خطبة فضل عشرة ذي الحجة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

فضل عشرة ذي الحجة
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

الحمد لله على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وسلطانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أيده ببرهانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأنصاره وأعوانه وسلم تسليما كثيرا...

أما بعد

 أيها الناس فقد كثر السؤال عن حج الإنسان الذي عليه دين وإنني أقول لكم إن الديون ثلاثة أقسام دين حال يطلبه صاحبه فهذا لا يحل للإنسان أن يحج حتى يوفيه لأن وفاء الدين حينئذ واجب لقول  النبي صلى الله عليه وسلم ( مطل الغني ظلم ) والظلم تجب إزالته والحج في هذه الحال غير واجب ولا يمكن أن يقدم غير الواجب على الواجب .  القسم الثاني دين مؤجل فيه رهن يكفي لوفائه فهذا يجب على الإنسان إذا كان عنده مال أن يحج ولا يمنعه الدين من وجوب الحج في هذه الحال لأن الدين لم يحل ولأن الدين له ما يكفيه من هذا الرهن وذلك مثل الديون التي في ذمم الناس  للبنك العقاري  أو لغيره من الناس إذا كان فيها رهون تكفي لوفائها . القسم الثالث ما سوى ذلك فلا يجب على الإنسان أن يحج وعليه دين لكن إذا حج فلا بأس عليه لاسيما مع استئذان أصحاب الديون ورضاهم بذلك هذه هي الأقسام الثلاثة فانتبهوا لها أسأل الله أن يرزقني وإياكم علما نافعا أيها الإخوة إننا في استقبال العشر الأولى من شهر ذي الحجة هذه العشر التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل أو إلا رجلا خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) وإذا كان العمل فيها  أحب إلى الله  فهو أفضل ولهذا جاء في رواية أخري ما من أيام العمل الصالح فيهن أفضل من هذه الأيام العشر إذا" فالعمل في أيام عشر ذي الحجة الأولى أفضل من العمل في العشر الأواخر من رمضان ومع هذا فإن كثيرا من الناس غافلون عن هذه الأيام العشر تمر بهم وكأنها أيام عادية لا يكثرون فيها من الأعمال الصالحة ولا يرفعون بها رأسا ولا يرون في التهاون بها بأسا لأنهم إما جاهلون وإما غافلون أيها المسلمون اعلموا فضيلة هذه الأيام العشر واعلموا فضيلة العمل الصالح فيها واجتهدوا فيها في العمل الصالح فإن هذه الأيام قال الله فيها (  ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) اكثروا فيها من الأعمال الصالحة من الصلاة والذكر وقراءة القرءان والصدقة والصوم فإن الصوم فيها مستحب لأنه من الأعمال الصالحة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسند والسنن من حديث حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع صيامها) وهذا الحديث وإن كان في سنده ما فيه لكن يؤيده عموم الحديث الثابت في الصحيحين ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) ومن المعلوم لعامة المسلمين أن الصيام من العمل الصالح بل هو من أفضل الأعمال الصالحة حيث قال الله عز وجل ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) وإني أضرب لكم مثلا الصلاة جماعة محبوبة إلى الله في كل وقت ولكنها في العشر الأول من ذي الحجة أحب إلى الله من غيرها من أيام السنة .  الصدقة محبوبة إلى الله في كل وقت ولكنها في العشر الأول من ذي الحجة  أفضل منها في وقت أداء الزكاة محبوب  إلى الله تعالى في كل وقت لكنها في عشر ذي الحجة أفضل من غيرها من الأيام إلا أن يلزم من ذلك تأخير الزكاة عن وجوبها فإن الواجب أن تؤدى في وقت وجوبها وهكذا بقية الأعمال الصالحة فاجتهدوا رحمكم الله اجتهدوا بالأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر وكبروا قولوا الله اكبر الله اكبر لا إله إلا الله والله اكبر الله اكبر ولله الحمد ارفعوا أصواتكم فيها ارفعوا أصواتكم بها في المساجد وفي الأسواق وفي البيوت وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم يخرجان إلى السوق لا يخرجهما إلا أن يكبرا في السوق فيسمع الناس تكبيرهما فيكبرون معهما فاحرصوا رحمكم الله على إعلاء هذه الشعيرة أما النساء فيكبرن في بيوتهن بدون رفع صوت واعلموا أن من رحمة الله بكم ومن حكمته البالغة التي لا تدركها العقول أن شرع للإنسان الذي يريد أن يضحي إذا دخل العشر أن لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من جلده شيئا كما صح ذلك عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي الإنسان إذا دخل العشر وأراد أن يضحي أن يأخذ من شعره أو من ظفره أو من بشره أي من جلده شيئا حتى يضحي هذا بالنسبة للمضحي أما المضحى عنه فإنه لا يحرم عليه أخذ شيء من ذلك ولهذا يكون التحريم خاصا برب الأسرة أما  الأسرة فلا يحرم عليهم أخذ شيء من ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال وإذا أراد أحدكم أن يضحي ولم يقل أو يضحى عنه وهذه العبارة ( أو يضحى عنه ) إنما هي من كلام بعض الفقهاء وليست من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يضحي عن أهل بيته ولم يقل لهم لا تأخذوا من شعوركم وأظفاركم وأبشاركم شيئا والأصل الحل حتى يقوم دليل واضح صحيح على التحريم وإذا لم يقم دليل على التحريم فليس لنا الحق أن نمنع عباد الله مما أباح الله لهم إذا" فالتحريم خاص برب الأسرة  الذي يضحي أما المضحى عنه فإنه لا يلزمه اجتناب الأخذ من ذلك . أيها المسلمون اعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد رسول الله وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل من قائل عليما (  إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد  اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد  اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم اسقنا من حوضه اللهم ادخلنا في شفاعته اللهم اجمعنا به في جنات النعيم من الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم اخذل أعداءهم يا رب العالمين اللهم اصلح للمسلمين ولاة أمورهم اللهم اصلح للمسلمين ولاة أمورهم اللهم اصلح للمسلمين ولاة أمورهم اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين عونا لمن قاموا بطاعتك والدعوة إليك يا رب العالمين اللهم اجعلهم حربا على أعدائك الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره اللهم سلط ولاة أمور المسلمين على المفسدين في الأرض حتى يقضوا على فسادهم يا رب العالمين اللهم أصلح بطانة ولاة أمور المسلمين اللهم من كان من بطانتهم غير ناصح لهم ولا لأممهم اللهم فأبعده عنهم يا رب العالمين وأبدلهم بخير منه  إنك على كل شيء قدير ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان  ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم اللهم اصلح قلوبنا وأعمالنا وذرياتنا يا رب العالمين إنك على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. . .