مفاهيم أساسية علوم الأرض نشر بتاريخ: 16 أغسطس 2021

كيف تحدث عملية البناء الضوئي في المحيطات؟

ملخص

إن مصدر الطعام الذي نتناوله ينبع في النهاية من النباتات، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. ولا يمكن الاستهانة بأهمية النباتات باعتبارها مصدرًا عالميًا للغذاء. إذ ”تتغذى” النباتات على ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون لإنتاج غذائها وغذاء الملايين من الكائنات الحية الأخرى التي تعتمد عليها. ويعتبر جزيء الكلوروفيل (Chl) عنصرًا بالغ الأهمية في هذه العملية، لأنه المسؤول عن امتصاص ضوء الشمس. ومع ذلك، فإن الطريقة التي تنتج بها النباتات البرية غذائها تختلف تمامًا عن الطريقة التي تنتج بها النباتات في المحيطات غذائها. ونظرًا لصعوبة وصول الضوء إلى أعماق المياه في المحيطات، فإن عملية إنتاج الغذاء، والمعروفة علميًا بعملية البناء الضوئي، تصبح بطيئة للغاية. البروتينات الصبغية الحاملة للون (Phycobiliproteins) هي بروتينات تعمل على تسهيل هذه المهمة، من خلال امتصاص الضوء المتوفر ونقله إلى الكلوروفيل، وتوجد هذه البروتينات في كائنات حية دقيقة غير مرئية تُسمى الزراقم أو البكتيريا الزرقاء. إذ تُعد تفاعلاتها “المنتجة للغذاء” ضرورية لبقاء العديد من الكائنات الحية مثل الأسماك والطيور وغيرها من الكائنات البحرية. لذلك، من الضروري للغاية أن يفهم الجميع الطريقة التي تصنع بها هذه البكتيريا غذائها، وما الأدوار المهمة التي تلعبها البروتينات الصبغية الحاملة للون في هذه العملية.

كيف تحصل الكائنات الحية على غذائها؟

عندما تفكّر في الغذاء، هل تفكّر في صور لطعامك المفضل؟ تُعد هذه عملية طبيعية، حيث إن الغذاء مهم لكل كائن حي. ولتلبية هذه الحاجة الأساسية، فإن جميع الكائنات الحية تصنع غذائها أو تحصل عليه من مصدر آخر. يستطيع البشر تناول النباتات والحيوانات على حد سواء، وتلتهم بعض الحيوانات غيرها من الحيوانات، بينما تتناول بعض الحيوانات النباتات كغذاء لها. وفي النهاية نرى أن كل شخص على هذا الكوكب يعتمد على النباتات للحصول على الغذاء. ولكن على ماذا تتغذى النباتات إذًا؟ في الواقع، “تتغذى” النباتات على ضوء الشمس وغاز يُدعى ثاني أكسيد الكربون، وكلاهما متوفر بسهولة هنا على سطح الأرض. تُعرف العملية التي تنتج بها النباتات البرية غذائها باستخدام ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون بعملية البناء الضوئي (الشكل 1). فبينما تمتص الأوراق ثاني أكسيد الكربون، يُمتص ضوء الشمس بواسطة جزيء كيميائي في النبات يُسمى الكلوروفيل (Chl). تحتوي جميع الكائنات الحية التي تقوم بعملية البناء الضوئي على الكلوروفيل.

شكل 1 - طريقة عرض مبسّطة لكيفية صنع النباتات للغذاء من أجلنا.
  • شكل 1 - طريقة عرض مبسّطة لكيفية صنع النباتات للغذاء من أجلنا.
  • تحتوي أوراق النباتات الخضراء على الكلوروفيل الذي يمتص ضوء الشمس لإنتاج الغذاء، ثم يتغذى النبات نفسه والحيوانات الأخرى والبشر على هذا الغذاء.

ومع ذلك، فإن الطريقة التي تقوم بها النباتات البرية بعملية البناء الضوئي لا تناسب الكائنات الحية التي تعيش في المحيطات، والتي تغطي ما يقرب من 70% من كوكبنا، حيث تواجه النباتات في المحيطات مشكلات تتعلق بمدى توافر الضوء. تنفذ الأجزاء الزرقاء والخضراء من الضوء إلى داخل الماء بشكل أعمق من الأجزاء الصفراء والحمراء منه (الشكل 2). ولحسن الحظ، تحصل نباتات المحيطات على المساعدة من الميكروبات الدقيقة التي تُسمى البكتيريا الزرقاء (المعروفة أيضًا باسم الطحالب الزرقاء المخضرة) في عملية إنتاج الغذاء من هذا الضوء المحدود وثاني أكسيد الكربون، حيث تكيفت هذه الميكروبات مع ظروف الضوء الخافت، وتقوم بعملية البناء الضوئي لنفسها وللكائنات الحية الأخرى. البكتيريا الزرقاء هي ميكروبات عتيقة تعيش على كوكبنا منذ مليارات السنين، ويُقال إن البكتيريا الزرقاء هي المسؤولة عن صنع الغلاف الجوي الممتليء بالأكسجين الذي نعيش فيه [1]. لإجراء عملية البناء الضوئي في ظروف الضوء المنخفض، تحصل البكتيريا الزرقاء على المساعدة من بروتينات تُسمى البروتينات الصبغية الحاملة للون، والتي توجد عميقًا في الأغشية الخلوية (الغلاف الخارجي للخلية) للبكتيريا الزرقاء.

شكل 2 - يبين هذا الشكل نفاذ ضوء الشمس عبر مياه المحيطات.
  • شكل 2 - يبين هذا الشكل نفاذ ضوء الشمس عبر مياه المحيطات.
  • يتكون ضوء الشمس من ألوان مختلفة: بنفسجي (V) وأزرق (B) وأخضر (G) وأصفر (Y) وبرتقالي (O) وأحمر (R). يصل اللونان الأزرق والأخضر إلى عمق 200 متر داخل الماء، بينما يمكن أن تصل الألوان الأخرى بما في ذلك اللون البنفسجي إلى أول 100 متر فقط داخل المحيطات. تمثل الأسهم العمق الذي تصل إليه ألوان الضوء المختلفة في المحيطات.

ما البروتينات الصبغية الحاملة للون؟

تلعب البروتينات الصبغية الحاملة للون دور مساعد الكلوروفيل في البيئات المائية. وبما أن الضوء يواجه صعوبة في النفاذ داخل المحيطات، فإن البروتينات الصبغية تعمل على تسهيل هذه المهمة من خلال امتصاص أي ضوء متوفر؛ فهي تمتص الجزء الأخضر من الضوء وتحوله إلى ضوء أحمر، وهو لون الضوء الذي يحتاجه الكلوروفيل [2]. ومع ذلك، فإن تغيير لون الضوء لا يُعد أمرًا سهلًا كما يبدو. فيجب أن يمر الضوء الأخضر عبر جزيئات البروتينات الصبغية المختلفة التي بدورها تمتص أحد ألوان الضوء وتطلق لونًا آخر منه، ثم يتم بعد ذلك أخذ اللون الناتج بواسطة بروتين صبغي آخر ويحوله إلى لون ثالث. وتستمر هذه العملية حتى يصبح الضوء المنبعث أحمر اللون، ويتمكن الكلوروفيل من التقاطه في النهاية. ولكي تتم هذه العملية بأكملها، لدينا ثلاثة أنواع مختلفة من جزيئات البروتينات الصبغية المرتبة على شكل قبعة فوق جزيء الكلوروفيل؛ كما موضح في الشكل 3. الأنواع الثلاثة من البروتينات الصبغية الحاملة للون هي كما يلي:

  • C-phycoerythrin (CPE): بروتين لونه أحمر مائل للوردي ومسؤول عن امتصاص الجزء الأخضر من ضوء الشمس.
  • C-phycocyanin (CPC): بروتين لونه أزرق داكن ومسؤول عن امتصاص الجزء الأحمر المائل للبرتقالي من ضوء الشمس.
  • Allophycocyanin (APC): بروتين لونه أزرق فاتح ومسؤول عن امتصاص الجزء الأحمر من ضوء الشمس.
شكل 3 - ترتيب يشبه القبعة للبروتينات الصبغية الحاملة للون والكلوروفيل (Chl) في البكتيريا الزرقاء.
  • شكل 3 - ترتيب يشبه القبعة للبروتينات الصبغية الحاملة للون والكلوروفيل (Chl) في البكتيريا الزرقاء.
  • يتم امتصاص الضوء الأخضر أولًا بواسطة بروتين C-phycoerythrin الذي يمرره إلى بروتين C-phycocyanin (CPC)، الذي يمرر بدوره طاقة الضوء إلى بروتين allophycocyanin (APC) الذي يقوم بنقلها إلى الكلوروفيل لإجراء عملية البناء الضوئي باستخدام الضوء الأحمر.

السبب وراء امتصاص البروتينات الصبغية لألوان الضوء المختلفة هو احتوائها على جزيئات كيميائية تُسمى ”بيلينات” أو ”حاملات اللون”، والتي بدورها تمنحها ألوانها الزاهية. هذه الجزيئات مسؤولة عن امتصاص لون واحد من الضوء وإطلاق لون آخر، مما يؤدي إلى تغيير لون الضوء. وقد سمحت لنا المعدات المتطورة بتحليل ترتيب هذه الجزيئات والبروتينات في البكتيريا الزرقاء، ونحن نعلم أن البروتينات الصبغية الحاملة للون تتشكل على هيئة أقراص [3]، وتُكدس الأقراص فوق بعضها لتشكيل بنية تشبه القبعة. يتكون أحد طرفي مجموعة الأقراص من بروتين CPE، بينما يتكون الطرف الآخر من بروتين CPC، ثم يندمج هذان الطرفان مع نواة مكونة من بروتين APC، وفي النهاية ترتبط هذه البنية بأكملها بالكلوروفيل الذي يقبل الضوء الأحمر المنبعث من البروتين APC. يوضح الشكل 3 ترتيب هذه البنية الشبيهة بالقبعة.

كيف تحدث عملية نقل طاقة الضوء في البروتينات الصبغية الحاملة للون؟

يحدث التغيير في لون الضوء من اللون الأخضر إلى الأحمر من خلال عملية تُعرف باسم الفلورة. فلنر ما المقصود بالفلورة. تخيل وعاءًا شفافًا مليئًا بسائل وردي اللون، عند تسليط ضوء مصباح يدوي عليه فإنه يسطع باللون البرتقالي اللامع! وهذا بالضبط ما يفعله بروتين CPE (الشكل 4). تمتلك جميع البروتينات الصبغية الحاملة للون هذه الخاصية المميزة التي يتم من خلالها إطلاق ضوء مرئي بلون مختلف عن لون الضوء المسلط عليها. وبعد أن يقوم بروتين CPE بتحويل الضوء الأخضر إلى ضوء أصفر برتقالي، يلتقط بروتين CPC الضوء الأصفر البرتقالي ويغيره إلى ضوء أحمر فاتح. ثم يأخذ بروتين APC هذا الضوء الأحمر الفاتح ويغيره إلى ضوء أحمر داكن من أجل الكلوروفيل. لذا فقد تغير الضوء الأخضر إلى ضوء أحمر، وهو لون الضوء الذي قُدِّر للكلوروفيل امتصاصه حسب الطبيعة. العملية بأكملها هي نوع من أنواع سباق التتابع، حيث يكمل كل مشارك من حيث توقف المشارك الذي يسبقه (الشكل 5). تُعد هذه البروتينات الصبغية الحاملة للون جزءًا مهمًا من الكائنات الحية الدقيقة التي تُسمى البكتيريا الزرقاء، والتي تقوم بعملية البناء الضوئي بنفس طريقة النباتات البرية، والفرق الوحيد بينهما هو استخدام مجموعة مختلفة من الجزيئات الكيميائية؛ حيث تستخدم البكتيريا الزرقاء البروتينات الصبغية الحاملة للون، بينما تستخدم النباتات البرية الكلوروفيل.

شكل 4 - خاصية الفلورة في بروتين C-phycoerythrin (CPE).
  • شكل 4 - خاصية الفلورة في بروتين C-phycoerythrin (CPE).
  • يتم تغيير اللون الأبيض للضوء الناتج عن المصباح اليدوي إلى ضوء برتقالي مصفر بواسطة هذا البروتين، ليلتقطه البروتين C-phycocyanin.
شكل 5 - تغير البروتينات الصبغية لون الضوء من اللون الأخضر إلى اللون الأحمر، حتى يمكن استخدامه في عملية البناء الضوئي.
  • شكل 5 - تغير البروتينات الصبغية لون الضوء من اللون الأخضر إلى اللون الأحمر، حتى يمكن استخدامه في عملية البناء الضوئي.
  • يلتقط بروتين C-phycoerythrin (CPE) الضوء الأخضر اللون ويغيره إلى اللون البرتقالي المصفر، ثم يلتقط بروتين C-phycocyanin (CPC) الضوء البرتقالي اللون ويغيره بعد ذلك إلى ضوء أحمر فاتح. يمتص بروتين allophycocyanin (APC) اللون الأحمر الفاتح ويغيره إلى اللون الأحمر، وأخيرًا يمتص الكلوروفيل اللون الأحمر، لإنتاج الغذاء من خلال عملية البناء الضوئي.

ما الذي تعلمناه؟

حسنًا، نعلم الآن أن البناء الضوئي هو العملية التي تصنع بها النباتات غذائها، باستخدام الكلوروفيل. ونعلم أيضًا أن الكمية المنخفضة المتوفرة من الضوء في المحيطات تؤثر على عملية البناء الضوئي هذه. طورت الطبيعة بعض الجزيئات الكيميائية المُساعدة والمعروفة باسم البروتينات الصبغية الحاملة للون، والتي يمكنها امتصاص ألوان الضوء المتوفرة في المحيطات وتحويلها إلى لون يمكن لجزيئات الكلوروفيل استخدامه. توجد هذه البروتينات في البكتيريا الزرقاء الدقيقة غير المرئية بالعين المجردة، والتي يكون بنائها الضوئي مسؤولًا عن توفير الغذاء للكائنات الحية في المحيطات بالإضافة إلى إنتاج الأكسجين في غلافنا الجوي الذي نتنفسه كل ثانية. أليس من المثير للاهتمام أن تتمكن هذه الكائنات الحية الدقيقة من إحداث مثل هذا الفارق في الحياة البحرية؟ وفي المستقبل، نأمل أن نتمكن من فهم وظائف هذه البروتينات الصبغية والأدوار التي قد تلعبها لأجل البشرية بشكل أكبر.

شكر وتقدير

تم تخصيص رقم تسجيل لهذه المسودة البحثية وهو CSIR-CSMCRI – 114/2016. ويعرب TG عن امتنانه لـ AcSIR لإشراكه من أجل الحصول على درجة الدكتوراة ‏و (CSC 0105) CSIR من أجل الدعم المالي.

مسرد للمصطلحات

البناء الضوئي (Photosynthesis): عملية تصنع النباتات من خلالها الغذاء لنفسها وللكائنات الحية الأخرى باستخدام ضوء الشمس وغاز ثاني أكسيد الكربون.

الكلوروفيل (Chlorophyll): جزيء كيميائي موجود في النباتات يمتص ضوء الشمس من أجل عملية البناء الضوئي.

البروتينات الصبغية الحاملة للون (Phycobiliproteins): أصباغ ملونة موجودة في البكتيريا الزرقاء وبعض الكائنات الحية الأخرى، تساعد في عملية البناء الضوئي عن طريق امتصاص بعض ألوان الضوء التي يصعب على الكلوروفيل امتصاصها.

الفلورة (Fluorescence): خاصية تتميز بها المركبات لامتصاص لون واحد من الضوء وإطلاق لون آخر. تستخدم البروتينات الصبغية الحاملة للون هذه الخاصية لتغيير لون الضوء الذي تمتصه حتى يمكن استخدام الضوء في عملية البناء الضوئي.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Sidler, W. A. 1994. Phycobilisome and phycobiliprotein structure. In: Bryant, D. A., editor. The Molecular Biology of Cyanobacteria. Dordrecht: Springer. p. 139–216.

[2] Ghosh, T., Paliwal, C., Maurya, R., and Mishra, S. 2015. Microalgal rainbow colours for nutraceutical and pharmaceutical applications. In: Bahadur, B., Venkat Rajam, M., Sahijram, L., and Krishnamurthy, K. V., editors. Plant Biology and Biotechnology: Volume I: Plant Diversity, Organization, Function and Improvement. New Delhi: Springer. p. 777–91.

[3] Satyanarayana, L., Suresh, C. G., Patel, A., Mishra, S., and Ghosh, P. K. 2005. X ray crystallographic studies on C-phycocyanins from cyanobacteria from different habitats: marine and freshwater. Acta Crystallogr. Sect. F 61(9):844–7. doi: 10.1107/S1744309105025649