزيقي حاد، أو موقف عقلي حاد، ليظهر قدرته على الصبر، ويظهر قدرته على الثبات والاتزان الانفعالي، او موقف يظهر فيه المرونة وعدم التحجر. وتستخدم الاختبارات العلمية والمقابلات الشخصية وغير ذلك من أدوات علم النفس في العمل الأمني، فعلى سبيل المثال “اتبع الألمان منهج تطبيق المقابلات الشخصية الرسمية وغير الرسمية، الحرة والمقيدة، واستخدموا اختبارات الورقة والقلم، وكذلك الفحوص الطبية والعقلية، وأبقوا بعض اختبارات الأداء أو الاختبارات العملية، إلى جانب اختبارات الورقة والقلم”.(العيسوي، 1999: 42)
كما تم استخدام الاختبارات الشخصية، حيث ” تعد اختبارات الشخصية من أكثر الأدوات انتشارا بين علماء النفس.. واختبارات الشخصية حاليا لا يمكن حصرها في هذا المجال، فهنالك عدد كبير جدا من الاختبارات السيكولوجية التي يفترض أنها تقيس الشخصية”. (غنيم،ب-ت: 370)
كما استخدمت المقاييس والاختبارات النفسية، ومنها مقياس الذكاء, ومقياس القدرات الخاصة, ومن أبرز الاختبارات، الاختبارات الشخصية والاجتماعية. وقد تم استخدام هذه الاختيارات في السابق في المؤسسة العسكرية بشكل موسع, خاصة في الجيوش الحديثة. التي ” أدى استعمالها إلى تحسين وسائل الاختبارات, ووسائل تصنيف الجنود أو المجندين، على أساس من قدراتهم، وتوزيع المجندين الجدد على الأسلحة أو الوحدات أو التخصصات المناسبة”. (العيسوي، 1999: 82)
وقد برزت أهمية هذه المقاييس والاختبارات في العمل الأمني خلال عمليات الفحص العقلي والنفسي، التي تتم بواسطة مجموعة من علماء النفس الأكفاء، ويستخدم فيها الاختبارات والمقاييس والميول والاتجاهات وغيرها، لمعرفة مستوى الفرد في القدرة على حل المشكلات أو مواجهتها.
ومن الاختبارات كذلك: اختبار الأداء، واختبار الاستعداد، واختبار التحصيل، واختبار التصفية، والاختبار التشخيصي، والاختبار التنبؤي، والتصنيف العام، واختبارات الجدارة الأهلية، وهذه لا تهدف إلى قياس أشياء سبق تعلمها مثل التوعية السابقة، ولكن تهدف إلى التعرف عما إذا كان المتقدم يملك القدرات الأساسية اللازمة لممارسة المهارات التي تتطلبها الوظيفة المطلوبه. وأما
” اختبارات الشخصية، فتهدف إلى التعرف على السمات التي يتمتع بها الشخص مثل: هل هو منطوي أم اجتماعي، أو هو متفائل أم متشائم، ومعرفة مدى الثقة في النفس، وردود الفعل نتيجة لضغوط الحياة اليومية، والتعرف على بعض الصفات، كالمثابرة، والطموح، والحسم والحزم، ومدى إمكانية الاعتماد على الذات وهل هو أناني أو عملي، الخ.”(خليل محمد، 1993: 164)
وهكذا فإن وجود فرع متخصص كعلم النفس الأمني يعنى بالحياة الأمنية، خاصة من خلال تطبيق المنهج العلمي القائم على مجموعة من المقاييس والاختبارات، ويقدم شبكة أمان عمليه للمؤسسة الأمنية، سواء على صعيد التعبئة والإرشاد، أو الوقاية والحماية، أو على مستوى العلاج والتقويم.
تعقيب عام:
لقد تناول هذا البحث المتواضع موضوع هام وخطير، كونه يتناول علمين مهمين في واقع الحياة، هما علم النفس وعلم الأمن، ويدرس العلاقة بينهما، ودور كل منهما في التأثر والتأثير في الآخر. وقد جاء هذا البحث نظراً لما يعاني علم الأمن من قصور وعجز شديد في استثمار مناسب لعلم النفس، ليس فقط على مستوى الدراسة، بل كذلك في مجال التطبيق. ولتغطية هذا العجز والقصور يسعى الباحث لبناء معادلة جديدة تتناول هذا التوجه من خلال إنشاء فرع جديد ومستقل، يخدم العلاقة الثنائية بين العلمين. ويكون مركب من كلاهما، باعتبار أن أي عملية تأصيل لا بد أن تقوم على توليفه عملية تربط بين العلوم المراد الدمج بينها، لتخرج فرعا جديداً مستقلاً. والتي تعتبر هذه المحاولة التأصيلية التي يطلق عليها الباحث علم النفس الأمني استرشاداً وتمثلاً لها.
وعليه فان هذا البحث يمثل محاولة أولية ترسم الخطوط العريضة لعملية التأصيل، التي تعتبر في حد ذاتها، عمل يهدف إلى إيجاد التميز في العلوم الإنسانية، ذلك التميز الذي يخلق الإبداع والتفرد. ويظهر نفعه وفائدته وتميزة كخطوة عملية، تمثل مرحلة انتقالية تبدأ من محاولة تأصيلية لعلم، وتنتهي بوجود هذا التأصيل في الواقع. فعملية التأصيل تبدأ دومًا بمرحلة التنظير ثم التطبيق. والباحث يحاول أن يمهد في هذه البحث لمرحلة التنظير التي تستمد مسلماتها من الأصل الذي تنطلق منه.. ثم يتبعها بمرحلة التطبيق التي تأتي لترسيخ هذا العمل على مستوى البحث العلمي، من خلال السعي على إقرارها كمادة علمية تطبيقية تمارس في الحياة. لأن تكامل أي مشروع تأصيلي لأي علم لا يتحقق إلا بالاهتمام به نظرياً، ثم العمل على ترسيخ أقدامه من خلال التطبيق.
ولكون عملية التأصيل لعلم النفس الأمني، هي عملية اجتهاد علمية بمعنى الكلمة، فإن الباحث سوف يلتزم بشروط البحث العلمي في الاجتهاد، التي تستلهم وتستقى من الأصول العلمية المحضة.
وخاصة أن هذه المحاولة تأتي من خلال قناعة الباحث بأن هذا الفرع من علم النفس، قد يكون أكثر ضرورة وأهمية من فروع علم النفس الأخرى، التي تم التأصيل لها مسبقاً. كعلم النفس العسكري، على سبيل المثال، الذي يقتصر على حالة الحرب فقط، ولا يمتد ليشمل حالة السلم، بخلاف علم النفس الأمني الذي سوف يغطي مساحة أكبر من المساحة التي يغطيها ذلك الفرع من علم النفس.
وأخيراً فان الباحث في هذا البحث يوجه دعوة عامة للعلماء والمفكرين، خاصة المتخصصين في العلوم الأمنية والنفسية، ليدلي كل منهم بدلوه في هذا المضمار، ليكملوا المشوار لبناء هذا العلم الجديد، لأننا بالتأكيد نحتاج لجميع الجهود المخلصة، خاصة من أولئك المهتمين بناء علاقة بين علم النفس والأمن، للعمل على أن يتم هذا التأصيل ليصبح فرعاً مستقلاً قائماً بذاته.
الخاتمة
ملخص البحث:
لقد تصدر البحث بمقدمة، ثم بمشكلة الدراسة، والأهداف، والأهمية، والمنهج، وصعوبات البحث، وكذلك أهم المصطلحات، ومحددات البحث، وخطة البحث. وقد اشتمل على أربع مباحث، هي:
المبحث الأول: ويتناول أولا: العلاقة الوطيدة بين علم النفس والعلوم الأمنية على مستوى الفرد والمجتمع والمؤسسة الأمنية، ومدى أهمية كل علم للآخر لإنتاج فرع علم جديد.
ويتناول ثانيا: الأهمية الناجمة عن اندماج هذين العلمين مع بعضهما البعض، كمقدمة لدمجهما بحيث يلعب هذا العلم دورًا هاماً ومميزًا في الحياة الأمنية والمدنية في آن واحد.
والمبحث الثاني: ويتناول أولا: دور هذا العلم ومدى تأثيره على الحياة الأمنية التي تتعلق بالأمن الشخصي للأفراد، وكيفية تأقلم الفرد من الناحية السيكولوجية والأمنية.
ويتناول ثانيا: العلاقة بين علم النفس والأمن المجتمعي (الشعبي) ويوضح بان الأمن الشعبي هو حاجة سيكولوجية تتطلب أن بتأقلم امن الفرد مع نفسيته .
ويتناول ثالثا: العلاقة بين علم النفس وبين الحياة الأمنية في المؤسسة الأمنية ومدى إسهام هذا العلم الجديد في تطوير رجال الأمن في المؤسسة الأمنية .
والمبحث الثالث: ويتناول أولا: أهم المجالات المقترحة لاهتمام فرع علم النفس الأمني بشكل عام:
كظاهرة التعامل والتجسس، وأساليب وطرق التحقيق الصهيوني، والحرب النفسية، والإشاعة والدعاية، وغسيل الدماغ، والروح المعنوية، وتناول وسائل الإعلام الصهيوني.
ويتناول ثانياً: أهم المجالات المقترحة لاهتمام فرع علم النفس الأمني في المؤسسة الأمنية:
كدور علم النفس في التجنيد، ودوره في التوعية الأمنية، والتدريب الأمني، والاختيار، والتصنيف. والتوزيع، والتحري، والاستيعاب. وبعض المهارات الأمنية كالإعلام الأمني، ومهارات القيادة، وسيكولوجية الحوافز، وكذلك وسيكولوجية مهارة التحقيق، وبناء الحسي الأمني، الخ .
والمبحث الرابع: ويتناول أولا: الأمراض والاضطرابات النفسية، والخدمات النفسية، وبعض الضغوطات في العمل الأمني، وسيكولوجية الشك، والميل للعدوانية، وعملية الشعور بالخوف.
ويتناول ثانيا: دور الاختبارات والمقاييس النفسية في العمل الأمني، وكيف يمكن استثمار هذه الاختبارات والمقاييس في تحسين الحياة الأمنية.
ثم تعقيب عام، وخاتمة، تناولت: ملخص للبحث، وأهم نتائجه، وأبرز التوصيات فيه.

أهم نتائج البحث:
– لقد اظهر البحث مدى العلاقة المتشابكة بين المجال الأمني والمجال النفسي، هذه العلاقة التي لا غنى لكلا العلمين لبعضهما البعض في الحياة الأمنية.
– كما اظهر البحث أهمية التأصيل النظري لفرع جديد من فروع علم النفس يتناول المجال الأمني من منظور نفسي.
– كما اظهر البحث كذلك الدور الهام لعلم النفس في المجال الأمني الشخصي، وكذلك في المجال الشعبي، وأيضاً في المجال المهني (المؤسساتي).
– كما اظهر البحث دور علم النفس الأمني في الاهتمام في مناقشة أهم مجالات الأمن بشكل عام، كالتجسس، والتحقيق، والحرب النفسية، والإشاعة والدعاية، وغسيل الدماغ، والروح المعنوية.
– كما اظهر البحث دور علم النفس الأمني في الاهتمام في مناقشة أهم مجالات المؤسسة الأمنية، كالإعلام الأمني، ومهارات القيادة، وسيكولوجية الحوافز، ومهارة التحقيق، وبناء الحسي الأمني.
– كما اظهر البحث دور علم النفس الأمني في مجال التوعية الأمنية، والتدريب الأمني، والاختيار والتصنيف والتوزيع، والتحري، والاستيعاب.
– كما اظهر البحث دور العلوم النفسية في الوقاية والعلاج لكثير من الاضطرابات والأمراض النفسية التي يتعرض لها العاملون في الأمن، كالخوف والاكتئاب والضغوط والعدوانية الخ.
– كما اظهر البحث كذلك أهمية الاختبارات والمقاييس النفسية في العمل الأمني ودور هذه المقاييس النفسية في العمل الأمني.
توصيات البحث:
– الاستمرار في عملية التأصيل لهذا العلم، باعتبار أن هذا البحث هو مجرد محاولة أولية من الباحث لهذه العملية.
– القيام بتثبيت هذا الفرع الجديد واعتماده نظريا في المؤسسات الأكاديمية والعلمية، تحت اسم مادة (علم النفس الأمني)
– القيام بتطبيق هذا الفرع الجديد من علم النفس في المجال الأمني بشكل عملي وتطبيقي في جميع مجالات العمل الأمني.
– قيام المؤسسة الرئاسية بتبني إنشاء أكاديمية أمنية نفسية، تعتمد على نظرية الدمج بين العلمين.
– قيام المؤسسة العلمية العليا (التعليم العالي) بتوفير الإمكانيات اللازمة، كالدعم المالي والمعنوي لترسيخ مثل هذا العلم.
المراجع
– ابن منظور، جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم (1119م) ” لسان العرب” دار المعارف– لبنان.
– أبو نجيلة، سفيان(2001) “سيكولوجية الشخصية” دار النهضة العربية.
– أبو معيلق، مجدي (ب-ت) “علم النفس الجنائي”، الشرطة الفلسطينية غزة.
– البستانى، كرم (1986م) “المنجد في اللغة والإعلام” الطبعة الكاثوليكية، دار الشروق- بيروت- المكتبة الشرقية.
– البلبيسي، منيب (2002م) “الأمن النفسي وعلاقته ببعض المتغيرات الشخصية، والمتغيرات الديمغرافيه لدي طلبة الصف الحادي عشر في مدارس محافظات غزة”، رسالة ماجستير غير منشورة -جامعة عين شمس القاهرة، وجامعة الأقصى غزة .
– البيومي، محمد (1994م) ” ظاهرة تصفية العملاء ” الطبعة الأولى،غزة.
– جاد، نبيل عبد المنعم (1995م) “أسس التحقيق والبحث الجنائي العلمي” مطبعة كلية الشرطة، وزارة الداخلية أكاديمية الشرطة- كلية الشرطة.
– جامعه مؤته، (1996 م) ” محاضرات في مادة الأمن الوقائي” كلية العلوم العسكرية.
– جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، (2006م) مؤسسة اليمامة الصحفية.
– حركة التحرر الوطني الفلسطيني- فتح، ” قواعد المسلكية الثورية” ب-ت.
– حسن، الحارث. ودايني،غسان (2006م) ” علم النفس الأمني” ط1، مؤسسة الدار العربية، للعلوم-بيروت، كلية الملك فهد الأمنية-الرياض، مجلة البحوث الأمنية. العدد رقم 34، كما سُحبت في 29/4/ 2007م. c.edu.sa/Docs/Journal/ http://www.kfs
– الخطيب، محمد جواد (2005م) ” علم النفس وعلم وظائف الأعضاء”، الجامعة الإسلامية-غزة.
– خليل، أحمد ضياء الدين (ب-ت) “الحس الأمني وأثره في تحقيق المواجهة الجنائية” السنة الرابعة، أكاديمية الشرطة.
– خليل، محمد حسين (1993م) “أصول إدارة الأفراد مع التطبيق على القوى العاملة بالشرطة” أكاديمية الشرطة-كلية الشرطة-القاهرة.
– درويش، محمد (ب-ت) “إدارة عمليات الشرطة” أكاديمية الشرطة-كلية الشرطة-القاهرة.
– الرازي، محمد بن ابي بكر بن عبد القادر (ب-ت) “مختار الصحاح” دار الفيحاء، بيروت-دمشق.
– الرفاعي، علي “العلاقات العامة في الشرطة”، مطابع روز اليوسف الجديدة- وزارة الداخلية- أكاديمية الشرطة- كلية الشرطة-القاهرة.
– سامح، احمد (ب-ت) “علم النفس الحربي” من الانترنت.
– السلمان، عبد العزيز المحمد (1981م) “الكواشف الجلية في معاني الواسطية”، الطبعة العاشرة-شركة الراجي للصرافة والتجارة، الرياض- السعودية.
– السلطة الوطنية الفلسطينية، (1998م) “كراسة الأمن”.
– السلطة الوطنية الفلسطينية، (1999م) ” منهاج تدريب القيادة والإدارة” ط1، الأمن العام-الفريق الفلسطيني للإدارة.
– الشريف، عدنان (1987م) ” من علم النفس القرآني”، دار العلم للملايين، بيروت-لبنان، ط1.
– الشربيني، لطفي (ب-ت) “العلوم الإنسانية في خدمة الأمن الاجتماعي” حلقة نقاش في الكويت.
– الشعلان، فهد، وفؤاد عبد الله الكندري، (ب-ت) ” التحفيز” مركز الدراسات الآسيوية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة. http://www.islamonline.net/arabic/mafaheem
– الطالب، هشام (1995م) “دليل التدريب القيادي”، فيرجينيا-المعهد العالمي للفكر الاسلامي، الاتحاد الاسلامي للمنظمات الطلابية- سلسلة التنمية البشرية.
– عباس، خضر (2000م) “إسرائيل ومفهومي توازن القوى والأمن الجماعي في العلاقات الدولية” مركز أفق للدراسات والتدريب، سلسلة دراسات أمنية، فلسطين-قطاع غزة.
– عباس، خضر (2000م) “دراسة بعض المتغيرات المرتبطة بظاهرة التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي” دراسة مقدمة لنيل درجة الماجستير في علم النفس، الجامعة الإسلامية- قطاع غزة.
– عباس، خضر (2001م) ” مستويات ونظريات الأمن القومي الإسرائيلي” إصدارات مركز أفق للدراسات والتدريب، سلسلة دراسات أمنية، فلسطين-قطاع غزة.
– عباس، خضر (2002م) “أساليب الحرب النفسية الإسرائيلية ومنطلقاتها في مواجهة الفلسطينيين” مركز الوعي للدراسات والبحوث الانسانية، فلسطين-قطاع غزة.
– عباس، خضر (2003م) “مفهوم الذات ومفهوم الآخر لدى عينة من عملاء الاحتلال الإسرائيلي ” دراسة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في علم النفس-الصحة النفسية، جامعة عين شمس- القاهرة، وجامعة الأقصى- قطاع غزة.
– عباس، خضر (2004م) ” العملاء في ظل الاحتلال الإسرائيلي”، مطبعة الأمل التجارية، فلسطين-قطاع غزة.
– عباس، خضر (2005م) ” رحلة العذاب في اقبية السجون الاسرائيلية”، مطبعة الأمل التجارية، فلسطين-قطاع غزة.
– عباس، خضر (2005م) ” وسائل الإعلام الصهيوني والحرب النفسية ضد الدعوة والمقاومة في فلسطين والتصدى لها” الجامعة الإسلامية بغزة – كلية أصول الدين- مؤتمر الدعوة الإسلامية ومتغيرات العصر، المنعقد في 16-17 /4 /2005م.
– عباس، خضر (2007) ” الأزمة الأمنية في فلسطين وسيكولوجية الفلتان الأمني” الجامعة الإسلامية بغزة – كلية أصول الدين-مؤتمر الإسلام والتحديات المعاصرة، المنعقد في2/4 /2007
– عجلان، أسامة (ب-ت) “محاضرات في إدارة الشرطة” المديرية العامة للشرطة، فلسطين-قطاع غزة.
– عسكر، عبد الله عبد الجبار الفرحان، (1991م) “المدخل إلى علم النفس”، الناشر مكتبة الأنجلو المصرية.
– عيد، محمد إبراهيم (ب-ت) “أزمات الشباب النفسية” كلية التربية- جامعة عين شمس، زهراء الشرق.
– عيد، محمد إبراهيم (2002) “الهوية والقلق والإبداع”، دار القاهرة-مصر.
– العيسوي، عبد الرحمن محمد (1999م) “علم النفس العسكري”، دار الراتب الجامعية.
– قدورة، عمر (1997م) ” شكل الدولة وأثره في الأمن” مكتبة مدبولي-القاهرة.
– المراسي، محمد مدحت (1994م ) “تنظيم إدارة الشرطة” أكاديمية الشرطة-كلية الشرطة-القاهرة.
– المشاط، عبد المنعم (1987م) “نظرية الأمن القومي العربي المعاصر”، دار الموقف العربي.
– مركز أفق للدراسات والتدريب، (2003م) “دوسية الأمن”.
– مركز أفق للدراسات والتدريب،(2003م) “دليل التدريب القيادي”.
– مركز أفق للدراسات والتدريب، (2003م) “الإدارة في الأمن”.
– مركز أفق للدراسات والتدريب، (1999م) “منهاج تدريب القيادة والإدارة”.
– مركز أفق للدراسات والتدريب،( ب-ت) “دورات في الأمن، دورة التخطيط والقيادة”.
– مركز أفق للدراسات والتدريب، (1998م) “كراسة الأمن”.
– محمد منشاوي، (2003) “العلاقات العامة في الأجهزة الحكومية بين النظرية والتطبيق” 6/8/2003 http://www.minshawi.com
– موقع مقاتل، (ب-ت) “أسس ومبادئ الامن الوطني”www.moqatel.com
– موقع شرطة جدة، (2003) “تعريف رجل الامن ” 19/7/2003 http://www.jeddahpolice.gov
– موقع نداء القدس، (2003) “مفهوم الأمن، صفات رجل الأمن”24/6/2003 http://www.qudsway.com
– مؤسسة الأهرام، “الموسوعة السياسية” القاهرة، (ب-ت).
– نافع، عبد الكريم (1975م) “الامن القومي” مطبوعات الشعب.
– نافع، محمد عبد الكريم (1992م) “أمن الدولة العصرية” ط2، كلية الشرطة-القاهرة.
– نصار، نصار أحمد أبو السعيد، (ب-ت) “العلاقات العامة”.
– نور الدين، عبد الرحيم (1998م) “طرق الكتابة التلفزيونية الأخبار والبرامج التلفزيونية ومعالجتها للقضايا الأمنية” أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية- السعودية.
– هيد، كيت (1998م) “كيفية إنجاز المهمات” المعهد الديمقراطي الوطني للشئون الدولية- واشنطن.
– وولتر، ليبمان (1984م) مؤسسة الأهرام الدولي، القاهرة.

أضف تعليق