الإصلاح يبدأ في الحلقة الأولى ولابد من رعاية القدرات الذهنية

المدارس المتخصصة تجذب الطلاب للمقاعد الدراسية وتمنع تسربهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

خطى أحادية الاتجاه رسمتها نظم التعليم الحكومي على مقاعد الدراسة، مخلفة بذلك مشكلات مزمنة أبداً لا تغيب في ظل عدم اعترافها بطاقات فلذات الأكباد من الأبناء، ما يعني بضرورة الحال البحث عن إطلاق قنوات جديدة ومسارات مختلفة يمكنها أن ترسم مستقبلهم وبناء غدهم عبر ما يمكننا تسميته مدارس التخصص وفق الميول والأهواء، سبيلاً للإصلاح الذي يمتد بجذوره إلى رعاية مدارس التعليم العام لا سيما حلقته الأولى من المرحلة التأسيسية بما يصب في المراحل المتقدمة بشكل يؤكد الميول والتطلعات.

يرى جعفر الفردان مدير مدرسة السعيدية للتعليم الأساسي في دبي أن التعليم الحكومي في الدولة يعاني من وجهة أحادية، حيث يسير جميع الطلاب في الاتجاه نفسه دون وجود قنوات تعليمية بديلة تعطي المتعلم أفقاً آخر نحو مستقبل أكثر إشراقاً، مؤكداً أن المشكلات الطلابية لن نجد لها حلولاً جذرية في ظل نظام لا يعترف بإمكانات وتوجهات الطلبة.

مشيراً إلى أن الفشل الذي يخيم على بعض الطلبة ويلقي بهم خارج أسوار المدرسة لعدم قدرتهم على تفهم مضمون النظرية النسبية وقانون فيثاغورس والمجال المغناطيسي والكهربائي وغيره من المعلومات، سببه أن هذه المعلومات لا تتناسب مع قدراتهم الذهنية والحركية والعقلية، لافتاً إلى أن العلماء قسموا الذكاء إلى أنواع مختلفة، فإذا لم تخاطب المدارس والمناهج كل ذكاء على حدة ضاع الطلاب في زحمة الرياضيات والكيمياء والصخور الرسوبية، مرتئياً أن تتوافق المناهج مع ميول وتطلعات الطلبة.

* قنوات جديدة

ويؤكد الفردان أن التسرب في المدرسة الإماراتية مشكلة لم تجد لها حلاً منذ بداية التعليم النظامي في الدولة والأعداد في تزايد وهي مشكلة حقيقية لكنها مهمشة ـ على حد قوله ـ حيث تكون الطاقات الطلابية المتسربة بعد فترة «بطالة حقيقية» قد تتحوّل لمشكلات مزمنة يعاني منها الوطن في الفترة المقبلة لأن النظام التعليمي فشل في استيعابهم كون ذكائهم لا يتماشى مع الذكاء المطلوب في المدرسة والمنهاج والمقرر الذي يعتمد على الحفظ والاستنتاج والاستنباط.

ويرى ضرورة فتح قنوات جديدة ومسارات مختلفة يمكنها استيعاب هؤلاء الطلبة بإمكاناتهم، فالذكاء الرياضي يجد له مدرسة تستطيع استيعابه والانطلاق به إلى أفق رحبة، ضارباً المثل ببعض الطلبة الذين يتمتعون بقدرات ذهنية خارقة خصوصاً في الجانب العلمي الرياضي، والفيزيائي نجد أن منهاج التاريخ والجغرافيا مقيد لقدراتهم وطاقاتهم ومعطل للانطلاقات الذهنية الخاصة بالتحليل والاستنتاج والاستنباط.

وقال الفردان إن هناك حلولاً لابد من وضعها واستراتيجيات لابد من إقرارها للقضاء على المشكلات المزمنة التي تعيق استقرار المدرسة وتمنعها من التحليق عبر تحقيق ذوات الطلبة ورسم شخصياتهم والسير بثبات نحو المستقبل من خلال مدارس ومناهج تهتم بالهوايات والميول كمدرسة الشرطة والحاسوب والمدارس التي تهتم بالحرف اليدوية والصناعات والطيران والتربية الرياضية والتمريض والفن والزخرفة، مؤكداً الحاجة الملحة لمدارس التخصص التي ينتمي إليها الطالب وفق رغبته، وقد يكون الطالب الفاشل في المدرسة الأكاديمية الحكومية متفوقاً ومبدعاً في مدارس الهواية والتخصص.

ودعا إلى مدرسة تجريبية واحدة في كل إمارة تضم العديد من العلوم والفنون يطلق بعدها العنان للفكرة، ومن ثم تكون النتائج على طاولة البحث.

* تلوين التعليم

وقال الدكتور هاشم دويدري منسق توجيه اللغة العربية في منطقة دبي التعليمية إن الجهات المسؤولة عن قطاع التعليم في الدولة منذ سنوات بعيدة إلى تلوين التعليم فلم تكتف بمؤسسات التعليم العام وحدها وإنما سعت إلى إحداث مدارس صناعية وزراعية وتجارية، ولكن هذا المسعى أخفق فيما يعتقد ـ وهو لا يزال يحبو أي لا يزال في سنوات التأسيس.

موضحاً أن الجهات الرسمية لم تقصر بحق التعليم الفني ورفدته بالطاقات والكوادر المتميزة ولكن المشكلة كانت في عزوف الطلاب عن الالتحاق بهذا التعليم، مرجعاً السبب في ذلك إلى أنه تعليم مهني والفلسفة الاجتماعية المنتشرة في الدولة تنظر إلى العمل اليدوي نظرة دونية، لذا كان عزوف الطلاب عن ذلك النوع من التعليم وما رافقه من عدم التعليم وما رافقه من عدم تشجيع من الأسر أيضاً السبب الرئيس في إخفاقه وتراجعه.

كما أن الجهات المسؤولة عن التعليم أفسحت المجال للمؤسسات التعليمية والتربوية الخاصة بالانتشار أفقياً على مستوى المدارس التأسيسية والثانوية ورأسياً على مستوى الجامعات لدرجة أن أعداد المدارس الخاصة في بعض الإمارات فاق عدد الحكومية، ما أسفر عن سلبيات كثيرة في مقدمتها سعي العديد من مدارس القطاع الخاص إلى الربح قبل التربية والتعليم.

وعن البديل للنظام القائم افترض أن يتساءل الإنسان عن سبل الإصلاح الجذرية والمجدية في آن واحد، معتقداً أن الإصلاح يبدأ بإعطاء الرعاية الجدية لمدارس التعليم العام وبخاصة الحلقة الأولى من المرحلة التأسيسية، وذلك بإعادة النظر في تكوينها لتكون مؤسسات ترصد الميول وتبدأ برعايتها وصقلها بما يسمح بإبرازها والاعتناء بها في المراحل المتقدمة بشكل يسمح بأن يتابع كل فرد ميوله ورغباته وتطلعاته.

* ميول وحاجات

ولفت الدكتور دويدري إلى أنه مع رصد تلك الميول والاتجاهات نستطيع أن نعد جيلاً فاعلاً ناجحاً في الحياة ولا بأس من التوفيق بين ميول الأفراد وحاجات المجتمع لكوادر تقوم بالأدوار المتعددة ولكنها أدوار تتفق وميول الإنسان ليحقق من خلالها النجاح له وللمؤسسة التي يعمل فيها.

ودعا إلى قيام مؤسسات تعليمية خاصة شريطة أن تتابع بصورة صحيحة ومناسبة، كما يفترض أن تنصف المؤسسات التعليمية الحكومية بأن تعامل بالعدل وترفد بالكوادر التعليمية والإدارية والتربوية المناسبة، ويفسح المجال للمنافسة الشريفة والهادفة بين المؤسسات التعليمية الرسمية ذاتها والخاصة.

وتؤكد عائشة إسحاق مال الله موجهة الإدارة المدرسية بتعليمية دبي أن التعليم الأكاديمي يمثل حاجة ملحة لأي مجتمع، ونحن في مجتمع الإمارات لا نقل شأناً عن المجتمعات الأخرى المتطلعة للتطور والتقدم.

مشيرة إلى أنه بعد مرور هذه السنوات الطويلة من التعليم النظامي في ظل الاتحاد وتسارع عجلة التغيير واقتحام الكثير من المستجدات والتحديات لابد للمجتمع والمسؤولين عن التعليم من وقفة تأمل في واقع ومستقبل التعليم وبالتالي البحث عن مخارج وقنوات أخرى أما مساندة للتعليم الأكاديمي أو منافسة له، لأن هناك الكثير من أبنائنا الطلبة الذين هم بحاجة إلى توظيف طاقاتهم وإبراز مهاراتهم بغير الطرق التقليدية الموجودة، ولعل ذلك أن يتأتى له الصورة المطلوبة في رحاب نظام التعليم الحالي.

* التسرب والرسوب

وأضافت عائشة إسحاق: من جانب آخر هناك من الطلبة من تحول قدراته الاستيعابية من دون الاستمرار في الدراسة خوفاً من الإخفاق، لذلك لابد من التنوع الذي سيسد فراغاً ويستوعب الشرائح المختلفة من الطلبة عندها ستتلاشى الكثير من الظواهر المدرسية كالرسوب والتسرب وغيرهما ويتحول الكل إلى طاقات بشرية منتجة ومبدعة، لذلك سنجد أن المرحلة المقبلة في أمس الحاجة للدعم المجتمعي القوي بجميع صوره للمساهمة في احتواء الطلبة في مدارس مهنية أو أخرى تناسب ميولهم.

ويتساءل معتز غباشي الاختصاصي الاجتماعي بثانوية الصفا في دبي: ماذا يحدث إذا كانت قنوات التعليم المتعددة المصادر مفتوحة أمام طلبتنا لاختيار المساق المناسب طبقاً للتطورات الحديثة المواكبة للعصر، وماذا لو خرج الطالب من تعليم المرحلة الوسطى التي تنتهي بالصف السابع ليجد أمامه باب الاختيارات مفتوحاً لوضع قدميه على أعتاب طريق تستهويه ويتعلم منها، كيف سيكون ما يرغبه ويتمناه، سواء كان المساق تكنولوجياً أو أكاديمياً أو غير ذلك، معتقداً أن الآفاق الرحبة المتعددة ستسمح له بالإبداع والسير قدماً نحو تحقيق الأهداف، فأحد الطلاب كما يقول:

ماذا لو تم إلغاء المناهج وأعطانا المعلم المعلومات عن الدرس وترك لنا البحث عن المصادر لتكون فكرة كاملة عن موضوع الدرس، من المؤكد سنبدع في الإجابة عن أي استفسار أو سؤال عن موضوع الدرس، ويمكن بذلك تأهيلنا في مختلف المواد على مدار السنة الدراسية وهكذا حتى نؤهل مهنياً لسوق العمل الذي أصبح ينظر للخريج نظرة مغايرة تعتمد على قدرته على استخدام الحاسب الآلي وإتقانه للغة وشخصيته القيادية ومبادراته، لافت إلى ذلك كله لا يوجد منه سوى القليل في التعليم التقليدي...

وطالب آخر يندب حظه لأنه رياضي مشهود له بالإبداع في ألعاب القوى وميوله في اقتناص ما تقع عليه عيناه من معارف عن لعبته المفضلة لتنمية ذاته وصولاً للبطولات وحصداً للبطولات، ويتساءل: هل يمكن أن أجد مساقاً تعليمياً يحقق رغباتي بعد المرحلة الإعدادية حتى تلازم الموهبة المعرفة والتفوق، مؤكداً ضرورة إعادة النظرة في التعليم النمطي الموجود، داعياً إلى التعليم المفتوح الذي يحقق طموح المتعلمين.

تحقيق: يحيى عطية

Email