الشخصية الثانوية ودورها في المعمار الروائي عند نجيب محفوظ

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدأ الناقد محمد علي سلامة كتابه (الشخصية الثانوية ودورها في المعمار الروائي عند نجيب محفوظ) بمدخل عن الشخصية ودورها في بناء الرواية باعتبارها العمود الفقري، إذ من خلال الشخصية تتكون الأحداث وتتشابك وتتضح الرؤى، سواء كانت الشخصية رئيسية أو ثانوية، ويصل إلى أن أديب نوبل التزم شكلًا فنيًا يعتمد على هندسة بناء روائي دقيق بالرغم من تطورات أدبه عبر مراحله المختلفة التي كثر الحديث حولها..

فنجيب محفوظ يبني رواياته على الشخصيات وتفاعلها مع بعضها، ويهتم أكثر بشخصياته الثانوية ودورها في تحديد صورة البطل أو الشخصية الرئيسية، ومن هذا التفاعل ينتج المعمار الفني للرواية عنده، الذي يقوم على توازنات محسوبة بين الشخصية الرئيسية والشخصية الثانوية.

وهذا يساعد على إعطاء الشكل بل والمضمون صورته في كل مرحلة، ففي المرحلة التاريخية يمكن أن يكون المنطق "الكل في واحد"، حيث التفاعل والتلاحم بين كل أفراد الرواية، حتى وإن بدا تحت قيادة بطل أوحد، وفي المرحلة الثانية لم يكن مستطاعًا أن تبرز صورة المجتمع الفاسد إلا من خلال تفاعلات الشخصية الرئيسية مع الشخصيات الثانوية.

ويبرز الكاتب بوضوح على مدار صفحات الكتاب أن الشخصية الثانوية لها دور مهم في هندسة البناء الروائي عند محفوظ، حتى وإن توزّعت بين شخصيات ذات دور ومساحة واسعة في أحداث الرواية؛ ويقول: نسبة الشخصيات الثانوية ذات المساحة الضيقة إلى الشخصيات الثانوية ذات المساحة الواسعة تعد محورًا يمكن تصنيف إنتاج محفوظ على أساسه، ففي المرحلة الاجتماعية نجد التدرج واضحًا، فالقاهرة الجديدة وخان الخليلي تمثلان مرحلة، يقتربان من بعضهما مع اختلاف الموضوع.

وإن لم تختلف الفكرة الرئيسية، ومن أوجه التشابه فيهما أن الشخصيات الثانوية التي تلعب دورًا بارزًا في الأحداث في كل منهما أربع شخصيات أو خمسة بينهم فتاة، بينما عدد الشخصيات الأخرى في الروايتين يكاد يتقارب، وبعضها يكاد يكون تكملة للوحة مثل الخادمة والسفرجي .

ومن هنا، يتوصل الكاتب إلى أن رسم نجيب محفوظ للشخصية يتلاءم مع المرحلة التي يعبّر عنها، وأنه بالفعل يلتقط شخصياته من الواقع الذي يعيش فيه، وتترسخ في ذهنه، بل ويجعل لها ملفًا عنده حتى لا تتوه ملامحها، فضلاً عن أن وضع الشخصية في الحدث الروائي يخضع لمعايير أشبه بأن تكون هندسية ونتيجة فكرة مسبقة، بالإضافة إلى أن الشخصية مهما كان حجم مشاركتها في الأحداث فاعلة فيها، ولا نستطيع أن نقول عنها مهمشة.

الالتزام

 

يتوصل الكاتب إلى أمر آخر لا يقل أهمية، هو أنه نتيجة للالتزام الذي تميزت به كتابات محفوظ، وارتباطه الشديد بواقع محدد ذي أفكار محددة، والذي نتجت عنه رؤية فلسفية واضحة، هناك تشابهات كثيرة بين شخصيات رواياته، بحيث تظهر الشخصية في رواية ثم نجدها في أخرى بنفس الصفات تقريبًا، مما يجعلها أقرب إلى النمط.

Email